سياسة

بلومبيرغ: على عتبة أوروبا.. الغضب الشعبي يتصاعد في الجزائر

نيويورك- “القدس العربي”:
يلتقي ثلاثة أصدقاء كل يوم في الجزائر العاصمة، بعد الساعة الثامنة مساء، مع تلاشي حرارة الصيف الحارقة على الرغم من حظر التجول الذي تفرضه الحكومة، ليتحدثوا عن اخبار الجائحة وهم يدخنون.
ولا يشعر هؤلاء الشبان بخوف من الاعتقال على الرغم من القواعد الصارمة المتعلقة بالحركة والتجمعات، فطالما كانت مناطق الطبقة العاملة في العاصمة صعبة على قوات الأمن، إلى درجة أن الدوريات لا تجرؤ على زيارة تلك المناطق بسبب معرفتهم أن الغضب واليأس يمكن أن ينفجر بسهولة هناك، وقد يتحول إلى “أعمال شغب”.

يقول موقع “بلومبيرغ” التي التقطت هذا المشهد ضمن تقرير موسع عن الشأن الجزائري، إن الشبان يعتقدون بأن “الأمر يبدو وكأنهم يرغبون في موتنا”، ولا تبدو هذه التصريحات الكئيبة غريبة في عالم يتزايد فيه القلق أثناء الوباء، في دولة ذات تاريخ من الصراعات على أعتاب أوروبا.
ويضيف التقرير أن الجزائر، قبل هجوم كوفيد- 19، كانت بالفعل موطئاً لاحتجاجات أسبوعية سلمية ضد نظام سياسي لا يزال مليئاً بالمحسوبية بعد استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في العام الماضي، وتدهور الاقتصاد المعتمد على النفط الواقع تحت سيطرة نخبة يقودها العسكر منذ استقلال البلاد عن فرنسا في عام 1962.
وتشير التوقعات إلى أن المسيرات المؤيدة للديمقراطية ستعود حتماً بقوة متجددة مع انحسار الأزمة الصحية، وأن هذه المسيرات هي التي ستحدد الاتجاه الذي ستذهب إليه الجزائر، وما إذا كانت القيادة يمكنها تقديم تنازلات كافية لتجنب تصعيد الاضطرابات المدنية.
وقد تكون المرحلة التالية، حسب ما قاله الدكتور ريكاردو فابياني مدير مشروع شمال أفريقيا بمركز أبحاث كريزيس غروب، هي الإضرابات على مستوى الدولة والمزيد من المظاهرات المنتظمة في الشوارع مشيراً إلى أن الناس يتجهون إلى اتخاذ إجراءات أكثر تطرفاً عندما يشعرون باليأس.

وأوضح التقرير أن هذه الاحتجاجات التي لا يوجد فيها زعيم ومعروفة باسم “الحراك” قد تم تشكيلها من قبل السكان الشباب الذين لا يشعرون بالثقة من الطبقة الحاكمة، وتضم الاحتجاجات طيف رائع من مختلف النماذج العلمانية والدينية والمجموعات الإثنية في عرض غير مسبوق للوحدة الوطنية.
وحرص المتظاهرون على تجنب العنف في المسيرات، وغالباً ما يتم سماع هتافاتهم وهي تردد “سلمية.. سلمية”، ولكن هذا الحرص لا يعني بأنهم لا يرغبون في تطوير الحراك، وعلى حد تعبير أحد المتظاهرين فإن هناك حاجة لتغيير الاستراتيجية، وإذا لم يحدث ذلك فسيكون الأمر وكأنك تعزف الموسيقى لشخص أصم”.
ومن الجانب الآخر، استبعد الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون (74 عاماً) اتباع نهج عدد متزايد من الدول العربية والإفريقية في التخلص من محرمات الاقتراض من صندوق النقد الدولي، بحجة أن ذلك سيحد من قدرة الجزائر على اتباع سياسة خارجية مستقلة، ولكنه ترك الباب مفتوحاً للاقتراض من الصين وطلب المساعدة.

وعلى حد تعبير شبكة “بلومبيرغ” في تقرير سلط الضوء على الشأن الجزائري، فإن النظام الجزائري لا يزال في حالة من عدم اليقين بشأن الخطوة اللاحقة بعد ذلك لأنه قد يواجه غضباً لا يزول ولا يمكن شراؤه، ويرجع ذلك إلى حد كبير بسبب انقسام الجيش إلى معسكرين كما نقل الموقع عن الكاتب الجزائري القاضي إحسان، حيث يريد المعسكر الأول استخدام القوة والقمع، وهي أساليب تم تجنبها في العام الماضي إلى حد ما، والمعسكر الثاني يريد الحوار، ولكن فقط مع نشطاء أقل راديكالية.
وقال إن هذين الاتجاهين المتضاربين يساعدان في تفسير سبب تذبذب النظام بين الحوار والقمع، ففي أوائل يناير/ كانون الثاني، تم الإفراج عن 58 من سجناء الرأي فقط من أصل 173 سجيناً خلال فترة الإغلاق.
وأشار التقرير إلى أن مزاج الجزائريين كان مبتهجاً خلال الأيام الأولى من الاحتجاجات، وسارع الجزائريون خارج البلاد للمساعدة في بناء وطن يخلو من سوء الإدارة الاقتصادية والفساد والقمع، وعندما اتضح أن النظام لن يستسلم بسهولة، استؤنفت عمليات العبور غير القانونية إلى الشواطئ الأوروبية واستمرت هجرة العقول.
ووصف التقرير أحد المشاهد المألوفة في الجزائر العاصمة، حيث كان الشبان ينظرون إلى هواتفهم والسجائر معلقة من أفواههم، وهم يفكرون في مستقبل غامض، ولكن إجابتهم كانت واضحة وقطعية بأنهم سيشاركون في المسيرات الاحتجاجية القادمة من أجل فرض “تغيير جذري”.

القدس العربي

bloomberg