سياسة مقالات

هل سيعود حراك الجزائر هذا الأسبوع؟

سؤال يطرحه الجميع في الجزائر ويتخوف من إجابته لأسباب مختلفة الكل، سلطة ومعارضة وقوى شعبية مشاركة في الحراك. بعد بروز العديد من المؤشرات التي تقول إن رفع الحجر الصحي على الأبواب، بعد استقرار معدلات انتشار وباء كورونا على المستوى الوطني، وانطلاق رفع الحجر عمليا على عدد كبير من الولايات هذا الأسبوع، ما يعني أن السبب الرئيسي الذي فرض على الجزائريين تعليق مسيراتهم الشعبية، زال جزئيا، أو هو في طريق الزوال عن قريب.
العودة إلى الحراك، التي لم تبق مسألة نظرية، بعد عودته الجزئية في منطقة القبائل، التي شهدت تنظيم مسيرات شعبية هذا الأسبوع – عرفت حسب المعطيات المتداولة- حضورا شعبيا، والكثير من التضييق عليها في عواصم ولايات منطقة القبائل، كبجاية وتيزي وزو وبويرة، وبعض مدنها الكبرى المعروفة بحركيتها السياسية، في وقت زادت فيه وتيرة الدعوات لعودة الحراك في القريب العاجل، لدرجة أن البعض حدد تاريخ 19 حزيران/يونيو الحالي، من دون أن تكون هناك علاقة سياسية واضحة مع ذكرى الانقلاب، الذي أطاح بالرئيس بن بلة في يونيو 1965، الأرجح أن الصدفة وحدها – يوم جمعة – وقد يكون التسرع هو الذي ربط عودة الحراك بهذا التاريخ السياسي، الذي لا يحظى بإجماع بين الجزائريين، ولا علاقة له رمزيا بالحراك الشعبي.
عودة الحراك التي تطرح أكثر من سؤال مرتبط بشروط هذه العودة القريبة، الذي ما زال يصر الكثير من الجزائريين ـ عكس السلطة ـ على أنه لم يحقق أهدافه التي توقف دونها، تحت ضغط انتشار وباء كورونا. وأنه في حاجة إلى تحديد أكثر لأهدافه وآليات عمله وتنظيمه، بعد تجربة أكثر من سنة من المسيرات الشعبية السلمية، جندت الملايين من الجزائريين على المستوى الوطني، وتمكنت بصدق من التعبير عن سوسيولوجية وديموغرافية المجتمع الجزائري، الذي عرف تحولات سريعة من كل نوع. فما هي الصورة التي سيعود بها الحراك ومتى ستكون هذه العودة؟ وأين وكيف ستتجسد؟ وهل سيعود الحراك قويا كما كان وكيف سيتجاوز نقاط ضعفه الكثيرة التي بدت عليه، رغم علامات القوة.

كثير من الأسئلة، لا أعتقد أن الإجابة عنها ستكون سهلة وميسرة. العودة المحتشمة التي سجلها الحراك في منطقة القبائل، يمكن أن تكون المدخل للإجابة عن بعض هذه الأسئلة الملحة، التي يطرحها، بالتأكيد، كل غيور على الحراك الشعبي الذي لن يفرط فيه الجزائريون مهما كانت الصعوبات والعراقيل. فليس غريبا أن يعود الحراك في بجاية وتيزي وزو. حقيقة سوسيو- سياسية لا يمكن القفز عليها. تفسر كيف كان ولا يزال الحراك يسير بأكثر من سرعة وقوة على المستوى الوطني. سرعة منطقة القبائل والمدن الكبرى كالعاصمة، وسرعة أقل قوة وأقل حيوية، كما كان الحال في الكثير من المدن الداخلية، التي عرف الحراك فيها تذبذبا وتفاوتا في القوة لأسباب موضوعية متعلقة بقوة التنجيد الشعبي، وحضور النخب المؤثرة والتجربة السياسية التاريخية المختلفة من منطقة الى أخرى. اختلافات في القوة والتأثير تم التعامل معها بنجاح كبير مدة سنة من الحراك، عندما كان يلتحق أبناء منطقة القبائل والكثير من أبناء المناطق الأخرى بالعاصمة كل يوم جمعة، وحتى السبت للمشاركة بقوة في المسيرات، حضور أفشل سياسة عزل منطقة القبائل التي اعتمدها النظام، كاستراتيجية دائمة لفترة طويلة، قبل اندلاع الحراك في 2019، يجب عدم تسهيل مهمته لكي لا ينجح فيها، والحراك يفكر في العودة هذه الأيام. تسيير مرحلة العودة الحساسة، التي لابد أن تراعي مسألة الحفاظ على أهم خصائص الحراك، ويتعلق الأمر بطابعه الوطني والشعبي والسلمي، برفض عودته الجهوية في منطقة محددة بحجة أن هناك شروطا للعودة متوفرة فيها أكثر من غيرها، يمكن أن تقضي في النهاية على الطابع الوطني للحراك، الذي يمكن أن يستغل لضرب سلميته، وطابعه الشعبي لاحقا، خاصة إذا تعلق الأمر بمنطقة القبائل، التي يراد لها أن تعزل وتفقد روابطها الوطنية التي تجسدت بقوة أثناء الحراك. قضية تحيلنا إلى الدور المنتظر من النخب المتنوعة والعديدة، التي أفرزها الحراك في سنته الأولى، التي يجب عليها استخلاص دروس هذه السنة لتجاوز نقاط الضعف الحاضرة في الحراك وطنيا، كمسألة التنظيم والتأطير، التي ما زالت تجد من يرفضها من ناشطي الحراك المتأثرين بسلبيات الثقافة السياسية الشعبية المعادية للنخب، خاصة بعد الطرح الخاطئ التي طرحت بها ـ قادة للحراك وتمثيلا له ـ بل حتى الدخول في صفقات مع النظام من تحت الطاولة.
مراعاة التطورات السياسية التي عاشها البلد، كمحطة الانتخابات الرئاسية، وما قد يأتي بعدها، كالمصادقة على الدستور المقترح وإمكانية تنظيم انتخابات تشريعية ومحلية، في جو اقتصادي واجتماعي يعرف الكثير من أشكال الاستقطاب، في زمن ما بعد كورونا هذا. من القضايا التي لا بد من الحوار حولها والتوصل إلى حلول بصددها، يمكن ان يستغل وقت ما قبل العودة إلى الحراك للبت فيها بين أبناء وبنات الحراك، الذين اكتشفوا أن فترة كورونا ليست كلها سلبيات. بعد اكتشافهم لأدوات العمل والتواصل الرقمي، في وقت ما زالت وسائل الإعلام العمومي مغلقة أمامهم. وزادت فيه عملية التحرش بأبناء الحراك من قبل النظام وهو يحضر نفسه لمرحلة ما بعد عودة الحراك التي يتخوف منها كثيرا. قد تكون أول مهمة لهذا النقاش الإجابة على هذا السؤال، متى يعود الحراك وكيف يعود، كما يريد أبناؤه وبناته؟ حتى نضمن الحفاظ على ما ميزه من صفات أساسية، وسر قوته حتى الآن، طابعه الشعبي، السلمي والوطني. في طريق تحقيق مطالبه في التغيير الجذري للنظام السياسي الوطني، الذي بينت فترة ما قبل الحراك الطويلة، أنه تحول إلى خطر على الدولة الوطنية ذاتها التي يريد بناءها الحراك على أسس وطنية وعصرية جديدة.
ناصر جابي

المصدر