سياسة

مستشفى “تيقصراين” لإعادة التأهيل الحركي لحوم آدمية تتآكل وإعاقات تنفطر لها القلوب

آدمية تسحق تحت أقدام الآلام والأحزان، أسر متشبثة بقشة أمل وأخرى تنتظر الموت، وهو أكبر أمنياتهم وأرحم وأهون من عذابهم.. يتمنون الموت بعد أن تلاشت آمالهم في بلد لم يلتفت لحالهم ومجتمع لم يرق لآلامهم وحياتهم المريرة. في السطور التالية صور لمعاناة عشرات الأشخاص، صغارا وكبارا، نساءً ورجالا، تلسع سياط الآلام والأوجاع أجسادهم الطرية وتضرب على قلوبهم دون رحمة.

معاناة دائمة تحت وطأة الأوجاع والإعاقة لمواطنين وأبنائهم. كانت البداية أن تلقينا أخبارا عن مأساة إنسانية، بما تحمله الكلمة من معنى، يعيش فصول آلامها وأحزانها عشرات المرضى بمشتشفى تيقصراين المتخصص في إعادة التأهيل الحركي، ومن يرتادونه ما هم إلا عينة وربما ممن حالفهم الحظ، أما سواهم، فهم يتجرعون الويل بسبب إصاباتهم على اختلاف أسبابها، ولا يعلم بحالهم إلا الواحد الأحد.. يصارعون إعاقاتهم بين جدران المنزل أو جدران المستشفى، فالأمر سيان. لذا، قمنا بزيارتهم للوقوف على مأساتهم وإخراجها إلى الرأي العام.

عشرات الأطفال والشباب، بنات وأولاد وشيوخ وكهول، مصابون بإعاقات جسدية وتشوهات خلقية مختلفة، حولت أجسادهم إلى كتل لحمية، وحولت حياة أهاليهم إلى جحيم، العشرات منهم إضاءتهم الآلام وأنيسهم الأوجاع، ولا يزالون بحاجة ماسة وعاجلة إلى تقديم المساعدات المادية والعلاجية، وانتشالهم من بين جدران المعاناة لسنوات رغم ما يقدم لهم من مساعدة من قبل المستشفى، بيد أن ذلك غير كاف في ظل العدد الكبير للمرضى الذين يرتادون المستشفى، والذي لا تتجاوز طاقة استيعابه 110 سرير.

كنا نتخيل وجود حالات معدودة إعاقتها كبقية الحالات التي نشاهدها على الكراسي المتحركة، لكن ما شاهدناه صدمنا، كتل لحمية تتآكل لطول فترة استلقائها على الظهر، أشخاص ليس باستطاعتهم الأكل بمفردهم، وآخرون يعجزون عن قضاء حاجاتهم البيولوجية، صور تثير الحسرة والأسى لأناس تعددت ملابسات وظروف حصولهم على تأشيرة ولوج المستشفى.

في مدخل المؤسسة الاستشفائية المتخصصة لإعادة التأهيل الحركي، التقينا بأم تشكو مما تعانيه، فهي لم تكتشف إعاقة طفلها حتى اكتمل عمره عامين، وذهبت به إلى الطبيب ليخبرها بإعاقة ابنها الحركية، لتبدأ رحلة البحث عن المتاعب في مراكز العلاج.

مشاكل عديدة يعاني منها الأطفال المعاقون حركيا بسبب عدم الاهتمام الكافي بهم حتى الآن، ومئات الآلاف من آباء وأمهات هؤلاء الأطفال يعيشون في خوف وقلق على مستقبل هؤلاء التعساء فقد حباهم القدر بذكاء حاد وحرموا من الحركة، والسؤال الذي يطرح نفسه: ماذا يفعل هؤلاء الأطفال عندما يشبون ويموت الأب أو الأم ويذهب الإخوة والأخوات كل في طريق ليتركوهم وحدهم بلا معين؟! لماذا لا تقام لهم مراكز تحميهم من الضياع؟

نقص في المعدات وتسيب في أداء المهام

قبيل ولوج المستشفى، استوقفنا أما أخرى كانت تهم بالخروج، استفسرناها عن سبب مجيئها، فأجابت بتنهيدة كانت كفيلة بإيصال ما تكابده قائلة: لقد أجريت عملية ولادة قيصرية أنجبت على إثرها طفلي المعاق، ولم يكن طبيب الأطفال موجودا ودخل ابني حضانة المستشفى وخرج منها بعد 6 أيام دون توضيح من أي شخص في المستشفى عن أسباب ذلك. وبعد عدة شهور، اكتشفت بنفسي إعاقته و”دخت السبع دوخات” حتى عثرت على هذا المركز، وهي اليوم تقوم بإحضار فلذة كبدها بصفة دورية لتلقي العلاج الحركي اللازم.

يتوفر هذا المستشفى على طاقم طبي مختص في إعادة التأهيل الوظيفي الحركي، وثمانية مدلكين صحيين لم نجد منهم إلا واحدة، بالإضافة إلى طاقم كامل للشبه الطبي والأعوان، كما تم تجهيز المشفى بالتجهيزات الطبية من طرف وزارة الصحة وإصلاح المستشفيات بغية التكفل بمرضاه الذين يقصدونه من كل فج عميق. إلا أن الشيء السلبي الذي يعرفه المستشفى هو النقص الملحوظ الذي تشهده قاعات الرياضة والتدليك والتأهيل الحركي، حسب ما أسر لنا به البعض، وهو الأمر الذي وقفنا عليه بأنفسنا عند دخولنا تلك القاعات التي وجدناها خاوية على عروشها، فلم يكن بها إلا المدلكة سامية، مع العلم أن زيارتنا تزامنت وأوقات الدوام الرسمية، وهو الأمر الذي يفسر ارتياد المرضى لقاعات الرياضة في الفترة الصباحية، ما يثير امتعاضهم ذلك أنهم قابعين في أسرهم طوال اليوم ما يشعرهم بالضجر، وقد أوهمهم البعض بأن تحديد وقت التدليك والحركات الرياضية خاضع لأسباب صحية صرفة، بيد أننا تقصينا الأمر لدى المختصين الذين نفوا ذلك.

وفضلا عن التسيب والاستهتار في أداء العمل، فقد وقفنا على النقص الملحوظ في الآلات والعتاد الرياضي، رغم أن الوزارة الوصية تبدي استعدادها لسد النقص الموجود، ولكن هيهات، فالحجج الواهية التي أعطيت لنا هي عدم اتساع المكان، وهو ثالث أمر وقفنا على عدم مصداقيته.

المدلكة سامية التي استقبلتنا بقاعة الرياضة لم تبخل علينا بالاستفاضة في شرح طبيعة عملها، قائلة إننا نبدأ بإعداد برنامج علاج لكل مريض حسب احتياجاته، فالعلاج الوظائفي يشمل الوظائف الدقيقة لأصابع اليد مثلا، ثم للحياة اليومية مثل تناول الطعام والشرب واللعب الإنمائي للأطفال، وهو فرع من الوظائفي، ويعني تحويل الألعاب المختلفة إلى ألعاب علاجية.

حالات تبكي الحجر وابتسامات ممزوجة بالألم

وفي جولتنا التي جبنا خلالها مختلف الأقسام والوحدات، استوقفتنا مريم، برعمة في السادسة من عمرها معاقة حركيا، أتت بها والدتها من ولاية بسكرة وهي لا تستطيع الجلوس، تقول والدتها إنها أصيبت بالإعاقة عقب خمسة أشهر من ولادتها بعد أن كانت سليمة، وقامت بعلاجها بأكثر من مكان لكن دون جدوى تذكر.. مريم ورغم إعاقتها، فهي لم تحرم من التعليم واللعب كبقية أقرانها، كما يسعى أهلها بكل السبل لتوفير كل احتياجاتها، حتى لا تحرم من التمتع بحياتها وتخرج من ضائقة جدران بيتها وتستطيع مشاهدة العالم الخارجي حسب والدتها. ولكن، رغم كل هذا، فقد استشفينا أن تلك الابتسامات المرسومة على محياها البريء ممزوجة بالألم بسبب حالتها القاسية، ويشاطرها ألمها أهلها وهم يحملونها من غرفة إلى أخرى وإلى دورة المياه، وهكذا حياتها وأهلها في معاناة دائمة، بيد أنهم راضون بمشيئة الخالق ومتفائلون بتحسن حالة برعمتهم التي صار بإمكانها الجلوس بعد أن كانت عاجزة تماما عن ذلك.

ونحن نتنقل بين الأسرة في الجناح المخصص للأطفال، شد انتباهنا طفل اسمه عبد الرحمان، عمره ثمانية سنوات، هو الآخر أصيب بإعاقة جسدية وكذا نقص في السمع بعد أن اعترته الحمى بعد سبعة أشهر على ولادته، معاناة أهله تبكي الحجر، ذلك أنهم في عوز ولا يطيقون مصاريف علاجه أو حتى التنقل به إلى المستشفى.

وعلى بعد بضعة أمتار، قابلتنا امرأة ونجلها المعاق، لكن حالته غير حالة مريم وعبد الرحمان، فقد أضيفت إلى إعاقته الجسدية إعاقة ذهنية، إذ تقول أمه المكلومة والمغلوبة على أمرها إن الإعاقة يصاحبها صرع وتشنج.

أما رشيدة، فبالإضافة إلى إعاقتها الخلقية والتشوه على مستوى أسفل الظهر الخالي من العظم مما جعلها عاجزة عن الجلوس، فقد أصيبت بكسر على مستوى القدم أثناء ممارستها التمارين الرياضية التي يفترض أن يقوم بها أناس أكفاء، فكيف لهذه البرعمة وأهلها أن تتحمل كل هذا. وبينما نحن نتحدث إلى أمهات مريم عبد الرحمان ورشيدة وإلى جانبهم بعض الأهالي، أتى طفل والابتسامة والخجل يمتزجان على محياه، فأشاروا إلينا إلى أن اسمه “ياسر”، جاء من ولاية الشلف، مصاب بإعاقة حركية نتيجة ولادته بأعصاب فاشلة.

ونحن نواصل زيارتنا بين أجنحة المشفى، حضر إلينا شخص طاعن في السن بلغ من العمر عتيا، رحب بنا مبديا رغبته في التحدث إلينا. العم عبد الرشيد مريض بداء السكري، استدعت حالته بتر ساقه عقب إصابتها بجرح، قصد المشفى لوضع ساق اصطناعية والتدرب على المشي بها، وقد استنكر هو الآخر اقتصار التدريت الحركي على الفترة الصباحية.

وضع مأساوي لا يوصف لجل الحالات التي قابلناها، وما يزيد من تلك المأساة أن أهالي المصابين جميعهم وضعهم المادي صعب للغاية، ولا يملك بعضهم حتى ما يذهب به بصفة دورية للمستشفى لتفقد مرضاهم وتلبية طلباتهم، لاسيما القاطنين بالولايات البعيدة عن العاصمة.

إعاقات بعد منتصف العمر

ما أصعب أن يعيش الشخص بداية حياته أو حتى نصفها بصحة جيدة، وفجأة يصاب بمرض يحرمه متعة الحياة الباقية، وتتجلى المأساة الأكثر عندما يكون هو العائل الوحيد لأسرته، من خلال أعمال حرة يقوم بها، وبمجرد إصابته، يتحول حاله وأسرته إلى جحيم، ذلك ما وجدناه واقعاً في مستشفى تيقصراين. مراد، 22 عاما، كان هو العائل الوحيد لأسرته وظل يعمل كما يقول إلى أن فاجأته الإعاقة بعد تعرضه لصعقة كهربائية تسببت له في إصابة على مستوى الرجل واعوجاج في الظهر فأعاقته عن العمل وإعالة أسرته. مراد أعرب لنا أنه يتمنى، والحسرة والألم يعتصر فؤاده، أن يتماثل للشفاء حتى يستطيع أن يوفر لنفسه وأسرته الحد الأدنى من القوت الضروري.

يا لها من صور مأساوية، ونحن ننتقل من سرير إلى آخر ونجد كتلاً لحمية مشلولة شللا نصفيا علويا أو سفليا أو شللا كليا، وسط غرف يخيم عليها الصمت، لننتقل إلى شاب يبلغ من العمر 29 عاما عاش بصحة جيدة، إلى أن أصيب فجأة بشلل وإعاقة كلية أقعدته ومنعته عن الخروج من المنزل إلا محمولاً على أكتاف والده ووالدته وإخوانه، وسبب شلله الذي يرجع حسب ما رواه لنا قريبه الذي يلازمه لمساعدته، إلى تناوله دواء وصف له بالخطإ في مستشفى باب الوادي، ما أدى إلى إصابته بهوس جعله يلطم رأسه بالحائط مرارا ثم يرمي بنفسه من الشرفة.

أما جل الحالات التي قابلناها، فكانت نتيجة حوادث المرور، ما يدفعنا لرفع نداء عاجل من خلال سطور ممزوجة بأقسى كلمات الألم وحروف الأسى.. نداء إلى كل من يقدر الإنسانية ويشعر بحزنها ومعاناتها.. نداء لكل ضمير يحس بآلام الآخرين.. نوجه النداء لإنقاذ أطفال وأسر ترزح تحت وطأة الأوجاع والأحزان لسنوات بسبب التهور والرعونة في السياقة.

مجد قيرة

http://elkhabar-hebdo.com/site/news-action-show-id-1256.htm

ــ

مستشفى تيقصراين لإعادة التأهيل الحركي
حالات مأساوية وإعاقات تفطر القلب
عبد الرزاق قيرة

في السطور التالية، صور لمعاناة عشرات الأشخاص صغارا وكبارا، نساءً ورجالا، تلسع سياط الآلام والأوجاع أجسادهم الطرية وتضرب على قلوبهم دون رحمة. معاناة دائمة تحت وطأة الأوجاع والإعاقة لمواطنين وأبنائهم، كانت البداية أن تلقينا أخبارا عن مأساة إنسانية بما تحمله الكلمة من معنى، يعيش فصول آلامها وأحزانها عشرات المرضى بمستشفى تيقصراين المتخصص بإعادة التأهيل الحركي، ومن يرتادونه ما هم إلا عينة وربما ممن حالفهم الحظ. أما سواهم، فهم يتجرعون الويل بسبب إصاباتهم على اختلاف أسبابها، ولا يعلم بحالهم إلا الواحد الأحد. يصارعون إعاقاتهم بين جدران المنزل أو جدران المستشفى، فالأمر سيان، لذا قمنا بزيارتهم للوقوف على مأساتهم وإخراجها إلى الرأي العام. عشرات الأطفال والشباب، بنات وأولاد وشيوخ وكهول، مصابون بإعاقات جسدية وتشوهات خلقية مختلفة، حوّلت أجسادهم إلى كتل لحمية، وحوّلت حياة أهاليهم إلى جحيم. العشرات منهم إضاءتهم الآلام وأنيسهم الأوجاع، ولا يزالون بحاجة ماسة وعاجلة إلى تقديم المساعدات المادية والعلاجية، وانتشالهم من بين جدران المعاناة لسنوات، رغم ما يقدم لهم من مساعدة من قبل المستشفى، بيد أن ذلك غير كاف في ظل العدد الكبير للمرضى الذين يرتادون المستشفى، والذي لا تتجاوز طاقة استيعابه 110 سرير. كنا نتخيل وجود حالات معدودة، إعاقتها كبقية المعاقين الذين نشاهدهم على الكراسي المتحركة. لكن ما شاهدناه صدمنا، كتل لحمية تتآكل لطول فترة استلقائها على الظهر، أشخاص ليس باستطاعتهم الأكل بمفردهم، وآخرون يعجزون عن قضاء حاجاتهم البيولوجية. صور تثير الحسرة والأسى، لأناس تعددت ملابسات وظروف حصولهم على تأشيرة ولوج المستشفى. في مدخل المؤسسة الاستشفائية المتخصصة لإعادة التأهيل الحركي، التقينا بأم تشكو مما تعانيه، فهي لم تكتشف إعاقة طفلها حتى اكتمل عمره عامين وذهبت به إلى الطبيب ليخبرها بإعاقة ابنها الحركية، لتبدأ رحلة البحث عن المتاعب في مراكز العلاج. مشاكل عديدة يعاني منها الأطفال المعاقون حركيا بسبب عدم الاهتمام الكافي بهم حتي الآن‏.‏ مئات الآلاف من آباء وأمهات هؤلاء الأطفال، يعيشون في خوف وقلق على مستقبل هؤلاء التعساء ـ فقد حباهم القدر بذكاء حاد ـ وحرموا من الحركة. والسؤال الذي يطرح نفسه.. ماذا يفعل هؤلاء الأطفال عندما يشبون ويموت الأب أو الأم ويذهب الإخوة والأخوات كل في طريق؟‏!‏ ليتركوهم وحدهم بلا معين‏!‏ لماذا لا تقام لهم مراكز تحميهم من الضياع؟
نقص في المعدات وتسيّب واستهتار
وقبيل ولوج المستشفى، استوقفنا أم أخرى كانت تهم بالخروج. استفسرنا منها عن سبب مجيئها، أجابت بتنهيدة كانت كفيلة بإيصال ما تكابده قائلة‏:‏ لقد أجريت عملية ولادة قيصرية، أنجبت على إثرها طفلي المعاق ولم يكن طبيب الأطفال موجودا ودخل ابني حضانة المستشفى وخرج منها بعد ‏6‏ أيام دون توضيح من أي شخص في المستشفى عن أسباب ذلك‏.‏ وبعد عدة شهور، اكتشفت بنفسي إعاقته ودخت السبع دوخات حتى عثرت على هذا المركز، وهي اليوم تقوم بإحضار فلذة كبدها بصفة دورية لتلقّي العلاج الحركي اللازم. يتوفر هذا المستشفى على طاقم طبي مختص في إعادة التأهيل الوظيفي الحركي، وثمانية مدلكين صحيين، لم نجد منهم إلا واحدة، بالإضافة إلى طاقم كامل للشبه الطبي والأعوان. كما تم تجهيز المشفى بالتجهيزات الطبية من طرف وزارة الصحة وإصلاح المستشفيات، بغية التكفل بمرضاه الذين يقصدونه من كل صوب وحدب. إلا أن الشيء السلبي الذي يعرفه المستشفى، هو النقص الملحوظ الذي تشهده قاعات الرياضة والتدليك والتأهيل الحركي ـ حسب ما أسر لنا به البعض ـ وهو الأمر الذي وقفنا عليه بأنفسنا حين دخولنا تلك القاعات، التي وجدناها خاوية على عروشها، فلم يكن بها إلا المدلكة سامية، مع العلم أن زيارتنا تزامنت وأوقات الدوام الرسمية، وهو الأمر الذي يفسر ارتياد المرضى لقاعات الرياضة إلا في الفترة الصباحية. ما يثير استياءهم، ذلك أنهم قابعون في أسرّتهم طوال اليوم، ما يشعرهم بالضجر، وقد أوهمهم البعض بأن تحديد وقت التدليك والحركات الرياضية خاضع لأسباب صحية صرفة، بيد أننا تقصينا الأمر لدى المختصين الذين نفوا ذلك. وفضلا عن التسيّب والاستهتار في أداء العمل، فقد وقفنا على النقص الملحوظ في الآلات والعتاد الرياضي، رغم أن الوزارة الوصية تبدي استعدادها لسد النقص الموجود. ولكن هيهات، فالحجج الواهية التي أعطيت لنا هي عدم اتساع المكان، وهو ثالث أمر وقفنا على عدم مصداقيته. المدلكة سامية التي استقبلتنا بقاعة الرياضة، لم تبخل علينا بالاستفاضة في شرح طبيعة عملها، قائلة إننا نبدأ بإعداد برنامج علاج لكل مريض حسب احتياجاته ـ فالعلاج الوظائفي يشمل الوظائف الدقيقة لأصابع اليد مثلا ـ ثم للحياة اليومية، مثل تناول الطعام والشرب واللعب‏ الإنمائي للأطفال، وهو فرع من الوظائفي‏، ويعني تحويل الألعاب المختلفة إلى ألعاب علاجية.
حالات تبكي الحجر وابتسامات ممزوجة بالألم
وفي جولتنا التي جبنا خلالها مختلف الأقسام والوحدات، استوقفتنا مريم، برعمة في السادسة من عمرها معاقة حركيا أتت بها والدتها وهي لا تستطيع الجلوس، تقول والدتها إنها أصيبت بالإعاقة بعد خمسة أشهر من ولادتها بعد أن كانت سليمة، وقامت بعلاجها بأكثر من مكان، لكن دون جدوى. مريم الفتاة المعاقة، حرمت من التعليم واللعب كبقية أقرانها، كما حرمت من التمتع بحياتها، فهي تعيش داخل غرف المنزل وبين جدرانه ولا تستطيع أن تخرج وتشاهد وتتمتع بمنطقتها الخلابة، عدا ابتسامات ممزوجة بالألم على حالتها القاسية، ويشاطرها ألمها أهلها وهم يحملونها من غرفة إلى أخرى وإلى دورة المياه، وهكذا حياتها وأهلها في معاناة دائمة. ونحن نتنقل بين الأسرّة في الجناح المخصص للأطفال، شد انتباهنا طفل اسمه عبد الرحمان، عمره ثماني سنوات، هو الآخر أصيب بإعاقة جسدية وكذا نقص في السمع بعد أن اعترته الحمى بعد سبعة أشهر من ولادته. معاناة أهله تبكي الحجر، ذلك أنهم في عوز ولا يطيقون مصاريف علاجه أو حتى التنقل به إلى المستشفى. وعلى بعد بضعة أمتار، قابلتنا امرأة ونجلها المعاق، لكنه غير مريم والطفل عبد الرحمان، فقد أضيفت إلى إعاقته الجسدية إعاقة ذهنية، فتقول والدته إن ابنها أصيب بالإعاقة الجسدية والذهنية منذ ثلاث سنوات. وتضيف الأم المكلومة والمغلوبة على أمرهما، أن الإعاقة يصاحبها صرع وتشنج. أما رشيدة، فإضافة إلى إعاقتها الخلقية والتشوّه على مستوى أسفل الظهر الخالي من العظم، مما جعلها عاجزة عن الجلوس، فقد أصيبت بكسر على مستوى القدم أثناء ممارستها التمارين الرياضية التي يفترض أن يشرف عليها أناس أكفاء، فكيف لهذه البرعم وأهلها أن تتحمّل كل هذا. وبينما نحن نتحدث إلى أمهات مريم، عبد الرحمان ورشيدة، وإلى جانبهم بعض الأهالي، أتى طفل والابتسامة والخجل يمتزجان على محياه، فأشاروا إلينا إلى أن اسمه ياسر جاء من ولاية الشلف، مصاب بإعاقة حركية نتيجة ولادته بأعصاب فاشلة. ونحن نواصل زيارتنا بين أجنحة المشفى، حضر إلينا شخص طاعن في السن بلغ من العمر عتيه، رحب بنا مبديا رغبته في التحدث إلينا. العم عبد الرشيد مريض بداء السكري، استدعت حالته بتر ساقه عقب إصابتها بجرح. قصد المشفى لوضع ساق اصطناعية والتدرب على المشي بها، وقد استنكر هو الآخر اقتصار التدريب الحركي على الفترة الصباحية. وضع مأساوي لا يوصف لجل الحالات التي قابلناها. وما يزيد من تلك المأساة، أن أهالي المصابين جميعهم وضعهم المادي صعب للغاية ولا يستطيع بعضهم حتى أن يملك ما يذهب به بصفة دورية للمستشفى لتفقد مرضاهم وتلبية طلباتهم، لاسيما القاطنين بالولايات البعيدة عن العاصمة.
إعاقات بعد منتصف العمر
وما أصعب أن يعيش الشخص بداية حياته، أو حتى نصفها، بصحة جيدة، وفجأة يصاب بمرض يحرمه متعة الحياة الباقية. وتتجلى المأساة أكثر، عندما يكون هو العائل الوحيد لأسرته من خلال أعمال حرة يقوم بها. وبمجرد إصابته، يتحوّل حاله وأسرته إلى جحيم، ذلك ما وجدناه واقعاً في مستشفى تيقصراين. مراد 22 عاما، كان هو العائل الوحيد لأسرته وظل يعمل – كما يقول – إلى أن فاجأته الإعاقة بعد تعرضه لصعقة كهربائية تسببت له في إصابته على مستوى الرجل واعوجاج في الظهر، فأعاقته عن العمل وإعالة أسرته. مراد أعرب لنا أنه يتمنى ـ والحسرة والألم يعتصر فؤاده ـ أن يتماثل للشفاء حتى يستطيع أن يوفر له ولأسرته الحد الأدنى من القوت الضروري. يا لها من مأساة ونحن ننتقل من سرير إلى آخر، ونجد كتلاً لحمية مشلولة شللا نصفيا، علويا أو سفليا، أو شللا كليا، وسط غرف صامتة. لننتقل إلى شاب يبلغ من العمر 29 عاما، عاش بصحة جيدة، إلى أن أصيب فجأة بشلل وإعاقة كلية أقعدته ومنعته من الخروج من المنزل إلا محمولاً على أكتاف والده ووالدته وإخوانه. وسبب شلله الذي يرجع ـ حسب ما رواه لنا قريبه الذي يلازمه لمساعدته ـ راجع إلى تناوله دواء وصف له بالخطأ في مستشفى باب الوادي، ما أدى إلى إصابته بهوس جعله يضرب رأسه على الحائط مرارا ثم يرمي بنفسه من الشرفة. أما جل الحالات التي قابلناها، فكانت نتيجة حوادث المرور، ما يدفعنا لرفع نداء عاجل من خلال سطور ممزوجة بأقسى كلمات الألم وحروف الأسى.. نداء إلى كل من يقدّر الإنسانية ويشعر بحزنها ومعاناتها.. النداء لكل ضمير يحس بآلام الآخرين.. نوجه النداء لإنقاذ أطفال وأسر ترزح تحت وطأة الأوجاع والأحزان لسنوات، بسبب التهور والرعونة في السياقة.

http://www.wakteldjazair.com/index.php?id_rubrique=266&id_article=2700

10 تعليقاً

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق

  • السلام عليكم ورحمة الله وبركاته انا لدي اخت تعرضت لحادث مرور منذ اثنى عشرة سنة ادى الى كسرفي الرقبة اجريت لها عملية بمستشفى باب الواد وبعد ذلك اخذت الى مستشفى تيقصراين لكن رفضوا ادخالها لانه ليس لها معرفة كما رفضت مستشفيات عديددة على مستوى الوطن قالوا انها لن تشفى لكنها تتحسن بشكل ملحوظ لكننا نقول حسبنا الله ونعم الوكيل لانهم ضيعوا فرصة علاجها لتمشي من جديد ليس لدينا ابدا طب في بلادنا ولو كان في مقدورنا لعالجنا خارج البلاد لكن العين بصيرة واليد قصيرة اللهم اشفي كل مريض بحولك وقوتك يا ارحم الراحمين آمين

  • السلام عليكم ورحمة الله و بركاته انا ام لطفل عمره خمس سنوات معاق حركيا بالاضافة الى صعوبة في النطق نتيجة عسر في الولادة ارسلت ملفه الطبي الى مستشفى تيقصراين لكنهم رفضوا ادخاله بحجة انه من الشرق و وجهوني الى اسرايدي هنا صدمت للمرة الثانية بالرفض ماعسايا ان اقول حسبي الله حسبي الله…….ونعم الوكيل في بلادنا إلي ما عندوش المعريفة اموت

  • بسم الله الرحمان الرحيم السلام عليكم انا اب لطفلة معاقة حركيا في الرجل اليسرة بعد عملية جرحية في النخاع الشوكي بمستشفي ايت ادير في باب جديد ادخلتها مستشفي تيقصراين بلا معريفة لاكن الغريب في الامر انهم لم يفعل لها شيء المدلكة نهار تاتي 10ماكش ظاقة ابنتي الويل 21يوم وخرجة كما دخلة الله يهديكم غدوة ربي يحسبكم

  • السلام و عليكم انا السيد ن.بوفلاح مختص في اعادة التاهيل فقط اريد ان اوجه رسالة لذوي المصابين بالامراض الخطيرة منها الشلل بانواعه انو اكثر الحالات تحتاج الى حركات بسيطة يقدرو اولياء المرضى يقومو بها في المنزل وبهذه الحركات الي نسموها entretien articulaire et musculaire نققدرو نتجنبو الكثير من المضاعفات مثل esscare et les probem respiratoire et la raideur des articulation

    • أنا عندي أخي ولد إثر عملية قيصرية و الحمدلله زاد لاباس بيه لكن. و لنقص الرعاية الطبية و المعاينة أصابته حمى أدت إلى إعاقة حركية و واستصعاب النطق هل من الممكن أن تعلمنا بإرشادات او اماكن مختصة بالعلاج الحركي او طرق تساعدنا علاجه بحكم خبرتك في المجال و شكرا

  • السلام عليكم ورحمة الله و بركاته انا اب لطفل عمره ثلاث سنوات معاق حركيا بالاضافة الى صعوبة في النطق نتيجة عسر في الولادة
    احتاج للدعم والمساعدة من الناس الخير اريد أخذه الى مستشفى تقصراين مع أني محتاج الى دعم مادي و الله لا يضيع أجر المحسنين
    رقم الهاتف الخاص بي : 0661710484