تاريخ سياسة

الجزائر: مراهنة على الزمن لكشف خفايا سنوات الرصاص

بعد سبعة عشر عاما، من إلغاء الانتخابات البرلمانية التي فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة، والعنف الأعمى الذي صاحب إلغاء الانتخابات، تحصي الجزائر حوالي ثمانية آلاف مفقود، لا زال أهلهم يبحثون عنهم أو عن قبورهم
ترفض فاطمة محالي موقف السلطات الجزائرية من قضية إختفاء والدها، لأنها لم تجد قبره أو جثته، بعد أن اختفى من البيت عام 98، و تضيف فاطمة في تصريح خاص لدويتشه فيله: ” لقد أخذت الشرطة والدي عام 98 و لم يعد إلى البيت، و لدينا أدلة على وفاته في السجن، لكننا لا نقبل أن يطوى ملف والدنا لأننا نريد أن نتأكد من وفاته عبر التعرف على قبره أو جثته”.

جزائرية تتعقب أثر والدها المفقود منذ إثني عشر عاما

و تعمل فاطمة، كسكرتيرة في جمعية SOS للبحث عن المفقودين إبان الأزمة الجزائرية، و توجد صورة والدها على جدران الجمعية، مع صور آلاف المفقودين الآخرين و غالبيتهم من الرجال، و ممن ينتمون إلى التيار الإسلامي.

غير أن فاروق قسنطيني، رئيس اللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان، لا يتفق مع وجهة نظر فاطمة، ويؤكد لدويتشه فيله: ” لاشك في أن تجاوزات كثيرة قد سجلت أثناء الأزمة التي ألمت بالبلاد، و أنا اشعر بآلام العائلات، لكن المنطق يقتضي بأن ننظر إلى الأمور بواقعية، و أن لا نستمر في منطق من فعل ماذا؟”.

و يضيف قسنطيني: ” لقد اعترفت الدولة بوقوع أخطاء، وهاهي الآن تعوض كل عائلات المفقودين ماديا، و ينظر القضاة في وضعيات الأرامل و العائلات حتى تسوى المسائل المتعلقة بالعدة والميراث، ولا يمكننا الاستمرار في البحث إلى ما لا نهاية، لأن المهمة مستحيلة، لذا لا يمكن إلا اعتبار ملف المفقودين مغلقا نهائيا “.

تعويض المتضررين ومنعهم من التعبير

محمد محالي مفقود وتقول أسرته أنه توفي في السجن

و في نفس سياق منطق الطي النهائي لملف المفقودين من قبل الحكومة الجزائرية، منحت قوات الأمن، صلاحية منع أي تجمع لعائلات الضحايا، أمام مقر اللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان، أو في أي شارع من شوارع العاصمة الجزائرية، و في المقابل، فتحت البلديات أبوابها مثل بلدية باب الوادي وسط العاصمة، كي توقع عائلات المفقودين على وثائق تسلم التعويضات المادية، التي تتراوح ما بين أربعة آلاف و تسعة عشر ألف يورو، حسب الحالة.

إلا أن الرابطة الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان، قد رفضت جملة و تفصيلا، قرار الحكومة الجزائرية منع تجمع العائلات للاحتجاج، و اعتبرته محاولة من السلطات الجزائرية لطي هذا الملف نهائيا، ويضيف عبد المؤمن خليل، الناطق باسم الرابطة الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان، في تصريح خاص لدويتشه فيله: “لهذه التجمعات دلالة كبيرة بالنسبة لعائلات المفقودين و بالخصوص أمهات و زوجات الضحايا اللواتي يجتمعن أمام مقر اللجنة الوطنية لترقية وحماية حقوق الإنسان منذ أكثر من 12 سنة طالبات كشف الحقيقة و إصدار العدالة حول مصير ذويهن”.

وأوضح خليل أن “العائلات لم تجد سبيلها وحقوقها في إطار ما يسمى “ميثاق السلم و المصالحة الوطنية” الذي جاء ليس لحل ملف المفقودين حسب المعايير الدولية، أي قواعد: الحقيقة، ثم العدالة و في الأخير التعويض المادي و المعنوي، وإنما لطي صفحات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان على حساب العدالة و الضحايا.”

الزمن كفيل برأب الصدع

عبد المنعم خليل يوضح خطة الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان للتحرك في قضية المفقودين

و يبدو أن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، مصمم على موقفه بعدم الجمع بين الجلاد والضحية، حتى لو كان الجلاد إسلاميا والضحية عائلة من عائلات قوات الأمن، التي قتل أحد أفرادها جماعة إسلامية مسلحة، و يأتي إصرار الرئيس الجزائري منذ تسلمه مقاليد الرئاسة عام 99 من القرن الماضي.

وتستند رغبة الرئيس بوتفليقة في طي الصفحة، الى الرغبة في دفن الأحقاد و عدم إخراج الضغينة، وهو ما أكده في خطب عديدة ألقاها في السنوات العشر الماضية، إلا أن هذا المنطق يصعب تمريره على عائلات المفقودين، التي و إن قبل بعضها بالتعويض، إلا أن بعضها الآخر قد رفضه لأنه لم يجد جثة فقيده، أو لأن خطأ ما ورد في الوثائق الرسمية التي تفيد بوفاة المفقود.

حيث تؤكد فاطمة محالي أن:” الكثير من العائلات ترفض تسلم التعويض، لأن عريضة الوفاة، مكتوب عليها أن الابن أو الزوج أو الأخ، قد مات في اشتباك مع قوات الأمن، في حين أن هذه العائلات قد شهدت أخذ فقيدها من باب المنزل، ما يعني المزيد من المشاكل البيروقراطية لإثبات عكس ما يوجد في الوثائق،رغم أنني أشك في إمكانية تغيير أي شيء فيها “.

و يقول عبد المؤمن خليل، المتحدث بإسم الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان: ” إن رغبة وعزيمة العائلات بالتمسك بمطالبها المشروعة والدعم الذي تتلقاه من قبل الحركة الحقوقية بصفة عامة والرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان بوجه خاص، تجعلها تصمد في وجه السلطة وتحافظ على ذاكرة و كرامة الضحايا المختطفين قسرا”.

و يبدو أن الحكومة الجزائرية، أقوى الطرفين في الوقت الحالي، و بإمكانها منع التظاهر، و عرض التعويض كحل لا بديل عنه لطي الملف، إلا أن مراقبين كثيرين يرون أن السنوات القادمة كفيلة، بإظهار موقف ألين من قبل الحكومة الجزائرية، كي تعرف أماكن الدفن للكثير من عائلات المفقودين، تماما كما حدث في المغرب بعد ثلاثين عاما مما يعرف بسنوات الجمر في عهد الملك الراحل الحسن الثاني.

أرشيف بالفيديو لآلاف المفقودين الجزائريين إبان سنوات العنف

حيث شهد المغرب إنتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وتم في عام 2005 تشكيل لجنة وطنية للإنصاف والمصالحة، وتقرر تقديم تعويضات لآلاف الضحايا وإعادة إدماجهم.

ويرى المراقبون في سلوك الحكومتين الجزائرية و المغربية منحى يستبعد النهج الذي اتبع مثلا في جنوب افريقيا لتسوية الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، إذ يعتقد المسؤولون في الجزائر كما في المغرب بأن التقاليد الاجتماعية للبلد لا يمكنها أن تسمح بلقاء الضحية و الجلاد، أي بخلاف ما حدث في جنوب إفريقيا بعد نهاية نظام الفصل العنصري عام 98 من القرن الماضي.

عبد الستار بدر الدين / الجزائر

مراجعة: منصف السليمي

http://www.dw-world.de/dw/article/9799/0,,6041400,00.html

تعليق واحد

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق

  • المفقودون في الجزائر: لا للنسيان، لا للخداع

    جمعية عائلات المفقودين قسرا – قسنطينة
    التنسيقية الوطنيه لعائلات المفقودين
    جمعية مشعل لأبناء المفقودين – جيجل
    Association des Familles des Disparus
    (A.F.D.F.C) ( C.N.F.D ) ( A.M.D.E.J )
    المفقودون في الجزائر:
    لا للنسيان، لا للخداع!
    يصادف يومنا هذا، الأربعاء 29 سبتمبر 2010، ذكرى مرور خمس سنوات منذ تاريخ اعتماد « ميثاق السلم والمصالحة الوطنية ». لقد تم صياغة نص هذا الميثاق في سرية تامة وفي غياب كامل لأي نقاش وطني حول قضية حساسة، بالغة الأهمية بالنسبة للشعب
    الجزائري، حيث تم الموافقة على هذا الميثاق في أعقاب عملية استفتاء مزيفة، أرغم فيها المواطن الجزائري على التصويت بـ « نعم » أو « لا » لصالح السلام في الجزائر أو ضده، ولم يقم هذا الميثاق في نهاية المطاف، سوى بتكريس الإفلات من العقاب ومنح العفو، والارتقاء بمرتكبي الجرائم ضد الإنسانية إلى مكانة الأبطال الوطنيين وفي الوقت ذاته، واصل هذا الميثاق تجريم الضحايا وأسرهم الذين يجرؤون على التشكيك في الرواية الرسمية، وتهديدهم بأشد العقوبات.
    إن هذا الميثاق بقدر ما هو غير أخلاقي فإنه يتناقض وأحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان، كما تجدر الإشارة إلى أن لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، قد ذكرت مرة أخرى بأنه « لا يحق للدولة الجزائرية الاحتجاج أمامها بنصوص هذا الميثاق » وأنه من واجب هذه الدولة « إجراء تحقيقات شاملة في الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان، وخاصة ما يتعلق منها بحالات الاختفاء القسري
    والقيام أيضا إقامة دعاوى جنائية ضد أي شخص يزعم أنه مسؤول عن هذه الانتهاكات.
    وبهذه المناسبة، تجدد أسر المفقودين تأكيدها على حقها في معرفة الحقيقة كاملة حول مصير أقاربها، ولن يستطيع أي قانون ظالم أو أية إجراءات قمعية مهما كانت شراستها، دفعها إلى التنازل عن هذا الحق المشروع. وبعد تعرضها لقمع وحشي في الجزائر، وتجاهلها من قبل اللجنة الوطنية الاستشارية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان ومن رئيسها، فاروق قسنطيني، الذي صرح مؤخرا بأنه « قد تم غلق ملف المفقودين »، بما ينتهك الحقوق الأساسية للضحايا وأقاربهم، أعلنت هذه العائلات أنه ما من شيء يستطيع كسر عزيمتها، وأنها ستواصل نضالها الدؤوب، وهي توجه بهذا المناسبة نداءها إلى جميع مؤيدي حقوق الإنسان لدعم نضالها من أجل الحقيقة والعدالة.
    تضامنا مع جمعيات عائلات المفقودين
    – التنسيقية الوطنية لعائلات المفقودين
    – جمعية المفقودين لقسنطينة
    – جمعية مشعل لأبناء المفقودين