إقتصاد

“العملة الجديدة” وفكرة حذف الأصفار من الدينار الجزائري

إستراتيجية اقتصادية فعالة أم فكرة خطرة لا جدوى منها

نور الدين جوادي
في ظل ما تعيشه الجزائر من ضبابية في الوضع الاقتصادي الراهن، تعالت الصيحات وتزاحمت الأفكار لطرح المقترحات والحلول، وطرح بعض الاقتصاديين منذ أيام فكرة جديدة تتعلق أساسا بإصدار دينار جديد بحذف أصفار من قيمته. ولكن هذا الطرح جديد على المجتمع الجزائري، أجرت جريدة التحرير حوارا مع الدكتور نورالدين جوادي للوقوف عند مفهوم هذه الفكرة، وأسباب اللجوء إليها وآثارها، ومدى جدواها كفكرة لتجاوز الأزمة الراهنة التي تعيشها البلاد.

حاوره : مكي الأسود

– التحرير : دكتور، كمدخل لحوارنا، لنجب عن السؤال الذي أكيد أنه يدور الان كثيرا في ذهن كل الجزائريين، ما معنى حذف الأصفار من الدينار الجزائري ؟

—د. جوادي : نعم، سألني الكثير خلال الأيام القليلة الماضية عن رأيي في قضية حذف الأصفار من الدينار الجزائري، وما المقصود والغاية من ذلك. وحقيقةً فكرة حذف الأصفار هذه فكرة جديدة علينا،ولكنها ليست بدعة جزائرية، فهي قديمة متعلقة أساسا بظاهرة التضخم التي اجتاحت العالم منذ سبعينيات القرن الماضي، والتي فاقت في بعض الدول نسبة 200 %، وهي آلية معروفة في الاقتصاد وقد لجأت إليها الكثير من الدول قبلنا، فمثلا حديثاً، حذفت العام 2005 رومانيا 4 أصفارمن عملتها، وتركيا 6 أصفار. والعام 2006 قامت زمبابوي أيضاً بحذف 3 أصفار من عملتها، والعام 2007 حذفت السودان صفرين من عملتها، كما وأزالت بوليفيا 3 أصفارمن عملتها العام 2008.
وبالمختصر لو افترضنا حذف صفرين, فالدينارالجزائري الجديد سيساوي 100 دينارقديم. وبهذا المعنى أن سعر الدينار الجديد سوف يساوي تقريبا سعر صرف الدولار والأورو اسميًا فقط.

– التحرير : معذرة دكتور، قلتم أن 1 دج = 1 يورو، وهذا جيد.
—د. جوادي : صحيح، ولكن اسميًا فقط. لكن واقعيًا القدرة الشرائية للدينار ستبقى نفسها، فمثلا ونحن بعد أيام قليلة من نهاية شهر رمضان، قيمة زكاة الفطر نقداً مبلغ 100 دج سوف نخرجها 1 دج. والقيمة نفسها بالنسبة للمغترب الذي أحضر معه اليورو من الخارج سوف يخرج في كلتا الحالتين 1 يورو تقريباً.

وهنا، أشير إلى أن رفع سعر صرف العملة الوطنية، ليس أمراً سهلاً بحذف الأصفار، بل هو استراتيجية بعيدة المدى، تبدأ من التخطيط لتحسين الوضع الاقتصادي للدولة، وصولاً لتوطين استثمارات حقيقية، تطوير القطاع الفلاحي والصناعي، رفع حجم الاحتياطيات النقدية، التحكم في نسب التضخم، التخلص من المديونية الخارجية، وضع الميزان التجاري وميزان المدفوعات، وهيكل الميزانية العامةللدولة، إضافة إلى الوضع السياسي والأمني للدولة … الخ.

-التحرير : إذاً، دكتور، لماذا تلجأ الدول لهذه العملية ؟
—د. جوادي : بالمختصر المفيد، يمكن حصر مبررات حذف الأصفار من العملات الوطنية ضمن الآتي:
1. ضخامة الكتلة النقدية المتداولة. وبالتالي حذف الأصفار يعني حسابياً سهولة قراءة الرقم. وهي عملية تقنية مقبولة في حدود ما، لتفادي الكثير من الخطاء التي قد تنجم عن كبر الأرقام وصعوبة قراءتها أو تدوينها.
2. التضخم، وفقدان العملة قيمتها السوقية، فتصبح الفئات الصغيرة مهمشة ولا يتم التعامل بها، وقد تختفي من التداول، وهو ما يشكل خسارة اقتصادية للدولة، وبالتالي حذف الأصفار يرجع لتلك الفئات حيويتها، وتظهر من جديد في السوق الوطنية، مما يمكن الدولة من عدم خسارة تكاليف الطبع والصك التي تكبدتها لإصدار تلك الفئات، وأيضاً تحافظ الدولة على البعد التاريخي والحضاري للعملة.
3. بديل إصدار فئات كبيرة، فحذف الأصفار يضخم من حجم أكبر فئة دون الحاجة لإصدار أي فئات جديدة، وبالتالي توفر الدولة تكاليف الطبع والصك لتلك الفئات الجديدة، والتي تقدر بملايين الدولارات.فمثلا، بدل إصدار فئة ورقية بقيمة 10000 دج (مليون سنتيم) يكفي حذف صفر من العملة فتصبح فئة 1000 دج الحالية تعادل قيمة هذه الورقة الجديدة المزمع إصدارها.
4. البعد الأمني، فالعملية تقلل من المخاطر الناجمة عن امتلاك أو حمل مبالغ كبيرة أو تحويلها من مكان لآخر.
5. وأهم شيء التأثر النفسي، فعند حذف صفرين مثلا من الدينار الجزائري سيشعر الفرد بأن مستوى الأسعار انخفض وأن الدولة حققت انجازا اقتصاديا، كأنما عادت بنا إلى فترة السبعينيات من القرن الماضي، وهو شعور الحكومة الحالية في حاجة ماسة إليه، سيما مع قرب الانتخابات بشقيها المحلية والتشريعية.

-التحرير : ورد في كلامكم كثيرا كلمة تكلفة إصدار العملة، هل العملية مكلفة؟
—د. جوادي : أكيد، العملة كأي شيء آخر، هي نتاج سلسلة طويلة من العمليات، من التصميم إلى الطبع والتوزيع. وكل عملية لها تكلفتها الاقتصادية، وبرغم أنه لا يوجد تقدير دقيق لتكلفة إصدار ورقة أو عملة نقدية، إلا أن بعض المختصين يقدرون تلك التكلفة بما يتراوح بين 7 إلى 10 سنت أمريكي.
وبرغم أن الرقم يبدو صغيرًا ولكنه إذا ضرب في حجم الفئات المراد طباعتها، سوف تصبح الفاتورة بملايين الدولارات، فلو افترضنا أن حجم ما سوف يتم إصداره هو: 1 مليار فئة باعتبار هذا الرقم يشكل الحد الأدنى لأي عملية إعادة إصدار، فإن إجمالي التكاليف سيقدر بمبلغ 7 إلى 10 مليون دولار أمريكي. أضف إلى تكاليف تغيير الكثير من الأشياء الأخرى المرتبطة بالوضع الحالي للدينار، كمثل : الطوابع البريدية والجبائية والدمغات المالية … الخ. فإن لم يكن قرار التغيير استراتيجي، فأعتقد أن مبلغ 7 إلى 10 مليون دولار ليس من السهل هدره في مثل هكذا مواضع، خاصة في ظل سياسة التقشف التي تنتهجها الدولة منذ سنوات.
وهنا، أشير إلى نقطة مهمة أن الجزائر من بين الدول القلائل وأعتقد الوحيدة عربيا التي تسك عملتها محلياً، باعتبار أن الكثير من الدول تلجأ لطباعة عملاتها لدى مطابع عالمية في بريطانيا وألمانيا … الخ، وهو ما يرفع من تكلفة الإصدار. وهذا الوضع الجزائري يسهم كثيرا في تقليص التكاليف المتعلقة بإصدار أو إعادة إصدار العملة الوطنية.

-التحرير : هل من السهولة أن يتقبل الجزائريون هذا الإجراء في حين طبق؟
—د. جوادي : بصراحة، من الصعوبة جدًا، والأمر بحاجة لأشهر عديدة ليعتاد الجزائريون على الدينار الجديد. ولكن ذلك مرهون بالتمرحل في تطبيق الإجراء، وبالحملة التوعوية التي يجب أن تطلقها الحكومة في حين أرادت تطبيق المقترح، ويجب أن تستبق هذه الحملة الإجراء بأشهر، ولما لا بعام كامل أو أكثر.

-التحرير : ما هي الآثار المتوقعة من مثل هكذا إجراء ؟
—د. جوادي : لأن الفكرة جديدة، انقسم الجزائريون إلى فريقين : ذهب البعض أن هذها لعملية هي الحل الوحيد لإرجاع الكتلة النقدية الهائلة المتداولة خارج المنظومة المالية الرسمية. وتفاؤل بأكثر من ذلك، بأنها سوف تعود بالجزائر إلى فترةالسبعينيات المزدهرة، وتقوي قيمةالدينار دولياً وستعالج جل المشكلات التي يتخبط فيها الاقتصاد الوطني منذ سنوات، خاصة مع تراجع أسعار النفط مؤخرًا.
في الضفة المقابلة، يصر آخرون أن عملية حذف الأصفار تلك، هي وهمٌ اقتصادي ونقدي، سوف يكبد الدينار خسارةكبيرة في قيمته. كما سوف يكبد الحكومة ميزانية كبيرة فيما تعلق بتكلفة الاتلاف وتكاليف الطباعة والصك، والتي كان الأولى بالحكومة توجيهها للتنمية المحلية بدل إهدارها في اتلاف أو طباعة تلك الفئات الجديدة.
وبشكل عميق، أعتقد أن أثر عملية حذف الأصفار للدينار أو غيره ليس جلي جداً، خاصة مع تطبيق نظام التعويم للعملة الوطنية، ولكن هذا لا ينفي الاستفادة منها كبند ضمن استراتيجية تنموية شاملة لتعجيل وضع الاقتصاد الوطني.
وعلى المستوى المتوسط والطويل، قد يؤدي التغيير الاسمي في قيمة الدينار (الشعور بانخفاض الأسعار) إلى تغيير نمط الاستهلاك وزيادة الطلب على السلع والخدمات، ما قد يسهم في رفع معدلات الطلب الفعال المحرك للنمو ومن ثم الاستثمارات والتجارة.
أيضاً، قد يحصل زيادة في الطلب على العملة الأجنبية للاحتفاظ بها بسبب أن الأفراد أصبحوا يظنون أنها أصبحت رخيصة، وهو ما يولد ضغط على الاحتياطات من العملة الأجنبية المتوفرة في البنوك، خاصة لو تمت عملية تحرير تحويل العملة الصعبة، كما هو مخطط له.

-التحرير : في الأخير، شكرا دكتور على التوضيحات ورحابة صدركم، وهل من كلمة ختامية؟
—د. جوادي : أولاً، أنتم على الرحب والسعة، وكما يقول أحد الاقتصاديين، حذف أصفار من على العملة أو إضافتها، عملية تشبه إلى حد ما عملية تكبير مقاس العملة أو تصغيره، أو تعديل لونها أو إضافة رسم جديد لها أوإزالة صورةمنها. وكل هذا لا ولن يتسبب لا في تدهور الوضع الاقتصادي ولا تحسنه، فالتحول من ورقة نقدية من فئة 1000 دينار إلى ورقة أخرى من فئة 10 دينار كتغيير علبة حلوى وزنها 1000غرام بعلبة أخرى من نفس الحلوى وزنها واحد كيلوغرام.

وأخيراً، التنمية الاقتصادية لن تأتي بشطب صفر أو صفرين من الرقم المدون على عملتنا، ولنكن موضوعيين قوة العملة هي من قوة الاقتصاد لا من عدد الأصفار المرقونة عليها أو عدد وحدات اليورو التي تقابلها.

نبذة عن الضيف
جدير ذكره بأن الدكتور نور الدين جوادي هو أستاذ باحث في كلية الإقتصاد بجامعة الوادي مبتعث سابقا من طرف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الى دولة الصين لعام كامل كباحث و متربص وأستاذ منتدب متخصص في مجال التنمية…و المدير الحالي لمعهد الباحث للدراسات العليا بالوادي يتقن أربع لغات ..الصينية و الإنجليزية و الفرنسية و العربية وتوج سابقا بالعديد من الجوائز البحثية الإقتصادية في عديد الدول العربية كالأردن وقطر والسودان.

“العملة الجديدة” وفكرة حذف الأصفار من الدينار الجزائري

2 تعليقاً

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق