مقالات

نوفمبر الذي ظلمناه…! الرقاد وبيع البلاد.. تحت الطاولة

لم يعد سرا أن نوفمبر الثورة، كغيره من الرموز الوطنية والاستحقاقات التاريخية، تحول منذ الوهلة الأولى للاستقلال، بل حتى في سنوات الإرهاص التي سبقتها، إلى سجل تجاري يوظفه كل مغتصب للسلطة لتبرير اغتصابه وإضفاء الشرعية على سلوكاته غير الشرعية. فكم من جريمة في حق نوفمبر والثورة والوطن والشعب ارتكبت باسم نوفمبر والثورة والوطن والشعب.

نوفمبر الحلم.. والكابوس!؟
باسم نوفمبر أخرجت الثورة من بعدها الحضاري القومي، وأفرغت من محتواها الديني الذي ألهب المشاعر وأجج روح الثورة والجهاد وصنع ملحمة من أعظم الملاحم في العصر الحديث، إن لم نقل أعظمها على الإطلاق. فباسم نوفمبر، عُقد الصومام وأسس لتوجه جديد، أسس للانحراف الأول عن المبادئ الأساسية التي قام عليها نوفمبر.. وباسم نوفمبر هذا، أكلت الثورة الكثير من أبنائها ومنهم الصوماميون (منظرو الصومام)، وحتى النوفمبريون (مفجرو الثورة الأوائل). وباسم نوفمبر والثورة، بدأ الصراع حول السلطة قبيل الاستقلال. وباسم نوفمبر، علت سطوة العسكري على السياسي، وأرست السيطرة المستديمة للعسكر على الحياة في الجزائر، وظل الأمر كذلك إلى يوم الناس هذا. وباسم نوفمبر والثورة، أسسنا لفكر الانقلاب وتجاوزنا أخلاقيات الثورة وأدبياتها.. فباسم الثورة، أهدر الساسة في الجزائر دم بعضهم البعض، وباسمها أيضا تفرقوا شيعا وأحزابا، وباسم الثورة أيضا وزعت أوسمة الاستحقاق وصنف الثوار بين خائن ووطني، ولم يشفع له أن كان رفيق الدرب.

ثورة نوفمبر والثورة المضادة
وباسم نوفمبر، سمح مغتصبو السلطة لأنفسهم بأن يطردوا كل من لا يزكي مسعاهم أو يثبتوه أو يخرجوه أو يقتلوه، ليخلو لهم الجو. وباسم الثورة، تأسس مجلس الثورة وصفى الثورة، وزكى الباطل وفرض الواقع، وفتح الباب أمام أعداء الثورة ليتغلغلوا ويسترجعوا زمام السيطرة. فعششوا وغرسوا جذورهم، ولم يتزحزحوا، بل زحزحوا وأصبحت لهم السطوة والنفوذ، فمن يزحزحهم اليوم..
وباسم الثورة، وباسم الشعب أيضا، ”قررنا” وتبنينا الكثير من السياسات الخاطئة، والكارثية في بعض الأحيان.. وباسم الثورة، أرسينا نظاما ”مافيويا” يستند إلى الثورة في ظاهره، ويخضع لنقيضها من الأهواء والأمزجة والمصالح في مضمونه..! باسم الثورة، مكـّنا للجهوية والفئوية والمحسوبية، والعنصرية.. وباسم الثورة، أرسينا تقاليد الفساد والاختلاس، والسرقة دون حسيب ولا رقيب، وباسم الثورة، أسدلنا هالة التغطية على الفساد والمفسدين..

هذا ما فعله ”النوفمبريون” بنوفمبر
باسم الثورة، تبنينا الاشتراكية، وتمسكنا بها كخيار لا رجعة فيه.. وباسم الثورة أيضا، تخلينا عن الاشتراكية وتبنينا الانفتاح والانسلاخ والانبطاح.. وباسم نوفمبر أيضا، دخلنا زمن التعددية والحرية، وباسمه أيضا انقلبنا على الديمقراطية وأهدرنا دم الجزائريين، تماما كما اتخذنا نوفمبر متكأ لتبرير الأحادية، واتخذناه نبراسا لقيادة الأمة نحو التقدم!.. وباسم نوفمبر، جيء بأحد أبناء نوفمبر، وربما باسم نوفمبر، قُتل.
وباسم نوفمبر، حدثت كل مآسي العشرية الحمراء، من اقتتال، وإقصاء، وظلم، واختيارات وسياسات ورجال. وباسم نوفمبر وفي عهد نوفمبري، إعْتُدِيَ رسميا على أحد مقومات الشخصية الوطنية، بتجميد قانون تعميم استعمال اللغة العربية.. وباسم نوفمبر، وفي عهد آخر يقال عنه إنه نوفمبري أيضا، كُرس الأمر الواقع ورفع الحرج عن الفرنسة الشاملة والعودة إلى السيرة الأولى..

ماذا بقي من نوفمبر؟
وبالاختصار المفيد، باسم نوفمبر احتُكرت الوطنية في يد ثلة من جيل نوفمبر، وأكثرهم لا علاقة له بنوفمبر، حتى لا أقول من الجبهة الأخرى، فاستولوا على الوطن، وأُحرقت كل الأجيال الأخرى.. باسم نوفمبر، رُهنت البلاد واستُحوذ على خيراتها، وفُرض الاستبداد كأبرز الثوابت الوطنية، والحڤرة كأهم ركائز نظام الحكم في البلاد، والفساد والاختلاس كأكبر سمات المسؤول وشروط المسؤولية في الجزائر. باسم نوفمبر، أغرقنا البلاد في واقع يناقض روح ومضمون نوفمبر.
فماذا بقي من نوفمبر بعد أكثر من نصف قرن؟ لا شيء، مع الأسف الشديد، إلا سجلا تجاريا تقترف به كل الجرائم أو باقة ورد توضع في مربع الشهداء، وطلقات مدفعية لم تعد تذكر الناس بالثورة، بقدر ما أصبحت تذكرهم بالمأساة التي يعيشونها والعبث الممارس عليهم من مغتصبي الحلم، من مغتصبي نوفمبر.. وهذا غيض من فيض ليس إلا..!

نشر بتاريخ 31-10-2009

http://elkhabar-hebdo.com/site/articles-action-show-id-268.htm

الرقاد وبيع البلاد.. تحت الطاولة

إذا كان جزء من أرشيف التلفزيون لسنوات الأزمة الدموية قد تم ”تهريبه” بطرق سرية، مثلما يتردد في شارع الشهداء، فكيف سيكون مصير أرشيف الثورة الذي تطالب الجزائر باسترداده من فرنسا، خصوصا وأنه أهم بكثير وأكثر حساسية على أكثر من صعيد؟
عندما باعت شركة أوراسكوم مصنع الإسمنت الذي أقامته في الجزائر لفائدة شركة ”لافارج” الفرنسية، غضب رئيس الجمهورية ومعه الجهاز التنفيذي من هذه الصفقة لكونها، حسب ما تردد، تمت من دون أن تسمع بها السلطات الجزائرية. ولا يبدو أن هذه ”شطارة” من قبل الشركة المصرية على حساب ”النية الزائدة” للجزائر إزاء المستثمرين العرب والأجانب، بقدر ما هي تطبيق لـ”من عاشر قوما 40 يوما أصبح منهم أو مثلهم”، فما قامت به شركة أوراسكوم يكون بعدما لاحظت أكثر من مرة استعداد أكثر من هيئة رسمية وغير رسمية لـ”بيع” البلاد، دون الحديث عن محاولات الأفراد، كل حسب درجة نفوذه وموقعه على ”خلاها”.
لقد تحدثت وسائل الإعلام عن فضيحة في التلفزيون الجزائري، بشأن بيع قرابة 60 ساعة من أرشيف العشرية الحمراء بطرق ”كلاندستان” لفائدة قناة فضائية أجنبية دون الحصول على ترخيص أو إذن بذلك من أي جهة وصية، ولم يتم التفطن لذلك إلا بعدما ”طارت الطيور” كما يقال، وهو أمر يطرح أكثر من تساؤل حول مصير الأرشيف الذي نريد استرجاعه من فرنسا، والذي ترفض باريس الاستجابة لمطلبه لخوفها ربما من انكشاف طابورها الخامس أو لاحتمال استعماله في تصفية الحسابات القديمة.
ومثلما بيع الأرشيف، وهو ذاكرة الأمة وإرث مشترك ملك لكل الجزائريين، بيع سمك التونة الجزائرية لفائدة أجانب بتواطؤ موظفين بوزارة الصيد البحري، ولا أحد ”جاه النيف” وقال إن الجزائريين يملكون أكثر من 1200 كلم من البحر ولكنهم يشتاقون لأكل السمك، بعدما ذكرت منظمة التغذية العالمية ”الفاو” أن الجزائريين يستهلكون 6 كلغ من السمك سنويا، وهو أقل من المستوى المعتمد دوليا. ولم يقف الأمر عند تهريب سمك التونة، بل ثار أزيد من 50 ألف بحار، هذا الأسبوع، ضد ما وصفوه بـ”بارونات الموانئ ” الذين يبيعون أجود الأسماك في عرض البحر ويلهبون أسعار السردين غذاء ”الزوالية”. ولا يبدو أن مطلب البحارة بضرورة خلق فرق لمراقبة بيع السمك في موانئ الصيد سيصل صداه إلى آذان الجهة الوصية، بعدما تحول ”حاميها إلى حراميها” كما يقولون.
وما يقال عن بيع السمك في عرض البحر يقال أيضا عن بيع صفقات التجهيز وبرامج التنمية العمومية، بعدما كشفت التحقيقات حول فضيحة الأشغال العمومية والموارد المائية، أن رشاو وعمولات بالعملة الصعبة وبالدينار حولت لحسابات خاصة لأكثر من وسيط مقابل الحصول على مشاريع في الطريق السيار شرق ـ غرب وبناء السدود وتجهيز الطرق، وهي البرامج التي التهمت حصة الأسد من موارد قوانين المالية للعشر سنوات الماضية، وجعلت قانون المالية لسنة 2010 باعتراف وزير المالية يعرف عجزا اضطرت الحكومة لسده الاستعانة بموارد صندوق ضبط الإيرادات الذي تعصر موارده مثل حبة الليمون.
ولما تعترف 35 بالمائة من المؤسسات الأجنبية العاملة بالجزائر، مثلما ذكرت الباحثة الفرنسية كلوديت شومبيراش من جامعة باريس في ملتقى بتيزي وزو، أنها دفعت رشاوى وعمولات نظير حصولها على مشاريع وصفقات بالسوق الجزائرية، وذلك طبعا على حساب رفع ميزانيات تلك المشاريع، لأن هذه الشركات الأجنبية جاءت لـ” تربح” وليس لتسجيل خسارة، يمكن فهم لماذا الشعب الجزائري يسمع فقط بـ”رنين” أموال البترول ولكنه لم يتذوق طعمها قط، لأن الجزائر، للأسف الشديد، امتهنت حرفة جديدة اسمها ”آلفو براج”.
لم تسلم من ”آلفو براج” لا أموال السدود الحقيقية ولا الميزانية العامة للطريق السيار شرق ـ غرب، ولا حتى قفة رمضان التي توزع على الفقراء والمحتاجين التي حولت أموالها عن مجراها الطبيعي قبل أن تصل إلى أصحابها الشرعيين، وهي سلوكات لم يعد يردعها لا خط أحمر ولا قانون ولا هم يحزنون، وتحول كل شيء في الجزائر سائب ومباح، وكأن هناك تحالف على ”خلا” البلاد.
ما يجري اليوم صورة لا تختلف كثيرا عما جرى قسمته في 62 غداة الاستقلال، حيث تم ”الهجوم” على ريع المرحلة الكلونيالية من قبل فئة تعرف من أين تأكل الكتف، في الوقت الذي كان فيه عامة الجزائريين يحتفلون في الشوارع ومنشغلين بحلاوة النصر وإخراج فرنسا من الجزائر بعد 132 سنة استعمار استطاني، لكن مع تسجيل فارق هام، أنه بالأمس كانت الناس قنوعة بالقليل، عكس المرحلة الحالية التي تحول فيها الناهبون والمختلسون والمرتشون مثل النار تقول دوما ”هل من مزيد؟”.

نشر بتاريخ 31-10-2009

http://elkhabar-hebdo.com/site/articles-action-show-id-270.htm

كلمات مفتاحية

تعليق واحد

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق