سياسة

خلفية قضية هدم مسجد أغريب كما نشرتها الشروق في أكتوبر 2009

الشروق تروي تفاصيل غريبة عن قرية أغريب بتيزي وزو
فتنة بسبب بناء مسجد فوق قبور الموتى
2009.10.03 حسان زيزي

صورة الشروق
200 قبر تجرفها المياه القذرة والمقبرة مهددة بالزوال في برج الكيفان

حادثة أغرب من الخيال شهدتها قرية “أغريب” المتواجدة بمنطقة القبائل وعلى بعد حوالي 45 كلم شمال شرق مدينة تيزي وزو، اشتعلت فتنة بين المواطنين وانقسموا إلى فريقين متصارعين، اللجنة الدينية للقرية تريد بناء مسجد بقلب القرية ولجنة موازية تريده داخل مقبرة، أعضاء الأولى قاموا بجميع الإجراءات القانونية للحصول على رخصة للبناء، أما الأخرى فانشغلت بجمع الحشد للمعارضة وطالبوا من البلدية بوقف أشغال بناء هذا المسجد.

وتوالت المصائب على اللجنة الدينية وأصدرت البلدية بحقهم قرارا بإلغاء رخصة البناء المقدمة لهم، هذه التطورات فتحت المجال لأعضاء اللجنة الثانية وقامت بهدم المسجد القديم بمقبرة القرية، واعتدوا على حرمات الموتى وأخرجوا رفاتهم وجمعوها داخل حفرة جماعية بعد أن كسرت عظام بعض منها، وعلى الرغم من بقاء بعض القبور تحت المسجد، إلا أنهم أصروا على البناء عليها؛ هذه التجاوزات أثارت بلبلة كبيرة وسط سكان القرية لاسيما وأن هذه الأخيرة تعد موطن ومسقط رأس الدكتور “سعيد سعدي” رئيس حزب الإرسيدي، فقد تدخلت شخصيات الحزب ومناضليه في قلب الصراع وانشغلوا في حشد آراء المواطنين بهدف إقناعهم بمعارضة وتأخير مشروع مسجد اللجنة الدينية.
تشييد المسجد فوق قبور الموتى!
كانت بداية رحلتنا من مدينة عزازقة، بحدود العاشرة والنصف وبرفقة دليلنا حولنا مسيرنا على امتداد نحو 10 كيلومترات شمال غرب المدينة نحو قرية “أغريب”، وعلى طول الطريق حاولنا أن نجس نبض مرافقنا لمعرفة تطورات القضية، والتمسنا منه أن الأمور وصلت إلى حد التعفن بين السكان ودعانا لتقصي الأمور لدى رئيس اللجنة الدينية وعقلاء القرية لمعرفة باقي التفاصيل والتأكد من صحة أقواله… وصلنا إلى القرية بحدود الحادية عشرة، نزلنا من السيارة وشرعنا في البحث بين أزقتها عن مكان تواجد المسجدين، عثرنا على شيخ في السبعينيات من العمر ودلنا على مكان وجود المسجد، وبعد وصولنا لعين المكان اقتربنا من مجموعة شيوخ كانوا متكئين على مقربة من مدخل المقبرة وأرشدونا على المسؤول الأول على بناء ذلك المسجد وهو السيد “عيدر علي”… طلبنا منه أن يحدثنا حول قضية المسجدين، فشرع في سرد قصة مسجد الولي الصالح، منشأه ـ حسب روايته ـ يعود لعقود زمنية، وقد سبق وأن رممته القرية سنة 1963، ومع امتداد الوقت وعدم قدرته على استيعاب أعداد المصلين بات من الضروري توسيعه أو بناء مسجد آخر، ويضيف محدثنا أنه في أفريل 2007 اجتمعت القرية وقررت إعادة بناء مسجد الولي الصالح سيدي جعفر وترميمه، وبدأت مساعي المحسنين وذوي البر في التدفق على هذا المسجد، وبدأ المتطوعون من القرية ومن خارجها يتقدمون لمد يد العون قصد الشروع في أشغال الهدم وإعادة البناء، وقد أشارت شهادة محدثنا أنهم عمدوا الى استخراج رفات بعض الموتى المدفونين بالقرب من أساس المسجد، مؤكدا على أن العملية تمت بعد إعداد “وعدة” كبيرة وباستشارة أهالي الموتى ودعوتهم لحضور عملية إخراج الرفات وإعادة دفنها في حفرة أمام المسجد، وقد استثنت العملية قبرا واحدا يتوسط أرضية المسجد، وهذا لأن أهله أصروا على إبقائه مكانه، وعلى الرغم من بقاء القبر وسط المسجد ظاهر للعيان، إلا أنهم تغاضوا عنه وشرعوا في بناء المسجد بطريقة تجعل القبر خارج نطاقه، وجود مشروع بناء مسجد آخر تتكفل به اللجنة الدينية بوسط القرية لم يثر اهتمام محدثينا الذين رفضوا التعليق عليه قائلين “أن الأمر لا يهمهم، وأن اتباع اللجنة الدينية لا يمثلون سوى ثلة من سكان القرية وبالتالي لا وزن لهم أمامهم…”.

الجمعية الدينية تؤكد بالدليل على مصداقية ومشروعية مسعاها
وعلى بعد حوالي 100 متر شمالا من المقبرة عثرنا على البناء القاعدي المهيأ لاستقبال مشروع المسجد الجديد الذي تشرف عليه اللجنة الدينية، صعدنا شمالا من المقبرة على امتداد نحو 500 متر والتقينا ببعض أعضاء لجنة القرية وبعض أعضاء اللجنة الدينية، السيد “عامر محند” رئيس لجنة القرية وأحد أعضاء اللجنة الدينية للمسجد، أكد لنا أن جميع من يتحدثون باسم القرية ويتغنون بكونهم ممثلين لسكانها لا يمتلكون أية شرعية شعبية أو قانونية، مستدلا بانقسام اللجنة وبالختم الأصلي للجنة القرية المتواجد بحوزته، القرية كانت تتوفر على مسجد بناه الأجداد داخل حرم مقبرة القرية ويشرف على العديد من القبور، ومع الوقت وتضرر هذا المسجد بفعل زلزال سنة 2003 وازدياد أعداد المصلين، أثار أعضاء اللجنة الدينية في اجتماع أعيان القرية قضية بناء مسجد جديد خارج نطاق المقبرة، تباينت الآراء بين المواطنين لاسيما وأن أعضاء اللجنة تحروا الأمر لدى بعض الأئمة وتحصلوا على آراء وفتاوى بعدم جواز الصلاة في المساجد المبنية على المقابر، وثارت البلبلة من جديد وتكونت كتلة أخرى داخل القرية تقودها شخصيات معروفة بنشاطها في ميدان نشر الفكر الديمقراطي وبدأت تطالب بإعادة ترميم مسجد الولي الصالح، طُرح المشروعان من جديد على لجنة القرية وبعد أخذ ورد قررت اللجنة بالموافقة على كلا المشروعين، وشرع بعدها كل طرف في تنفيذ فكرته، السيد “آيت عيدر أعمر” الرئيس السابق للجنة أعيان القرية والعضو في الجمعية الدينية، أكد أن هذه الأخيرة سعت وبمعية العديد من المحسنين لدى المصالح المحلية للحصول على قطعة أرض من أملاك الدولة بوسط القرية، وبتاريخ 15 من شهر جويلية سنة 2006 وفي اجتماع بمقر بلدية أغريب ـ تحصلت الشروق على نسخة من محضره ـ تم الاتفاق على تخصيص قطعة من أرض البلدية بمساحة 1 هكتار بالمكان المسمى “سوق الاثنين” وسط قرية أغريب لمشروع بناء مسجد، وبعد إعداد دراسة تقنية تقدمت اللجنة الدينية بطلب لدى مصالح البلدية للحصول على رخصة بناء، هذا الطلب رفض، لأن الأرضية المخصصة للمسجد لم يتم بعد تحويلها لأملاك مديرية الشؤون الدينية والأوقاف للولاية، وصبرت اللجنة الدينية المنقضي اعتمادها إلى غاية مارس 2007 تاريخ تجديدها، وتقدمت لدى المصالح الولائية لطلب تحويل ملكية القطعة الأرضية لفائدة مديرية الشؤون الدينية، وقد تمكنت من الحصول على القرار الولائي رقم 677 / م ع إ / م أ د / 07 بتاريخ 7 نوفمبر 2007 ـ لدى الشروق اليومي نسخة ـ القاضي بتحويل الملكية لمصالح مديرية الشؤون الدينية، وفي نهاية شهر ديسمبر من نفس السنة أودعت اللجنة من جديد طلبا للحصول على رخصة للبناء، وفي تاريخ 16 جانفي 2008 تحصلت الجمعية على رخصة البناء رقم 16/08، وبتاريخ 14 أفريل 2008 قام أفراد الجمعية الموازية ومن دون علم أعضاء اللجنة الدينية بجمع ما يقارب 650 إمضاء من أجل إيداع عريضة لدى البلدية لطلب إلغاء رخصة البناء المقدمة للجمعية وتوقيف أشغال البناء، وفي يوم 5 ماي من نفس السنة تلقت اللجنة الدينية إعذارا من البلدية لوقف أشغال بناء المسجد وهذا استجابة للعريضة المودعة من طرف مواطني القرية، تحرك أعضاء الجمعية لدى رئيس البلدية للاستفسار عن خلفيات هذا القرار وقيل لهم بأن الوالي هو من أمر بوقف الأشغال، وبعد يومين راسلت الجمعية الوالي في رسالة ـ تحصلت الشروق على نسخة منها ـ لإعلامه بتداعيات القضية ولطلب جلسة معه، انتظر أعضاء اللجنة ومواطني القرية قرابة عام دون التحصل على أي رد من طرف المصالح التي تمت مراسلتها، وبعد طول مدة الانتظار وتوفر جميع الظروف القانونية والشرعية والمادية لبناء المسجد قررت الجمعية متابعة أشغال بناء المسجد، وشرعت خلال نهاية شهر ماي المنصرم وبمساعدة سكان القرية في تهيئة أرضية المسجد لبناء القاعدة الأساسية مع إشعار رئيس البلدية بتصريح بفتح ورشة الأشغال.

القضية تأخذ أبعادا سياسية مؤسفة
تبين من خلال تحقيقنا مع بعض المواطنين بالقرية أن زعيما سياسيا من المنطقة وعدد من أفراد عائلته ونشطاء من حزبه، ساهموا وبصفة غير مباشرة في صناعة الأحداث والقرارات بالقرية طيلة فترة الصراع، فقد كان لحضور هذا الزعيم بالقرية أثناء الصراع دور كبير لمساندة الطرف الذي يسعى لبناء مسجد المقبرة، لا سيما وأنه كان يتقرب كثيرا من رفقائه ومناضليه الذين يقودون الحلف المعارض للجمعية، وكان يتحاشى المواطنين الذين يقفون في صفها حتى في المصافحة، وقد ساهمت الجولة الاستطلاعية التي قام بها في أحد الأيام إلى مسجد المقبرة، وكذا مشاركة ابنه وأحد أبناء عمومته وبعضا من مناضليه في أشغال حفر الأساس في التأثير في نفسيات مواطني القرية واستمالتهم نحو مشروع مسجد المقبرة، ومن جانب آخر ساهمت شخصيات أخرى في حزبه على تشجيع المواطنين على الوقوف ضد الجمعية الدينية في جميع الإجراءات التي قاموا بها، ومن خلال ما تمكنا من جمعه من شهادات سكان القرية فقد وصل الحد ببعضهم إلى حد اعتبارها خطرا على الأمن في القرية، وأنها وكر من أوكار الأصولية والتطرف والإرهاب بالمنطقة، كما تجرّأت شخصيات أخرى من ذلك الحزب على عقد اجتماعات بالقرية من أجل البحث عن السبل والحيل اللازمة لمنع الجمعية من إتمام مشروعها.

الفتنة كادت أن تتطور إلى مواجهات لولا تدخل العقلاء
الآلات التي استأجرتها الجمعية للشروع في أشغال الحفر كادت أن تحرق من طرف أفراد الطرف المعارض وكادت أن تحدث مواجهات بين الطرفين لولا تدخل بعض عقال القرية، التصعيد الخطير في لهجة الصراع لم يمنع الجمعية الدينية من مواصلة أشغالها إلى غاية الانتهاء من البناء القاعدي، وفي 6 جوان المنصرم تلقت الجمعية إعذارا ثانيا من البلدية لوقف أشغال البناء مع تهديدات بالمتابعة القانونية، وفي 11 جوان شرع أصحاب الطرف الثاني وبمعية بعض المواطنين في هدم المسجد القديم “سيدي جعفر”، وباشروا في إخراج رفات المدفونين، شهادات مواطني القرية أكدت على أن العملية أثارت استياء العديد من المواطنين، لاسيما وأنه تم من خلالها الاعتداء على حرمات الموتى وكسر العديد من عظامهم قبل إعادة جمعها داخل أكياس في حفرة جماعية، شهادات أخرى أضافت أن العملية تواصلت على الرغم من ردود الفعل القوية التي أبدتها عائلات بعض الموتى المتواجدة قبورهم تحت أرضية المسجد لاسيما قبور كل من (المجاهد) الظاهر للعيان متوسطا مؤخرة الناحية الشمالية للمسجد، يامين هني وآخرين…، وسارت أمور المسجدين إلى غاية تاريخ 30 من نفس الشهر، أين أصدرت البلدية قرارا بإلغاء رخصة البناء الممنوحة للجمعية استجابة لمطالب أصحاب العريضة المودعة لديهم، وعلى هذا قامت اللجنة الدينية برفع ملف ضد البلدية لدى العدالة لطلب إلغاء قرار إلغاء رخصة البناء، وقد نظرت محكمة عزازقة في القضية بحر الشهر المنصرم، وقضت بعدم الاختصاص، وتم تحويلها إلى مجلس قضاء تيزي وزو والذي من المنتظر أن ينظر فيها بتاريخ 4 أكتوبر الجاري، هذا وقد أوفد والي تيزي وزو نهاية الأسبوع الماضي لجنة خاصة إلى القرية لعقد جلسة مع الأطراف المعنية بالقضية، وبعد اجتماع ماراطوني دام من الحادية عشرة صباحا وإلى غاية الخامسة مساءاة لم تتوصل الأطراف إلى أي حل يرضي الجميع، فقد تمسكت اللجنة الدينية بفكرة استكمال أشغال بناء المسجد الجديد في حين تمسك الطرف الثاني بفكرة بناء مسجد المقبرة.
وقد أكد رئيس المجلس الشعبي البلدي السيد “يرمش رابح” أنه منح رخصة بناء المسجد للجمعية بمجرد توفرها على جميع الظروف القانونية، ولما ظهرت معارضة قوية من طرف مواطني القرية وتنقلهم للبلدية في العديد من المرات لتهديده بالجنوح إلى العنف لمنع الجمعية من إتمام مشروعها، أبرقت البلدية لأفراد الجمعية بالعديد من الإعذارات لوقف أشغالها، لكنهم لم يستجيبوا لها وبالتالي اضطرت البلدية إلى إصدار قرار بإلغاء رخصة البناء المقدمة للجمعية لوقف مد الفتنة، مدير الشؤون الدينية للولاية السيد “صايب محند أويدير” أكد على أن الجمعية تتوفر على جميع الشروط القانونية والشرعية لتشييد هذا المسجد، مضيفا أن مصالحه لم يبق لها ما تبذله من جهد لحل القضية لاسيما بعد إصدار البلدية لقرار إلغاء رخصة البناء وإيداع اللجنة الدينية قضية لدى العدالة ضدها.

http://www.echoroukonline.com/ara/national/42833.html