مقالات

إشكالية هيمنة اللغة الفرنسية في التعليم بالجزائر

بادية شكاط: إشكالية هيمنة اللغة الفرنسية في التعليم بالجزائر
بادية شكاط
إنّ الراهن الجزائري بات ينذر بأفق مظلم،تختنق فيه رئتي الفكر والوعي،فليست الأزمات الإقتصادية ولا الإجتماعية ولاحتى الأمنية بذات بال إذا امتلك الشباب الجزائري ناصية الوعي الذي يقلب فيه الليل إلى نهار،والذل والإنهزامية إلى عز وانتصار,فوحده الوعي بمخاطر الكسورهو مايجعلنا بمنأى عن الإنزلاقات في براثن الفكر المنحدر،والإستعمار المستتر،هذا الأخير الذي بات أهم مفصل من المفاصل التي تحرّك المجالات الحيوية لأي دولة عربية،ماأودى بها إلى انهيارات كبرى لاتملك القيام بعدها .
ولن نكون مبالغين إذا اعتبرنا اللغة في أي تجمّع بشري هي أهم ركيزة بعد الدين تؤسس لموثوق هوية ،وليست هته نزعة شوفونية،أو ميثافيزيقا وهمية،بل هي واقع نلمسه في كل مسار للبناء الحضاري.
فما تأتي به الوزيرة ابن غبريط من مشاريع إصلاحية،هي في الحقيقة معاول هدم ،ومخدر فهم وفرانكفونية صارخة تريد أن تضع المدرسة الجزائرية قاب قوسين أو أدنى من المدرسة الفرنسية.
وهته من بقايا سياسة مستعمر خلع نعاله السوداء من تراب الجزائر الطاهر، وترك سُمّه الفكري يريد أن يسقي به عقول شباب لايعرفون عن فرنسا، إلّا أرشيفا من الصور كثيرا منه اندثر ،فأن تمتد اللغة الفرنسية هذا الإمتداد، هو منافسة ظاهرة جلية للغة العربية ،ولأنه بنظرنا لايمكن أن يحمل الفكر في جوفه من لغتين ،فقد تفقد اللغة العربية مع الزمن مكانتها بمزاحمة الفرنسية لها ،وهذا هو مطمح فرنسا الإستعمارية، ولايعني ذلك أن نضع بين الشباب واللغة الأجنبية أسوارا،بل أن نضع جسورا ،أو شرفات يطل من خلالها الشباب على الخارج وعلى الثقافات الأجنبية من غير أن يلقي بنفسه إليها منتحرا .
فلكل فكر وعاء يجمعه هو اللغة ،ولايمكن بأي حال من الأحوال أن تحل اللغة العربية محل الفرنسية ،وهذا ماوضّحه المفكر “أبو سعيد الصيرفي” بعد مناظرة طويلة امتدت من شروق الشمس إلى غروبها،خلص فيها إلى أنّ قضايا منطق اللغة اليونانية إذا أُنزِل على منطق اللغة العربية أفسده،وهذا مابيّنه أيضا الفيلسوف الألماني العظيم :”غوته” حين قال :”لولا اللغة الألمانية لما نشأت الفلسفة الألمانية”
وبعيدا عن أي لغة أخرى فأبناء الجزائر بحاجة كجميع الدول العربية إلى التمسك بلغتهم ،لأنها لغة قرآنهم ،ولهذا فسياسة المستعمر الفرنسي مع مستعمراته دوما كانت محاولة طمس اللغة لتطمس من خلالها الهوية ،وهذا ماأثبته المفكر المغربي عبد العلي الدوغري من خلال كتابه :”السياسة اللغوية والتعليمية الفرنسية بالمغرب “،حيث جمع من خلاله عديد الوثائق لضباط فرنسيين كان هدفهم القضاء على اللغة العربية لأنها كما صرّح أحدهم :”إذا عاشت اللغة العربية عاش القرآن ” وذلك مالايريدونه
ثم إنه مخطئ من يعتقد بأن اللغة العربية هي لغة قريش ،ولغة الجمل وماحمل ،بل إنّ مكانة أي لغة يفرضها أصحابها ،وخير مثال حاضر للعيان اليوم هو قناة الجزيرة العربية التي زاحمت القنوات الأجنبية ،ماجعل فرنسا تبث من عاصمتها باريس قناة منافسة هي “فرانس 24″ ناطقة بالعربية ،كما أنّ الحزب اليساري الإشتراكي في حملته الإنتخابية قام بطرح اللغة العربية كثالث لغة إجبارية في فرنسا لأنه يراها لغة الإقتصاد والمستقبل.
فلغتنا العربية هي لغة ثلاثمائة وخمسين مليون،وهي في المرتبة الثالثة من حيث الإنتشار بعد الصينية التقليدية والإسبانية ،تليها الإنجليزية في المرتبة الرابعة ،أما الفرنسية فهي لغة تحتضر وفي طريقها للزوال .
وشهد شاهد من أهلها الأديب الفرنسي صاحب روايات الخيال العلمي ” جول فيرن “والذي جل ماجنح به خياله كان إلهاما واقعا،حيث في روايته :”رحلة في مركز الأرض” تصور مركبة تتحمل حرارة باطن الأرض لتتمكن من الغوص إلى أعماقها ،لتجد آثار حضارات قديمة ومجموع مخطوطات مكتوبة باللغة العربية ،وحين سئل عن سبب اختياره للغة العربية كلغة للمخطوطات،أجاب قائلا :”لأنها لغة المستقبل”
فلنتمسك إذن بلغة المستقبل فهي لغة دنيانا وآخرتنا.
من الجزائر
http://www.raialyoum.com/?p=424876

كلمات مفتاحية