إصدارات

في تصديره لكتاب ” دفاعا عن الحِراك ” الصادر هذا الاسبوع في الجزائر بالفرنسية الدكتور المرزوقي يردّ على أبواق الثورة المضادة

يوم انتخب محمد مرسي رئيسا للجمهورية (شهر جوان / يونيو 2013) قلت في نفسي هذا الرجل سيواجه بصعوبات جمة ولست متأكدا أنه سيتمم عهدته.

كانت الستة أشهر التي قضيتها في قصر قرطاج حيث انتخبت في ديسمبر 2012 قد وضعتني وجها لوجه مع الحقائق القاسية للوضع الدولي.

كنت شبه متيقن أن المنظومة التي كانت تتحكم في الشرق الأوسط أي السعودية والإمارات وإسرائيل تحت كفالة الولايات المتحدة لا يمكن أن تسمح لمصر بالخروج من محور الاستسلام الذي فرض عليها منذ معاهدات كامب دافيد سنة 1978. فخروج مصر من هذا المحور ودعمه لغزة المحاصرة كان سيقلب كل التوازن للإقليم وهو أمر غير وارد. ما لم أتوقعه السرعة التي سيصفى بها الرجل وهو أول رئيس منتخب شرعيا من قبل شعب حر وذلك منذ خمسة آلاف سنة. وقعت التصفية عبر المال الاماراتي والسعودي بدعم وتخطيط إسرائيلي وتحت حياد مفتعل من قبل الأنظمة الديمقراطية الغربية.

اتضحت لي طبيعة هذا الحياد المفتعل عند الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند لتونس بضعة أيام بعد الانقلاب في مصر. قلت له ما موقف فرنسا من انقلاب على رئيس شرعي فراوغ ورفض إدانة العملية وكان ذلك موقف أغلب البلدان الغربية.

هذا الموقف المتحفظ للأنظمة الغربية والعداء المفضوح الذي أظهره النظام السعودي والإماراتي ومن ورائهما إسرائيل هو الذي واجهته كل الثورات العربية.

الحقيقة أن الأنظمة الغربية التي دعمت الثورات البرتقالية في أوروبا الشرقية فوجئت بالثورات العربية التي لم تتوقعها يوما ووقفت منها موقفا محترزا يخفي عداء مبطنا لأن الديمقراطية جاءت بالإسلاميين وليس بالعلمانيين ولأنها بخصوص مصر كانت قادرة على إنهاء فترة الصفاء التي كانت تنعم بها إسرائيل.

يأتي بعد هذا كمشة من الأدعياء ليقولوا لك بوقاحة منقطعة النظير ان الثورات العربية هي ثورات برتقالية بل يصفون الربيع العربي بالعبري في عملية كاريكاتورية لقلب الحقائق.

بالطبع من العبث الدخول في نقاش مع هؤلاء الناس وإنما يجب فهم المصدر والوظيفة لهذه الفرية الكبرى.

اما المصدر فمكوّن بالأساس من بعض القوميين واليساريين الذين فاجأتهم ثورة شعبية لم يتوقعوها ولم يقودوها بل ارتكبت ”جريمة” عدم التفريق بين الأنظمة الاستبدادية التابعة كالنظام المصري أو التونسي وبين الأنظمة الاستبدادية ” الوطنية ” التي ترفعها صرخة مدوية لا للصهيونية والامبريالية.

فالشعوب الثائرة لم ترى كما في سوريا كما في تونس، كما في ليبيا كما في اليمن أو مصر، إلا نفس الأنظمة القمعية الفاسدة المورّثة للسلطة والتي تتشدق بشعارات لم تعد تنطلي على أحد.

ومما فاقم حقد هؤلاء البقايا من قوى سياسية شريفة في الستينيات والسبعينيات غيرة مرضية من الإسلاميين الذين احتلوا مكان ” البطل” الذي بقي شاغرا بعد أن أصبح القوميون واليساريون في معظمهم جزء من منظومة الفساد والقمع.

وهم كرهوا أيضا هذه الديمقراطية التي أتت بها الثورة ليس فقط لأنها أتت (ويمكن أن ترحل) بالإسلاميين ولكنهم كانوا ولا يزالون في معظمهم أصلا غير ديمقراطيين.

هنا يقع التواصل مع فلول الأنظمة التي قامت ضدها الثورة وهم استبداديون دون عقد ودون تبريرات الصرخة المدوية ضد الصهيونية والامبريالية ولهم هم أيضا مصلحة بديهية في تشويه وترذيل الثورة التي أطاحت بسلطانهم

هذا عن المصدر ، ماذا عن وظيفة الفرية الكبرى؟

لقد أشهرت الثورة المضادة بقيادة الحلف الاماراتي السعودي الإسرائيلي الحرب ضد كل ثورات الربيع العربي واستعملت كل الوسائل لأفشالها ومنع تمددها أساسا عبر الاعلام الفاسد والأحزاب السياسية الفاسدة والإرهاب والتدخل في الانتخابات. من بين الوسائل أيضا الحرب النفسية بالتركيز على توجهين: الأول التشكيك في وطنية الثورة عبر عملية معروفة وهي تعيير الآخر بالعيوب التي هي فيك ومن ثمة خرافة الربيع العبري.

الثانية وهي الأخطر: تحميل الثورة وزر معاناة شعوبنا والحال أن معاناتها أصلها سياسات النظم القمعية الفاسدة التي أجبرتها على الثورة وسياسات الثورة المضادة التي لم تتورع عن أي جريمة لعرقلة كل إصلاح و لعقاب الشعوب الثائرة وتأديبها وحثها على الرجوع لبيت الطاعة ولسان الحال يقول: أليس من الأفضل أن تعيشوا رعايا في كنف سلطتنا الساهرة على أمنكم بدل التمرد علينا والدخول هذه العمليات العبثية للتحرر وأنتم ترون كلفتها؟

طبعا لا الحرب النفسية ولا الاعلام الفاسد ولا الإرهاب حسب الطلب ولا الحرب الأهلية ولا أي شيء قادر على إرجاع عقارب التاريخ إلى الوراء.

والدليل على ذلك: بعد الموجة الأولى للربيع العربي في تونس وليبيا واليمن ومصر وسوريا ورغم النكسات وما تصورها البعض ” الدروس” ، خرجت الموجة الثانية في السودان والجزائر والعراق ولبنان.

انتظروا الموجة الثالثة من أكثر من مكان لم تتم فيه الإصلاحات الحقيقية.

لقد اتسع الخرق على الراتق ومنظرو الثورة المضادة مثل الممولون والمخططون سيكتشفون عاجلا أو آجلا عبث التصدي لمسار التاريخ.

كما صُفي الاستعباد بعد آلاف السنين من المعاناة وكما صُفي الاستعمار ولو بالثمن الرهيب الذي دفعه بلد كالجزائر، فإن تصفية الاستبداد عملية لن يوقفها شيء أو أحد.

ولا بد لليل أن ينجلي.

https://rachad.org/wp-content/uploads/2020/10/En_defense_du_hirak-hoggar.pdf

شارك بالتعليق

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق