تاريخ سياسة

إعادة نشر: العقيد عمار بن عودة و تصريحات الشاذلي بن جديد نهاية 2008

بن عودة يرد على الشاذلي مؤتمر الصومام كان مقررا في القل قبل تحويله
2008.12.02 باديس قدادرة

العقيد بن عودة الى اليمين
رفض العقيد عمار بن عودة التعليق على فحوى التصريحات التي أثارها الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد خلال الملتقى الوطني حول قادة الثورة التحريرية، الذي احتضنته قاعة المحاضرات في المركز الجامعي بالطارف.

أوضح العقيد بن عودة بأن “مؤتمر القادة كان مبرمجا في قرية “حجر المفروش” في القل القريبة من عنابة، على أساس أنها منطقة محررة وتحت مراقبة جيش التحرير الوطني”.
وكشف بن عودة، في أشغال اليوم الدراسي الذي نظمته جامعة عنابة بالتنسيق مع مديرية المجاهدين حول الشهيد باجي المختار، أن اثنين من قادة الثورة قاما بزيارة “حجر المفروش” وتفقدا موقع عقد المؤتمر، وبعد ذلك تم تغيير المكان إلى الصومام لأسباب أمنية. ولم يشأ عضو مجموعة 21 الخوض في تفاصيل المؤتمر ومختلف التجاذبات التي عرفها. كما تطرق إلى مجموعة الـ 21 والدور الهام الذي لعبه الشهيد باجي مختار، مؤكدا على أن أربعة من أعضاء المجموعة فضلوا الانسحاب من الجلسة الأولى، وهم: عبد السلام حباشي والشهيدان رشيد ملاح وسعيد بوعالية، بالإضافة إلى عبد القادر العمودي الذي لم يظهر -حسبه- إلا بعد الاستقلال.
وقال بن عودة إن المنسحبين لم يكونوا ضد اندلاع الثورة، وإنما كان الخلاف معهم حول اختيار المرحوم رابح بيطاط ضمن مجموعة القادة الخمسة، وهم كانوا يفضلون عضوية عبد الرحمن بيراس الذي لم يحضر اللقاء.
وردا عن أسئلة “الشروق” حول اختيار منطقة حمام بني صالح في الطارف لعقد المؤتمر الذي حول فيما بعد إلى الصومام، فند عدد من المجاهدين الذين كانوا يرافقون عمار بن عودة مثل هذه التصريحات وقالوا: “إن الشاذلي على خطأ، ولا ندري دوافع مثل هذه التصريحات المثيرة في الوقت الحالي”. وأكد أحدهم أن جوهر الخلاف حول مثل هذه القضية بالذات كان قائما بين عمار بن عودة وعمار بوقلاز، حول من له الأحقية في قيادة القاعدة الشرقية، وهي النقطة التي أثارها أيضا الشاذلي بن جديد في جامعة الطارف، في غياب عمار بن عودة على رغم الدعوة التي وجهت له.
مع ذلك أشاد بن عودة بالرئيس الشاذلي وقال إنه كان الرئيس الأكثر حرصا على الدعوة إلى كتابة تاريخ الجزائر.

http://www.echoroukonline.com/ara/?news=29639

———-
http://www.youtube.com/watch?v=ZpgONmO9vp8
———-

مؤتمر طرابلس أهمل الانتماء الإسلامي للجزائر ولا وجود للقاعدة الشرقية في مواثيق الثورة

2008.12.12 – أجرى المقابلة: باديس قدادرة

العقيد عمار بن عودة مع صحفي الشروق
عندما قابلت العقيد عمار بن عودة لأول مرة بمناسبة تنظيم جامعة عنابة ومديرية المجاهدين لفعاليات اليوم الدراسي الخاص بالشهيد باجي المختار في نهاية شهر نوفمبر الماضي، رفض الرجل جملة وتفصيلا الخوض في المسائل التاريخية المعقدة التي أثارها الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد في ملتقى قادة القاعدة الشرقية الذي احتضنته جامعة الطارف.

اقترحت على مجموعة 21 التاريخية فكرة القيادة الجماعية للثورة.
غياب منطقة القبائل أجّل تاريخ اندلاع الثورة من 15 أكتوبر الى 1 نوفمبر 1954.
الحلقة الأولى
وقال لي: إن الشاذلي شخص طيب وأخشى أن تكون حرارة التصفيق وتأويل الأقلام الدائرة به هي التي دفعته إلى حشر نفسه في مسائل تتجاوزه تنظيما ومعاينة، وكشف ساعتها أمام جمع من المجاهدين والأساتذة والطلبة أنه لن يكون أبدا طرفا في حدة الجدال الحاصل لأن ذلك – حسبه – لن يخدم القضية الوطنية في شيء.
وبعدما فعلت خرجة الشاذلي فعلتها وأقحم العقيد عمار بن عودة في أكثر من موقع، عاودت الكرة يوم الجمعة الماضي وقمت بزيارة خاصة له في بيته الواقع بأعالي سرايدي رفقة مدير المجاهدين وأخيه المجاهد محمود بن عودة. ووجدت عند الرجل قابلية للحديث هذه المرة فقط للشروق اليومي وذلك لأنها تمثل بالنسبة له خطا وطنيا ملتزما يحظى بمصداقية الجميع في الداخل والخارج. وترجاني العقيد عمار بن عودة ألا تفسر هذه المقابلة كرد مباشر على أحد، بل هي مجرد توضيحات ضرورية لمسائل تاريخية معقدة للغاية، مبديا روحا متسامحة أمام من يصفهم برفاق السلاح مهما كان الاختلاف معهم في الرؤية والمنهج.
وفضلت أن أبدأ المقابلة التي استغرقت 6 ساعات كاملة بمعرفة خصوصية الرجل وبداية التحاقه بالتنظيم المسلح، وصولا الى نبش الماضي والكشف عن حقائق تذاع للمرة الأولى. سواء ماتعلق منها بحقيقة التنظيم المسلح والتيار المسالم لفرنسا، او حقيقة خلافه مع عمار بوقلاز مرورا بالتفرقة بين مناضلي فنادق القاهرة ومجاهدي الجبل، وقصة القبض على محساس ومحاولة قتله في تونس بعد أن طلب رئاسة الثورة بدعم من الرئيس بن بلة، وانتهاء بمؤتمر الصومام ومحاولة رئيس المخابرات المصرية فتحي الذيب الإطاحة بحكومة فرحات عباس وفرض بن بلة الناصري رئيسا للجزائر، وتفصيلات أخرى لا تخرج عن نطاق الجدل الحاصل حول ميثاق طرابلس وإعدام عبان رمضان، وقصة خروجه من الجزائر بعد الاستقلال.
ما حقيقة مثولك أمام محكمة عنابة وأنت في سن السادسة من العمر؟ لماذا وكيف كانت بداية الطفل بن مصطفى بن عودة المدعو عمار؟
هذا سؤال محرج جدا لشخص التزم الصمت طويلا ويأبى الحديث عن نفسه. ولكن لابأس وتقديرا مني للشروق اليومي التي أصبحت مفخرة الإعلام الجزائري الحديث فإني أقول بعون الله تعالى: أنا جزائري مسلم من مواليد سبتمبر 1925 بعنابة من والدين مسلمين وهما علي وبدرة حسين الشاوش بشارع نافران بالمدينة القديمة (بلاص دارم). وتعلمت دروسي الاولى بمدرسة رحبة الزرع. وعندما كنت مع والدي عام 1931 في حدود الساعة12 زوالا ونحن في ضواحي رحبة سيدي جاب الله خارجا من المدرسة نسير فوق الرصيف بشارع سان أوغستان داهمتنا سيارة وأجريت لي عملية جراحية وعمري 6 سنوات والمتهم صاحب السيارة فرنسي ابن أخت نائب قنصل اليونان في عنابة. وبعد عامين صدر ضدنا الحكم التالي: (لا يحق لكما أن تكونا فوق الرصيف في هذا الوقت بالذات) وبرأت المحكمة ساحة الفرنسي. فرد الوالد للقاضي بالقول :-(سلالة قذرة، هذه عنصرية).
وأدركت ساعتها فداحة التمييز بيننا وبين المعمرين. وظلت كلمة (عنصرية) ترافقني الى الأبد. وبعد مدة من الحادثة سكن بجوارنا الجزائري سي حسن النوري مؤسس الاتحاد التونسي للشغل وعضو المكتب السياسي للحزب الدستوري القديم بعد نفيه الى عنابة. وكان يجالس طلبة القديس أوغستان ومنهم: لطيب بلحروف، محمد اسطمبولي، مصطفى ساحلي، خالدي حسين، سناني أحمد وغيرهم. ولما قطعت عليه فرنسا الطعام كلف حزب الشعب الجزائري والدي بإعداد الوجبة الغذائية التي كنت أحملها إليه واستمع الى دروسه. وكانت تتواجد بنفس الدار جمعية المزهر البوني التي كان يشرف عليها السيد الجنيدي وعبد الرحمان الجندي وحفظت منهما أناشيد وطنية، الى أن التحقت عام 1938 وعمري 13 سنة بفوج البوني الكشفي رفقة: عبد الله فاضل، بن شريف، سي نوار، لحنش بدر الدين، محمد الطاهر العبيدي الى غاية 1943 تاريخ انضمامي كمسبل في حزب الشعب الجزائري، وألقي علي القبض عام 1944 بعنابة رفقة مجموعة من المناضلين بتهمة الانتماء الى منظمة مناهضة لفرنسا وأطلق سراحنا بدون محاكمة بعد 7 أشهر من السجن والتعذيب. وفي عام 1947 تم اختياري مسؤولا للمنظمة السرية بعنابة وكذا نواحي ڤالمة وسوق اهراس وتبسة الى غاية مارس 1950 تاريخ اعتقالنا رفقة 117 مناضل بتهمة محاولة خطف واغتيال خياري عبد الرحيم الذي انفصل عن الحزب وكشف سرنا للعدو، وكنت بالمناسبة رفقة ديدوش وعجامي قد لقنا المعني (طريحة) لن ينساها.
وفي السجن راودتني الفكرة التي كان يقولها لنا المسؤولون اذا تم القبض عليكم فاصعدوا الى الجبل، وهاهي الأمور تتغير ويطلبوا منا الوقوع رهائن في أيدي العدو. وكان باستطاعتي الصعود الى الجبل قبل إلقاء القبض عليّ. فما معنى هذا الانحراف الذي حصل في حزب الشعب ياترى؟حتى أصبح الحزب الكافر بوجود فرنسا يرشح مناضليه للبلديات والجمعية الوطنية. وفهمت أن هناك تيارا مسالما لفرنسا داخل الحزب يقوده الرئيس يوسف بن خدة. أما الذين كانوا ضد هذا التيار فهم جماعة المنظمة السرية بزعامة محمد بولوزداد ورفاق الجبل. ومنهم جميعا تكونت مجموعة 21 التاريخية. وعندما اكتشفنا أن الأنظمة السياسية عندنا قد تغيرت من حزب الشعب الى أحباب البيان والديمقراطية الى المنظمة السرية، قررنا الهروب من السجن نحن الأربعة (بن عودة، زيغود يوسف، بركان سليمان، وبكوش عبد الباقي) وتكلف زيغود باعتباره حدادا بصنع مفتاح بيت المراقبة من أنية الأكل، ونفذنا خطة الهروب بالصعود الى الأعلى والمرور فوق مديرية السجن المقابلة للبريد الى أن وجدنا أنفسنا في حدود منتصف الليل في ساحة المحكمة فقمنا أولا بحرق وثائق قضيتنا، وصعدنا مباشرة الى الجبل . . كان ذلك في أفريل 1951. وبقيت متنقلا مابين سمندو وعنابة وجرجرة، وتكونت صداقة بيني وبين كريم بلقاسم وأوعمران. ثم عدت عام 1953 الى عنابة رفقة زيغود وبن طوبال، الى أن جاء ديدوش في أفريل 1954وبدأ الحديث عن اندلاع الثورة وتم تعييني مسؤولا عن المنطقة الى حدود الولاية الثالثة.
قلت لي إن هناك تيارا مسالما . . وآخر متشددا ومتحمسا لقيام الثورة، فهل لك أن تعود بنا قليلا الى فكرة إنشاء مجموعة 21 التاريخية بشيء من الخفايا؟
قلت أن التيار المسالم مع فرنسا كان يقوده الرئيس يوسف بن خدة والذي كان من الأساس رافضا لقيام الثورة أو التأجيل إليها. وأفضل الا أخوض كثيرا في هذه المسألة حتى لا أسيء الى عديد ممن لا يزالون على قيد الحياة. أما التيار المتحمس أو المتسرع لاندلاع الثورة فكان أغلبهم من المنظمة السرية الذين كانوا في الجبل وهم 13: سويداني بوجمعة، بن طوبال، بن عودة، بوصوف، عبد السلام حباشي، زيغود يوسف، العربي بن مهيدي، ديدوش مراد، رابح بيطاط، محمد بوضياف، محمد بوشعيب، بن عبد المالك رمضان. أما الـ 8 الآخرين فهم مؤسس المنظمة السرية محمد بولوزداد، ومرزوقي، العمودي، بوعجاج، بن بولعيد، باجي المختار، ملاح سليمان، السعيد بوعلي وصاحب الدار الياس دريج الذي اختارت مجموعة الجزائر بيته القريب من الغابة. كنت ساعتها في العاصمة قي شهر جوان 1954 حتى جاءني بلوزداد وحملني الى الدار، وهكذا فعل مع البقية.
وعندما التحقت بالدار وجدت بداخلها من وصل قبلي وهم : بن بولعيد، بيطاط، ديدوش، سويداني، وبوشعيب ثم التحق الآخرون والذين كانوا يعرفوننا بأسمائنا الحقيقية هم : ديدوش، بوضياف، وبن مهيدي. والعضو الوحيد الذي لم أكن أعرفه هو عبد القادر العمودي. وبعد أن اتفقنا على صيغة البيان ترشح للرئاسة اثنان وهما بوضياف وبن بولعيد ولم يتحصلا على الأغلبية النسبية المطلوبة فتم اللجوء الى الدور الثاني بعد تناول الغذاء فقمت وقتها باقتراح فكرة القيادة الجماعية ودعم المرشحين بـ3 أعضاء آخرين وهم : بن مهيدي وديدوش ورابح بيطاط.
وتم قبول الفكرة والتصويت الجماعي على القيادة الجماعية والاسراع باندلاع الثورة والذي كان مقررا يوم 15 أكتوبر ثم عدل فيما بعد، الا أن 5 أعضاء كانوا ضد وجود رابح بيطاط في القيادة الخماسية للثورة وهم: مشاطي وحباشي وملاح سليمان وعلي بوغني وعبد القادر العمودي واقترحوا بدلا عنه عبد الرحمان قيراس على أساس أن بيطاط لم يكن مسؤولا كالأربعة في المنظمة السرية (os) وتجاوزنا هذا الاشكال المعقد بصعوبة بعد أن طرح المتحمسون للثورة وهم : سويداني، باجي المختار، بن عودة، وزيغود منهجا عمليا للبداية. أما الاخرون وبكل أمانة لم يكونوا متحمسين بشكل عاجل لاعتبارات يقولون إنها موضوعية.
والقيادة الخماسية هي التي قررت اندلاع الثورة في 1 نوفمبر وكان التاريخ المتفق عليه في السابق هو 15 أكتوبر. وعندما سألت ديدوش مراد عن غياب منطقة القبائل، قال لي بالحرف الواحد: لقد اعتقدوا أننا مركزيين. فطلبت منه وعلى جناح السرعة مقابلة أوعمران فسمح لي بذلك، اذ ليس من المعقول أن تندلع الثورة ومنطقة القبائل غائبة.
فقابلت أوعمران في 21 شارع بولينياك بالعناصر يوم 24 جوان 1954 رفقة بلوزداد وبوعجاج في دكان للمواد الغذائية ثم انتقلنا الى (مقهى الجزائر) وأقنعنا أوعمران بأننا لسنا مركزيين ولا اتصال لنا بهم ونحن على استعداد لتفجير الثورة، فوافق على أن يكون معنا، واتفق مع ديدوش لاصطحاب كريم بلقاسم واجتمعنا في فندق بشارع روندو بالجزائر. وتم إلحاق كريم بالقيادة لتصبح قيادة سداسية بعد أن تنازل له أوعمران. ثم قررت القيادة توسيعها الى جماعة الخارج وتم اضافة آيت أحمد وأحمد بن بلة ومحمد خيضر لتتحول القيادة الى تساعية، وعدل تاريخ اندلاع الثورة من 15 أكتوبر الى ليلة الفاتح من نوفمبر 1954.
أعرف أنك ترفض التعليق على خرجة الرئيس الشاذلي الأخيرة في الطارف، ولكنك أكدت لي بالمقابل أن الرجل اعتمد على مصادر مغلوطة، فهل من توضيح حول المسألة؟
ما أعرفه عن الرئيس الشاذلي انه لا يحبذ الخوض المباشر والعلني في المسائل التاريخية المعقدة، فهو انسان طيب ومسالم ويحب الخير للجميع. كما ان تاريخه الثوري ناصع ونظيف ولا غبار عليه. فحتى قبوله بمنصب الرئاسة كان من منطلق الحرص على الجزائر.. واني على يقين ان ملتقى الطارف الذي لم توجه لي الدعوة لحضوره لأسباب تبقى غامضة، كان مخصصا للحديث عن قادة ما يسمى بالقاعدة الشرقية التي لا وجود لها في مواثيق الثورة الجزائرية. ولم يكن الشاذلي مبرمجا للحديث في الطارف. ولم أدر كيف استدرج الرجل الى المنصة تحت تصفيقات حماسية مصطنعة وليجد نفسه يخوص في مسائل تاريخية معقدة بنية حسنة معتمدا على مصادر سيئة و”غالطة”.
فمؤتمر الصومام لم يكن مقررا كما قال في منطقة حمام بني صالح بالطارف قبل نقله الى قرية ايفري بالصومام وانما كان بحجر المفروش بالقل. وربما تكون الأمور التاريخية الدقيقة قد اختطلت على الشاذلي لأنه لم يعشها بشكل مباشر ولكنه ذهب ضحية املاءات خارجة عن نطاقه. أعتقد ان الذي أوحى له بها هو المرحوم عمارة بوقلاز الذي رافقني حقيقة الى منطقة بني صالح لاستقبال وفد الخارج القادمين من تونس لحضور المؤتمر الذي كان مقررا في حجر المفروش. وانتظرنا مدة وعندما علمنا بعدم قدومهم عدت الى عنابة ورجع عمارة بوقلاز الى منطقة القالة.. ثم تم تحويل المؤتمر الى قرية ايفري بالصومام. هذه هي الحقيقة التي لا يعرفها الشاذلي، أو التي يعرفها وهناك من أقنعه من المحيطين به بعدم صحتها، فهو ليس بالرجل المؤرخ حتى ينشر مثل هذه المقالات، ولربما الذين كلفهم بالكتابة استرسلوا في الانشاء والتعبير والمحسنات اللغوية عى حساب الحقيقة التاريخية. ومهما يكن من أمر فالرئيس الشاذلي بن جديد الذي سكت طويلا كان عليه ألا يتكلم الآن حفاظا على القضية الوطنية المقدسة من التأويل والتفسير والروايات الأخرى السيئة.

في الحلقة القادمة: تطالعون حقيقة القاعدة الشرقية وموقف كل من محساس وبن بلة ورواية الشاذلي بن جديد

http://www.echoroukonline.com/ara/interviews/29976.html

———-

العقيد عمار بن عودة يروي شهادته التاريخية
عارضت رئاسة فرحات عباس للحكومة المؤقتة وأحبطت مؤامرة فتحي الذيب الانقلابية
2008.12.13 أجرى المقابلة: باديس قدادرة

صورة الشروق
الحديث مع العقيد عمار بن عودة في ظل الجدل الدائر حول قادة القاعدة الشرقية، والتفسيرات والتجاذبات التي تباينت حول قصة هذا الهيكل الذي لا يجد المؤرخون له أثرا ضمن مواثيق وهياكل الثورة الجزائرية، يبقى مفتوحا على كل أنواع التفسير والتأويل وبخاصة وأن بن عودة قد غاب أو غُيِّبَ عن لقاء الطارف وهو الشاهد الذي (شاف كل حاجة). فأي تفسير لإبعاد الرجل عن الإدلاء بدلوه في الموضوع وهو الذي يعترف له كثير من رفاق السلاح بقوة الذاكرة وسلامة التعبير والحضور الذهني بالرغم من وقع المرض وتقدم السن؟.

* حكاية القاعدة الشرقية وأطماع محساس وبن بلة لرئاسة الثورة… ورواية الرئيس الشاذلي
ؤتمر الصومام كان مقررا بحجر المفروش بالقل، وليس في حمام بني صالح بالطارف.
عارضت رئاسة فرحات عباس للحكومة المؤقتة، وأحبطت مؤامرة فتحي الذيب الانقلابية.
الحلقة الثانية والأخيرة

في هذه الحلقة الثانية والأخيرة من اعترافات العقيد عمار بن عودة المثيرة حقا، تركت للرجل الوقت الكافي للتوضيح مبتدئا بحكاية مؤتمر القادة وصولا إلى إبعاده إلى لبنان مرورا بمحطات تاريخية معقدة جدا ومنها تدخله أمام المدير العام للأمن التونسي إدريس قيقة لإنقاذ علي محساس من القتل بعد اعتقاله من طرف جماعة أوعمران، وحقيقة لجوء بن عودة إلى العنف واستعمال السلاح عندما أرسله زيغود يوسف للإشراف على الحدود تماما مثلما فعل ابراهيم مزهودي في تبسة لفرض قرارات الصومام كما جاء في شهادة العقيد الشاذلي بن جديد في الطارف، وخلفية يوم الحداد في القاعدة الشرقية احتجاجا عل مقتل عبان رمضان، ومسائل أخرى تكشف عن مدى تورط المخابرات المصرية بقيادة فتحي الذيب في التأثير على قضايا داخلية حساسة.
دعنا نعود قليلا الى عقد مؤتمر القادة بمنطقة المشروحة في جبال بني صالح مقر قيادة عمارة بوقلاز الآمنة، ثم تحويل المؤتمر إلى قرية إفري بالصومام بسبب قطع الاتصال بالمنطقة الثانية كما جاء في ملتقى الطارف. فما تعليقكم على ذلك؟
قلت لك إن مؤتمر القادة لم يكن مطروحا عقده بتاتا في جبال بني صالح كما قالها الشاذلي في الطارف، بل ان منطقة حجر المفروش بالقل هي التي كانت مرشحة لعقد هذا الاجتماع التاريخي على اساس أنها آمنة وتقع تحت السيطرة التامة لجيش التحرير الوطني وقريبة جدا ايضا من الحدود الشرقية.
وتم بالمناسبة تعييني لاستقبال جماعة الخارج في منطقة أولاد بالشيخ في بني صالح لحضور المؤتمر بواسطة تعليمة من القيادة. وذهبت الى بني صالح (حاليا في الطارف) وقابلت عمارة بوقلاز الذي كان مسؤولا فقط في ناحية القالة الحدودية، بحيث لم تكن هناك ما يسمى بالقاعدة الشرقية (جويلية 1956). وانتظرت رفقة بوقلاز قدوم كل من بوضياف وآيت أحمد وبن بلة من تونس فلم يأتوا في الموعد المحدد. وكان وجود عمارة بوقلاز إلى جانبي لتأمين الأمن بعد أن طلبت منه القيادة وقف العمليات العسكرية بهدف صرف نظر العدو عن التحضير للمؤتمر.
وبعد 3 أيام في بني صالح عدت إلى مقر القيادة ومعي ابراهيم مزهودي. ولم أسأل عن سبب الغياب فلربما بحسب ما أشيع وقتها أن السلطات التونسية لم تلتزم بتقديم ضمانات لحمايتهم الى غاية الوصول الى المكان المتفق عليه، كما أن أعضاء قيادة الولاية الأولى لم يلتحقوا في الموعد المحدد وبالتالي قرر قادة الولاية الثانية وهم: زيغود وبن عودة وبن طوبال العدول عن حجر المفروش والاتفاق على مكان آخر كان في الأخير قرية إفري بالصومام لاعتبارات أمنية لا أكثر ولا أقل. وكم تمنيت لو وجه لي المنظمون للقاء الطارف الدعوة لكشف كل هذه الحقائق التاريخية، وقد سبق لي حضور ملتقيات سابقة بالطارف وجلست مع الأخ عمارة بوقلاز الذي صرح أمام الأخ بشير خلدون بأنه مدين لي بحياته. لماذا، لأن عمار بن عودة هو الذي جنّده في شهر ديسمبر 1954 عندما أتى به الحاج سعيود المكلف بشراء الأسلحة الى مركز جبل إيدوغ، وطلبت أنا منه الالتحاق بمحمد الهادي عرعار وعمار بومزاودة في القالة وامتثل وذهب إلى القالة. والحقيقة انه لا خلاف عندي مع بوقلاز العسكري، والحكاية كلها أنه وبعد مؤتمر الصومام سافرت الى تونس موفدا من طرف القيادة لتنظيم الوضع الذي كانت تسوده الفوضى العارمة.
ولما التحقت في الأسبوع الأول للاتصال بالتنظيمات الموجودة جاءني عمارة بوقلاز مصحوبا بعلي محساس والذي طلب مني الاعتراف به كرئيس للثورة لأنه ببساطة كان نائبا لأحمد بن بلة الذي يسميه رئيس الثورة؟ وكان جوابي لمحساس مركزا وواضحا وبسيطا وهو: (إن كنت ترغب حقيقة في رئاسة الثورة الجزائرية فما عليك سوى مغادرة فنادق القاهرة الفاخرة وحمل البندقية والصعود مع الثوار إلى الجبل… وبن بلة ليس رئيسا… وقيادة الثورة ليس لها رئيس). ولم يكن رد بوقلاز عليّ جوابا مريحا فحاول سحب مسدسه فأسرعت بطرحه أيضا. كان ذلك بنهج مدريد بتونس.
معنى ذلك أن عمارة بوقلاز كان موافقا على كلام محساس؟
بالتأكيد، وكان بوقلاز يطمح الى أن يكون هو أيضا نائبا للرئيس. ثم تمت تسوية هذه القضية بيني وبين بوقلاز على أساس أننا ننتمي الى العمل المسلح.
وما حكاية القاعدة الشرقية التي لم يرد ذكرها في مواثيق وهياكل الثورة بحسب قولكم؟
بعد مؤتمر الصومام، وردت فقرة تؤكد (أولوية الداخل عن الخارج والسياسي عن العسكري) وهذه التي دفعت أحمد بن بلة الى التحرك باعتباره من جماعة الخارج وذلك في محاولة للتشبه بالرئيس جمال عبد الناصر. واتفق بن بلة مع محساس لتكوين منطقة حرة لإخراج فرنسا ـ بحسب زعمهما ـ وتسند مهمة قيادة هذه المنطقة الى الأخ عمارة بوقلاز. وأسرع بن بلة بجلب السلاح من مصر وليبيا لعمارة مقابل الاعتراف به كرئيس للثورة الجزائرية… واعترف له بوقلاز بذلك؟. وكنت قد طلبت من محساس عند اللقاء الخروج فورا من تونس والذهاب الى ليبيا.
ولما سمع أوعمران بالحادثة جاء هو أيضا الى تونس موفدا من طرف القيادة لنفس المهام التنظيمية والتفتيشية تقريبا. وما قاله الشاذلي بخصوص ذهابي الى تونس من طرف زيغود فهو كلام غير صحيح. والحق أني كنت موفدا رسميا من طرف قيادة الثورة بوثيقة محررة وموقعة من عبان رمضان باعتباره مكلفا بالتسليح والتمويل لا غير. وفي الوثيقة هناك مادة واضحة تحظر عني تعاطي السياسة. فلا أنا ولا مزهودي ذهبنا الى تبسة ولم نشهر السلاح في وجه الشعب… وتلك مغالطة تاريخية ينبغي تصحيحها وتوضيحها. فقد دخلت الى تونس بعد 1956 (والوثيقة لاتزال معي). وأثناء وجود محساس وأوعمران في تونس لم يقع أي خلاف بين الرجلين استدعى تدخل الرئيس الحبيب بورقيبة. ولكن مسألة الترويج لفكرة رئاسة الثورة أقلقت أوعمران فضرب موعدا للقاء محساس، وأرسل له مجاهدين اثنين وألقيا القبض على محساس ووضعاه في السجن بتهمة الترويج لفكرة بن بلة القاضية بفرض الخارج عن الداخل عكس ما جاء في وثيقة الصومام. إذن فالقاعدة الشرقية هي مجرد فكرة ثلاثية بين بن بلة ومحساس وبوقلاز، ولا وجود لها في سجلات الثورة. وكانت أوامر لجنة التنسيق والتنفيذ التي حملها معه أوعمران إلى تونس هي أن عبان رمضان يقضي بتصفية كل العناصر البنبلية المناوئة لوثيقة الصومام.
بقي محساس في السجن حوالي أسبوع وكانت الجماعة تنوي قتله، وعندما تأكدت من الأمر اتصلت على الفور بالمدير العام للأمن التونسي ادريس قيقة المتزوج بجزائرية من سكيكدة وقلت له: إن محساس في خطر. ولبّى إدريس طلبي وأنقذ محساس من القتل المحقق. وجاء إلى عنابة وقلت له أمام جمع من المجاهدين: إن القاعدة الشرقية خلقها بن بلة لضرب مؤتمر الصومام. بالإضافة الى ذلك فعلاقتي ظلت حسنة مع بوقلاز وهو يعرف انني تدخلت أمام بن طوبال وبوصوف وبومدين من أجل حضوره برتبة عقيد إلى مؤتمر القاهرة الخاص بالمجلس الوطني للثورة الجزائرية في 1957 ولا أحد في القاهرة كان يؤمن بالقاعدة الشرقية. وكنت في الواقع محتاجا إلى صوته لإلغاء الصبغة اللائكية على مؤتمر الصومام. وقد نجحت في ذلك بصوت عمار بوقلاز وذلك بحضور أكثر من 20 عضوا الذين كان أغلبهم متمسكا بالصيغة التي حررها الشيوعي عمار أوزقان. وربما لابأس أن أذكر للتاريخ فقط، أن الخدمة الثالثة التي قدمتها لعمارة بوقلاز وهي التدخل لتحويل مكان عقوبته من بغداد إلى دمشق، وهي العقوبات التي اتخذها (C.N.R.A) في القاهرة والقاضية بإبعادي إلى لبنان لمدة 3 أشهر وإبعاد بوقلاز إلى بغداد وإنزال رتبته وكذا محمد سعيدي بحجة التعسف في استعمال السلطة، وهي تهم باطلة لا أساس لها من الصحة. وعندما جلبت السلاح من طرابلس ووزعته على الولايات عام 1956 كان نصيب القاعدة الشرقية أكثر من 100 قطعة. ولهذا لا عجب أن يكرر الرجل مقولة (أنا مدين بحياتي لعمار بن عودة).
نبقى في (القاعدة الشرقية) التي نظمت يوم حداد احتجاجا على مقتل عبان رمضان بعد كشف الحقيقة وهي أن رفاقه استدرجوه إلى المغرب وقتلوه. فما حقيقة هذا الاحتجاج؟
هذا كلام غير دقيق. فالمرحوم عبان رمضان أولا كان من أشد المعارضين لقيام ما يسمى بالقاعدة الشرقية. ولهذا لم يذكر أحد حدوث هذا الاحتجاج. فالذين أعدموا عبان رمضان يقولون إن الرجل كان يجري اتصالات مع جهات خارجية وأحيانا حتى مع العدو دون إخبار لجنة التنسيق والتنفيذ. وكان يلقى التشجيع من التوانسة لمواصلة مثل هذه الاتصالات مقابل أن يكون هو رئيس الثورة الجزائرية. ولما اكتشف أمره شكلت لجنة التنسيق والتنفيذ محكمة عسكرية وحكمت عليه بالإعدام، ولم يعارض أحد من الجماعة إلا بن طوبال. والعقيد علي كافي كفانا شرح هذه الحادثة، بل ذهب إلى حد وصفه بالخائن والله أعلم؟
يقال إن الحرس التونسي حاصر ضباط الولاية الأولى والقاعدة الشرقية واعتقلهم، ويقال إن كريم بالقاسم تسرع في إنشاء لجنة العمليات العسكرية الشرقية والغربية (الكوم) وذلك لبداية تفكيك القاعدة الشرقية وتصفية مسؤوليها. فهل حقيقة أن كوم الشرق كانت بؤرة لخلافات عميقة بينكم؟
أولا نية إنشاء الكوم جاءت تحت ذريعة أن الثورة قد فشلت وحتى يحملون لجنة التنسيق والتنفيذ مسؤولية هذا الفشل. وتم دفعنا إلى الحدود فأسرعنا وفي وقت قياسي بتنظيم الجيش وإعادة توحيده بعد أن دبّ فيه الخلاف وبخاصة مابين الولايتين الأولى والثانية والقاعدة الشرقية. ونفذنا عمليات جريئة جدا ضد خط موريس في ليلة واحدة انطلاقا من البحر إلى قرب مدينة تبسة.
بعد يومين تم استدعاؤنا الى القاهرة وعوقبنا وانتهى الكوم وتأسست قيادة الأركان. الذين يقولون إن الخلاف دبّ بين محمد سعيدي (الولاية3) ـ محمد العموري (1) ـ عمار بن عودة (2) ـ وعمار بوقلاز (القاعدة الشرقية) حول كوم الشرق غير صحيح على الإطلاق. وأعرف أن الشاذلي بن جديد، وعن حسن النية، هو الذي أثار هذه النقطة في لقاء الطارف.
ولماذا لم يتحدث عن كوم الغرب الذي كان يضم العقيد بومدين والعقيد الصادق. وأنا أعلن أمام قراء الشروق المحترمين أن ما يسمى بالكوم والحكومة المؤقتة وقيادة الأركان هي كلها هياكل غير شرعية ولم تصمد طويلا. وشخصيا لم أوافق على إنشاء الكوم لأننا ببساطة لا ننتمي الى اتجاه واحد. فالعموري من جمعية العلماء، وبن عودة وبوقلاز من الحركة الوطنية، ومحمد سعيدي من الجيش. وأعترف أن سعيدي قد ارتكب خطأ جسيما عندما قال إن الجيش قد جاع في وادي ملاق وبالتالي عليهم بالدخول. وأنا قلت لهم لا تدخلوا من الحدود لأنكم لن تجدوا ما تأكلون. أما بخصوص اعتقال الحرس التونسي لقادة الحدود فهذا صحيح ويطول فيه الحديث وذلك لأنهم كانوا يخططون للانقلاب على الحكومة المؤقتة وعلى رأس المتآمرين العموري الذي أعفي من الولاية الأولى بعد عقوبة القاهرة.
وصلنا إلى الحكومة المؤقتة برئاسة فرحات عباس، فلماذا عارضتها من جهة، وحذرت الآخرين من الدخول في مخطط رئيس المخابرات المصرية فتحي الذيب للإطاحة بها من جهة أخرى؟
الحكومة الموقتة للجمهورية الجزائرية تكونت يوم 17 أكتوبر 1958 برئاسة فرحات عباس بالقاهرة. وعمار بن عودة لم يعترف بها وكتبت ذلك لبوصوف وكريم وبن طوبال وذلك لسبب بسيط وواضح، هو وجود فرحات عباس الذي بحث عن الجزائر فلم يجدها حتى في القبور رئيسا لها. كما أن العملية تمت بطريقة ارتجالية دون استشارة أي أحد، وثالثا لم تتم مشاورة مسؤولي الولايات التاريخية بالأمر. ولم أفهم صراحة كيف تشكلت هذه الحكومة ولماذا أختير فرحات عباس لرئاسة أول حكومة جزائرية ثورية في التاريخ؟ ومادمت ملتزما دائما بالانضباط فلم اتخذ موقفا عمليا ضد هذه الحكومة وفوضت أمري إلى الله سبحانه وتعالى.
وفي المقابل ويوم 20 أكتوبر أي بعد 3 أيام فقط من تشكيل الحكومة جاءني عرعار محمد الهادي الذي كان في القاهرة ليقول لي إن فتحي الذيب يطلبني في مقر المخابرات المصرية لأمر هام وحساس وسري للغاية، فأشعرت بوصوف وكريم وبن طوبال بالأمر، فسمحوا لي بذلك. وكنت أعرفه من قبل بصفتي مسؤولا عن الأسلحة. فطلب مني الذيب العمل معا على تغيير الحكومة المؤقتة أو على الأقل رئيسها فرحات عباس وتعويضه بأحمد بن بلة وذلك امتثالا ـ حسبه ـ لرغبة الشعب الجزائري، وهمس لي قائلا: إني أعرف أنك تعارض هذه الحكومة. فلم أتركه يواصل بقية فصول المؤامرة وقلت له: هذه مسألة جزائرية داخلية ولا شأن لكم بها. وأبلغت ما جرى بيني وبينه للقيادة. اتصل عرعار بعد ذلك بعمارة بوقلاز في فندق فيكتوريا بالقاهرة وأقنعه بلقاء فتحي الذيب، ولما سمعت به (ماشي في اللعبة) أخذت عمارة معي إلى المطار ورحلته إلى بغداد لتنفيذ مدة العقوبة، ولو بقي في القاهرة لكان قد التحق بالحدود ووقع له ما وقع للعموري. أو السقوط في فخ الذيب.
ولهذا كان كل مرة يردد مقولة: (أنا مدين بحياتي لعمار بن عودة). أما عرعار فكان يقبض (كاش) من المصريين مقابل هذه المهمة القذرة. وللتذكير، فالعموري رفض عقوبة السفر إلى السعودية وظل مدة بالقاهرة يتصل بفتحي الذيب سرا وجهرا لتنفيذ الإطاحة بالحكومة مثلما يؤكد جمال قنان ومصطفى الأكحل. وسافر العموري الى طرابلس عوض السعودية وبها تعشى عند المجاهد الليبي سالم شلبك المحب للثورة الجزائرية. ومن هناك اتصل مع كولونيل بالولاية الأولى باللهجة الأمازيغية يطلب منه الاستعداد لتنفيذ الانقلاب. ومن حسن الحظ أن الليبي سالم شلبك يفهم الأمازيغية أو الشلحة، فنزل المدينة وحيدا وأخبر جماعة بوالصوف المكلفين بتأمين أمن الثورة في طرابلس. ومن جهتهم أشعروا بوصوف وكريم وبن طوبال بحادثة العموري، واتخذوا قرارا ثلاثيا يقضي بالاتصال بالتوانسة على أساس محاصرة الجيش لوقف الانقلاب على الحكومة الجزائرية المؤقتة بتوجيه من رئيس المخابرات المصرية فتحي الذيب. وبعد ذلك شكلت الحكومة محكمة عسكرية برئاسة العقيد هواري بومدين وكلف علي بومنجل بمهام النيابة العامة، وأصدرت أحكاما متفاوتة بين السجن والإعدام على أفراد الجماعة المخططة للانقلاب.
غادرت الجزائر بعد الاستقلال مباشرة، فما دوافع هذه السرعة، وكيف عدت إلى حين إحالتك على التقاعد؟
اعلم يا أخي أن عمار بن عودة هو الوحيد الذي صوّت علناً ضد ميثاق طرابلس الذي يكرس النهج الاشتراكي للحكم في الجزائر. وكان العقيد علي كافي يرأس الاجتماع، فطلبت منه الكلمة بعد الانتهاء من التصويت وفسرت للحضور سبب تصويتي المضاد. ولهذا قررت مباشرة بعد الاستقلال مغادرة الجزائر مادام مبدأ الحكم فيها يتعارض مع النصوص الأساسية الأولى للثورة. وطلبت من بومدين الذي كان وزيرا للدفاع تعييني ملحقا عسكريا بالقاهرة. وعندما سمع الرئيس بن بلة أسرع باقتراح المنصب على صالح صوت العرب، إلا أن بومدين كان أقوى ونفذ وعده. ومن القاهرة الى باريس الى تونس في نفس المنصب، ثم سفيرا في ليبيا. وعندما جاء الرئيس الشاذلي طلب مني الدخول الى الجزائر وقام بتعييني رئيسا للجنة التأديب بحزب جبهة التحرير الوطني وعضوا باللجنة المركزية ثم نائبا بالبرلمان عن ولاية عنابة، وأخيرا عميد مصفّ الاستحقاق الوطني إلى يومنا هذا دون أن يكون لهذا المنصب أي فاعلية تذكر منذ مجيء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
وبعد كل هذا التاريخ الطويل، ماذا يشعر العقيد والمجاهد عمار بن عودة؟
صراحة أحس بالظلم والحرقة بعد أن صدرت ضدي أحكام قضائية لا تعنيني بشكل مباشر. وفضلت عدم الاتصال بأحد. وأوكلت أمري الى الله سبحانه وتعالى.
محطات ذاتية:
تزوجت عام 1963 من الأولى وأنجبت لي 3 بنات: صيدلية وطبيبة وأستاذة جامعية.
بعد 6 سنوات تزوجت بالثانية وأنجبت لي 3 أولاد ذكور وبنتا واحدة.
أعيش حاليا وحدي مع الحاجة في بيت متواضع جدا بأعالي سرايدي، أقضي اليوم في متابعة أخبار الفضائيات والاستماع إلى القرآن الكريم.
بوتفليقة صديقي ولن يجد الجزائريون أحسن منه. ولهذا سأصوّت له في الرئاسيات القادمة أحسن من مشقة البحث عن آخر.
أشياء كثيرة لن أقولها الآن. وعندما أقرر الكشف عنها ستكون الشروق اليومي صاحبة السبق في ذلك.
أعاني من ضعف حاد في البصر ومقبل على إجراء عملية جراحية قريبا.
لابد من التفريق بين مناضلي فنادق تونس والقاهرة والمجاهدين في الجبل.
أطلب العفو من جميع المجاهدين والشهداء، فالثورة كانت عظيمة وبها مشاكل كثيرة.
أنا الذي كتبت بيان أول نوفمبر بعنابة على آلة كاتبة قدمها المجاهد عبد الكريم سويسي.
طلب مني ديدوش العودة إلى عنابة يوم 21 أكتوبر 1954 للإشراف على اندلاع الثورة. وكونت فوجا يضم عرعار ـ بن موزاد ـ سيمسون ـ العزابي ـ عمي موح ـ عمي العربي وعبد الكريم سويسي.

http://www.echoroukonline.com/ara/?news=30025

———-

ما لا يقال
مالم يقله ابن عودة لابن جديد؟
2008.12.24 عبد العالي رزاقي
حمل رد العقيد بن مصطفى بن عودة المدعو عمار على الرئيس السابق الشاذلي بن جديد كثيرا من الأخطاء التاريخية والمغالطات.

وباعتبار أن ابن عودة من »عقداء الشاذلي بن جديد« وليس من العقداء العشرة للثورة، وأنه عينه على رأس لجنة الانضباط، لإبعاد عبد العزيز بوتفليقة من اللجنة المركزية لجبهة التحرير الوطني، فقد رأيت أنه من الأفضل كشف ما لا يقال في حضرتي الرئيس وعقيده.

درس في التاريخ وآخر في »العولمة«!
كان حزب الشعب يمثل الأغلبية الساحقة من الشعب الجزائري، باعتباره حامل راية الاستقلال، وحين انفجرت الأزمة بين الزعيم مصالي الحاج وما يسمى بـ »المركزيين«، كان الاستعمار الفرنسي قد وصل إلى سجن معظم أعضاء جناحه المسلح (OS) المنظمة السرية، وبعد خروجهم من المعتقلات والسجون شرعوا في تشكيل قوة ثالثة »مسلحة« بمبادئ الحزب والاقتناع بالثورة كخيار أخير لإنقاذ البلاد من الاحتلال الفرنسي، فاستغلت صراع الأجنحة على قيادة الحزب لتشكيل »نواة الثورة«، خاصة بعد أن تأكدت من محاميها عبد الرحمان كيوان بأن همّ قيادته هو عدم توريط الحزب في الأعمال المسلحة التي قاموا بها مثل الاستيلاء على بريد وهران.
ولأن جوهر انشغال الشعب هو الاحتلال فقد تبنت هذه الجماعة ومنهم ابن عودة الخيار الثوري، وتم توزيع البلاد على خمس مناطق وتعيين قيادتها وهي:
ـ المنطقة الأولى بقيادة مصطفى بن بوالعيد
ـ المنطقة الثانية بقيادة ديدوش مراد
ـ المنطقة الثالثة بقيادة كريم بلقاسم
ـ المنطقة الرابعة بقيادة رابح بيطاط
ـ أما المنطقة الخامسة فهناك روايتان، الأولى تقول بأن قائدها هو العربي بن مهيدي، وأن محمد بوضياف كان مجرد منسق عام لها، والثانية تقول إن محمد بوضياف هو قائدها، وتبقى مهمة المؤرخين في توثيق ذلك.
والسؤال الموجه لابن عودة: ما اسم المنطقة التي عينكم ديدوش مراد عليها كما تقول عام 1954؟
علما بأن المنطقة الثانية التي كان يرأسها ديدوش مراد كانت مقسمة إلى ثلاث نواحي، وعلى كل ناحية رائد وهم:
1 ـ عبد الله بن طوبال على الناحية الأولى
2 ـ زيغود يوسف على الناحية الثانية (الوسطى)
3 ـ باجي مختار على الناحية الثالثة
وما هو متداول بين المجاهدين أن عمار بن عودة هو خليفة الشهيد باجي مختار، ولا نعرف سبب عدم قيامه بالمهمة.
وكل منطقة كان عليها قائد برتبة عقيد، وعندما تحولت إلى ست ولايات، في مؤتمر الصومام 20 أوت 1956، صارت مقسمة كالتالي: الولاية وتشرف على المنطقة، والمنطقة تشرف على الناحية، والناحية تشرف على الأقسام، وعلى كل ولاية يوجد قائد برتبة عقيد.
وكل من يستشهد يخلفه تلقائيا نائبه ويصير عقيدا، بحيث أن استشهاد ديدوش مراد خلفه زيغود يوسف فصار عقيدا، وبعد استشهاده خلفه عبد الله بن طوبال فصار عقيدا، وبعد خروجه من الجزائر خلفه علي كافي فصار عقيدا، وهكذا كانت تسير قيادة الثورة.
فإذا كان لابن عودة وثائق أخرى فليقدمها لنا علنا نعيد قراءة التاريخ لنتأكد من قوله إن ديدوش مراد عينه مسؤولا.

أخطاء ومغالطات
يقول ابن عودة بأنه انظم إلى حزب الشعب كـ »مسبل« وكأني به يجهل أدبيات الحزب وهي »المحب، المشترك، والمناضل« وكلمة »مسبل« من مصطلحات الثورة.
ويزعم أن علي كافي كان يرأس اجتماعات مؤتمر طرابلس، وهذا خطأ، فمكتب المؤتمر كان يرأسه المرحوم محمد الصديق بن يحيى بعضويتي عمر داود والعقيد علي كافي.
ويؤرخ لميلاد الحكومة المؤقتة بـ 17 أكتوبر 1958 وليس بتاريخ 19 سبتمبر 1958.
بالرغم من أن الإعلان عن الحكومة كان في ثلاث عواصم عربية، وهي القاهرة وتونس والرباط.
أما الادعاء بأنه عين عمارة بوقلاز عقيدا فهذا هو السؤال المحيّر: كيف يعين الرائد بن عودة زميلا له بالرتبة نفسها عقيدا؟

أين اختفت النسخة الأصلية؟
يتهم ابن عودة رئيسه ابن جديد بأن »مصادر سيئة وغالطة«، وينسب إليه كتابة بيان أول نوفمبر 1954 حيث يقول:
»أنا الذي كنت كتبت بيان أول نوفمبر بعنابة على آلة كاتبة قدمها لي المجاهد عبد الكريم السويسي« وأتساءل بأية لغة كتب هذا البيان بالعربية أم الفرنسية، وأين النسخة الأصلية وهي وثيقة ذات شأن عظيم، وكذلك الشأن بالنسبة للآلة التي كتب بها؟
وينصح الشاذلي بن جديد قائلا: »والرئيس الشاذلي بن جديد الذي سكت طويلا كان عليه ألا يتكلم الآن« والعقيد عمار بن عودة الذي بكا طويلا أمام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في نادي الصنوبر عام 1999، أثناء تقليدة وسام الصدر، عليه أن يسكت كذلك، قبل أن يقول لنا الآن بأن »بوتفليقة صديقي، ولن يجد الجزائريين (الجزائريون) أحسن منه ولهذا سأصوت له في الرئاسيات القادمة. أحسن من مشقة البحث عن آخر«، ولا أدري لماذا لم يصوت له في »لجنة الانضباط« حتى لا يقصى من جبهة التحرير وهو الذي ترأس اللجنة. والوثائق موجودة، وما قاله لبوتفليقة مسجل.
يطالبنا ابن عودة بالتفريق بين »مناضلي فنادق تونس والقاهرة والمجاهدين في الجبال« ونحن نتساءل: أين كان خلال فترة (1956 – 1962) أوليس هذا منافيا للأخلاق »لا تنه عن شيء وتأتي مثله«.

ما جدوى شهادة الأحياء على الأموات؟
حين يقول ابن عودة: »أفضل ألا أخوض في مسألة رفض الثورة أو تأجيلها حتى لا أسيء إلى العديد ممن ما زالوا على قيد الحياة« أتساءل: ما مصداقية الحديث عن الأحياء بعد رحيلهم؟
المؤكد أن جناح مصالي الحاج حارب الثورة ورفضها، والأكثر تأكيدا أن جناح المركزيين كانت له علاقة مع وزير الداخلية الفرنسي فرنسوا ميتران وكذلك مع رئيس بلدية الجزائر شوفاليه والرسائل المتبادلة منشورة. أما القول بأن الثورة كانت مقررة 15 أكتوبر فهذا حديث تم تسريبه في فيلم (مصطفى بن بوالعيد) الذي أخرجه هذا العام أحمد راشدي، وحضر بوتفليقة عرضه الأول بقاعة الموڤار الشهر الجاري.
والتطاول على التاريخ بالادعاء بأن القاعدة الشرقية مجرد فكرة من إنتاج أحمد بن بلة وعلي مهساس وعمارة بوقلاز، فهو ادعاء باطل، ليس بسبب أنها غير موجودة في وثائق الثورة، ولكن بسبب وجودها الميداني، بعد أن تخليّت عن تحمل المسؤولية على الناحية الثالثة بعد استشهاد باجي المختار. وأحمد بن بلة كانت عينه على الولاية الأولى (المنطقة الأولى)، وليس الناحية، وعلاقته بعلي مهساس لا تحتاج إلى شاهد على ذلك.
ولو سأل العقيد ابن عودة نفسه: لماذا أبعد إلى الخارج رفقة أوعمران؟ ولماذا بقي منصب الشهيد باجي المختار شاغرا لإدراك أن القاعدة الشرقية كان واقعا لـ »شق عصا الطاعة« كما يقول أحد رفقاء العقيد. والمصيبة أن ابن عودة ينسب إلى الأحياء كلاما غير موجود في كتبهم. فهو يقول »والعقيد كافي كفانا شرح هذه الحادثة، بل ذهب إلى حد وصف عبان بالخائن والله أعلم« ويقحم تونس في قضية عبان، علما بأن ما قاله كافي في مذكراته ص 123: »قتل لأنه يشتغل لنفسه« مشيرا إلى ما نقله عن قادة الثورة بـ »وجود اتصالات بين عبان والعدو« يخيّل لي أن ابن عودة عضو في المنظمة الوطنية للمجاهدين، فلماذا لم يعترض على وجود صوتين فيها لمجاهدي القاعدة الشرقية أم أن ذلك كان أثناء حكم الشاذلي بن جديد؟
يبدو لي، والله أعلم، أن المجاهد عمار بن عودة تزوج بثلاث نساء إحداهن كانت من منطقة عبد الله بن طوبال، والثانية من مسقط رأس العقيد هواري بومدين والثالثة لا أدري، لمن كان التقرب فيها. فهل جاءت خرجته هذه للتقرب من بوتفليقة أم للتخلص من الشاذلي بن جديد لأنه لم يعد في الحكم!؟

http://www.echoroukonline.com/ara/aklam/aklam_elkhamis/abelali_razaki/30544.html

————

ما‮ ‬لا‮ ‬يقال‮ ‬
ليلة‮ ‬القبض‮ ‬على‮ ‬الشادلي‮ ‬بن‮ ‬جديد‮ ‬
2008.12.10 عبد‮ ‬العالي‮ ‬رزاقي‮ ‬
ينطلق الرئيس الشادلي بن جديد من فرضية تقول بأن ما كتب عن محاضرته بالطارف ليوم 27 نوفمبر لغاية 3 ديسمبر (ستة أيام) يعطي “الانطباع بأن الخيوط التي تحركها جهات أخرى ليس من مصلحتها أن يتكلم الشادلي بن جديد”وحجته في ذلك ثلاث إشاعات، تقول الأولى: “إن ظهوره خلط الأوراق”، وتقول الثانية إنه “يحاول أن يؤثر على الحراك السياسي”، وتقول الثالثة: “إنه يطرح نفسه كبديل محتمل للخروج مما يسميه البعض أزمة”، ويخيّل له أن هناك جهة وراء “تشويه” ما قاله محاضرا، وبالتالي فضل نشره ككاتب في شكل مقال.

والحق يقال انه لأول مرة يتفق المراسلون على مضمون ما قاله الشادلي، وإن اختلف الخط السياسي لكل جريدة. وأن الأخطاء التي أشار إليها في مقدمة ما سماه بـ(المقال) لم يصححها لسبب واحد أنه اختار نشر فصل من كتاب له، يبدو أن هناك جهة ضدّ نشره، في الوقت الراهن، وهو بذلك‮ “‬استخدم‮ ‬تغطية‮ ‬محاضرة‮” ‬لتمرير‮ ‬رسائل‮ ‬أخرى‮. ‬
والمفارقة الأولى أن الجنرال المتقاعد خالد نزار سارع إلى “اتهام نفسه”، على حد تعبير كاتب آخر، بـ”الجوسسة لفرنسا” فراح يشتم الشادلي دون مبرر، ربما لأن “ضباط فرنسا ـ على حد تعبير العقيد الطاهر الزبيري ـ يتقززون من كلمة مجاهد” بالرغم من أن الرئيس الشادلي بن جديد يقول عن العمل في الجيش الفرنسي بالحرف الواحد: “أنا لا أعتبر الانتماء إلى الجيش الفرنسي إهانة أو مساسا بالشرف. وكنت دائما أميّز بين من اضطر لسبب أو آخر، لآداء الخدمة العسكرية في الجيش الفرنسي، وبين من عرفوا بالفارين من الجيش الفرنسي الذين التحقوا بالكفاح‮ ‬المسلح‮ ‬في‮ ‬وقت‮ ‬متأخر،‮ ‬وكانوا‮ ‬سببا‮ ‬في‮ ‬خلافات‮ ‬كثيرة‮ ‬أثناء‮ ‬الثورة‮. ‬فقد‮ ‬كان‮ ‬لديّ‮ ‬الكثير‮ ‬من‮ ‬الأصدقاء‮ ‬ممن‮ ‬خدموا‮ ‬في‮ ‬هذا‮ ‬الجيش‮”. ‬
ولعل‮ ‬هذه‮ ‬الصداقة‮ ‬هي‮ ‬التي‮ ‬جعلت‮ ‬الرئيس‮ ‬لا‮ ‬يتبرّأ‮ ‬من‮ ‬كتب‮ ‬التاريخ‮ ‬التي‮ ‬تضعه‮ ‬في‮ “‬قائمة‮ ‬من‮ ‬عملوا‮ ‬في‮ ‬الجيش‮ ‬الفرنسي‮«.
أما المفارقة الثانية فهي أنه في عهد الرئيس الشادلي بن جديد تمت عملية منع مذكرات لخضر بن طوبال، والاعتراض كان حول الفصل المتعلق بمحاكمة قادة الثورة لعبان رمضان وإصدار حكم الإعدام فيه، وكيفية تنفيذه. وإعدام عبان رمضان في نظر الرئيس تارة “قتيل” وأخرى “اغتيال جبان‮” ‬وثالثة‮ “‬شهيد‮”. ‬ولا‮ ‬أعرف‮ ‬لماذا‮ ‬يتجنب‮ ‬المجاهدون‮ ‬الحديث‮ ‬عن‮ “‬الجنازة‮ ‬التي‮ ‬أقيمت‮ ‬لعبان‮ ‬رمضان‮ ‬في‮ ‬نهاية‮ ‬عام‮ ‬1957‮ ‬بتونس‮ ‬حتى‮ ‬لا‮ ‬يستخدم‮ ‬إعدامه‮ ‬لزرع‮ ‬الفتنة‮ ‬بين‮ ‬المجاهدين‮. ‬
ولا أعرف السبب الذي جعل الشادلي بن جديد يتجنب الحديث عن المحكمة التي ترأسها هواري بومدين أثناء محاكمة انقلاب لعموري، ويتحدث عما سما بـ”فرض بوصوف لبومدين على رئاسة لجنة العمليات العسكرية في الحدود الغربية” ولا أستطيع أن استوعب المساواة ما بين جيش فرنسا وجيش‮ ‬الجزائر‮. ‬يقول‮ ‬الشادلي‮ ‬بالحرف‮ ‬الواحد‮: “‬وجدنا‮ ‬أنفسنا‮ ‬بين‮ ‬مطرقة‮ ‬جيش‮ ‬الحدود‮ ‬بقيادة‮ ‬علي‮ ‬منجلي‮ ‬وسندان‮ ‬الجيش‮ ‬الفرنسي‮”.‬
وكأني‮ ‬بالشادلي‮ ‬متأثر‮ ‬بلغة‮ “‬سياسة‮ ‬العصا‮ ‬والجزرة‮” ‬التي‮ ‬يستخدمها‮ ‬مثلما‮ ‬يستخدم‮ “‬لعبة‮ ‬التوازنات‮” ‬في‮ ‬كتاباته‮. ‬

من‮ ‬يكذب‮: ‬بن‮ ‬بلة‮ ‬أم‮ ‬الشادلي؟

في حوار مطول، سجلته مع الرئيس الأسبق أحمد بن بلة عندما كان في المعارضة، بسويسرا، ونشر في كتاب، بعد نشره في مجلة “منبر أكتوبر”، ينفي أن يكون قد أعطى الأوامر بإعدام شعباني، بينما الشادلي يؤكد ذلك. فمن هو الرئيس الذي يكذب علينا؟
المؤكد أن شعباني كان أصغر العقداء الذين لهم عزة نفس وثقافة وكبرياء، يكفي أنه كان يسوق سيارة “كادياك حمراء”، كانت تثير اشمئزاز بقية زملائه، ورفضه الخروج من الجزائر مقابل المشي في صف “جماعة تلمسان” يطرح الكثير من التساؤلات. وعندما يقول الشادلي بن جديد “أريد أن‮ ‬أصحح‮ ‬معلومات‮ ‬خاطئة‮ ‬نشرت‮ ‬في‮ ‬شكل‮ ‬شهادات‮ ‬في‮ ‬الصحافة‮ ‬الوطنية‮ ‬تقول‮ ‬إن‮ ‬أحمد‮ ‬بن‮ ‬الشريف‮ ‬وأحمد‮ ‬دراية‮ ‬وأحمد‮ ‬عبد‮ ‬الغني‮ ‬كانوا‮ ‬أعضاء‮ ‬بالمحكمة‮ ‬وهذا‮ ‬غير‮ ‬صحيح‮”.‬
أتساءل‮: ‬لماذا‮ ‬لم‮ ‬تصحح‮ ‬بعد‮ ‬نشرها‮ ‬بتاريخ‮ ‬28‮ ‬أوت‮ ‬1964‮ ‬في‮ ‬صحيفتي‮ ‬الشعب‮ ‬والمجاهد‮. ‬
وما‮ ‬رأي‮ ‬الرئيس‮ ‬الشادلي‮ ‬بن‮ ‬جديد‮ ‬في‮ ‬تصريح‮ ‬عبد‮ ‬الرحمان‮ ‬شعباني‮ ‬شقيق‮ ‬العقيد‮ ‬شعباني‮ ‬للصحافة‮ ‬الوطنية‮ ‬بتاريخ‮ ‬6‮ ‬ديسمبر‮ ‬الجاري‮ ‬بأن‮ ‬بن‮ ‬جديد‮ “‬يقع‮ ‬في‮ ‬آخر‮ ‬حلقة‮ ‬من‮ ‬حلقات‮ ‬القضية‮”. ‬
لا أظن أنني أذيع سرّا إذا قلت أن ما وقع للرئيس بن بلة، بعد تعيينه العقيد الطاهر الزبيري في مكان العقيد هواري بومدين هو نفسه الذي وقع للشادلي بعد محاولة تعيينه ضابطا مكان خالد نزار، والفرق هو أن من عيّنه الرئيس أحمد بن بلة في مكان بومدين هو الذي أخذه إلى السجن،‮ ‬أما‮ ‬خالد‮ ‬نزار‮ ‬ففضل‮ ‬أن‮ ‬يقوم‮ ‬بالعملية‮ ‬بنفسه‮ ‬بحيث‮ ‬دفع‮ ‬بالشادلي‮ ‬إلى‭ ‬‮”‬الهروب‮”
‬لا‮ ‬ندري‮ ‬لفائدة‮ ‬من؟
أذكر أن افتتاحية لإحدى الجرائد الوطنية اختارت عنوان “إلا أنت” لتتحدث عن أول لقاء للشادلي مع الصحافة بعد “استقالته أو إقالته”، وقالت بأنه من حق كل مواطن أن يتحدث إلا الشادلي لأنه على حد تعبير الجنرال خالد نزار “فلڤ البلاد” وعلى حد تعبير الشعب “هرب ليلة الدخلة‮”. ‬إن‮ ‬من‮ ‬تفتح‮ ‬في‮ ‬عهده‮ “‬معتقلات‮ ‬ومحتشدات‮ ‬للجزائريين‮” ‬وثكنات‮ ‬للتعذيب،‮ ‬ويوقع‮ ‬على‭ ‬استقالة‮ ‬لمنح‮ ‬البلاد‮ ‬لـ‮”‬ضباط‮ ‬فرنسا‮” ‬عليه‮ ‬أن‮ ‬يتحمل‮ ‬مسؤوليته‮ ‬كاملة‮. ‬

قصة‮ “‬القبض‮ ‬على‭ ‬الفاطمة‮” ‬

من أهم النكت التي ذكرتنا بها خرجة الرئيس الشادلي بن جديد، وهي مرتبطة بمسلسلات تلفزيونية، فيها نكتة بطل مسلسل “دلاص” وهو “جيار”، أن الرئيس الجزائري سأل نظيره الأمريكي بعد انتهاء الجزء الأول من مسلسل “دالاص”عن نهاية جيار: هل مات أم ما يزال حيّا.
في‮ ‬حين‮ ‬أن‮ ‬مسلسل‮ “‬ليلة‮ ‬القبض‮ ‬على‭ ‬فاطمة‮” ‬كان‮ ‬مناسبة‮ ‬لأن‮ ‬يقتبس‮ ‬منه‮ ‬عنوان‮ “ليلة‮ ‬القبض‮ ‬على‮ ‬الشادلي‮ ‬بن‮ ‬جديد‮”. ‬
والقصة باختصار، أن العقيد صالح بوبنيدر المشهور بصوت العرب جمعتني به “جلسة حديث مطول”نشرت جزءا منه في “منبر أكتوبر” بعنوان”ليلة القبض على فاطمة”، وفي هذا الحديث الصحفي يروي العقيد صوت العرب قصة تكليف الشادلي بن جديد مع مجموعة لاغتيال قادة الولاية الثانية،‮ ‬والمفاجأة‮ ‬هي‮ ‬أنه‮ ‬تم‮ ‬القبض‮ ‬عليه،‮ ‬وأودع‮ ‬قبوا‮ ‬بالولاية‮ ‬الثانية،‮ ‬وأنه‮ ‬لولا‮ ‬تدخل‮ ‬صالح‮ ‬بوبنيدر‮ ‬لتم‮ ‬إعدامه‮. ‬
وقد‮ ‬نشرت‮ ‬الحوار‮ ‬بصورة‮ ‬الشادلي‮ ‬بن‮ ‬جديد‮ ‬في‮ ‬غلاف‮ ‬المجلة‮ ‬وبالعنوان‮ ‬السابق‮. ‬
وجاءت‮ ‬النكتة‮ ‬كالتالي‮: ‬أن‮ ‬الجنرال‮ ‬بلخير‮ ‬عندما‮ ‬وضع‮ ‬المجلة‮ ‬بصورة‮ ‬الشادلي‮ ‬على‭ ‬مكتبة‮ ‬سأله‮ ‬الرئيس‮: ‬هل‮ ‬مازال‮ ‬أحمد‮ ‬بن‮ ‬بلة‮ ‬يعيش‮ ‬قصة‮ ‬ليلة‮ ‬القبضة‮ ‬على‭ ‬فاطمة؟‮ ‬
وكان‮ ‬رد‮ ‬بلخير‮ ‬إنه‮ ‬يتحدث‮ ‬عنك‮ ‬سيدي‮ ‬الرئيس،‮ ‬وكان‮ ‬يفترض‮ ‬أن‮ ‬يتم‮ ‬تكذيب‮ ‬هذه‮ ‬المعلومة‮ ‬أو‮ ‬تأكيدها‮ ‬حتى‮ ‬لا‮ ‬يبقى‮ ‬التاريخ‮ ‬رهن‮ “‬القال‮ ‬والقيل‮”. ‬
أزعم أن الشادلي بن جديد استطاع خلال العام الجاري نشر فصلين من مذكراته، وبالتالي، فإنه يستطيع أن يواصل نشر بقية المذكرات، في شكل مقالات، ويتخلص من “الرقيب” الذي تعتز وزيرة الثقافة به، وهو من بقايا الرئيس الشادلي، في عهد الحزب الواحد.

http://www.echoroukonline.com/ara/aklam/aklam_elkhamis/abelali_razaki/29893.html

تعليق واحد

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق

  • الرئيس الشادلي بن جديد رمز ولد عائلة انسان يخاف الله كان منحاز لطبقة الكادحة المحرومة لكن المقرفين الخونة العملاء لم يعجبهم ذالك ففعلو ما فعلو سلام