سياسة

طــاعون الانتحار يفتك بشباب منطقة القبائل

طــاعون الانتحار يفتك بشباب منطقة القبائل
ك. هارون

يعلم العام والخاص بالجزائر أن ظاهرة الانتحار تفاقمت في السنوات الأخيرة بمنطقة القبائل بشكل يثير للاهتمام، ويدعو إلى ضرورة إمعان النظر في خلفياتها وأسبابها الحقيقية الكامنة وراء حدوثها، وهذا من قبل المسؤولين وأهل الاختصاص في الدوائر الاجتماعية والطبية، فالظاهرة تحولت إلى كابوس مرعب يطارد الأولياء في كل وقت، وما يبرر مخاوفهم هي تلك التهديدات التي يطلقها الأبناء بالانتحار لأتفه الأسباب، لا يعني هذا على الإطلاق أن الظاهرة تقتصر على المراهقين دون سواهم بل طالت كل الأعمار ومع ذلك لم يتحــرك أحد لوقف النزيف، وقد دعا المختصون في مجال الطب إلى ضرورة إنشاء مركز طبي لدراسة هذه الظاهرة للحد منها واعتبروا الأمر أكثر من ضروري ومن الأولويات لما تعرفه من تزايد خطير سنويا.

أشجار الزيتون الأداة رقم واحد في الانتحار
سجلت ولاية بجاية، منذ بداية السنة، 26 حالة انتحار وأكثر من 70 محاولة فاشلة، ما جعلها تحتل المرتبة الأولى وطنيا في عدد الحالات المسجلة لحد الآن. وحسب مصالح الأمن، فإن سن هؤلاء المنتحرين يتراوح بين 14 و70 سنة. وفي هـذا الصدد سجلت 13 حالة انتحار لدى الذكور و9 حالات لدى لإناث، فيما مسـت 58 محاولة انتحار من صنف الذكور و12 أخرى لدى الإناث، وأفادت ذات المصالح أن معــظم حالات ومحاولات الانتحار تمت عن طريق الشنق على أشجار الزيتون، حيث اصطلح بعض المواطنين على تسميتها بأشجار المنتحرين، وجاء في حصيلة الانتحار أن أكثر من 30 محاولة انتحار من أصل 63 محاولة تمت عن طريق الشنق بحبل بلايتسكي على جذور الأشجار، وعن سبب اختيار المنتحرين لهذه الطريقة، فقد أرجعها بعض المختصين النفسانيين أن المنتحـرين أو المرشحين للموت الإرادي مقتنعون بتحقيق هدفهم وهو الموت إذا ما علقوا أجسادهم على الأشجار.
وقد احتلت ولاية تيزي وزو الصدارة من حيث عدد حالات الانتحار التي تسجل سنويا، وحسب مصادرنا فقد سجل في الفترة الممتدة ما بين 2007 و2008 ما لا يقل عـن 107 حالة من أصل العدد الإجمالي المذكور أي 132 حالة في كامل تـراب ولاية تيـزي وزو، في حين سجلت 93 حالة من أصل 123 حالة عرفتها الولاية مـنذ مطلع سنة 2009 إلى غاية 23 نوفمبر المنصرم أي ما يعادل 76 بالمائة من العدد الإجمالي.

.. ومنتحرون آخرون يختارون فترة الليل
كشفت نفس التقارير المقدمة من قبل مصالح الأمن أن أكثر ما يدفع بالضحايا لاختيار الموت الإرادي ووضع حد لحياتهم هي الحالات النفسية المضطربة، والتي تنجم عادة من ضيق وتفكير مستمر في الظروف المعيشية المزرية التي يعيشها الإنسان وبالتالي يصيبه الانهيار العصبي ولا يجد المرء من وسيلة للهروب من واقعه المر، بعد أن يجد نفسه مهمشا وليس له وزن ومكانة بين أفراد المجتمع، غير التفكير في الانتحار كأول خطوة وهو ما تعكسه الأرقام التي تمثل ما نسبته 89 من المائة من الحالات المسجلة بولاية تيزي وزو على سبيل المثال، كان أصحابها يعانون من نفس الظروف، كما كشفت ذات المصادر أن العديد من المنتحرين حاولوا وضع حدّ لحياتهم عدة مرات، وهو ما يؤكد أن الظروف التي كانوا يعيشونها هي من دفعتهم للمحاولات المتكررة للانتحار، كما أكدت ذات المصادر أن النسب الكبيرة للمنتحرين هم عزاب وبطالون، لكن هذا لا يعني أنه دافع بحت لاختيار الضــحية للموت الإرادي.
الملاحظ أيضا أن أغلب المنتحرين يختارون دوما أوقات الليل لتجنب تدخل الـمارة والرعاة والأهل والأقارب لمنعهم من الموت، ويفضل بعض المنتحرين اختيار الموت عن طريق القفز من أعلى شرفات المنازل والعمارات، وتفضل بعض النساء المنتحرات اللجوء إلى تناول مـواد سامة كمبيد الحشرات، في حين يفضل الشباب اليائسون الموت بواسطة غاز البوتان وأفـادت مصادر أمنية لـ وقت الجزائر أن عامل البطالة والإدمان على المخدرات، الإخفاقات وظواهر سلبية أخرى كانت الدافع في تزايد عدد حالات الانتحار، وتفيد تحليلات المصـالح المعنية بأن 37 محاولة انتحار من أصل 63 حالة تعود إلى اصطدام فاعليها بمشكلــــــة البطالة، فيما بلغت لدى الموظفين 14 حالة انتحار وأحصت حالة انتحار راجعة إلى الانهيارات العصبية بسبب المشاكل العائلية، فيما فشلت المصالح ذاتها في كشف ملابسات الانتحار لدى 21 حالة لأسباب عدة، أهمها تكتم العائلات عن أسباب إقدام أحد أفرادها على الانتحار وكشفت الإحصاءات إلى غاية شهر جويلية المنصرم عن تسجيل 3 حالات انتحار بالنسبة للأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة.

الرسوب المدرسي والإخفاقات طرف في المعادلة
بالموازاة مع ذلك، أفاد نفس التقرير أن النسبة الكبيرة للانتحار مست أوساط الشباب ما بين 18 و30 سنة، حيث أحصت المصالح خلال سبعة أشهر الأولى من هذه السنة 3 حالات انتحار، 61 محاولة انتحار لذات الشريحـة كان سببها الرسوب المدرسي والإخفاقات، ويعتبـر الأخصائيون أن مختلف محاولات الانتحار الفاشلة والتي تسجل يوميا ببجاية أخطر من مخلفات الانتحار الناجح بالنسبة لمحيط الضحية، لأن الإحصائيات الرسمية تؤكد أن معظم المحاولات الفاشلة تسبب أزمات حادة لأصحابها، وهو ما يدفعهم لإعادة المحاولة مرة أخرى. للإشارة، فإن مصالح الدرك الوطني عالجت أكثر من 41 قضية انتحار ببجاية خلال العامين الماضيين، والعدد الحقيقي يبقى غير معروف بسبب صعوبة التطرق إلى هذا الموضوع وبقائه كطابو لدى العديد من الأسر، وجاء في نفس التقرير ارتفاع عدد حالات الانتحار ببجاية مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية التي بلغــت 20 حالة بإقليم ولاية بجاية، وأضاف أخصائي آخر أن أكثر ما يدفع بالضحايا إلى الموت الإرادي ووضع حد لحياتهم هي الحالات النفسية المضطربة.

حصيلة ثقيلة بتيزي وزو والاربعاء ناث ايراثن
أوضحت الدراسات الأولية المهتمة بتحليل ظاهرة الانتحار، التي تعتبر دخيلة عن المجتمع الجزائري والدين الإسلامي، أن من بين 123 حالة التي أحصيت من الفاتــــح جانفي 2009 إلى 23 نوفمبر 2010 احتلت فيها دائرة تيزي وزو الصدارة من حيث عـدد المنتحرين، وذلك بـ 17 حالة، تليها الاربعاء ناث ايراثن بعشر حالات، ثم دائرتا بوغني وذراع الميزان بتسع حالات، وأضاف التقرير الذي تناول بالدراسة سنتي 2009/2010 أن 26 بالمائة من الحالات المسجلة، كانت قد حاولت الانتحار سابقا وعدد الحالات المتعلقة بالرجال تمثل 93 حالة، أي ما يعادل 76 بالمائة مقابل 29 حالة للإناث، ما يعادل 24 بالمائة من المنتحرين استعملوا الشنق كطريقة للانتحار من ضمنهم 81 ذكر، وتناول مواد سامة في 10 حالات من ضمنها 7 نساء، وعن الفئات العمرية أضاف نفـس التقرير أن عدد الحالات تنحصر بين 21 و30 سنة بالنسبة للرجال وبين 31 و40 سنــة بالنسبة للنساء، ومعدل العمر خلال سنتي 2007 و2008 تمثل في 33 سنة بالنسبـة للرجال و27 سنة بالنسبة للنساء.

المختصون يدقون ناقوس الخطر
من أجل المساهمة في مكافحة ظاهرة الانتحار، يرى المختصون أن الطب الشرعـي ضروري وذلك لأن معظم الحالات المسجلة سواء تعلق الأمر بالشنق أو الرمي بالنفس من أماكن عالية، لا تعتبر بالضرورة انتحارا، إذ يمكن أن يتعلق الأمر بجريمة قتـل أو تصفية جسدية نفذها الفاعلون بطريقة توحي جميع مؤشراتها بالانتحار، الأمر الذي يفرض تدخل الطب الشرعي والتشريح الجنائي لاكتشاف الأسباب ورفع اللبس عن الحالة، ودعا المختصون النفسانيون إلى ضرورة إنشاء مركز خاص لمكافحة هذه الظاهرة الدخيلة والخطيرة والتي استفحلت في مجتمعنا.

http://www.wakteldjazair.com/index.php?id_rubrique=215&id_article=12886

كلمات مفتاحية