تاريخ

محمد واكلي قصري يكشف جانبا من أرشيف الولاية الثالثة ويقدم حججا بالغة عن “لابلويت”

——–
محمد واكلي قصري يكشف جانبا من أرشيف الولاية الثالثة ويقدم حججا بالغة عن “لابلويت”
يعتبر من عناصر المنظمة السرية القلائل الذين لايزالون على قيد الحياة
رشيد طواهري نشر في المشوار السياسي يوم 24 – 03 – 2013

الجزء الثاني
تابعنا في الحلقة الأولى من هذا الحوار الشيّق مع المجاهد محمد والكي قصري أحد أهم محضري الثورة التحريرية بقرية سيدي نعمان بولاية تيزي وزو، كيف كانت الترتيبات والتحضيرات لتفجير الثورة التحريرية المسلحة، كما تابعنا مجريات الإصابة البليغة التي أصيب بها في معركة طاحنة ضد الجيش الفرنسي، وكيف نجا بأعجوبة من قبضة العسكر الفرنسي، وستتابعون اليوم أحداثا أخرى شيقة ومثيرة فيما تبقّى من مساره الثوري، وكذا الحجج الدامغة التي يقدمها عن صحة عملية لابلويت فإليكموها..
ما هو أهم حدث لازال عالقا في ذاكرتك إلى الآن من بين الأحداث التي عايشتموها خلال الثورة أو خلال التحضير لها؟
أهم حدث عايشته هو اعتقال رفاقي سنة 1957، الذي كان عبارة عن معجزة من عند الله، مزجت بين الألم والأمل، ففي يوم من الأيام ونحن داخل القرية حاصر الجيش الفرنسي القرية من الصباح حتى المساء، دون أن يعتقل أو يمس أحد، كنت آنذاك مسؤول مقاطعة، وهي المسؤولية التي تقلدتها خلفا لعمر حداد الذي ارتقى إلى مسؤول كتيبة، أحسست أن حصار القرية في الصباح لم يكن اعتباطيا ولا عشوائيا، بل أن أمرا دبره الجيش الفرنسي، وفي المساء كلفني الرائد «سي احسن» بمهمة قتل أحد الخونة في قرية القاهرة، فقلت لسي مقران أنني ذاهب في مهمة، وعليكم أن تغيروا المكان وتتوجهوا إلى غابة ميرة.
توجهت أنا إلى المهمة التي كلفني بها الرائد سي أحسن، بنما الجنود الذين أمرتهم بمغادرة المكان لم ينفذوا الأوامر واستثقلوا المغادرة، وقد كان إحساسي في محله، فقد باشر الجيش الفرنسي تمشيطا مكثفا للمنطقة، وأحكم عليها حصارا مشددا، وبينما أنا في طريقي عائدا من المهمة سمعت طلقات رصاص من الناحية التي تركت فيها زملائي، فأوجست خيفة من أن يكونوا قد وقعوا في مصيدة العسكر الفرنسي، في المساء التقيت بسي محند أوبلقاسم، فسألته عن مصدر الرصاص الذي دوى قبل قليل، فأخبرني أن الجماعة سقطت في كمين، مقران وكاتبي ومسؤل منطقة بني مزنزان ألقي عليهم القبض، كانت الحادثة بالنسبة لي الفاجعة الكبرى، وبالنسبة لعاشور الحركي بالقرية بمثابة الغنيمة الكبرى، فقد عذب أمقران عذابا شديدا، ولما جاء دور الحراسة لواحد من الجزائريين المجندين في الجيش الفرنسي أصله من مدينة وهران، وعندما حاول أحد الحركى ضرب مقران منعه، وقال له أنه في هذا الوقت تحت حراستي ومسؤوليتي، الأمر الذي أدى إلى شجار بين الأول والثاني، وبعد أن هدأت الأمور قال الجندي لمقران من كان يبعث لنا بالرسائل لنغادر الثكنة، وكنا نحن قد بعثنا برسائل إلى هؤلاء الجنود نحرضهم فيها على مغادرة الثكنة والالتحاق بصفوف جيش التحرير، فقال له مقران الذي كان منهك القوى من شدة التعذيب حتى أن السلك الذي ربط به كان قد أكل من لحمه، «نحن من كان يبعث لكم بالرسائل»، فقال له لو أطلق سراحك الآن هل تستطيع الهروب؟ فقال مقران، نعم، وعاد ذلك الجندي إلى مقران وقال له هل توصلني إلى «الخاوة» إذا فررنا معك، فقال نعم، وبالفعل أطلقا سراح مقران وفرا معه، وجلبوا معهم بعض الأسلحة، فعندما وصل مقران إلى المخبأ اعترف أن ما حدث هو عدم تنفيذ تعليماتي بمغادرة المكان، قلت لك أنها كانت معجزة على اعتبار أننا خسرنا الكاتب ومسؤول منطقة بني مزنزان، وعوضنا الله في نفس الوقت ثلاثة جنود آخرين وأسلحتهم».
في المقابل ما هي أسوأ ذاكرة؟
كانت تلك التي حرمنا فيها من تهريب 30 جنديا جزائريا بثكنة «دي كايي» بأسلحتهم.
كيف كانت القصة؟
في سنة 1957، كنا على اتصال مع جنديين من المجندين الجزائريين في الجيش الفرنسي بثكنة «دي كايي» بضواحي ذراع بن خدة، لكي نساعدهم على الهروب، وضعنا خطة محكمة لتهريبهم، قبل ذلك اقترحوا علينا الانتظار قليلا، لأنه سيلتحق بالثكنة حوالي 30 جنديا آخرين، وقد يمكنهم كذلك من الفرار، اتفقنا على هذا الأمر، وفعلا تم اقناع الجنود الثلاثين بضرورة الفرار من الثكنة والالتحاق بصفوف جيش التحرير الوطني، كان في الثكنة حوالي 40 جنديا فرنسيا، اتفقنا على أن يكون الموعد يوم الأحد على اعتبار أنه يوم عطلة بالنسبة للجنود الفرنسيين، وسيقضون يومهم داخل قاعة السينما، مما يسهل علينا الانقضاض عليهم والفرار نحو الغابة. كان هذا هو الاتفاق النهائي مع الجندي الذي كان في اتصال معنا، أعطانا قائمة كل الأسلحة التي كانت بالثكنة، وقال لنا عليكم بجلب بغال لنقلها، وكانت لو نفذناها غنيمة كبيرة جدا بالنسبة للمجاهدين، وضربة موجعة للجيش الفرنسي، اتصلت أنا بدوري بملازم «ح، م» لا أذكر اسم العائلة حتى لا أجرح مشاعرها، من أجل تزويدي ودعمي ببعض الجنود لتعزيز قدراتنا حتى نتمكن من القيام بالمهمة بكل ثقة. ولكن «ح، م» تماطل في مساندتنا حالت دون ذلك، فقد اتفقنا على أن يلتحق بنا بالجنود يوم السبت، على أن ننقضّ على الثكنة في مساء يوم الأحد، إلا أنه لم يصل أي منهم، فاتصل بي الجندي الذي اتفقنا معه بثكنة «دي كايي»، للاستفسار عن السبب، فقلت له أن الجنود انطلقوا في المهمة كما اتفقنا، وفي طريقهم صادفوا الجيش الفرنسي ودخلوا في معركة مما حال دون استكمالهم الطريق، ولم أكن أود إخباره بما حدث مع الملازم «ح، م» الذي لما كان يتعمد في التماطل في بعث الجنود لأسباب سأذكرها فيما بعد، وفي يوم الخميس من نفس الأسبوع بعثت له برسالة ثانية أترجاه فيها أن يبعث لنا الكتيبة يوم السبت لتنفيذ العملية، إلا أنه لم يفعل، مر يوم الأحد دون أن ننفذ العملية، وفي يوم الثلاثاء سمعنا أن إدارة الثكنة حولت الجنود إلى ثكنة آخرى، وبالتالي حرمنا غنيمة كانت ستكون لها انعكاسات جد إيجابية على معنويات وقدرات جيش التحرير بالمنطقة، وبقيت هاته أسوأ ذاكرة في حياتي.
خلفت عملية الزرق أو ما يسمى ب«لابلويت» بالولاية الثالثة الكثير من الجدل، وأسالت الكثير من الحبر، فالبعض يقول أنها لا أساس لها من الصحة وأنها مجرد ظنون ومكيدة ومصيدة من المخابرات الفرنسية لتصفية جيش التحرير من الداخل، في حين يعتبرها البعض صحيحة وأن المخابرات الفرنسية زرعت فعلا عملاء في صفوف جيش التحرير الوطني، كيف ترى أنت القضية؟
قضية لابلويت صحيحة مئة بالمئة، وليس فيها أي شك، فرنسا زرعت فعلا في صفوف جيش التحرير عناصر يعملون لصالحها، والكثير من المواقف والأحداث تثبت بما لا يدع مجالا للشك أنهم كانوا مندسين في صفوف جيش التحرير، والبعض منهم كان في منصب المسؤولية، فعلى سبيل المثال لا الحصر أروي قصة الملازم «ح، م» الذي كنت أتعامل معه أنا شخصيا بصفتي مسؤول مجموعة وهو مسؤول كتيبة، وكنت قد رويت لكم قصة إفشاله لعملية فرار الجنود الجزائريين من ثكنة «دي كايي»، فتلك العملية كان المفروض أن توفر لها كتيبة كاملة وبسرعة قياسية، لو كان ينظر لها من منظار مصلحة جيش التحرير، ورويت لكم كيف ترجيته مرتين ولم يفعل، وبعدها تعمدت الإدارة الفرنسية تحويل الجنود الذين كانوا يرغبون في المغادرة، فلماذا التباطؤ؟ ومن أخبر الإدارة الفرنسية حتى يتم تحويل كل الجنود، فهاته الحادثة الأولى؟.
-الثانية: وقع بعض المجاهدين بمنطقة إيقوراس في يوم من الأيام في اشتباك مع الجيش الفرنسي، وكان المجاهدون مسلحون جيدا، مما صعب على الجيش الفرنسي القضاء عليهم، ودامت المواجهة قرابة يوما كاملا، فقلت للملازم «ح، م» علينا أن نسرع إلى نجدتهم، فرفض، وكنت أنا مسؤول مجموعة وهو مسؤول كتيبة، حاول إيهامنا بانتظار العسكر الفرنسي في منطقة ما، فرأيت أن المكان لا يصلح بتاتا للقيام بالعملية. في الصباح سطرت مع عمر درويش خطة محكمة للتدخل، فقلت له عليك أن ترابط في الأعلى بمقبرة بوردين، وأنا والمجموعة في الأسفل، ولا تطلق النار إذا ما كان الفرنسيون متوجهون إلى الأسفل نحونا، أتركهم ينحدرون حتى يدخلوا في شباكنا، فنواجههم نحن بالسلاح، وإذا ما فروا نحو الأعلى يجدوكم أنتم بالمرصاد، إلا أن «م،ح» أمر عمر درويش بتغيير الخطة دون علمي. وصل الجيش الفرنسي كما خططنا له، ولكننا تفاجأنا أنهم كانوا على دراية بمكاننا، وأنهم هم من باغتونا وليس نحن، ومع ذلك واجهناهم بالسلاح، ودفعنا أغلبهم للفرار ناحية المقبرة أين من المفروض أن يكون عمر درويش وجماعته. ظننا أن المعركة تسير كما خططنا لها، انتظرنا رد عمر درويش لكن ولا رصاصة أطلقت، وفر الجنود الفرنسيون، في المساء التقيت بعمر درويش، واستفسرته غاضبا عن سبب عدم تنفيذه الأوامر، فقال لي أن «ح، م» منعه من ذلك، وأمره بأن يرابط في مكان آخر، وهذه حادثة ثانية تثبت تورطه في وشاية بنا للجيش الفرنسي.
تتابعون في الجزء الثالث:
– حججا أخرى عن عملية لابلويت واكتشاف خونة في صفوف جيش التحرير الوطني.
– أهم القادة الذين تعامل معهم ولقاءه بالعقيد عميروش.

http://www.alseyassi.com/ara/sejut.php?ID=3742

———-

محمد واكلي قصري يكشف جانبا من أرشيف الولاية الثالثة ويقدم حججا بالغة عن “لابلويت”
يعتبر من عناصر المنظمة السرية القلائل الذين لايزالون على قيد الحياة
رشيد طواهري نشر في المشوار السياسي يوم 24 – 03 – 2013

الجزء الثالث
بعدما قدّم «سي واكلي» حججا دامغة عن صحة عملية «لابلويت»، يواصل شهادته في الجزء الثالث من حواره المطول، ليعزّز حججه بأحداث عايشها تثبت صحة العملية، كما يعود المجاهد بذاكرته إلى الإجتماع الذي عقده العقيد عميروش بعد الإنتهاء من العملية، كما يعرّج أيضا على بعض الأخطاء التي عرفتها الثورة عايشها هو شخصيا.
والثالثة: طلب منّا نفس المسؤول «ح. م» حضور اجتماع الناحية عُقد ببني جناد في سنة 1957، بصفته مسؤول الناحية الثالثة بالقطاع 2، وكنت آنذاك مسؤول منطقة سيدي نعمان، كنا تسعة، خمسة مسؤولي منطقة، واوحد قائد كتيبة، ومسؤول الصحة، ومسؤول آخر، ومقران بن يوسف، انتهينا من الإجتماع في حدود الساعة الرابعة، استسمحت «ح. م» بالقيام بدورية خاطفة بالغابة للتعرف على إمكانيات الجنود، ومدى استعدادهم لتأمين خروج القادة من الإجتماع، لكنه رفض، ووجَّهنا إلى مكان آخر، إلى بيت أحد المدنيين، وصلنا إلى المنزل المحدد، دخلنا لنستريح قليلا، لكن خطة معادية كانت تنسج في الخارج، حاصرنا الجنود الفرنسيون بطريقة محكمة توحي بأنهم كانوا على علم بمكان تواجدنا، فأخبرتنا ربت البيت أن هناك مخبأ في البيت إن أردنا الإختباء فيه، لكني رفضت ذلك، وأمرت الجنود بالإستعداد للمواجهة، حتى وإن كانت في غير صالحنا، فليس لدينا خيار آخر، بقينا محاصرين في فناء البيت نتبادل إطلاق النار، وكنا نبحث عن مسلك للفرار، فلم نعثر على أي طريق، فما كان لي إلا أن تسلقت جدار البيت، وتسللت بصعوبة إلى المنزل المجاور ومنها إلى الخارج، واتخذت مكانا محصّنا وشرعت في إطلاق النار على العسكر الفرنسي، لتمكين زملائي من الفرار، خرجنا بأعجوبة من المنزل، وتمّ إصابة جندي اسمه مقران في العملية، فقمنا بإجلائه، كان واحد منا يحمل مقران والآخر يتكفل بالحماية وهكذا بالتناوب، تتبع أثرنا الجيش الفرنسي ولكن كنا قد وصلنا إلى الغابة فاختفينا، والْتحمنا مرة أخرى، وكان أن الله سبحانه وتعالى أنجانا من موت محقق، أسئلة كثيرة كانت تتبادر إلى أذهاننا، لماذا بعثنا «ح، م» إلى ذلك البيت؟ كيف عرف الجيش الفرنسي تواجدنا بتلك الدقة والسرعة؟ راودتنا شكوك بأن هناك وشاية من قبل صاحب المنزل، في المساء عدنا إلى البيت الذي كنا مختبئين فيه، استفسرنا إن كان صاحب المنزل قد تعرض لأي إيذاء من طرف الجيش الفرنسي، فأخبرتنا ربة البيت أنه لم يحدث شيء، فاستغربنا كيف لصاحب منزل عثر فيه الجيش الفرنسي على ثمانية مجاهدين بداخله، ولا يتعرض حتى للإعتقال، لو كان أحد آخر في مكانه لقطِّع حيًّا، وتعرّض للتنكيل والتعذيب وربما للقتل، فاعتقلنا ربة البيت وابنها وعروس، وبعد التحقيقات اعترفت العروس أن صاحب المنزل عميل للجيش الفرنسي، وأنهم كانوا قد طلبوا منها أن تدسّ لنا السم في الطعام، وأن ربة البيت دعت المجاهدين للإختباء في المخبأ حتى يتمكن الجيش الفرنسي من القضاء عليهم بداخله بسهولة ودون مقاومة، ولما تأكدنا من المعلومة نفّذ حكم الإعدام في الابن والعجوز وأطلق سراح العروس. وهذه الثالثة.
الرابعة: كان جيش التحرير الوطني يدفع للمسبلين مستحقاتهم نظير المؤونة التي كانوا يزودونه بها، وكنت مع مطلع كل شهر أتنقل إلى قرية رجاونة لدفع المستحقات، كان في المنطقة مسؤولان لا أذكر اسمهما، ثبت فيما بعد أنهما من الزرق، وحيث أنا في المنقطة معهم أعطوا أوامر لقتل أحد الخونة اسمه «قرفي» في بيته، فتدخلت قلت أنه من الأفضل أن يعدم خارج البيت وبعيدا عن أعين أبنائه، لأنهم بريئون ولا دخل لهم في عمالة أبيهم، إضافة إلى أن قتله داخل «الدوار» سيعرّض المدنيين إلى شتى أنواع التعذيب، لكن المسؤولان رفضا وأصرا على قتله أمام أعين أبنائه وداخل «الدوار»، والكارثة أن بعثا مع المكلفين بالمهمة أحد أبناء «قرفي» وأمروه بأن يتكفل بقتل أبيه، فكان أن قتل أباه وبطريقة بشعة، وعندما عاد المكلفين بالمهمة، أمروا الإبن الذي قتل أبيه أن يعود للعمل في تلك القرية، فحاول أن يقنعهما أنه لا يعقل أن يقتل أباه في القرية ويعود للعمل فيها، ولكنهم أصروا على ذلك فغضب المعني، وعاد إلى القرية ومن شدة الحرقة استسلم للجيش الفرنسي، وبات يعمل لصالحه، ولحسن حظه أنه قتل من طرف المجاهدين مباشرة بعد أن جاء رفقة الجيش الفرنسي إلى الغابة.
مَنْ أهم القادة الذين تعاملت معهم، وهل الْتقيت بقائد الولاية الثالثة العقيد عميروش؟
نعم، الْتقيت عميروش في مناسبة واحدة ووحيدة، ففي سنة 1958 بعد الإنتهاء من عملية الزرق طلب من كل مسؤولي الولاية الثالثة أن يحضروا اجتماعا بجبال «تلا نعمة»، ليطلعهم عى نتائجها وكيف انتهت، حضرت الإجتماع الذي عقد منتصف النهار بصفتي مسؤولا على ناحية بني جناد، فخطب العقيد عميروش في الحاضرين خطابا مؤثرا، وشرح فيها دواعي إعدام كل من تحوم حوله الشكوك بأنه مندس في صفوف جيش التحرير الوطني، بعد أن تقام عليه الحجة، واعترف بتأثر كبير أنه قد يكون من بين الذين نفذ في حقه حكم الإعدام أو الذين عذبوا أبرياء، ولكنها – كما قال – مقتضيات الحيطة والحذر، وساق مثالا «أنه إذا كان في سلة بطاطا أو طماطم حبة متعفنة، فعلينا التخلص منها وإلا فسدت كل السلة»، وكانت هذه الفرصة، أول وآخر مرة رأيت فيها العقيد عميروش. عرفت كذلك أعمر أوعمران – كما قلت لك سابقا – في سنة 1947 في بداية التحضير للثورة، وقد أشرف على تدريبنا شخصيا رفقة العقيد علي ملاح، وكذلك الْتقيت كريم بلقاسم عندما سافرنا إلى بلجيكا، كان هو الذي استقبلنا في الميناء، كما قلت في بداية حديثي.عرفت الرائد سي حسن كذلك ولكن لم تكن لمدة طويلة، كذلك عمر الباز الذي كان من الأوائل الذين الْتحقوا بالثورة قبل الفاتح نوفمبر في مرحلة التحضيرات بقرية أو حميش، في شهر أفريل 1955، استدعاني بغابة «ميزرانة» لكي ننظم القرية ونوعِّيها بضرورة العمل لصالح الثورة التحريرية.
أكيد أن الثورة التحريرية ليست منزهة، وتكون قد حدثت بها أخطاء، سواء عن سوء تقدير أو نقص للتجربة، هل ممكن أن تحدثنا عن أحداث عايشتها أنت بنفسك؟
أذكر مثلا، حادثة مع أحد المجاهدين لا أذكر اسمه، كان مجاهدا شجاعا ومتحمسا ولكنه مدمن على «الشمة»، وكانت هذه الأخيرة إبان الثورة التحريرية من المحظورات مثلها مثل التبغ، في يوم من الأيام قبض عليه من طرف القائد المدعو «سي موح الصغير» وهو من «تلا مقر»، فعاقبه عقابا مذلا ومهينا لكرامته، حيث أمره بأن يحلق شاربه من طرف واحد فقط، ويترك الطرف الثاني، ويأتي هكذا إلى مكان حدده له في موعد محدد حتى يتأكد من تنفيذه للأوامر، وإلا سيكون مصيره الإعدام، فما كان من المجاهد الذي لم يحتمل إهانة كرامته إلا أن يتوجه مباشرة إلى الجيش الفرنسي، وأعلمه بموعد لقاء «سي موح الصغير»، فنصب له كمينا وقتل، وبالتالي خسرت الثورة رجلين، واحد قتل والآخر انضم إلى صفوف الجيش الفرنسي.
تتباعون في الجزء الأخير:
أحداث شيقة مع السي أدير بمدينة تيزي وزو
كيف عاش هو ورفاقه عملية المنظار التي شنها الجيش الفرنسي
يتبع…

http://www.alseyassi.com/ara/sejut.php?ID=3743

———-

محمد واكلي قصري يكشف جانبا من أرشيف الولاية الثالثة ويقدم حججا بالغة عن لابلويت
يعتبر من عناصر المنظمة السرية القلائل الذين لايزالون على قيد الحياة
المشوار السياسينشر في المشوار السياسي يوم 12 – 04 – 2013

الحلقة الأخيرة
نتابع في الحلقة الأخيرة من الحوار المطول مع المجاهد محند واكلي بعض الأخطاء التي عايشها خلال الثورة التحريرية، والتي صدرت من مجاهدين وضباط في جيش التحرير الوطني، كما يروي لنا مغامراته مع الرائد سي إيدير بمدينة تيزي وزو، فإليكموها.

* أكيد أن الثورة التحريرية ليست منزهة، وتكون قد حدثت بها أخطاء، سواء عن سوء تقدير أو بسبب نقص التجربة، هل من الممكن أن تحدثنا عن أحداث عايشتها انت بنفسك؟

– أذكر مثلا، حادثة مع أحد الرفقاء لا أذكر اسمه، كان شابا شجاعا ومتحمسا ولكنه مدمن على «الشمّة»، وكانت هذه الأخيرة إبان الثورة التحريرية من المحظورات مثلها مثل التبغ، في يوم من الأيام قبض عليه متلبسا من طرف القائد المدعو «سي موح الصغير» وهو من تلا مقر، فعاقبه على فعلته عقابا مذلا ومهينا لكرامته، حيث أمره بأن يحلق شاربه من طرف واحد فقط، ويترك الطرف الثاني، ويأتي بتلك الصفة إلى مكان حدده له في موعد محدد حتى يتأكد من تنفيذه للأوامر، فما كان من المجاهد الذي لم يتحمل إهانة كرامته إلا أن توجه مباشرة إلى الجيش الفرنسي، ليعلمه بموعد لقاء «سي موح الصغير»، فنصب له كمينا وقتل، وبالتالي، خسرت الثورة رجلين، واحد قتل والآخر انضم إلى صفوف الجيش الفرنسي. كذلك حادثة أخرى، حيث كنا في يوم من الأيام نرابط في إحدى المناطق بغابة ميزرانة، وإذا بنا نشاهد قوة لا مثيل لها للجيش الفرنسي تزحف نحونا، وكنا تحت قيادة الملازم المدعو «موسطاش»، اقترحنا عليه مغادرة المكان قبل سقوطنا في فخ الحصار، لكنه رفض بحجة أن الجيش الفرنسي يقوم بعملية تمشيط للقرية فقط، بينما كانت عدة وعتاد الجيش الفرنسي يوحيان بأن الأمر لا يتعلق بتمشيط قرية، بل تمشيط الغابة والاستعداد لمعركة، فقد استنجد بالدبابات والطائرات وحتى البوارج، وكانت القوات الفرنسية تتقدم باتجاهنا، فعدت إلى «موسطاش» وقلت له أن الجيش الفرنسي سيحاصرنا، فعلينا تغيير المكان والذي لن يكون في صالحنا خلال المعركة، لكنه رفض وأصر على البقاء في ذلك المكان المكشوف، وحدثت المعركة فعلا وخسرنا عددا كبيرا من المجاهدين.

* تنقلت إلى مدينة تيزي وزو لنقل تقارير المنطقة لقيادة الولاية، فكانت مغامرة حقيقية، رفقة الملازم سي إيدير الذي له قصة غريبة مع الإدارة الفرنسية، وعشت أحداثا طريفة معه، هل يمكن أن تحكي لنا تفاصيلها؟

– في سنة 1960، كلفت من طرف الرائد سي احسن بمهمة جمع تقارير المنطقة، وكانت تجمع كل ثلاثة أشهر وترفع إلى قيادة الولاية، تنقلت إلى بني دوالة، فمكثت فيها 3 أشهر، وبعدها إلى معاتقة، وبعدها تنقلت إلى مدينة تيزي وزو، كنت رفقة الملازم سي إيدير، وهو من قرية أقرو بن يعلى، يملك مواصفات تشبه إلى حد كبير «الرواما»، كما كان يقال لهم ذلك الوقت، سواء من حيث الصفات الخلقية أو اتقانه للغة الفرنسية، ما ساعده على التمويه والتحرك في أرجاء المدينة بكل يسر. في يوم من الأيام كنا في مهمة أنا وسي إيدير وجندي آخر، وكان لزاما علينا أن نمر على مركز مراقبة للجيش الفرنسي، وكما قلت لك ان سي إيدير كان يشبه كثيرا «الرواما»، وبالتالي، لم يثر الشكوك، ولم يوقفنا المكلف بالحراسة بمركز المراقبة، وللتمويه صاح سي إيدير في وجه الجندي الفرنسي، وقال له «كيف سمحت لنا بالمرور دون تفتيش؟، لو كنا «فلاڤة» لقتلناكم جميعا؟»، فسكت الجندي وطأطأ رأسه، ظنا منه أن سي إيدير مسؤول في الجيش الفرنسي، وأنه ارتكب غلطة حين لم يقم بإجراءات المراقبة، وهكذا تجاوزنا المركز بسلام. وفي حادثة أخرى تنقل سي إيدير إلى حي يسكن فيه مسؤولون في الإدارة الفرنسية، فانتحل صفة مراقب للإجراءات الأمنية المتخذة بالحي، كان رفقة مجاهدين آخرين، كانوا يبحثون عن أسماء الخونة في الحي، من خلال الأسماء التي تكتب بالباب الخارجي لمنازلهم، لكن لسوء الحظ كانت المنازل بدون أسماء، وبطريقة عشوائية طرق سي إيدير احد المنازل، وتحدث مع صاحبه على أنه مراقب جاء للتأكد من الإجراءات الأمنية المتخذة بالمنازل، فتح صاحب المنزل الباب وكانا المجاهدان مختبئين على حواف الباب، فقوبل بطلقة في رأسه، قتل على إثرها، وفي الغد، نقلت الجرائد ان صاحب المنزل هو مدير سجن تيزي وزو.

* هل ألقي القبض على سي إيدير؟

– ألقي القبض على سي إيدير في فيلا بمزرعة روش، بعد وشاية من قبل أحد المجاهدين، والسبب أن مجاهدا كان رفقة سي إيدير يصحب في كل تنقلاته زوجته وأبنائه، وهو التصرف الذي لم يعجب سي إيدير، وقد حذّره منه كثيرا كونه من شأنه أن يثير الشبهات لدى الجيش الفرنسي، ولكن المجاهد لم يأخذ بالنصيحة وعندما زجره سي إيدير على فعلته، فر إلى الجيش الفرنسي وأخبرهم بمكان اختبائه، وألقي القبض على سي إيدير.

* عرفت الثورة أصعب مراحلها في سنة 1959، عندما نفّذ الجيش الفرنسي ما يعرف ب«عملية المنظار»، وهي العملية التي كلّفت جيش التحرير الوطني كثيرا، خسر على إثرها الكثير من قادته، كيف عشتم تلك المرحلة في منطقتكم؟

– «عملية المنظار» كانت سنة 1959، وكنت حينها قائد قطاع بني جناد، التي عرفت مثلها مثل كل مناطق الولاية خناقا مشدّدا، سواء على المدنيين في القرى والمداشر أو على جيش التحرير في الغابات والجبال، استعملت فيه القوات الفرنسية كل طاقاتها وإمكانياتها العسكرية، واستحدثت جملة من الإجراءات والتدابير لفصل جيش التحرير عن الشعب، حيث ضاعفت من العقوبات وزادت من وحشية التعذيب على المدنيين، فما كان على جيش التحرير إلا التكيّف مع هذه الإجراءات، بداية بتقسيم وحدات الجيش، الكتيبة والمجموعة، إلى فرق صغير مكونة من أربعة إلى خمسة عناصر. وهنا شهادة للتاريخ، فالسكان لم يتخلوا عن مساندة ودعم جيش التحرير، بالرغم من الإجراءات القاسية التي فرضت عليهم، وهم كذلك تكيّفوا مع تلك الإجراءات واستحدثوا من جهتهم طرقا وأساليب جديدة للوصول إلى عناصر جيش التحرير، فبعد منع السكان من التنقل إلى الغابات والجبال، انقلبت الآية وأصبح جنود جيش التحرير ينزلون إلى التجمعات السكنية التي فرضت عليها إجراءات أمنية مشدّدة، وهذا بالطبع بمساعدة السكان، ولكن الفترة كانت أصعب فترة مر بها جيش التحرير الوطني، وعرفت استشهاد الكثير في صفوفنا.

* كيف كان الشعب الجزائري يساند جيش التحرير وكيف وقف إلى جانبه، في ظل الإجراءات القمعية التي كانت تمارس ضده، وفي ظل الإجراءات الأمنية التي استعملتها الإدارة لفصله عن الثورة؟

– لقد وقف الشعب الجزائري مع ثورته وقفة بطولية، وسجّل مواقف أسطورية، ولولاه لما نجحت الثورة، وأقول أن مواقف بعض العائلات وشجاعتها كانت تشبه الأساطير، وليس لها مثيل في العالم، وأذكر ذلك الموقف لإحدى العائلات التي كنا نلجأ إليها حينما يشتد علينا الجوع، فكانت تقتسم معنا ما توفر عندها من أكل، وفي يوم من الأيام، دخلنا بيتها ونحن نتضور جوعا، جلست هنيهة، فغرق أفرادها في البكاء، وعندما سألتهم عن السبب، قالوا إنهم لا يملكون ما يطعمونا به، لا نحن ولا أبناؤهم، بعدما اقتسموا معنا كل مؤونتهم حتى أنهم لم يتركوا شيئا لأبنائهم.

http://www.alseyassi.com/ara/sejut.php?ID=3772

كلمات مفتاحية