سياسة

الجزائر تتقدم إلى الوراء

دعوتها للاستدانة من طرف الأفامي وجدت لها “ترحيبا” في الداخل

الجزائر تتقدم إلى الوراء

الجزائر: حفيظ صواليلي /
نبش رئيس بعثة صندوق النقد الدولي إلى الجزائر في جرح عميق يذكر الجزائريين بسنوات القحط والدم والتشرد أيضا، بدعوته الحكومة إلى الاستدانة من الخارج من أجل تجاوز تبعات انهيار أسعار النفط. والجزائريون، بعد أن “تبحبحت” خزينتهم العمومية” بأموال النفط، لسنوات، صاروا، بمجرد سماعهم كلمة “أفامي”، يصابون برعشة، بينما أنصار الرئيس رفعوا عاليا، ولسنوات، شعار بوتفليقة، صاحب إنجاز محو المديونية، واسترجاع سيادة القرار الاقتصادي. لكن هؤلاء المناصرين لإنجازات الرئيس أصبحوا، اليوم، لا يخجلون من اللجوء إلى الاستدانة مرة أخرى، وأولهم بن خالفة الذي أصبح من منظري الاستدانة الجدد، عندما دعا إلى رفع طابو الاقتراض، حتى وإن كان يعي أنه يعيش في بلد، الاحتياطي به 140 مليار دولار. وتصريح بن خالفة، أمس، يحيل إلى الفهم أن مسؤول الأفامي لم ينطق عبثا لما دعا الجزائر إلى الاقتراض، لأنه يكون وجد الأرضية خصبة لتقبل المسؤولين الجزائريين ذلك بكل روح رياضية، حتى وإن كانوا يدركون جيدا أنهم يتقدمون بالبلاد إلى الوراء.

النفط الجزائري سيقل السنة الجارية عن 40 دولارا
الاستدانة في غضون العام القادم
عكس انخفاض سعر برميل النفط، أمس، تحت سقف 40 دولارا مجددا، حيث قدر في حدود 38 دولارا للبرميل لمؤشر برنت بحر الشمال، مدى هشاشة توازنات السوق النفطي، التي تتأثر من عدة عوامل، بعضها بعيد عن أساسيات السوق، أي العرض والطلب، ويدفع هذا الوضع إلى إبقاء أسعار البترول في مستويات دنيا، لا تفي بالحد الأدنى المراد تحقيقه في مجال الإيرادات العامة لعدة بلدان، منها الجزائر.

فالجزائر، وفقا لمختلف التوقعات، ستسجل عجزا قياسيا هذه السنة يتعدى عتبة 50 مليار دولار، حسب التقديرات الرسمية في قانون مالية 2016، هذا العامل، إلى جانب نضوب مرتقب لصندوق ضبط الموارد الذي قدر ناتجه في قانون مالية 2016، بـ17 مليار دولار، ولكنه سيكون أقل من ذلك بناء على متوسط سعر بترول جزائري، سيقل هذه السنة عن 40 دولارا للبرميل، هو الذي دفع هيئات دولية، منها صندوق النقد الدولي، إلى ترجيح سيناريو الاستدانة الخارجية، بناء على عدد من التقديرات من بينها تدهور معتبر لأهم مؤشرات الاقتصاد الكلي، على رأسها عجز الميزانية والخزينة، وانكماش كبير للإيرادات نتيجة انخفاض عائدات المحروقات، بنسبة لا تقل عن 45 في المائة، ولكن أيضا غياب بدائل عملية في ظل عدم تنوع الاقتصاد الجزائري، حيث لا تزال الصادرات الفعلية خارج نطاق المحروقات لا تتعدى 3 في المائة من إجمالي الصادرات.

ويضاف إلى المؤشرات الكلية، الاختلالات الكبيرة في بنية الاقتصاد الجزائري، وضعف قدرات التمويل خارج دائرة البنوك، وسيادة السوق الموازية، وضعف معدل الإنتاجية. وقد بينت تجربة الالتزام الضريبي أو عملية “الامتثال الضريبي الطوعي”، الذي سعت من خلاله السلطات العمومية إلى استقطاب واسترجاع جزء من السيولة المتداولة خارج نطاق البنوك والدوائر الرسمية، ضعف هوامش حركة الحكومة التي تسعى إلى إطلاق قروض سندية، كآلية لتمويل مشاريع الشركات والمؤسسات، لاسيما العمومية منها، إلا أن قلة الثقة السائدة في الحكومة، وتآكل القدرة الشرائية، يجعل من مثل هذا المسعى، إلى جانب ضعف نسبة الفائدة القريبة من نسبة التضخم، وإشكال الفائدة “الربا” لدى شريحة كبيرة من المواطنين، سيحصر مثل هذه العمليات في الدائرة القريبة من السلطة من رجال الأعمال ومن الهيئات والمؤسسات المصرفية العمومية، ما يجعلها غير ذي فائدة كبيرة.

وعلى هذا الأساس، فإن معادلة النفط والمؤشرات المالية، تفرز مضاعفات ستدفع الجزائر إما إلى تقليص مشاريعها الهيكلية إلى أدنى حد، بعد أن بدأت في إلغاء العديد من المشاريع، وإلا ستلجأ إلى بدائل منها الاستدانة للمؤسسات، داخليا وخارجيا أيضا، وهو ما تجلى من خلال مشروع مطار الجزائر الدولي الجديد وميناء الجزائر الجديد، اللذين تتكفل شركات صينية بقرض طويل الأجل في إنجازهما وتسييرهما.

ويتضح أن الوضع الحالي سيصبح أكثر تعقيدا مع سنة 2017، حيث تشير التقديرات الإحصائية الحالية إلى بلوغ احتياطي الصرف مستوى 143 مليار دولار، حسب تقديرات صندوق النقد الدولي، نهاية 2015، بانخفاض قدر بـ35 مليار دولار خلال سنة واحدة. وبعد أن فاقت الاحتياطيات 195 مليار دولار في بداية 2014، بدأت تعرف انخفاضا حادا، إذ فقدت، في أقل من سنتين، حوالي 53 مليار دولار. ومع استمرار انهيار البرميل، فإن مستوى احتياطي الصرف سيقل مع نهاية 2016 عن توقعات الحكومة، أي 121 مليار دولار، إلى أقل من ذلك بكثير، وإذا أضيف إليها عدم القدرة على توسيع الوعاء الضريبي أو فرض زيادات أكبر من قبل الحكومة، فإن خيار الاستدانة يبقى من بين البدائل التي ستضطر الحكومة إلى اللجوء إليها على المدى المنظور.

http://www.elkhabar.com/press/article/102464/

خبراء اقتصاديون يحذرون من تبعات الاستدانة

“الأفامي لا يدخل بلدا إلا وخربه”

الجزائر: جلال بوعاتي /

حذر خبراء اقتصاديون الحكومة من الرضوخ لضغوط صندوق النقد الدولي “الأفامي”، وتبني نموذج اقتصادي يفتح الباب أمام الطاقات الوطنية والاعتماد على القطاعات الاستراتيجية (كالزراعة) لانتشال الاقتصاد الوطني من التبعية والارتهان للهيئات المالية الدولية وأطماع الدول العظمى.

في اتصال معه، لا يخفي الخبير الاقتصادي، فارس مسدور، قلقه من تدخلات الأفامي في الشؤون الاقتصادية الوطنية، مشيرا إلى أن مهمة وفد خبرائه الأخيرة برئاسة فرانسوا دوفان، جاءت في سياق مغازلة السلطات برسالة مشفرة لها علاقة مباشرة بمواقفها الدبلوماسية من قضايا دولية حساسة، خلافا لما تم إعلانه في شكل “نصيحة” للاستدانة الخارجية.

وأضاف مسدور: “أتعجب كيف طالب موفد الأفامي من حكومة بلد الاستدانة الخارجية وهو يملك احتياطيا بالعملة الصعبة بـ140 مليار دولار، ولديه إمكانيات مالية داخلية تجعل منه، إذا ما توفرت الإرادة السياسية، جنة فوق الأرض”، موضحا أنه “باستطاعة الحكومة، إن أرادت، جمع 200 مليار دينار تضيع سنويا في شكل تهرب وغش ضريبي”، وحث هذه الفئة بعفو جبائي جزئي يسمح لها باسترداد سيولة.

ذات الخبير الاقتصادي يتحدث عن 3700 مليار دينار متداولة في السوق الموازي، أي خارج الإطار البنكي، وذلك بعلم الحكومة، فضلا عن أن 50 بالمائة من الكتلة النقدية موجودة في جيوب المتعاملين في السوق الموازي، متسائلا عن مدى نجاعة الضريبة الجزافية التي اقترحتها الحكومة بداية العام لاستمالة أصحاب الأموال المكتنزة مقابل تسديد 7 بالمائة ومن دون مساءلة، متحديا: كيف يدفع تاجر أو رجل أعمال يدير مليارا في السوق الموازي، مبلغ 70 مليارا للخزينة في شكل ضريبة جزافية !

من جهة ثانية، يرى فارس مسدور أن طرح الحكومة لسندات حكومية بمعدل فائدة 5 بالمائة، سيؤدي بالجزائريين للعزوف عن الانخراط في هذه الحملة التي تهدف لجمع السيولة النقدية من الجمهور والشركات، مقابل فائدة تدفعها الخزينة العمومية وقت ما شاء حاملها. ومن الحلول التي يقترحها، تطبيق قانون النقد والقرض فيما يتعلق بمكاتب الصرافة (تبديل العملة)، مشيرا في هذا الصدد إلى أرقام وصفها بالمخيفة تخص أصحاب الثروات بالعملة الصعبة، حيث يقدر محدثنا قيمتها بـ 12 مليار دولار !

وبرأي هذا الخبير، فإن السماح بإنشاء مكاتب الصرف كفيل باسترجاع هذه الأموال إلى الإطار البنكي والمالي القانوني.

بدوره، نبه عبد القادر سماري، رئيس النادي الاقتصادي الجزائري، إلى عواقب الانصياع لضغوط صندوق النقد الدولي، موضحا في هذا الإطار بأنه مؤسسة لا تخدم الشعوب الضعيفة، بل تعمل لحساب مصالح الدول العظمى، ولنا معه تجربة مريرة عشناها في التسعينات، عندما جاء وضغط على السلطات من أجل غلق مصانع النسيج التي كانت قطاعا حيويا. إن كل الحروب الدائرة في العالم اليوم وتحديدا في منطقتنا العربية أسبابها اقتصادية، وعلى هذا الأساس فإنه يربط بين زيارة وفد الأفامي وما يجري في الساحة الدولية. وبرأي سماري، مهما كان مستوى احتياطي العملة الصعبة 140 مليار دولار، فإن طبيعة اقتصادنا حاليا لا تسمح لنا باعتباره صلبا، لكونه يرتكز على المنتوج الوحيد وهو المحروقات التي لا نتحكم في إنتاجها مثل الوقود الذي نستورده بما لا يقل عن 5 ملايير دولار سنويا.. وتابع: مثل اقتصادنا يطلق عليه اسم “الاقتصاد البائس”، لأنه مبني على ريوع المحروقات فقط.

وبرأي وزير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة السابق، فإنه يتوجب على السلطات فتح نقاش وطني من دون خلفيات سياسية للتكلم عن الاقتصاد فقط، يخرج بخريطة نموذج اقتصادي يخرج البلاد من الأزمة.

وحول الحلول التي يقترحها للتخفيف من حدة الأزمة، يشير سماري إلى التفكير بشكل جدي لاتخاذ قرار شجاع لإطلاق المعاملات المالية غير الربوية، وفتح الطريق أمام تطوير ما يعرف عند الاقتصاديين بـ”الاقتصاد الثالث”، المتمثل في مؤسسات الوقف، وهي عبارة عن كتلة نقدية ضخمة، لكنها مجمدة وتفعيلها سيكون بمثابة الملاذ والمخرج مما نعاني منه، علاوة على إصدار الصكوك الإسلامية التي نجحت في الاستفادة منها دول غربية عدة وفي مقدمتها بريطانيا.
http://www.elkhabar.com/press/article/102466/

توافق بين الداخل والخارج على إعادة الجزائر إلى المديونية الخارجية

شبح أزمة 88 يعود في ثوبه ” القديم”
الجزائر: محمد سيدمو /
التقت تصريحات وزير المالية، عبد الرحمن بن خالفة، أمس، التي تحاول كسر “طابو” الاستدانة الخارجية، مع توصيات صندوق النقد الدولي التي تحث صراحة الحكومة الجزائرية على هذا الخيار، ما يعني أن إرادتا الداخل والخارج صارتا متوافقتين على المضي وراء إعادة الجزائر إلى عهد “المديونية” الذي عاشت فيه البلد “أسوأ” سنواتها.

خلال سنوات حكم الرئيس بوتفليقة، وأمام “هزال” الحصيلة الاقتصادية لبرنامجه، لم يكن أنصار الرجل الأول للبلاد يجدون من وسيلة للدفاع عن حصيلته إلا التأكيد على “حكمة الرئيس” في تسديد المديونية الخارجية التي كانت تشكل عبئا كبيرا على كاهل الموازنة العامة للدولة، فضلا عن كونها تضعف من سيادة الجزائر على قراراتها الاقتصادية، لصالح دول نادي باريس وباقي الدائنين الذين يستعملون في العادة الديون كوسيلة ضغط وسيطرة على ضعفاء العالم. ورغم أن تسديد المديونية لم يكن وليد عبقرية اقتصادية أو طفرة في فوائض القيمة، بل كان نتيجة ظرف دولي خاص قفزت فيه أسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة في التاريخ، إلا أن كثيرا من الجزائريين تعاطوا بالإيجاب مع سياسة الرئيس بوتفليقة، لأن زوال المديونية كان يمثل بالنسبة لهم نهاية عهد عاشوا فيه الويلات سنوات نهاية الثمانينات وبداية التسعينات، مع قصص إعادة جدولة الديون والشروط المجحفة التي تفرض مع كل دولار يأتي من الدول الدائنة، وعلى ذلك طبقت في الجزائر عدة سياسات حملت في جزء منها بصمة الخارج، مثل تسريح آلاف العمال وخوصصة المؤسسات العمومية وتخفيض قيمة الدينار، ما أدى إلى انهيار كلي للقدرة الشرائية وازدياد الفقر بمستويات كبيرة، فكانت الضريبة الاجتماعية هائلة على الجزائريين، لكنهم صبروا إزاءها في مواجهة خطر الإرهاب الأعظم الذي كان يهدد كيان الدولة حينها.

في تلك الفترة، وجدت الجزائر نفسها، كما يروي وزير سابق في الحكومة، غير قادرة على شراء باخرة قمح، وكانت المديونية خيارا لا مفر منه، بعد مواجهة البلاد لصدمة بترولية (1986) لم تكن الدولة الجزائرية المستقلة حديثا متعودة عليها. وبعد أكثر من 25 سنة، تجد البلاد نفسها في نفس الظروف، مع الفارق في أن الأزمة هذه المرة لم تكن مفاجأة، فالكثير من الخبراء والأحزاب تنبأوا بها وحذروا منها، لكن الحكومة لم تكن تأخذ ذلك مأخذ الجد، وكانت مستمرة في سياسة إنفاق وتبذير، غير متماشية مع طبيعة الوضعية المالية “المؤقتة” التي عرفتها البلاد، على اعتبار أن 98 بالمائة من المداخيل تأتي من قطاع المحروقات الذي تخضع أسعار مواده لحسابات دولية تتجاوز الجزائر.

وإزاء هذا الوضع، يقدم صندوق النقد الدولي، اليوم، توصياته التي تفوح منها رائحة نهاية الثمانينات، مقترحا على الجزائر العودة إلى الاستدانة الخارجية، مع الحزمة التي ترافقها كالاتجاه نحو خوصصة المؤسسات العمومية دون تفريق بين قطاعات استراتيجية وغيرها، وهي كلها إجراءات، في حال تطبيقها بشكل حاد وغير مدروس، ستنعكس على الجزائر سلبا، بسبب طبيعة اقتصادها الذي لم ينجح في تقديم البديل العملي للقطاع العام، إذ لا يزال القطاع الخاص، على كثرة الحديث عنه، قطاعا ريعيا بامتياز يعتمد على الاستيراد بنسبة كبيرة في الصناعات التي يشتغل بها. يكفي فقط التذكير في هذا الصدد بأن نسبة الإدماج التي تقيس المساهمة الوطنية في المنتوج تبقى ضعيفة جدا في أغلب المنتوجات، مثلما يذكر الخبير الاقتصادي عبد الرحمن مبتول.

الجديد في اقتراحات الأفامي، أنها وجدت آذانا صاغية من وزير المالية، عبد الرحمن بن خالفة، الذي رافع مطولا، أمس، في الإذاعة الوطنية، لصالح رفع “طابو” القرض الأجنبي، مرسما توجها يمثل انقلابا جذريا في سياسة الحكومة التي كانت ترى في المديونية الخارجية من المحرمات التي لا يجوز الاقتراب منها.

http://www.elkhabar.com/press/article/102468/

كلمات مفتاحية

شارك بالتعليق

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق