هجرة

هكذا تحول التهديد بالانتحار إلى وسيلة احتجاج

أرقام وحقائق مرعبة عن الظاهرة بالجزائر..
مختار نجاعي المراسلونالأيام الجزائرية : 07 – 04 – 2011
10 آلاف محاولة انتحار فاشلة سنويا في الجزائر
30 حالة انتحار في سنتين وأزيد من 400 محاولة بخنشلة
100 انتحار حقنا بمواد سامة خلال عامين بتيزي وزو
الشيخ “أبو عبد السلام”: قتل النفس حرام مهما كانت الأسباب
تيزي وزو الأولى وطنيا في عدد الانتحارات
في الوقت الذي تتعالى فيه تصريحات الكثير من المسؤولين المطمئنة، حول تراجع نسب البطالة وقضاء الحكومة على الفقر في الجزائر، وتحسن المستوى المعيشي للمواطن للوفرة المالية التي تعيشها البلاد، يدق الخبراء والباحثين الاجتماعيين نواقيس الخطر، ويدعون إلى ضرورة التحرك بسرعة لمواجهة الاختلالات التي تعيشها بنية المجتمع الجزائري، الذي يعيش مرحلة تفكك خطيرة وخير مثال على ذلك استفحال ظاهرة الانتحار، التي أخذت أبعادا خطيرة، خصوصا بين الشباب الذين لم تعد وسيلة الموت بالنسبة لهم تهم، سواء أكانت غرقا في البحر على متن قوارب “الحراقة” أو بحبل يلفه على عنقه..«الأيام» ترصد الجوانب الخفية من الموضوع الذي أصبح ظاهرة تهدد كيان المجتمع.
لا يمكن أن تمر حالات الانتحار ومحاولاته التي أخذت منحنيات خطيرة منذ بداية القرن الحالي، وقصص الموت التي بدأت تشغل بال المجتمع مرور الكرام دون أن تثير تحرك السلطات العمومية، التي لا تزال مكتوفة الأيدي ولا تعير أية أهمية للظاهرة مثلما يؤكد على ذلك الخبراء والباحثين، الذين بالرغم من صرخاتهم ونداءاتهم المتكررة إلا أن الموضوع ظل على حاله ولم يشهد أي تحرك من أية جهة، يؤكد الدارسين أن المجتمع الجزائري يعيش حاليا مرحلة تفكك خطيرة سوف تخلق كوارث عديدة في المستقبل القريب لو ظلت الأمور على حالها، ولم تتحرك بشأنها الجهات الوصية.
واستدل الباحثون في تأكيد فرضيتهم بخصوص ظاهرة الانتحار، التي شهدت منحنيات خطيرة منذ أزيد من عشر سنوات، حيث تجاوزت كل الحدود وتشابكت ظروفها وأصبحت أكثر تعقيدا، بعدما كانت في الماضي مجرد حالات عارضة تستهدف أشخاصا أغلبهم يعانون أمراضا عصبية واختلالات في تركيبتهم النفسية، حيث أصبحت لا تفرق الآن مثلما يؤكده الباحثون بين المراهق، الكهل والشيخ وبين الغني والفقير، كما أنها أصبحت تستهدف المتعلم والأمي، وفي تقييمهم لفرضيتهم هو تخلي الجهات الوصية عن دورها الحقيقي في معالجة الأزمات، التي يعيشها المجتمع وتؤثر على توازنه، حيث ذهب البعض إلى ضرورة إنشاء مرصد وطني أو مركز بحث متخصص “حول الوقاية من الانتحار”.
عند الحديث عن أرقام وإحصائيات خاصة بالانتحار، نجد نفسنا أمام إشكالية حقيقية لأنه ليس هناك أية مؤسسة رسمية لديها جرد تام وموضوعي لعدد حالات الانتحار ومحاولاته، فجهاز الدرك الذي يقدم من حين لآخر بعض الأرقام والدراسات التي هي محل انتقاد الخبراء، لكونها لا تستند على أسس علمية وموضوعية لا يحوز سوى على أرقام متعلقة بعمليات تدخل وحداته في الأرياف والمناطق النائية، في حين تحصي مصالح الأمن الحالات التي تقع في المدن والمناطق الحضرية حيث نطاق تدخلها، وهناك أيضا فرق الحماية المدنية التي تقوم ببعض الإحصائيات التي تبقى هي الأخرى محدودة وفي حدود حالات تدخلها.
وأكد بروفيسور مختص في علم الأعصاب مداوم بمستشفى “فرانتز فانون” بالبليدة، أن ما يعقّد من دراسة هذه الظاهرة هو عدم وجود هيئة وطنية مخولة بجرد واحتساب جميع حالات الانتحار التي تقع على المستوى الوطني، من خلال منحها سلطة التحرك على جميع المستويات، للتوصل لحقائق بشأن الظاهرة التي أخذت برأيه أبعادا خطيرة، وحسب دراسة تقريبية أشرف عليها مجموعة خبراء من تخصصات مختلفة مثل علم النفس، الاجتماع، علم الأعصاب من مركز البحث والدراسات المعمقة حول الإنسان لحساب منظمة غير حكومية تعنى بالصحة، فإنه يتم تسجيل ما معدله 10 آلاف محاولة انتحار فاشلة سنويا في الجزائر، وبلغة الأرقام فإنه تسجل في الجزائر حوالي 27 محاولة انتحار في اليوم أي محاولة انتحار في كل ساعة وهو رقم رهيب وجد خطير.
وفي نفس السياق كشف البروفيسور “خياطي” رئيس مؤسسة البحوث الطبية “فورام” المستقلة، في مداخلة له في ملتقى نظمته المؤسسة بدار الشباب بالحراش، أن معدلات الانتحار أخذت أبعادا خطيرة في الجزائر، مستدلا بالدراسة المحدودة التي أشرفت عليها المؤسسة التي تناولت الظاهرة، حيث تم تسجيل ما معدله حالة انتحار في كل 12 ساعة، ويؤكد الخبراء المتابعين للموضوع أن كل الأرقام التقريبية وغير الدقيقة، تبقى بعيدة عن الواقع لعدة أسباب ومعطيات أهمها العامل الاجتماعي، حيث لا تزال الأسر الجزائرية تتكتم بشكل كبير على الموضوع وبرأيهم فإنه من الصعب أن تصرح العائلات الجزائرية بحالات الانتحار، وفي هذا السياق يبرز لنا البروفيسور “محمد بودارن” أخصائي في الأمراض العقلية وعضو أكاديمية “نيويورك” للعلوم في تصريح له، “اختلالات العملية تؤكد وجود تلاعب بالأرقام من قبل بعض الجهات لإخفاء الحقائق”، وتحدث عن حالات الانتحار التي لا يتم الإعلان عنها لسبب أو لآخر، لاسيما في المناطق المحافظة حيث يكون اكتشاف حالة انتحار أمر منبوذ ويجلب العار للعائلة، ولهذا تبذل في رأيه “العائلات الجزائرية ما بوسعها حتى لا يتم اكتشاف الحقائق”.
المفارقة التي أثارت انتباه الباحثين وأثارت تساؤلاتهم بشأن الأرقام المقدمة من الجهات الأمنية، هي كون العاصمة التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 3,5 ملايين نسمة لا تسجل بها نسب انتحار كبيرة مقارنة ببعض الولايات، التي تعرف تناميا للظاهرة والتي تأتي في مقدمتها تيزي وزو، التي تراجع لديها الرقم مقارنة بسنة 2009 التي كاد أن يفوق فيها عدد الانتحارات إلى 100 حالة، حيث لم يتعد في سنة 2008 ال 62 حالة، لكن ولاية بجاية هي التي احتلت المرتبة الأولى في سنة 2004 بتسجيل 99 حالة انتحار تليها ولاية تيارت ب 24 حالة ثم كل من وهران ب 21 حالة وبومرداس ب 18 حالة، وجاءت معسكر في مرتبة متأخرة ب 17 حالة وعين الدفلى ب 14 حالة، وأخيرا العاصمة التي تأتي في المرتبة الثامنة ب 11 حالة، وهو رقم يطرح أكثر من تساؤل لأن الحقيقة غير ذلك، حيث في جرد قام به باحثون من خلال الحالات التي أعلنت عنها الجرائد الوطنية عن حالات الانتحار في العاصمة، فإنها تجاوزت في شهر جوان الماضي وحده 12 حالة وبمعدل حسابي بسيط فإنه تصل في السنة في حدود 150 حالة انتحار، بينما الرقم المقدم من قبل المصالح المعنية تحدث عن 11 حالة أي أقل من عشرة بالمائة، وهو ما يجعل الكثيرين يتساءلون عن الدوافع الكامنة وراء ذلك، ولماذا لا تكشف الحقيقة مثلما هي ولا يتم مواجهتها ودراستها بعمق بدل التستر عنها.
تم خلال السنتين الماضيتين على مستوى ولاية خنشلة تسجيل 30 حالة انتحار، وأزيد من 400 محاولة بين الجنسين ومن فئات مختلفة من العمر، معظمها تمت بكل من “مدينة خنشلة، بابار، ششار، المحمل، أولاد رشاش، قايس، وتاوزيانت”، وأغلب المحاولات بمقر عاصمة الولاية وببلديتي “المحمل” و”أولاد رشاش”، 20 شخصا انتحر بواسطة الشنق، أصغرهم سنا طفل لا يتجاوز سنه ال 10 سنوات، لف الحبل على عنقه في ثاني أيام عيد الأضحى من سنة 2008 بطريق الوزن الثقيل بمدينة خنشلة، وأكبرهم عمره 57 سنة اختار هو الآخر طريقة الشنق عند غصن شجرة، وتسجيل 6 عمليات انتحار أخرى بتناول كميات من الأدوية والمواد السامة كحمض الأسيد وغيره، وحالات أخرى وضعت حد لحياتها عن طريق الحرق، كما هو الشأن بالنسبة لعجوز في التسعين أضرمت النار في جسدها ورحلت معها أسباب ودوافع هذا الفعل.
من جانب آخر تستقبل مختلف أقسام الاستعجالات الطبية، سواء بالمؤسسات الاستشفائية للولاية أو بالمؤسسات الجوارية، عشرات الحالات أسبوعيا من محاولات الانتحار في صفوف الجنسين، وأغلبهم من المراهقين الذين يلجأون إلى تناول كميات من الأدوية المختلفة، حيث تم خلال السنتين الماضيتين تسجيل ما يفوق 400 محاولة انتحار خضعت للعلاج، ورغم تنامي هذه الظاهرة الخطيرة في المجتمع الخنشلي، إلا أن الجهات المعنية لم تحرك ساكنا للبحث عن تشخيص الداء وتحديد الأسباب والدوافع الحقيقة وراء هذا التصرف، الذي ينبذه ديننا الإسلامي في الوقت الذي ترجع فيه بعض الأطراف ذلك إلى الظروف الاجتماعية الصعبة، التي تعيشها بعض العائلات جراء الفقر والعوز وضعف التكافل الاجتماعي، وغياب الوازع الديني لدى هذه الفئة.

تشهد ظاهرة الانتحار في مختلف مناطق ولاية تيزي وزو، منحى تصاعديا يستدعي دق ناقوس الخطر، وهذا وفق إحصاءات أوردها أخصائيون على هامش الأيام الدراسية حول الطب الجراحي، التي يحتضنها المستشفى الجامعي ”محمد نذير” بمدينة تيزي وزو، تشير فيها استنادا إلى مصادر أمنية إلى حدوث 123 انتحارا منذ ما يقارب عامين عبر مختلف مناطق ولاية تيزي وزو، 93 منهم من الرجال أي بمعادل 76 حالة مسجلة خلال هذه الفترة، و29 نساء بمعادل 24 حالة، إضافة إلى 26 محاولة انتحار، وتم تسجيل 100 حالة انتحار باستعمال الحقن بالمادة السامة، ووقعت أغلب الحالات في دائرة تيزي وزو ب 17 حالة، تليها “الأربعاء ناث إيراثن” ب 10 حالات، فيما توزعت البقية على بعض جهات الولاية، وبالخصوص في منطقتي “بوغني” و”ذراع الميزان”، حيث تتراوح أعمار أغلب المنتحرين ما بين 18 و40 سنة، بما يزيد عن 60 بالمائة تلتها فئة ما بين 40 و60 عاما، كما تشير الإحصاءات إلى أن أغلب المنتحرين ذوي مستوى ثقافي محدود أو منعدم في بعض الحالات، غير أن بعض الضحايا من المثقفين الذين تتخطى مستوياتهم الثقافية عتبات الجامعة، كما أن النسبة الأكبر من المنتحرين دون وظيفة وعاطلون عن العمل.
ومن جهة أخرى أكد الأخصائيون أن إحصائيات هذا العام تنذر بالخطر في ضوء تطور ظاهرة الانتحار من شهر إلى شهر، وتظل الدوافع الحقيقية للانتحار سرا من أسرار الأسرة ومجهولة، إذ أنه حسب الإحصائيات فإن أغلبية النسب المسجلة من الحالات، كانت لأسباب غامضة وتتراوح البقية بين الاضطرابات العقلية والنفسية والمشاكل المادية، ويعتقد مختصون في علم النفس أن أهم الأسباب التي تدفع إلى الانتحار أو محاولة الانتحار هي أسباب ظرفية يمكن ربطها بالأحداث التي يعيشها المنتحر آنيا، أو أنها تعود إلى أسباب اجتماعية يمكن تصنيفها ضمن الأسباب العائلية المتمثلة في التفكك العائلي وانعدام الأمن.

حاول مؤخرا 9 شباب الانتحار جماعيا من أعلى مقر بلدية “سيدي عمار” بالحجار بولاية عنابة، تنديدا بوضعيتهم الاجتماعية وافتقارهم لمناصب شغل، حيث اقتحم عشرات الشباب البطال مقر البلدية مطالبين من رئيسها بفتح باب الحوار وإيجاد حلول استعجالية لما آلت إليه أوضاعهم الاجتماعية، مما دفع البعض منهم إلى الصعود إلى أعلى المقر والتهديد برمي أنفسهم والانتحار الجماعي في حالة رفض السلطات الاستماع إلى مطالبهم، مما خلق جوا مشحونا استدعى تدخل مصالح الشرطة القضائية وكذا رجال الحماية المدنية، الذين حاولوا الحيلولة دون وقوع كارثة حقيقية، غير أن الشباب المحتجين أبوا النزول إلا في حالة استقبالهم من طرف السلطات، الأمر الذي اضطر كل من رئيس دائرة “الحجار” ورئيس البلدية ورئيس وكالة التشغيل، وعدد من المنتخبين المحليين إلى عقد اجتماع طارئ جمعهم وعشرات الشباب المحتجين، وكان من بينهم التسعة الذين هددوا بالانتحار حيث طالب هؤلاء بالتغيير البلدي خاصة المنتخبين المحليين، الذين اكتفوا بوعودهم شفويا وإيهامهم بمناصب خيالية من أجل اعتلائهم الكراسي الانتخابية، مؤكدين على ضرورة تسوية وضعيتهم العملية في أقرب الآجال، نظرا لتأزمها خاصة وأن معظمهم حاملين لشهادات جامعية وأرباب عائلات، مشيرين إلى ضرورة إدماجهم بمركب “الحجار” الذي وحسب تصريحاتهم سيتم فتح أكثر من 2200 منصب عمل.

لا يزال مسلسل الانتحارات بالجهة الشرقية بقالمة متواصل، والذي مس جميع شرائح المجتمع القالمي من شيوخ ونساء وأطفال، فبعد أن شهدت بلدية “بني مزلين” نهاية الأسبوع الماضي انتحار أستاذة بالطور المتوسط، شهد نفس الأسبوع حالة انتحار حينما أقدم شيخ في العقد الثامن من العمر بمشتة “الغربة” ببلدية “حمام النائل” الواقعة على بعد حوالي 35 كيلومترا من عاصمة الولاية، على وضع حد لحياته شنقا، حيث عثر عليه مشنوقا داخل مستودع بالقرب من مقر سكناه، وفور تلقي الخبر تنقل أعوان الحماية المدنية برفقة مصالح الدرك إلى عين المكان، أين تم نقل الضحية إلى مصلحة حفظ الجثث بالمؤسسة الاستشفائية “الحكيم عقبي”، لعرضها على الطبيب الشرعي للتشريح، هذا وقد فتحت مصالح الدرك الوطني تحقيقا لتحديد الأسباب الحقيقية وراء إقدام هذا الشيخ على وضع حد لحياته بهذه الطريقة.
هذا وكان قد لفظ منذ يومين الشاب “بلحسان صالح” البالغ من العمر 26 سنة أنفاسه الأخيرة، بمصلحة الاستعجالات الطبية بالمستشفى الجامعي بمدينة عنابة، متأثرا بالإصابات والحروق الخطيرة من الدرجة الثالثة التي تعرض لها ظهيرة أول أمس، بعد إقدامه على رشٌ جسده بالبنزين وإضرام النار فيه، وذلك بالمخرج الشرقي لبلدية “بومهرة أحمد” وبالتحديد بمشتة “عيادي” الواقعة على مسافة 7 كيلومترات نحو شمال شرق مقر عاصمة ولاية قالمة، في سياق موازي تدخل رجال الإطفاء للوحدة الرئيسية للحماية المدنية، الذين ذهلوا لمنظر ألسنة النيران المتصاعدة من جسم هذا الشاب، والذي تفحمت أجزاء كبيرة منه، قبل أن يتمكنوا من السيطرة عليه ونقله على جناح السرعة إلى مصلحة الاستعجالات الطبية بمستشفى “الحكيم عقبي”، أين تم تجنيد فريق من الأطباء لمحاولة إنقاذ حياته قبل أن يقرروا في الأخير نقله إلى المستشفى الجامعي بعنابة، نظرا لخطورة الإصابات التي تعرض لها وحالته الصحية الحرجة أين وضع تحت رعاية طبية مكثفٌة، مكث نحو ثماني ساعات فقط ليلفظ أنفاسه الأخيرة.
وفي الوقت الذي لم تظهر فيه بعد أسباب إقدام هذا الشاب على وضع حد لحياته بهذه الطريقة البشعة، لا زالت تحريات وتحقيقات مصالح الدرك الوطني متواصلة لكشف حيثيات هذه الحادثة المؤلمة، والتي تعد الأولى من نوعها على مستوى إقليم الولاية، والتي تجندت كل السلطات الولائية من أجل التكفل بالشاب المتوفي وبعائلته المقيمة بشارع “الحرية” بالبلدية المذكورة أعلاه.
أشارت التقارير الأخيرة لمصالح الأمن، الدرك الوطني ومصلحة الاستعجالات الطبية التابعة لمستشفى وهران الجامعي، إلى اتساع ظاهرة الانتحار في وهران في الفترة الأخيرة، وتبقى البطالة والمشاكل الاجتماعية إحدى أهم الأسباب الرئيسية التي تدفع الشباب إلى وضع حد لحياتهم، في الوقت الذي تشير فيه التقارير إلى أن 70 بالمائة من المنتحرين أميون و11 بالمائة موظفون و6 بالمائة طلبة، وهو ما يؤكد أن الانتحار لم يعد حكرا على فئة معينة.
وبلغة الأرقام فقد سُجلت 7 عمليات انتحار سنة 2010، وانتحاران خلال سنة 2011، فيما تم تسجيل أكثر من 11 محاولة انتحار فاشلة خلال جانفي الجاري، تمكنت مصالح الحماية المدنية والطواقم الطبية من إنقاذ حياتهم، ويبقى الذكور في صدارة قائمة المنتحرين، الإحصائيات التي حملتها دراسة لخلية الإعلام لمصالح الدرك الوطني والأمن سلطت الضوء على أسباب الانتحار بالجزائر وتحديدا بولاية الباهية، التي تعرف انتشارا واسعا للظاهرة والتي لم تخرج عن نطاق المشاكل الاجتماعية والنفسية، بالإضافة إلى البطالة وسط الشباب من كلا الجنسين. وحسب تقارير هذه المصالح، فإن الأرقام شهدت ارتفاعا ملحوظا منذ سنة 2007 إلى سنة 2010، حيث بلغ عدد المنتحرين 201 منتحر عبر الوطن، في الوقت الذي تم فيه تسجيل 19 منتحرا بوهران خلال الفترة ذاتها، وكان الذكور دائما في الصدارة، وحددت أسباب الانتحار في الأمراض العقلية بالدرجة الأولى، تليها الضغوط النفسية والمشاكل العائلية، على غرار ظاهرة فقدان الأمل، حسب ما جاء في تصريحات بعض الأطباء النفسانيين والباحثين في علم الاجتماع، وبخصوص المحاولات الفاشلة للانتحار خلال 2010 فقد سجلت 95 حالة منهم ذكور وإناث.
انتشرت في الأشهر الأخيرة ظاهرة الانتحار حرقا بشكل غير مسبوق، ووصل مداها إلى كافة ربوع الوطن، بعد أن اجتازت مختلف الدول العربية الأخرى، وفي الفترة ذاتها تحركت فعاليات اجتماعية وأحزاب سياسية وشخصيات توصف بالثقيلة محاولة منها لحصر الظاهرة التي ما من شك من أنها تسيء كثيرا إلى الجزائر في الخارج.
كان جامع “الأزهر” من المبادرين الذين نددوا بالظاهرة، وقال في بيان أن الإسلام يحرم إزهاق الأرواح لأي سبب كان، وقال المتحدث الرسمي باسم “الأزهر” أن القاعدة الشرعية العامة تؤكد أن الإسلام يحرم قطعا الانتحار لأي سبب كان، واصفا الذين يفكرون في اللجوء إلى هذه الطريقة بأنهم في غير كامل قواهم العقلية، ونفس المنحى سلكه الشيخ “أبو عبد السلام” الذي أكد أن قتل النفس حرام مهما كانت الأسباب والأهداف.
أما “يوسف القرضاوي” فأكد صراحة أن من يجب أن يحرق هم الطغاة الظالمون، ودعا الشباب المسلم إلى المحافظة على أرواحهم، مذكرا بما ورد في القرآن الكريم:” لا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون” قائلا،” أيها الشباب حافظوا على أرواحكم لأن ذلك نعمة من الله”، مضيفا أن هناك في الحلال ما يغني عن الحرام في قتل أنفسنا وإحراق أجسادنا، ونفس الفتاوى المحرمة للانتحار بهذا الأسلوب اللامعقول أصدرها جموع الأئمة المسلمون.

عبر أغلب المواطنين عن هذه الظاهرة فكان الاتفاق بأنها أمر محرم ومرفوض اجتماعيا، السيدة “نعيمة.ف” أكدت أن من يلجأ إلى الظاهرة هم الذين ليس لديهم الإيمان، فهؤلاء حسبها يفضلون الخلود في جهنم عن الصبر على البلاء وصعوبة المعيشة، لأن المنتحر مثواه جهنم مثلما قال ذلك صراحة القرآن الكريم”.
أما السيد “رابح” فأشار إلى أن من يقدم على مثل هذه التصرفات، هم أشخاص يعانون من خلل ما في شخصياتهم، وهم بحاجة حسبه لأطباء نفسانيين، لأنه لا يعقل أن أقتل مثلا أنا نفسي بتلك الطريقة الوحشية، فلو أنني فضلت اللجوء إلى الانتحار لاخترت طريقة أقل بشاعة من إضرام النار في جسدي، رحمة بها”.

الانتحار ظاهرة قديمة، حين أقدم الراهب البوذي “ثيتش كوانغ دوك” البالغ من العمر 66 سنة، عام 1963 على إشعال النار في نفسه، احتجاجا على الرئيس الفيتنامي، وبعد أن حذى حذوه فيتناميون آخرون حذوه من رجال ونساء، أدت الظاهرة مثلما حدث في تونس إلى قلب نظام الحكم، وفي عام 1965 انتحر الأمريكي “نورمان موريسون” بإشعال النار في نفسه أمام مبنى البنتاغون ب”واشنطن”، وساهم ذلك في حشد الرأي العام الأمريكي ضد الحرب على الفيتنام، وفي سنة 1969 أقدم طالب “تشيكسلوفاكي” على حرق نفسه احتجاجا على الاحتلال السوفييتي، وسلك الطريق نفسه بعده حوالي 30 شخصا، وحدثت الظاهرة في “ليتوانيا” و”أكرانيا” لنفس السبب، وفي 1991 توفي طالبان كوريان جنوبيان بعد أن أضرما النار في نفسيهما احتجاجا على الدكتاتورية العسكرية، وفي 2001 أشعل خمسة أعضاء من طائفة “فالونغونغ” النار في أجسادهم في “بكين” احتجاجا على القمع الديني.
وفي جويلية 2003 أشعلت إيرانية النار في نفسها في “باريس”، احتجاجا على عملية للشرطة الفرنسية ضد حركة مجاهدي الشعب المسلحة المعارضة للنظام الإيراني، وبعدها جرت محاولات مشابهة في برن، باريس، لندن وروما، وفي 2004 أقدمت الصحافية التركية “سلمى كويات” على الانتحار حرقا شمال تركيا، احتجاجا على ظروف اعتقالها غير اللائقة.

من أجل المساهمة في مكافحة ظاهرة الانتحار، يرى المختصون أن الطب الشرعي ضروري وذلك لأن معظم الحالات المسجلة سواء تعلق الأمر بالشنق أو الرمي بالنفس من أماكن عالية، لا تعتبر بالضرورة انتحارا إذ يمكن أن يتعلق الأمر بجريمة قتل أو تصفية جسدية نفذها الفاعلون بطريقة توحي جميع مؤشراتها بالانتحار، الأمر الذي يفرض تدخل الطب الشرعي والتشريح الجنائي لاكتشاف الأسباب ورفع اللبس عن الحالة، ودعا المختصون النفسانيون إلى ضرورة إنشاء مركز خاص لمكافحة هذه الظاهرة الدخيلة والخطيرة والتي استفحلت في مجتمعنا.

http://www.elayem.com/index.php?option=com_content&view=article&id=5427

كلمات مفتاحية

شارك بالتعليق

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق