تاريخ

قصة الولاية السادسة و إعدام العقيد محمد شعباني

الولاية المغيبة: المؤامرات.. الدسائس و الاتهامات

“العقيد بن شريف خدم تحت راية الاحتلال و تحصل على الجنسية الفرنسية ! ”

أرسل إلينا السيد عبد الرحمان شعباني شقيق العقيد محمد شعباني مقالا مطولا وهو عبارة شبه دراسة جمع فيها ما بين الشهادة الذاتية والبحث التاريخي حول موضوعين مترابطين ومتلازمين هما الولاية السادسة ودورها في الثورة وترأس العقيد محمد شعباني لها وكيف سارت الأمور بعد الاستقلال وكيف تطورت إلى أن وصلت إلى تلك النهاية المفجعة..من جهتنا حاولنا تخليص ما أرسل به لنا السيد عبد الرحمان من بعض منا نعتقد أحكام ذاتية جدا “لا تفيد لا الوطن و لا التاريخ و لا الحقيقة”.
بقلم عبد الرحمان شعباني

نظرا للتصريحات التي يدلي بها أحمد بن شريف هنا وهناك فيما يخص العقيد المرحوم محمد شعباني و الولاية السادسة التاريخية والمحاكمة يطيب لي بصفتي شقيق المرحوم العقيد شعباني أن أورد بعض الملاحظات، مع تقديم بعض التوضيحات، وتصحيح بعض المغالطات، وفي ذات الوقت عرض مساره “الثوري” لهذا الرجل، ومعرفة مدى أهليته لتفسير بعض الوقائع أو إدانة بعض الأشخاص.

– الولاية المغيبة: المؤامرات.. الدسائس و الاتهامات
أول ما يمكن تسجيله هو استخفافكم بأهمية الولاية السادسة، وعدم تقديركم لدورها الإستراتيجي، مما جعلكم تعتبرونها قد حلّت، فضلا عن تطوّعكم باتهام قادة هذه الولاية بالسيطرة على القيادة وبالانتهازية وغير ذلك من الاتهامات التي تكشف عن ثأر دفين لرموز هذه الثورة، الذين تخرجوا من أكاديميات الجبال.
في البداية يجدر التأكيد أن الولاية السادسة لم تُحل أبدا، ولكنها كانت عرضة للمؤامرات والدسائس وللاتهامات كما هو معلوم..؟ وبالطبع كان العدو الاستعماري أبرز المناوئين لهذه الولاية، فقد قضي على قيادتها يوم 29 مارس 1959 أثناء معركة جبل ثامر (يقع على مسافة تقدر بحوالي 30 كلم شرق بوسعادة( )) وهو المكان الذي أضحى شبه مقدس لأنه شهد مقتل اثنين من أشهر وأنبل أبناء الجزائر المقاتلة، كما شهد إلقاء القبض على الرائد إدريس عمر الذي ألقى عليه العدو القبض حيا وجريحا، وحوّل إلى ثكنة الجلفة وأعدم فيها دون محاكمة، وكما تعلم، يا ابن شريف، فإن الجيش الفرنسي لا يقبل المساجين من “الفلاقة”، وربما لعبت “الأقدار الحميدة” دورها في تجنيبكم هذا المصير (أو ربما هذا الشرف) كما سنبين للقارىء فيما بعد.
وبالرغم من نجاح العدو في القضاء على مجلس الولاية السادسة في 1959، لكن ذلك لم يمنع الثورة من أن تستمر في هذه الربوع، بل كان دافعا لإعادة تنظيم الصفوف من جديد وهو ما تحقق بفضل رؤساء المناطق الذين كانوا على قدر كبير من الوعي والمسؤولية، وعلى دراية تامة بأن للضرورة أحكام، ولذلك قرروا في اجتماع جوان 1959 سد الفراغ الناجم عن استشهاد أعضاء مجلس الولاية السادسة، فعينوا مجلس ولائي جديد ومؤقت، يتكون من شعباني محمد رئيسا لمجلس الولاية، وكل من روينة محمد، الشريف خير الدين، عمر صخري وسليمان سليماني نوابا له مكلفون بمهمة محددة.
وهكذا، اختار رؤساء المناطق شعباني محمد، لا لشيء سوى لكونه رجل الظروف الصعبة. وإن المؤرخين المنصفين يقدرون حقيقة هؤلاء المجاهدين الذين كانوا وراء هذا الخيار، فهم فقط من يحسن تقدير مثل هذه الظروف، ويحرص على تجنيب الثورة الفراغ الذي قد تنجر عنه الفوضى، أما هؤلاء الذي كانوا بعيدون عن ساحة الوغى، فلا يمكنهم فهم أو تقدير ذلك.
والأجدر بهم ( أي البعيدون عن ساحة المعركة) أن لا يكيلوا التهم دون دليل، فشعباني لم ينتهز هذه الفرصة مثلما قلتم، لتقلد منصب قيادة الولاية، فهذا المنصب القيادي كان ثمرة مسار ثوري، ولم يكن أبدا نتيجة لعمل انتهازي، لأن الثورة عمل ديناميكي.
ولعلمكم فإن الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية وافقت على خيار قادة المناطق، وعينت أعضاء هذا المجلس بناء على اقتراح من وزير الدفاع المرحوم كريم بلقاسم (أحد الرموز الخالدة للجزائر المقاتلة) وذلك وفق المادة 22 من قوانين المؤسسات المؤقتة للدولة الجزائرية، التي تخول للحكومة المؤقتة تعيين الضباط السامين وأعضاء قيادة الأركان ورؤساء البعثات الخارجية، كما تعين المرشحين لمناصب المسؤولية.
وهذا يتناقض أيضا مع تصريحاتكم التي تذهبون فيها إلى أن العقيد بومدين هو الذي عين العقيد شعباني، فالتعيين كان بموجب المادة الأنفة الذكر، وليس من قبل شخص أنهى مهامه المرحوم بن خدة بصفته رئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، كما أنهى مهام أعضاء قيادة الأركان (EMG) و على رأسها بومدين، والوثائق موجودة على مستوى الأرشيف الوطني.
أما فيما يخص منطقة الجنوب الكبير، والتي كانت، أحد رهانات الاستقلال، فنظرا لأهميتها أرسلت قيادة الولاية الخامسة، التي كانت قد استقرت بالمغرب (وجدة)، وبالاتفاق مع قيادة الأركان والحكومة المؤقتة، مجموعة من الضباط لتنظيم المقاومة فيها، وفك الخناق عن الولاية السادسة، التي عانت من أهوال بلونيس واللفيف الأجنبي، خاصة من تلك المجموعة المسماة “سرب كلاب الأب الأسود” La Meute de Papa Noir، التي حاربت “الشلوح” بالمغرب، وكانت هذه الفرقة تتكون من الضباط التاليين( ): 1 – عبد العزيز بوتفليقة: قائدا سياسيا وعسكريا. 2 – عبد الله بلهوشات: مساعدا عسكريا.
3 – دراية أحمد: مساعدا مكلفا بالاتصالات. 4 – عيساني: مساعدا مكلفا بالتمويل. 5 – مساعدية: مساعدا ومحافظا سياسيا. 6 – موفق بودية نور الدين: مساعدا مكلفا بمراكز التدريب.
ولمزيد من التفاصيل وما دام لديك الخط الهاتفي المباشر لعبد القة (Abdeka) كما ناديته مؤخرا، وبنشوة، بأعلى صوتك من أعالي جبال الأوراس، فهذا الأخير يمكن أن ينير المؤرخين عن هذه الصفحة من تاريخ الجزائر، لأنه كان أحد الفاعلين في هذه الحقبة، حين كنتم أنتم تعيشون على هامش المعارك الجارية في الميدان، لأنكم كنتم سجينا.
– رهان الصحراء :
ويجرنا الحديث عن الولاية السادسة لتوضيح أهمية قضية الصحراء في حد ذاتها، وتبيان خطورة إخماد المقاومة فيها، لأن ذلك كان من أهم أغراض الاستعمار ليتسنى له الاستحواذ عليها، ولو تصفحت المرجع (الخاص بفصل الصحراء) سوف تكتشف بأن تصريح ديغول ليوم 16/12/1959، الذي اقترح فيه على جبهة التحرير الوطني إجراء استفتاء بعد وقف دائم لإطلاق النار من أجل تقرير المصير، يستثني فيه أقاليم الصحراء، التي ستحتفظ بها فرنسا إذا ما اختار الجزائريون الاستقلال·
كما أن الحكومة الفرنسية عبّرت عن هذه النوايا، وكشفت عن أهدافها من وراء ذلك، في جريدة البرلمان الفرنسي التي جاء فيها: < < إن الصحراء هي الضامن لإستقلالنا الطاقوي. فهذه الأرض غنية بالغاز الطبيعي والبترول وهي كفيلة بضمان الاستقلال الطاقوي للأمم الغربية لقارتنا، وإذا ما تخلّت فرنسا عن الصحراء لصالح جبهة التحرير، فهذا يساوي الحكم بالإعدام على فرنسا>> مثلما خلصت إليه هذه الجريدة.
وهذا ما يفسر لكم، لماذا جرت العديد من المحاولات لعزل الولاية السادسة من أجل منحها صفة الشريك الممتاز؟، كما تؤكد وثيقة فصل هذا الإقليم الكبير عن باقي الجزائر، ولكن مجلس الولاية السادسة الذي كان يرأسه محمد شعباني تفطن لهذا المخطط الخبيث، وندد بكافة محاولات الحكومة الفرنسية، بما في ذلك تلك التي كانت تهدف إلى جعل بني ميزاب شبه تجمع صغير مستقل ذاتيا على رأسه الشيخ بيوض، أي أنها أيضا تسعى لإيجاد طائفة ذات امتيازات·
وإمعانا في هذا المخطط الاستعماري قررت فرنسا إنشاء وزارة صحراوية تحت إمّرة “ماكس لو جين” (Max le Jeune)، بميزانية خاصة، وذات شخصية معنوية، وغير تابعة للحاكم العام.
وهذا ما بينه الجنرال ديغول عند قوله: < <يجب القول بأن استغلال البترول يجب أن يكون خاضعا لصلاحيات فرنسا، وأن مصالح الغرب مرتبطة بقوة باستغلال البترول، ولذلك يجب أن نبعدها عن أي تنازل سياسي، حتى ولو تحملنا من أجل ذلك أكبر عدد من الصعوبات>>
فهذا التصريح يكشف عن أهمية هذا الرهان، وعليه، فإن المنطق يقتضي من القيادة السياسية لجبهة التحرير تدعيم المقاومة في الجنوب، وهذا ما تم فيما بين 1959 و1961. ولذلك طرح كل من جبهة التحرير وجيش التحرير مشروع الولاية السابعة بهدف إفشال المخطط الفرنسي الرامي إلى إنشاء دولة صحراوية تشمل كافة البلدان الواقعة تحت الاحتلال الفرنسي مثل المالي.
ومن هنا، يعتبر حل الولاية السادسة، كما أشرتم، يصبّ في مصلحة الاستعمار، وهو ما لا يمكن أن توافق عليه الثورة، ولو من باب المقتضيات التكتيكية للمرحلة·
– المسار المشبوه :
إذا كان لا بد من ذكر المسار “الثوري”، فلا بد أن نذكّر القارىء أولا بانتمائكم للعائلة التي تعرف بعائلة جواد، وهي التي أمدت فرنسا، على الدوام، برجال ارتدوا بدلاتها العسكرية، ويعتبر والدكم مثالا صارخا لهؤلاء الذين قدّموا خدمات جليلة لفرنسا.
النقطة الثانية التي يجب التأكيد عليها، ليعلم القارىء مدى أهليتكم لإصدار الأحكام على رجالات الثورة الجزائرية، هو محدودية مساركم “الجهادي” في الزمان (12 شهرا) وفي المكان (تنس، مليانة بالولاية الرابعة) وهو مسار كما ترى لا يخوّلكم لمعرفة ما جرى فعلا بالولاية السادسة، حتى تؤكدوا خبر حلّها.
نحن نعلم أنكم خدمتم تحت راية الاحتلال بصفتكم عسكري متطوع في الجيش الفرنسي منذ سنة 1948، وأنكم تحصلتم على الجنسية الفرنسية، وحاربتم إلى جانبها ضد الفيتنام فيما بين 1949 – 1952، وعدتم بعد ذلك إلى الجزائر برتبة رقيب (سرجان). وبعد فترة تكوين بمدرسة الضباط بسان مكسنت Saint Maixent بفرنسا رقيتم إلى رتبة ملازم، وفي عام 1957 عينتم قائدا لمركز أولاد مريم بسور الغزلان، ثم التحقتم بالثورة، والله وحده يعلم هل كان الغيض هو الدافع لإقدامكم على ذلك أم أنكم كنتم تنفذون إستراتيجية ما( ).
غداة فراركم من الجيش الفرنسي أسند لكم جيش التحرير منطقة تنس-مليانة بالولاية الرابعة مثلما يروي لنا التاريخ، وبعد إثنى عشرة شهرا التحقتم بجيش الحدود (1958) لتعود إلى ذات الولاية خلال صائفة 1960 لإنجاز مهمة بعينها (اعتبرها شخصيا غير مشرفة) غير أن إيقافكم في 23 أكتوبر1960 برفقة المجاهد فلاح قد وضع حدا لمساركم كمتآمر في أوساط جيش التحرير الوطني.
ومن الصعب على المتتبع أن يفهم لماذا اغتيل الشهيد والبطل فلاح، رميا بالرصاص من مسافة قريبة، وقبل ذلك بسنة(1959) حظي الرائد الشهيد عمر ادريس بنفس الشرف الذي ناله البطل المحظوظ فلاح، أما أنتم فقد استفدتم من محاكمة أبقتكم على “قيد الحياة” داخل السجن إلى غاية الاستقلال ··؟
ولم يصبح خافيا على أحد أن المسافة الزمنية بين المحاكمة بالمدية والسجن في فرنسا لم تكن من دون مهام، فقد تم تحويلكم مباشرة إلى فرنسا بقرار من وزير العدل “إدموند ميشليه” Edmond Michelet بطلب من الإليزيه.
والسؤال الذي يتبادر للذهن هو هل يمكن أن يكون انتماؤكم لعائلة مقربة من فرنسا منذ عقود من الزمن مبررا كافيا لمثل هذا الإجراء “رحيم”؟. أم أن الأمر يخفي أشياء أخرى؟. فبعد يوم من إلقاء القبض عليكم دقيتم (24 أكتوبر) ناقوس الخطر من خلال توجيهكم للبرقية التالية إلى رئيس الحكومة المؤقتة فرحات عباس تقولون فيها: < <إن جيش التحرير أصبح معزولا، ومحروما من التموين والعتاد، وأن الشعب يطالب بإلحاح بالسلم···>>
وانتقدتم زيارته الأخيرة إلى بيكين وموسكو بقولكم: < < نحن نقف بكل قوة ضد الغزو الشيوعي... قف.. وأطلب منكم للمرة الأخيرة وباسم جيش التحرير الوطني والشعب أن تستأ نفوا فورا المفاوضات مع الحكومة الفرنسية من أجل إيجاد حل سريع للمأساة الجزائرية... قف.. وبوصفها ولاية نموذجية، فإن الولاية الرابعة ستتكفل بتأسيس هيئة عليا داخل التراب الوطني تتولى المفاوضات مع الجنرال ديغول حول مستقبل الجزائر...قف.. وأكرر للمرة الثانية أن ضميري هو الذي دفعني لتبني هذه اللهجة، وأخشى أنكم تجهلون تماما ما يجري داخل الجزائر؛ فعليكم إذن باتخاذ القرار قبل فوات الأوان، وفي حالة العكس فأنني لن أتحمل أية مسؤولية عما قد ينجر عن ذلك ( )>>
فهذا الاقتراح الصادر عن أحد المقربين من بومدين يذكرنا بمحاولة سي صالح (العقيد زعموم) التي سبقت هذا التصريح بأربعة شهور، ورفضتها حينها قيادة جبهة التحرير.
و لن نجد مثل الرائد بورقعة الثوري الأصيل بالولاية الرابعة ومساعد قائد الولاية منْ يفسر لنا مثل هذه التصريحات، وذلك من خلال تقديمه تعريفا دقيقا عن شخصكم، فهو يرسم في كتابه “شاهد على اغتيال ثورة” في الصفحة 126 صورة مثيرة لشخصيتكم كمبعوث لقيادة الأركان العامة إلى الولاية الرابعة في شهر جوان 1962 رفقة قايد أحمد فيقول: < < القدر الذي كان فيه قايد أحمد صريحا وشجاعا ويعرف ماذا يريد، بالقدر نفسه كان ابن الشريف ماكرا وكذابا ومخادعا ومتاجرا، فضلا عن صفة الحماقة الممزوجة بانعدام الشجاعة لديه"...... "فقدا كان الفار الوحيد من الجيش الفرنسي (DAF) الذي تقلد منصب عضو المجلس الوطني للثورة الجزائرية (CNRA). ولإلقاء الضوء على شخصيتكم مرة أخرى يمكن الرجوع إلى كتاب الجنرال "موريس فافر" Maurice Faivre المعنون "الأرشيف غير المنشور للسياسة الجزائرية" Les archives inédites de la politique algérienne 1958-1962 فهو يقدّم لنا خريطة تفصيلية تتضمن أدق المعلومات عن المسار الذي سلكتموه أثناء عبوركم من تونس إلى الولاية الرابعة ضمن وثيقة مصنفة سريا للغاية " إلى غاية 27/08/1999 المرفقة لاحقا. وتكشف الوثيقة على أن المكتب الثاني (2eme bureau) قد تتبع مسار بن شريف ومرافقيه من الجنود لمسافة تقدر ب700كلم، وسجل أدق المعلومات ( الخسارة في الأرواح والعتاد، أسماء الجنود والضباط المتواجدون في الموكب العسكري، وعدد الأفراد الذين يعملون كدليل، ومدة التوقف للاستراحة...) وكتعليق عن ذلك فإننا نورد المثال القائل بأن الدودة إذا دخلت التفاحة فستأكلها كلية، فإبن شريف نجى بمفرده، وأتم هذا العبور من خط موريس بشكل بطولي( ). ولكن يجب تذكير القارىء أن هناك وثائق عديدة أفرج عنها بعد 1999 كشفت بأن الحواجز الكهربائية لم تكن عوائق حصينة، ولكن مجرد بمثابة منبه للخروقات الممكنة. - الجريمة من وجهة نظر الجاني: بالرغم من ثبوت الجريمة إلا أن الجناة ما فتئوا يختلقون الأعذار لمراوغة التاريخ، ومن أشهر هذه المراوغات ما قدمه بن بلة وبومدين من تصريحات حول أسباب تمرد شعباني، وقد تكفل الكثير من الرجال لدحض هذه المغالطات منهم العقيد زبيري كما سنرى. 1- تصريحات بن بلة: أ) أرجع فيها أسباب ذلك إلى أكذوبة محاولة فصل الصحراء، كما جاء في تصريحه الذي أدلى به إلى الصحفي المصري لطفي الخولي في شهر ديسمبر 1964 بالقاهرة حيث قال: << إذا كان الحكم بالإعدام على شعباني ونفذ فيه الحكم رميا بالرصاص (بساعتين فقط بعد أن أصدر الأنذال الحكم) فذلك يعني أننا نمتلك الدليل على أن هذا الأخير كان يخطط لفصل الصحراء عن بقية الجزائر بمساعدة فرنسا>>·
ب) وكان صرح بنفس الأكاذيب، عندما وصف العقيد شعباني في خطابه ليوم عيد الاستقلال(05/07/1964) بأنه رجعي ومتشبث بأخلاق البشاغة بن قانة، وإنه ملك الكثبان الصحراوية، وليعلم القارىء فإن بن بلة عند ما زار بيت الله الحرام قام بزيارة عائلة آل سعود ليطلب منهم الاعتذار عن شتمهم والاستخفاف بعمائمهم.
ج) وفي 20 أوت 1964 عندما توجه فتحي الديب رجل الاستخبارات المصرية إلى الجزائر بناء على تكليف للوساطة بين بن بلة وخيذر( )، لإطلاعه عن فحوى المحادثات التي أجراها مع خيذر، ولما طلب هذا الأخير منه العفو لصالح المعارضين المسجونين، وكان رده هو كما ينقله الديب( ) < < أما بالنسبة لرجاء خيذر بشأن شعباني وزملائه، فأورد أنه سوف يحاكمهم خلال الأسبوع القائم، وإذا حكم عليهم سيقوم بإعدامهم، خاصة بعد حصوله على المستندات التي تدينهم بمحاولة قلب نظام الحكم، موضحا أن خيذر نفسه، الذي يدعي بأنه بعدم وجود علاقة له بالتآمر والمؤامرات، أحد هؤلاء المتآمرين>>
واستطرد الأخ أحمد ليطلعني على أسماء التشكيل الوزاري الذي كانوا يزمعون إعلانه بعد تنفيذهم لحركة إنقلابهم، وكانت( ): فرحات عباس: رئيسا للجمهورية
خيذر محمد: رئيسا للوزراء محمد بوضياف: وزيرا للداخلية حسين آيت أحمد: وزيرا الخارجية محمد شعباني: وزيرا للحربية· عمر ارزقان: وزيرا للعمل توفيق المدني: وزيرا للحبوس· أحمد فرنسيس: وزيرا للمالية·
وللعلم فإن عبد الناصر كان له الثقل الكبير في حصول الجريمة، التي اقترفت مع سبق الإصرار في حق العقيد شعباني، فبن بلة لا يمكنه أن يتخذ مثل هذا القرار دون الرجوع إلى سيده بمصر، الذي عرف بدوره بأستاذيته في التصفيات الجسدية لمعارضيه( ). وهو الذي صرح إلى تلفزيون مصر في عام 2006 أن أمنيته أن يدفن في القاهرة، وكيف لا؟ وقد تمنى أن يصبح العلم الجزائري مجرد نجم يضاف على علم الجمهورية العربية المتحدة.
وفلا عجب أن يكون فتحي الديب كان على علم بحكم الإعدام في حق شعباني، منذ يوم 20/08/1964، أي قبل أن تنعقد المحكمة ببضعة أيام (02/09/ 1964) كما كان مصدقا لبن بلة، فعندما عرض تقريره عن المهمة لرئيسه عبد الناصر قال له: < <من البديهي أن خيذر يتعاون مع المعارضة التي أعطاها جزءا من الأموال... وكان هدفه من وراء مطالبتنا بالتوسط بينه وبين بن بلة هو الظفر بتعاطفنا من أجل تسوية قضية الأموال ومن أجل إنقاذ شعباني المتواطيء معه في الانقلاب المبرمج·>>
2) أما ما صرح به بومدين (رئيس مجلس الثورة) حول هذه القضية في حواره مع لطفي الخولي، ( تنصل من المسؤولية) فجاء فيه: < < ··· بن بلة هو الذي دفع الأخ شعباني إلى هذه الغاية المأساوية، إلى الموت··· فخلال سنة كاملة بذل بن بلة كل ما بوسعه من أجل تأزيم العلاقات بين قيادة الأركان وشعباني قائد الناحية الرابعة (الصحراء)، ثم عين بن بلة بعد ذلك العقداء شعباني، الزبيري وأنا شخصيا أعضاء في المكتب السياسي، وهم كلهم مسؤولون عن قيادة الجيش (ما يشبه قيادة جماعية على رأس الجيش)، ثم يضيف بومدين قائلا: "وبموجب هذا القرار كان بن بلة يريد وضع حد لوجود شعباني كقائد ناحية على الصحراء وتعيين شخص آخر بدله، إلا أن شعباني كشف خديعة بن بلة ورفض الالتحاق بالمكتب السياسي"، (راجع لطفي الخولي) عن الثورة في الثورة وبالثورة، صفحة 80 إلى 82· فكما يلاحظ فإن بومدين أراد أن يبعد الأضواء عنه كأنه لم يكن الصانع الفعال في الساحة السياسية والعسكرية للجزائر وللرد على هذه المغالطات فإن تصريح الطاهر الزبيري قائد الولاية الأولى (الأوراس) يمكنه أن يلقي الأضواء على أسباب الجريمة، فقد جاء في تصريحه في جريدة "لوسوار دالجري)Le Soir d’algérie 13-10-1990: <<إن شعباني الذي كان يتوفر على ثقافة واسعة، كان يرفض أن يرى ضباطا من الجيش الفرنسي يتقلدون مناصب مسؤولية أخرى غير المسؤوليات التقنية، وكان ذلك أحد الأسباب التي جعلته يختلف مع بومدين. والواقع أن شعباني عندما تناول الكلمة بمؤتمر جبهة التحرير في أفريل 1964، طالب بإلزامية تطهير الجيش من العناصر المندسة المعروفة بولائها لفرنسا الاستعمارية·>>
علاوة على رفضه حل جمعية العلماء، ووضع رئيسها الشيخ البشير الإبراهيمي تحت الإقامة الجبرية، ولا ننسى أن شعباني كان من طلاب جمعية العلماء بقسنطينة قبل أن يلتحق بالثورة إثر النداء الذي وجهته جبهة التحرير الى الطلبة يوم 19 ماري 1956·
وإمعانا في أعماله الشنيعة جعل بن بلة من وزارة الأوقاف مجرد هيئة خاضعة لأوامره، حيث كانت أشبه ما تكون بهيئة دينية في خدمة السلطة، ولم يمنعه إنشاء هذا الهيكل الديني، من الذهاب إلى موسكو وتسلم جائزة لينين (هذه ميدالية مخصصة لعظماء الشيوعية)، ومن اختيار بدلة ماوتسي تونغ (برقبتها الغريبة) لباسا مفضلا له، كما أعطى إسم شي غيفارا لاحدى الشوارع الكبرى بالجزائر العاصمة، أما إسم الشهيد العربي التبسي فقد أعطي لإحدى الأزقة الصغيرة ببلكور·
ومن هنا، فقد كان سلوك بن بلة، مع الجمهورية الجزائرية، كما يصفه فرحات عباس، أشبه ما يكون بسلوك فاجرة متزوجة بالإسلام، تنام سرا بفراش ستالين.
ومن جهة أخرى فيمكننا معرفة الأسباب الحقيقة للحكم على العقيد شعباني من خلال سلوككم معه منذ بداية اعتقاله، فمثلما جاءت على لسان شعباني قبل ساعتين فقط من الوقوف أمام قتلته، والتي أسر بها إلى أحد الرفقاء وهو الرائد خير الدين، وهذا بالسجن العسكري بسيدي الهواري، كان فحواها: < < عندما أوقف العقيد شعباني حوّل من بوسعادة إلى الجلفة (100 كلم) على متن سيارة من نوع لاندروفر وهو مكبل اليدين وملقى على بطنه (أشبه ما يكون بكيس)، في حين كان إبن خادم فرنسا يتقدم القافلة العسكرية في سيارة من نوع DS بالاص واضعا كلبيه من نوع الكلاب الألمانية بالمقاعد الخلفية للسيارة، وهذه ذات الطريقة التي كان يعامل بها الأسياد الكولون المواطنين الجزائريين (الأنديجان)·>>
وكما يقال تزول الجبال ولا تزول الطبائع، لما وصل إلى الجلفة وهو لا يزال مكبل اليدين، طلب شعباني أن يأتوه بفنجان قهوة، فكلف أحمد ابن الشريف جنديا بتلبية هذا الطلب وأمره بسكب القهوة على وجه العقيد شعباني، وأن يقول له بأن هذه هدية من عسكري سابق في الجيش الفرنسي! فهكذا يتصرف أحد نبلاء “الجواد” يا سيد يا ابن الشريف·؟!
وهذا أمر ليس غريبا عنكم أيها السيد فقد مارستم التعذيب على مناضلين مدنيين وعسكريين من الولاية السادسة، حيث فقد البعض منهم أكثر من 30 كلغ من وزنهم خلال أسبوع فقط من التعذيب، مثل حال بسليمان سليمان المدعو لمنور، الذي يعمل كتاجر وممول الثوار باللباس بالولاية السادسة، وقد نشرت شهادته المأساوية عدة مرات بالجرائد سنة 1990، وللعلم هناك الكثير الذين أصيبوا بكل بساطة من قبل رجال الدرك تحت إمرة ابن الشريف بمنطقة الجلفة، لأنهم كانوا إما ثوارا أو مناضلين بالولاية السادسة، وللعلم كان الرجل يتصرف في هذه المنطقة كسلطان للجمهورية، بل أنه أساء حتى للمحيط الحيواني الذي أهداه إلى أمراء الخليج. وأنا أعفيك من ممارساتكم الفظيعة في الفترة الممتدة بين 1965 – 1975
وللعلم أيضا أنكم لم تغادروا مدينة وهران إلا بعد أن تأكدتم، بأنفسكم، بأن شعباني قد لفظ أنفاسه الأخيرة، وهو الذي لم يبلغ سوى 30 سنة من العمر في صبيحة ذلك اليوم الموافق لـ 3 سبتمبر 1964، وهو سلوك غير غريب عنكم فنحن نعلم أنكم “حضرتم” في تونس عملية إعدام عقداء النمامشة العموري، نواورة وعواشرية، وقد رأيتم-على الأقل- كيف مات العقيد السعيد عبيد بمكتبه أثناء أحداث العفرون (تمرد الطاهر الزبيري) وكان معكم حينها سليمان هوفمان·
وبتاريخ 04/09/64 نشرت جريدة الشعب في صفحتها الأولى المرسوم المتعلق بالعفو على السيد زنادي الذي اغتال محمد خميستي وزير الخارجية، وجاء في نفس الصفحة الإعلان عن إعدام العقيد شعباني·
وكان الطاهر زبيري الوحيد الذي احتج على المصير الذي حدد لشعباني، لكن بومدين طلب منه ألا يفعل أي شيء من شأنه تغيير رأي بن بلة ومنح العفو عنه.
أما فيما يخص المحكمة العسكرية التي كان مقرها السجن العسكري بوهران، التي تفتخرون بها، فما كنتم تجهلونه هو أن هذه المحكمة، أنشئت خصيصا لإصدار حكم واحد فقط، حكم غير قابل للاستئناف ونافذ في الحين، ونظن أن هذه المحاكمة تجد مرجعيتها في المرسوم (26/09/1842) الذي أنشأ المحكمة العسكرية، تعتبر أحد الفظائع القانونية، التي كانت تطبق في المناطق العسكرية، وهكذا فإن التاريخ يعيد نفسه، ولكن بشكل مأساوي.
ولكن هل يعقل أن تفتخروا بالحديث عن المحكمة، فيا لسخرية هذه العدالة التي عين بومدين أعضاءها وهم: أنتم يا ابن الشريف، الشاذلي بن جديد، بن سالم عبد الرحمان وهو رجل أمي، ودراية قابض بحافلة نقل كانت تربط بين سوق أهراس وعنابة، أما رئيس المحكمة، أي زرطال فلم يكن له حق الكلمة، كانت هذه هي المحكمة “الحقيقية”، بدون محام ولا شهود، وكانت تتكون من أعضاء يخضعون لأوامر تملى عليهم، فعار عليكم أن تقولوا أن عدالة الله هي التي نفذت في حق شعباني، فقد كان حكم صادر من مزوري التاريخ من أمثالكم، وفي حق من كان عضوا في المكتب السياسي، وهذه العضوية بحد ذاتها لا تسمح بمحاكمته من طرف محكمة عرفية، كما أن هذه العضوية لا تنزع إلا من طرف المؤتمر.
إن خروقات بن بلة للقوانين الاساسية للحزب و للدولة كانت فضيعة، إلا إنه هو من صادق على الدستور في قاعة سينما L’EMPIRE في غياب البرلمانيين، وفرحات عباس رئيس البرلمان، قاعة السنما هذه توجد على مقربة من مقر البرلمان بحوالي 200 متر.
ألا تعلم انه عندما تم القبض عليكم يوم 20 أكتوبر 1960، سلمتم أنفسكم بلا قتال من خلال وضع لباسكم الداخلي (Le Caleçon) على فوهة البندقية في شكل راية بيضاء، ومع ذلك نحن نعتقد أن ذلك شكلا من أشكال الدعاية الرامية إلى تثبيط عزيمة المقاتلين الثوار· واعلم يا سيد ابن اشريف، أن ابن بلة قال للتي ستصبح زوجة له فيما بعد في اليوم الذي أوقف فيه من قبل جماعة 19 جوان 1965، وهو يكابد وحدانيته، أن صورة العقيد شعباني ما فتئت تلازمه، فهذا الأخير تعرض على الأقل لوخزة ضمير أشبه ما تكون بندم قابيل الذي ظل يلازمه إلى غاية قبره جراء الجرم الذي اقترفه في حق شقيقه هابيل·
وأعلمكم أن حسين ساسي رفيق درب شعباني، فلم يفرج عنه بسبب صغر سنه، كما صرحتم، حيث حوّل من السجن العسكري بوهران إلى سجن الكدية بقسنطينة، مثل جغابة، الطاهر لعجال، السعيد عبادو بصفتهم نوابا في أول مجلس وطني شعبي، وبالطبع ذلك كله بعد اغتيال شعباني من قبل الأنذال·
وفي هذا الصدد، يصف الدكتور أحمد طالب الابراهيمي الظروف المؤلمة التي كابدها النواب ومناضلو الولاية السادسة بالسجن العسكري بسيدي الهواري بوهران (مذكرات جزائري، ص 196- 200)·
لم يفرج عن رفقاء شعباني إلا بعد انقلاب 19 جوان 1965، بما في ذلك حسين الساسي، الذي كان مندوب الولاية السادسة في مؤتمر طرابلس، حيث لم يكن يفصل بينه وبين بومدين، الذي كان جالسا إلى جنب بن علة، إلا مقعدا واحدا فقط، وعليه فقيمة الرجال لا تحسب بعدد السنوات (صيف الاختلاف لـ” علي هارون، الصفحة 14، 15 ،16)·
ألا تعلمون ما قاله فرحات عباس عن هذا المؤتمر، الذي أثنيتم عليه، وأنت تبكي أمام جنود الولاية الرابعة بعد أن فكوا قيودك وطردوك من ولايتهم، حيث قال فرحات عباس < <لقد تحدثنا كثيرا عن مؤتمر طرابلس وقد كنت من المشاركين فيه، والحقيقة أن هذا المؤتمر كان مجرد مؤتمر لتصفية الحسابات في أقبح صورها>>·
فالرجل كان في مكانة تؤهله لمعرفة ما حدث فعلا في هذا المؤتمر، (الاستقلال المغتصب، الصفحة 48)،
أما المجلس الوطني للثورة الجزائرية، المنعقد بطرابلس ما بين 16/12/1959 و 18/01/1960 ( دام 33 يوم) والذي تفتخرون به كونكم أدمجتم عضوا فيه بفضل بومدين، الذي بدأ نجمه يظهر على الأفق، فقد بدأ (هذا المجلس) يلفظ أنفاسه، أنه عيّن من طرف العقداء العشر بطلب من الحكومة المؤقتة، ونظرا للصراع الذي نشب بين العقداء التاريخيين الثلاثة وهم: كريم بلقاسم من جهة وبن طبال لخضر وبوصوف عبد الحفيظ من جهة أخرى، فهذا يكشف بأن الانشغال الأساس لهذا المجلس كان هو المحافظة على وحدة مؤسسات في قمة الجبهة، والحذر من أن يستغل هذا الصراع من طرف الدعاية الفرنسية.
إذن فمن أجل إنهاء الأزمة الداخلية للحكومة المؤقتة بدأ المجلس أشغاله في أجواء تدل، وكـأنه، على وشك “الاختتام” كما صرح فرحات عباس. وحتى ينعقد المجلس فإن العقداء الثلاث وباسم الحكومة المؤقتة، استدعوا مرؤوسيهم، بما فيهم بقية العقداء، ودام المجلس قرابة 04 أشهر، مع توقف أحيانا لمدة 20 يوما (وانعقدت تحالفات وإخفاقات أثناء ذلك) تلاه اجتماع المجلس الوطني للثورة الجزائرية ودام الاجتماع كله لمدة فاقت 4 أشهر.
وذلك لتعيين حكومة مؤقتة متفق عليها يرأسها فرحات عباس (الأقل انتظار في هذه الظروف)، لم يتضمن جدول الأعمال هذا المؤتمر مشكلة الولاية السادسة، ولم تكن الولاية السادسة ممثلة في هذا المجلس، كما دلت عليه وثيقة الحضور، ومن دون أي تعليق. والكل يعرف الأسباب: مجلس ولائي جديد لم يصادق عليه بعد، لكن سيصادق عليه فيما بعد.
القرار الوحيد الذي صدر عن الحكومة المؤقتة المتعلق بالتقسيم الإداري هو ضم الجزائر العاصمة إلى الولاية الرابعة وهذا بتاريخ 12/06/1961، ولتمكين القراء أو الباحثين في تاريخ الثورة من استفسارات، فهذا الموضوع يعد فيما يلي: العقداء العشرة الذين حضروا المؤتمر المنعقد في الفترة الممتدة من 16/12/1959 إلى غاية 18/01/1960 وهم:
– كريم بلقاسم، عبد الحفيظ بوصوف، عبد الله بن طبال ( ممثلو الحكومة المؤقتة ولكن في حالة صراع) محمدي السعيد ( قيادة العمليات العسكرية شرقا)، بومدين ( قيادة العمليات العسكرية غربا )، لخضر عبيدي ( الولاية الأولى )، علي كافي ( الولاية الثانية )، يازروان السعيد (الولاية الثالثة)، دهيلس سليمان (الولاية الرابعة)، العقيد لطفي بن علي دغين (الولاية الخامسة).
أدى هذا التدخل المكثف للعقداء في أمور السياسة إلى انعقاد مؤتمر وطني للثورة الجزائرية متكونا من ¾ من العسكر، مما دفع بالرئيس بن خدة بالقول إلى اعتبار تعيين أعضاء المجلس الوطني للثورة من طرف العسكر لوحده بمثابة انقلاب. وفي هذه الظروف يحتاج الإنقلابيون إلى دعم وليس الإقدام على ذلك ضمن الانقسامات كما يظن ابن شريف.
بعد إطلاع العقيد لطفي على الانقسامات الخطيرة بين العقداء التاريخيين الثلاثة إبان صائفة 1959 من أجل المناصب ( مناصبهم ومناصب مناصريهم ) اقترب من فرحات وأخبره بمخاوفه فقال( ):
< < جزائرنا في خطر ستضيع بين أيادي العقداء، لنقولها الأميين، فقد لاحظت عند أغلبيتهم تصرفات بطرق فاشية، يتمنون كلهم أن يكونوا سلاطين يتمتعون بحكم مطلق. فوراء، خصوماته، كما يضيف، أرى خطرا كبيرا يتربص بالجزائر المستقلة، فهو لا يتوفرون على أبجديات الديمقراطية، ولا الحرية ولا المساواة بين المواطنين. فهم يحتفظون بالقيادة التي يمارسونها، والشغف بالسلطة والشمولية ، فكيف ستصبح بين أيديهم ؟. فعليك أن تفعل شيئا قبل فوات الأوان، شعبنا مهدد>> كان العقيد لطفي متخوفا على الجزائر المستقلة، ولذلك تمنى الشهادة في الجبال قبل الاستقلال، ولأنه كان صادقا في طلبه فقد نال العقيد لطفي الشهادة يوم 30/03/1960 بنواح بشار وهذا بشهرين بعد مؤتمر طرابلس الأول.
وقد أدلى شهيد آخر بنفس التصريح إلى العقيد بيجار Bigeard ساعات قبل مقتله، ألا وهو العربي بن مهيدي، حيث قال: < <حينما نصبح أحرارا ستحدث أشياء فضيعة، سننسى آلام شعبنا من أجل المناصب، سيحدث صراعا من أجل السلطة، وبالرغم من أننا في أوج الحرب فالبعض يفكر في ذلك... نعم أتمنى الموت في ساحة الوغى قبل النهاية>> ولعل ابن مهيدي تذكر الاعتداء الذي تعرض له من طرف بن بلة بالقاهرة عام 1956، لأنه ذكر بن بلة الذي اتصل بمفرده بعبد الناصر بمفرده، بمبدأ العمل الجماعي الذي خرقه. التي قام بها باتصاله عدة مرات بجمال عبد الناصر خارقا مبدأ التسيير الجماعي.
وللعلم فإن بن بلة وقع في مثل هذه الفحش في القول حتى ضد رجال عرفوا بالنضال والكفاءة والنزاهة السياسية والفكرية، مثل بن خدة وفرحات عباس، حيث أقدم على ذلك ضد بن خدة خلال اجتماع المؤتمر الوطني للثورة الجزائرية ليلة 5 إلى 6 جوان 1962، وهو الذي كان نائبا لرئيس الحكومة المؤقتة، ( الكل يعلم ما الذي أنجرى على هذا المؤتمر من نتائج وخيمة لا تزال الجزائر المستقلة تعاني منها إلى يومنا هذا)
وبعد إطلاق سراحه في عام 1981 زار بن بلة الرئيس بن خدة في بيته طالبا منه الاعتذار لما فاته من مظالم في حقه.
إن الانجذاب المطلق نحو السلطة هو الذي حدد خيارات قادتنا، الذي مانوا محاطون بالمتزلفين، الذين هم مستعدون لخدمة أنفسهم. ويعتبر ابن شريف مثالا صارخا لهؤلاء المتزلفين، حيث أفرط في استغلال منصبه بعد ترقيته كقائد أول لسلك الجندرك، وكانت ممارساته في غاية العنجهية حيث لم يتحرج في استخدام أي وسيلة لتحقيق أغراضه.
وقد كان هناك العديد من الذين ساروا على دربه إبّان الحكم المزودج لبن بلة وبلومدين، حيث اقترنت عبادة الأشخاص والمغامرة بالديكتارتورية والشمولية.
والكل يعلم أن أتيلا Attila le Hun أحرق الأراضي من أجل كسب المعارك، غير أن ابن شريف، الذي يتميز بالشراهة، أساء حتى إلى التوازن الطبيعي للسهوب، وهي التي كانت محترمة من طرف العشائر الرحل. ولو كان شعباني على قيد الحياة لما استطاع الإقدام على ذلك. ولكن ما يجهله ابن شريف أن أتيلا ATTILA مات متخوما بعد انتصار في معركة، فحتى المحارب الذي لا يتحكم في شهواته قد يقع ضحية لها.
وفي الختام نذكر بما قاله بن خدة( ) من أنه بعد حصول البلاد على استقلالها تم وضع وثائق الأرشيف التابعة لجبهة التحرير الوطني في شاحنة وسلمت هذه الوثائق لقيادة الأركان لتحويلها إلى الجزائر، لكنها لم تصل أبدا إلى وجهتها، ووجد الجزء الأكبر منها في الأرشيف بفرنسا.
ويقول بعض “المتحاملين” أن هذا الأرشيف يتضمن وثائق تسيء لبعض العائلات والأسماء المعروفة بولائها لفرنسا الاستعمارية، وهي تحتل مسؤوليات سامية داخل المؤسسات الأكثر حساسية في الدولة الجزائرية الناشئة.
ومن بين هذه الوثائق نذكر البرقية التي أرسلها العقيد شعباني إلى الحكومة المؤقتة والى قيادة الأركان هذا هو مضمونها:
< < منذ الإعلان عن الاستقلال شرعت عناصر مسئولة تقول أنها موكلة من قبل الحكومة المؤقتة في خلع مناضلين من مناصبهم، وهم مناضلون ساهموا في الكفاح الثوري وتعويضهم بأشخاص آخرين كانوا أعداء للشعب.. قف.. وهذا يجري في بعض المدن لبعض الولايات..قف.. يجب علينا لفت انتباهكم إلى الخطورة الملحة لهذا السلوك، الذي لا يثير سوى غضب السكان...قف.. وإذا ما تواصل هذا الأمر..قف.. نخشى فقدان ثقة الشعب..قف.. مما يعني فقدان تأييده في الاستفتاء القادم..قف.. أخويا..قف >>
تاريخ وساعة الإرسال: 19 أفريل 1962 على z12.50 (Nr.483.545)
تاريخ وساعة استلام البرقية: 24 أفريل 1962 على الساعة 23:00
التوقيع: كاتب الشفرة مدني·
تأشيرة رئيس مركزالتنظيم بتونس· ترى لماذا وجدت هذه البرقية ضمن وثائق الأرشيف الفرنسي، فهذا يعني أن جيش الحدود كان مخترقا بشكل واسع جدا.؟
أخ العقيد شعباني

عن أسبوعية المحرر.

—–

الخبر الأسبوعي عدد 513 من 27 ديسمبر 2008 إلى 02 جانفي 2009
عبد الرحمان شعباني أخ العقيد محمد شعباني :
هكذا فعلوا بشعبـاني

لا يستطيع أيا كان أن يدعي أنه يملك الحقيقة التاريخية المطلقة (و لو أدى اليمين قائلها) خاصة إذا كنا نتكلم عن فترة زمنية تاريخية لا يزال صانعوها على قيد الحياة، لكننا نعتبر أن الزمن يعتبر عاملا أساسيا في الكشف عن الحقائق التاريخية التي كانت عرضة للتعتيم والتضليل تارة، و للتفسيرات و التأويلات الخاطئة تارة أخرى، بغض النظر على الأغراض و المقاصد التي تقف ورائها.
ووعيا مني بضرورة المساهمة في تخليص الحقيقة التاريخية من يد أولئك الذين “اغتالوا الثورة” و “اغتصبوا الاستقلال” كان لزاما علي أن أساهم في هذا الموضوع خاصة بعد الجدل الكبير الذي أثارته شهادة الرئيس السابق الشاذلي بن جديد في الملتقى الذي عقد بالطارف حول القاعدة الشرقية ( 27/11/2008). جريدة الخبر عدد 04/12/2008 و جريدة LIBERTE عدد 14/12/2008
هذا الأخير الذي أعترف بمسؤولية الرئيس بن بلة عن الجريمة الفظيعة – والتي شارك فيها- التي ارتكبت في حق العقيد شعباني، محاولا في الوقت ذاته تبرئة الرئيس هواري بومدين مقسما بالله أن ما قاله هو الحقيقة في الوقت الذي يصرح فيه بأنه جيء به من قسنطينة حيث كان يشغل منصب قائد الناحية الخامسة، أما نحن فنقول إن الحقيقة التي ستكون لديها أوراق أخرى، لتوزعها حتى تكتمل صفحة من صفحات تاريخنا الذي أرادوا تمزيقها.
إن الخيار الاشتراكي الذي فرض على الشعب الجزائري غداة الاستقلال، سواء كان الاشتراكية القومية العربية (الناصرية) التي نادى بها بن بلة، أوالاشتراكية الإسلامية التي نادى بها بومدين لم تكن في الحقيقة إلا اشتراكية فاشية، تخفي تحتها رغبة جامحة للإنفراد بالسلطة، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى نظام حكم طغت فيه الشخصنة Personnalisation على المؤسساتية، هذا النظام الذي جاء بأناس أرادوا أن يبنوا تاريخا على مقاسهم يظهرهم في صورة الأبطال المكللين بأوسمة المجد، فارضين على الناس (حتى لا أقول الشعب) أن يحنوا رؤوسهم تمجيدا لهم، وجمع حوله –النظام– زمرة من المتملقين والانتهازيين الذين تقيدهم المصلحة الخاصة و الإثراء السريع عن طريق المنصب من أمثال العقيد أحمد بن شريف قائد الدرك الوطني لمدة 15 سنة.
أما عن قراءتي لاعترافات الرئيس الشاذلي بن جديد و إدلائه بأسماء الجناة ومساعديهم في اغتيال العقيد شعباني، فإنه كان صادقا مع نفسه مصدقا حقيقته التي أمليت عليه من طرف الرئيس بومدين، ومن جهة أخرى، فإنه وبعيدا عن القراءات السياسية التي ربطت بين شهادته والحراك السياسي الحالي (التعديل الدستوري و الانتخابات الرئاسية) فإن الشاذلي كان إنسانا قبل أن يكون رئيسا، واستيقظ فيه ضميره ليؤنبه على مشاركته في جرم كان في قرارة نفسه رافضا له، ارتكبه تنفيذا لأوامر الرئيس بن بلة القاضية بإعدام عضو المكتب السياسي أعلى هيئة في الدولة، والضابط الأعلى رتبة في الجيش و الأصغر سنا، تلك الرتبة التي استحقها و انتزعها بجهاده وباقتراح من رفقاء السلاح، وهنا أغتنم الفرصة لأطرح السؤال الآتي: لماذا ألتزم أعضاء المكتب السياسي العشرة الصمت، إزاء المساس بهيئتهم ؟، ذلك أن بلة خرق قوانين الحزب التي تنص على أن رفع الحصانة يكون بقرار من مؤتمر الحزب، أهو الخوف، أم أن هناك اعتبارات أخرى.
أما محاولة الشاذلي بن جديد تبرئة الرئيس بومدين من مسؤولية اغتيال شعباني، فإن الوثائق والنصوص القانونية لا تسعفه، وتفنيدا لما قاله نورد مجموعة منها لا تحتاج إلى تعليق.
– أولا: المرسوم المؤرخ في 02/07/1964 المتعلق بإنهاء مهام عضو هيئة الأركان للجيش الشعبي الوطني العقيد محمد شعباني، هذا المرسوم الذي أصدره بن بلة رئيس الجمهورية بناءا على تقرير نائب الرئيس ووزير الدفاع، هذا التقرير الذي يفترض أن هناك نسخة منه على مستوى رئاسة الجمهورية وأخرى بوزارة الدفاع والذي نطالب بالكشف عن محتواه لتحديد طبيعة التهم الموجهة إليه.
– ثانيا: المرسوم الرئاسي المؤرخ في 02/07/1964 المتعلق بتجريد العقيد شعباني من رتبته العسكرية وفصله من الجيش بناءا على تقرير من وزير الدفاع، والسؤال ذاته يطرح، ما الذي احتواه هذا التقرير ؟ !.
أما فيما يخص تساؤل الرئيس الشاذلي بن جديد و استغرابه تلك الرغبة الملحة في التخلص من شعباني، فإننا نؤكد أن هذا الإقرار يؤكد وجود هذه اليد الخفية لبومدين، المتسترة بالرئيس بن بلة، والتي حاكت بدقة خيوط الجريمة التي راح ضحيتها شعباني، وجانب كبير من تاريخ الجزائر.
– ثالثا: القرار المؤرخ في 03/08/1964 المتعلق بتعيين أعضاء المحكمة، حيث تم اختيارهم جميعا باستثناء رئيس المحكمة من طرف هواري بومدين وهم على التوالي:
– العقيـد أحمد بن شريف.
– الرائد سعيد عبيد ( سدراتة ).
– الرائد الشاذلي بن جديد ( بوثلجة – الطارف).
– الرائد عبد الرحمن بن سالم ( بوحجار).
والذي راعه في اختيارهم انتماءاتهم الجهوية بالإضافة إلى ممثل الحق العام أحمد دراية (سوق أهراس) والذي كان محكوما عليه بالسجن من طرف GPRA ، ثم إطلاق سراحه بتدخل من بومدين، ثم تكليفه بمهمة تحت رئاسة عبد العزيز بوتفليقة، ثم تعيينه بقرار صادر في نفس اليوم ومن طرف نفس السلطة.
وتأكيدا على اليد الخفية لبومدين، فإنه لم يكتف فقط بإصدار القرارات المتعلقة بتنظيم المحكمة، بل قام بخرق الإجراءات القانونية، هذه الحقيقة التي كشفها الشاذلي دون قصد حيث أكد أن العقيد بن شريف لم يكن ضمن هيئة المحكمة، الأمر الذي يعد خرقا للمادة 02 فقرة 02 من الأمر 21/211 المؤرخ في 28/07/1964 المتعلق بإنشاء المحكمة العرفية والتي تنص على : ” المحكمة العرفية تتشكل من:
– رئيس يتم اختياره من طرف وزير العدل.
– أربعة (04) قضاء مساعدين من ضباط الجيش الوطني الشعبي، معينين من طرف وزير الدفاع الوطني.
– ممثل الحق العام: ضابط من الجيش الوطني الشعبي معين من طرف وزير الدفاع.
وبغض النظر عن شرعية المحكمة التي أوجدها كل من بن بلة وبومدين لإعطاء الصبغة القانونية للجريمة، فإن عدم احترام المادة 02 المذكورة أعلاه يعد عيبا في الإجراءات يمنع من انعقاد المحكمة لعدم اكتمال تشكيلتها، وذلك لغياب العقيد أحمد بن شريف الذي أمضى على الحكم بعد ذلك رغم غيابه؟! مما يؤكد أن الحكم الصادر كان حكما سياسيا بطابع قانوني صادر عن عسكريين مأمورين لا إرادة لهم.
أما العقيد بن شريف والذي يفترض أنه كان عضوا بالمحكمة فقد كلف بمهمة أخرى من طرف بومدين، حيث قام بمحاصرة الثكنة التي أجريت فيها المحاكمة وتحويل الضحية شعباني إلى مكان تنفيذ الإعدام، الذي هيأه وطوقه بقوات الدرك الوطني لمدة ساعات وقبل انطلاق المحاكمة، الأمر الذي أكده الشاذلي مرة أخرى دون قصد.
إن دور بومدين في قضية تصفية شعباني لا ينفي مسؤولية بن بلة هذا الأخير الذي قام بإصدار الأمر المتعلق بإنشاء المحكمة العرفية الأمر 61/211 المؤرخ في 28/07/1964 والذي ينص في المادة الثالثة (03) على ممثل الحق العام بناءا على تكليف من وزير الدفاع يقدم قرار إلى المحكمة يحتوي على:
– تكييف الوقائع وبيان القوانين الواجب تطبيقها.
– إجراءات التحقيق غير قابلة للطعن.
– المادة 04: المحكمة العرفية تحدد إجراءاتها بنفسها.
– تفصل المحكمة بعد يومين من إخطارها.
– المحاكمة مغلقة ودون مرافعة.
– المادة 05: الحكم الصادر عن المحكمة غير قابل للطعن و الاستئناف وينفذ فورا.
هل تختلف هذه المحكمة و التي نعتبرها وحشا قانونيا، عن النظام الذي طبقته فرنسا الاستعمارية على الأهالي، ألا يعد نظام هذه المحكمة مستوحى من الأمر المؤرخ في 26/09/1842 الذي ينص على أن الجرائم و الجنح المرتكبة من طرف العرب (INDIGENE) في المناطق العسكرية تخضع لأحكام مجالس الحرب “Conseil de guerre”، وقراراتها غير قابلة للاستئناف.
بالإضافة إلى كل هذا يأتي رفض بن بلة لإصدار العفو رغم مناشدة هيئة المحكمة، ليدينه ويثبت تورطه وتواطؤه مع وزير دفاعه هواري بومدين، في الوقت الذي اصدر فيه قرار بالعفو عن قاتل محمد خميستي وزير الخارجية (زنادي محمد وهذا يوم 04/09/1964).
يتضح من هذا كله أن كلا من بومدين وبن بلة كانا مسؤولين بصفة مباشرة عن ما يجدر بنا أن نطلق عليه تصفية العقيد محمد شعباني، في هذا السياق فإنهما( بومدين، بن بلة) لا يختلفان كثيرا عن الجنرال أوفقير الذي صفى بن بركة في فرنسا بأمر من الحسن الثاني، و أوساريس قاتل بن مهيدي.
أما السؤال الكبير الذي يطرح نفسه، فهو ما هي الدوافع الحقيقية التي كانت وراء المحاكمة التي حيكت بإحكام لتصفية العقيد شعباني ؟.
– يعود بنا هذا السؤال إلى 19 أفريل 1962، حيث بعث العقيد شعباني برقية إلى الحكومة المؤقتة مشفرة ومرقمة برقم 483545 والتي تلقتها بتاريخ 24/04/1962 جاء فيها: « ابتداء من وقف إطلاق النار، عناصر مسؤولة تقول أنها مفوضة من طرف الحكومة المؤقتة تقوم بعزل مسؤولين مناضلين الذين ساهموا في الثورة التحريرية، وتعويضهم بآخرين كانوا أعداء للشعب، هذا ما يقع في بعض المدن لبعض الولايات، ألفت انتباهكم إلى خطورة هذه التصرفات التي أثارت الغضب الشعبي. إذ استمر هذا نخشى أن نخسر ثقة الشعب، وبالتالي مناصرته في انتخابات تقرير المصير.»
– و في الخطاب الذي ألقاه بمدينة مسعد تكلم بصراحة عن تسرب عملاء لفرنسا داخل جيش الحدود، وحذر منه، الشيء الذي استاء منه كثيرا بومدين، وبعد استتباب الأمر وأصبحت الولاية السادسة ناحية عسكرية رابعة، بقيادة العقيد شعباني طلب هذا الأخير من بومدين تنحية الرائد شابو آنذاك من منصبه الإداري، حتى لا يطلع على أسرار وزارة الدفاع و المراسلات بين وزارة الدفاع و النواحي، وذلك لأنه كان من مجموعة الفارين من الجيش الفرنسي، ولم يلتحقوا البتة بجيش الداخل.
– زيادة على ذلك اقترح شعباني على بن بلة أن تكون قيادة هيئة الأركان جماعية دورية كل ثلاث سنوات، على أن يكون أول قائد للأركان أعلاهم و أقدمهم رتبة، تفاديا للانقلابات العسكرية التي كانت سائدة في إفريقيا، مما أثار غضب بومدين الذي ذلك في حوار له مع لطفي الخولي حيث أبدى استغرابه لفكرة الجيش الذي يخضع لقيادة جماعية.
وظهر جليا الصراع بين بومدين و شعباني في المؤتمر الرابع لحزب جبهة التحرير الوطني 16 أفريل 1964، حيث قدم شعباني تقريرا صريحا مطالبا بتطهير الجيش من الدخلاء، بعده تدخل بومدين مرددا عبارته الشهيرة من الطاهر بن الطاهر الذي يريد تطهير الجيش؟ وبرر اختياره بأنه يفضل الاعتماد على جزائريين، من الإتيان بمتعاونين تقنيين أجانب.
وإحساسا بخطورة الاقتراحات التي تقدم بها شعباني، و التي ستئول إلى إضعاف سلطة بومدين وهيمنته على الجيش سعى هذا الأخير إلى الإطاحة بشعباني، حيث كانت البداية بإعادة هيكلة النواحي، وتعيين قادة جدد، حيث تم تعيين مقر الناحية العسكرية الرابعة من بسكرة إلى ورقلة، وتعيين الرائد عمار ملاح على رأسها وهذا القرار صادر في 04/06/1964 خلفا للعقيد شعباني الذي تم تعيينه عضوا في المكتب السياسي و عضوا في قيادة الأركان، الشيء الذي رفضه شعباني ودفعه إلى التمرد، هذا التمرد الذي كان بن بلة وبومدين يدفعان شعباني إليه، سيكون ذريعة لتصفيته.

———-
قضية شعباني.. المأساة الأخرى

الخبر الأسبوعي العدد 514 من 3 إلى 9 جانفي 2009.

من رحلة البحث عن الجثة .. إلى رحلة البحث عن البراءة
سأل الشاب البدوي صاحب المكتبة الواقف خلف ” الكونتوار” الخشبي. كان الإحراج واضحا على وجه الشاب البدوي خاصة و هو ينطق الكلمة الأخيرة.. الستانسيل بلكنته البوسعادية.
.. للحظات بدت أبدية.. ظل صاحب المكتبة يتأمل ويتفحص الشاب الواقف أمامه من فوق إلى تحت.. ومن تحت إلى وفق.. وعلامات الاستفهام تتراقص في عينيه وفوق رأسه.. وكأنه يسأل نفسه: ترى هل يعرف هذا الشاب القادم من أحد دواوير بوسعادة معنى كلمة “ستانسيل”.. وهل يعرف فعلا شكل هذا “الستانسيل” الذي جاء يسأل عنه. وهل يعرف كيف ولماذا يستعمل “الستانسيل”؟!
كانت الإجابة واضحة وقاطعة بالنسبة لصاحب المكتبة.. من المستحيل أن يكون هذا الشاب الأسمر و المغبر، ابن أحد العروش المنتشرة في بوسعادة و ما جاورها، على علم بهذا الشيء الذي جاء يطلب و يريد شراءه.. كان من الواضح بالنسبة إليه أن هذا الشاب أمي كغيره من آلاف الشباب البوسعادي. فشر الاستعمار لحق الجميع.. الأرض.. الإنسان.. و الحيوان.. لذالك بدا صاحب المكتبة أنه لو كان في استطاعة هذا الشاب فك الخط فقط.. لكان الأمر بمثابة معجزة!
.. إذن .. إذا كان هذا الشاب يجد صعوبة في نطق كلمة “ستانسيل”.. فما باله باستعماله؟ السؤال الذي سيطرح نفسه بنفسه هو.. لمن؟… لصالح من يشتري هذا البوسعادي ورق”الستانسيل” في هذه الظروف الساخنة والمعقدة جدا.. المعقدة أكبر من اللازم؟!
..تظاهر صاحب المكتبة بالبحث عن السلعة المطلوبة والشاب واقف يراقب تحركاته.. فتش صاحب المكتبة فوق أحد الرفوف.. ثم اتجه إلى رف آخر.. فتح باب خزانة ثم أغلقه.. بعد ذلك فتح درج مكتب.. ثم درجا ثانيا.. وثالثا.. توقف للحظات وهو يحاول أن يتذكر.. سار إلى حجرة خلفية.. اختفى لدقائق قصيرة ثم عاد وهو يرسم ابتسامة خفيفة مصحوبة باعتذار لبق: “للأسف أخلاص.. أرجع بعد نصف ساعة أو أقل.. إن شاء الله ستجد سلعتك واجدة”. .. وبعد أقل من نصف ساعة عاد الشاب البوسعادي إلى المكتبة لأخذ “سلعته”.. لكن هذه المرة لم يكن صاحب المكتبة لوحده.. لقد كان هناك من ينتظرونه على أحر من الجمر!
تم القبض على الشاب.. وفيما كانت الأسئلة تنهمر عليه من أحد ضباط الأمن، كان آخر يفتش جيوبه.. ومن الأشياء التي عثر عليها بين حاجياته القليلة.. علبة دواء.. يعطى للمرضى الذين يعانون من القرحة المعدية.. دليل آخر، سيقودهم إلى الرجل الذي تركض خلفه كل أجهزة الأمن والجيش و الدرك و الشرطة و حتى ميليشيات حماداش!
.. عند سفح جبل “بوكحيل” كان العقيد شعباني وحسين الساسي ورشيد الصايم ومحمد أروينة والحاج سليمان والعريف الجيلالي، جالسين يتجاذبون أطراف الحديث في انتظار الشاب الذي أرسلوه إلى بوسعادة وطال غيابه.. كانت شمس السادس من جويلية 1964 قد غربت منذ ساعات.. عندما ظهر ضوء سيارة قادمة من بعيد وبأقصى سرعة.. لسوء حظه وسوء حظ رفاقه لمن تكن السيارة المنتظرة.. وبرغم وابل الرصاص الذي انهال على السيارة إلا أنها استطاعت أن تفصل بين شعباني والجبل.. بعد 28 سنة يتذكر العريف الجيلالي (المدعو سليم) تلك اللحظـات الحرجة.. فعندما فصلت القوات المهاجمة بينهما وكثفت تواجدها إلى درجة بدا فيها الاستسلام هو الحل الواحد والوحيد.. في تلك اللحظات مدّ شعباني يده إلى مسدسه وبهدوء صوّبه نحو رأسه.. ليطلق رصاصة تهوّن عليه مرارة الاستسلام.. لكن رفيقه ونائبه استطاع أن يمنعه من أن يضغط على زناد المسدس! هل أخطأ سليم عندما منعه من الانتحار أم أصاب؟
من الصعب الإجابة على السؤال.. إذا علمنا أن شعباني قد أعدم برصاصتين في الرأس في صبيحة الثالث من سبتمبر (1964).. لتبدأ مأساة شعباني الثانية مأساة البحث عن الجثة و البحث عن البراءة.

مأساة شقيق.. و شجاعة أم
.. في حياة كل واحد منا.. أشياء تبقى عالقة بالذاكرة.. منقوشة بكل تفاصيلها… تدفعنا إلى الأمام وتجرنا إلى الخلف.. أشياء وأمور من الصعب جدا نسيانها..
.. في تلك الصبيحة من يوم التاسع والعشرين من شهر جوان 1964 نزل عبد الرحمان شعباني، الأخ الأصغر للعقيد محمد شعباني، من بيتهم الكائن بشارع ديدوش مراد (العاصمة).. بلوك..107. متجها إلى المكتبة التي لا تبعد عن البيت إلا خطوات قليلة.. دفع ثمن جريدة “Le peuple” (الشعب).. ثم ألقى نظرة على صفحتها الأولى.. توقف للحظات وكأنه لا يصدق ما رأت عيناه.. عاد مسرعا إلى البيت ليخبر والدته بأنه تم “عزل محمد شعباني من المكتب السياسي بقرار من بن بلة!”.. كان عمر عبد الرحمان وقتها أربع عشرة سنة.. فقط! وأمام هذا الطفل­ الشاب داهمت قوات الجيش مقر سكناهم وقامت بتفتيشه.. وفي الأخير أخذوا صورا لأخيه محمد وذهبوا “.. حاولنا الاتصال بالجهات الرسمية لإطلاعنا على حقيقة ما يحدث.. لكن دون جدوى.. وبعدها بيومين تم اعتقال شقيقي الأكبر إبراهيم شعباني ببسكرة، وتم نقله إلى سجن باتنة.. وفي قسنطينة داهمت قوات الشرطة منزل أصهار أخي الطاهر شعباني الذي ألقي عليه القبض.. ربطوا يديه ورموه في “لامال” سيارة (403).. وظل في الصندوق الخلفي للسيارة على طول مسافة 200 كلم.. لكنه استطاع الفرار عند أول فرصة عند أول حاجز بالقنطرة.. متوجها إلى الجبال حيث كان رفقاء شعباني وظل هناك إلى غاية جوان .. 1965.. لم تتوقف تحرشات السلطات عند هذا الحد، يقول عبد الرحمان، بل امتدت لـ”تصادر مكتبة شقيقي الطاهر، والذي نفذ الأمر لم يكن إلا هذا الذي سيصبح في يوم من الأيام.. الجنرال محمد عطايلية”!
.. يوم الإعلان عن اعتقال محمد، يقول عبد الرحمان “.. كنت في البيت أشاهد التلفزيون.. ظهر بن بلة ببدلة ماوتسي تونغ على الشاشة ليعلن عن اعتقال العقيد شعباني.. الوالدة لم تصدق الخبر إلا بعد أن اتصل بها عدد من أقارب العائلة وأكدوا لها صحة الخبر.. ونصحوها بالتوجه مباشرة نحو العاصمة وإلى مقر رئاسة الدولة بالذات.. أي إلى “”فيلا جولي.. ومن غرائب الصدف أو من سخريات القدر.. أننا كنا نقطن في هذه الفيلا في صائفة 1963!
.. توجهت مع الوالدة إلى العاصمة لمقابلة بن بلة لكنه رفض استقبالنا.. حاولنا معه مرتين. لكن النتيجة كانت واحدة.. فعدنا إلى بسكرة.. كان ذلك في الخامس عشر من جويلية ..”1964 كانت أوقات صعبة جدا على عائلة شعباني خاصة الفتى عبد الرحمان.. فعبد الرحمان الذي كان يشار إليه ويتهامس الناس باسمه.. “إنه شقيق محمد شعباني.. العقيد محمد شعباني.. قائد الولاية السادسة.. الأخ الأصغر لأصغر عقيد في جيش التحرير..” فها هي الأمور تنقلب فجأة وأصبح يشار إليه بإصبع الاتهام، “.. هذا هو شقيق محمد شعباني الذي يريد تقسيم الصحراء”!..
لم تجد الوالدة المطعونة في أمومتها من حل إلا إرسال عبد الرحمان إلى قسنطينة.. “أرسلتني عند أصهارنا.. عند عائلة الميلي.. أبناء مبارك الميلي.. هناك في قسنطينة.. وفي بيت صهرنا عبد المجيد الميلي.. وذات مساء من الثالث سبتمبر (1964).. كانت الساعة الثامنة ليلا.. عندما فتح عبد المجيد الراديو.. كنا جالسين نتناول طعام العشاء.. فجأة خيّم الصمت على الجميع.. ونحن نستمع إلى خبر إعدام العقيد شعباني.. لا أحد صدق ما سمعه.. والأصح لم نرد أن نصدق ما سمعنا.. لذلك انتظرنا إلى غاية اليوم التالي.. جلسنا أمام نفس الراديو.. في نفس التوقيت.. لنسمع نفس النبأ في نفس النشرة!.. في يوم الغد انطلقنا إلى بسكرة لحضور الجنازة.. عندما وصلنا إلى البيت لم نجد إلا النساء.. عدد من النساء يبكين وينتحبن.. لم نجد رجالا.. لا أحد جاء ولا أحد اقترب من منزلنا خوفا من العقاب.. دام العزاء لمدة أسبوع كامل.. جاءت قريبات من العائلة لمواساة الوالدة.. كانت صابرة ومؤمنة بقدر الله.. كانت تقول أللي أعطالي.. أدى (الذي أعطى أخذ).. لم تدخل البيت لمدة أسبوع.. كانت تنام في فناء البيت.. حتى لا ترى طيف محمد في الأماكن التي تعوّد الجلوس فيها.. كان مأتما وعزاء غريبا.. عزاء حضره قليل من النسوة.. وغاب عنه جثمان الفقيد.. كان عزاء و مأتما بلا جنازة”!..

الرئيس الذي أخفى رفات العقيد!
.. غياب جثمان الفقيد.. يعني غياب القبر.. وغياب القبر يعني أن القصة لم تنته.. وأن لا حياة ولا استقرار إلا بالعثور على “رفات” الفقيد..
عملية البحث عن جثة المرحوم بدأت مباشرة بعد انتهاء العزاء.. لكن من يجيب على الأسئلة.. ومن يمكنه أن يدلك على الحفرة.. أو القبر الذي وضعت فيه؟!.
.. كان ذلك في شهر مارس 1976، يقول عبد الرحمان.. وجهت طلبا إلى الأمانة العامة للرئاسة.. قامت هذه الأخيرة بإرسال سيارة نقلتني أنا والوالدة من باب الواد حيث نقيم، إلى مقر رئاسة الجمهورية.. استقبلنا عبد المجيد علاهم.. كاتب عام الرئاسة.. الحديث الذي تبادلناه مع عبد المجيد كشف لنا عن مدى تعاطف الرجل مع مصيبتنا. أردنا مقابلة بومدين.. لكن عبد المجيد اعتذر لنا وأخبرنا في نفس الوقت بأن بومدين في زيارة رسمية إلى تيزي وزو.. كما عرض علينا خدماته.. حيث أخبرنا بأنه مستعد للنظر في مطالبنا… فأخبرته بأننا جئنا بخصوص موضوع واحد وهو تسليمنا رفات المرحوم الذي مضى على إعدامه 12 سنة. والذي لا نعرف له قبرا لنزوره أو نترحم عليه.. عبد المجيد أعلاهم أخبرنا بأن الأمر يتجاوزه ووجهنا إلى وزارة العدل.. للأمانة وللتاريخ فقد قام عبد المجيد بتسوية الوضعية المادية للوالدة.. ولكننا فشلنا في لقاء بومدين.. لقد أحسست وفهمت بأنه كان يتجنب لقاءنا.. وهو الأمر الذي أكد لي مسؤوليته في تصفية أخي.. لقد باءت كل مساعينا بالفشل من أجل استعادة رفات محمد.. وهنا وعند هذه النقطة أتساءل ما هي مصلحة بومدين في إخفاء رفات وقبر العقيد شعباني؟”.. ويضيف عبد الرحمان: “أقول للذين ينفون مسؤولية بومدين في إعدام شعباني.. كيف تفسرون الصمت الرهيب الذي فرضه بومدين على قضية المرحوم.. كان مجرد ذكر اسمه محظورا!؟ لماذا لم يرد الاعتبار له وهو الذي وصف شعباني بالشهيد في حواره مع الصحفي المصري لطفي الخولي في أكتوبر 1965؟.. كان منزل شعباني المغضوب عليه محظورا وممنوعا على رفاق المرحوم.. إلى درجة أنني لما التقيت بعمر صخري سنة 1980 بمنزل الحاج بن علا.. وقد كان عمر صخري من المقربين جدا من شعباني.. في ذلك اللقاء بن بلة هو الذي قدمني لعمر صخري.. تصور. عمر لم يعرفني كما أنني لم أعرفه.. لأننا وببساطة لم نلتق منذ سنة 1964، وهو الذي كان رفيق أخي وجارنا في بسكرة؟!”.

لقاء مع “القاتل الرسمي”
بمجرد أن أطلق سراحه عاما بعد وفاة هواري بومدين، من قبل الشاذلي بن جديد.. بدأت الوفود تصل إلى منزل الرئيس الأسبق أحمد بن بلة بعد خمس عشرة سنة من الاحتجاز.. لقاء.. بعد لقاء.. وزيارة تبعتها زيارة.. الأغلبية جاءت لتهنئ.. لكن عبد الرحمن ووالدته ذهبا لملاقاة بن بلة من أجل أمر وقضية أخرى.. قضية شرف.. تهمة باطلة.. ألصِقت بالمرحوم شعباني، وقد جاءت الفرصة لينفيها ويصححها.. باختصار إنها لحظة قول الحقيقة. كان اللقاء في بوزريعة، يقول عبد الرحمان: “التقيته أنا أولا في منزله بأعالي العاصمة ببوزريعة.. اللقاء تم عن طريق الصادق صدوق، المعروف بالصادق لغواطي.. وقد حضر هذا اللقاء أيضا كل من الصادق باطل، وزير الشباب والرياضة، ومحمد الصغير نقاش وزير الصحة.. كان ذلك في عام 1980 ذهبت لملاقاته من أجل أمر واحد وهو ضرورة تصحيح ما تم ترويجه من قبل النظام من أن شعباني كان يريد فصل الصحراء بتواطؤ مع فرنسا.. فأجابني بن بلة: “محمد شهيد عند الله ولو تحلى بقليل من الصبر لكان هو رئيس الدولة.. ما حدث لشعباني يذكرني بما حدث ووقع بين الصحابة من فتنة قتل فيها من العشرة المبشرين بالجنة.. طلحة.. والزبير.. وقد وعدني بأنه سيقوم بالمطلوب منه.. كما طلبت منه لقاء آخر.. لقاء تحضره الوالدة”.

وهذا ما تم بالفعل، فقد تكفل بن بلة بنقل والدة المرحوم محمد شعباني من بسكرة إلى أعالي العاصمة، وقد حضر هذا اللقاء، زيادة عن الذين حضروا اللقاء الأول، السيدة حرم بن بلة، “.. قالت لي زوجة بن بلة، والكلام لعبد الرحمان، بأن شبح شعباني لم يغادره (بن بلة) منذ أول ليلة قضاها في السجن بعد الإطاحة به في جوان 1965، لقد وقف أمامه شبح شعباني عند أول وجبة قدمت له في أول ليلة في السجن!.. أما أول ما قالته الوالدة لبن بلة فكان: “أنت كنت تقول إن شعباني هو ذراعي الأيمن، فكيف استطعت أن تتخلص من ذراعك الأيمن؟.. فطأطأ بن بلة رأسه خجلا باحثا عن جواب ولكنه لم يجد.. فخيّم صمت ثقيل على القاعة.. فأخذت الكلمة وقلت: “”لم نأت اليوم للوم أو المحاسبة.. لأن حالك لا يختلف عن حالنا”.. فقاطعني قائلا: “لا.. أنا أستطيع تعويضكم”.. فرددت عليه: “من قال لك بأننا جئنا لنطالب بالتعويضات، فأنا والحمد لله أتقاضى راتبا يلبي حاجياتي.. ولكن ما نريده هو تصحيح ما روّج باطلا بحق العقيد شعباني”..

فعاد بن بلة من جديد للتأكيد على مسؤولية بومدين في إعدام المرحوم، ولم يكتف بالكلام بل تمادى إلى وصفه بكلام جارح.. أترفع عن إعادته”.
.. في سنة 1990 وبعد عشر سنوات تقريبا على ذلك اللقاء أرسل بن بلة صكا بقيمة عشرة آلاف فرنك بلجيكي أحضره إلى والدة شعباني شخص من مدينة طولفة يدعى بن طبي.. لكن الأم رفضت استلام الصك.. لقد كانت تفكر في شيء آخر.. أكثر أهمية وأكثر إلحاحا.. خاصة وأن سنوات العمر تمضي ولا أحد يضمن ماهو آت.

– عودة الروح

.. يوم السابع والعشرين من شهر أكتوبر سنة 1984 يوم لا يمكن أن ينسى أبدا.. تماما مثل يوم الثالث من شهر سبتمبر 1964 مع فرق كبير.. فإذا كان “آل شعباني” قد فقدوا جزءا من روحهم في الثالث من سبتمبر 1964 فإنها في هذا اليوم.. السابع والعشرين من أكتوبر 1984 قد عاد إليهم جزء من تلك الروح التي ضيّعوها أو ضاعت منهم منذ عشرين سنة.. في ذلك اليوم توجه عبد الرحمان ووالدته إلى وزارة المجاهدين.. وهناك كانت الصدمة.. أو المفاجأة في انتظارهم.. يقول عبد الرحمان: “أخذونا إلى مكان به صناديق.. علمنا بأنها صناديق بها رفات العقيد شعباني جيئ بها من وهران.. كان هناك أيضا صناديق ورفات لشهداء آخرين.. رفات كريم بلقاسم.. عبان رمضان.. محمد العموري.. محمد نواورة.. محمد عواشرية ولكحل.. أهاليهم أيضا كانوا حاضرين.. وأذكر من الحاضرين في ذلك اليوم غير العادي.. المرحوم فرحات عباس والمجاهدة الكبيرة جميلة بوحيرد”.. بعدها تم “استقبالنا في قصر الشعب من قبل رئيس الجمهورية الشاذلي بن جديد، الذي سلم للوالدة وساما تقديريا عرفانا بجهاد ونضال محمد شعباني.. أخذنا صورا تذكارية معه.. بعدها توجهنا إلى مقبرة العالية ضمن وفد رسمي.. أين تم إعادة دفن الرفات بمربع الشهداء.. مربع قادة الثورة.

— شكر خاص لعبد الرحمان، شقيق المرحوم محمد شعباني، الذي قبل بالرد على أسئلتي بصراحته ووضوح وأعتذر له عن تقصيري، أعتذر له على إشارتي لذكريات حزينة وآلام دفينة وفتح جروح كان يعتقد بأنها اندملت!

— قائمة المطلوبين للإدلاء بشهاداتهم.. ومعلوماتهم بخصوص قضية إعدام المرحوم شعباني.

أولا: رفاق المرحوم

1- حسين الساسي.2- الرائد شريف خير الدين. 3- محمد جغابة. 4- سعيد عبادو. 5- طاهر لعجال. 6 – محمد خبزي.7- الرائد عمر صخري.

ثانيا: خصوم العقيد و الذين لهم علاقة بالقضية

1- الرئيس أحمد بن بلة. 2- العقيد بن شريف أحمد. 3- عمار ملاح. 4 – الجنرال محمد أعطايلية

بقلم رحالية علي

———-

رأي مواطن أخرس

PAPA Boumediene

·· كعادته·· وكلما أدلى العقيد أحمد بن شريف “”رئيس الدرك الوطني بعد الاستقلال”” و””عضو مجلس الثورة”” بعد الانقلاب و””وزير الثورة الزراعية””، بحديث أو حوار للصحافة، إلا وقال كلاما لا يعرف الواحد منا من أين يمسكه·· من الصعب جدا تحديد “”الراس”” من “”الكرعين”” في كلام العقيد أحمد بن شريف·· وتزداد الأمور صعوبة وتعقيدا·· ودهشة·· وحيرة إذا ما قارننا الحديث والكلام الجديد لحضرة العقيد بالحديث والكلام القديم للسيد أحمد بن شريف!·
·· في الحوار الذي أدلى به العقيد ليومية “”الشروق”” يوم الأربعاء 82 جانفي المنصرم·· قال بأن “”بن بلة أمرني بتنفيذ حكم الإعدام في العقيد شعباني، لكنني رفضت””·· وبأن “”شعباني قتل 057 ميصاليا استسلموا بعد وقف إطلاق النار في 1962″”··؟!
وبأن “”الثورة حكمت على مساعدية بـ51 سنة سجنا وبن خدة عفا عنه، “”وبأن “”ضرب الطيارين الروس للمنقلبين على بومدين في 1976 أكذوبة””··؟! وبأن “”مليون مجاهد رقم مزيف و06% من المجاهدين مزيفون””؟! وبأن “”بومدين سمم في زرالدة””؟! (طبعا لم يقل ولن يقول ولن يذكر الأسماء)·· وبأن “”عروش أولاد نايل مع العهدة الثالثة أحب من أحب وكره من كره””! ·· لأن فخامة عبد العزيز بوتفليقة الذي يترجاه باسمه وباسم “”أولاد نايل والعروش الأربعة والعشرين المكونة له”” أن يترشح لعهدة ثالثة، ليس هو نفس الرجل·· نفس عبد العزيز بوتفليقة السبعينيات·· بوتفليقة الذي وقف العقيد أحمد بن شريف في وجه ترشحه وخلافته لبومدين وأقسم بأغلظ الأيمان وبالحرف الواحد: “”إذا رأيتم هذا الشخص (بوتفليقة) على رأس الشعب، فإن شواربي يجب ألا تحلق بالمقص أو الموس ولكن بالبالا (1)””!· لكن، لماذا كل هذا الحقد والكره من طرف العقيد على هذا الذي سيصبح بعد عشرين سنة “”فخامة رئيس الجمهورية””؟ لأن “”بوتفليقة نصب لي كمينا من خلال توزيع منشور·· يعلن فيه: أن العقيد بن شريف يحضر إنقلابا””؟!،، هذا السبب الأول يقول أحمد بن شريف· أما السبب الثاني الذي جعله يقسم بأن “”يحفف شلاغمو بالبالا إذا بوتفليقة أخذ الرئاسة””، فلأن: “”سيرته لا تعجبني””، ولأن”” فائض فلوس السفارات الذي كان يحول إلى رقم (حساب) أعرفه أنا شخصيا، كان يستفيد منه بوتفليقة عند خروجه وتنقله””!· هذا الكلام قاله العقيد منذ عشرين سنة، لكن رأيه اليوم في بوتفليقة تغير تماما، وأنه لا مجال للمقارنة “”بين بوتفليقة الذي ألقى كلمة التأبين في جنازة الراحل هواري بومدين وبين بوتفليقة الرئيس اليوم، فهذا الأخير استغل ابتعاده عن السلطة لعقدين كاملين في حفظ القرآن الكريم (؟!) وفي المطالعة، حتى صار مثقفا (؟!) كبيرا (؟!)””، بالإضافة إلى أنه “”رجل ثوري ومجاهد كبير، ولهذا أنا أدعمه دون قيد أو شرط””!·· وشخصيا، لا أعرف كيف أصبح بوتفليقة “”مجاهدا كبيرا”” في نظر سي أحمد بن شريف إذا كان هذا البوتفليقة هو نفسه الذي أُرْسِل رفقة مساعدية، بلهوشات ودراية إلى “”الحدود المالية لإدخال السلاح· ولكن مع الأسف الشديد، لم يدخل رشاش واحد”” (2) (؟!؟!)·· والكلام دائما للعقيد بن شريف!!
****
·· في نفس الحوار·· أي الحوار الذي أدلى به حضرة العقيد أحمد ليومية “”الشروق””·· قال الرجل كلاما أسمعه لأول مرة·· حيث كذّب العقيد أحمد بن شريف ما صرح به الشاذلي بن جديد أخيرا من أن بومدين اختاره لخلافته قبل أن يموت، واصفا رواية الرئيس الأسبق بـ””الكذب”” (؟!؟!) قبل أن يوضح بأن “”بومدين وقبل أن يموت قال لي بأنه يثق فيّ لحمل المشعل من بعده””؟!
شخصيا، وجدت كلام حضرة العقيد مسليا ومضحكا·· لسبب بسيط·· فكلما حاولت تخيل الموقف·· بومدين ممدا على سرير المرض بوجهه الشاحب وحبيبات العرق على جبهته وعينيه شبه مغلقتين·· وهو يرفع يده اليمنى ويضعها على كتف العقيد بن شريف الجالس على حافة السرير والغارق في دموعه·· يضع بومدين يده على كتف بن شريف ويقول له بصوت خافت لكن مسموع مع خلفية موسيقية لفيلم “”العرّاب””üü: “”سي أحمد، أنا ثقتي فيك·· أنت الذي يجب أن يحمل المشعل من بعدي””!·· إن مجرد محاولة تخيل المشهد تجعل الواحد منا يصاب بهستيريا الضحك! ولكن، لماذا لا “”يسلم بومدين المشعل للعقيد بن شريف؟””·· ألا يستحق أن يخلف “”الزعيم”” و””الأب الروحي””·· ألا يقدر أن يكون رئيسا؟·· ثم ألم يكن من أخلص أتباعه ورجاله؟·· أليس هو صاحب الشعار والمقولة الشهيرة “”سياستنا كالأوتوروت etuorotuA”” أو “”سياستنا يجب أن تكون كالأوتوروت (3)؟!·· ألم يكن من “”أبناء”” الزعيم الروحي الطائعين الطيّعين؟·· ألم يقبل كل المهمات التي أسندت إليه؟·· قاضي البحث في قضية لعموري التي انتهت بإعدام لعموري، مصطفى لكحل، نواورة ولعواشرية!·· التسلل إلى العاصمة في صيف 2691 ومحاربته إلى جانب ياسف سعدي لمجاهدي الولاية الرابعة بأمر من بومدين، وقد ألقي عليه القبض من طرف جنود الولاية! مشاركته في انقلاب 91 جوان!·· وقوفه ومحاربته لقوات الطاهر الزبيري المتمردة على الزعيم·· استخراجه (4691) لرفاة الشهيدين عميروش وسي الحواس وإخفاؤهما وحفظ السر بأمر من الأب الروحي!
·· كل هذا صحيح·· لكن هناك مشكلة، وهي أنه هو، أي العقيد أحمد بن شريف، الذي قال بعد وفاة الأب الروحي بعشر سنوات: “”كان بومدين ديكتاتوريا يحكم بأحكامه (4)””!· وبأن “”بومدين تحصل في انتخابات 1967 على نسبة 21% (؟!) من أصوات الناخبين، وذهبت شخصيا إليه وبلغته بالنتيجة· وقلت له إن هذا ثاني انقلاب يقوم به””(5)·· وبأن “”بومدين هرّب الأموال إلى الخارج كما هرّبها غيره””؟!·

الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد قال هو الآخر بأنه كان من المقربين جدا من الزعيم·· ومن الأب الروحي·· “”·· قبل أن يكون رئيسا، كان رفيقي في السلاح وصديقا، وكنت دائما أعتز بصداقته””· وهذه الصداقة حسب بن جديد “”مرت عبر العديد من المحن والتجارب، منها تمرد شعباني وحركة (؟!) 91 جوان ومحاولة انقلاب الطاهر الزبيري، تأكد بومدين فيها بأنني لن أطعنه في الظهر، رغم أن البعض كانوا يحاولون النيل من علاقتنا””· وليلخص الشاذلي علاقته بالزعيم والأب الروحي، يقول وبالاختصار المفيد: “”لقد كان رأسي ورأسه في شاشية واحدة· وكنت دائما إلى جانبه في أخطر المراحل التي مر بها نظام حكمه””·· وليؤكد الإبن علاقته بوالده الروحي، يروي لنا بن جديد هذه الحادثة: “”ذات يوم، قدمني إلى الوزير التونسي الباهي لدغم قائلا: أقدم لك الإبن المدلل لبومدين””!·
في السنوات الأخيرة من حياته، كان بومدين يزور بن جديد في وهران مقر الناحية العسكرية، إمبرطورية بن جديد، حين تضيق به الدنيا “”كانت زياراته في الغالب مفاجئة·· كان يبوح لي بأسراره ويحدثني في أموره الحميمية، رغم ما عرف عنه من تكتم وتفاديه الحديث عن نفسه وعن ثقل المسؤولية وخيانة الرجال””··
ولكن بومدين وككل البشر مرض ومات، لكن الإبن الروحي كان لديه ولازال “”إنطباع أن وفاة بومدين تشبه وفاة عرفات””·· يعني وفاة مشبوهة وغامضة·· توفي بومدين في نهاية ديسمبر 9791 لكن، يقول بن جديد: “”مازلت إلى اليوم أتذكر الكلمات التي كان يقولها لي: أوصيك سي الشاذلي على البلاد والثورة””!·· فهل بعد كل هذا الكلام وهذا الحديث·· حديث عن أن بن جديد لم يكن يستحق الرئاسة·· خلافة الأب الروحي؟
لكن، الذي يعرفه العام والخاص بأن “”سي الشاذلي”” هو الذي صفى البومدينية والبومدينيين، وفي عهده فتح أبواب الجزائر على مصراعيها لفرنسا ومتيران، إلى درجة أن هذا الأخير أقام ونام في “”فيلا بومدين”” أثناء زيارته إلى الجزائر في بداية الثمانينيات!·
بن جديد قال في حواره للخبر (7): “”·· ومن المؤسف أن نلاحظ أن الرجل (يقصد بومدين) لم ينل بعد ثلاثة عقود من رحيله ما يستحقه من عناية واهتمام، ماعدا ملتقيات تنظم حوله سنويا ويغلب عليها الطابع المناسباتي والتوظيف السياسي””!!·· مع أن كل الناس تعرف وتعلم وتتذكر أن سياسة التعتيم على “”الزعيم”” و””الأب الروحي”” دشنها “”سي الشاذلي بن جديد””!·

·· لم يكن بن جديد ولا أحمد بن شريف أول من إدّعى “”أبوة”” بومدين الروحية·· وإخلاصهما له في الصراء والضراء·· حب “”الأب الروحي”” لهما الذي لا نقاش فيه·· وبالتالي، فإن خلافة “”eneidemuoB apap”” كان من المفروض أن لا تطرح أي إشكال بالنسبة لهما·· لكن بومدين لم يكن أباهما الروحي هما فقط·· بل أب روحي للكثيرين··
·· كان الجنرال خالد نزار واقفا يراقب سيارة البيجو (502) المهترئة بعض الشيء، وهي تغادر المكان بصاحبها وراكبها الوحيد الذي قيل له “”حضر نفسك لتكون رئيسا للجمهورية””·· كان الجنرال ينظر إلى سيارة البيجو الصغيرة وهي تبتعد عن الأنظار·· لكن الكلام الذي قاله سائق وراكب سيارة البيجو الوحيد لازال يرن في أذنيه·· في ذلك اللقاء الذي جمع الجنرال والمرشح “”الأقل سوءا”” عبد العزيز بوتفليقة·· سأل هذا الأخير وزير الدفاع السابق، وكأنه يسأل عن حق ضائع·· حق مسلوب·· حق منهوب ومخطوف يريد استعادته·· في ذلك اللقاء قال بوتفليقة وبنبرة غريبة، على حد وصف وتعبيرالجنرال: “”إني أعلم أن سي بومدين ترك رسالة وصية يعيـّنني فيها كخلف له·· إن هذه الرسالة كانت موجودة في وقت سابق بين يدي عبد المجيد علاّهم·· ماذا جرى لهذه الرسالة؟ إني أرغب في معرفة ذلك لأنني رأيت هذه الرسالة (8)””!· ولم يجد الجنرال، الذي بدت عليه الدهشة والاستغراب، إلا أن يقول له: “”إني لم أسمع أبدا بهذه الوصية (9)””!· ويعلق الجنرال على هذه الحادثة بعد أربع سنوات على ذلك اللقاء·· وذاك الحديث·· وذاك السؤال قائلا: “”·· وقد أدركت من بعض تصرفات الشخص (بوتفليقة) أنه استعاد أخيرا ملكه “”الشرعي”” الذي ظن مخطئا أنه انتزع منه””!·
·· المشهد لازال واضحا بتفاصيله في ذاكرة الكثيرين·· بوتفليقة بمعطفه الأسود ونظاراته السوداء وهو يقرأ كلمة تأبين الزعيم·· تأبين “”الأب الروحي””·· “”كيف تغيب عن الأذهان لحظة واحدة وكل ما في البلد ينطق باسمك يا بومدين؟ كيف تغيب عن الأذهان لحظة واحدة وكل ما في البلاد من أقصاها إلى أقصاها ثمرة يانعة مما غرسته يداك؟””·· وبدأت دموع بوتفليقة تنزل من عينيه وتتدحرج على خديه·· الواقفون في الجنازة لم يستطيعوا أن يعرفوا إن كانت الدموع حارة وحقيقية أم مجرد دموع تماسيح·· فكلهم يتذكرون تلك البرقية التي أرسلت إلى جيسكار ديستان عندما كانت طائرة المريض بومدين تخترق الأجواء الفرنسية، وهو عائد من رحلة العلاج الطويلة في موسكو·· الذين يعرفون بومدين وعلاقته بفرنسا وبجيسكار ديستان بالذات كانوا متأكدين بأن بومدين ما كان ليعبر أبدا الأجواء الفرنسية وما كان ليبعث بتلك البرقية وبتلك اللغة والأسلوب الانتكاسي والانهزامي·· وكان التفسير لما حدث هو أن وزير خارجية بومدين بدأ سباق خلافة الأب الروحي والأب لازال على قيد حياة!·· لقد أراد أن يرثه حيا!·

هوامش
1, 2, 3, 4, 5, 6: مجلة “”منبر أكتوبر”” العدد 11 من 02 جوان إلى 05 جويلية 1989
7: الخبر 03 / 21 / 7002
8, 9: خالد نزار، بوتفليقة الرجل والحصيلة 2003·

بقلم: المواطن علي رحالية

كلمات مفتاحية

3 تعليقاً

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق

  • كيف يريدوننا ان نصدق بان شعباني رحمه الله يريد فصل الصحراء او انه خائن ….اذا كان كما يدعون عليه بالباطل فكان بامكانه فعل ذلك من قبل ولكنه و حسبما اعلم من اشد المتصدين لهده المفكرة من اصلها فتاريخه مشرف وخال من اي شبهة اضافة الى انه متفطن للمؤامرات والدسائس و ماعساني اقول غير ان البداية بدات عرجاء ولن يستقيم حال الجزائر حتى ينقرض جيل الثورة تماما لانهم فشلو في مواصلة السير على مبادى نوفمبر ……وفضلوا مصالحهم الشخصية وحبهم الشديد للسلطة والا كيف نفسر اختفاء رفاة الشهداء الطاهرة …لماذا …وما الدافع

  • أريد تسجيــل بعض المــلاحظات أراها مغالطــات وردت في مقال شقيق العقيد شعبــاني :
    كإبــن مجـــاهد ومن مدينة بوسعادة ومن المنطقة التي كانت مقــرّا لقيــادة الــولاية السادسة
    أوضــح الآتــي :
    1/ نعــــم كان شعباني ثائــرا كغيره من ثوار المنطقــة منحوه ثقتهم وسلموه أمرهم , كما أن السلطة مُمثلة في
    بن بلة وبومدين لم تكن أصلا شرعيـــة ولم يُستفتي الشعب فيهال ولـــكن وراء شخصية شعباني ومن لفّ لفـــه
    من المحيطين به نقــاط ضعف لم يتنصل منها.
    ورد في المقـــال أن بعد آستشهـــاد العقيدين الحــواس وعميروش أن المجاهديــن في الولاية وقع آختيارهم
    على شعبـــاني لقيادة الولاية ، وهـــذا كذب وتزويـــر للحقائف فقد فرض نفسه بمعية جماعته من أبناء منطقته
    الذيــن أحاطهم به في الوقت الذي تخلص من رجالات المنطقة وخيرة وصفوة أبنائها من مؤسسي الولاية السادسة
    بالإبعاد والتصفيــة دون آنتظار لقرارات لجنة التنسيق الوطني والمجلس الوطني , وأصبح شعباني أمر واقع مفروض
    ولم تتم ترقيته كعقيد إلى مرحلة قريبة من الإستقلال.
    2/ للتاريـــخ لم يكن لشعباني ولأعضاء مكتبه في الولاية السادسة أي وجود أو ذكــر لأن أبناء المنطقة من أعراش أولاد نايل
    وألأعراش المحيطة بمدينة بوسعادة وجوارها هم النواة المُأسسة لولاية الصحراء إلى غاية 1956 وبعد أن تم ترسيمها
    بعد مؤتمر الصومام دخلوا كمناضلين , وسرعان ما تحولوا إلى قيادييـــن بعد أن آستشهدت كل العناصر المؤسسة
    في ظروف غامضة – من 2 من أبناء عمومتي , وفارس قدير كان أبن عمتي كلفوا بمأموريــات , وآصطدمــوا بكمين فرنسي
    بنفس الكمين الذي آعترض العقيدين سي الحواس وعميروش.
    3 الذين ذُكِروا في المقال مثل السعيد أعباتدوا وصخري والطاهر لعجال وغالبية ومحمد جغابة وغيرهم من أعضاء قيادة
    الولاية السادسة كانوا من منطقة واحدة – برج بن عزوز قرب طولقة –
    3/ كل التصفيـــات والإغتيالات التي شهدتها الولاية لم تطل إلا أبناء أعراش مدينة بوسعادة وجوارها ’ في حين لم يسجن
    أو يُعتقل فرد واحد من أفراد قيادة الولاية ولم يُطلقوا رصاصة واحدةولم يشتبكون مع العدو .
    4/ بعد الإستقلال لم تعرف ولاية من الولايات الثورية ماعرفته الولاية السادسة من تصفيات جسدية وقرارات إعدام بالجملة
    في حق رجالاتها وأبنائها من سكان المنطقة في حين لم يحاسب ولا فرد من أفراد مكتب شعباني
    4 / المعوا خير الدين مم – مدينة القنطرة هو نفسه قال في حصة تلفزيونية أنه كان جندي بسيط ولما تهرت أقدام المجاهدين
    نتيجة للمشي مسافات طويلة قال أشرت عليهم بوضع العرعار في الأحذية فأصبح يلقّب بالطبيب . ولم يكن له أيُّ مُؤهّل علمي
    ولا تجربة عسكرية في خلال مدة قياسية تحوّل مع شعباني إلى قائد ميداني لا يُحسن غير تقديم الأوامر و الإستهزاء بقُدرات
    أبناء المنطقة .
    4/ كل أعضاء مكتب الولاية من حاشية شعباني والذين ورد ذكرهم , تنصلوا من الولاية وناسها وباعوا للسلطة ذممهم بمجرد
    مقتل شعباني وصاروا محافظين بالولايات ونواب ببرلمانات السلطة ولا يزال بعضهم إلى اليوم
    وماخفي أعظم لا يسعني ذكره فالمناسبة تستدعي التمهُل ……………………….. خ/الطيب