سياسة

مسؤولون ومواطنون يروون قصص التجارب الكيماوية بوادي الناموس

نساء أجهضن ونباتات شوهت وأطفال رحلوا إلى دار البقاء
خديجة عليموسى
المساء : 19 – 04 – 2009
خلال فترة الستينيات غطى سماء مدينة فكيك غمام كثيف، وارتفعت درجة الحرارة وشعر سكان المدينة بارتخاء غريب، أعقب ذلك وفيات كثيرة في صفوفهم خاصة الأطفال أو «الصبيان» بتعبير رجال ونساء المدينة الذين عايشوا هذه المرحلة التاريخية.
بمقبرة «بوخود» ومعناها «إله الموت»، اصطفت العديد من القبور صغيرة الحجم، بجوار قبور جنود مغاربة قضوا حتفهم خلال حرب الرمال بين المغرب والجزائر سنة 1963.
لا يوجد حارس خاص بالمقبرة أو مكلف بتغسيل الموتى، ليقدم توضيحات في الموضوع، لأن المتعارف عليه بهذه المدينة أن الجميع يتطوع لتغسيل الموتى ودفنهم.
ومن بين موتى الستينات، أربعة أطفال رزئت فيهم الذهبية الطاهري (80 سنة) ما بين 1958 و1962، كما نفقت كل الخيول التي كان يملكها زوجها.
تعتبر الطاهري، أنها سيئة الحظ، لأنها أنجبت 25 فردا، جلهم توفوا في مرحلة الطفولة، ولم يبق منهم إلا فتاة وحيدة.
تقول الدهبية «إن العديد من الأطفال قضوا نحبهم خلال مرحلة الستينات، لدرجة أنك تشاهد سبعة أطفال يلعبون في الحي، وفي اليوم الموالي تسمع خبر وفاة ثلاثة منهم، وخلال تلك الفترة فقدت العائلة الكبيرة سبعة أطفال قضوا دفعة واحدة ما بين سنتي 1962 و1963.
ما أكدته هذه المرأة مطابق لشهادات الذين عايشوا مرحلة الستينات، لكن كان الاعتقاد السائد لدى النساء أن سبب الوفاة يتسبب فيه طير يطلقون عليه اسم «الوضواض».
وعرفت المرحلة أيضا إجهاض العديد من النساء لأجنتها، حسب شهادات متطابقة لنساء فكيك.
مراحل عصيبة
الكل ينتظر قيام الحكومة المغربية بخطوة في هذا المجال تدعمها جمعيات المجتمع المدني من أجل الوصول إلى حقيقة تطمئن السكان.
أحمد يترب (75 سنة) أكد بدوره أنه خلال مرحلة الستينات «توفي حوالي 700 طفل، خاصة مواليد ( 1962 و1963)، لأنهم ذهبوا ضحية تجارب ثكنة «العتاق» التي تبعد بحوالي خمسة كيلموترات عن وادي الناموس، الذي يبعد عن مدينة فكيك بحوالي 40 كيلومترا.
وكان يترب من ضحايا ما حدث، حسب قوله، لأنه أصيب بحمى شديدة تحولت إلى هذيان بعد موجة الحرارة التي حلت بالمدينة حينئذ.
مرت مدينة فكيك بمرحلتين انتشرت فيهما الأوبئة، ولا يكاد يمضي يوم دون وفاة ثلاثة أو أربعة أفراد داخل القصر الواحد.
يحكي عباس بن عبد الرحمان (84 سنة، مقاوم)، أن المرحلة الأولى كانت خلال الأربعينيات وهي ما يعرفها السكان بفترة «الطاعون»، إذ توفي العديد من المواطنين كبارا وصغارا، كما عرفت نفوقا للماشية، بسبب اختبارات لأسلحة كيماوية أجرتها فرنسا في منطقة بني ونيف في الصحراء الكبرى سنة 1939.
أما المرحلة الثانية، فهي فترة الستينات، التي تميزت بارتفاع كبير لدرجة الحرارة، توفي على إثرها العديد من الأطفال ونفقت الخيول والمواشي.
حقن ضد الوباء
لم يقرر أحمد فضلي بعد ما إذا كان سيتقدم بطلب التعويض عن الضرر الذي قد يكون لحقه من جراء عمله بقاعدة التجارب حماقير بولاية بشار، التي أمضى بها أزيد من سنة خلال مرحلة الستينات، أم لا.
كان عمل فضلي رفقة مواطن روسي بالقاعدة يقتصر على صيانة وإصلاح بعض الآليات مثل آلة التصبين، وغيرها من الأعمال التي كان يعتبرها هامشية، وانتقل بعدها إلى فرنسا ليعمل في العديد من المراكز النووية من ضمنها مركز شيربور، كعامل بمستودع السيارات المستخدمة.
تردد فضلي في اتخاذ قرار طلب التعويض راجع إلى تشبثه بشعاره في الحياة «لا يمكن أن يتلقى مالا دون أن يكون مقابله عمل ينجزه»، إضافة إلى أنه يوجد في وضعية مالية تغنيه عن مال ساركوزي الذي قد لا يصل إلا بعدما يكون سلم الروح لبارئها.
ومنبع التردد أيضا هو أن فضلي متأكد من أنه مؤمن ضد الأمراض والأوبئة التي تسببها الأشعة النووية، بسبب الحقن التي كان يتلقاها مرة في كل شهرين رفقة كل العاملين بقاعدة «حوماقير» التي قال إنها تتكون من أزيد من 20 ثكنة عسكرية موزعة على مساحة شاسعة.
رسم فضلي خريطة بخط يده وأخذ يوضح لنا المناطق التي عرفت تجارب نووية وكيميائية بالجزائر، وجزم أن التجارب الكيماوية التي كانت تعرفها منطقة وادي الناموس قريبة من مدينة فكيك.
وذكر العامل السابق بفرنسا أن مواشي المغرب أيضا كانت حقلا للتجارب الكيماوية بالجزائر، إذ كانت سلطات الاستعمار الفرنسية تشتري كمية كبيرة منها لأجل ذلك.
مركز تجربة وادي الناموس كان هو ثكنة «العتاق» حيث كان العمال المغاربة والجزائريون يعملون هناك، حسب ما أكده محمد زايد، رجل تعليم متقاعد، الذي قال إنه علم من خلال عمه الذي كان يعمل بالجزائر أن ما عرفه المغرب خلال فترة الستينات من وفاة «الصبيان» ونفوق المواشي خاصة الخيول، مصدره التجارب الكيمائية التي عرفتها هذه الثكنة، لأن الأعراض نفسها عرفتها المناطق المجاورة بالجزائر.
المكان الذي كان يشتغل به فضلي استخدم خلال سنة 1956 لإطلاق الصواريخ وتجريب الرؤوس التقليدية والكيماوية، يؤكد زايد.
تشوهات نباتية
لم تقف السلطات المحلية وقتها مكتوفة الأيدي، فبعد أسبوع من درجة الحرارة المفرطة التي عمت أرجاء المدينة، وعلمها أن سبب ذلك يعود إلى تجارب فرنسا الكيماوية التي وقعت بمنطقة وادي الناموس، وجهت دائرة فكيك رسالة إلى وزارة الداخلية، احتجت فيها على هذه التجارب التي قام بها الاستعمار الفرنسي بالجزائر، وأشارت فيها إلى أن ما حدث أثر على صحة السكان وأدى إلى ارتفاع وفيات الأطفال، وفق ما أكده بوعزة بنشارة، الذي كان يعمل في الكتابة الخاصة لرئيس دائرة فكيك، غير أن الدائرة لم تتلق أي جواب من الوزارة المعنية وظل الحدث في أرشيفها.
لقد شعر الجميع بما حدث، ومن هؤلاء أحمد هكو (76 سنة) رئيس مجلس قروي سابق، الذي ما زال يتذكر تفاصيل الواقعة خلال فترة الستينات، يقول: «كانت الحرارة مفرطة استمرت لمدة أربعة أيام، فعلمت أن تجارب كيمائية تقوم بها فرنسا بمعمل واد الناموس بالقرب من بني ونيف، إلى جانب القنابل النووية التي جربها الاستعمار بمنطقة الرقان بالجزائر».
متابعة هكو لوسائل الإعلام خاصة الفرنسية جعلته يدرك سر ما حدث خلال تلك الأيام، إذ أكد أنه خلال تلك الفترة كانت إذاعة جبهة التحرير الوطني الجزائرية تقدم التفاصيل حول السلبيات التي أحدثتها تلك التجارب على المنطقة، سواء على الإنسان أو البيئة أو الحيوانات.
لم تتحدث الإذاعة الجزائرية وحدها عن تأثير التجارب على محيط مواقعها، بل اهتمت بما حدث أيضا الإذاعات الفرنسية (فرنس أنتير، وفرنس 1) التي كان يتابعها رئيس المجلس القروي السابق.
أما ما عاينه هكو وقتها فيتمثل في «الوفيات الكثيرة خاصة في صفوف الأطفال، وإصابة بعضهم بالشلل، كما أصيب المنتوج الفلاحي بتشوهات خاصة التمور».
ما حدث أصبح يطرح تحديا على الدولة المغربية من أجل القيام بفتح الملف بجدية، حسب تعبير هكو، الذي قال إن الوقت مناسب لتمد الدولة يدها إلى مواطني فكيك وتساهم في تغيير الصورة السلبية حول المنطقة والتي يعتبرها البعض ضد النظام، هذه النظرة اعتبرها رئيس المجلس القروي السابق، لا توجد إلا في مخيلة بعض المسؤولين الذين لا يحسنون التصرف إزاء العديد من المواقف، ما يؤدي إلى بعض ردود الفعل السليمة.
والدليل على تشبث أهل القصور السبعة بالنظام، يقول المتحدث نفسه، جوابهم على طلب عبد القادر الجزائري عندما كان يحارب المستعمر الفرنسي بأن يرسلوا له متخصصين في صنع البارود، إذ قالوا له «نحن مستعدون لأن نرسل لك خيرة الرجال منا، لكن ينبغي أن تتصل مع المخزن بفاس».
نفوق الخيول
قصر إيش، هي قرية صغيرة، على بعد 108 كيلومترات من مدينة بوعرفة، تقع على الشريط الحدودي مع الجزائر، حيث يظهر بالعين المجردة مركز مراقبة الجيش الجزائري وأشغال ورش لإصلاح طريق يباشرها البلد الجار.
هذه القرية عاشت محطات تاريخية استثنائية، حيث تصدت للمستعمر الفرنسي الذي حاول بكل الوسائل ضمها إلى الجزائر، كما قاومت إبان احتلال المغرب، وساعدت الجزائريين في مقاومة المحتل الفرنسي، وبعدما نشبت حرب الرمال سنة 1963 احتلت قرية «إيش»، التابعة لجماعة بني كيل من قبل الجزائر لمدة ستة أشهر.
وخلال هذه المرحلة لم تسلم «إيش»، التي تبعد عن منطقة وادي الناموس بحوالي 40 كيلومترا من النكبات المتتالية، إذ عرفت خسارة كبيرة بعد نفوق أعداد كبيرة من المواشي والأبقار والخيول.
بلقاسم فردوس، عضو المجلس القروي لجماعة بني كيل، أكد أنه خلال تلك المرحلة نفقت العديد من المواشي ومن بينها حصان كان في ملكيته، لكن لا أحد بحث عن سبب حدوث ذلك، فالذين أوكلت إليهم مهمة البحث عن أسباب ما يقع لم يقوموا بالتحقيق في ملابسات مثل هذه الحوادث، إضافة إلى أن العديد من الأجهزة لا تنقل المعلومة بتدقيق، بل تتوافق على كتابة تقارير موحدة، ما يجعل المسؤولين في مراكز القرار لا تصلهم المعلومة بأمانة، يقول فردوس.
سكان هذه المدينة، أكدوا أن القرية لم تعرف وفيات مثل فكيك خلال مرحلة الستينات، لكن نفوق الخيول انتشر بشكل كبير، كما انتشرت بعض الأمراض الجلدية وأمراض أخرى من بينها إصابة محمد علال، فلاح، بتقيحات على مستوى الأنف والحنجرة، حسب ما أكده ل«المساء».
أما علال عبد الله، (84 سنة، فقيه القرية) فأكد أن قصر إيش عرف خلال مرحلة الستينيات نفوق المواشي خاصة الخيول بسبب التجارب الكيميائية التي عرفها وادي الناموس.
تسجيل أزيد من 1300 حالة خلال مرحلة الستينيات
أجمع شيوخ مدينة فكيك على أن مرحلة الستينات سجلت نسبة كبيرة من حيث عدد الوفيات، هذا الرأي أكده عبد الحميد جباري، موظف سابق بقيادة فكيك، الذي كان من بين مهامه تسجيل الولادات والوفيات بالحالة المدنية.
وأضاف جباري قائلا «خلال مرحلة الستينات عرفت المدينة ارتفاعا متزايدا للحرارة، أدت إلى نفوق الحيوانات خاصة البقر والخيول، كما توفي عدد من المواطنين خاصة الأطفال الصغار، وأحيانا كنا نسجل خلال الشهر الواحد 35 وفاة»، يقول جباري.
غير أن عدم توفر كل المواطنين على الحالة المدنية في تلك الفترة، يبين أن المعطيات التي تتضمنها سجلات الحالة المدينة، لا تعبر عن حقيقة عدد الوفيات، كما أن سكان المنطقة المقيمين بالمناطق النائية كانوا يدفنون موتاهم دون علم السلطات، يقول الموظف السابق بالقيادة.
وبالرجوع إلى الوفيات المسجلة بمدينة فكيك، فإنه خلال مرحلة الستينات توفي 1337 شخصا بمدينة فكيك، حيث سجلت سنة 1964 أكبر نسبة للوفيات (205 حالات وفاة) مقارنة مع السنوات الأخرى، تليها سنة 1968 التي سجلت ( 168 حالة وفاة، تليها سنة 1961 التي عرفت وفاة 137 مواطنا.
وعرفت الوفيات انخفاضا خلال فترة السبعينات، إذ توفي ما بين 1970 و1979، حوالي 933 مواطنا من سكان فكيك، وسجلت سنة 1971 أعلى نسبة في الوفيات، حيث توفي 147 شخصا.

http://74.53.192.83/?artid=21521

———-

القنبلة النووية
إعصار في وادي الناموس
* جميلة بوحسون
تعتبر منطقة وادي الناموس من المناطق غير المعروفة على المستوى الوطني بالرغم من الخبايا والأسرار التاريخية التي لاتزال تحمل في طياتها الكثير من المخاطر على صحة المواطن الجزائري، لاسيما بالنسبة للأشخاص الذين يقطنون بالقرب من هذه الجهة والذين بدورهم لم تسنح لهم الفرصة بزيارة وادي الناموس، ونفس الأمر بالنسبة لنا، بحيث إنتقلنا في إطار مهمة عمل للتحقيق حول اندثار مادة الحلفاء، إنطلاق من ولاية البيض إلى غاية وادي الناموس، إنتهينا من مهمتنا هذه، لكن لفت إنتباهنا موضوع آخر جد حساس والذي يتمثل في الخطورة الكبيرة التي ورثتها أراضي جزائرية عن الإستعمار الفرنسي، فالجزائر إستقلت من المستعمرين الفرنسيين لكنّها لم تتخلص بعد من نتائجهم الوخيمة.

درسنا وعبر مختلف الأطوار التعليمية تاريخ الجزائر بالتفصيل. منها التجارب النووية الفرنسية ببعض الأراضي الجزائرية، وقد كانت منطقة رڤان الواقعة بأدرار على رأس النماذج الحيّة، لكنّنا أبدا لم نسمع عن وادي الناموس، والتي ولربّما تشكل النفايات الفرنسية المتواجدة بها ضررا كبيرا، إندهشنا في بادئ الأمر عندما علمنا بواقعة وادي الناموس وأردنا التقرب من شهادات حيّة وبالفعل كان لنا ذلك.

* بني ونيف مفتاح الخبايا

إنتقلنا إلى بلدية بني ونيف المتواجدة بولاية بشار والتي تبعد عن مقر الولاية بـ 120 كلم، أين إستقبلنا رئيس المجلس الشعبي البلدي لبني ونيف السيد شباب محمد، هذا الأخير الذي شرح لنا وضع المنطقة وبيّن لنا خطورتها على السكان، مبرزا بأن الإستعمار الفرنسي غادر تراب منطقة وادي الناموس خلال سنة 1978، وذلك لأنّ فرنسا كانت تقوم بتجاربها النووية في ذات المنطقة، علما بأن الإستعمار خلال هذه الفترة كان يقوم بتنظيف كلّ المكوّنات النووية بوادي الناموس، ويرمون البقايا على التراب موضحا بأنّه ولدى خروج الفرنسيون لم يتبيّن لعيان المنطقة مدى درجة الخطورة التي تركها المستعمر وراءه، إلاّ بعد سنوات، علما أن فرنسا تركت حيث مغادرتها كلّ أغراضها التي كانت تستخدمها في تجاربها النووية، وكمثال عن درجة خطورة هذه الآثار أنّه ومع مرور الأعوام وجد أحد أفراد عائلة تقطن بجانب منطقة وادي الناموس إناء من النحاس الخالص يشبه في شكله ما نطلق عليه نحن في عاميتنا إسم »المهراس«، فإستعمله هذا الأخير في تحضير الغذاء لعائلته، ما نتج عنه وفاة العائلة بأكملها، ليتأكد في الأخير أن الوفاة راجعة الى إستعمال الإناء الذي يعتبر سابقا بالإستعمار الفرنسي، وعلى غرار ذلك تمّ تسجيل وفاة العدد من الأغنام التي نقلها أصحابها إلى ذات المنطقة بحثا عن مادة الكلأ، فبمجرد أكل هذه الأخيرة لأي عشبة بوادي الناموس فإنّها سرعان ما تصاب بجنون لساعات وما تمّ تسقط أرضا، ونفس الأمر بالنسبة للجمال، ومن جرّاء هذا قامت المصالح المعنية بتسييج المنطقة، حتى تصبح معزولة ولا يقترب منها أحد، لكن ولجهل المواطنين لمدى الخطورة قاموا بسرقة هذا السياج، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل يصد هذا الشباك الحديدي الضرر الذي يفرز عن المواد النووية، بإعتبار أنّ هذا الأخير يتوغل عبر المسامات الترابية الى أبعد ممن السياج؟؟؟ هذا وقد أضاف رئيس بلدية بني ونيف بأن المساحة الإجمالية للمنطقة التي استغلتنا فرنسا في تجاربها النووية تقدر بأكثر من هكتارين، لكن مصدرنا لايزال يجهل إذا ما توسعت هذه المنطقة أو لاتزال على حالها وهذا في ظل غياب دراسة تبيّن مدى خطورة المنطقة وكيفية التخلص نهائيا من التوابع الفرنسية التي تهدد السكان .

* إنعدام النحل دليل على الخطورة

وقد أبرز محدثنا بأن أحد المختصين أكدّ له خطورة المنطقة والدليل على ذلك هو إنعدام النحل، وفي هذا الصدد طالب السيد شباب محمد من السلطات المعنية ضرورة وضع مخططات توضح مدى تأثير هذه التجارب النووية على البيئة. فضلا عن إيجاد حلول لهذه النفايات وكذا إحصاء المواطنين الذين فقدوا أنعامهم بالمنطقة وتعويضهم عن خسائرهم، هذا فضلا عن ضرورة إدماج منطقة وادي الناموس في إطار التعويض مثلها مثل رڤان، وفي ذات السياق أشار رئيس المجلس الشعبي البلدي لبني ونيف بأن الجديد في الأمر أن هناك مغاربة لاسيما منهم القاطنين بمنطقة فڤيڤ المغربية والتي تبعد عن وادي الناموس بحوالي 40 كلم. أضحوا يطالبون هم كذلك بالتعويض وذلك – حسبهم – لأن أغلبهم مصاب بمرض السرطان ويرجحون بسبب الإصابة إلى ما حملته الرياح الشرقية خلال الستينيات عندما قامت قوات الإستعمار الفرنسي بتجارب كيمياوية بوادي الناموس.

وخلال تواجدنا بمكتب رئيس المجلس الشعبي لبلدية بني ونيف طالبنا منه أن يسهل لنا عملية الإتصال بأحد المجاهدين والذي كان شاهد عيان على هذه التجارب النووية وبالفعل كان لنا ذلك، وقابلنا الحاج »جنان الدار قدور« وهو مجاهد عاش الحادثة بكل وقائعها وتفاصيلها، لا يزال إلى غاية يومنا هذا يتذكر الأعمال الشنيعة التي قام بها المستعمر الفرنسي بوادي الناموس والتي لاتزال آثارها تلسع المواطنين الجزائريين الى غاية يوما هذا، وقد أفاد ذات المجاهد والذي كان يعمل خلال ذات الفترة بالمخزن العسكري الفرنسي بأن الثكنة المتواجدة بالمنطقة المذكورة إستغلتها فرنسا عام 1933 وكانوا يطلقون عليها إسم الوحدة التقنية للعساكر، بحيث كانت فرنسا تفرغ فيها السموم الناتجة عن تجاربها النووية التي كانت تجريها على الأغنام، الأحصنة وحتى الكلاب، وعن الأعراض المفرزة عن ذلك نذكر العمى الوفاة.. إلى غير ذلك، مضيفا أنّه سنويا تعمل فرنسا وخلال 3 أشهر على القيام بهذه التجارب النووية الشنيعة.

* أعراض شنيعة ناتجة عن التجارب

وقد أشار المجاهد »جنان الدار قدور« بأنّه وأثناء هذه العمليات يبعدون كل الجزائريين وذلك حتى لايظهروا حقيقة التجارب التي يقومون بها، مضيفا بأنه ولدى قيام المستعمرين التجارب على هذه الحيوانات ينقلونها إلى فرنسا مهما كانت نتيجة أعمالهم حتى ولو ماتت هذه الأخيرة فإنهم يأخذونها وذلك حتى يبينوا لمسؤوليهم مدى نجاح العملية مضيفا بأن الأغراض التي يستعملونها في هذه التجارب يغسلونها ويرمون بمياهها في إحدى المناطق التابعة لوادي الناموس والتي تنمو بها إحدى الأعشاب السامة، إذا ما تناولتها الأغنام فإنها تجري بصفة جنونية على مسافة 20 كلم لتموت بعدها وعندما يتحلل لحم هذا الأخير ويتلاشى وتبقى سوى عظامه، فإن الذي يأكل منها من حيوانات أخرى فإنها تموت في الحين، وهذه الظاهرة – حسبه – باقية إلى غاية يومنا فالبعير التي تأكل الكلأ من هذه المنطقة تلقى حذفها في الحين، مبرزا أن هناك عائلة أصيبت من مرض نتيجة هذه السموم، كما أضاف بأنّ هذه المواد وبمجرد أن تشمها فإنها تحدث للإنسان سيلان الأنف، فضلا عن العطس، بالإضافة الى دمع العينين كما أوضح مصدرنا أن العساكر الفرنسيين كانوا يعتمدون في عملهم بل ويعلمون بالتنسيق مع العساكر المتواجدين بفرنسا فلو إحتاجوا إلى وسيلة ولو بسيطة فإنّهم ينتقلون بواسطة طائرة خاصة يحضروها من دولتهم ومن تمّ يعودون لمواصلة العمل، كما أشار المجاهد جنان الدار قدور بأنه حضر هذه التجارب النووية الفرنسية ليدخل السجن بعدها بعد الإضراب الذي قام به العمال الجزائريين لمدة 8 أيام، ليلاحظ بعد خروجه بأنّه فرنسا لا تزال تواصل عملها بصفة عادية جدا حتى بعد الإستقلال أي بعد إنتهآء الإتفاق الذي تم إبرامه بين الجزائريين والفرنسيين.

*سكان وادي الناموس يطالبون بالتعويض

كما طالب ذات المجاهد من السلطات المعنية ضرورة التعويض من جراء هذا المرض الدائم الذي تعاني منه الأجيال يوما بعد يوم، لأنّه إلى وقتنا الحالي لاتزال المنطقة مسمومة فالحيوان الذي يأكل من هذه الأرض يموت، ولعلمكم أنه ولدى سقوط الأمطار فإن سموم المنطقة يزداد توسعها عبر التربة.

وللإشارة – وحسب ذات المجاهد- فإن فرنسا خلال قيامها بهذه التجارب كانت تشغل 12 جزائريا و5 فرنسيين فقط، ناهيك عن العساكر الفرنسيين هذا وأضاف السيد جنان الدار قدور أنّه وبعد خروج فرنسا من هذه القاعدة فإنّ السلطات المحليّة زارت المنطقة وقامت بتسييجها، لكن كما ذكرنا سابقا فإن السياج سرق وذلك لإنعدام الوعي والمعرفة لدى المواطنين، وفي ذات السياق جدد محدثنا مطالبه حول ضرورة جمع النفايات ومطالبة فرنسا بالبحث عن المواد السامة التي تركتها في المنطقة والتي نطلق عليها نحن إسم »شعبة الرهج«.

ومن جهتها أفادت مصادر عليمة من مديرية البيئة لولاية بشار أن منطقة وادي الناموس تشكل خطرا كبيرا على حياة البشر، لاسيما خلال سقوط الأمطارأين تساعد هذه الأخيرة على توسع المنطقة المسمومة وهذا عبر مسامات التربة، ولهذا طالبت ذات المصادر من السلطات العليا ضرورة دق ناقوس الخطر وتكليف لجنة مختلطة من الباحثين والبيولوجيين من أجل وضع حد لزحف هذه السموم التي أضحت تهدد أنعام المنطقة فضلا عن سكانها ناهيك عن تلويث المحيط والجوّ.

دفع بنا فضولنا إلى الإنتقال الى وادي الناموس، وبالفعل كان لنا ذلك، كان الطريق شاقا جدا وسط الصحاري، مسلك غير معبّد، حجارة هنا وهناك، كنا نسير بواسطة سيارة رباعية الدفع رفقة نائب رئيس بلدية بني ونيف السيد مزراق محمد والمجاهد جنان الدار قدور ببطء شديد هذا الأخير وبالرغم من خلاء المنطقة على عروشها، إلاّ أننا إندهشنا لمعرفته للجهة جيدا فضلا عن أسماء بعض الفضاءات بها، كان يدلنا على الطريق وكأنه يأتي إليها يوميا، وفي هذا الصدد أبرز لنا بأنه يحفظ هذه المسالك الوعرة عن ظهر قلب، منذ الإحتلال الفرنسي للجزائر، بل ومنذ أن استغل الإستعمار منطقة وادي الناموس كقاعدة له.

* … وأخيرا وصلنا إلى وادي الناموس!

وصلنا الى وادي الناموس بعد معاناة وقساوة كبيرتين لا يستطيع القلم أن يعبّر عنها، لم نعرف في البداية أننا سنسملك طريقا كهذا، كان حلما بشعا بل كابوسا عشناه من العاشرة صباحا إلى الواحدة زوالا، ونحن ننتظر بفارغ الصبر الوصول إلى وادي الناموس وكلّنا تعب ، عطشا، جوع، إرهاق، غثيان، حتى أننا فقدنا بصيص الأمل في العودة من حيث أتينا، علماأننا كنا نسير وهواتفنا خالية من شبكة الإتصال، كنّا نفكر في إذا ما حلّ عطب بالمركبة فكيف سنصلحه وكيف بإمكاننا طلب المساعدة في ظل غياب البشر في هذه المنطقة، وصلنا إذن الى وادي الناموس وتحديدا الى القاعدة رقم 2 (2 La Base) وهو الإسم الذي كان يطلقه الفرنسيون على هذه المنطقة، لا حظنا بناية مشيدة بالحجارة، تضم 8 أبواب و8 نوافذ، دخلنا إحدى القاعات، والتي ذكر بشأنها المجاهد جنان الدار قدور، بأنها كانت تستغل لوضع الأنعام بما فيها الأحصنة، الأغنام، أما الغرفة الثانية فكانت تستعمل لتركيب المواد النووية، هذا على غرار الفضاءات الأخرى التي استعملت لنفس الغرض، وللعلم أن هذه القاعدة، وإلى يومنا هذا لاتزال تحيط بها النفايات التي تركتها فرنسا، بما فيها العجلات،أشياء حديدية مستعملة، ناهيك عن بقايا الرصاص وعلب المصبرات التي كان يتناولها العساكر الفرنسيون علما أن هذه القاعدة غير مسيجة أبوابها ونوافذها مفتوحة عن آخرها، ويمكن لأي كان أن يدخلها كبارا كانوا أو صغارا، وفي هذه الحالة تشكل هذه المنطقة خطورة أكبر على قاصديها والذين قد يجهلون مدى تسممها، لأنها كما ذكرنا تحتوي على مواد نووية سامة، يموت كل حيوان عشبي يتناول من أرضها القاحلة التي تغزوها الأعشاب القاتلة.

ونحن نشاهد بقايا الإستعمار الفرنسي، لقبنا المنطقة بالمتحف المسموم المتواجد على الهواء الطلق. غادرنا المنطقة التي تسكنها الأفاعي والضباع وكلّ أنواع الزواحق، لنفقد الأمل مجددا، لم نستطع إتمام الطريق، فإستنجدنا بالعساكر المتواجدين على بعد 30 كلم عن وادي الناموس، هؤلاء الذين قدموالنا يد المساعدة من مأكل ومشرب، لنواصل بعدها طريقنا وكلنا إرهاق وملل من الأراضي الجرداء التي كنّا نسير عليها لا أشجار، لا نباتات بدأنا نتمنى في أن يمضي الوقت بسرعة ونجد الطريق أمامنا لنخرج من هذا الفضاء، الذي بدى لنا المخرج منه وكأنه نقطة هروب ليست في صالحنا، تهرب منّا كلما وصلنا إليها.

* أسئلة وتساؤل بلا أجوبة

خرجنا من الكابوس الذي دخلناه بأرجلنا والأسئلة تحوم في مخيلتنا، أين السلطات المسؤولة التي تعتبر الوحيدة التي تمتلك الحلول، وكيف لها أن تترك السموم تتوغل وتتوغل؟ تساؤل آخر تبادر إلينا هل يدرك المسؤولون الجزائريون مدى خطورة هذه السموم أم أنهم تعذرت عليهم البدائل؟ وهل الدولة الجزائرية تفتقد للسبل الناجعة للقضاء على هذه النقاط الفتاكة بحياة الملايين من الجزائريين الذين يعيشون في صمت لا محدود في الوقت الذي يطالب فيه جيراننا المغاربة بالتعويض بسبب واقعة وادي الناموس؟ وما مصير مواطنينا الذين ربما قد لايعرفون درجة الخطورة في ظل غياب الوعي وعمليات التحسيس؟ وإلى متى ستبقى هذه البقية تتوسع ؟ وكيف لنا أن نقول بأن الجزائر استقلت مائة بالمائة؟ فبالفعل أخذت حريتها من المستعمر الفرنسي كإنسان لكنها لم تتحرر بعد من موروثه المسموم القاتل الذي لا يزال يدغدغنا بأنامله القارسة الوعرة، وهل ستعترف فرنسا بجرائمها الشنيعة سيتم إدماج منطقة وادي الناموس في خانة التعويض، وهل ، وكيف، ولماذا..وأسئلة أخرى لها أجوبة فقط عند القائمون على رأس الدولة الجزائرية الديمقراطية الشعبية بلد المليون ونصف المليون شهيد، بلد العزّة والكرامة التي ينبغي أن يحظى بها كل مواطن جزائري.

وللعلم أنه سبق وأن زار منطقة وادي الناموس جينرالات وقيادات عسكرية خلال السنة الفارطة ليقفوا على درجة خطورتها… ولكن؟؟!!! وبالتالي فإن الهيئة الجزائرية المناهضة للفكر الإستعماري تعتبر القانون الخاص بتعويض ضاحيا النووي الذي صدر في 30 جانفي من السنة الفارطة 2009 من طرف الجمعية الوطنية الفرنسية، مكملا لقانون 23 فبرايرالممجد للإستعمار وسيلة جديدة للمراوغة والتهرب من تحمل المسؤولية والإعتراف بجرائمها المرتكبة في حق الشعب الجزائري، وإنه لايكفي أن تقوم فرنسا بتعويض ضحايا التجارب النووية، وإنما يجب إجبارها على استرجاع عشرات الآلاف من النفايات المشعة المدفونة في صحرائنا، كون آثارها لاتزال قائمة، وعليها أن تعترف أنها أصبحت قوة نووية على حساب الجزائر والجزائريين.

وفي الوقت الذي صرفت فيه فرنسا الملايير لتطهير جزر »مور ودوار وفانفاتوفا« ببولونيزيا الفرنسية، وتفكيك الممنشآت النووية التي تركتها هنالك. غادر الجيش الفرنسي قواعده في الصحراء تاركا آلاف الأطنان والمعدات المشعة تحت الرمال لتقضي على الإنسان، الحيوان والبيئة والتي ستمتد آثارها لعدة قرون. وما تجدر الإشارة إليه أن فرنسا أجرت 17 تفجيرا نوويا بالجزائر – حسب تقديرات فرنسية – هذا ناهيك عن 40 تفجيرا مصغرا آخر. كما تدعو الهيئة الجزائرية المناهضة للفكر الإستعماري المواطنين الى الكفاح من أجل فضح جرائم فرنسا النووية في الجزائر والبحث عن الأساب الحقيقية التي أدت بفرنسا لإجراء تسع تفجيرات على أراضي جزائرية مستقلة.

http://www.eldjoumhouria.dz/article.php?id=3683