سياسة

أحمد غزالي في حوار للجزائر نيوز: ما حـدث في سوناطـراك واقع منـذ 20 سنة

الأربعاء, 22 سبتمبر 2010
في حوار شامل مع ”الجزائر نيوز”، يعود سيد أحمد غزالي، مدير عام سوناطراك ورئيس الحكومة الأسبق وصاحب حزب، بمصير مجهول إلى بعض نقاط الظل والضوء في سياسة النظام الحالي والسابق، بكشف معلومات تارة وبالتحليل والرأي الحامل للكثير من الدلالات تارة أخرى، كما يعرض توقعاته ووجهة نظره كرجل دولة حول واقع ومستقبل المشهد السياسي بشخصياته لـ .2014وهذه الحلقة الأولى··
— مكافحة الفساد الهادفة لنحر كبش فداء بدل المحاسبة الجوهرية لا طائل منها
— ملفات مكافحة الفساد في الجزائر تشير لدخول مرحلة فلتان
حاوره: عبد اللطيف بلقايم
منذ أسبوع إحتفت منظمة الدول المصدرة للبترول بنصف قرن من الوجود· والجزائر في عهدكم على رأس سوناطراك في نهاية الستينيات سجلت انضمامها إلى هذه المنظمة التي عجل البعض زوال تأثيرها· هلا رجعتم بنا الى سنة 69 وللظرف الجيوسياسي لانضمام الجزائر وبأي طموح؟
أعتقد أنه لا يزال أمام منظمة الدول المصدرة للنفط دورا في الساحة الاقتصادية العالمية لكي تلعبه، كون السبب الذي جعلها تظهر إلى الوجود لا يزال قائما وهو الدفاع عن الأسعار فقط· وقد يتساءل سائل لماذا قلت فقط· الأمر بسيط لأن تكنولوجيات ذلك الزمان في عمليات التنقيب واستخراج وتكرير البترول وتفكيك أجزائه الكيمياوية وغيرها لم تكن متوفرة لدى العديد من الدول التي تمتلك أكبر احتياطاته ومخزوناته، بل حتى تسويقه عبر أرجاء العالم كان تحت سيطرة شركات أجنبية بنسبة مائة بالمائة، فالدول البترولية كانت إمكانياتها شبه منعدمة في هذا الإطار قليلة، إذ لم تكن تملك حتى ما يساعدها على إحكام الرقابة ومعرفة ماذا يدور مع الشركات الأجنبية في حقول استخراج البترول لأن الرقابة كانت أيضا تتطلب الخبرة البشرية والتكوين، وانحصر دور الحكومات التي تملك الثروة ولا تملك وسائل إدارتها والتحكم فيها تجاريا، إنحصر فقط في التحصيل الجبائي· فكل مقومات العمل في مجال المحروقات إبتداء من عملية التنقيب إلى غاية استهلاكه مرورا بكل مجالاته الفنية والسياسية والمالية الاقتصادية كانت تحت إشراف الأجانب· الدول الأربعة آنذاك التي بادرت بإنشاء منظمة أوبك، وهي السعودية وإيران والعراق وفينزويلا حاولت لم شمل صفوف الدول المنتجة عبر العالم على الطريقة النقابية والدفاع عن الأسعار التي تبيع بها بترولها، ولكن بعدها، الدور تطور وتنوع مع بقاء الطابع الأصلي للمنظمة وهو الدفاع عن مصلحة البلدان ليس المنتجة للبترول بل المالكة له بأراضيها لأن الإنتاج هنا يعني استعمال الحكومات لوسائلها الخاصة بها لاستخراجه وتسويقه· بالنسبة للجزائر كانت فرنسا لا تزال تحتلها عندما ظهرت منظمة أوبك وكانت كل حقول البلاد تحت سيطرة الإستعمار·
بما أن فرنسا كانت تعتقد جازمة بأن الجزائر جزء لا يتجزأ منها، وبما أنها كانت تسيطر على الجزائر، لماذا لم تنظم إلى أوبك، وتحاول وبالتالي السيطرة على المنظمة وتكون بمثابة عين ويد الغرب داخلها؟
بالنظر لطبيعة وأنظمة الدول التي بادرت بإنشاء أوبك ومواقفها من القضية الجزائرية وعلى رأسها السعودية والعراق وبدرجة أقل إيران وفينيزويلا آنذاك، لم يكن الطموح الجيوسياسي مشجعا على مجرد تفكير فرنسا في ذلك، لم يكن اهتمامها ينصب على هذا، لكن بعد الاستقلال قامت الجزائر برسم خطة قبل الانضمام إلى هذه المنظمة وكانت خطة مختلفة تماما عن تلك الموجودة في دول المنظمة، وهي الشروع في عملية استرجاع كامل السيادة على الجزائر وحقول البترول، وتكوين إطارات في المجال من أجل جعل اليد العاملة جزائرية خالصة من البداية، الفنية والتقنية، إلى غاية تسيير سياسات التسويق إلى الخارج إذ كنا سادة نظريا وأجانب في حقولنا· أنا شخصيا عملت في وزارة الطاقة كمدير مركزي للطاقة ولم أكن سيدا رغم أنني كنت أمثل بلدا يظهر كذلك داخل حدوده، وبالتالي انصب العمل على تكريس الوسائل المادية والبشرية المحلية لتكريس سيادته على ثرواته·
في ماذا تمثلت ميكانيزمات هذا التوجه مثلا؟
على سبيل المثال قام الرئيس أحمد بن بلة بإنشاء مركز وطني للتكوين في مجال المحروقات، وبعد الاستقلال تم تأسيس سوناطراك كجهاز وطني يتمتع بالإستقلالية لإدارة شؤون الطاقة، وتعويض الشركات الاجنبية·
من صاحب فكرة إنشاء سوناطراك في الدولة الجزائرية المستقلة؟
كنا مجموعة قليلة تلك التي بادرت بطرح الفكرة وبصفتي مديرا في الوزارة كنت ضمن الفريق (لا أريد تسمية الأشخاص) الذي ضم خمسة أو ستة أفراد، وقمنا بتحرير القانون الذي يسمح بإنشاء سوناطراك، ونحن من سماها سوناطراك أو بالأحرى الجزائر هي التي سمتها سوناطراك· والخطة التي اخترناها هي توفير الوسائل البشرية والمادية والتجربة، ثم الوسائل المؤسساتية ومن الفترة الممتدة من 61 إلى غاية ,71 كل العمليات التي بادرنا بها كان الهدف منها تأميم ثروات البلاد·
ما هي جنسيات الشركات الأجنبية البارزة التي كانت تستغل بترول الجزائر إلى جانب الشركات الفرنسية؟
أبرزها وهو الأهم وليس جنسياتها، كانت ”ألف” الفرنسية هي الرائدة، وكانت بمثابة سوناطراك فرنسا· فعند مجيء ديغول إلى الحكم أول ما قام به على الصعيد الاقتصادي هو تأميم الشركات التي لها علاقة سيادة بفرنسا، ومنها هذه الشركة وشركة السكك الحديدية وشركة الكهرباء· فرنسا في ذلك الوقت كانت غائبة عن الساحة الدولية وكانت موجودة فقط في الشرق الأوسط عن طريق شركة CFPلأنها بدأت تصمم خطة غداة الحرب العالمية الأولى حيث عرف العالم استخدام البترول لأول مرة في التاريخ، وترآت له الأهمية الاستراتيجية لهذه المادة· الحرب العالمية الثانية جعلت الذهب الأسود يبرز اكثر كمعطى ومدلول موازين قوة اقتصادية بين دول العالم، وظهرت الولايات المتحدة الأمريكية كأول منتج تاريخي لهذه المادة، وكانت أيضا المبادرة بتأسيس شركات متخصصة في هذا المجال وبعدها مباشرة جاء الاتحاد السوفياتي، ولكن الشركات الدولية الأولى كانت هي الشركات الأمريكية، أما الشركات التي كانت تلعب دورا سياسيا من خلال إنتاج بلادها هي بريطانيا· وكان هدف الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط منذ 1945 هو بسط نفوذها على شبه الجزيرة العربية لما كانت تعلمه عن وفرة البترول، وهو ما جعل الولايات المتحدة الأمريكية تحت قيادة الرئيس روزفلت توقع اتفاقا مع عبد العزيز آل سعود، إتفاق الشراكة الاستراتيجي هذا عمره 50 سنة باطنه أن تكون المملكة العربية السعودية أرضا فيها الأفضلية مع بعض الخصوصيات لأمريكا فقط· أما فرنسا، فكانت كما قلت تهدف إلى تأسيس سيادة أوسع من خلال إنشاء إمبراطورية بترولية من الجزائر وكانت ”توتال” رأس تلك الإمبراطورية التي حرص ديغول على جعلها قوية أمام العالم رغم أن ”توتال” لم تكن تملك الدولة الفرنسية من إسهمها إلا 51 بالمائة، ويشترك معها المتعامل الخاص ”توتال”، وكان الهدف المشترك بينهما السيطرة على الشرق الأوسط· وفي ظل هذه المعطيات كانت الجزائر تكوّن الإطارات بالآلاف في المحروقات من خلال إرسال بعثات إلى مختلف دول العالم والإتحاد السوفياتي· وبعد تقييم شركة سوناطراك والتأكد من أنها أصبحت تأخذ شكل الشركة الحقيقية بكل المقومات والمميزات، وبعد معرفة حجم الإمكانات الجزائرية في مجال المحروقات قررنا الانضمام إلى منظمة ”أوبك”·
قلت أنك مباشرة بعد الإستقلال، أنت كمدير ومعك وزير الطاقة، لم تكونا تتمتعا بالسيادة إلا على الورق، هل توضح هذه النقطة؟
فرنسا كانت لا تزال تشرف على كل شيء من التنقيب إلى التسويق، وكانت هي صاحبة القرار ورسم السياسة البترولية، وهو ما جعل التأميم أولوية الأولويات للحكومة بعد خروج فرنسا، لكن وبالرغم من ذلك كان التأميم في سنة 71 بنسبة 51 بالمائة فقط، وكانت لدينا حصص أخرى مع الشركات الأجنبية فيما تبقى من النسبة لكنها كانت ضئيلة مقارنة بالنسب الأخرى· كانت مضامين مفاوضات إيفيان خاصة المتعلقة بالشق الاقتصادي، تدفعنا منذ السنة الأولى بعد الإستقلال إلى إعادة التفاوض حولها مع فرنسا· وكان أول اتفاق أعيد فيه النظر في جويلية 65 أي مباشرة بعد الانقلاب·

هل كان الكولونيل بومدين ضمن الفريق الذي بادر بفكرة إعادة النظر في اتفاقيات مفاوضات إيفيان؟
لا إطلاقا، كان وزيرا للدفاع ولم يكن هذا من صلاحياته، فإعادة النظر في المفاوضات كانت تحت إشراف الرئيس أحمد بن بلة، وهو صاحب توقيع المرسوم المنشئ لسوناطراك ومركز تكوين إطارات المحروقات، وفي عهده كان المشرف المباشر على المفاوضات هي المؤسسات يمثلها وفد يرأسه بلعيد عبد السلام كمستشار بن بلة الخاص، وكان يكبرنا في ذلك الوقت من حيث الخبرة السياسية·
ما هو طموح الجزائر في الأوبك؟
أريد لمنظمة الدول المصدرة للنفط بعد استقلال الجزائر أن تكون منظمة للدفاع عن الدول التي تملك الثروة ولا تملك القوة السياسية، واُريد لها أن تتحول إلى منظمة تعاون فيما بين الدول الأعضاء، بما فيها الجزائر التي انضمت بعد سبع سنوات من استقلالها إذ كانت نتائج حرب أكتوبر 73 من بين العوامل التي وجهت التفكير في هذا الاتجاه داخل أوبك، ومن بين مظاهر ذلك التفكير مبادرة الجزائر باستدعاء الجمعية العامة للأمم المتحدة في 74 من أجل نظام اقتصادي عالمي جديد يتميز بالتوازن، وقادت الجزائر طرحا مفاده أن بيع بترول الدول المنتجة سيكون في إطار تعاون دولي وليس تجاري بحت ويأخذ بعين الاعتبار الدول الفقيرة وكانت في هذه الفترة منظمة أوبك جد مستهدفة بسبب اتهامها من طرف الدول العظمى بتوجيه أسعار البترول ولكن الدول الأعضاء دافعت عنها وتم اقتراح تخصيص 20 مليار دولار من أجل إحداث التوازن في العالم بين الدول الغنية والفقيرة· واختارت الدول الغنية أسلوب المواجهة ردا على إنشاء أوبك والمطالبة بنظام اقتصادي دولي جديد وتم إنشاء الوكالة الدولية للطاقة، بفكرة من اقتراح كيسنجر·
عربيا كان الملف البارز هو الملف العراقي السعودي، إذ سعى عراق صدام حسين لأخذ مكانة السعودية كشريك إستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، ، أما الجزائر فاختارت أسلوب التعاون والتشاور بدل التموقع في الصراع ومحاولة تقريب وجهات النظر بقيادة بومدين·
يقول عنه البعض بأنه كان استبداديا في الرأي عندما يتعلق الأمر بقضايا مصيرية؟
أبدا·· بومدين كانت له إمكانيات إستثنائية في فن الاستماع لآراء المحيطين به من إطارات، كان يمارس الاستماع إلى من حوله، كإستراتيجية عمل· وكان يتابع بأدق التفاصيل السياسة البترولية إلى غاية وفاته، وكانت قراراته تتخذ بعد مشاورة جماعية في اجتماعات عادة لا تنتهي إلا بعد أيام طويلة عندما يتعلق الأمر بقضايا هامة· كانت من أهم ميزاته في مجلس الوزراء الإستماع·
اليوم كيف ترى الجزائر داخل المنظمة من حيث قوة التأثير؟
الأمر يجب أن يطرح بشكل عام وليس في المنظمة فقط، فقوة أي دولة على الساحة الدولية ليست هدية تُمنح، بل تنبع من قوتها الداخلية وليس فقط المالية، وتأتي القوة أيضا من احترام الآخرين لك في الخارج، وهؤلاء لا يحترمونك إلا إذا لاحظوا أن لديك إمكانيات، وأنه باستطاعتك أن تثنع هيبة واحتراما لنفسك· فالدول الاسكندنافية مثلا صغيرة لكنها قوية وكذلك بلجيكا، لأن بهذه البلدان يوجد حكم راشد ويحترمون حقوق الانسان، وهي دول لها تأثير أكبر من حجمها، أما الجزائر فلديها قوة تأثير أقل بكثير عن طاقتها·
تحدثت عن الاحترام، كيف هي الجزائر الآن في نظرك خارجيا، بعد فضيحة سوناطراك؟
أولا، لا نعرف تفاصيل القضية ومضمونها، وأنا هنا عندما أقول ما هو مضمون القضية أقصد المضمون الحقيقي وليس ما جاء في الصحافة· في كل الحالات، مهما كانت المجتمعات سواء أمريكية أو أوروبية أو من أي جهة أخرى، فإنها تؤثر وتتأثر، وسوناطراك مؤسسة لها سمعة عالمية، إلى درجة أن هناك أناسا في الخارج يعرفونني كمدير عام سابق لسوناطراك وليس كوزير سابق في الحكومة أو رئيس حكومة سابق، وهذا دليل عل مكانتها الدولية، فما جرى في سوناطراك ليس إشهارا جميلا لها وللجزائر· أكثر من ذلك أستطيع القول أنني متفاجئ للصدمة التي خلفتها هذه الفضائح داخل الجزائر على اختلاف مستوياتها الشعبية والمسؤولة، وكأن هذا اكتشاف· فما حدث في سوناطراك واقع منذ 20 سنة والأمور لم تحدث منذ ,99 بل زادت حدتها في ,99 وبدأت توحي بانزلاقات بعد رحيل الرئيس هواري بومدين·
إذن، هذا الكلام يبرر ما كان يدور حول سوناطراك، ومنه ما لم يكن مؤكدا كبيع براميل بترول في عرض المياه دون أن تعود مداخيلها إلى الخزينة؟
منذ 20 سنة وأنا أعرف أن هناك أمورا تحدث، خاصة في مسألة كيفية العمل وسياسة العمل ومسألة منح المشاريع وإبرام الصفقات، وأقول هذا خارج التحقيق الجاري في هذه الفترة، وكل من يعروف المنظومة الخاصة بالمحروقات يعلم أشياء عن الفضائح وما يحدث داخل سوناطراك منذ مدة طويلة، ولهذا قلت أنا متفاجئ للصدمة التي خلفتها القضية لدى الرأي العام، فالسلطة ليس عليها أن تظهر متفاجئة بذلك وإلا يصبح الأمر مريبا ويعزز الشكوك حولها، لأنه كما قلت المنظومة على علم بما كان يجري، وبالتالي السلطة أيضا على علم·
تدفعني لأسألك عما إذا كنت تعتقد بأن الملف كان يراد له أن يخرج في هذا التوقيت ولهدف محدد؟
أظن أن الأمر ليس بهذا الأسلوب المباشر والعاري، وقد تعود المسألة إلى أن مجرد بعض المسؤولين رأوا أن الأمور وصلت إلى درجة لا تطاق من الانحرافات وآثروا أن يتحركوا ولا يبقوا مكتوفي الأيدي والتجاوزات تحدث أمام أعينهم، أو أن يكون هناك أشخاصا في السلطة رأوا أن الأمور أصبحت خطيرة وستشملهم النتائج السلبية أو قد شملتهم فعلا، ورأوا أنه يجب عليهم التحرك، ولكن أن تكون تخريجة قضية سوناطراك في إطار صراع بين مؤسستين في الدولة، فهذا ما لا أعتقده بتاتا·
لماذا؟
لأن هذا الأسلوب يتم اعتماده لتحويل الأنظار والنقاش عن الأسباب الحقيقية التي تعفنت بها الأوضاع داخل سوناطراك· والجهات التي فجرت الفضيحة لا تستطيع نفي أنها لم تكن على علم بما يجري· وما يجب لفت النظر إليه أن هول الواقع دفع الناس إلى كشفه وبذلك قد تكون الفضيحة رد فعل دفاعي، ولكن هذا ليس الاحتمال الوحيد، الإحتمالات الأخرى تتلخص فيما هو سائد في ظل النظام الحالي من سياسات، مثلا كأن يقوم النظام في بعض الأحيان بالظهور أمام الرأي العام بأنه يدافع عن ثروات الأمة ومصالحها، لكي يزيل الصورة التي تكلست عنه عند العامة ويكسب جرعة أكسجين·
إذا كان البعض يعتبر هذا تسييرا للفساد، فقد يعتبره البعض الآخر مكافحة للفساد مهما كانت الخلفيات؟
ليس هكذا تتم مكافحة الفساد· ليس بذبح كباش الفدى، وهذا ينطبق على قضية الخليفة أيضا، مكافحة الفساد تتطلب برنامجا مسطرا عالي الصرامة وليس عن طريق حملات تظهر من حين لآخر والتي تبحث دائما من خلال سير الأمور عن ضحية لإغلاق الملف· الفساد لا يزال موجودا، وهناك الوسائل التي تسمح بمكافحته، ولا أؤمن بالوسائل والطرق المعتمدة في ذلك حاليا· المغرب مثلنا قام بتجريب نفس الطريقة في عهد الحسن الثاني حيث أطلق حملة كبيرة لمكافحة الفساد لكنها عندما تحولت إلى تصفية حسابات، أصبحوا ملزمين بتوقيفها·

غزالي·· أو عندما تصدح آبار النفط الجزائري بأسرارها
البترول هو ذلك السائل الأسود الذي لوّن بلونه كل سياسات الدول في العالم، وفرض الطبقية بين الحكومات عبر أصقاع الأرض وشطرها إلى قوية وضعيفة· بل بالبترول قامت واندثرت حكومات، حتى خطفت هذه المادة من المعدن النفيس الأصفر، اسمه الذهبي رغم أن الصفار والسواد لا يلتقيان· البترول سمح لرجال بأن يطفو من تحته إلى سطحه، منهم من خرج من أعماقه القاتمة سالمين ومنهم من أكلته ملفاته· سيد أحمد غزالي هو أحد أولئك الناجين من الأمواج الزيتية المظلمة الذين ظلوا يسبحون في بحرها اللجّي نصف أعمارهم · كان مديرا عاما لسوناطراك 13 سنة بأكملها، كما تقلد قبلها وبعدها العديد من المناصب في مجال الطاقة والصناعات التكنولوجية لسنوات قد تكون الكامنة وراء اشتعال رأسه شيبا، أدناها مستشارا في الوزارة وأعلاها وزيرا للطاقة، كما كان في حكومة قاصدي مرباح وزيرا للمالية، حيث كانت ولا تزال مداخيل النفط من أهم المصادر التي تملأ خزائنها، وغادر أجهزة الدولة ”برتبة” رئيس حكومة·· فمن غير غزالي الذي يعرف سوناطراك وقطاع المحروقات أكثر منه من الجانب التاريخي والاستراتيجي؟ لهذه الأسباب يُعتبر كلام هذا الرجل ذا ثقل خاص عندما يشرع في تشريح جسد سوناطراك وسياسة الطاقة في الجزائر· وإذا كان الفرنسيون قد أسموه السيد فراشة، فإن ما هو غير معروف عن الرجل، أنه رجل يزن حقولا من البترول عند كبار التخصص عبر العالم، لذا عندما يقول بأن فضيحة سوناطراك مست بسمعة الجزائر، فإن ذلك يعني بأن أجراس الطوارئ لابد لها من أن تصدح، إيذانا بمهمة دولة، موضوعها ”اعادة الاعتبار”· هذا الاعتقاد السائد عند غزالي يتطلب مراجعة جذرية للسياسة الطاقوية في الجزائر وإصلاح منظومة المحروقات والهرولة لاستدراك الأخطاء من أجل المحافظة على إرث الأجداد للأجيال· في الحوار الذي جمعنا به يقف الرجل على الأخطاء المتعمدة والآراء غير السديدة التي ارتكبها ”رجال الجزائر” في السياسة النفطية للبلاد· غزالي الذي يعيب على النظام الذي صنعه، رفض هذا الأخير للرجال الذين يختلفون معه في يوم ما حول قضية ما، أصبح رجلا ينعي تاريخه من ورائه، إذ انطفأت كل الطموحات السياسية لديه، لكن لا يزال خزانا ينضح بالأفكار·· وهو من النادرين الذين لا يضمرون حقدا للحكام الذين سبقوه أو الذين أعقبوه، فإنه من دعاة أن تكف أيادي مدعي المعارضة غير المؤسسة على الجزائر·· هذه ”الوسطية السياسية” من شأنها أن تضفي على نظرات وتحليلات الرجل كثيرا من المصداقية إن لم تكن معظمها·
سيد أحمد غزالي في تواريـــــــخ
:1964-1961- مستشار مكلف بالطاقة بوزارة الإقتصاد·-عضو مجلس إدارة الهيئة الجزائرية الفرنسية المكلفة بالصحراء·
:1965- مدير المناجم والوقود بوزارة الصناعة والطاقة·
:1979 -1966- مدير عام سوناطراك·
:1979 -1977- وزير الطاقة والصناعات البتروكيماوية·
:1979- وزير الري·
:1988 -1984- سفير الجزائر ببروكسل لدى ”بلجيكا، هولندا، لوكسمبرغ” وكذا لدى الإتحاد الأوروبي·
نوفمبر :1988- وزير المالية·
05 سبتمبر :1989- وزير الشؤون الخارجية·
جوان:1991- رئيس حكومة·
خلال سنة :1991- نظم أول انتخابات تشريعية تعددية·

http://www.djazairnews.info/dialogue/49-2009-03-26-18-36-48/19772——-20–.html

كلمات مفتاحية