سياسة

في الجزائر “الباركينغ “بالقزّول .. ادفع أو ارحل

” الشروق ” تمشّط حظائر السيارات وتستطلع رأي ” الضحايا ”
2010.11.26 تحقيق / بلقاسم عجاج

بطالون لا ينامون الليل وآخرون يستخدمون ” القزول ” ويفرضون ” غرامات ” خارج القانون

التذاكر ‬من دون ختم الضرائب غير قانونية والأمن يحضّر لمطاردة الحراس المحتالين

شباب يتراوح أعمارهم ما بين 18 و30 سنة أو يفوق، احتلوا كل المساحات الشاغرة وجعلوها “ملكية خاصة” واستولوا على شوارع الطرقات، وحولوها إلى حظائر فوضوية “باركينغ” غير شرعي، ببلديات يرتادها أصحاب السيارات من خارج الإقليم بغرض ركن مركباتهم

وحيثما حل صاحب السيارة يجد نفسه مضطرا تحت تهديد “القزول”، إلى دفع مبلغ مالي يتراوح ما بين 30 إلى 50 دينارا ويصل أحيانا 100 دينار، حسب أهمية الموقع، حتى وإن كان الأمر يتعلق بركن سيارتك لمجرد نصف ساعة من الزمن، في ظل غياب سلطة رقابية تضع حدا نهائيا لانتشار الحظائر العشوائية للسيارات .
هذه الظاهرة الغريبة والتي أثارت غضب المواطنين، احتلت حيزا كبيرا في نقاش المجالس المحلية البلدية والولائية، من أجل إيجاد حل لهذه المعضلة وطريقة مثلى لتسيير حظائر السيارات، حيث أن تقنين نشاط الحظائر يضمن سلامة الزبون والحارس في نفس الوقت، من خلال صدريات مرقمة وبلون متميز، وهو ما ينتظر التفعيل ميدانيا من خلال تطبيق المنشور الوزاري المنظم لمهنة حراس الحظائر الصادر، بتاريخ 25 أكتوبر 2005، حيث ينص على أن تكوين ملف يتطلب من المعني دفع ما قيمته 2 مليون سنتيم للموثق لتسجيل الشراكة بين عدة أطراف في تعاونية لحراسة الحظيرة .

السائقون مخيّرون بين دفع الضريبة أو تخريب سياراتهم
في جولات استطلاعية لـ “الشروق”، تبين أن ولايات الوسط الأكثر عرضة لهذه الظاهرة، والتي طغت خاصة على البلديات ذات الطابع السياحي أو التجاري على غرار بلدية باش جراح، بومعطي، الحميز وغيرها من بلديات العاصمة، بالإضافة إلى الحطاطبة، عين تاقورايت والدواودة البحرية بتيبازة، وكل من بودواو، قورصو وعاصمة الولاية بومرداس، حيث أن ذات البلديات تمتلك مطاعم عائلية أو أسواقا شعبية أو مراكز تجارية أو معالم سياحية .
ويقوم “أصحاب” الحظائر المدججين في بعض الأحيان بالعصي والهراوات بابتزاز سائقي السيارات، لتخويفهم بطلب دفع مبلغ يتراوح ما بين 30 إلى 50 دينارا، وتقول السيدة فضيلة موظفة “إن دفع ضريبة التوقف يكون بالرضا أو تحت الابتزاز”، وتضيف “وفي حالة الرفض فإن سيارتك ستتعرض للسرقة أو التخريب”. وشجعت الأموال المعتبرة التي تدرها حظائر السيارات الفوضوية، على استفحال الظاهرة في ظل غياب قوانين صارمة تقنن هذه المهنة، ولم يسلم مستشفى مصطفى باشا الجامعي، هو الآخر، من الظاهرة بعدما حوّلت مساحاته إلى حظيرة تزاحم حتى عائلات المرضى من زيارة ذويهم .
وسجلت بالعاصمة عشرات وقد تفوق المائة حظيرة عشوائية منها 22 حظيرة بسيدي أمحمد وأكثر من 10 حظائر بحسين داي وأزيد من 5 حظائر عشوائية ببلدية القبة، وهي عينة عن حالات مشابهة بباقي البلديات، وعن بلدية باش جراح بالعاصمة التي تمتلك ثلاث حظائر رئيسية وأخرى عشوائية، قال عنها بوزيد صحراوي، رئيس المجلس الشعبي البلدي، في تصريح لـ “الشروق” إنه، منذ ثلاث سنوات، لم يمنح ترخيصا لتسيير حظائر بتراب البلدية، موضحا أنه ضد فكرة ما يسمى بـ “الباركينغ” في الطرقات والشوارع، موضحا أنه يوجد ثلاث حظائر فقط بالبلدية تسير بصفة رسمية.

حظيرة بلا تذاكر مؤشرة من قبل الضرائب غير قانونية
وأفادت، السيدة بوناب سعيدة، رئيسة بلدية القبة أن معظم الحظائر فوضوية، حيث يحتل شباب معين الشارع ويقوم بمهمة الحراسة من دون ترخيص، أو التقدم من مصالح البلدية لتحديد هويتهم وتسجيل أسمائهم، وأكدت أن تعليمة أرسلتها مصالح الولاية، مؤخرا، تخص جرد الحظائر وتحديد مواقع الركن الممكنة .
وبولاية تيبازة تعتبر بلدية الحطاطبة الأكثر توافدا للسيارات والمركبات بحكم وجود سوق الجملة للخضر والفواكه، وعليه، صرح لنا، محمد رفي، رئيس بلدية الحطاطبة بأن المدخل الشمالي لسوق الجملة، وطريق موزاية على مستوى ملتقى الطرق، تمت مداولته مؤخرا، في جلسة عمل، لتحديد حق الكراء، من خلال معرفة المعدل اليومي للسيارات، موضحا أن البلدية ربما ستحدد 25 دينارا لصالحها بخصم حقوق عمال الضرائب، موضحا أنه يجب معرفة هوية الحراس، مضيفا أن الحظيرة في الخارج ومختلف أماكن التوقف العمومي لم تكن البلدية تأخذ عليها مستحقات.
وبولاية بومرداس التي تضم 31 بلدية وتستقطب يوميا آلاف المواطنين، بعدما أضحت قطبا سياحيا وصناعيا هاما، نجد أن الشوارع الأكثر تضررا، حي 800 مسكن وكذا وسط المدينة وبالضبط الحظيرة الواقعة قبالة ثانوية محمد العيد آل خليفة. وتتجسد الظاهرة بكل معانيها على مستوى الشارع الرئيسي لحي علي لية، حيث يستغل الشباب توافد الزائرين لمطاعم شواء الدجاج رفقة عائلاتهم، بالأخص ليلا ما بين المغرب والعشاء أين تكثر الحركة، ويفرضون عليهم غرامات في حدود 50 دينارا عن كل توقف ربما يكون لساعة أو أقل أحيانا.
أما ببلدية قورصو على مستوى الشاطئ فإن الدفع يقدر بـ 50 دينارا، وقد تعرض شخص الصائفة الماضية فقط، إلى تحطيم سيارته من نوع رونو كليو “دبزة” والضرب المتسبب في جروح خطيرة على مستوى الرأس، بسبب مناوشات ورفض الدفع، حسبما أفاد به شباب حضر الواقعة.

صفقات ” مشبوهة ” لكراء الحظائر الساحلية
وببلدية شاطئية أخرى بتيبازة وهي عين تاقورايت “برار” فإنها تشهد ممارسات غير قانونية في فتح حظائر عشوائية لتغطية ممارسات غير أخلاقية للأزواج “العشاق”، على مستوى الشاطئ، نبهت إليها “الشروق”، الصائفة الماضية. فبمجرد أن يحل السائح بسيارته في إحدى الشواطئ، يقابله مجموعة من الشباب ويطلبون منه دفع ثمن التوقف، ما بين 50 إلى 100 دينار، في أمكنة خارجة عن نطاق الحظائر المعتمدة، بدون تسليم أي وثيقة أو وصل يثبت استغلال تلك المساحات .
وأكد، علي راجف، رئيس البلدية، في تصريح معه، أن هناك شاطئ واحد فقط يتم كراءه في فصل الصيف للشباب، موضحا أن العديد يستغل شواطئ صخرية بصفة غير قانونية ويقومون بحراسة “الأزواج العشاق” مقابل أخذ مبالغ مالية، مؤكدا بأنهم أشعروا السلطات الأمنية والدرك للقيام بدوريات مراقبة، ” غير أن هؤلاء الشباب يفرون عبر الأحراش ” .
وأفاد رئيس بلدية الحطاطبة أن ظاهرة العصا في حراسة السيارات غير حضارية، مؤكدا أن الشباب المكلف بالحراسة يجب أن يكون لديه تذكرة ممضية من عند الضرائب للتأكد من أنها غير مزورة، وأفاد “مير” الحطاطبة أن موارد البلدية هي الأسواق والأماكن العمومية والمحلات التجارية، مؤكدا أنه ” لا يوجد قانون يسيّر حظائر السيارات في الجزائر، ولكن تسير البلدية أملاكها بالكراء ” .
وأفاد رئيس بلدية “برار” أن لجنة الأمن والمرور، اجتمعت وحددت أماكن التوقف حتى لا يكون عرقلة للمرور بالشارع الرئيسي، بالسماح على اليمين والمنع يسارا، مضيفا “لا يوجد حراس ولا أسمح لأحد بأن يأخذ مقابل مالي عن كل توقف لأصحاب السيارات، فالركن مجاني في البلدية ولا يوجد أحد بالعصا ” .
وفي غياب ملفات توضح هوية مستغلي الحظائر العشوائية، فإن بعض حراس الحظائر يقومون بسرقة أصحاب السيارات لإجبارهم على تقبل فكرة الحراسة، وفي حال تعرض السيارة إلى السرقة فإنه لا يوجد رقم تسجيل خاص يميز حارس الحظيرة، مما يسمح بتقديم شكوى لدى الجهات الأمنية، كما يلجأ هؤلاء الحراس بالتنسيق مع عصابات السرقة، وذلك بتسهيل مهمة سرقة السيارات وتقاسم الأموال معهم، وهو ما دفع بالمواطنين إلى اقتطاع مبلغ 400 دج أو 500 دج شهريا لتجنب السرقات بالنسبة لحظائر العمارات المحروسة ليلا، كما يقول عبد القادر من مفتاح بعمارات “أش أل أم” والذي قال إنه يدفع مبلغ 500 دينار شهريا رغم أنه مهاجر، فخلال وجوده بأرض الوطن يدفع إتاوة شهر واحد حتى ولو كان مقيما لمدة لا تفوق أسبوعين، ويفيد أن الحارس معروف وهو ابن إحدى عائلات الحي.
تقربنا من شباب باش جراح بالعاصمة، فقالوا لنا إن عملهم في حراسة الحظائر مرده غياب مناصب عمل، معتبرين أن حراسة “الباركينغ” مفرّ بديل عن اللجوء إلى السرقة والإدمان والانحراف، وأفاد شباب آخر من القاطنين بالقرب من الشواطئ الساحلية ممن يفضلون حراسة “الأزواج العشاق” أن مناقصات مشبوهة تتم لكراء حظائر بتواطؤ من مسؤولي بعض البلديات والجهات الوصية، قد يصل سعرها إلى مئات الملايين وتقتطع نسبة 10 بالمائة من مداخيل الحظائر لصالح البلديات المعنية، وهي مبالغ يعتبرون أنها فوق طاقتهم، فيما يعتبر رؤساء البلديات أن المساحات المستغلة من قبل الشباب بهدف تنظيم وضمان أمن السيارات مقابل مبلغ لا يتجاوز 50 دج يخص ركن السيارة فقط، مضيفين ” أما حراسة العشاق فهو غير قانوني ” .

الأمن يبحث عن لغز اختفاء السيارات من الحظائر العشوائية
فيما عبّر لنا حراس حظائر الذين التقيناهم بشوارع العاصمة، عن أملهم في تطبيق التعليمة الوزارية لتحديد إطار قانوني لنشاطهم، وتزويدهم بوثائق تثبت شرعيتهم كحراس، وقال مسؤول ببلدية سطوالي أن الحظائر الواقعة بإقليم البلدية، تم كراؤها عن طريق المزاد العلني، على غرار شواطئ ” كازيف ” والحظيرة التي بلغت قيمة كراءها 300 مليون سنتيم لموسم الاصطياف، وحظيرة شاطئ النخيل ” بالمبيتش ” قدرت قيمة كرائه بـ 132 مليون سنتيم و245 مليون سنتيم بالنسبة للشاطئ الأزرق .
وعلى مستوى بلدية الخروبة ببومرداس، أكد مسؤول محلي أن مصالح الأمن أوقفت أشخاصا يؤجرون حظيرة سوق الخروبة، وتبين أن المعنيين أصحاب نفوذ ويلجؤون إلى الحڤرة بإجبار السائقين على دفع 100 دينار أو التعرض للضرب بالهراوة.
تلقت مصالح الأمن تعليمات بضرورة متابعة حظائر السيارات العشوائية، بعد أن عجزت البلديات عن إيجاد حلول للمشاكل المترتبة عنها، وتسعى مصالح الأمن لمراقبة النشاط، وإحصاء عدد الحظائر الفوضوية بالعاصمة والضواحي، حيث أن لغز سرقة السيارات يبقى قائما في ظل وجود حارس وحيد، وغياب تعاونية تضمن معايير الأمن داخل الحظائر .
وأفاد مصدر أمني من ولاية البليدة أن حالة سرقة حصلت خلال الأيام المنصرمة، من حظيرة ألف مسكن “ميل لوجمو” بالبليدة، حيث سرقت سيارة من نوع “هيونداي- أتوس” أفادت صاحبتها في شكواها أنها تشك في حارس الحظيرة، غير أن الحارس نفى مشاهدة اللصوص، وقال إنه ذهب للبيت، في حدود الساعة الثانية أو الثالثة صباحا، لتناول وجبة غذائية، ساعة اختفاء السيارة، وهنا تبقى الاتهامات قائمة لكنها غير مؤكدة بدليل صريح، وقال مصدرنا إن أغلب حظائر الليل غير مرخصة من البلدية، موضحا أن السرقة داخل الحظائر تحصل مرة إلى مرتين في الأسبوع أحيانا، وأحيانا أخرى مرتين في الشهر، مضيفا أن سيارة من نوع ” كونغو ” و ” أتوس ” أكثر عرضة للسرقة .

مشروع ” قانون ” لمحاربة المحتالين
تنهي المديرية العامة للأمن الوطني، قريبا، مشروع جديد لتسيير مواقف السيارات بالعاصمة وعدد من المدن الكبرى، واقترحت فيه محاربة كل مواقف السيارات الفوضوية، وتوقيف أي شخص يحاول ابتزاز مواطن عن طريق إجباره على دفع ثمن ركن سيارته في أماكن مسموح التوقف فيها، وقد يتعرض لمتابعات قضائية بتهمة النصب والاحتيال، وذلك تنفيذا لتدابير المنشور الرئاسي رقم 25/ 2005 وقد صدر المنشور الوزاري رقم 25 / 2005 المؤرخ في 31 أكتوبر 2005 المتضمن الإجراءات التطبيقية الخاصة بتأطير نشاطات حراس حظائر السيارات على مستوى العاصمة.
ويتضمن المقترح منح تراخيص للشباب الذي يتولى حراسة الحظائر بصفة فوضوية، شريطة أن يعمل طالب الترخيص في إطار الشراكة، وبعقد موثق لتعاونية وأن تكون مواقع الحظائر في أماكن لا تعيق حركة المرور ولا تتسبب في إزعاج المواطنين وتحديد تسعيرة موحدة وأن تتحصل البلدية على 10 بالمائة منها. ونصبت لجنة خاصة مكلفة بمتابعة وتقييم الإجراءات المتعلقة بتأطير نشاط حراسة الحظائر، وفقا للقرار رقم 267 المؤرخ في 25 جانفي 2006، وتشتمل على سلك من مصلحة النقل، الأمن ومصلحة الأشغال العمومية ومؤسسة تسيير المرور والنقل الحضري لولاية الجزائر .

4 ملايير دينار لإنجاز 7 حظائر وإزالة 125 حظيرة فوضوية بالعاصمة
أنشأت ولاية الجزائر ثلاث حظائر نموذجية بكل من حي “البرتقال” بالحميز وسعيد حمدين وبمحاذاة مسمكة العاصمة، حيث رصدت الولاية ميزانية بـ 4 ملايير دينار، لإنجاز الشطر الثاني الذي يضم سبع حظائر للسيارات تم الإنطلاق فيها للقضاء على المواقف العشوائية، حيث أعلنت مناقصة دولية لإنجاز حظيرتين كبيرتين بالعاصمة، وأخرى تعد الأكبر تنجزها شركة سعودية ببلدية الشراڤة بالعاصمة، كما أن والي العاصمة، محمد كبير عدو، أعلن منذ أشهر، عن مشروع إنجاز 7 حظائر شرعية بالعاصمة، موضحا أن العائدات الخاصة بحظائر السيارات تجاوزت عتبة 152 مليون دينار خلال سنة 2008 .
وشرع في انجاز حظائر بكل من بلدية القبة، حيدرة والأبيار. كما قررت ولاية الجزائر إنشاء حظيرة للسيارات من طابق واحد، حيث أعلنت هيئة تنظيم المرور والنقل العمومي بالعاصمة، نهاية شهر أكتوبر المنصرم، عن مناقصة وطنية ودولية لبناء حظيرة جديدة للسيارات بحي سيدي يحيى بحيدرة .
كما أزالت مصالح أمن ولاية الجزائر، منذ سنة تقريبا، عقب حملة على مستوى الشوارع والطرقات 125 حظيرة، في إطار مراقبة نشاط الحظائر العشوائية المنتشرة بالأحياء والتجمعات، حيث طوّقت المساحات الشاغرة بحواجز أمنية.

http://www.echoroukonline.com/ara/divers/63489.html

كلمات مفتاحية