مقالات

الشعب ليس مسؤولا…كل المسؤولية تتحملها السلطة | نصر الدين قاسم

يحلو للسلطة تعليق كل إخفاقاتها وفشلها على مشجب الشعب، وهذا ديدنها منذ الاستقلال إلى يوم الناس هذا، فالشعب حسبها لا يستحق الديمقراطية لأنه شعب غير واع، لازم له “القزول”.. وعندما فشلت في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحسين مستوى معيشة الجزائريين في المأكل والمشرب والملبس والصحة والسكن، فشلا ذريعا سرمديا أبديا، ادعت أن الشعب همج يأكل كثيرا ويتزوج كثيرا ويلد كثيرا، ويبذر كثيرا، ويمرض كثيرا ويستهلك الأدوية كثيرا … شعب يستحق ما يحصل له..

وهكذا تقول اليوم لتبرير فشلها في مواجهة تفشي الوباء، الشعب غير واع، ومستهتر، ولا يضع الكمامات، وسلوكه هو نقطة الضعف في مكافحة الوباء وهو سبب الفشل “لازم تضربوا باش يعرف مضربو”.. ويؤيدها في هذا التجني أو في جزء منه، أو في أكثر منه فصيل من الجزائريين من مختلف المشارب..

والحقيقة أن الشعب بريء من هذه المسؤولية، التي تتحملها السلطة وحدها كاملة غير منقوصة ذلك لأن الأمور لا تقاس بهذه الطريقة، فالشعب غير منتظر منه أن يتصرف كما تتصرف الدولة، المطالبة بأن تكون سلوكاتها خاضعة لمنطق الدولة وعقلانيتها ولا تكون ردة فعل هستيرية لسلوكات الأفراد.. وعليه فإن مسؤولية الشعب لا تقاس بالمسطرة نفسها التي تقاس بها مسؤولية السلطة المتحكمة في الدولة وأجهزتها..

ثم إن الارتباك والجزع من سمات الإنسان في لحظات الخطر الداهم، ومسؤولية تهدئته وإقناعه بالاطمئنان تقع على عاتق السلطة التي تحكمه سواء اختارها أو فُرضت عليه، وتتصرف في مقدراته وثرواته وتدير أموره..

فالشعب الجزائري كبقية كل شعوب الدنيا بما فيها الشعوب المتقدمة يخاف ويرتبك، ويرتكب الحماقات في زمن الكوارث والأوبئة ومختلف المخاطر، وهذه طبيعة النفس البشرية فقد خلق الإنسان هلوعا إذا مسه الشر جزوعا.. وقد حدث في كندا وأمريكا وفرنسا وإسبانيا، وغيرها أن تدافع الناس ولم يحترموا الإجراءات ولم يضعوا الكمامات، وتشاجروا على السلع وتشابكوا بالأيدي حتى على أوراق المراحيض أكرمكم الله، ولم تحملهم السلطات مسؤولية تفشي الوباء، ولا أسباب الفشل في مواجهة الجائحة، ولم تشتمهم بل خاطبتهم باحترام في أحلك الظروف.. وتحملت مسؤولياتها في إعادة استتباب الأمر وإقناع المواطنين عمليا وبمهنية ومسؤولية واقتدار بأن خلاصهم في احترام الإجراءات، فوفرت لهم كل أسباب الاحترام والثقة والطمأنينة فاطمأنوا واستكانوا..

أما في الجزائر السلطات زادت في قلق المواطنين وارتباكهم بارتباكها وعدم قدرتها على مواجهة الأزمة، وفشلها في تأكيد الأقوال بالأفعال.. فاتسعت هوة انعدام الثقة وانتشر الفزع بين الناس فقد كان طبيعيا ألا يحترموا ما تدعوا إليه السلطة لأنهم اكتشفوا كذبها وزيفها أكثر من مرة.. فلا استقرار في الإجراءات ولا وفرة في وسائل الوقاية ولا السلع ولا الخدمات، ولا تكفل صحي بالإصابات يرقى إلى مستوى أداء أحسن منظومة صحية في افريقيا.. كان طبيعيا أن ينتقل الارتباك من مستوى الدولة إلى مستوى الأفراد وبحجم مهول..

ما لم يكن طبيعيا أن تتصرف الدولة ومسؤولوها بمنطق الأفراد، وارتباكهم واندفاعهم وهنا الفرق والمفارقة.والأنظمة الديمقراطية والدول الراسخة في الحرية لا تشتم شعوبها، كما تفعل السلطات الجزائرية، بل يحدث العكس في كثير من الحالات انظر كم الشتائم الموجهة يوميا للرئيس الأمريكي، أو الفرنسي، أو حتى البرازيلي عبر مختلف وسائل الإعلام وشبكات التواصل..

ذلك لأن الدولة أصلا إنما وُجدت أساسا لخدمة المواطن وصناعة سعادته، وليس العكس، فكل إخفاق يعرض حياة المواطن للخطر تتحمله السلطات في تلك الدول وتعترف بذلك وتدفع الثمن في حينه.. وليس كما يحدث في الجزائر تظل السلطات والحكومات جاثمة على صدر الشعب سنوات تجني الخيبة تلو الأخرى والفشل تلو الآخر ولا حسيب ولا رقيب فالشعب هو الذي يدفع الثمن ويُحمَّل مسؤولية كل الموبقات، ويُسخر لصناعة سعادة الدولة وتمجيد حكامها وإلا فإنه شعب مستهتر لا يستحق الاحترام أحيانا، ومتوحش لا يستحق الحياة في أحايين أخرى..

السلطات في الجزائر أخفقت في كل ترتيباتها وإجراءاتها، فلا هي طبقت حجرا صحيا ناجحا وأتقنت تنفيذه والتزمت بمتطلباته ونفذت شروطه، ولا هي أحسنت التخفيف وفق ترتيبات تدريجية تضمن نجاحه، فتحت المحلات عشية العيد وتريد من المواطن أن يحترم مسافات التباعد، وفتحت الأسواق وتريد أن يسير الناس في اتجاه واحد…. وقس عليه. ثم عادت وأغلقت واتربكت وراحت تخبط خبط عشواء

إن سلوكات المواطن كانت نتاجا طبيعيا لإجراءات السلطة الارتجالية غير المحسوبة العواقب وعليه فإن السلطة هي التي تتحمل المسؤولية وليس المواطن.وعليه فإن المواطن بريء من المسؤولية رغم كل ما ينسب له من أخطاء وسوء تصرف، لأنه ضحية فشل سياسة لم يختر أصحابها، ولم يساهم في وضعها ولم يستشر فيها، وليس مسؤولا عنها البتة..

الشعب ليس مسؤولاكل المسؤولية تتحملها السلطةنصرالدين قاسميحلوا للسلطة تعليق كل إخفاقاتها وفشلها على مشجب الشعب، وهذا…

Posted by ‎نصرالدين قاسم‎ on Tuesday, July 14, 2020