مقالات

رشاد، مؤتمر التنسيقية، والسلطة، لِمَ هذه الزوبعة؟

رشاد، مؤتمر التنسيقية، والسلطة، لِمَ هذه الزوبعة؟
نقط عدة يمكن استخلاصها من ردود الفعل الهستيرية معلومة المصدر، عقب صدور بيان حركة رشاد تعرب فيه عن عزمها المشاركة في مؤتمر هيئة التنسيق والمتابعة المزمع عقده يوم 30 مارس 2016، مع الإشارة أن مشاركتها ستكون بصفتها ضيفا بعد تلقيها الدعوة من منظمي للقاء.
هذه الردود أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن قرار الحركة صائب واجتهاد في محله، لأنه استطاع أن يكشف حقيقة هذه السلطة التي أثارت حملة شعواء وشرسة، عن طريق أبواقها، وهي التي ما فتئت تحاول التظاهر بتجاهل الحركة والانتقاص من شأنها مع ترك المجال لهوامشها الادعاء بأنها حركة غائبة عن المشهد الوطني والعمل من الخارج رغم تواجد عناصرها في ولايات شتى من الوطن بل ويتعرضون للمضايقات والاعتقال التعسفي باستمرار، حتى أصبح كل استنطاق للمناضلين الحقوقيين أو النقابيين أو البطالين في مخافر الشرطة يشمل سؤال مركزي، “هل أنت تنتمي أو تتعاطف مع حركة رشاد؟” مثلما أكده العديد من المعتقلين. وكان من المفروض وفق مأخذ هؤلاء الذين يتهمونها بالغياب عن المشهد الوطني، أن يباركوا مشاركتها لا أن يطلقوا أبواقهم لنهش أجساد الشرفاء ونشر الأباطيل والافتراءات السمجة والمضحكة في آن، والتي ارتدت في معظمها ضدهم، لحجم وهول الأكاذيب التي روجوها بشأن عناصر رشاد بل وحتى ضد أسرهم، أكاذيب افتضح زيفها نظرا لمعرفة الشعب الجزائري بمسار الرجال، حاضرا وقديما، أبناء أباءا.
أقول أن قرار المشاركة إيجابي على أكثر من صعيد لأنه فضح زيف السلطة التي تدعي احترام من يخالفها الرأي وتعمل على تدعيم ونشر الحرية والديمقراطية والتأسيس لدولة مدنية، وها هي تكشر على أنيابها لمجرد عزم حركة الرشاد المشاركة في لقاء بين جزائريين كاملي الحقوق والعضوية.
قرار رشاد بمشاركتها قد فضح سماسرة الوطنية المزيفة، وكل مندس يعمل على إجهاض لقاء الجزائريين فيما بينهم، والحرص على الإبقاء على الوضع الراهن الذي يخدم مصالحه ويخشى من اجتماع الجزائريين حول أرضية مشتركة تجمع أبناء الوطن الواحد لانتشال الوطن من براثين الوضع المنذر بالخراب، نتيجة التهميش وإقصاء طاقات الوطن، في الخرج والداخل من الإسهام في بناء بلدهم.
قرار رشاد يبين أنها رغم مآخذها الأخوية على المشاركين مع السلطة في مؤسساتها المزورة وفاقدة السيادة والصلاحية، لم تبخل يوما في شرح موقفها بعيدا عن التجريم أو التخوين، وها هي اليوم تستجيب لدعوة أخوية لطرح وجه نطرها بشكل مباشر يجعلها تتحدث عن نفسها بنفسها ولا تترك غيرها يتحدث نيابة عنها.
وأخير لا يخفى على أحد السبب الرئيسي وراء هذه الحملة التي بينت أنها في الواقع مهزلة وفضحت اصحابها أكثر مما أساءت لرشاد، لأن أخطر ما أقلق خفافيش الظلام وطحالب المياه الراكدة، هو قرار مشاركة رشاد كضيف، وأنها بصفتها حركة وطنية أصيلة لن تفوت فرصة لإسماع صوتها ووجهة نظرها والعمل على جسر الهوة بين فئات الشعب الواحد، وهو ما جعل هذه الخفافيش تضطرب ويقض مضجعها لأنها تعمل على الدوام على زرع الفتنة بين فئات المجتمع وتصوير اجتماعهم أمرا مستحيلا وتعمل ما في وسعها لإجهاضه، مثلما رأينها في لقاء المعارضة التمثيلية في روما أثناء العقد الوطني سنة 1995، لقاء جمع بين المرحومين ايت أحمد ومهري وبل بلة وعلي يحيى عبد النور إلى جانب ممثل عن الجبهة الإسلامية وغيرهم من أبناء الشعب الجزائري الذين هالهم مأساة بلادهم فتناسوا خلافهم وجراحهم وتنازلوا عن مواقفهم السابقة من أجل وقف نزيف الدم يوم كانت الحصيلة في حدود 50 ألف قتيل، فكان رد هذه السلطة حملة شرسة لتستمر المأساة وتتجاوز ربع مليون قتيل، وكان لقاء روما، مثلما هو الأمر بالنسبة لمؤتمر التنسيقية اليوم، أكبر دليل يفضح زيف السلطة التي كانت تدعي استحالة تفاهم المعارضة، وشنت حملة هوجاء ضدهم، لم ينجو منها حتى المرحوم مهري وأيت أحمد اللذان اتهما بالخيانة من أقرب المقربين منهم… في السلطة، والأمر اليوم يشابه ما حصل في لقاء روما. هذه الحملة الهوجاء لم تبتلع قرار مشاركة رشاد، ولو بصفتها ضيف في لقاء التنسيقية، مع احتفاظها بوجهة نظرها لطرحها أمام شركائها بكل صدق ومسؤولية، ولذا نفهم اليوم سبب هذه الحملة وهوية من يقوم على تأجيجها، بعدما كانوا يعولون على “مقاطعة” الحركة، ومن ثم ضرب حصار وسياج يحول دون التقاء الشرفاء. لقد “خيبت” رشاد ظنهم، وسفهت أحلامهم، وبذلك سجلت الحركة نقطة ثمينة وفضحت خطط السلطة، وينبغي استثمار هذه المبادرة الجريئة لتوحيد جهود كل المخلصين الصادقين المحبين لبلدهم مهما كان تباين أرائهم، وأيا كانت صفتهم، كأشخاص أو تنظيمات أو تجمعات، الهدف إنقاذ البلاد من عصابة مجرمة ومفسدة، فما عدا ذلك، هو إثراء مرحب به و اختلاف لا يفسد للود قضية .
د. رشيد زياني شريف

كلمات مفتاحية