سياسة

تزايد محاولات الانتحار حرقا بالجزائر..الأميار متهمون..؟!

الأربعاء, 19 يناير 2011 19:07

تستمر الجزائر في تعداد محاولات الانتحار حرقا، محاولات انتهت معظمها بإصابات خطيرة دون القدرة على تفعيل ”ثورة المقهورين”، المفارقة والقاسم المشترك في كل المحاولات الناجحة والفاشلة أن أصحابها اختاروا إما البلديات أو مقر الولاية لتنفيذ مخططهم بعد بلوغهم مرحلة القنوط. والحال أننا لا نملك تجاهل رمزية اختيار المكان، على اعتبار أن القناعة الأخيرة التي حملها المنتحرون في أذهانهم هو الاقتصاص من الجماعات المحلية ولو بتحميلهم قسطا من الذنب في هذا الرحيل المأساوي اللامعقول في أسلوبه. لكم أن تختبروا ”ذهنيا” آلام اللهيب وهو ينهش جسد المنتحر، أي شعور بالقنوط من شأنه أن يدفع الفرد لوضع حد لحياته بهذه الطريقة التي طالما ارتبطت بطقوس من العهود البائدة، قيل عنها إنها خرافية. يبدو أن الجماعات المحلية في الجزائر نجحت في إدخال الجزائر زمن الخرافة والقنوط، بعدما أقامت جدارا عازلا بينها وبين المواطن، أصبح تخطيه من عاشر المستحيلات، فقد تأكد من خلال العمل الميداني الذي قامت به ”الجزائر نيوز” أن الجزائري قد ينجح في مقابلة رئيس الجمهورية إلا أنه يفشل في بلوغ أول مسؤول عن البلدية. أمام هذه الوضعية، حاولنا التطرق للموضوع من زاوية مسؤولية الجماعات المحلية عبر عدد من المقالات التي تسعى لكشف النقاب عن هذه الأزمة التي أدت بالمواطن لحد القنوط، تابعوا..
انعدام التواصل يحاصر المواطن، الجماعات المحلية المتهم الأول
راهن وزير الداخلية والجماعات المحلية السابق محمد يزيد زرهوني على برنامج تكوين الولاة، الأمناء العامين للولايات ورؤساء البلديات من أجل إحداث القطيعة في طريقة التسيير، قيل عن تلك البرامج التكوينية أنها وسيلة أكيدة لإحداث النقلة نحو التسيير العقلاني والرشيد الذي بات شعار وزارة الداخلية، والمقصود بعمليات الرسكلة التي خصصت لها الوزارة ميزانية محترمة، إيجاد أساليب حديثة للتعامل مع مشكلات المواطن، غير أنه أكثر من سنتين بعد إطلاق البرنامج الذي قال عنه وزير الداخلية السابق أنه ”طموح وهام لعصرنة آليات التسيير” لم يأت بأي جديد، فقد استفحلت وضعية تسيير الجماعات المحلية ودفعت بالمواطن إلى الشعور باليأس والقنوط. ولعل موجة الاحتجاجات الأخيرة كشفت واقع العلاقة بين المواطن والجماعات المحلية، فقد بلغت درجة غير مسبوقة في تاريخ الاحتجاجات في الجزائر، في إشارة إلى تزايد وتيرة محاولات الانتحار حرقا، بعدما لم يعد من الممكن أن يصل صوت التظلمات للقائمين على تسيير شؤون المواطن.
بهذا الخصوص، يقول مسعود ديصاري، باحث في العلوم السياسية إن السلطات المحلية الجزائرية دخلت مرحلة من الانغلاق: ”لم تعد فيها مشكلات المواطن من أولويات القائمين على الجماعات المحلية، فقد ترسخت قناعة أن المنصب لم يعد استحقاقا بل غنيمة، لا بد من استغلالها لأقصى الحدود وبأقل الأضرار لصاحب المنصب، أما عن مشكلات المواطن والمساهمة في التسيير، فذلك آخر ما يفكر فيه صاحب المنصب ولا عجب أن تجدهم غير أبهين لفكرة التواصل مع المواطن”.
في ذات السياق، يؤكد الدكتور بجامعة ستراسبورغ أن الطامحين للعمل في المجال السياسي بالجزائر لا يأتون للنشاط السياسي من باب النضال والقناعة بقدر ما يأتون بدافع الرغبة في الانتفاع وتحسين المستوى المعيشي: ”مشكلة التواصل تنطلق من أصغر نواة في مجال التسيير والأمر لا يقتصر على البلديات بل حتى المؤسسات العمومية، أي مواطن قابل لتكرار نموذج المسؤول السلبي بمجرد حصوله على منصب ما، خذ مثلا الوزارات، الجامعات والمؤسسات الكبرى كلها لا تعطي أهمية للتواصل عبر المعلوماتية الحديثة، هذا دليل قاطع على عدم الرغبة في التواصل، الكارثة أن الدولة الجزائرية تصرف ميزانيات هائلة من أجل وضع الآليات ومنها الإعلام الآلي، غير أنها تظل غير مكرسة في الممارسة اليومية”.
من هذا المنطلق، يرى الدكتور أن المواطن الجزائري وجد نفسه محاصرا ومضغوطا عليه بصورة غير إنسانية، ولأن البلديات هي المؤسسة المحلية الأقرب إليه، فإنه يركز كل سخطه على النظام في البلديات، ممثل الدولة المحلي.
الكلمة للبرلمانيين
حاج بشيخ برلماني
علينا أن نكون واقعيين مع المواطنين وألا نكذب عليهم أو نضللهم بسياسات التسويف ورسم الوضع بألوان وردية، في حين هو بألوان سوداء. على البرلمانيين أن يتجهوا نحو الشعب وليس العكس، وخاصة الشباب منهم. لو تم استثمار هذه الفئة من المجتمع الجزائري بشكل استراتيجي، لتمكنا من تجاوز الكثير من العقبات والمشاكل التي نواجهها اليوم، ولكن يمكننا استدراك الأمر إذا حصلت الجدية، فالحوار مع الشباب هو حل صغير لمشاكل كبيرة.
عبد القادر دريهم برلماني
عندما يُنتخب البرلماني، يصبح صاحب عهدة وطنية ويصبح ملزما أمام كافة الشعب الجزائري بأداء مهمته البرلمانية بكل أمانة وصدق. ومن أهم ما ينبغي أن يحافظ عليه البرلماني هو بقاءه بالقرب من المواطنين للإستمرار في نقل انشغالاتهم وهمومهم إلى البرلمان، بل ويناضل باسمهم ليكون عند مستوى حسن ظنهم، وأن يجعل مصلحته ومصلحة حزبه غير مؤهلة لأن تكون مقابلا للمصلحة الوطنية والعليا للشعب والبلد، وها نحن كبرلمانيين نحاول أن نكون عند حسن ظن شبابنا من خلال رؤيتنا الحزبية. ع. بلقايم
أميارهم.. وأميـــارنــــا
من أين يجب أن ننطلق في الحديث عن الوضع الذي يميز علاقة المنتخبين المحليين، المجالس البلدية والولائية، بالمواطن؟ من عدد القضايا المعروضة على العدالة متهما فيها عدد كبير من المنتخبين المحليين بالفساد والرشوة واستعمال النفوذ، أم من الوضع القانوني لهذه المجالس؟
كان وزير الداخلية السابق، السيد يزيد زرهوني، يقول: لا يمكن اعتماد تأخر صدور قانون البلدية والولاية مبررا للتخلي عن المهام المنوطة بالمجالس المحلية. ذلك أن القوانين سارية المفعول تعطيها كثيرا من مجالات التحرك والنشاط. منها مثلا تنظيم نشاطات الباعة المتجولين. فباستطاعة البلديات مثلا أن تفرض ما يجب على هؤلاء الباعة من ضرائب، تساهم ميزانية البلدية، إلى جانب كثير من الأشياء التي تدخل في صلاحية المجالس المحلية، التي لا تؤديها بحجة فراغ الخزينة من الأموال أو بحجة تأخر صدور القانون، ومن ثم بحجة غياب صلاحيات تحتكرها الولاية.
ومع ذلك يبقى التساؤل عن الحدود التي تبدأ منها وتتوقف عندها صلاحية الأميار؟ وما هي طبيعة العلاقة بين الوالي والمجالس المنتخبة؟ والتجاذب الحاصل في الجزائر بين مركزية القرار الذي يمثله الوالي، رأس الجمهورية في ولايته، وبين المبادرة المحلية التي من المفروض أن يمثلها رئيس البلدية. فالمنطق يقول: إن رئيس البلدية هو الشخص الأكثر قربا من السكان والأكثر إحساسا بمشكلاتهم، ومن ثم فهو الأقرب إلى إيجاد الحلول لها. وذلك هو المعنى الذي ورثه الجزائريون عن الدلالة التي تحملها كلمة المير في التنظيم القديم الموروث عن الإدارة الاستعمارية.
في ذلك التنظيم، والذي لا يزال ساري المفعول في دول عديدة، المجلس البلدي هو الذي يختار المشاريع المناسبة لبلديته، والمير هو الذي يقدر، مع مجلسه ومستشاريه، مقدار التفاوت بين فئات المجتمع، وهو الذي يقدر من الفئات التي تحتاج إلى هذا المقدار أو ذاك من المساعدة، ومن الفئات التي تحتاج إلى نسبة معينة من تكفل البلدية بتغطية حاجاته الاجتماعية. ونرى في فرنسا، مثلا، أن أسعار المواد الغذائية والنقل وسائر الخدمات تختلف من بلدية إلى أخرى، حسب التوجهات السياسية. فالبلديات التي يديرها اليسار تختلف أسعارها عن تلك التي يديرها اليمين، وفي بلديات أقصى اليسار، كالشيوعيين، تكون الأسعار أكثر انخفاضا من غيرها وهكذا.
ولا شك أن السلطات العمومية تعرف أن الكثير من هذه الأفكار إنما هي وليدة المستوى الثقافي ومستوى الوعي عند المنتخبين المحليين، ومن أدلة ذلك أن وزارة الداخلية نظمت في السنتين السابقتين مجموعة من الدورات التكوينية لرؤساء البلديات والمجالس المنتخبة، تكوينات تصب كلها في محاولة زرع هذه الثقافة.
ولكن التسلح بهذه الثقافة وحده لا يكفي. فالمجالس المحلية محتاجة إلى قانون في مستوى الدور الذي نريد للمير أن يقوم به. كما أن القانون وحده لا يكفي دون حرص العدالة على أن يطبق المير ومن معه هذا القانون. وإذا كان الأميار في أوروبا يؤدون أدوارهم بكل امتياز، فالفرق بينهم وبيننا هو الاحتكام إلى القانون أولا، والاحتكام إلى الانتخابات ثانيا..
سامية بلقاضي

http://www.djazairnews.info/dossier/40-2009-03-26-18-30-06/25072-2011-01-19-18-11-44.html

شارك بالتعليق

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق