وثائق

ميثاق مؤتمر طرابلس جوان 1962

مشروع برنامج لتحقيق  الثورة الديمقراطية الشعبية

‹‹برنامج طرابلس››

صادق عليه بالإجماع

المجلس الوطني للثورة الجزائرية بطرابلس

جوان 1962

صور مجملة عن الوضعية الجزائرية

  1. عن السيادة الوطنية

في 19 مارس 1962 اعلن ايقاف القتال فوضع بهذا حدا لحرب ابادية طويلة غذتها الرأسمالية  الفرنسية ضد الشعب الجزائري.

و ان نتيجة اتفاق تم في ايفيان بين الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية و فرنسا بمقتضى هذا الاتفاق يتحقق استقلال الجزائر عى اساس احترام وحدتنا الترابية و طبق اجراء تم ضبطه بين الطرفين.

و سيدعي الشعب الجزائري عند استفتاء المصير للموافقة على الحل الذي نصت عليه اتفاقيات ايفيان الخاصة باستقلال الجزائر و تعاونها مع فرنسا.

ان اتفاقيات ايفيان هي بالنسبة للشعب الجزائري انتصار سياسي لا مرد له يضع حدا للنظام الاستعماري و الهيمنة الاجنبية التي دامت اكثر من قرن.

و لكن يجب ان لا يغيب عنا  ان هذا الانتصار الذي تحقق من حيث المبدأ قد انبثق قبل كل شيء من التسلسل الثوري المنطقي المتواصل و من الاحداث السياسية و الاجتماعية ذات الاثر التاريخي الناجمة عن الكفاح المسلح الذي قام به الشعب الجزائري.

ان هذه الاحداث التي برزت خلال امتداد الحرب التحريرية هي التي تمثل الانتصار الوحيد الدائم لانها امتداد لمكاسب الكفاح المسلح و لأنها تشكل الضمان الحقيقي لمستقبل بلادنا و ثورتنا ففي اي شيء تكمن اهمية هذه الاحداث؟

  1. ان الشعب الجزائري اقام من جديد وحدته الوطنية و متنها في غمر العمل المباشر ضد الاستعمار فطهر صفوفه من التعصب القديم للأحزاب و الجماعات و تغلب على الانقسامات التي حصل منها الاحتلال الفرنسي نظاما سياسيا.
  2. ان وحدة الكفاح هي التي جعلت الشعب الذي اضطهده الاستعمار يكتشف نفسه من جديد كوحدة، و تفتقت كل طاقاته الكامنة، فربطت بهذا حاضره بماضيه الحافل بالكفاح و اتمت الى النهاية المجهود المتواصل الذي طالما قامت في طريقه العراقيل لتحقيق الاستقلال و السيادة الوطنية.
  3. ان تحرك الجماهير الشعبية قد زعزع البناء الاستعماري و قوض الاسس التي تقوم عليها نظمه الرجعية و عجل بتحطيم المعتقدات الباطلة و الهياكل الباقية من النظام الاقطاعي التي كانت تعرقل تطور المجتمع الجزائري.

كل هذا يثبت اخفاق الاستعمار الفرنسي في محاولاته الرامية لتحطيم مجتمع من اساسه و تعويضه بعدد متزايد من السكان الاوروبيين او محاولاته الرامية لإبقاء مجتمعنا رهن الجهل و الجمود.

ان اندفاع الجماهير الجزائرية في الكفاح لم يكن من نتيجته فقط تحطيم النظام الاستعماري و الاقطاعية بل انه بعث وعيا جماعيا فيما يتعلق بالمهام اللازمة لإعادة تشكيل المجتمع و بنائه على قواعد جديدة و ان الشعب الجزائري عندما اخذ من جديد زمام المبادرة قد اكد ارادته في التحرير و ربط هذا التحرر شاعرا او غير شاعر بالضرورة التاريخية للتقدم في جميع الميادين بدون هوادة و بطرق ثورية فعالة.

ان المجهود الخلاق الذي قام به الشعب قد بدت اثاره جلية الهيئات و التشكيلات التي تأسست تحت اشراف جبهة التحرير الوطني الجزائرية لقيادة حرب التحرير و بناء مستقبل الجزائر ووحدة الشعب و البعث الوطني و بوادر التحول الجذري للمجتمع هي أهم النتائج التي حصلنا عليها بفضل سبع سنوات و نصف من الكفاح المسلح ان الشعب الجزائري لم يبلغ فقط الهدف الذي حددته جبهة التحرير الوطني الجزائرية في فاتح نوفمبر 1954 و هو الاستقلال، و لكن تعداه الى الاتجاه نحو الثورة الاقتصادية و الاجتماعية.

  • الحرب الاستعمارية و تحول الاستعمار الفرنسي

انالحرب الاستعمارية التي شنتها فرنسا ضد الشعب الجزائري قد اتخذت طابع عملية ابادية حقيقية.

فقد استلزمت ارسال اضخم جيش استعماري عرفه التاريخ الى الجزائر و كان هذا الجيش المجهز بأحدث وسائل التدمير تسانده ادارة استعمارية قوية، كما يساعده في عمليات القمع و الارهاب  و التقتيل الجماعي المستوطنون الفرنسيون بالجزائر،  و كانت ضربات هذا الجيش موجهة بصفة خاصة ضد السكان المدنيين العزل و الى الجيش التحرير الوطني الجزائري ،ولكن بدون جدوى، و هكذا أبيد أكثر من مليون جزائري و أبعد و سجن ملايين أخريين ،ان هذه الحرب الاستعمارية الجديدة لم يكن لها لتطول بدون مساندة الحلف الاطلسي و الاعانة العسكرية و الدبلوماسية التي اسدتها الولايات المتحدة الامريكية، و الدرجة التي بلغتها الوحشية في هذه الحرب تفسرها طبيعة الاستعمارية المرتكزة على التوطين و على تواطئ الامة الفرنسية التي راجت فيها خرافة الجزائر الفرنسية، ان الطابع الوطني المتعصب الذي غلب على هذه الحرب الاستعمارية يتضح تماما عندما نرى المجنديين الفرنسيين من جميع الطبقات الاجتماعية بما فيها الطبقة العاملة يشاركون فيها بصفة مستمرة، أما الاحزاب اليسار في فرنسا التي لعبت دائما  و في الميدان النظري دورا في الكفاح ضد الاستعمار فقد ظهرت عاجزة أمام تطور الحرب و نتائجها التي لم تحسب لها حسابا، أما العمل السياسي الذي قامت به فقد كان مخجلا و غير فعال بسبب أفكارها الاندماجية العتيقة و اعتقادها الخاطئ بأن النظام الاستعماري يمكن ان يتطور و يصلح نفسه بصفة سلمية، ان كفاح الشعب الجزائري الجبار هو الذي كشف حقيقة الاستعمار الفرنسي و طبيعته الاصلية و كونه نظاما ديكتاتوريا يلد باستمرار النزعة العسكرية و الفاشية و هذه هي الحقيقة التي غابت عن الديمقراطيين الفرنسيين هي التي اظهرتها الحوادث فمنذ 13 ماي 1958 اخذت الحركة الفاشية الناجمة عن الحرب الاستعمارية تتقوى شيء فشيء في فرنسا فزاد هذا في خطورة ظروف الحرب الاستعمارية التي زادت شدتها على أمل الوصول بسرعة الى سحق المقاومة الجزائرية، و لكن فشل هذه السياسة رغم الوسائل المادية و التكتيكية التي زودت بها الحرب الاستعمارية في الجزائر التي كان مشروع الجنرال شال يمثل اهم مظاهرها اضطرت حكومة ديغول الى تحويل النظام الاستعماري العتيق الى نظام استعماري جديد يرمي  الى المحافظة بأشكال أخرى على أهم المصالح الاقتصادية و الاستراتجية لفرنسا. 

ٳن مشروع قسنطينة الذي وضع في أشد ظروف الحرب ليرمي الى خلق القواعد الاقتصادية للقوة الثالثة الجزائرية كان هو الخطوط الاولى لهذه السياسة المتحررة المزعومة .

و قد اضطرت فرنسا تحت الكفاح التحريري و الوضع الدولي الى التسليم بضرورة ايجاد حل سلمي للقضية الجزائرية، فندوة مولان في جوان 1960 و ايفييان في ماي 1961 ولو قران  في جويلية من نفس السنة قد انتهت كلها الى الفشل بسبب تعنت الحكومة الفرنسية التي كانت تطلب ٳما الاستسلام المقنع أو تقسيم التراب الجزائري و ٳقتطاع الجزء الصحراوي منه،و لكن كفاح الشعب الجزائري الذي يتزايد و يشتد منذ أيام ديسمبر التاريخية  السياسية الرشيدة التي سلكتها الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية التي تمسكت بالمواقف الاساسية للثورة، كل هذا قد أرغم الحكومة الفرنسية على الدخول في مفاوضات جديدة.

و ٳتفاقيات ايفيان المبرمة في 18 مارس 1962 قد أقرت الاعتراف بالسيادة الوطنية للجزائر ووحدة ترابها، و لكن هذه الاتفاقيات قد نصت في مقابل الاستقلال على سياسة تعاون بين الجزائر و فرنسا و هذا التعاون كما يبدو من اتفاقيات اييفيان يستلزم ابقاء قيود التبعية في الميدان الاقتصادي و الثقافي و يمنح من بين ما يمنح ضمانات محدودة و مكانا ممتازا للفرنسيين المستوطنين في الجزائر لهم مكانة محظوظة.

و من الواضح ان التعاون المفهوم يمثل أصدق تعبير على سياسة الاستعمار الجديدة التي تتوخاها فرنسا و يتصل بظاهرة تحويل الاستعمار القديم الى استعمار من نوع جديد.

و هذا التحويل الذي بدأه النظام الديغولي منذ وقت طويل ناجم عن التناقض الذي برز في معسكر الاستعمار الفرنسي بسبب حرب الجزائر، فهناك من جهة أنصار الاستعمار الفلاحي المحافظون على مقاييس الاستعمار القديم و حلفاؤهم من العسكريين الفاشيين و هناك من جهة اخرى أرباب رأس المال الضخم المتجهون الى الصناعة و الذين يريدون سلوك سياسة جديدة  ترتكز على الاتفاق مع المواطنيين الجزائريين و المهمة العاجلة لجهة التحرير الوطني الجزائرية هي القضاء بجميع الوسائل على الاستعمار في شكله الذي ما يزال باديا بعد ايقاف القتال اي في شكله العنيف كما تظهر من خلال النشاط الاجرامي لمنظمة الجيش السري،ولكن من واجبها ايضا ان تضع من الان استراتيجية فعالة للقضاء على محاولات الاستعمار الجديدة التي تمثل خطرا كبيرا على الثورة لانها تتلبس بمظاهر خلابة من التحرر و التعاون الاقتصادي و المالي الذي يتظاهر بالنزاهة.

و ان الصدام الحالي بين الاستعمار القديم و الاستعمار الجديد يجب ان لا يغرنا و لا يمكن في حال من الاحوال أن نفضل احدهم على الأخر، بل يجب أن نقاومها، و ان التردد الظاهري على النظام الديغولي في مقاومة منظمة الجيش السري يرجع الى ما بين المستعمرين الفرنسيين أينما كانوا من صلات و ما بينهم من ترابط تكتيكي هدفه الخفي هو حملنا على ٳختار الاستعمار الجديد، و لكن هذا الموقف من طرف الحكومة الفرنسية سيؤدي في الواقع الى عكس النتيجة المرجوة لان رفضها الواضح مقاومة منظمة الجيش السري يثبت بصفة جلية بأنها متواطئة مع غلاة المستعمرين بالجزائر و يلحق بالتعاون ضررا كبيرا، و فوق هذا فٳن التعاون الذي هو نتيجة عملية لتحويل مصطنع يظهر صعبا بسبب موقف فرنسيي الجزائر الذين يؤيدون في أغلبيتهم الساحقة منظمة الجيش السري، ٳن فرنسي الجزائر الذين كانوا في الماضي أعوانا نشيطين في حرب الابادة التي انتهت ليسوا أهلا للقيام بالدور الذي خصتهم به فرنسا في نطاق سياستها الاستعمارية الجديدة و هو مساندة و ضمان سياسة التعاون.

و نذكر بهذه المناسبة أن الدعاية الفرنسية تريد ان تقرر في الاذهان الوهم القائل بأن وجود هؤلاء الفرنسيين بالجزائر ضروري للحياة الاقتصادية و الإدارية، بينما نرى أن ثلاثة أرباع القطر الجزائري أي الارياف بصفة خاصة قد أهملت طيلة قرن كامل و تركت بدون تنظيم و لا تجهيز، و يقطع النظر عن الكفاءة الفنية فٳن الأغلبية الساحقة من فرنسي الجزائر بسبب عقليتهم الاستعمارية و عنصريتهم لا يمكن ان يفيدوا الدولة الجزائرية ٳذا وضعوا انفسهم في خدمتها.

  • الجزائر على أبواب الاستقلال
  • ٳن ٳاتفاقيات ٳيفيان اعتبرت من طرف الأوساط الاستعمارية التقليدية و الأوساط العسكرية الفاشية كهزيمة ساحقة و ٳهانة لم يسبق لها مثيل.

و ٳن كانوا يقرون بأن الجزائر قد أفلتت منهم فإنهم لا يقرون بأنهم هزموا فمنظمة الجيش السري ترمي لإقامة نظام فاشي بفرنسا و اشعال نار الحرب من جديد بالجزائر، و ان تكالب المستعمرين على الارهاب بالجزائر يرمي لٳثارة  الشعب الجزائري و ٳبطال ايقاف القتال و من البديهي أن خطتهم ترمي  لجعل الجزائر قاعدة للقيام بانقلاب فاشي يسانده الجيش الفرنسي ضد السلطة بفرنسا و لكن يجب عدم التقليل من الأخطار  التي تهدد الجزائر نفسها من اعمال هؤلاء المستعمرين فمن أهدافهم الواضحة الدائمة تخريب الاقتصاد الجزائري و هذا التكتيك ليس شيئا جديدا بل له سوابق في الهند الصينية بصفة خاصة عند الهزيمة النكراء التي اصيب بها الاستعمار.

و هناك تهديد أخر هو احتمال انفصال فرنسيي الجزائر عن الدولة الجزائرية و هذا الاحتمال يبدوا تافها اذا ذكرنا بأن الحكومة الفرنسية التي جعلت من التقسيم أداة ضغط قد تركت اخر الأمر هذه الوسيلة، و لكن يجب ان لا ننسى أن منظمة الجيش السري تجري دائما وراء هذا الحلم و تحاول جمع الفرنسيين بالجزائر حول هذه الفكرة.

و يظهر من المستبعد أن تؤيد فرنسا هذه العملية التي تكون متعارضة مع اتفاقيات ايفيان و مع التعاون الفرنسي ̷ الجزائري و لكن المؤكد هو أن الحكومة الجزائرية ستصطدم حتما مع فرنسيي الجزائر و ٳن فرسا التي يهمها الأمر بصفة مباشرة ستجد نفسها مورطة في هذا الصدام و أنها ستلجأ لأنواع من الضغط تكون لها عواقب وخيمة.

  • ان القضاء على منظمة الجيش السري الذي يمثل مهمة عاجلة يترك مشكلة وجود المستوطنين الفرنسيين كما هي.

و الضمانات التي أعطيت بمقتضى اتفاقيات ايفيان يستلزم بقاءهم في بلادنا بصفتهم أقلية محظوظة فيجب حفظ أمن هؤلاء الفرنسيين و أملاكهم و تمكينهم من المشاركة في الحياة السياسية للشعب في جميع المستويات و أن كثير منهم سوف ينتقل الى فرنسا،و لكن قسما هاما منهم سوف يبقى بالجزائر، و الحكومة الفرنسية سوف تشجع على ذلك  بجميع الوسائل التي تملكها.

ٳن الفرنسيين سوف لا يعتبرون كبقية الأجانب فهم سيتمتعون طيلة ثلاث سنوات بالحقوق المدنية الجزائرية في ٳنتظار اختيار جنسيتهم بصفة نهائية و هذه الخاصية التي امتازت بها الجزائر هي التي تجعل هذه المشكلة معقدة و تجعلها من أهم المشاكل التي على الدولة الجزائرية حلها.

ٳن سيطرة فرنسيي الجزائر بقيت ساحقة في الميادين الاقتصادية و الإدارية و الثقافية و هي تتعارض مع المشاريع الأساسية للثورة.

و الدولة  الجزائرية تستطيع في نطاق سيادتها الداخلية ان تزيل هذه السيطرة بإدخال اصلاحات جوهرية تطبق على جميع المواطنين بدون ميز عرقي.

و يجب ان ننبه الى ان نهاية الامتيازات المتصلة بالحقوق المكتسبة من طرف الاستعمار لا يمكن فصلها عن الكفاح ضد الاستعمار الجديد بصفة عامة.

  • ان اتفاقيات ايفيان تنص على أن الحكومة الفرنسية سوف تبقى لمدة معينة قواتها العسكرية في الجزائر  و تحتفظ بقاعدة المرسى الكبير و المطارات العسكرية و المنشآت الذرية في جنوب البلاد.

و هذا الاحتلال العسكري الذي يخف تدريجيا – ٳبتداء من السنة الاولى بعد تقرير المصير حيث لا يبقى ٳلا ثمانون ألف جندي ثم يتم الجلاء بعد عامين اخرين – يرتكز على استراتجية الاستعمار الجديد التي تتخذ محورها افريقيا بصفة عامة و الجزائر بصفة خاصة و ما دام التراب الجزائري محتلا من طرف القوات الأجنبية فٳن حرية الدولة الجزائرية ستظل محدودة و السيادة الوطنية مهددة و أن الأشهر الأولى من الاستقلال ستكون عسيرة بصفة خاصة  و ان الحكومة الجزائرية التي ستضطلع بكفاح حاسم ضد الفاشيين الفرنسين يمكن أن تصطدم بالجيش الفرنسي الذي تتمثل مهمته بصفة خاصة في المحافظة على الأقلية الفرنسية.

  • أن المجلس التنفيذي المؤقت  لم يتمكن بعد شهرين من تقلد وظيفته من فرض سلطته و مراقبته على الٳدارة الاستعمارية التي يعلن موظفوها بما يشير الاجماع مشاركتهم الفعالة في منظمة الجيش السري.

ٳن تطهير الادارة و اعادة تنظيمها هي ضرورة حيوية، و هذه المهمة تبدو دقيقة جدا نظرا لاتساع رقعة البلاد وحدة المشاكل اليومية و قلة الاطارات الجزائرية ذات الكفاءة التي استشهد كثير منها في حرب التحرير.

  • ٳن العواقب المادية و المعنوية لعملية الابادة التي شنت منذ سنوات ضد الشعب الجزائري ستأخذ في الظهور كل يوم بصفة أكثر حدة، و ٳن مآت الآلاف من الايتام و عشرات الآلاف من المصابين و آلاف العائلات التي لم يبق فيها ٳلا النساء و الاطفال المهملين تنتظر من السلطة الوطنية القرارات الناجعة التي يفرضها الوضع.   

ٳن الجراحات التي تثخن جسم الشعب عميقة و لا يمكن أن تلتئم ٳلا بعد عشرات السنين  و لكن بعض هده الجراحات خطيرة جدا يمكن ان تتسب في عرقلة المجتمع و منعه من السير الى الأمام .

ٳن مليونيين من الجزائريين غالبيتهم من النساء و الاطفال يغادرون كل يوم المعسكرات التي حبسوا بها و مآت الآلاف من اللاجئين في المغرب و تونس يجب ان يرجعوا الى ديارهم.

و ٳن المشاكل الناجمة عن كل هذا الوضع هي مشاكل اقتصادية و اجتماعية و لكنها مرتبطة قبل كل شيء بالمفهوم السياسي و النظامي، و لا يكفي أن ننظم حملات وطنية و عالمية لجمع الٳعانات  و لحل المشاكل (السكن و الغذاء و الصحة).

ٳن هذه القضية التي هي أخطر ما تركته لنا الحرب تلخص بصفة فاجعة الانقلابات التي عرفتها بلادنا، و هي لا تتطلب إجراءات جزئية مرتجلة و انما تتطلب حلولا عميقة و قرارات ذات أثر اجتماعي حقيقي في نطاق برنامج عام، أن الثورة الاقتصادية و الاجتماعية تبتدئ بهذا الميدان و إلا فإنها تخطئ نقطة انطلاقها،و انه سيحكم على الثورة ابتداء من هذه التجربة التي ستكون حاسمة بالنسبة لتطورها المقبل.

ٳن الحكومة الجزائرية المقبلة ستجد نفسها أمام بلاد استنزفت قواها، فهناك مناطق ريفية شاسعة كانت مزدهرة لم تعد الان إلا قفارا خالية من الحياة و في المدن الكبرى و المتوسطة نجد البؤس الرهيب ينخر السكان الذين يتكدسون في الاحياء القديمة و مدن القصدير، يجب و بدون تأخير علاج هذه الحالة بإيجاد العمل للبالغين و تعليم الاطفال و تنظيم مقاومة الجوع و المرض و ارجاع  طعم الحياة بإعادة بناء تحطم على نطاق واسع، تراب محتل عسكريا و سلم مهددة بالا انقطاع من طرف المستعمرين المتعنتين و ادارة معادية تتجه الى التعطيل المنظم و اقتصاد فوضوي هذا  ما و رثته  الجزائر و هي مقبلة على استقلالها.

  • ٳن السيادة قد استرجعت و لكن بقى أن يعطي محتوى للتحرير الوطني، ٳن هذه العراقيل التي تعوق انطلاق الدولة الجزائرية الناشئة و البدء في تنفيذ المهام الكبرى للثورة بسبب  مناورات العدو الاستعماري.

فبعد أن عارضت الحكومة الفرنسية مدة طويلة استقلالنا أصبحت الآن تحاول توجيه هذا الاستقلال حسب مقتضيات سياستها الاستعمارية.

ان اتفاقيات ايفيان تمثل قاعدة للاستعمار الجديد تحاول فرنسا استعمالها لتمكين هيمنتها و تنظيمها في شكل جديد، ٳن المستعمرين الفرنسيين يحاولون أن يجعلوا من قبولنا التكتيكي لاتفاقيات ايفيان نكسة ايديولوجيىة تنتهي الى التخلي عن أهداف الثورة.

و الحكومة الفرنسية لا تعتمد فقط على قواتها العسكرية و على الاقلية الفرنسية لتخريب تطور الجزائر بل انها ستستغل التناقضات السياسية و الاجتماعية في جبهة التحرير الوطني الجزائرية، و تحاول أن تجد ضمنها موضوعين قد ينسلخان عن الثورة و ينقلبان ضدها، و هذا التكتيك الاستعماري يمكن تلخيصه كما يلي˸ بعث قوة ثالثة ضمن جبهة التحرير الوطني الجزائرية تتكون من الوطنيين المعتدلين الذين يقتنعون بالاستقلال و لكنهم  يعارضون كل عمل ثوري حقيقي ثم ترك عناصر القوة الثالثة تتضارب مع المناضلين و الاطارات التي تبقى وفية للمصالح الشعبية و لمقاومة الاستعمار، أن رغبة الحكومة الفرنسية هو أن تتغلب النزعة المعتدلة في الجبهة على القوى الثورية و هذا ما يجعل ممكنا تجربة تشترك فيها فرنسا و جبهة التحرير في نطاق الاستعمار الجديد.

و أننا نكون بعيدين عن الواقع اذا ظننا أن الثورة سوف تنطلق بدون عائق، ٳن القاعدة الاستعمارية الجديدة التي تدعونا اليها فرنسا هي في الواقع ملتقى جميع القوات المعادية للثورة، ٳن فرنسا  تريد أن تجذب ٳليها بواسطة المليارات فئة كاملة من الناس الذين يحدوهم الجشع و الطموح الشخصي أو الذين تربوا على المنافع القذرة المنجرة لهم من الحرب الاستعمارية.

و ستحاول استغلال نقائصها و أخطائنا لقلب تيار الثورة و تنظيم القوى المعارضة، و ٳن توضيح أهدافنا و التحليل السليم الدقيق لنقائصنا و ما بقى ناقصا أو غامضا أو تقريبا من مطامحنا و أفكارنا هو الذي يجعل قوى الشعب الجزائري الثورية الموزعة اليوم  حقيقة واعية منظمة و متفتحة للمستقبل.

  • نقائص ج. ت. و. قلة وعي مناف للثورة

ان جبهة التحرير  الوطني نظرت في بداية العمل الثوري في فاتح نوفمبر 1954 الى الكفاح المسلح من زاوية التحرير الوطني فقط، و لم تقدر كل ما ستأتي به الحرب من مستلزمات و تطورات ذات طبيعة مختلفة  في الوعي الشعبي و المجتمع الجزائري عامة.

  1. كانت جبهة التحرير الوطني تجهل المؤهلات الثورية  العميقة للشعب في الأرياف، و القليل الذي كانت تعرفه كان يتعلق بوضعية راكدة في الظاهر منذ زمن طويل كانت الاحزاب الوطنية تنظر لها بنظرة المتكاسلة على انها واقع حقيقي.

و يجب قول الحقيقة، بأن جبهة التحرير الوطني التي هي نزعة طلائعية كانت في بدايتها قد انفصلت الى حد ما عن أساليب  و مناهج  و مفاهيم الاحزاب القديمة و لكن هذا الانفصال لا يمكن أن يكون سليما و نهائيا إلا ٳذا ٳقترن منذ البداية بجهد عظيم للتميز الايديولوجي و بخطة طويلة المدى تكون في مستوى الاحداث المتلاحقة التي أثارتها في المجتمع الجزائري، غير انه لم يتم شيء من هذا تقريبا باستثناء ما وقع في اطار صيغة عاجلة ترمي عند بداية الثورة الى بعث الحركة الوطنية، و لم تهتم جبهة التحرير الوطني بأن تتجاوز ايجابيا الهدف الوحيد المسجل في البرنامج التقليدي للحركة الوطنية و هو الاستقلال و من جهة أخرى كانت تخفي النظر الى احتمال تدخل عاملين أساسيين على مدى قصير او طويل لم تكن الحركة الوطنية التقليدية تدركهما بتاتا و هما طابع الحرب الاستعمارية نفسها في بلد توجد به نسبة هائلة من المستوطنين الاجانب الذين كانوا في نفس الوقت يقومون بدور الممثل و العميل و المساعد للاستعمار الفرنسي، ثم ٳن الكفاح المسلح و التجنيد الجماعي للشعب المستعمر الذين تضعضع بهما أساس النظام الاستعماري العريق لا يمكن أن تجريا ابدا حسب خطوط هزيلة و سير ساذج يصل بدون عائق الى التحرير الوطني، ٳن رد الفعل الحتمي على اضطهاد و استعمار كلي لا يمكن أن يكون غير النظرة الانقلابية السريعة و الآلية لكل المجتمع المضطهد و هذه النظرة الانقلابية التلقائية تستكمل في نفس الوقت و بطريقة حتمية لا رجعة فيها بالبحث و استكشاف  نظم جديدة و أساليب جديدة للتفكير و العمل و بكلمة مختصرة بعملية تسلسل من تحولات المستمرة تشكل تيار الثورة نفسه.

و رغم أن نظرة الشعب للعالم الذي يعيش فيه من خلال عنف الحرب و الانقلابات الاجتماعية هي نظرة غامضة و غير محددة فانها تتواصل في سير عقلي متدرج في التفكير و البحث بصورة اجمالية عامة مادام الكفاح المسلح مستمر و الحوادث تتلاحق أمام عينية فيلاحظها دون اللجوء الى السابقة او المثل او القياس.

وهذه الاصالة التي هي ثمرة الحاجة و التصور الصادق من طرف الشعب للعالم الثوري و التجربة الجماعية التي يعيشها، لم تأخذ أحذا كافيا بعين الاعتبار في حين أنها تشكل أحد المكاسب الاساسية للثورة .

  • و على عكس كل هذا شاهدنا و نشاهد تباعدا خطيرا بين الوعي الجماعي الذي نضج طويلا باتصاله  بالواقع من جهة و بين ممارسة جبهة التحرير الوطني في كل المستويات من جهة أخرى، و قد حلت هذه السلطة بصورة مطلقة و في غالب الاحيان محل المسؤولية السياسية التي لا تنفصل عن الجهد المذهبي مستعملة تفسيرات متظاهرة بروح الأبوة المتعالية.

ان هذا المفهوم عن السلطة الذي كان دائما يقوم على اساس الكفاح التحريري فقط يضاف اليه انعدام أي مجهود ايديولوجي ثابت قد تسبب في حصر مفهوم السلطة غالبا في مظهرها التكتيكي الذي سرعان ما أحدث مفاهيم و افكارا يمكن وصفها بالنزعة المنافية لروح الثورة .

  • ان جبهة التحرير الوطن  بالرغم من معارضتها العنيفة للإقطاعية و محاربة أسسها الاجتماعية التلقائية لم تقم بأي مجهود لتنجوا هي نفسها من أثار تلك الاقطاعية في بعض الجوانب من نظامها لأنها تناست بان مفهوم المسؤولية المتطرفة و عدم المقاييس الصحيحة و انعدام الثقافة السياسية هي التي تساعد على خلق الروح الاقطاعية او على بحثها منى جديد.

ليست الروح الاقطاعية أمرا يتعلق فقط بطبقة اجتماعية معينة ذات سيطرة تقليدية تستمدها من ملكية الاراضي و استغلال الغير بصفة أن حقيقة أمرها في البلاد الافريقية الاسيوية كبقية من بقايا عهد تاريخي بائد تتمثل بأشكال مختلفة حتى في الثورات الشعبية التي ينقصها الوعي العقائدي.

و كما وجدت اقطاعية زراعية يمكن وجود اقطاعيات سياسية و مجموعات فوضوية من القادة و رؤساء و فرق متحزبة من الزبائن و الاشياع و السبب في ذك هو عدم التربية الديمقراطية في صفوف المناضلين السياسيين و بين المواطنين على العموم.

وزيادة على روح الاقطاعية التي طالما صبغت حياة المغرب منذ انتهاء القرون الوسطى في الميادين الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و الدينية و التي عجزت جبهة التحرير على اجتثاث جذورها فانه يمكننا ان نلاحظ اثر من اثارها و هي نزعة الحكم المتظاهر بروح الابوية المترفعة و هي نزعة تشكل عنصر تعطيل حقيقي للتكوين السياسي و للمبادرة الواعية الخلاقة عند المناضل و المواطن، و هي تتمثل في نوع من السلطة البالية المتصفة بعطف زائف مناف للروح الشعبية و من شأنه أن يحدث مفهوم صبيانيا للمسؤولية ان الخلل الذي اعترى القيم الثورية و كان من نتائجه أيضا أن عوض نقص التكوين السياسي بسلوك مظهري يتمثل بالشكلية، و هكذا أصبحت الثورية  و الوطنية مجرد تهويس و مواقف مضطربة تتصف بالغلو و تنجم عنهما نزعة رومانطقية تافها و ميول غير سليمة الى تضخيم البطولات التي يتنافى مع طباع شعبنا في التواضع و البعض يغتنمها هذه النزعة الشكلية كفرصة كاذبة يبررون بها اهمالهم للعمل الثوري التي تؤديه الجماهير الشعبية بروح من المثابرة و التواضع خلال مجهوداتها العملية الملموسة و مهامها التي تؤديها في بساطة، كما تواجه العراقيل بنفس الروح المتواضعة.

  • هناك نفسية اخرى يجب ان نندد بها لأنها تسببت في ماضي حياتنا السياسية في احداث خرائب لا حصر لها و هي توشك اليوم و بنفس الاهمية التي توجد في بقايا الاقطاعية ان تحدث ضررا فادحا بالثورة و نعني بها نفسية البرجوازية الصغيرة، ان انعدام مذهب صارم عند جبهة التحرير الوطني قد اتاحا لهذه النفسية ان تتفشى داخل صوف عدد كبير من الاطارات و الشباب.

ان عادات الليونة و التسامح المتأتية من الاحزاب القديمة التي يتكون انصارها من سكان المدن والهروب من الواقع لفقدان كل تكوين ثوري و التشبت بالروح الفردية في المناصب القارة و المنافع و الترضية التافهة للكبرياء الفردية و الاحكام الخاطئة التي توجد عند البعض ازاء الفلاحين و المناضلين المتواضعين ان كل هذا يشكل طابع بارزا من النفسية البرجوازية الصغيرة .

ان هذه النفسية المطبوعة بطابع فكري مزعوم تجذب نحوها بدون شعور جميع المفاهيم المشوهة و المؤذية من العقلية الغربية و بالإضافة الى ذلك فإنها تمثل من خلال طبقة بيروقراطية جديدة هوة سحيقة تفصلها عن اغلبية الشعب.

ان الفقر الايديولوجي لجبهة التحرير الوطني و العقلية الاقطاعية و نفسية البرجوازية الصغيرة، و هما من النتائج غير مباشرة لهذا الفقر الايديولوجي ان كل ذلك يوشك ان يؤدي بالدولة الجزائرية المقبلة الى بيروقراطية تافها و معادية للشعب في واقع الامر ان لم تكن في المبدأ نفسه.

  • ان من الاسباب الرئيسية التي عاقت تطور جبهة التحرير الوطني الجزائرية في ميدان الايديولوجي و ساهمت في تفاهم نقائصها و أثرت تأثيرا فادحا على الحالة العامة بالجزائر أثناء الحرب تكمن في الهوى التي فصلت بين القيادة و الجماهير الشعبية.

ان انتصاب المرجع الاعلى لجبهة التحرير الوطني الجزائرية في الخارج منذ نهاية السنة الثالثة للكفاح- بالرغم من انه كان نتيجة لحاجة تقتضيها الظروف انذاك – قد تسببت في ايجاد قطيعة بين القيادة و الواقع الوطني و قد كان من الجائز ان تكون هذه القطيعة قاضيا على الحركة التحريرية كلها، و كان من النتائج الواضحة لهذه الحالة هو تدني الوعي السياسي لدى المنظمات التي بقيت في مكانها او المنظمات التي جرتها القيادة خلفها او انشأتها في الخارج و يجب ان نفهم من انعدام الوعي السياسي فقدان خطة عامة مكونة ايديولوجية تربط بين الجزائريين في الداخل و الخارج، و يجب ان نفهم ايضا من فقدان الوعي السياسي السماح في فترة الكفاح المسلح بوجود تيارات سياسية متنافرة الامر الذي جعل من بعض المسؤولين احيانا بدون مهمة واضحة، و من جهة اخرى فان الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية التي اندمجت منذ انشائها في قيادة جبهة التحرير الوطني قد ساهمت في اضعاف مفهوم الدولة و مفهوم الحزب على السواء.

ان تداخل مؤسسات الدولة و مؤسسات جبهة التحرير الوطني الجزائرية جعل من هذه الاخيرة مجرد أداة ادارية للتسير.

ان تجربة سبع سنوات و نصف اثبتت انه من غير ايديولوجية ناضجة و منسجمة مع الواقع الوطني و جماهير الشعب، لا يكون هناك حزب ثوري، تلك هي حقيقة الحزب و ايديولوجيته و بدون هذين الاساسيين لا وجود للحزب اطلاقا.

الثورة الديمقراطية الشعبية

ان حرب التحرير الذي قام بها الشعب الجزائري المظفر تعيد للجزائر سيادتها الوطنية و استقلالها و لم تنته المعركة بذلك، بل بالعكس يجب أن تستمر لتوسيع و دعم انتصارات الكفاح المسلح بالتشييد الثوري للدولة و المجتمع، و مهام الثورة الديمقراطية الشعبية تتطلب تحليل المعطيات الموضوعية للواقع.

  1. خاصيات الجزائر

لقد نفضت الجزائر من حيث وضعها العام منذ وقت السيطرة الاستعمارية و عهد شبه الاقطاعية ان هذه الخاصية المزدوجة لن تزول تلقائيا مع الحصول على الاستقلال و أنها سوف تبقى ما لم يتحقق  التحول الجذري للمجتمع.

  • أ– البلد المستعمر

خضعت الجزائر أكثر من قرن من الزمن لهيمنة أجنبية أساسها الاستيطان على أوسع نطاق و استغلال الإمبريالي ان المستعمرين الفرنسيين قد قاموا من خلال الحرب بإبادة  الشعب و المجتمع في الجزائر و تدميرهما تدميرا منظما، فهذا العمل و هو يتعدى الغزو الاستعماري البسيط الذي يقصد منه ضمان اشراف على الثروات الطبيعية للبلاد قد استهدف أحلال سكان اجانب مكان أهل البلاد بكافة الوسائل، و الواقع ان الغزاة الفرنسيين حاولوا في خضم احداث القرن التاسع عشر ان يطبقوا من جديد على الجزائريين عملية الابادة التي أذابت مجتمع هنود امريكا ابتداء من نهاية القرن الخامس عشر.

و فشل هذا المخطط المنافي للطبيعة مرده الى مسالة ان المجتمع الجزائري و قد كان منظما في ايطار أمة واعية و متطورة قد تمكن من تعبئة كل قواه و قيمه مدة اربعين سنة لمواجهة هذا الخطر، ان العوامل التي دعمت المقاومة الوطنية زمن طويلا كان بعضها يتمثل في ازدهاره الاقتصادي و الحيوية الكبيرة للشعبه و تقاليده في الكفاح و انتمائه الى ثقافة وحضارة مشتركتين للمغرب الكبير و الوطن العربي.

غير ان هذه الروح القتالية على مر السنين و ان لم تتمكن في نهاية المطاف من دفع المحتل قد كان لها الفضل التاريخي في أن تعارض الى درجة كبيرة عمل الابادة و أن تحافظ على دوام المجتمع، و اذا لم يتمكن الاستعمار الفرنسي من تحقيق هدفه الاول تحقيقا كاملا فانه تسبب بطرق اخرى في تخلف المجتمع الجزائري و موته البطيء.

ان نزع الملكية الجماعية عن الاراضي و الترحيل المنظم للجزائريين و طردهم الى المناطق الجدبة و اغتصاب و نهب الثروات الطبيعي للبلاد و الاملاك الوطنية و خلق الثقافة و ابسط الحريات قد تولدت عنها النتائج التالية˸

  1. الاستيطان المكثف تدريجيا لسكان أجانب و هو في نفس الوقت وسيلة للامبريالية و مجتمع استعماري يكرس نفسه لخدمة القيادة السياسية و الادارية للاستعمار و لاستغلال الشعب الجزائري.
  2. اقامة و توطيد هياكل اقتصادية و استراتجية للامبريالية الفرنسية في الجزائر و يدخل هذا في اطار هيمنتها على المغرب الكبير و افريقيا السوداء.
  3. حصر المجتمع الجزائري الذي سلب بهذه الصفة وسائله و امكانياته في حدود ضيقة يكون فيها بمنآى عن التطور الحديث.

و هكذا حكم عليه الاستعمار بالتخلف و العودة به الى النظام الاقطاعي و طريقة العيش البائدة.

  • ب– البلد شبه الاقطاعي

ان الجزائر كأغلب بلدان افريقيا و اسيا قد عرفت الاقطاع نظاما اقتصاديا و اجتماعيا، و هذا النظام يمتد نسبيا الى أيامنا بعد ان خضع منذ 1830 لسلسلة من التحولات، و الاقطاع مفهوم للمجتمع يتناسب مع حقبة من تطور تاريخ الانسانية و هذه الحقبة قد تم الان تجاوزها، ان الاقطاع يشكل عنصرا رجعيا بائدا.

  1. لقد سارع  الإقطاعيون الجزائريون وقت الغزو الاستعماري و قد كان الشعب يكرههم و يبغضهم منذ ذلك الحين الى التحالف مع العدو غير مترددين في المشاركة في حرب النهب و القمع التي كان يقوم بها، و قد كان على الامير عبد القادر رئيس الدولة الجزائرية و صانع المقاومة أن شن عليهم حربا شنعاء و بذلك ضرب تحالفهم في معركتي محارز و المنة عام 1834 و قضى عليه.

ان الاستعمار كان يعتمد في سياسته التقليدية على الاقطاعيين الجزائريين باستمرار ليتصدى للمطامح الوطنية، و قد اتخذ الاستعمار امرا عام 1838 لإنقاذهم من التدمير و الثأر الشعبي و لتنظيمهم في سلك دائم، ان الاقطاعية الجزائرية قد تدرجت لتصبح ادارية بعد ان كانت من مصدر عسكري و ريفي، و لقد مكنها هذا الدور من مواصلتها استغلال الشعب و توسيع ممتلكاتها العقارية في الريف، فسلك ˶القياد˶ على النحو الذي انتقل به الينا يعد احسن تعبير عن هذه الاقطاعية و ان مع هذه الاقطاعية الزراعية و الادارية يجب ذكر نوع اخر من الاقطاع   و هو الحركة المرابطة للاخوانيات الكبرى˲ ان هذا الاقطاع الاخير الذي كان قبل 1830 و دوريا حتى 1871 قد لعبا دورا في الكفاح الوطني غالبا ما كان يتحول و بصفة جزئية الى اقطاع اداري، و هو مافتئ في سياق السياسة الاستعمارية القائمة على تعميم الجهل يستغل الشعور الديني بالخرافات و الاعمال الباطلة و هكذا اصبح الاقطاع  معاون الاستعمار الطبيعي بعد ان كان حليفه في اول الغزو و لقد مكن الشعب الجزائري المتحرك في اطار كفاح التحرير و قد زعزع الهيكل الاستعماري الضربة القاضية للإقطاع بصفته منظمة ادارية و دينية.

  • غير انه اذا قضى على الاقطاع في شكله المنظم فان بقاياه العقائدية و مخلفاته الاجتماعية لا تزال حية، فهي ساهمت في تحريف روح الاسلام و قد تولد عنها ركود المجتمع الاسلامي و انحطاطه.                                                                                    ان الاقطاع و هو ثمر انحطاط المغرب الكبير في حقبة ما من تاريخه لم يتمكن من البقاء إلا في سياق قيم اجتماعية و ثقافية و دينية  متدهورة هي الاخرى.                                                         و لذا يعتمد الاقطاع على مبدأ السلطة التحكمية و الدينية و هو مصدر الظلم فان له شكلا طفيليا حادا، و هو يعمل بهذين المظهرين على دوام هياكل و مفاهيم تعداها الزمن و هي ˸   

        الروح القبلية و الجهوية و احتقار المرأة و تمييزها و الجهل العام و العوائق الاجتماعية، فكل هذه المفاهيم و الاعمال الرجعية التي لا تزال شائعة في الحياة الريفية الجزائرية تشكل عقبة في طريق التقدم و تحرير الانسان، و الفلاحون الجزائريون الذين كانوا دوما يحاربون الاضطهاد و الركود الناتجين عن النظام الاقطاعي لا يمكنهم التغلب عليه وحده، أنه من واجب الثورة أن تصفي نهائيا مخالفات الاقطاع المعادية للوطن و المجتمع و لمصلحة الشعب.  

  • المحتوى الاجتماعي لحركة التحرير الوطني 

لقد ظهر منذ غرة نوفمبر 1954 بعد جديد في حياة المجتمع الجزائري التي بقيت راكدة حتى الان و هو بعد الحركة التي يحددها الالتزام الجماعي للشعب بالكفاح الوطني و دخوله فيه، ان هذه الحركة من حيث عمقها و امتدادها قد اعادة النظر في كل قيم المجتمع القديم و طرحت مشاكل المجتمع الجديد.

فما هي المقاومات الاجتماعية لهذه الحركة و كيف كانت، فهناك شعب بمجموعه و خاصة الفئات المضطهدة.

  1. الفلاحون الفقراء الذين ذهبوا أساسا ضحية لنزع الملكية العقارية و التحديد و التمركز و الاستغلال من طرف المستعمر، و الأمر يتعلق بالفلاحين الدائمين كبارهم و صغارهم أو الموسميين و الخماسين الذين قد يضاف اليهم صغار الملاكين.
  2. البروليتاليا و المنتمون اليها قليلون و ما تحت البروليتاليا المكتظة اعضائه في المدن، و نجدهم في أغلب الاحيان من الفلاحين الذين طردوا من ملكيتهم المنزوعة و اضطروا الى البحث عن عمل بعيدا عن الارياف بل و حتى الى الهجرة الى فرنسا حيث يستعملون غالبا في الاعمال الشاقة بأبخس الاجور.
  3. فئة اجتماعية اخرى متوسطة و هي فئة اصحاب الصناعات التقليدية و المستخدمين الصغار و المتوسطين و الموظفين و صغار التجار و عدد من اصحاب المهن الحرة و كلهم يكونون ما نسميه بالبرجوازية الصغيرة، و غالبا ما كانت هذه الفئة تشارك بنشاط في كفاح التحرير بتقديم الاطارات السياسية.
  4. هناك اخيرا طبقة برجوازية نسبيا لا تهم كثيرا تتكون من بعض رجال الاعمال و كبار التجار و اصحاب الصناعات و قليلا من رجال الصناعة و يضاف الى هذه الطبقة بعض كبار الملاك العقاريين و اعيان الادارة الاستعمارية ان هاتين  الطبقتين الاجتماعيتين قد شاركتنا في الثورة دوريا اما عن ايمان وطني او بصفة انتهازية، و انه يتعين أن نستثني منهم الاقطاعيين الاداريين المعروفين و الخونة الذين انظموا انضماما كليا الى الاستعمار.

 ان تحليل المحتوى الاجتماعي لكفاح تحرير يبين أن الفلاحين و العمال على وجه العموم و هم الذين كانوا يشكلون  القاعدة العاملة للثورة و أعطوها الطابع الشعبي أساسا، فدخولهم الجماعي الى صفوف الثورة قد جذب اليهم من بعد فئات الوطن الاجتماعية الاخرى، و اثار ظاهرة هامة هي ˸ التجنيد الكامل للشباب الجزائري مهما كان أصله الاجتماعي، و بهذا الصدد تتعين الملاحظة بأنه غالبا مان ٳلتزام الشباب من البرجوازية بقضية الاستقلال هو الذي ادى الى هذه الاخيرة الى الانضمام الى القضية.                                                                    

  و لقد كانت نتيجة الحركة الشعبية تزاوج هدف الاستقلال الى هدف ابعد و هو الثورة، و لقد ساهمت بجهدها المتواصل بٳستمراريته و التضحيات الكبيرة المتولدة عنه في اعطاء الوطني المجزأ شكلا أكثر تجانسا و علاوة على هذا فإنها مددت هذا الوعى الى وعى جماعي في اتجاه التغير الثوري للمجتمع.                                                                              و من نافلة القول أن نركز على هذه الحقيقة التي اعطت حركة التحرير الجزائرية طابعها الخاص و ميزتها عن باقي الحركات الوطنية في المغرب الكبير.                                   ان الثورة الجزائرية ليست وليدة  الفكر المجرد او الصيغ النظرية بل انها وليدة ضرورة تاريخية حتمية تحكمها الحركة الموضوعية لكفاح التحرير الوطني.

  • المهام الاساسية للثورة الديمقراطية الشعبية

لقد درسنا في كل ما سبق الوضع العام للمجتمع قبيل و حتى وقت حصول الجزائر على استقلالها و كذلك الخاصيات الاساسية لحركة التحرير الوطني.                                     ان كل مكاسب هذا الكفاح و تنظيمها و اتمامها يجب ان تدرس و هنا تكمن المهمة التاريخية للثورة الديمقراطية الشعبية.                                                                           و هذا  يقتضى بالضرورة جهدا في تحليل و تكوين مناسب و توجيها صحيحا صارما كما انه يتطلب اختيارات واضحة و هناك أمران اثنان يجب أن نستلهمهما في عملنا.

  1. الانطلاق من الواقع الجزائري من خلال معطياته الموضوعية و مطامح الشعب.
  2. التعبير عن هذا الواقع على أن نأخذ بعين الاعتبار متطلبات التقدم العصري و اكتشافات العلم و تجارب الحركات الثورية الاخرى و محاربة الامبريالية في العالم.    

   كذلك  فانه يجب تفادي الاستلهام من الصيغ الجاهزة دون الرجوع الى واقع الجزائر الملموس، و يجب بنفس الطريقة أن نحترز من الٳنجرار  الى خطأ الذين يزعمون الاستغناء عن تجربة الغير و ما تقدمه الحركات الثورية في عصرنا.                                                 ترى بماذا تتميز الثورة الجزائرية ؟                                                                         لقد استعملت كلمة ˶ الثورة˶ طويلا في أشكال عديدة بعيدا عن كل محتوى دقيق، و الحال انها ما فتئت تغذي حماس الجماهير الشعبية التي اعطتها قطريا معنى يتعدى حرب التحرير نفسها، ان ما كان ينقصها في السابق و ما ينقصها الى الان لتستكمل معنها الاوفى يتمثل في الخط العقائدي الذي لا بد منه، فخلال حرب التحرير كانت حركة التحرير نفسها كافية لدفع و جذب المطامح الثورية للجماهير، و اليوم وقد توقفت الحركة مع نهاية الحرب و استعادة الاستقلال فانه من المهم تمديدها دون تأخير على الصعيد العقائدي، ان الكفاح المسلح يجب أن يترك المكان للمعركة العقائدية و ان الثورة الديمقراطية الشعبية يجب أن تخلف الكفاح من أجل الاستقلال الوطني أن الثورة الديمقراطية الشعبية تشييد واع للبلاد في اطار مبادئ اشتراكية و سلطة في أيدي الشعب.

أ- المحتوى الديمقراطي˸

تتمثل مهام الثورة في تقوية الوطن الذي اصبح مستقلا بأن تعيد اليه قيمته المكبوتة او تلك التي حطمها الاستعمار و بعبارة اخرى يجب ان تكون دولة ذات سيادة و استقلال كامل و ثقافة و طنية، ان هذه القيم ستكون لا محالة مصاغة و منظمة في منظار حديث و هذا الامر يقتضي الغاء الهياكل الاقتصادية و الاجتماعية لٳقطاع و مخلفاتها و اقامة هياكل جديدة و مؤسسات من شئنها ان تعمل لفائدة تحرير الانسان و الممارسة الكاملة لحرياته و ضمانها.    

  ان الوضع الاجتماع  و الثقافي للبلاد يتوقف على ظروفها الاقتصادية، و حتى تكون تنمية الجزائر سريعة و منسجمة و موجها نحو الاستجابة لاحتياجات الجميع في اطار النظام تعاوني، انه يجب ان تصاغ التنمية في منظار اشتراكي بالضرورة.

  ان الفكر الديمقراطي لا يجب ان يكون مجرد تخمينات نظرية، انه يجب ان يتحقق في مؤسسات الدولة المحددة تحديدا جيدا و في كل قطاعات الحياة الاجتماعية للبلاد، ان روح المسؤولية  و هي المظهر الاوفى للفكر الديمقراطي يجب ان تحل في اي مكان محل مبدأ السلطة الذي كان جوهره اقطاعيا و ميزته تسلطية.

ب– المحتوى الشعبي ˸

نظرا لان مصير الفرد مرتبط بمصير المجتمع بتمامه و كماله فان الديمقراطية بالنسبة الينا لا يجب ان تتوقف عند تفتح الحريات الفردية بل يجب ان تكون خاصة تعبيرا جماعيا للمسؤولية الشعبية،ان تشييد دولة حديثة على اسس ديمقراطية مضادة للامبريالية و معاديا للإقطاعية لا يكون ممكن إلا بمبادرة الشعب و يقظته و مراقبته المباشرة.                                                                                      ان مهام الثورة الديمقراطية في الجزائر مهام هائلة، و لا يمكن انجازها بطبقة اجتماعية مهما كانت درجة استنارتها،  ان الشعب قادر وحده على انجازها على الوجه الاكمل و الشعب هو الفلاحون و العمال على العموم و الشباب و المثقفون الثوريون.

ان تجربة بعض البلدان المستقلة حديثا تعلمنا ان فئة اجتماعية ذات امتياز امكانها الاستلاء على السلطة لفائدتها الخاصة، و بذلك فهي تكبت الشعب و تحرمهم من ثمرة كفاحه و تنفصم عنه للتحالف مع الامبريالية، فبٳسم الاتحاد الوطني الذي نستغله بصفة انتهازية تدعي البرجوازية انها تعمل لفائدة الشعب و تطالبه بدعمها و الحقيقة ان نشئتها الحديثة نسبيا و ضعفها كفئة اجتماعية بدون اسس راسخة و انعدام تقاليد الكفاح الحقيقية لديها تحد من قدرتها على تشييد الوطن من المطامح الامبريالية. 

 ان تولي الحكم في الجزائر يقتضي ان يتم في وضوح، و الاتحاد الوطني ليس اتحادا حول الطبقة البورجوازية، و لكنه تأكيد لوحدة الشعب على اساس مبادئ الثورة الديمقراطية الشعبية و هي الوحدة التي على البرجوازية ان تخضع لها مصالحها الخاصة

ان منطلق الثورة و المصلحة العليا للشعب يجعلان من ذلك احدى الضرورات و سوف تقاس وطنية البرجوازية عندنا بقبولها لذلك و تقديم دعمها بقضية الثورة و عدولها عن ارادة التحكم في مصير البلاد، البرجوازية تحمل عقائد انتهازية ميزتها الأساسية، الانهزامية و الديماغوجية و روح التهويل و الاستخفاف بالمبادئ و قلة الايمان الثوري و هي كلها اشياء ترتبط بالاستعمار الجديد.

ان اليقظة تتطلب في القريب العاجل محاربة هذه الاخطار و باتخاذ الاجراءات الملائمة لمنع توسيع القاعدة الاقتصادية للبرجوازية المرتبطة برأسمال الاستعمار الجديد.

ج– من اجل طليعة واعية ˸

يتطلب تحقيق اهداف الثورة الديمقراطية الشعبية انبعاث و تكوين طليعة واعية تتركب من عناصر منحدرة من الفلاحين و العمال عموما و الشباب و المثقفين الثوريين .

و ستكون مهمة هذه الطليعة وضع فكر سياسي و اجتماعي يعكس بوفاء مطامح الجماهير في اطار الثورة الديمقراطية الشعبية، ان الثورة ليست مجموعة اجراءات عملية نطبقها بطريقة فاترة و بيروقراطية، انه لا يوجد عقيدة جاهزة بل مجهود عقائدي متواصل و خلاق.

لقد أحدثت حرب التحرير خلال سبع سنوات و نصف تقلبات كبيرة في المجتمع الجزائري، فهذا الوضع الجديد و اقامة النظام السياسي الجديد بكامله الذي يتطلبه، يفرضان بعث فكر جديد˸

  1. ان تشييد دولة عصرية و تنظيم مجتمع ثوري يفرضان اللجوء الى طرق و مقاييس عملية في المجالين النظري و العملي، فيجب ان يعتمد تصور و ممارسة المسؤولية السياسية على التحليل الموضوعي للأحداث و التقدير الصحيح للوقائع،و ذلك يفترض ايضا روح بحث منهجي و مجهود تنقيب ملموس.
  2. ان ذلك لن يكون طبعا دون الرفض الجازم لكل اشكال النزعة الذاتية و هي الارتجال و سوء التقدير و عدم الوضوح الفكري و النظرة المثالية للواقع بالوقوف فقط عند المظاهر البراقة و المجانية، كما انه يتعين الاحتراز من مغبة النزعة الاخلاقية و هي نزعة الفكر المثالي و الصبياني التي تتمثل في تغير المجتمع و حل مشكلاته باستعمال القيم الاخلاقية وحدها، ان في ذلك تصور مخطأ و مشوشا للعمل الثوري فمرحلته البناءة، ان غلبة النزعة الاخلاقية التي يدعوا البعض اليها بمحض ارادتهم هي العذر السهل للعجز عن التأثير في الواقع الاجتماعي و تنظيمه تنظيما ايجابيا، فلن يقتصر المجهود الثوري على نوايا حسنة مهما كانت صراحتها بل انه يتعين استعمال المواد الموضوعية بوجه خاص، ان القيم الاخلاقية الفردية و ان كانت محترمة وضرورية لا يمكن ان تكون قاطعا حاسما في بناء المجتمع، فالمسيرة الصحيحة لهذا المجتمع هي التي تخلق شروط تطورها الجماعي.

د– من اجل مفهوم جديد للثقافة ˸

ان ضرورة خلق فكر سياسي و اجتماعي تغذيه المبادئ العلمية و تتم حمايته من ترهات الفكر تبين لنا اهمية احداث تصور جديد للثقافة و ستكون الثقافة الجزائري تقافة وطنية و ثورية و علمية .

  1. ان دورها كثقافة وطنية يتمثل في مرحلة اولى في اعطاء اللغة العربية المعبرة الحقيقية عن القيم الثقافية لبلادنا كرامتها و نجاعتها كلغة حضارة، لذلك فانها سوف تعيد بناء التراث الوطني و تقيمه و التعريف بإنسانياته المزوجة القديمة و الحديثة لادخالها في الحياة الفكرية و تربية الشعور الوطني، فهي ستحارب هكذا الهيمنة الثقافية و التأثير  الغربي اللذين ساهما في تلقين الكثير من الجزائريين احتقار لغتهم و قيمهم الوطنية.
  2. انها ستساهم بوصفها ثقافة ثورية في عمل تحرير شعب يعمل لتصفية مخلفات الاقطاع و الخرافات المعادية للمجتمع و العادات الفكرية و التقليدية، و لن تكون ثقافة فئة تصد أبوابها عن التقدم و لا ترفا فكريا، و هي سوف تنير بصفتها شعبية و نضالية كفاح الجماهير و الكفاح السياسي و الاجتماعي بمختلف أشكاله و بتصورها ثقافة نشيطة في خدمة المجتمع فانها ستساعد على تطوير الوعي الثوري  عندما تعكس باستمرار مطامح الشعب وواقعه و انتصاراته الجديدة و كذلك كل أشكال تقاليده الفنية.
  3. ان الثقافة الجزائرية و هي ثقافة علمية في وسائلها و ابعادها يجب ان تحدد حسب طابعها العقلاني و تجهيزها التقني و روح البحث التي تنشطها و انتشارها المنهجي المعمم على كل مستويات المجتمع.                              من هنا نستنج ضرورة العدول عن التصورات الروتينية التي يمكن ان تعوق المجهود الخلاق و ان تشل التعليم بما يزيد في خطورة الجهل الموروث عن الهيمنة الاستعمارية، ان هذه الضرورة تفرض نفسها  خاصة ان اللغة العربية قد تأخرت باعتبارها وسيلة ثقافة علمية عصرية يجب ترقيتها حتى تقوم بدورها في المستقبل بأساليب عملية و مهذبة جدا.  

 و الثقافة الجزائرية بهذا المفهوم يجب ان تكون الرباط الحي و الضروري بين الجهد العقائدي للثورة الديمقراطية و بين المهام العملية و اليومية التي يتطلبها تشييد البلاد.                                                                          و بهذا الصدد فان الرفع الضروري للمستوى الثقافي للمناضلين و الاطارات و المسؤولين و الجماهير بصفة عامة يكتسي اهمية اساسية.                        انه سيمكن على وجه الخصوص من تعليم الجميع روح العمل و بالتالي سيرتفع الانتاج في كافة الميادين و يجب على الطليعة الثورية للشعب ان تعطي المثل برفع مستواها الثقافي الخاص و ان تجعل منه شعارها الدائم.           

  و يجدر التذكير هنا بان الفلاحين و العمال و هم الضحايا الأساسيون للجهل الذي فرضته الاستعمار سوف يستفيدون من رفع المستوى الثقافي حتى يواجهوا بنجاعة المهام و المسؤوليات التي تضعها الثورة على عاتقهم. 

كما انه يتعين التنديد هنا بشدة بالنزعة المتمثلة في عدم تقدير المجهود الفكري حق قدره و في الدعوة أحيانا الى معاداة المثقفين. 

 و غالبا ما نجد لهذا الموقف نقيضا اخر يلتقي في أكثر من نقطة بأخلاقية  البورجوازية الصغيرة و نعني بهذا ذلك التصور المتمثل في استعمال الاسلام لأغراض ديماغوجية تفاديا لطرح المشكلات الحقيقة، اننا ننتمي حقا الى الحضارة الاسلامية التي أثرت في تاريخ البشرية تأثيرا عميقا و مستمرا غير أننا نتنكر لهذه الحضارة  و نسيء خدمتها اذا ما اعتقدنا بان نهضتنا تخضع لصيغ ذاتية بسيطة في السلوك العام و في ممارسة الشعائر الدينية. 

  و هذا يعني الجهل بحقيقته أن الحضارة الاسلامية كبناء عملي للمجتمع بدأ و تواصل طويلا عبر الزمن بمجهود ايجابي على صعيد العمل و الفكر معا أي الاقتصاد و الثقافة، و زيادة على ذلك فان روح البحث التي تنشطها و انفتاحها العقلاني على العلم و الثقافات الاجنبية و عالمية العصر قد خلقت كلها بينها و بين الحضارات الاخرى تبادلا خصبا، انها قبل كل شيء مقاييس الخلق و التنظيم الفعال للقيم و الاسهامات  التي جعلتها تشارك بدرجة كبيرة في التقدم الانساني في الماضي و انه من هنا يجب أن تنطلق كل  نهضة حقيقية.                                                                               و بمعزل عن هذا المجهود الذي يجب ان يبذل باديء ذي بدء على أساس ملموسة ووفق عملية منظمة تنظيما دقيقا فان الحنين الى الماضي يكون مرادفا للعجز و البلبلة و بالنسبة الينا فان الاسلام الذي يتخلص من البدع و الاوهام التي خنقته و حرفت و هزت جوهره يجب ان ينعكس علاوة على كونه دينا في هذين العاملين الاساسيين ˸ الثقافة و الشخصية.    

 و لا  حاجة لبيان اهمية تطور شخصيتنا المرتبطة بالمقتضيات المختلفة للثقافة الوطنية الثورية و العلمية، ان كفاح التحرير المظفر قد ابرز معالمها الكبرى التي ظلت مجهولة عن قصد او عن غير قصد و ستتقوى الشخصية الجزائرية في المستقبل أكثر فأكثر نظرا لقدرة شعبنا الكبيرة على مسايرة العصر دون قطع الصلة بماضيه، فالطليعة الواعية للشعب الجزائري و هي موجهة نحو تحقيق المهام الثورية ستبدأ أولا بتعبيد الطريق المؤدية الى التقدم الجماعي للمجتمع بتصفية مخلفات الانظمة التي ولت بتبديد أنواع اللبس و الخرافات الديماغوجية، و هذه قيمة و ثمرة نجاح الثورة الشعبية.

لتحقيق المهام الاقتصادية و الاجتماعية للثورة الديمقراطية الشعبية

يجب صياغة عملنا و القيام به على الصعيدين الاقتصادي و الاجتماعي و في المستوى الدولي حتى يتسنى لنا تحرير الجزائر من مخلفات الاستعمار و بقايا الاقطاع و حتى نضع هياكل المجتمع الجديد الذي يجب تشييده عل أسس شعبية و معادية للإمبريالية، و نعني باختيار خطوط العمل هذه ˸

  • بناء اقتصاد وطني
  • انتهاج سياسة اجتماعية تستفيد منها الجماهير لرفع مستوى معيشة العمال و القضاء على الأمية و تحسين المسكن و الوضع الصحي و تحرير المرأة.
  • انتهاج سياسة دولية أساسها الاستقلال الوطني و محاربة الامبريالية.
  1. بناء اقتصاد وطني

أ– لمحة عن الوضع الاقتصادي و الاجتماعي للجزائر المستعمرة

  1. ان الاقتصاد الجزائري اقتصاد استعماري تسيطر عليه فرنسا كليا و تحت أيد اجنبية.فهو مصدر للمواد الاولية و سوق للمواد المصنوعة، و تنعكس تبعيته في كبر حجم المبادلات الخارجية بالنسبة للإنتاج الوطني و حصة فرنسا منها و في حجم الٳعتمادات و تعديل ميزان الحسابات و انعدام التصنيع الجدي، فظلت الجزائر الزبون الاول لفرنسا و ممونها الاول.                                              و لقد  استولت أقلية استوطنت البلاد تحت جناح الغزو وبفضل دعم المستعمر على أهم وسائل الانتاج و التمويل، فهي تملك أهم الاراضي المنتجة     ( 2.726.700 هكتارا) و تحتكر البنوك و النشاط الصناعي (90% من المجموع الكلي أنها تحتكر الاطار التقني و الاداري للبلاد.
  • ان الاقتصاد الجزائري الاقتصاد مختل التوازن و غير متاسق.                      يتواجد فيه قطاعان تربط بينهما شبكة تجارية هشة.

أ– القطاع الاول قطاع رأسمالي عصري و نشيط بالفعل موقعا اماميا للاقتصاد الفرنسي، و هو يشمل الفلاحة الاوروبية المخصصة لاسواق المدن و التصدير و مختلف فروع الصناعة و النقل و التجارة الكبيرة و الخدمات، و المشاركة الجزائرية الوحيدة تتجسد في اليد العاملة.

ب–  القطاع الثاني قطاع تقليدي يعيش منه السواد الاعظم م الجزائريين أي 5225.000 شخصا، و هو لا يزال يحتفظ بالهياكل الموروثة عن الماضي و يسطر عليه الاقتصاد الاستهلاكي و علاقات الانتاج التي كانت تميز عرا ما قبل الرأسمالية،و تكاد تكون الوسائل التقنية و المالية.

  • العواقب الاجتماعية للهيمنة الاستعمارية                                                     ان الحالة الاجتماعية المتردية الناتجة عن هذا الاقتصاد التابع و غير المتناسق و المسيطر علية، يعاني منها مجموع الجزائريين عناء شديدا و هي تبرز في التباين الموجود بين المدخول، فمجموع فرنسي الجزائر يملكون معدل دخل سنوي يفوق 350.000 فرنك  لكل فرد بينما يقل معدل الدخل السنوي بالنسبة للجزائريين  عن 50.000 فرنك، و هذا المعدل لا يصل مبلغ 20.000 فرنك اذا كان الامر يتعلق بالجماهير التي تعيش من القطاع التقليدي. 

 كما أن العواقب الاجتماعية تظهر في عدم دمج مليونين و نصف مليون جزائري في دائرة النشاط الاقتصادي حيث أنه يوجد 990.000 عاطل عن العمل، في المدن و مليون و نصف مليون عاطل في الارياف و هي تتجلى كذلك في الهجرة الريفية و في هجرة 400.000 جزائري  الى فرنسا وفي الأمية ( فأكثر من 4/5 الأشخاص الذين تفوق اعمارهم 6 سنوات لا يعرفون القراءة و لا الكتابة) و في نقص و تدهور قطاع السكن و الحالة الصحية و كل هذا يعكس تكاثر الأحياء القصديرية و الأكواخ و قلة المنشآت الصحية في الأرياف.

ب– مبادئ سياستنا الاقتصادية

  1. ضد الهيمنة الاجنبية و الليبيرالية الاقتصادية ˸                                   ان طموح شعبنا الى التنمية الاقتصادية  و الى رفع مستوى معيشة طموح عميق شامل لا يقاوم.                                           

  وقد علمتنا تجربة البلدان حديثة الاستقلال العدول عن أساليب الليبيرالية التقليدية لإجراء تحول حقيقي في المجتمع.

ذلك ان مثل هذه الاساليب تزيد في خطورة فوضى السوق و تدعم التبعية الاقتصادية للامبريالية و تجعل من الدولة مؤسسة تنقل الثروات و تضعها في أيدي الاغنياء و المحظوظين و تغذي نشاط الفئات الاجتماعية الطفيلية  المرتبط بالامبريالية. 

فالبرجوازية المحلية تستعمل على خلافة الاجانب تدريجيا في القطاعات الاقتصادية غير المنتجة و بينما تحقق هذه البرجوازية ثراءها سيظل الشعب أسير البؤس و الجهل.

ان ضعف الدخل القومي و الادخار الخاص و هروب الجزء الاكبر من الارباح المحققة من البلاد و توجيه الرأسمال المحلي نحو المضاربات كالربح الجشع و الريع و الربا و عدم استعمال المصدر الهائل لليد العاملة، كلها عوامل توجب محاربة الطريقة الرأسمالية للتنمية و لا يمكن لحزبنا أن يعهد بحل المشكلات الاساسية المطروحة في البلاد الى البرجوازية الناشئة و المرتبطة بحكم طبيعة أنشطتها بدائرة الاقتصاد الامبريالي.

ان نسبة الرأسمال المحلي كانت لا تتعدى 8% من مجموع 4500 مليار من الاعتمادات الخاصة الموجودة في الجزائر عام 1954، و بالتالي فانه لا يمكن لبلادنا أن تترك اقتصادها في أيدي الاحتكارات الاجنبية و ننتظر منها تنمية و تطويره و ليس لنا أن نعتبر المساعدة الاجنبية إلا قوة اضافية بسب تردد اصحاب رؤوس الاموال في توظيف أموالهم في الاستثمارات التي لا توفر لهم ربحا كبيرا و بسبب ضعفهم المنتظر في توفير الاحتياجات الفورية و بسبب شروط العمل التي يضعونها مسبقا.

  • من أجل سياسة تخطيط مع المشاركة الديمقراطية للعمال في السلطة الاقتصادية ˸

ان متطلبات التنمية الاقتصادية في البلاد تستوجب القضاء على تسلط الاحتكارات و ذلك بمراجعة العلاقات الاقتصادية مع الخارج و مع فرنسا اولا  و بإزالة العراقيل الداخلية بإدخال تغيير جذري على هياكل الحياة الريفية و تصنيع البلاد من اجل توفير حاجيات الشعب.

و لن تتحقق هذه الغايات إلا بانتهاج سياسة التخطيط و تولي الدولة شؤون الاقتصاد بمشاركة العمال. فالتخطيط ضرورة حيوية يمكن وحدها تراكم رأس المال اللازم لتحقيق تصنيع مفيد خلال فترة قصيرة نسبيا، و تركيز أهم قرارات الاستثمارات و القضاء على انواع التبذير و المصاريف الباطلة التي يعود سببها الى التنافس بين المؤسسات و سوف يمكن مساهمة العمال في تسيير شؤون الاقتصاد من مراقبة التخطيط و تنفيذه و تكييفه التدريجي مع الامكانات الموجودة.

ان التخطيط سيلاقي في وضعنا الراهن عوائق هائلة من بينها نقص في رأس المال و عدم وجود الاطارات المختصة و التأخر الثقافي، غير أن حزبنا يفضل التخطيط في عملية الاختيار بين الركود في اطار ليبرالي و التقدم عن طريق التخطيط الاقتصادي فوضع التخلف الاقتصادي و الثقافي يفرض علينا بذل جهد كبير جدا و استثمار كل الثروات المادية و البشرية استثمارا كاملا من أجل تنمية البلاد و انجاز مهام الثورة الديمقراطية الشعبية، و لن يتم بناء الاقتصاد على أسس جديدة  إلا بانقلاب جذري في الهياكل الحالية.

ج– المهام الاقتصادية للثورة الديمقراطية الشعبية

  1. الثورة الزراعية ˸

في الاطار الجزائري تقتضي الثورة الديمقراطية الشعبية ثورة زراعية بالدرجة الاولى.

ان خلق سوق داخلية و بداية التصنيع يتوقفان على القيام بثورة حقيقية في الحياة الريفية و الثورة الزراعية مهمة أولية ذات جوانب ثلاثة متكاملة ˸ اصلاح زراعي ، تحديث الفلاح و المحافظة على الثروة العقارية.

أ– الاصلاح الزراعي

لقد كان ااستقلال محط آمال جمهور الفلاحين الذين يشكلون الاغلبية الساحقة في الامة و الذين كانوا القاعدة العاملة خلال حرب التحرير و قد حملوا العبء الثقيل منها، و من شأن الاستجابة لمصالحهم المادية و الثقافية و تحقيقها رفع حجم الانتاج في البلاد و خلق سوق للصناعة و اعادة الاستقرار الى الارياف التي استنزفتها الحرب الاستعمارية.

اما توفير الاراضي الضرورية لإجراء اصلاح زراعي جذري فانه يتطلب القضاء على القواعد الاقتصادية للاستعمار الزراعي و تحديد الملكية العقارية على وجه العموم.

و من وجهة النظر الاقتصادية فان نوعية الزراعات التي يستثمرها كبار المعمرين و كبار الملاكين الجزائريين في أراضيهم و درجة ادخال الوسائل العصرية في استثماراتهم يدفعان بحزبنا الى المطالبة بإقامة نظام تعاوني لاستطلاع الاراضي و تقسيمها دون تجزئتها، و هذا الحل يجب العمل به وفق انضمام ارادي من جانب الفلاحين لتفادي العواقب الوخيمة لأشكال الاستثمار المفروضة و لن يتم الاصلاح الزراعي الا بالعمل بشعار ( الارض لمن يخدمها) و بالاعتماد على المبادئ التالية˸

  • الحظر الفوري للصفقات المتعلقة بالأرض ووسائل الانتاج الفلاحية.
  • تحديد الملكية حسب نوع المزروع و مردوده.
  • نزع الملكية في الاراضي التي تتجاوز مساحتها الحد الاقصى المحدد.
  • مجانية توزيع الاراضي التي تجمع على الفلاحين الذين لا أرض لهم  أو الذين ليست لهم مساحات كافية.
  • تنظيم ديمقراطي للفلاحين ضمن تعاونيات انتاج.
  • انشاء قرى تابعة للحكومة في جزء من الاراضي التي تنزع ملكيتها و يشارك العمال في التسيير و الارباح و هذه المزارع من شئئنها تيسير العمل في السوق و تشكيل قاعدة انطلاق لتكوين الاطارات و الممرنين الفلاحين.
  • حظر بيع أو تأجير الاراضي الموزعة لتفادي اعادة تكوين الملكية الكبيرة.
  • الغاء ديون الفلاحين و الخماسين للملاكين العقاريين و المرابين و المصالح العامة.
  • تقديم المساعدة المادية و المالية من طرف الدولة.

ب– تحديث الفلاحة ˸

سيخلق الاصلاح الزراعي بالحيوية التي تعطيها للفلاحين ظروف اجتماعية و اقتصادية من شأنها أن تطور القطاع التقليدي و تسرع في توحيد الضيعات الصغيرة بالمساعدة المالية و التقنية من الدولة و الجماعات و المؤسسات المحلية، و سوف تسهل بالإصلاح الزراعي عملية دخول التقدم الى الريف، و بهذا الصدد يجب أن تهدف السياسة الزراعية للحزب أيضا الى ˸

  • توحيد نظام الاراضي
  • زيادة حجم الانتاج بتوزيع التقنيات الحديثة على أوسع نطاق.
  • تنويع الزراعات الغنية و احلال هذه الاخيرة محل الزراعات الفقيرة.
  • اعادة جمع ثروة المواشي و التنمية المنهجية لتربية المواشي.

ج– المحافظة على الثروة العقارية ˸

لا شك  أن سوء حالة الاراضي و التقلص المتوصل لمساحات الانتاج و تخريب الغابات تشكل آفانا حقيقية يجب التصدي لها بحلول فورية عاجلة، ان الجزائر المستقلة يجب عليها أن تبذل كل جهودها لإعادة تكوين الثروة العقارية و أن تقوم بكفاح عنيف من أجل ˸

  • استصلاح  الاراضي المنجرفة
  • تشجير الغابات و تشجير مساحات جديدة
  • توسيع المساحات المروية
  • استصلاح أراضي جديدة

ان تزايد السكان النسبي في الارياف سيمكن التعبئة السريعة لليد العاملة العاطلة لاصلاح الاراضي، و هذا عمل أهميته بالغة، فالتنظيم الديمقراطي للورشات سيقضي على البطالة و سيمكن من استصلاح مساحات كبيرة من الاراضي و سيحرر كل القوى المنتجة على أن يكون تغيير الهياكل الزراعية هذا نقطة انطلاق لتطوير المنشآت و تأميم القرض و التجارة الخارجية في مرحلة اولى و تأمين الثروات الطبيعية و الطاقة في مرحلة ثانية، و سوف تعمل هذه الاجراءات على الاسراع في عملية التصنيع الهائل للبلاد.

  • تطوير المنشآت (دعائم الاقتصاد)  

لقد وضعت شبكة السكك الحديدية و الطرقات في بلادنا حسب المقتضيات الاقتصادية و الاستراتيجية للاستعمار و تم خلال الحرب فتح طرق قروية لتسهيل عمليات دخول القوات الفرنسية الى الاماكن النائية، و سوف تكون هذه الشبكة قاعدة تطور منشآت ملائمة لتسهيل تطوير المبادلات و القضاء على كل ما يعترض توسيع السوق الداخلية و تسويق المنتوجات الفلاحية، ان سياسة الحزب يجب أن تهدف الى ˸

  • تأميم وسائل النقل
  • تحسين و تجديد شبكات الطرق و السكك الحديدية.
  • اقامة مواصلات برية بين الطرق الكبرى و الاسواق القروية.
  • تأميم القرض و التجارة الخارجية

و يفرض تأميم القرض و التجارة من جهتة ˸ 

أ– تأميم شركات التأمين

ب– تأميم المصارف

و هذه المهمة عاجلة يجب انجازها في أقرب الآجال، فتكاثر البنوك يسهل الافلات من قبضة المراقبة الوطنية، ان تحويل هذه المؤسسات الى شركات ٳنمائية لن يخفي طابعها الاساسي المتمثل في كونها وسيلة مساومة مالية.

ج– يجب أن تستوحي السياسة التجارية للجزائر من المبادئ التالية ˸

  • القضاء على النظام الامتيازي بين فرنسا و الجزائر تدريجيا و حسب ترتيبات يتفق عليها.
  • ضمان مبادلات متوازنة أساسها المساواة و المنفعة المتبادلة.
  • تطوير المبادلات مع البلدان التي تعرض أسعار ثابتة و سوقا للأمد الطويل و حيث يمكننا و جود مواد تجهيز بأحسن الاسعار.
  • تأميم الفروع الرئيسية للتجارة الخارجية و تجارة الجملة بصفة أولوية و خلق شركات تابعة للدولة حسب المادة المنتجة أو مجموع المواد المنتجة.

فمثل هذا التنظيم سوف يمكن الدولة من الاشراف المباشر على التصدير و الاستيراد و يسهل عليها القيام بعمل ناجع في مستوى الاستهلاك و يوفر لها الارباح التجارية التي يمكن استثمارها في الفروع الانتاجية.

  • مراقبة الاسعار و خلق مخازن تابعة للدولة في المراكز الريفية لمحاربة المضاربة و الربا. 
  • تأميم الثروات المعدنية و الطاقة ˸

ان هذا التأميم يشكل هدفا يجب تحقيقه على الأمد الطويل اما الآن يجب على الحزب أن يعمل على ˸

  • توسيع شبكة الكهرباء و الغاز الى المراكز الريفية.
  • تكوين المهندسين و التقنيين في كل المستويات حسب مخطط يؤهل البلاد الى أن تشرف بنفسها على الثروات المعدنية و الطاقة.
  • التصنيع ˸

انه لا يمكن تحقيق تقدم الاقتصاد الفلاحي و تعبئة الجماهير من أجل تنمية البلاد إلا بالاعتماد على قاعدة تقنية و اقتصادية محددة تكون نتيجة للتقدم المحقق في ميدان الصناعة.

و ستتمثل مهمة الدولة الجزائرية في توسيع قطاع الدولة الموجودة في الجزائر ليشمل المناجم و مصانع الاسمنت.

غير ان التنمية الحقيقية التي سوف تتم في البلاد على الامد الطويل ترتبط بإنشاء صناعات قاعدية لا بد منها للفلاحة العصرية و للجزائر امكانية هائلة بالنسبة للصناعات النفطية و الحديدية، و في هذا الميدان تملك الدولة توفير الشروط اللازمة لخلق صناعة ثقيلة.

اما في الميادين الاقتصادية الاخرى فانه يمكن تشجيع المبادرة الخاصة بل و توجيهها في اطار مخطط عام للتصنيع.

هذا و تبين تجربة بعض البلدان أن الدولة لا يمكنها بأي حال ان تساهم في خلق قاعدة صناعية تستفيد منها البورجوازية المحلية التي يجب على الدولة ان تحد من تطورها بالتدابير الملائمة فٳسهام رؤوس اموال الاجانب الخاص امر مرغوب فيه و لكنه يجب ان يتم وفق بعض الشروط منها ˸

  • أن يكون مكملا في اطار مؤسسات مختلطة .
  • ان ينظم تحويل الارباح و يعاد توظيف جزء منها في عين المكان.

و يجب على الدولة ان توجه في مرحلة اولى جهودها نحو تحسين الصناعة التقليدية و خلق صناعات صغيرة محلية أو جهوية لاستثمار المواد الاولية ذات الطابع الفلاحي في عين المكان.

  • تحقيق المطامح الاجتماعية للجماهير  
  • رفع مستوى المعيشة ˸

ان مزايا التحسين التدريجي لظروف معيشة الجماهير و القضاء على البطالة ستتمثل في تنشيط الانطلاقة الخلاقة للشعب و تحقيق التقدم و أنه لمن الواجب الاكيد التنديد بشدة بمظاهر الترف و الاسراف و تبذير أموال الدولة و المصاريف الباهضة و المرتبات المدهشة حتى تصبح انطلاقة الجماهير و تعبئتها من خصائص الحياة في البلاد.

تلك هي عوامل تؤكد يقين الجماهير بأنها سوف تتحمل أعباء التشييد و حدها و على الاغنياء ان يسلكوا منهج التقشف و مع ذلك فان تسيير بعض المؤسسات من قبل الدولة لا يمكن ان يبرر في أي وقت من الاوقات تدهور ظروف معيشة العمال الذين يجب الاعتراف لهم بحق الاضراب.

  • محو الامية و تطوير الثقافة الوطنية ˸

كان الشعب الجزائري قد اظهر قبل اندلاع ثورة الفاتح نوفمبر 1954 تعلقه بالقيم الوطنية التي صيغت في اطار الحضارة العربية الاسلامية. و لقد تميز تعلقه هذا بخلق المدارس الحرة و صيانتها رغم المعارضة الصادرة عن السلطات الاستعمارية، و قد بذلت ادارات الولايات من جهتها خلال حرب التحرير جهودا جديرة بالثناء لكي تجعل الثقافة في متناول أفراد شعبنا و أن قضية الثقافة في بلادنا تتطلب ˸

أ– استعادة الثقافة الوطنية و التعريب التدريجي للتعليم اعتمادا على أسس علمية، و هذه مهمة من أصعب مهام الثورة اذ هي تتطلب وسائل ثقافية عصرية و لا يمكن تحقيقها بالتسرع دون خطر التضحية بأجيال كاملة.

ب– المحافظة على التراث الوطني للثقافة الشعبية.

ج– توسيع النظام المدرسي بدخول الجميع الى كل مستويات التعليم.

د– جزأرة البرامج بتكييفها مع واقع البلاد .

و– توسيع وسائل التربية الجماهيرية  و تعبئة كافة المنظمات الوطنية لمحاربة الامية و تعليم القراءة و الكتابة لكل المواطنين و هذا في أقرب الآجال.

فبدون دخول كامل و سريع الى المدارس و تكوين الاطارات الفنية و الادارية و الدراسية سيكون من الصعب علينا ان نشرف بسرعة على كل الامور التي تتعلق بالاقتصاد الوطني و مراقبتها مراقبة تامة.

  • السكن ˸

ينعكس الركود الاقتصادي و الاجتماعي للمجتمع الريفي و فوضى التوطين للسكان منذ بدء الفرز في تكاثر الاكواخ حتى مداخل المدن الكبرى و المراكز السكنية، و قد ضاعفت الحرب هذه الظاهرة ورسختها في مجرى الحياة في البلاد ˶ بتجميع˶ مليونين من الفلاحين، و عليه يجب على الحزب ان يتخذ الاجراءات المستعجلة للإسكان و في ظروف ملائمة لكل المواطنين الذين نكبتهم الحرب و عليه أن يحتاط للضرورات الفورية قبل الشروع في البناء حسب مخطط يوضع وفق عملية الدمج في دورة النشاط الاقتصادي.

و من الضروري أن يتم المصادقة في المدن على تنظيم قطاع التأجير و طريقة استعمال المساكن.

  • الصحة العامة ˸

يجب تأميم الطب و المنشآت الصحية لضمان مجانية العلاج لجميع الناس في أقرب الاوقات، و يتم هذا التأميم وفق المبادئ التالية ˸

أ– تطوير مصلحة وطنية للصحة تتكفل بكل المستشفيات و المنشآت الصحية، و ستعمل هذه المصلحة بمشاركة أطباء يعملون يوميا و يتمتعون بأحسن ظروف العمل و البحث الممكنة، و لن يفتح لغيرهم باب الدخول الى العمل الجامعي  و الصحي في المستشفيات،و يجب أن ترمي هذه المصلحة الوطنية للصحة الى دمج كل القطاع التقليدي الحر تدريجيا.

ب– تنظيم حملات بمساعدة المنظمات الجماهيرية و الجيش لمحاربة الأوبئة و الامراض المعدية و لتطوير الحالة الصحية و تحسينها.

ج– تكوين سريع للإطارات الطبية و الصحية في اطار مخطط التنمية.

  • تحرير المرأة ˸

لقد خلقت مشاركة المرأة في كفاح التحرير الظروف الملائمة لكسر الكابوس القديم الذي كان يحيط بها و يقيدها، و لإشراكها اشراكا كاملا في تسيير الشؤون العامة و تنمية البلاد، ينبغي للحزب أن يقضي على كل عوائق تطور المرأة و فتحها و أن يدعم عمل المنظمات النسوية، و لسوف يكون عمل الحزب ناجح في هذا الميدان و لن ننسى ان مجتمعنا لا يزال الى يومنا هذا لديه عقلية سلبية بشأن دور المرأة، فكل شيء يساعد و بأنماط مختلفة في نشر فكرة نقص المرأة و عجزها و بلا غلو نجد هذه العقلية البائدة متفشية في اوساط النساء انفسهن.

و لن يتسنى للحزب أن يخطو خطوة واحدة الى الامام ما لم يساند دوما محاربة الاحكام الاجتماعية المسبقة و المعتقدات الرجعية،  و لا يمكنه أن يكتفي بالمواقف المبدئية فقط بل عليه ان يجعل  من تطور المرأة واقعا لا رجعة فيه و ذلك بواسطة تخويل النساء مسؤوليات حزبية.

  • من أجل سياسة خارجية مستقلة

ان التوجه الصحيح للسياسة الخارجية عامل هام من بين عوامل تدعم استقلالها و تشيد اقتصادنا الوطني ذلك أن الجزائر تستعيد سيادتها في سياق دولي ما فتئ ميزان القوى يتطور فيه لفائدة الشعوب المحبة للسلام و على حساب الامبريالية و تسلطها.

فانطلاق حركات التحرير في افريقيا و اسيا و امريكا ألاتينية تدعم استقلال البلاد التي كانت مستعمرة و عمل القوى الديمقراطية في البلدان الامبريالية نفسها و تقدم الاشتراكية من شأنها أن تعجل بتفكك النظام الذي تقوم عليه الامبريالية و قد سجلت بهذا الصدد انتصارات كبيرة في السنوات الاخيرة.

و قد حدى الوضع الناشئ بالامبريالية الى تغير اساليبها و تليينها  بنقل السلطة الى طبقات برجوازية أو بيروقراطية ضئيلة تشاركها استغلال شعوبها بصفة مقنعة، و هي تحاول بذلك تفكيك حركات التحرير و المحافظة على مصالحها الاقتصادية و الاستراتيجية.

و تستغل الامبريالية تحالفها مع عدد من الحكومات افريقيا و اسيا و امريكا ألاتينية لتأخر ساعة اندحارها مؤقتا و ان النزعة العامة لعصرنا تتمثل في حد من نطاق تحرك الامبريالية و تضييق الخناق عليها و ليس في توسيعه.

و أمام تواجد الاخطار التي ما تزال تهدد بلادنا فانه من الواجب توجيه السياسة الخارجية للجزائر المستقلة بالاعتماد على مبادئ محاربة الاستعمار و الامبريالية من اجل دعم حركات الوحدة في الغرب الكبير و الوطن العربي و افريقيا و دعم حركات التحرير و النضال من اجل السلم.

  1. محاربة الاستعمار و الامبريالية ˸

لقد علمتنا حرب التحرير التي قمنا بها و بينت لنا ان البلدان الامبريالية تتراجع امام الارادة الراسخة للشعوب و زحفها عن التنافس بينها لفائدة تضامنها و ذلك رغم تواجد متناقضات ثانوية، و قد سبق لمقاومتنا أن لاقت لدى شعوب العالم أصداء حسنة رغم اعتراض حكوماتها، و كانت فرنسا قد انتفعت في مجهودها الحربي من دعم مادي و ادبي اتاها من البلدان الغربية كلها و من الولايات المتحدة الامريكية بوجه خاص، و ما من شك في ان ارادتنا في مواصلة مسيرة الثورة ستلاقي العديد من الصعوبات غير ان هذه الصعوبات لا يمكن بأي حال من الاحوال ان تمنعنا من بذل أقصى الجهود لحماية عملنا العادي للامبريالية.

و لقد ساندتنا البلدان الاشتراكية التي وقفت بأشكال متعددة الى جانبنا خلال الحرب، و من الواجب علينا اذن أن نعمل على تقوية العلاقات القائمة بيننا و بينها، و قد وفرت لنا تلك المساندة امكانيات حقيقية للابتعاد عن الامبريالية و الحيد عنها.

و لسوف يعكس دعم التيار الحيادي الذي لنا ضلع فيه حيوية الشعوب المكافحة من اجل ترسيخ دعائم استقلالها و ان توسع نطاق هذا التيار في كل بلد يؤخذ على حدى يتوقف على اختيارات هذا البلد الداخلية و درجة استقلاله الاقتصادي، و علينا ان نوجه السياسة الخارجية للجزائر نحو التحالف مع البلدان التي نجحت في دعم استقلالها و تحررت من السيطرة الامبريالية.

  • دعم حركات النضال من اجل الوحدة ˸

ان توسيع نطاق محاربة الامبريالية سيغذي حيوية القوى السياسية و الاجتماعية التي تعمل في نفس الاتجاه من اجل تحقيق الوحدة في المغرب الكبير و الوطن العربي و افريقيا.

و يفرض علينا فشل مؤتمر طنجا و الوحدة السورية المصرية و الشكوك التي تثقل عبئ تلاحم مجموعة الدار البيضاء ان نحدد موقفا مبدئيا على هذا الصعيد.

ان الطموح الى الوحدة يندرج في سياق تاريخي حق و هو يعكس حاجة تحرير الجماهير و رغبتها في تحريك اقصى قواها لتذليل الصعوبات التي تعوق ترقيتها و يعد عمل توحيد البلدان المختلفة عملا هاما ينبغي ادراجه في اطار اختيارات عقائدية و سياسية و اقتصادية تكون مناسبة لمصالح الجماهير الشعبية و ان مناورات التقسيم التي تقوم بها الامبريالية و مصالح و خصوصية الطبقات الحاكمة في المغرب الكبير و الوطن العربي و في افريقي تعتبر من اهم العراقيل التي تجعل من الوحدة في اغلب الاحيان شعارا دماغوجيا.

و تتمثل المهمة التي سيقوم بها حزبنا في المساعدة على وضع تقدير صحيح لمقتضيات تحقيق الوحدة في المغرب الكبير و الوطن العربي و في إفريقيا، و يجب ان يتم هذا العمل في مستوى الحركات الطلائعية و المنظمات الجماهيرية للحد من الصعوبات التي يجب تذليلها بصفة عملية.

و على الصعيد الدولي فان تطور المبادلات و تنفيذ المشاريع الاقتصادية المشتركة و السياسة الخارجية المبنية على التشاور و التضامن الكامل في محاربة الامبريالية، كلها اهداف تساعد على القيام بخطوة صحيحة في طريق الوحدة اذا كانت هذه الاهداف في نفس اتجاه مصالح الشعوب.

  • دعم حركات التحرير ˸

لقد عملت حرب التحرير بكثفاتها و قوتها على الاسراع في اتمام عملية تصفية الاستعمار في القارة الافريقية على وجه الخصوص، و ستقدم الجزائر المستقلة مساعدة كاملة للشعوب التي تناضل فعلا لتحرير بلادها، و من واجب الجزائر ان تولي اهتماما خاصا بالوضع في انغولا و جنوب افريقيا و بلدان شرق افريقيا، فالتضامن الفعال ضد الاستعمار سيمكن بلادنا من توسيع جبهة النضال و دعم حركة الوحدة.

  • النضال من اجل التعاون الدولي ˸

 ان التعاون الدولي امر ضروري لاستعمال كافة المصادر المادية و البشرية من اجل  التقدم في جو من السلام، و لتحقيق ذلك يجب تعبئة الجماهير ضد الامبريالية تعبئة دائمة.

فدعم الروابط مع بلدان اسيا و افريقيا و امريكا ألاتينية و تطوير المبادلات في كل الميادين مع البلدان الاشتراكية و اقامة علاقات مع كل الدول على اساس المساواة و الاحترام المتبادل للسيادة الوطنية و العمل المشترك مع القوى الديمقراطية في فرنسا خاصة ستؤهل بلادنا الى القيام بمسؤولياتها على الصعيد الدولي، و هكذا ستكون الجزائر قادرة على الاسهام بصفة ايجابيا في مقاومة السباق نحو التسلح و التجارب النووية التي تجري فوق ارضنا و تهدد استقلالنا و امننا كما انها ستساعد على تصفية الاحلاف العسكرية و القواعد الاجنبية.

ان هذه السياسة الخارجية رافض لابد منه للوصول الى اهدافنا الداخلية و هي ستمكن بلادنا من تحقيق اهداف الثورة الديمقراطية الشعبية و المساهمة في بناء عالم جديد.

ملحق  ˸ الحزب

لتحقيق اهداف ثورة ديمقراطية شعبية لا بد من حزب جماهيري قوي وواع .

فحزب جبهة التحرير الوطني الذي ولد في خضم المعركة جمع في صفوفه كل الطاقات الحية للشعب، تسربت الى صفوفه عدة اتجاهات تحمل ايديولوجيات و مذاهب مختلفة و لقد تمت تنضيمات حسب الاولوية و تبعا لأهميتها في المعركة فأصبح تحويله الى حزب سياسي شيء ضروريا و حتميا لمسيراتنا الزاحفة.

ان الحزب ليس تجمعا، و لكنه تنظيم يضم كل الجزائريين الواعيين الذين يناضلون لصالح الثورة الديمقراطية الشعبية، فالوحدة الايدولوجيا التي تجمع كل المناضلين قد تم تحقيقها على قاعدة العزيمة الثورية، و المساهمة الواعية الملتزمة بالنهج و البرنامج الذي وضعه الحزب.

ان الحزب الذي هو طليعة القوى الثورية في البلاد يبعد عن صفوفه كل تواجد ايديولوجي مخالف و ان عملية تسجيل المناضلين يجب ان تخضع لشروط محددة و دقيقة، لان فعالية اي تنظيم تقاس بنوع اعضائه لا بمجموع افراده.

و حسب الاهداف الشعبية للحزب، فان هذا الاخير يمثل التطلعات العميقة للجماهير، و هذه الصفة يجب ان تتحقق في تركيباته الاجتماعية فالحزب يتكون في اغلبه من الريفيين و العمال بصفة عامة، و الشباب و المثقفين الثوريين، ان هذا الحزب الذي تأسس من الوحدة الايديولوجية السياسية و التنظيمية للقوى الثورية التي تجمعها صفوفه يجب ان يجمع حوله وحدة كل الطبقات الاجتماعية للشعب من اجل تحقيق اهداف الثورة.

الحزب منظمة ديمقراطية

يجب على الحزب الذي هو مرآة لحقائق البلد بما فيها الامكانيات الحية التي يحتويها و الذي هو  ايضا وسيلة التعبير عن المتطلبات الجماهيرية، ان يعمل على قاعدة ديمقراطية.

و هذا يتطلب عملا سياسيا متواصلا داخل الحزب بتعدد اللقاءات بين القاعدة و القمة، و بالأخص اللقاءات الدائمة للمسؤولين مع المنظمات القاعدية ، و من خلالها مع الوطن كله.

فعلى اعضاء القيادة بصفة خاصة ان يكونوا حاضرين  في اي مكان توجد مهام تنتظر التحقيق الذي لا يتم إلا بتعبئة الجماهير و بالأخص في الارياف.

ان القيادة لا يمكن ان تفرض الخط اسياسي للحزب بمفردها بل تضعه انطلاقا من أراء و اقتراحات القاعدة فالتعبير الحر عن الآراء و الانتقاد في اطار منظمة الحزب هما من الحقوق السياسية لكل مناضل و ان التمتع التام لهذا الحق يسمح بتجنب العمل المشتت الذي يجب ان يعاقب عليه بكل حزم و يعتمد العمل الديمقراطي للحزب على المبادئ التالية ˸

  • انتخاب المسؤولين على كل المستويات.
  • تنظيم الاجتماعات لكل منظمات الحزب دوريا و على كل المستويات .
  • قانون الاغلبية
  • منع معاقبة اي عضو بدون موافقة المؤسسة التي ينتمي اليها.
  • و جوب عرض القضية في حالة حدوث خلاف على مستوى الهيئة العليا في ندوة امام القاعدة.
  • الاولوية للهيئة العليا على الدنيا.

علاقات الحزب بالدولة

ان الحزب هو الذي يضع الخطوط الكبرى لسياسة الوطن و يقترح نشاطات الدولة، يضمن تحقيق برنامج الحزب، في اطار الدولة و بواسطة مساهمة المناضلين في انظمة الدولة و بالأخص في الوظائف القيادية ، فالحزب يشترط ان ˸

  • يكون رئيس الحكومة و اغلب اعضائها من المناضلين.
  • يكون رئيس الحكومة عضوا في المكتب السياسي .
  • تكون أغلبية الاعضاء في المجالس من الحزب.

 لكن، و حتى  لا يتعرض الحزب للابتلاع من طرف الدولة يجب عليه أن يبقى دائما محافظا على امتيازه، و على هذا الاساس فان معظم اطارات الحزب على مختلف القيادات يجب أن يبقوا بعيدين عن مؤسسات الحكومة، و التفرغ لنشاطات الحزب و بهذا يمكن تجنب خطر خنق الحزب، و تحويله الى مساعد للادارة، و جهاز شكلي كما أوضحت ذلك بعض التجارب المؤسفة و على وجه الخوص في افريقيا.

التكوين شرط أساسي لتطوير الحزب

ان تكوين الاطارات هو الشرط الاول لتقوية الحزب، و ضمان نجاح الثورة ، فعلى الحزب ان يحد من النقص الموجود في التكوين السياسي للمناضلين، و هذا لا يمكن أن يتم فقط عن طريق الممارسة اليومية و تبادل الآراء في الوسط الضيق فالتكوين و رفع المستوى للمناضل عموما، هما من الاشياء الاساسية، و بذلك يتم تلقين النهج السياسي و برنامج الحزب و نشرهما في الاوساط الجماهيرية.

ان المناضل مطالب بأن يكون على اطلاع بالمشاكل الموجودة في حيه و مقر سكناه ( بيئته) و بذلك يساعد الحزب على استمرارية  اتصاله بالشعب، و تكوينه السياسي يسمح له بمتابعة و مسايرة التطور السياسي الوطني و الدولي و كذلك فهم معطيات الوسط الذي يعيش فيه و تطويرها.

ان تثقيف المناضل عملية طويلة الامد يتم تحقيقها بكيفية مستمرة و بعمق و امكانيات الحزب في هذا المجال متعددة منها ˸

الشرح الشفوي عند اللقاءات و الاجتماعات، الصحافة ، المطبوعات المتنوعة للحزب، و       لا سيما تلك التي تهتم بمنهجية السياسي و برنامجه، و مدارس الاطارات، التدريبات و الاتصالات الدولية.

فتكوين المناضل هو شرط لابد منه و ضرورة للتثقيف السياسي للجماهير و هذا التثقيف يجب ان يوسع و يعمق من اجل شرح ابعاد اهداف الثورة، لا نحصل على تعبئة الجماهير اذا لم تقتنع هذه الاخيرة بكل وضوح بأن مصالحها مرتبطة بتحقيق هذه الاهداف.

ان الوحدة الايديولوجية و العمل الديمقراطي و تكوين الاطارات و التثقيف السياسي للجماهير، كلها من الشروط الملحة حتى يمكن للحزب ان يلعب دوره القيادي  الواضح للشعب، و حتى يمكنه ان يجد في أوساط هذا الشعب الامكانيات الضرورية لإنجاح سياسته يجب على الحزب أن يعتمد على المنظمات الجماهيرية في سبيل تأدية مهامه.

المنظمات الجماهيرية

ان تنوع احتياجات الوطن تعبر عنها المنظمات الجماهيرية و الحزب يساعد على احداث هذه المنظمات، و المطلوب منه أن ينعشها لضمان توجيهها في اطار برنامجه الشامل، و تأثير الحزب في الجماهير يبرهن عنه وجود مناضلين ملتزمين في صفوفه، فالمنظمات الجماهيرية تضم الشباب و الطلبة و النساء و النقابات من الدفاع عن مصالحهم الخاصة و ضمان مشاركتهم المنظمة ضمن مهام الثورة.

يجب على النقابات بصفتها منظمات الطبقات الكادحة ان تقدم دعمها في اطار اختصاصها من أجل وضع و تطبيق السياسة الاقتصادية و الاجتماعية يحترم الحزب استقلال النقابات التي ينحصر دورها في الدفاع عن المصالح المادية و الثقافية للعمال و عليه، فالحزب الطلائعي للجماهير الشعبية هو وحده الذي يضمن التنسيق بين القوى الثورية داخل الوطن و الاستثمار بصفة نظامية للإمكانيات و الوسائل المتوفرة لدى المجتمع.

تطوير جيش التحرير الوطني

ان نهاية الحرب و انشاء حزب و تكوين جيش وطني كلها عوامل تتطلب تطوير جيش التحرير الوطني.

و جيش التحرير الوطني الذي هو منظمة عسكرية لجبهة التحرير الوطني تكون من مناضلين و هذه الصفة النضالية هي القاعدة الاساسية للمجاهدين في جيش التحرير الوطني فالحرب هي التي أوجبت امداد جيش التحرير الوطني بمناضلين ليجعل منهم مجاهدين.

و حصول الجزائر على الاستقلال أوجب ثانية عودة بعض أعضاء الجيش التحرير الوطني الى الحياة المدنية، و امداد الحزب ببعض الاطارات و يبقى الجزء الاخر ليكون الجيش الوطني و مهمة هذا الجيش هي الحفاظ على الاستقلال الوطني ووحدته الترابية، كما يساهم في تعبئة الجماهير لاعادة بناء الوطن، لكن أمام التهديدات القائمة للامبريالية، و نظرا لقوتها العسكرية يجب توفير الوسائل للعب حتى يساهم في الدفاع عن وطنه بحيث يتوجب انشاء ميليشيات شعبية عبر مختلف انحاء الوطن و تكليف الجيش الوطني بتدريبها.

و بهذا يكون الشعب قد زود جيشه بالامكانيات التي تساعده في مهمته الدفاعية كما يساعد الجيش مواطنيه في مهمة البناء و التشييد، و بالتالي يكون الاثنان قد ساهما في انشاء جيش وطني حقيقي للجزائر المستقلة، و هذه العملية يجب ان تتم بصفة عاجلة و سريعة بفضل عملية تأسيس الجيش و احداث خلايا للحزب في صفوفه.

تعبئة الجماهير

ان طابع التخلف الذي يميز الجزائر، و كذلك الخراب الذي خلفته سبع سنوات و نصف من الحرب و الطابع ألاستعجالي  الذي تفرضه المتطلبات و المشاكل الوطنية كلها عوامل تلح باستعجال هذه الوسيلة الرئيسة في يد الجزائريين، و سواء فما يخص مسألة الاصلاح الزراعي و مشاكلها التنظيمية و مشاكل السكن، و محو الامية و مثلها مشاكل الصحة، فان الدولة لا يمكنها ان تستغني عن مساعدة الحزب لها في ايجاد الحلول لهذه المشاكل.

و عليه فان جهودنا يجب ان تنصب دوما نحو احداث و ابقاء روح التعبئة في اوساط الجماهير و هو  الطريق المؤدية الى جعل الجزائر دولة عصرية.

فيجب المحافظة على انطلاقة شعبنا الناجمة عن الحرب، و خلق هذا الجو الاخوي و الحماس الذي يضمن تحقيق المنجزات الكبرى.

النصوص الاساسية لثورة نوفمبر 54

ان الذي يقرأ هذه النصوص او يعيد قراتها، سيجدد العهد بالمصدر الجماعي الحي، للشعلة التي اضاءت جوانح مجاهدي حرب الاستقلال الداعية الى التحرير ة التحديث و توحيد الصف، ان الشعلى هذه لا تزال، و انا متيقن من ذلك، تضيء جوانح السواد الاعظم من مواطناتنا و مواطنينا الذين يبقى بيان اول نوفمبر 1954، بالنسبة لهم  من بعض جوانبه، البوصلة التي يهتدي بها في حاضرنا و مستقبلنا، و الاساس لتعريف ˶الدولة الجزائرية ذات السيادة الديمقراطية و الاجتماعية في اطار المبادئ الاسلامية˶ التي يطمح مسار المصالحة الوطنية الى تعزيزها و اعادة نشرها.