سياسة

سيدي يحيى.. المملكة الصغيرة للأثرياء الجدد بالجزائر

sidi-yahia-alger2

أضحت منطقة استقطاب تجارية وترفيهية

”دراهم بولحية بانوا في سيدي يحيى…بفار وراء بفار”. هو مقطع من ألبوم بعزيز الجديد ”ماروتي” الذي بلغ مسامع الشباب فأصبح يردده  في كل مكان قبل أن يخرج الألبوم إلى السوق.حي سيدي يحيى بحيدرة في أعالي العاصمة،  تحول، في مدة قياسية، إلى نقطة استقطاب تجارية وترفيهية تستهوي الأجانب وشرائح من الجزائريين، بسبب الموضة والأناقة والروح والحيوية التي برزت به، حتى أنه زحزح الشهرة التاريخية التي اكتسبها كل من شارعي ديدوش مراد (ميشلي سابقا) والعربي بن مهيدي (ديزلي سابقا) ومقام الشهيد. إنه المنطق الذي فرضه الأثرياء الجدد.

تحول، في مدة قياسية، إلى نقطة استقطاب تجارية وترفيهية تستهوي الأجانب وشرائح من الجزائريين، بسبب الموضة والأناقة والروح والحيوية التي برزت به، حتى أنه زحزح الشهرة التاريخية التي اكتسبها كل من شارعي ديدوش مراد (ميشلي سابقا) والعربي بن مهيدي (ديزلي سابقا) ومقام الشهيد. إنه المنطق الذي فرضه الأثرياء الجدد.
يقع حي سيدي يحيى بمنحدر على الجهة الجنوبية لحيدرة. كان في وقت سابق ممر واد تصب مياهه في وادي كنيس. ولكن هذا الممر تحول، وفي ظرف قياسي وبشكل غير مسبوق، إلى نقطة استقطاب تجارية وسياحية، ولو أن مخاوف ما تزال تسكن بعض خبراء العمران من مخاطر كبرى عن احتمال تعرض كل البنايات ومراكز النشاط المختلفة التي نبتت كالفطريات هناك إلى فيضان. لاسيما أنهم يؤكدون أن الظواهر الطبيعية تسير بوتيرة العودة إلى نشاطها الأصلي.
من واد إلى مملكة صغيرة
هذا الحي الذي يفصل أيضا حيدرة عن بئر مراد رايس، اسمه سيدي يحيى. ويطلق الاسم ذاته على المقبرة النائمة على المرتفع المقابل للحي. ووهو أيضا  اسم أحد الأولياء الصالحين، حسب أقوال بعض رجال المنطقة. ولكن الحديث عن سيدي يحيى، هو الحديث بشكل خاص عن الشارع الرئيسي الذي أطلق عليه السكان هناك ”المملكة الصغيرة”، الممتد عبر المركز التجاري زمزم إلى نقطة مفترق الطرق الفاصلة بين حيدرة وبئر مراد رايس.
لفت انتباه عدد من المهندسين المعماريين وعدد من رجال الأعمال، وراح يعرض جاذبيته على شرائح واسعة من سكان العاصمة. ”فهذا الشارع، ورغم أنه لم يرق بعد إلى الشوارع الكبرى ذات المقاييس العالمية (40م عرض)، إلا أنه يعد، اليوم، الأول من نوعه شهرة والأكثر رونقا في العاصمة”، يقول أحد المهندسين المعماريين. فالنازل إلى سيدي يحيى وبالضبط إلى ”المملكة الصغيرة” من ساحة حيدرة، عبر شارع عبري ارزقي، سيلمح في طريقه قبل الوصول إلى المركز التجاري الدولي” مانغو”، عشرات المحلات المتراصة تجري بها الأشغال، يسكن أصحابها حرص كبير على احترام الانسجام والتناسق في الإنجاز حتى تكون حلقة في سلسلة محلات المجوهرات والوراقات والمطاعم ومحلات وكلاء بيع الهاتف النقال، وتستجيب للمنطق العام الذي دأب التجار هناك على احترامه. فهذا المركز التجاري الواقع عند نقطة بداية الشارع الرئيسي، تباع فيه كل أنواع الألبسة الخاصة بالرجال والنساء والأطفال وحتى الأحذية، وهو مشروع استثماري خاص يشترك فيه كنديون وإسبان وإيطاليون ومغاربة.
”المانغو” و”الصفا والمروة” و”زمزم” فضاءات للأثرياء الجدد
حرص هؤلاء على أن يتوفر مركزهم على آخر ما جادت به الموضة العالمية. ”فالذي يشتري من مركز مانغو كمن اشترى من (شونزي ليزي) وأماكن عالمية أخرى”، يشير أحد الأعوان هناك، بالنظر إلى أن كل ما يباع به، علامات أصلية مثل (ألدو) و(ثريومف) وغيرها. ولكن الداخل لهذه السوق ليس كالخارج منها نتيجة الأسعار المعتمدة به، حتى أن ”ياسين” شاب لا يتعدى عمره الـ25 عاما يشير إلى أنه ليس بمقدوره التردد على هذا المركز، لأن ثمن شراء سروال من هذه السوق يعادل ثمن شراء 6 سراويل من ساحة الشهداء. الانطباع ذاته ينسحب على أحد الإطارات ممن يشتغلون في إحدى الوزارات والذي يعترف صراحة، أنه حتى ربطة العنق يشتريها من سوق ”بازار” علي ملاح بأول ماي أو بالعربي بن مهيدي أو ديدوش مراد، بدل سوق ”ما نغو” رغم أنه يقيم بالقرب منه. ومع ذلك فإن هناك شرائح من الجزائريين لا ترتاح في عملية شراء الألبسة إلا بدخول هذا المركز التجاري، القريب أيضا من” الصفا والمروة” واحد من المراكز التجارية الأخرى الذي يعود لأحد المستثمرين السعوديين. وعلى بعد أمتار منه، تجري عملية إنهاء أشغال إنجاز بنك (سوسييتي جنرال). هذه المؤسسات والمراكز التجارية التي نشأت بين عشية وضحاها في سيدي يحيى ، ساهمت في خلق الحركة والحيوية بالشارع المسمى ”المملكة الصغيرة”. فمن (ما نغو) إلى سوق (زمزم)، نمت محلات خاصة ببيع أشهر علامات العطور مثل ”شانال” و”باكورابان” و”كريستيونديور” وأشهر علامات الألبسة المعروفة عالميا مثل ”بيار كار دان” و”كانزو” و”أرماني”، ”بالزيليري” و”تريساردي”، فيما تخصصت أخرى في المجوهرات وبعضها الآخر في الهدايا. وفي الواجهة الأخرى للشارع، فتحت أبواب لأسواق صغيرة، إبداع في إنجاز قاعات شرب الشاي مثل ”فيلودروم” و”كويك”، ومقاهٍ من طراز جديد لها أسطح مفتوحة على التيارات الهوائية البحرية والضوء والشمس، ولها حظيرة لركن سيارات مرتاديها، من فرنسيين وإيطاليين وألمانيين ولبنانيين ومصريين وجزائريين.
سيدي يحيى يهزم ”ميشلي” و”ديزلي” ورياض الفتح
هذه المقاهي مثل ”كابو جينو” و”أوثر بارك” التي يتردد عليها عدد من شقراوات وحسناوات العاصمة، وجد فيها بعض الأجانب والجزائريين ضالتهم، لأنها توفر لهم ”النارجيلا”، التقليد غير الموجود في أكبر المقاهي والصالونات في العاصمة، بل وتضمن لهم السهر حتى حدود الواحدة صباحا، مثلها مثل الأسواق الصغيرة. ولعل الزائر لهذا الشارع ”المملكة الصغيرة”، تلفت انتباهه حالة التناسق والانسجام في الأناقة والنظافة التي تطبع المحلات والمقاهي تلك، والحرص على خدمة الزبون أولا. وبهذه التقاليد التجارية الجديدة والمنطق الموجود وراء ذلك، تمكن هذا الشارع من إزاحة المكانة والشهرة التاريخية التي اكتسبها كل من شارعي ”العربي بن مهيدي” (ديزلي سابق) و”ديدوش مراد” (ميشلي سابقا)، بقلب العاصمة. هذه الحقيقة يعترف بها مهندسون معماريون وتجار مهتمون بالموضة، من أنه إذا كان شارعا (ميشلي وديزلي) مرجعا للمعمرين الفرنسيين خلال الاستعمار في جانب الموضة، ومرجعا للجزائريين بعد الاستقلال، فإنهما اليوم فقدا سحرهما وجاذبيتهما على الزوار، على اعتبار قدم البنايات وانبعاث رائحة الرطوبة منها، وعدم تغير ذهنية أصحاب المحلات وضيق أفقها. بل ويشير آخرون إلى أن هذا الشارع الرئيسي لسيدي يحيى أزاح أيضا المكانة والشهرة التاريخية التي اكتسبها ”مقام الشهيد”، بعدما كانت له قيمة رمزية في مخيلة الجزائريين. سيدي يحيى اليوم أصبح مرادفا للفخر والتباهي، ولاسيما عندما يتعلق الأمر بشراء الهدايا، ويقول العاصميون ”إننا اشتريناها من سيدي يحيى”.
”الشبارف” و”البفارة” والشقراوات
هذا الشارع الرئيسي ورغم أنه ظهر بشكل عفوي من غير تخطيط، ولاسيما أنه كان عبارة عن مساحات خضراء لبعض المتعاملين الخواص، حولت فيما بعد إلى محلات، ولم تتدخل فيه السلطات المحلية إلا مؤخرا لفرض النظام العام بإنجاز الرصيف والإنارة العمومية، إلا انه أصبح اليوم نقطة استقطاب كبار رجال الأعمال وأشخاص آخرين ممن يتوقفون يوميا بسياراتهم التي لا تعرف حتى أسماءها هناك قرب ”كابو جينو” و”أوثر بارك”، منهم من لا يعرف لا القراءة ولا الكتابة ولكنهم أصحاب الملايير. وهؤلاء هم في عيون عدد من شباب حيدرة وحتى العاصمة ”الشبارق” و”البفارة” الريفيون الدخلاء على المكان. ولكن ”الشبرف” له القدرة على ارتشاف كاس قهوة بـ 200 دينار بـ”كابوجينو” يوميا، وقادر على مجالسة حسناوات وشقراوات العاصمة، وقادر أيضا على السهر هناك حتى ساعة متأخرة من الليل وعقد الصفقات مع ذوي النفوذ للوصول إلى القروض والحصول على المزايا والتسهيلات في كل شيء. إذ هناك إحصاءات تشير إلى كيفية تحول أفراد، هم موظفون بسطاء، في ظرف 15 عاما إلى هيئات نافذة تؤثر على قرارات بعض المؤسسات والأجهزة.
ماذا بقي للعاصمة من معالم؟
لكن ما هو المنطق الذي تحكم في نمو وازدهار سيدي يحيى، بدل منطقة أخرى في العاصمة؟

يشير الأستاذ جمال لعبيدي مختص في علم الاجتماع إلى أن المظاهر الجديدة بهذا الشارع، تبين أنه شارع نخبوي من الناحية الاجتماعية وغربي من الناحية الثقافية، بالنظر لرقي المحلات والمقاهي والمطاعم وغيرها، وبالنظر أيضا للغة السائدة به، حيث إن الزائر للمكان يلمح كل لافتات المحلات وقد كتبت بالفرنسية، ما يعني أن هناك نخبة من الناس تتردد على سيدي يحيى لجاذبيته، فيما تحولت باقي الأحياء الأخرى التي كانت راقية إلى أحياء شعبية. والمنطق ذاك يكمن في أن هذه الشريحة من الشباب بهذا الحي الجديد، جاءت بذهنية جديدة تجاوزت التقاليد التجارية المعمول بها في العاصمة، وجاءت بأشياء تختلف عن تلك التي كانت سائدة.
وإلى جانب هذه الاعتبارات، فإن عددا من سكان حيدرة يعترفون بأن توفر عنصر الأمن بالمكان، شجع أيضا عددا من المستثمرين الأجانب كأصحاب المراكز التجارية ”ما نغو” ”والصفا والمروة” و”زمزم” و”بنك سوسييتي جنرال” على وضع مشاريعهم هناك، ولاسيما أنه خلال الأزمة الأمنية لم يسجل بسيدي يحيى أي حادث، بل كان المكان عامل استقطاب وجذب واحتضان للباحثين عن الاستقرار.
وثقافتنا جزء من ثقافة البحر المتوسط
في الواقع، إن ما يتم استنتاجه من هذا الشارع ”المملكة الصغيرة”، أن العاصمة الجزائرية لم تعد لها معالم تمارس تأثيرها وجاذبيتها على خيال سكانها على نحو ما كانت عليه القصبة ومقام الشهيد أو قصر رياس البحر مثلا، بقدر ما أصبح الحي أو الشارع الذي يتمكن سكانه وتجاره من مرافقة ذهنية العصر وتوفير ما يمكن من الراحة لزواره، هو المعلم. ولو أن الجزائريين يغفلون أن بلدهم ينتمي لحوض البحر المتوسط وأن ثقافتهم هي أيضا جزء من ثقافة البحر الأبيض المتوسط، وأن العالم أصبح قرية، وهناك مواطنون عالميون لا يحدهم أي بلد.

المصدر : صحيفة الخبر – الجزائر: نوار سوكو
2009-05-13

http://elkhabar.com/dossiersp/index.php?idc=46&ida=156527

كلمات مفتاحية

2 تعليقاً

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق