مقالات

الثورة المضادة والنموذج الجزائري

الثورة

في 5 أكتوبر 1988، وبعد طول معاناة من فساد النظام الحاكم، وتردي الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وانتشار الفساد والرشوة والمحسوبية وسيطرة العسكر منذ الاستقلال على السلطة، في ذلك اليوم انتفض الشعب الجزائري ضد هذا الظلم، وأجبر النظام الحاكم على التغيير، والقيام بإصلاحات سياسية واقتصادية.

نتج عن ذلك ظهور التعددية الحزبية، وانتشار الصحف بمختلف التوجهات، ظهر في هذا الوقت «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» كحزب سياسي يحمل أفكارًا تعارض الأفكار المعتادة والمعتاد عليها، وكانت هذه الحركة في أصلها حركة إصلاحية؛ تهدف إلى التغيير والنهوض بالمجتمع، بتطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية، وإحداث النهضة الأخلاقية والاجتماعية.

كان الخطاب الذي صاغه قادة الجبهة الإسلامية خطابًا مغايرًا لما اعتاد المواطن الجزائري، والعربي بصفة عامة على سماعه، كانت العدالة والمساواة هي اللب، والنهوض بالإنسان هو الهدف، وهذا ما جعلها تكتسب شعبية قهرت خصومها وجعلتهم يعادونها.

الانتخابات الأولى

كان أول الانتخابات: البلدية، وانتخابات الولايات، بعد التعددية الحزبية هي المفاجأة الكبرى, إذ حصلت الحركة على 953 مجلس بلدي من أصل 1939، وعدد 32 مجلس ولاية من أصل 48، وكانت هذه النتائج كافية لإعداد الخطط في الخفاء لهذا المنافس الجديد من قبل المتسلطين العسكر.

في 26 ديسمبر 1991 جرت الانتخابات التشريعية، وحصلت الجبهة الإسلامية للإنقاذ على 82% أي ما يعدل 188 مقعدًا من أصل 231، وهذا ما جعلها اللاعب الأبرز في الساحة.

الانقلاب على الديمقراطية

يوم 12 يناير 1992 قرر المجلس الأعلى للأمن إلغاء نتائج الانتخابات التشريعية، وهنا بدأت الثورة المضادة حربها على الشعب، وظهر العسكر ـ كعادتهم السلطوية الاستبدادية ـ وبدأوا عمليات الاعتقال التي بلغت ما يقارب 20 ألف من أعضاء الجبهة الإسلامية، وبدأ القمع والقتل في الشوارع.

قام العسكر بالانقلاب وإلغاء الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وبعد الزج بالآلاف من أبنائها وأنصارها في السجن، وقتل المئات منهم، فثاروا على العسكر ولجأوا إلى السلاح، فقامت المخابرات بالعملية القذرة، وهي: قتل الأبرياء وتصفية الضباط المشكوك في ولائهم للمؤسسة العسكرية، وإلصاق التهم بالجبهة الإسلامية.

في سنة 1998 فر رئيس الوزراء إلى لندن، وفي مؤتمر صحفي قال «عبد الحميد الإبراهيمي»: «إن فرنسا أعطت الضوء الأخضر للعسكر؛ للقيام بالمهمة، والانقلاب، وكان الدعم العربي من مصر والسعودية، وأن ما حدث هو عملية قذرة ضد الشعب الجزائري» .

اليوم تطبق نفس العملية في سوريا وليبيا والعراق؛ لأنها ـ باختصار ـ أثبتت نجاحها في المجتمعات الرثة، التي تغيب عقول الأغلبية فيها عن الواقع، والفهم، بفعل تراكم سنوات الاستبداد.

أطلق على تلك السنوات «العشرية السوداء»، شبيهة بنكبة «فبراير» في ليبيا، والمؤامرة الكونية في سوريا، ولن تجد مشكلة في الأسماء؛ فهي مهمة سهلة .

الحصيلة والمحصلة، هناك مؤامرة! ولكن ليست على الشعوب أو الأنظمة، وإنما على مشروع الإسلام الذي يهدف إلى النهوض، وبناء حضارة تخدم الإنسان.

يمكن الرجوع إلى كتاب «سنوات الدم» لمؤلفه محمد السمراوي، وهو عقيد سابق في الجيش الجزائري، والعديد من شهادات ضباط الاستخبارات والجيش على ما فعلوه وما شاهدوه.

محمد المسكاوي

كلمات مفتاحية