تاريخ

فيلم المخرجة الجزائرية الشابة ياسمينة عدي يوثق شهادات حية لنكبة الجزائريين في احد ايام الاستعمار الفرنسي.

8mai45algeria
رسالة ‘موضوعية’ للاجيال القادمة
مجازر 8 مايو 1945 تفوز بـ’نجمة باريس’

يتسلم الفيلم الوثائقي “8 مايو 1945 الآخر- أصول حرب الجزائر” للمخرجة الجزائرية ياسمينة عدي اعلى جائزة بفرنسا إلى جانب 30 أحسن أعمال وثائقية في العالم لسنة 2008، في 7 يونيو/حزيران المقبل.
وسيحصل “8 مايو 1945 الآخر” بباريس “النجمة” من قبل الشركة المدنية للمؤلفين مع الأفلام الوثائقية المختارة من بين 282 مترشح، كما أشارت المخرجة الجزائرية الفيلم بمناسبة تقديم فيلمها بمتحف السينما لوهران.
ويقدم الفيلم التسجيلي مجموعة من الشهادات الحية ممن عاشوا أحداث ومجازر الثامن من مايو/ايار 1945 في كل من قسنطينة، سطيف وقالمة. وعمدت المخرجة ياسمينة عدي ولتحقيق عملها الوثائقي النادر إلى تقديم شهادات من الطرفين الجزائري والفرنسي على حد سواء لأنها كما أشارت “لا تريد أن تضع القضية في بعدها ندا للند بين الطرفين وإنما الكشف بموضوعية عنحقيقة ما حدث”.
ومن بين الشهادات واحدة للمؤرخ الفرنسي باسكال بلانشار الذي قدم في شهادته الظروف الدولية لمجازر الـ8 من مايو 1945 وأهم محطاتها ومعداتها العسكرية والجيواستراتيجية.
وتطرح شهادات حية لمجموعة من المناضلين الجزائريين المنخرطين في صفوف الحركة الوطنية وأحزابها، كحزب الشعب الجزائري وحركة أحباب البيان والحرية وجمعية العلماء المسلمين، حقائق حول الأجواء التي سبقت اندلاع شرارة الـ8 من مايو 1945 في سطيف.
وكشفت شهادات مصطفاي (عضو اللجنة المركزية لحزب الشعب الجزائري) أنه وفي غمار التحضير لاحتفالات انتصار الحلفاء على النازية في 8 مايو 1945 بسطيف اقترح عليه المناضل سعيد عمراني نموذجا أوليا للعلم الوطني الذي اعتمد رمزا للجزائر خلال الاحتفالات إلى جانب الشعارات المرتفعة المنادية بالحرية.
وأكد مصطفاي على أن الشرارة الأولى للمواجهات بين الجزائريين والجيش والمستعمرين الفرنسيين كانت أمام مقهى “باريس” وسط مدينة سطيف حيث تم إطلاق النار على الطفل سعال بوزيد الذي خطف العلم الوطني ليطوف به ويسقط شهيدا.
ومن هنا بدأت المواجهات، كما يوقف المشاهد بعد إنصاته العميق لشهادات كل من المناضلين محمد شريف، حميد عصيد، عيسى شراقة، لحسن بخوش، العياشي خرباش، ساسي بن حملة، سعيد عليق مسعود هرفم، يلس عبد الله، عبد المجيد شهاب، محمد فنيدس، عمار يدهوش، زهرة أمقراني، حميد بلزازن على حقائق مرعبة حول الجريمة التي ذهب ضحيتها أبرياء جزائريون عزل منها إطلاق النار العشوائي على المتظاهرين والسكان (الأهالي) دون تمييز.
ومن هنا تبرز النية المسبقة للجيش الفرنسي في القتل الجماعي وإعلان حالة الطوارئ في منطقة سطيف، فالمة، خراطة وتخصيص 40 ألف جندي لمحاصرة المظاهرات وتشكيل ميليشيات مدنية لقتل الجزائريين بدعم من المؤسسة العسكرية والأمنية الفرنسية.
كما أشارت الشهادات الفرنسية ومنها لروجيه دويني وهنرييت بيتون إلى تجاوزات القضاء والشرطة الفرنسيين ضد الجزائريين رغم أن مواجهات 8 مايو 1945 أدت إلى سقوط 28 فرنسيا، وكيف حاول الجيش الفرنسي في حركة تمويه وبأمر من الجنرال هنري مارتن استدراج كل سكان مناطق سطيف وقالمة وخراطة الذين يفوق عددهم 15 ألفا إلى منطقة ميلبو البحرية وايهامهم بأن حركة الانتفاضة والمظاهرات توقفت وبأن الجزائريين لا يشكلون خطرا على المستعمرين ولتطمين الدوائر الفرنسية بالسيطرة على الوضع.
وهو ما تبرزه الصور النادرة للإحتفال حيث يبدو الجزائريون رافعين أيديهم ورافعين السلاح بدون ذخيرة ومحاطين بقوافل من الجنود السينغاليين.
كما أثار الفيلم الوثائقي حقيقة التعتيم الإعلامي على هذه المجازر وانعكاساتها، اذ كشف المراسل الأمريكي لندروم بولينغ شهادته الحية أنه تلقى صعوبات للحصول على معلومات من الجانب الفرنسي حول حقيقة ما حدث في ذلك اليوم الدموي بسطيف حيث شوهدت القرى تحترق والمنازل تدمر.
وحول حقيقة عدد الشهداء الذين سقطوا خلال مجازر الـ8 من مايو قبل 64 عاما والتي تختلف حصيلتها من مصدر إلى آخر، أشار الفيلم إلى أن أدريان تيسكي وزير الداخلية الفرنسي حينها طالب بلجنة تحقيق وطلب من الحاكم العام تحديد عدد ضحايا المجازر من الطرفين.
وفيما أشارت الاحصاءات الرسمية إلى 242 قتيلا فرنسيا و1000 شهيد جزائري، غير أن ذلك لا يعكس الحقيقة، إذ أكد بولينغ أن تقريرا سريا جدا للجهزة الامنية الاميركية كشف عن 17 ألف قتيل فيما تحفظ الجانب الفرنسي عن كشف الحقيقة كاملة بعد نجاحه في تطويع الإعلام الفرنسي والعالمي وخنقه للمعلومات المتعلقة بهذه المجازر.
وأرجع بولينغ ذلك إلى الظروف الدولية، حين خرجت أوروبا لتوها من الحرب ضد النازية ودخولها غمار الحرب الباردة كما تجاوزت الحدث القوى الكبرى كبريطانيا والاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة ولم تثره بقوة، إرضاءً لحليفتها فرنسا.
واعتبر الصحفي الاميركي ذلك مجرد تسوية لقضية داخلية، كما أكد شاهد عمار خلالراسي أنه شاهد بعينه الشاحنات الفرنسية وهي تنقل جثث الجزائريين في منطقة خراطة إلى محرقة حيث أحرقوا دون رحمة وانبعثت رائحة الجثث اليشرية.
وتناولت الشهادات حالات الجنون جراء الأحكام التعسفية للقضاء الفرنسي والمحاكم العسكرية التي نصبت لمعاقبة المشاركين في مظاهرات 8 مايو وضمنهم من بقوا في السجون مدة 17 عاما ولم يخرجوا حتى 1962.
ورغم محاولتها التوفيق بين الجزائر وجلاديها من الفرنسيين غير أن المخرجة الشابة حاولت تجاوز عقدة الانتماء ومحاكمة التاريخ المشترك بحكم أنها مولودة في فرنسا حتى تحقق الموضوعية.
وخلال المناقشة التي تلت العرض، أوضحت المخرجة ياسمينة عدي أنها تفادت توظيف مصطلح “إبادة” لوصف مجازر 8 مايو لأنها لا تمتلك الدليل، كما أنها لم تعثر على أية وثيقة تثبت سقوط 45 ألف شهيد خلالها، معتبرة أن عدد من سقطوا خلال المظاهرات يبقى محل نقاش حقيقي.
وأشارت إلى أن فكرة الفيلم جاءت بعد صدور قانون 23 ابريل/نيسان 2005 الخاص بالدور الإيجابي للاستعمار وإدراجه في المنظومة التربوية الفرنسية، وهدفها تقديم “حوادث 8 مايو 1945” بصورة محايدة وبناء على الأرشيف، اذ لم تواجهها أي مشكلة في الحصول على مواد من الأرشيف الفرنسي والبريطاني والاميركي.
كما نوهت بمساعدة مصلحة الأرشيف في التلفزيون الجزائري وإن لم تستفد منه، لكنها اطلعت عليه لدراسة رؤية الإعلام الجزائري لمجازر 8 مايو، وأوضحت أن الفيلم تم عرضه على قناتي فرانس 2 والجزيرة وفي المركز الثقافي الجزائري بباريس، وشارك في العديد من المهرجانات الدولية والمسابقات.
وأضافت أن فيلمها أثار بعد عرضه في فرنسا موجة من النقاشات خاصة من قبل المستعمرين الاوروبين الذين كانوا يعيشون في الجزائر خلال فترة الاحتلال الفرنسي.
ميدل ايست اونلاين
الجزائر – من السعيد تريعة

http://www.middle-east-online.com/?id=77977

يمكن مشاهدة الشريط الوثائقي: