تاريخ

بيت “معركة الجزائر”.. ينهزم أمام القمامة

أوبترون: غياب الإرادة السياسية أغرق “البيت” في هذا الوضع

هو بيت انتهت عنده معركة الجزائر الشهيرة، لكنه بات اليوم يعاني تراكم النفايات والأوساخ عند محيطه، إنها البناية التي استشهد بداخلها صانعو ملحمة التاريخ “لاباتاي دالجي” بالقصبة حسيبة بن بوعلي وعمار علي المدعو علي لابوانت إلى جانب بوحميدي محمود وياسف عمر المدعو “عمر الصغير”، بعد تفجير المستعمر لها، محولا نصفها ركاما، والباقي صمد شاهدا يخلد الحدث.. اليوم هو شاهد على مأساة أخرى عنوانها الزبالة المتراكمة حوله.

يشعرك المنظر وأنت ترى رمزا من رموز الثورة ومعلما من معالم التاريخ بالأسى وهو يركح تحت الأوساخ والنفايات التي تراكمت على حدوده جراء التهميش واللامبالاة مثلما عبر عن ذلك سكان الحي الذي يقع به البناء الذي يؤرخ لحدث هام على مستوى عاصمة الوطن.

زارت “الصوت الآخر” المكان وقد باحت لها جدرانه بالأسى والأحزان قبل أن تنطق أفواه الجيران أو حتى أن تنبس بالبنان، حيث استقبلتنا لافتة رخامية على مدخل البيت الرمز مكتوب عليها في هذا المكان بتاريخ 08/10/1957 سقط في ميدان الشرف الشهداء الأبطال…. إلى غاية الفقرة التي جاء فيها إلى أن دمر المسكن بالمتفجرات “من طرف قوات العدو المحتل الغاشم” ليسقط هؤلاء الأبطال شهداء تحت الأنقاض وهاهو اليوم رمزهم المخلد يلتحق بهم شهيدا تحت ركام النفايات.

وقد لا يكون في علم كثيرين أن دار “علي لابوانت” كما تلقب شهدت وضع الأرضية الأولية لمؤتمر الصومام ومشاركة جماعة من إطارات الثورة مثلما تشير إليه منحوتة على مدخل البناية.

خلال الزيارة قص علينا عمر الذي يشرف على المكان عن بطولات وملاحم من تاريخ القصبة العتيق، مقدما لنا شروحا ونبذ تاريخية عن شخصيات ارتبطت أسماؤهم بهذا المكان كما عرفنا على وجوه شخصيات محفوظة صورها وهوامش عن أدوارهم إبان حرب التحرير الوطنية وسط قاعة داخل المبنى خصصت لتكون متحفا صغيرا يتحدث عن المحطات التي عايشتها القصبة.

وقد انتقد المتحدث غياب الدعم والمساعدة عن هذا المكان الذي يعاني حسبه التهميش والإهمال، ولا تتم إعادة تهيئته إلا عبر تحرك “الغيورين” وتضافر جهود وسواعد المحسنين من أبناء القصبة والمهتمين بالرموز والشواهد التاريخية، وعلق المشرف على البيت الشهير في القصبة عن الوضع الذي يقبع فيه المكان بالقول إن أكثر شيء يؤرقهم هو غياب النظافة الذي ساعد على تراكم النفايات من حول “الشاهد التاريخي” في صورة تعطي انطباعا سيئا عن الجزائر عند السياح والزوار القادمين من بلدان مختلفة للتجول في أزقة وشوارع العاصمة والوقوف عند معالمها الحضارية.

500 إلى 700 زائر أسبوعيا يستقبلهم مظهر “الزبالة“

أكد لنا عمر أن المكان يستقطب إليه نحو الـ500 إلى 700 زائر أسبوعيا وفي بعض الأحيان أكثر من ذلك، مشيرا إلى أن قاصدي البيت يتوزعون على جنسيات مختلفة، فإضافة إلى المهتمين والفضوليين من أبناء الوطن نجد وفودا زائرة من فلسطين وتونس وألمانيا والنمسا وكندا ومواطنين عن دول آسيا، وأكثر الملاحظات التي يسمعها المشرف من هؤلاء هي “ألا يحتاج المكان إلى تهيئة أكبر واهتمام أكثر، وعبارة معلم مثل هذا يحتاج إلى ترميم يليق برمزيته”.

أين دور منظمات أبناء المجاهدين وأبناء الشهداء؟

أعاب كثير من المواطنين غياب الجمعيات والمنظمات المختصة في هذا الميدان والتي من المفروض أن تكون ناشطة في عمليات حفظ التراث والمعالم التاريخية والأثرية، وقد تساءل البعض ممن حدثناهم “عن مدى جدية الحديث عن الاهتمام بالذاكرة وكثير من المعالم التاريخية تعاني الإهمال وغياب الاهتمام”.

وقد استغرب زوار تواجدوا معنا داخل “بيت أبطال معركة الجزائر”، غياب منظمات أبناء المجاهدين وأبناء الشهداء عن لعب دورهم في مثل هذه المواضيع، في حين يفترض عليهم أن يكونوا في طليعة المبادرات لترقية الشواهد التاريخية خاصة تلك التي لها صلة بأهم محطات تاريخ الجزائر وعلى رأسها ثورة التحرير الوطني.

ويحمل أبناء القصبة الجزء الأكبر من المسؤولية لرئيس المجلس الشعبي البلدي كونه لم يراع أهمية نظافة المحيط الذي يعتبر واجهة مدينة القصبة ويعكس الانطباع الأول عنها لدى زائريها “والناس تحكم بالمظاهر” أضاف أحدهم.

منتصر أوبترون: غياب الإرادة السياسية ترك “البيت” شاهدا بلا روح

تحسر المؤرخ منتصر أوبترون على الوضعية التي آلت إليها الكثير من الرموز التاريخية والشواهد الحضارية، مرجعا أسباب ذلك إلى “غياب الإرادة السياسية” على حد تعبيره، مستشهدا في السياق بما آلت إليه أوضاع بيت “معركة الجزائر” الشهير الذي بقي شاهدا بلا روح حسبه.

وقال أوبترون في تصريح لـ”الصوت الآخر” إن الأماكن التاريخية ليست وحدها من تعاني التهميش والإهمال، فحتى الرموز الإنسانية والشخصيات الثورية لم تعط حقها بعد أن “دفنت في مقبرة النسيان”، مشيرا في الصدد إلى أن كثيرا من الجوانب التاريخية “نجهلها أو نتجاهلها” بسبب التعتيم الذي يلف الجوانب التاريخية.

وطالب المتحدث قبل المرور إلى ترقية المعالم التاريخية والاهتمام بها إلى ضرورة إعادة الاعتبار إلى صانعي التاريخ بدءا باسترجاع رفات الشهداء الموجودة بالمتاحف الفرنسية إضافة إلى المطالبة بإحداثيات دفن بعض الشهداء الذي تجهل مقابرهم لغاية الآن من أجل إعادة دفنهم في مقابر لائقة مع بقية من وهبوا أنفسهم في سبيل هذا الوطن.

وعن الطبقة المثقفة يرى أوبترون أنها “تشتت” بين مهاجر إلى الغرب ودول المشرق من أجل تهيئة الظروف المناسبة لهم لمواصلة التحصيل العلمي أو جمع المال وآخرين بقيت أجسادهم داخل الوطن لكن جل تفكيرهم مشدود صوب الغرب بسبب “التأثر الرهيب بثقافتهم وعاداتهم”، مستثنيا جزءا بسيطا ممن لم تتوافر لديهم الظروف للبروز وإسماع أصواتهم على حد تعبيره.

ودعا المصدر السلطات الوصية إلى ضرورة التحرك إلى الأمام في ما يخص هذا الملف، وسلوك سبيل أكبر الدول التي تولي أهمية بالغة لتاريخها وبطولات رموزها الوطنية، مع غرس هذه الروح لدى الأجيال القادمة وربطها بالأجيال السالفة.

محمد فيطس
www.assawt.net/2017/08/بيت-معركة-الجزائر-ينهزم-أمام-القمامة/