إقتصاد

5 سنوات عجاف!

جلال بوعاتي – قالت مصادر مالية، إن بنك الجزائر يحضّر للإعلان عن خفض جديد في قيمة الدينار خلال الأيام القادمة، وكشفت أن الجهات الوصية تكون قد أبلغت الهيئات المالية الدولية التي تتوقع أن لا ينزل التخفيض عن 20 بالمائة.

يوم، أمس، استبق أويحيى الإعلان عن الانهيار الوشيك القادم للدينار، بتبرير مسعاه لتعديل قانون النقد والقرض، بما يسمح باللجوء إلى التمويل الداخلي غير التقليدي (طبع كتلة نقدية جديدة) لخفض العجز في الميزانية، وتوفير سيولة كافية للمصارف لتمويل النفقات الحكومية، لكنه في السياق ذاته، أكد أن التخفيض الآتي بمناسبة شروع بنك الجزائر في طبع النقود فور صدور تعديلات قانون النقد والقرض في الجريدة الرسمية، سيضاف إلى سلسلة التخفيضات التي أقرها بنك الجزائر منذ 2015 والتي بلغت ما بين 25 و30 بالمائة.

ومعنى ذلك أن قيمة الدينار ستزداد تدنيا، ومعه ستتدهور القدرة الشرائية للمواطن أكثر فأكثر، وسترتفع فاتورة الواردات من السلع والخدمات، وسيرتفع العجز في ميزان المدفوعات والحساب الجاري، وهي تداعيات خفية تتكتم عنها الحكومة وبنك الجزائر وحلفائهما من الباترونا ويجهلها الغالبية الساحقة من النواب الذين يعجزون عن مناقشة نصوص اقتصادية معقدة لا ترقى إليها مستوياتهم العلمية والثقافية.

من المبررات التي اعتمد عليها بنك الجزائر في تبرير خفض قيمة الدينار، كحل لعدم السقوط في أحضان المديونية الخارجية، هو تآكل احتياطي الصرف الأجنبي، الذي فقد ما يقارب 100 مليار دولار (نزل من 193 مليار في ماي 2014 إلى 105 جويلية 2017)، مع استمرار الارتفاع المزمن في حجم العجز في الميزانية الذي اتخذ منحى تصاعديا ملامسا عتبة 20 بالمائة خلال السنة الجارية.

وبالموازاة مع إقرار اللجوء إلى التمويل غير التقليدي، كشفت مصادر من بنك الجزائر، أن هذا الإجراء الذي ستطبّقه الجزائر لأول مرة منذ استقلالها، لن يكون ناجعا إلا إذا رافقته حزمة من الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد، وعدم إنفاق الكتلة النقدية الجديدة في مشاريع استهلاكية وغير إنتاجية، وإلزام كل الشركاء الاقتصاديين الوطنيين والأجانب العاملين حاليا أو مستقبلا في الجزائر (خلال الخمس سنوات القادمة التي هي عمر هذا الإجراء)، بتوفير كافة الضمانات لتحقيق نمو اقتصادي لا يقل عن 6 بالمائة في آفاق 2020، من خلال إحلال القطاعات خارج المحروقات، كالزراعة والسياحة والصناعة والخدمات، محل عائدات النفط المتدنية منذ ثلاث سنوات.

غياب التخطيط والاستشراف

بداية الأزمة التي استيقظ عليها الجزائريون بعد إطلاق أويحيى بمجرد تعيينه وزيرا أولا، في منتصف أوت الماضي، تعود إلى بداية تراجع أسعار البترول في 2014، وهي النعمة التي تحولت إلى نقمة بسبب غياب النظرة الاستشرافية والتخطيط الاقتصادي من عقول الساسة والمسؤولين عن إدارة شؤون الدولة، رهنت 94 بالمائة من ميزانية الدولة على ما تدرّه براميل البترول والغاز من دولارات يتم صرفها على مشتريات الغذاء والدواء واللباس.. الأمر الذي أدى إلى ارتفاع العجز في الميزانية وإقرار تخفيضات تدريجية لقيمة الدينار وخفض النفقات العمومية بنسبة 16 بالمائة في 2017.

بالنسبة إلى بنك الجزائر الذي يقف عاجزا أمام إصرار السياسيين على اللجوء إلى إغراق الخزينة العمومية بالسيولة، فإن هذا الإجراء لن يكون مفيدا لو لم يتبع أيضا بمراجعة سياسة الدعم الاجتماعي، التي تلكّأ في اتخاذ قرار بشأنها كل من عبد المالك سلال وعبد المجيد تبون. فالأول خشي من ثورة غضب شعبية، والثاني راهن على حوار مع كل الطبقة السياسية والمجتمع المدني ورجال الأعمال والنقابات للتوصل إلى توافق حول هذا النقطة لتقاسم الأعباء، وهو ما رحّبت به كافة الفعاليات باستثناء بضعة رجال أعمال.

من التوصيات التي تخفيها الحكومة ويخشى خبراء ببنك الجزائر من عدم تجسيدها ميدانيا وتحويل إجراء طبع النقود لتوفير السيولة مجرد ترقيع لأزمة عميقة، دفع البورصة لتلعب دورا منشطا للسوق المالية، لتوفير تمويلات للشركات والمستثمرين بدل “حلب” السيولة من البنوك العمومية التي تعتبر منذ الاستقلال المصدر الوحيد للتمويل.

وحسب ذات المصادر، فإن جزء معتبر من السيولة الجديدة مخصص، من الناحية النظرية، لتغذية الصندوق الوطني للاستثمار، الذي أنفق آلاف الملايير على مشاريع الحكومة في الفنادق الفخمة والمرافق العمومية الضخمة دون مراعاة جدواها الاقتصادية والاجتماعية.

غلطة بـ”فلقة”

لكن ماذا لو لم تنجح الحكومة في هذه الخطوة؟ مخاوف خبراء بنك الجزائر موضوعية ومبررة بالنظر إلى التجارب السابقة، والتي وقف إزاءها البنك عاجزا في معالجتها رغم الطابع السيادي الذي يتمتع به. فإذا لم تذهب السيولة إلى القطاعات الإنتاجية وذهابها إلى الإنفاق على الاستهلاك، فإنه من شأن ذلك إغراق الاقتصاد في التضخّم وانهيار مريع وغير متحكم فيه لقيمة الدينار، بالإضافة إلى الابتعاد عن الدعم الاجتماعي العشوائي وعدم الاستمرار في تحمّل الدولة لرسوم الدعم، وهذا ما يفتح الباب أمام عودة الاضطرابات الاجتماعية واتساع رقعة الفقر والبطالة وسط الشباب وضيق العيش لأغلبية الجزائريين.

www.elkhabar.com/press/narticle/126261/5-سنوات-عجاف/

شارك بالتعليق

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق