مكتبة

الأزمة الجزائرية شاهد من قلب الأحداث | النقيب أحمد شوشان

سيرة مختصرة:
أحمد شوشان من مواليد 1959 ببلدية القرارة جنوب الجزائر. نشأ في بيت مسلم محافظ أغلب أعضائه مجاهدون في ثورة التحرير نساء ورجالا. التحق بالكلية العسكرية لمختلف الأسلحة بشرشال سنة 1978 وتخرج منها في يناير 1981 برتبة ملازم في تخصص المدرعات وحصل بعد ذلك على شهادات الإتقان في قيادة القوات الخاصة على مستوى الكتيبة والفيلق وشهادة المدرب المظلي زيادة على شهادة الليسانس في الشريعة بعد مغادرته الجزائر.
كان ضابطا موثوقا لدى كل القيادات العسكرية التي كان مرؤوسا لها وكلف بالإشراف على التكوين المعنوي والسياسي في الوحدات التي اشتغل فيها زيادة على تخصصه الأصلي. وارتقى سلّم الرتب العسكرية في وقت قياسي, رغم أن شخصيته المحافظة كانت معروفة للجميع. لم يكن عضوا في أي تنظيم سريا كان أو علنيا، مدنيا أو عسكريا، غير مؤسسة الجيش الوطني الشعبي ولكنه لم يتحفظ في التواصل و التعاون مع كل الجزائريين داخل الجيش وخارجه من أجل المصلحة العليا للجزائر. وفي هذا الإطار كان موقفه من قرار استخدام الجيش في قمع الشعب وعلاقته بالحركة الاسلامية المسلحة ونضاله من أجل حماية الذاكرة الجماعية للشعب الجزائري من التشويه وتزوير الحقائق.
اعتقل في 3 مارس 1992 في مقر عمله وكان حينها رئيسا لقسم القوات الخاصة بالأكاديمية العسكرية لمختلف الأسلحة برتية نقيب. اتهم بالتآمر على قلب نظام الحكم بالقوة مع أطراف معادية، وصدر في حقه حكم معلن بالسجن ثلاث سنوات وحكم بالإعدام غير معلن من طرف دوائر مجرمة في السلطة. تعرض للاختطاف والمساومة ومحاولة الاغتيال بالتواطئ مع زيتوني أمير الجماعة الاسلامية المسلحة. غادر الجزائر في نوفمبر 1995 عبر الصحراء وبقي في دول غرب إفريقيا أكثر من سنتين وانتهى مشواره في بريطانيا التي دخلها كلاجئ سياسي في نوفمبر 1997 إلى اليوم.

إضغط هنا لقراءة وحفظ هذه الشهادة بصيغة PDF

https://www.algeriachannel.net/wp-content/uploads/2020/05/chouchene_moudhakirates.pdf

1 ـ
الأزمة الجزائرية
شاهد من قلب الأحداث
بقلم : النقيب أحمد شوشان | صوت الجزائر | الخميس 03 يناير 2008

مقدمة
لم أكن متحمسا للكتابة رغم إلحاح كثير من الاخوة المهتمين بالشأن الجزائري. وقد اكتفيت بإبداء رأيي في بعض الأحداث عبر صفحات القدس العربي والزمان الصادرتين في بريطانيا وعلى صفحات الرأي في بعض مواقع الانترنت الجادة، اقتناعا مني أن الكتابة فن له أهله. لكن بعد اطلاعي على مجموعة من الكتابات والدراسات التي تناولت القضية الجزائرية أدركت أن جانبا مهما من الحقيقة سيدفن تحت ركام التحاليل النظرية والشهادات الكاذبة التي جندت لها الأطراف المسؤولة عن الأحداث كل إمكانياتها المادية والبشرية. ولذلك عزمت على تقديم شهادتي على الجانب الذي عايشته من الأحداث بكل أمانة ووضوح آملا أن يساهم ذلك في تسليط الضوء على زوايا محجوبة من الصورة الحقيقية للقضية ويقطع الطريق على المتلاعبين بالذاكرة الجماعية للشعب الجزائري. خاصة وأن كثيرا من المعنيين بهذه الشهادة أحياء مما يتيح لهم فرصة تمحيص ما جاء فيها إثباتا أو انتقادا أو تصويبا حتى تكون شهادة موثقة للأحداث لا وجهة نظر خاصة بشخص. ولا يفوتني في مستهل هذه الشهادة أن أوضح أن ما جاء فيها يدل على ما يعنيه ظاهر الكلام دون تأويل ولا خلفية من أي نوع، كما أن توظيفه في غير ما يدفع عجلة الإصلاح والمصالحة بين الجزائريين مردود على صاحبه، لأن الغرض الوحيد من نشر هذه الشهادة في هذا الظرف هو توثيق الحقيقة وتمحيصها.
الفصل الأول
الجزء الأول
علاقتي بالأزمة الوطنية
نشأت والحمد لله في عائلة مشهورة بإخلاصها للوطن وبلائها في الدعوة إلى الله بالقدوة الحسنة قولا وعملا فكان بيت عائلتي الجحر الآمن الذي زرأت إليه ثورة التحرير الوطني في بلديتنا (القرارة) بعد أن اشتدت وطأة الغزاة الفرنسيين على الشعب الجزائري وتراجعت إرادة الانصار في دعم المجاهدين، كما كان ذات البيت قبل ذلك مورد علم وتربية لمن أصبحوا أهل فضل وإمامة في المنطقة.
التحقت بالكلية العسكرية لمختلف الأسلحة بشرشال في 10 سبتمبر1978 واستفدت مع كثير من الطلبة الضباط من مكتبات الكلية في توسيع دائرة معارفنا العلمية والثقافية وتزكية أخلاقنا وفق ما تسمح به الخطة الأسبوعية للتدريب. ورغم قلة فقهنا فقد كنا نجتهد في التمييز بين العلم النافع الذي تستقيم به الفطرة البشرية وتسعد به المجتمعات كما ورد في مؤلفات العلماء العاملين المخطوطة عبر التاريخ الإنساني الذي كان لأمتنا المجيدة نصيبا وافرا من صناعته وبين ما يمكن إدراجه جملة في مجال الشعوذة والتطرف أو الترف الفكري. فاكتسبنا بذلك حرية في الفكر واستقلالية في الرأي لا يستسيغهما العبيد ولا يحتملهما الطغاة.
وفي منتصف ليلة من ليالي شهر مارس 1979 قامت فرقة من مديرية الأمن العسكري باعتقال مجموعة من الجمهرة الثانية للطلبة الضباط وتبين لنا بعد التحري أنهم عناصر نشطة من الخلايا الشيوعية التي أنشأها المتعاونون السوفيات في صفوف الإطارات العسكرية. وتحركت في أعماقنا إرادة عفوية للدفاع عن هويتنا المستهدفة في هذه المؤسسة الوطنية الخطيرة.
وقد كان توجه القيادة السياسية العليا والقيادة العسكرية على مستوى الكلية عاملا مشجعا لنا في أخذ المبادرة. فشعر بعض الطلبة الضباط بضرورة العمل على مواجهة المد الشيوعي ومحاصرة عناصره بجدية والاجتهاد في تعميق المقومات الشخصية الجزائرية داخل المؤسسة العسكرية، على أن يكون ذلك في إطار القوانين المعمول بها وبالاستعانة بجميع المخلصين من القيادات واستثمار جميع النصوص والمراسيم المثبتة في المواثيق الوطنية المعتمدة، وبإعطاء المثل في الكفاءة المهنية والانضباط الميداني. وقد حرصت على أن أكون أول معني بهذا التحدي، فوجهت كل قدراتي ووقتي لاكتساب أوسع خبرة عسكرية وأكبر قدر من الثقة لدى القيادات العسكرية والجنود الذين أعمل معهم فكنت في مقدمة قوائم الناجحين في جميع الدورات التي أجريتها، وعلى رأس المتطوعين في المهام الصعبة التي كلفت بها الوحدات التي عملت بها. ورغم أن الجميع كانوا يعرفون موقفي الصريح من دعاة التغريب والتشريق إلا أن القبول الذي حباني الله به في أوساط التيار الوطني قادة ومرؤوسين كان عامل حماية قوي لي من العناصر المعادية للمفهوم الأصيل لاستقلال الجزائر.
بعد تخرجنا مبكرا في جانفي1981 كان الطلبة الضباط الذين تركناهم في الكلية العسكرية أشد حرصا منا على مواصلة المسيرة. فانتعشت الـصحوة الوطنية وامتد أثرها في عمق المؤسسة العسكرية. وقد كنا نستقبل الضباط الأحداث بعد تخرجهم لحمايتهم من الانحراف خاصة وأن كثيرا من الضباط القدامى تعرضوا لتكوين إيديولوجي وتربوي غير متوازن حولهم إلى مستخدمين غير مسؤولين وميالين للهو والابتزاز.
وقد كنت بدافع من الحرص أحث زملائي الضباط من مختلف الأسلحة على الاجتهاد في اكتساب الخبرات وإعطاء أحسن الأسوة للضباط الأحداث وبعث اليأس في قلوب الانتهازيين والوصوليين. ومع ذلك فإنني لم أفكر في أية محاولة للتنظيم أو التخطيط للمساس بأمن الدولة الجزائرية ومؤسساتها ولم يبادر إلى ذلك أحد من الضباط الذين عرفتهم في حدود علمي.
لكن تطورات الموقف المفاجئة والـتحولات المتسارعة في المسيرة السياسية الوطنية منذ أحداث أكتوبر 1988 وضعت العسكريين المخلصين في الجزائر أمام أمر واقع لا يجوز الحياد حياله للشرفاء، خاصة بعد تبني الدولة للتعددية الحزبية. لأن الأمر يتعلق بالوجود الفعلي للجزائر نفسه. فإما أن تتجسد في الواقع سيادة الشعب الجزائري وحريته في إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية المستقلة، التي وثق هويتها ملايين الشهداء بدمائهم وعلموا حدودها بجماجمهم من أجل رد الاعتبار لمقومات الهوية الوطنية وتمكين الشعب الجزائري من الاعتزاز بأمجاده التاريخية بكل كرامة وحرية على غرار الشعوب الحرة ذات السيادة. وإما أن تعود الجزائر إلى انتداب فرنسي يفقد المواطن في ظله هويته و كرامته إلى غير رجعة. وهذا مع الأسف ما لم تستوعبه عقول الذين انخرطوا في مشروع التدمير الذاتي المراد بوطنهم وشعبهم من العسكريين والذي بدأوا مشوارهم في تنفيذه تحت شعار إنقاذ الجزائر من أصولية الجبهة الاسلامية للانقاذ. وسوف لن تتوقف بهم الأوهام عند حد التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب العالمي على حساب المصلحة الوطنية إذا لم يستوعبوا هذه الحقيقة.
إرهاصات الأزمة
بعد مقتل الشيخ مصطفى بويعلي أمير الحركة الإسلامية الجزائرية المسلحة واعتقال أتباعه سنة 1987 خمدت فكرة العمل المسلح فترة قصيرة لتظهر بعد إقرار التعددية الحزبية من طرف الرئيس الشاذلي بن جديد، ولكن في شكل تحركات مشبوهة لعناصر الهجرة والتكفير. وقد بدأت هذه التحركات في الوقت الذي كان فيه أتباع الحركة الإسلامية الجزائرية المسلحة في السجون وكان الدعاة الإسلاميون غارقين في تعبئة الجماهير وتجنيدها لخوض الانتخابات المحلية المنتظرة سنة 1990.
وكانت أول مبادرة لهذه العناصر، تلك التي قام بها أمير الهجرة والتكفير على منطقة بومرداس المسمى “محمد وارت” المدعو “محيي الدين وريث”. إذ قام بمحاولة استدراج مجموعة من ضباط الصف العاملين في الفيلق الرابع للمظليين المتمركز في مدينة الأغواط والفيلق 12 للصاعقة المحمولة جوا المتمركز في منطقة بسكرة بغرض القيام بعملية استيلاء على كميات من الأسلحة والذخيرة. وقد كان الوسيط بين محيي الدين وضباط الصف المعننين بالموضوع جنديا احتياطيا أدى خدمته الوطنية في صفوف المظليين اسمه حسن حطاب.
وقد ادعى محيي الدين أن القيادة المركزية للحركة الإسلامية كلفته بالإعداد للجهاد في سبيل الله، وبعد التحري عن هذه الدعوى أكدت قيادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ ورابطة الدعوة الإسلامية لأحد ضباط الأمن المخلصين (ن.ب) أن قيادة الحركة الإسلامية بكل توجهاتها تتبرؤ من أي عمل مسلح ولا تعرف أحدا من رجالها باسم “محيي الدين وريث ” وأنها تعتقد أن هذه المحاولة عمل مخابراتي ينبغي تفادي الوقوع في شباكه. فنبه ذلك الضابط ضباط الصف المعنيين وحذر حسن حطاب من العودة إلى مثل هذه الوساطة المشبوهة. والحقيقة أن الذي دفع الضابط (ب.ن) إلى عدم اتخاذ إجراءات صارمة ورسمية ضد حسن حطاب ومن وراءه هو اعتقاده اليقين بأن الكشف عن هذه القضية سيستغل لضرب كل من يطمح إلى تخليص الجيش من قبضة الشرذمة الفرنكوشيوعية المتحكمة في هيئاته المركزية لاسيما وقد قطع التيار الوطني شوطا طويلا في التدافع معها وحقق تقدما ملموسا في رد الاعتبار للهوية الوطنية، كما أن الجندي الاحتياطي الوسيط حسن حطاب لم يكن متهما بالغلو أو التطرف بل كان واحدا من عدائي النخبة في سلاح المظليين. وكان المرجو أن تنتهي هذه القضية عند هذا الحد. وهو ما حصل فعلا.
أما المبادرة الثانية فقد قامت بها طائفة الهجرة والتكفير التي يتزعمها صديقي نور الدين إذ قامت عناصرها بنفس المحاولة مع عسكريين في الناحية العسكرية الأولى بالبليدة وفشلوا فيها. كما قاموا بعمليتين استهدفت الأولى حانة في أعالي العاصمة استولوا على خزنتها وقتلوا صاحبها، فيما استهدفت الثانية مخزن المتفجرات الجهوي لمركب الحجار الصناعي حيث تم الاستيلاء على طن من المتفجرات 1000 كغ بالتواطئ مع حارس المخزن.
وباستثناء بعض الكهول الطيبين الذين تورطوا مع هذه الطائفة المنحرفة عن حسن نية أمثال عمي مختار أو بعض المراهقين من الشبان أمثال حسن حطاب فإن أغلب عناصر هاتين المجموعتين تربوا في أحضان الشرطة والمباحث التي تعرف عنهم ما يمكنها من التحكم في كل حركاتهم وسكناتهم بما يناسب مخططاتها الأمنية.

ومن أخطر ما قامت به عناصر هذه الطائفة في تقديري هو إعلانهم التوبة على الملإ في مهرجانات أقاموها في مساجد العاصمة خاصة في الفترة ما بين 1989 و 1990؛ لينتقلوا في نظر عامة الناس فجأة من عناصر منحرفة تعتقد كفر الشعب الجزائري واستباحة دماء المسلمين وأعراضهم إلى مجموعات منظمة تقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باسم الكتاب والسنة ومنهج السلف. فتسلطت هذه الشراذم الضالة على الشباب الجزإئري العفيف الذي نشأ في أحضان الحلقات المسجدية والمدارس الوطنية الرسمية على مرأى و مسمع من أجهزة الدولة الأمنية.
وبعد أن تم اختراق صفوف التيار الإسلامي من خلال عملية التوبة المزعومة، قامت أجهزة الأمن باعتقال من تعاظم خطره من هذه الطائفة سنة 1991 وتمت محاكمتهم في القضية المعروفة بـ”نوح و جماعته” نهاية سنة 1992 ونفذ حكم الإعدام فورا في بعضهم. في حين بقيت عناصر أخرى تتحرك وكان لنشاطها أثر بالغ على الأحداث أمثال، علي زوابري، محمد علال (موح ليفيي)، فتح النور… وآخرين.
لم تكن أجهزة الأمن تتابع تحرك هذه الطائفة وحدها بل إن اهتمامها بالشباب الجزائري الذي التحق بصفوف المجاهدين في أفغانستان كان أكبر. فقد وضع جهاز المخابرات جميع هؤلاء الشباب تحت المراقبة المباشرة لعناصره المبثوثين بينهم والمتعاونين معه من مصالح الإستخبارات الدولية. وتشرف على هذه العملية خلية متابعة متخصصة على منظومة من الإعلام الآلي في غرفة العمليات التابعة للمديرية العامة للوقاية والأمن بمركز الاستنطاق الخاص بالإسلاميين ببن عكنون. وأعتقد أنه كان من المفترض الزج بهؤلاء الشباب في ميدان الصراع في الوقت المناسب، فقد صدرت تعليمات استثنائية بعدم التعرض لهم عندما شن النظام الجزائري حملتي الاعتقال على مناضلي الجبهة الإسلامية للإنقاذ في جوان 1991 وجانفي 1992.
وإلى غاية شهر مارس 1991 لم يكن في تقديري أي واحد من الاسلاميين المعتبرين يخطط للعمل المسلح بما في ذلك قدامى الحركة الإسلامية الجزائرية المسلحة أمثال عبد القادر شبوطي وبعة عز الدين الذين أمسكوا عن أي نشاط من شأنه عرقلة المسيرة السياسية الموفقة للجبهة بعد الإفراج عنهم في إطار العفو الرئاسي العام سنة 1990. أما منصوري الملياني فقد كان يعتقد أن المبادرة إلى العمل المسلح مستحيلة قبل خمس (5) سنوات وبقي على هذا الإعتقاد حتى بعد انضمامه إلى السعيد مخلوفي وعبد القادر شبوطي سنة 1991. هذا ما استفدته شخصيا من علاقتي بالمعنيين و أكده لي كل من التقيت بهم في السجن وخارجه من المحسوبين على العمل الاسلامي المسلح.

الحركة الإسلامية المسلحة(حقيقتها وعلاقتها بالجبهة):

بدأت الحركة الإسلامية المسلحة في شكل مشروع احتياطي وقائي سلمي بدون شعار ولا بنية تنظيمية. و كان الهدف منه حماية ظهر الجبهة الإسلامية للإنقاذ من غدر محتمل تبيته أطراف نافدة في السلطة الحاكمة. هذا ما توصلت إليه بعد دراسة متأنية لحيثيات هذا الشعار.

فبعد أن تصاعدت حدة المواجهات بين قيادة الجبهة المصرة على المطالبة بانتخابات حرة ونزيهة من جهة والنظام المصر على تزويرها والاستعداد الميداني لفرض الأمر الواقع بالقوة (بداية 1991)، أصبح التفكير في حماية أنصار المشروع الإسلامي من الإبادة الجماعية التي يدبرها أعداؤهم داخل المؤسسات الأمنية أمرا يشغل بال كثير من أنصار المشروع الاسلامي في الجزائر. وبعد تشاور محدود بين كوادر من الجبهة الاسلامية والمتعاطفين معها تقرر تكليف السعيد مخلوفي بالإشراف على إجراءات وقائية تحمي ظهر الجبهة من الغدر المحتمل، على أن يكون ذلك سلميا وبعيدا عن الجبهة كتنظيم سياسي معتمد. و قد عول السعيد مخلوفي على إمام مسجد سيدي موسى الشيخ عبد القادر شبوطي في الاتصال بقدامى حركة الشيخ مصطفى بويعلي وتشاور معهم في الموضوع فرحب بالمبادرة بعة عز الدين ورابح قطاف والشيخ أبوبكر وآخرون وتردد بعضهم أمثال الملياني وحسين عبد الرحيم وتحفظ البعض الآخر مثل مصطفى معيز والشيخ رائد. أما السعيد مخلوفي فقد قام باتصالات عديدة مع الضباط الذين توسم فيهم الإنصاف في موقفهم من المشروع الاسلامي و قد كنت من بينهم .
وكان أول لقاء جمعني بالسعيد مخلوفى فى منتصف شهر مارس سنة 1991 وقد حضر اللقاء كل من عبد القادر شبوطي ومنصوري الملياني ورابح قطاف والنقيب أحمد بن زمرلي والملازم الأول زلة نعمان وضابطان آخران. وقد تجدد اللقاء بيننا وحضره زيادة على المذكورين بعة عز الدين. و قد كانت الفكرة التي حاول السعيد مخلوفي عرضها خلال الجلسات تتمحور حول ما يلي:
1 ـ أن بوادر انقلاب عسكري يستهدف وقف المسار الديمقراطي الذي أتاح للإسلاميين فرصة الوصول إلى السلطة أصبحت أكثر من واضحة من خلال تزامن إصدار قانون التقسيم الإداري الجديد مع تحريك الوحدات العسكرية المرابطة على الحدود المغربية وتكثيف التواجد العسكري في العاصمة وضواحيها، خاصة بعد ما أظهره الرئيس الشاذلي بن جديد من حياد في التعامل مع الأحزاب السياسية. وهذا الإفتراض يقتضي اتخاذ إجراءات احتياطية لإفشال مشروع الانقلاب وسياسة الأمر الواقع الذي يراد فرضه على أغلبية الشعب الجزائري من طرف أقلية أعلنت صراحة عن تنكرها لمقومات الهوية الوطنية جملة و تفصيلا.
2 ـ أن قرار الانتقال إلى تنفيذ الإجراءات المفترضة يعود حصرا إلى قيادة الجبهة ممثلة في الشيخين عباسي مدني و علي بن حاج الذين عليهما أن يعلنا عن ذلك بناء على نتائج اتصالاتهما بالرئاسة والحكومة ويتحملا مسؤولية ما يترتب عليه من تبعات.
3 ـ أن إلغاء تلك الإجراءات يعتبر من تحصيل الحاصل في حالة اتفاق قيادة الجبهة مع الحكومة على حل يفوت الفرصة على المتربصين بالجزائر. وكانت نصيحتي للسعيد مخلوفي ومن معه أن يتريثوا ولا يستبقوا الأحداث ما دام السجال على الأرض سياسيا أما إذا اتضح الأمر فعندها سيكون لكل حادث حديث.
ومما تقدم يتضح أن الفكرة لم تكن قائمة على المكيدة أو المساس بأمن الدولة كما لم تكن تهدف إلى أخذ المبادرة في استعمال القوة ضد المعارضة العلمانية سواء داخل النظام أو خارجه وإنما كان التفكير فيها لغرض مشروع يتمثل في وقاية الجبهة في مسيرتها السياسية السلمية التي انتهجتها على غرار سائر الأحزاب في الجزائر بعد أن دلت القرائن على أن دوائر مجرمة تخطط لفرض أجندتها على الرئيس بتسخير المؤسسات الأمنية وعلى رأسها الجيش الوطني الشعبي لسحق كل من يرفض الأمر الواقع الذي يكرس الردة عن كل المقومات الوطنية للشخصية الجزائرية. وإذا كانت الجبهة الاسلامية هي المستهدف المعلن عنه فإن قائمة الاستهداف الحقيقية تشمل كل التيار الوطني الذي يطمح إلى التحرر من التبعية لفرنسا. كما يتضح أيضا أن التفكير في إنشاء الحركة الاسلامية المسلحة كتنظيم لم يكن واردا في هذه المرحلة وإنما جاء لاحقا بعد التأكد من عزم حزب فرنسا في النظام على استئصال الجبهة الاسلامية للانقاذ كحزب سياسي معارض، والدليل على ذلك هو تأخر الإعلان عن اعتماد الحركة إلى أن صارت الجبهة في حكم المحظور خلال شهر مارس 1992 في العدد الاول من نشرية “النفير”، رغم أن هذا الشعار كان معروفا منذ ظهور حركة الشيخ مصطفى بويعلي الأولى سنة 1979.
أما الاتصال بي فكان على أساس ما يقتضيه التناصح المخلص وإبراء الذمة مما يمكن أن تتمخض عنه الأحداث ولم يكن أبدا على حساب التزاماتي تجاه مؤسسة الجيش الوطني الشعبي وقد كان الاتصال بالضباط على أساس فردي ودون ترتيب مسبق. وسأعود إن شاء الله إلى تحرير القول في علاقتي كضابط في الجيش الوطني الشعبي بالسعيد مخلوفي و من معه كمعارضين للنظام وموقفي الشخصي من القضية في مرحلة لاحقة من هذه الشهادة.
المواجهة
قبل أن يتمكن السعيد مخلوفي من إتمام مشاوراته، كانت قيادة الجبهة قد اتخذت قرارا بالإضراب العام مما أدخل السعيد و الموافقين لرأيه في سباق مع الزمن من أجل اتخاذ إجراءات استعجالية لتدارك الأمر.
كان الانتقال إلى تنفيذ تلك الإجراءات متوقفا على قرار قيادة الجبهة التي كانت تدير المواجهة السياسية مع النظام. وكان الهدف منها إفشال عملية الإبادة الجماعية المبرمجة التي تستهدف مناضلي الجبهة والمتعاطفين معها وتمكين قيادة الجبهة من الاحتفاظ بالمبادرة في تفاوضها مع الرئاسة والتعامل مع الأحداث كما سبقت الإشارة إليه.
أما مضمون هذه الإجراءات فيتلخص أساسا في نقطتين:
1 ـ تأمين حماية قيادة الجبهة من الاختطاف أو الإغتيال وضبط النظام أثناء عملية الاضراب في العاصمة وضواحيها. و يقوم بهذه المهمة عبد القادر شبوطي ومساعديه المدنيين غير المسلحين بأي نوع من السلاح.
2 ـ عدم إطلاق النار على المتظاهرين العزل في حالة صدور الأمر بذلك من طرف القيادة العسكرية العليا إلا في حالة الدفاع عن النفس أو حماية المؤسسات من عمليات التخريب وبعد إعلان حالة الطوارئ من طرف الرئيس الشاذلي بن جديد شخصيا. والمعني بهذا الإجراء هم الضباط الرافضون لمبدإ إطلاق النار على المدنيين، الموزعون داخل الوحدات القتالية المرابطة في العاصمة والتي تعتمد أساسا على القوات الخاصة أو الوحدات الفرعية التي يقودها ضباط رافضون للقمع في الوحدات القتالية المنتشرة عبر التراب الوطني.
لقد كانت هذه الإجراءات استعجالية بكل المقاييس وتعتمد على الاستعمال السلبي للقوة اقتضتها خطورة الموقف والوتيرة المتسارعة للأحداث ولم ترق إلى مستوى خطة لا في الشكل ولا في المضمون، ومع ذلك فإنها كانت كفيلة بتحقيق الحد الأدنى من الهدف المرجو لو قدر لها أن وضعت حيز التنفيذ. لكن لأسباب مجهولة إلى حد الآن قامت مجموعة من أعضاء المجلس الشوري للجبهة بالانقلاب على قيادتها وانضمت إلى الدائرة السوداء في السلطة وأعلنت على الملإ أن عباسي مدني يريد الزج بالجزائر في مجزرة بالتعاون مع عناصر عسكرية يجهلون هويتها، مما جعل القيادة العسكرية العليا تتخذ إجراءات طارئة مضادة لتدارك الموقف أهمها :
1 ـ الدخول في مفاوضات مع قيادة الجبهة لإيهامها بإمكانية التوصل إلى حل وسط يستجيب لمطالبها.
2 ـ إجراء تحويلات استثنائية داخل صفوف الجيش تشمل مختلف الأسلحة البرية وفي جميع المناطق.
3 ـ تعديل الخطة العسكرية من عملية مواجهة شاملة تقوم بها القوات المسلحة على المستوى الوطني تستهدف مناضلي الجبهة والمتعاطفين معها إلى عملية محدودة بديلة تقوم بها وحدات التدخل السريع للدرك والشرطة والمخابرات دون مشاركة الجيش وتقتصر على قمع مناضلي الجبهة المعتصمين في الساحات العمومية. وفي نفس السياق من التضليل أصدرت القيادة العليا تعليمات مكتوبة وموقعة من طرف قائد أركان الجيش اللواء قنايزية وقائد القوات البرية محمد لعماري يؤكدان فيها حياد الجيش ويشددان على عدم إطلاق النار على المتظاهرين وقد نزلا شخصيا إلى ثكنات الوحدات الخاصة لشرح هذه التعليمات وأكدا على أن أمر إطلاق النار يجب أن يكون مكتوبا وممضيا عليه من طرفهما معا. مما بعث ارتياحا عاما في أوساط الجيش وأعطى الانطباع بأن قيادة الأركان لن تسمح بتوريط الجيش في السجال السياسي.
لقد كانت الطعنة المسمومة التي وجهها الفقيه ومن معه إلى الجبهة في الظهر كافية لقلب الموقف رأسا على عقب، حيث استعاد الاستئصاليون في السلطة زمام المبادرة في توجيه الأحداث ودب الاضطراب في صفوف أنصار الجبهة فأعلنت قيادتها عن وقف الإضراب بناء على الاتفاق المتوصل إليه مع الحكومة ورئاسة الجمهورية. فكان هذا الإعلان إيذانا كافيا بعدم الحاجة إلى التدخل في مسار الأحداث من طرف العسكريين ولذلك بقيت هذه القضية في طي الكتمان ولم تعلم بتفاصيلها مصالح الاستخبارات إلا بعد اعتقالنا في شهر مارس 1992. ولكن شعور القيادة بوجود معارضين لمشروعها الاستئصالي داخل المؤسسة العسكرية كان السبب المباشر في تعطيل آلة الموت التي كانت عازمة على إدارتها لحسم المواجهة مع المعارضة الاسلامية.
وللتاريخ أقول إن الشيخ عباسي مدني لم يراهن أبدا على العسكريين كما يزعم كثير من المتطفلين على الأحداث، بل يمكنني أن أؤكد بأن الرقيب محمد قنوني حاول أن يظهر له تعاطفه مع الجبهة قائلا: إن أنصار الجبهة في الجيش مستعدون للدفاع عنكم يا شيخ! فأجابه الشيخ عباسي: نحن لسنا في حاجة إلى من يدافع عنا، فالجبهة قادرة على أن تأكل الجيش بدباباته إذا أرادت. كما أؤكد أنه لا أحد من الضباط العاملين المتهمين بالإنتماء للتيارالإسلامي في هذه القضية التقى مع الشيخ علي بلحاج أو بادله الحديث في هذا الموضوع في هذه الفترة.
ـــــــ
الحلقة الثانية تنشر بحول الله يوم الأحد 06 يناير 2008

———-

ـ 2 ـ
الأزمة الجزائرية
شاهد من قلب الأحداث
بقلم : النقيب أحمد شوشان | صوت الجزائر | الأحد 06 يناير 2008
الفصل الأول
الجزء الثاني
الجولة الثانية من الأحداث
إستعاد الجناح المتطرف في النظام زمام المبادرة في توجيه الأحداث بعد أن أوهم الجميع بالحكمة في التعامل مع الأزمة القائمة ثم استفرد بالجبهة الإسلامية ووضعها في المزاد العلني بعد أن اعتقل قيادتها وكوادرها المحليين وعزز حظوظ عملائه في احتوائها. حيث كثفت جماعة الفقيه ومراني جهودها بدعم مباشر من رئيس الحكومة الجديد سيد أحمد غزالي لتشكيل بديل عن القيادة المعتقلة. ولكن التفاف قواعد الجبهة حول الخلف الشرعي لقيادتها ممثلا في عبد القادر حشاني وإصرارهم على حقهم في التداول على السلطة بطريقة سلمية أثناء مؤتمر الوفاء المنعقد في باتنة في سبتمبر1991 أثبتا للنظام أن سيناريو العملاء قد تجاوزه الزمن وأن الجبهة قادرة على كسب أي رهان انتخابي أو سياسي مفترض.
والحقيقة أن القيادة السياسية والعسكرية كلها كانت تدرك أن قيادة الجبهة الجديدة قادرة على تحقيق الفوز بأغلبية أصوات الشعب الجزائري في أي استفتاء، والذين ادعوا غير هذا كاذبون، ولا أقول واهمين، لأن المسؤول على مراصد الرأي ومتابعة هذا الملف على أعلى مستوى في هرم السلطة هو رئيس دائرة الإعلام الآلي لدى وزارة الدفاع الوطني وقد قدم تقريره النهائي بفوز الجبهة بنسبة 63 % من الأصوات في أي استحقاق وطني على أقل تقدير.
ولذلك فقد كان الضامن الوحيد الذي سيسمح للنظام بمواصلة المسيرة الديمقراطية الشكلية منحصرا في عدم مشاركة الجبهة في الانتخابات. أما في حالة مشاركتها فإن الخيار الوحيد أمامه هو توقيف المسار الديمقراطي أيا كانت العواقب المترتبة عليه. ولذلك فقد وضع خطة للبدائل واختار الشركاء المناسبين لكل بديل، لأن الشريك في أحد البدائل قد يكون ضحية في بديل آخر في منطق منظومة السلطة في الجزائر.
ولا بد أن أقف عند تركيبة السلطة الحاكمة في هذه المرحلة بالذات من تاريخ الجزائر لأنها مفتاح التناقضات التي ميزت الأحداث.
منظومة السلطة
منظومة السلطة في الجزائر عسكرية كلها وتحتقر كل ما هو مدني ولا توجد علاقة بين هذه المنظومة والمدنيين إلا في إطار الاستئجار أو الامتهان بل إن هذه المنظومة تمتهن وتحتقر عناصرها أنفسهم إذا اندمجوا في المجتمع المدني ومارسوا حقوقهم المدنية والسياسية خارج المنظومة. ومن ثم فإن الصفقات التي تبرمها مع هذا الطرف السياسي أو ذاك إنما تقوم على لعب أدوار مقابل أجر معلوم. فكل الأطراف المتحالفة مع السلطة أو المتمسحة على عتباتها أفرادا وأحزابا تعرف جيدا ما هو مطلوب منها كما تعرف بالضبط ما تتقاضاه مقابل ذلك لا فرق بين هذا الطرف أو ذاك لأن الضابط في العلاقة هو الخدمة والخدمة وحدها.
أما تركيبة هذه المنظومة ابتداء من يناير 1992 فتتكون من:
هيئة القيادة
وهي الخلية الحية التي تحرك المنظومة كلها وتمدها بإرادة الفعل وتتكون من ضباط الجيش الفرنسي من أصل جزائري والذين تربوا في أحضان المدرسة الفرنسية الاستعمارية العسكرية ولم يتلقوا أي تربية وطنية لا إبان الثورة ولا بعد الاستقلال لأنهم انتقلوا من مواقعهم المهنية كضباط أو ضباط صف في الجيش الفرنسي إلى مواقع وظيفية أعلى في الجيش الجزائري وكونوا تكتلا حركيا غير معلن في صفوف الجيش الجزائري الذي لم يتوقف التنازع على السلطة بين ضباط جيش التحرير فيه إلا بعد أن أفنى بعضهم بعضا. وقد حافظ هذا التكتل على شخصيته المتفرنسة داخل جيش التحرير ثم في صفوف الجيش الوطني الشعبي وركز تواجده في الأمانة العامة لوزارة الدفاع ومنع وصول أي تغيير وطني على مستواها حيث لم تستطع حملات التعريب المتكررة على مدى ثلاث عقود اقتحام هذه القلعة الفرنكفونية العتيقة ولا حتى نظام الخدمة العسكرية الذي صدر في عهد الجزائر المستقلة لأن أغلب أنظمة الخدمة المعمول بها في مقر القيادة المركزي للجيش تخضع واقعيا لذوق الجندي الفرنسي وسمته، إلى درجة تشعر الضباط الجزائريين الحقيقيين بالغربة عندما يدخلون قلعة الأمانة العامة بالعاصمة.
ورغم أن هذا التكتل نشأ مبكرا وظهرت ملامحه قبيل إلاستقلال إلا أن ضباط جيش التحرير الوطني رغم تناحرهم كانوا أقوى منه، بل كانوا يستهدفون عناصره بالتحقير. ولذلك فإن ضباطه الأوائل رغم أهميتهم في التكتل لم يظهروا النوايا العدوانية لقيم الجزائر المستقلة بل حرصوا على إظهار الولاء لقيادات جيش التحرير في الخارج وشكلوا رأس الحربة في الاقتتال الذي دار بين الإخوة الأعداء بعد وقف إطلاق النار ليستولوا على السلطة في النهاية بعد إسقاط الشاذلي بن جديد ويلحقوه بقائمة المشطوبين الطويلة. وإذا كان من المجازفة تحديد القيادة التي أشرفت على رعاية التكتل في الستينات والسبعينات لالتصاق أفرادها بالقيادة الوطنية العليا لجيش التحرير (مثل علاقة النقيب عبد الغني زرقيني بالعقيد هواري بومدين) إلا أن الذي لاشك فيه هو أن قيادة هذا التكتل انتهت إلى اللواء نزار خالد سنة 1992 بعد التنازل الطوعي لمنافسه الوحيد العميد مصطفى شلوفي. وتتكون النواة الصلبة للتكتل من العميد عباس غزيل المدير العام للدرك والعميد العربي بلخير والعميد محمد جنيوحات والعميد جوادي عبد الحميد والعميد تواتي ومعهم آخرون. وبالرغم من أن هذه القيادة لا تحتاج لتوصيات من الحكومة الفرنسية في المسائل الجوهرية لأن عناصرها أكثر تفرنسا من الفرنسيين أنفسهم، إلا أنهم لا يستغنون عن مباركة الجمهورية الفرنسية لقرارهم. ولذلك فإن من الخطإ القول بأن الحكومة الفرنسية هي التي أمرت اللواء نزار خالد بالوقوف في وجه المشروع الإسلامي والوطني لأنه هو نفسه أحرص من فرنسا على ذلك خاصة وقد أبرز هذا المشروع كفاءات وطنية من الشباب الذين لم يتورطوا في الاختلاس والفساد الذي وقع فيه أغلب كوادر جيش التحرير وجبهة التحرير بعد تقلبهم في المناصب الرسمية الإدارية والعسكرية؛ مما يجعل وصول هؤلاء النخبة إلى الحكم فرصة تاريخية لتقييم كل الإنجازات الوطنية منذ قرار وقف إطلاق النار سنة 1961 وتطهير مشروع الاستقلال من بذور الفتنة التي زرعها فيه (ديجول) من خلال شروط معاهدة إيفيان الخفية والمعلنة.
الأذرع المنفذة :
وهي مجموعة الضباط المحترفين الذين أريد لهم أن يكونوا أشبه بالمرتزقة. وأغلب عناصرها إما من ضباط الصف وجنود الجيش الفرنسي من أصل جزائري والذين لم يتلقوا تربية أصلا لا في المدارس الاستعمارية ولا الوطنية ولكنهم التحقوا مباشرة بالفرق الاستعمارية الخاصة التي مارست القمع ضد الجزائريين العزل ثم التحقوا بعد وقف إطلاق النار بتشكيلات الولايات العسكرية المتناحرة على السلطة أو ألحقوا بمراكز التدريب للجيش الوطني الشعبي ليجدوا أنفسهم في التسعينات جنرالات في الصف الثاني من القيادة. وأبرز عنصر في هذه الفئة الفريق لعماري محمد الذي انتهت إليه قيادة أركان الجيش. وإما صغار ضباط جيش التحرير الذين ابتعثوا من طرف قيادة الثورة في فجر الاستقلال إلى دول عربية وأجنبية فكانوا بذلك أوفر حظا من الصنف الأول من حيث تربيتهم الوطنية وتعليمهم. وأبرزهؤلاء الفريق محمد مدين الذي انتهت إليه القيادة العامة لجهاز المخابرات.
ونظرا لفترة الابتعاث التي قضتها هذه الفئة بصنفيها في الكليات العسكرية الأجنبية المختلفة لاحقا فقد تقلصت الفوارق بين شخصياتها وأصبحوا وجهين لعملة واحدة. ويحسب على هذه الفئة شركاء أقل وزنا وأخطر حضورا في الأزمة الأخيرة، منهم الألوية اسماعيل العماري، شريف فضيل، كمال عبد الرحمان.
الواجهة الوطنية:
وللأسف فإن هذه الطائفة من الضباط كانت في مقدمة الجنود المقاتلين إبان الثورة وممن ساهم في بناء الجيش الوطني الشعبي بعد الاستقلال ولكنها بعد الوصول إلى مراتب الامتيازات الكبرى فقدت مروءتها تحت تأثير الطمع والاستعلاء تارة وتحت المساومة والتهديد تارة أخرى فأصبح هذا الصنف من الضباط مثل التيوس المستعارة يستعان بها في إضفاء الصبغة الوطنية على المشاريع المشبوهة، مما جعل نزار خالد يستأسد عليهم ويصفهم بالقطيع والأوباش أمام هيئة محكمة الجنح الفرنسية بباريس. ولا أرى داعيا لذكر أسماء من هذه الفئة مراعاة لمشاعر المخلصين من مجاهدي ثورة التحرير المجيدة.
وقد تمكن هذا الثلاثي من التوافق على تفكيك كل المؤسسات الدستورية للدولة الجزائرية المستقلة باستثناء المؤسسة العسكرية التي استمدوا منها شرعية فرض الأحكام العرفية وإقامة مؤسسات شكلية مثل المجلس الأعلى للدولة بدلا من رئاسة الجمهورية والمجلس الاستشاري بدلا من المجلس الوطني الشعبي والمندوبيات بدلا من المجالس البلدية.
ولكن اللواء نزار خالد الذي أسقط الجمهورية الجزائرية الأولى لم يستفد من حياته المهنية الطويلة شيئا يذكر، لأنه التحق بجيش الاحتلال الفرنسي في عز همجيته وغطرسته ليفر منه قبل أن يذوق مرارة الهزيمة على يد مجاهدي جيش التحرير ففاته بذلك إدراك أن حق المظلوم أقوى من باطل الظالم ولو تحالف معه الإنس والجن. كما أنه لم يكن من مجاهدي جيش التحرير الأوائل حتى يتعلم معنى الثورة على الظلم والطغيان. وإنما التحق بجيش الحدود في الوقت الذي بدأت فيه الاختراقات والمؤامرات على الثورة الجزائرية. ولذلك فقد أصابه العمى والصمم عن كل التحذيرات والنصائح التي وجهت إليه قبل وبعد انقلاب يناير 1992 وأنا أول من قدم له النصيحة وأقام عليه الحجة وحمله المسؤولية.
ومما تقدم يتضح أن السلطات الدستورية التشريعية والقضائية والتنفيذية في الجزائر وإلى يومنا هذا، ليست سوى ملحقات تنظيمية لتمكين السلطة الفعلية الوحيدة من إحكام سيطرتها وفرض إرادتها على الشعب. كما يدل ذلك على أن كل السياسيين المتظاهرين بقوة النفوذ والقدرة على الفعل بما فيهم أساطين اللجنة المركزية لجبهة التحرير لا يزنون جناح بعوضة خارج هيئة القيادة العسكرية السيدة.
عودة إلى الأحداث
كانت قيادة الجبهة واثقة من تحقيق فوز مريح في الانتخابات المفترضة في يوم 26/12/1991 وكانت تخشى أن يجد النظام ذرائع للتراجع عن تعهداته بالنزاهة والشفافية والإنصاف في التعامل مع الجبهة فقررت تجميد عضوية كل من السعيد مخلوفي وقمر الدين خربان الذين كانا عضوين في المجلس الشوري المؤسس للجبهة. وزيادة في التحفظ أصدرت تعليمات بالحذر في التعامل معهما على خلفية أن السعيد مخلوفي دعا إلى تحويل الإضراب إلى عصيان مدني بدون إذن من قيادة الجبهة وأنه بذلك عميل للمخابرات ومتعاون مع جبهة التحرير الوطني وقد كان الشيخ عبد القادر حشاني نفسه يعتقد ذلك خاصة بعد أحداث قمار. ولكنه تراجع لاحقا بعد أن توسطت شخصيا لتوضيح الموضوع له عن طريق السيدين محمد براهم وعبد الكريم غماتي القريبين منه آنذاك بدافع من الحرص على وحدة الصف داخل هذا التيار الجماهيري العريض الذي كنت متأكدا من أن انفراط عقده سيعود بالوبال على الجزائر كلها.
وفي هذا الظرف الصعب عانى السعيد مخلوفي من العزلة أكثر من أي مناضل في الجبهة حيث وقع في منطقة تقاطع النيران بين الترغيب الخبيث من طرف النظام والتوجس من طرف قيادة الجبهة ولكنه أبدى شجاعة وثباتا متميزين وساعده على ذلك محمد نقازي الذي كان ضابط صف سابق في القوات الخاصة، كما وقف إلى جانبه عبد القادر شبوطي رغم الضغوط التي كان يتعرض لها من بعض زملائه أمثال منصوري الملياني. كما سهر على تأمين المأوى له السيد عبد الرحيم البليدي وأخوه أحمد. وفي هذا الوقت العصيب جاءه الشيخ بن عزوز زبدة برفقة الهاشمي سحنوني يسعيان في وساطة بينه وبين رئيس الحكومة سيد أحمد غزالي الذي عرض عليه الدعم المالي والإعلامي والحصانة الأمنية مقابل الإعلان عن اعتماد المشروع السياسي للجبهة والمشاركة في الندوة الوطنية إلى جانب المراني كبديل عن قيادتها الشرعية ولكنه رفض العرض ورد على زبدة والهاشمي سحنوني بشدة وحذرهما من العودة إليه ثانية ثم رد بنفسه على غزالي في رسالة مفتوحة نشرتها جريدة المساء الجزائرية في حينها دون أن يذكر الوسيطين بالإسم. وقد استغل السعيد مخلوفي الحصار المضروب عليه في القيام باستطلاع المناطق الجبلية المحيطة بمنطقة المتيجة أثناء تنقلاته المستمرة وحدد فيها نقاط التمركز الحصينة التي حولها بعد تفجر الوضع إلى مراكز تدريب على القتال.
وقد اتصل بي السعيد مخلوفي بعد انقطاع دام أكثر من ثلاثة أشهر في سبتمبر 1991 فالتقيته بحضور عبد القادر شبوطي والنقيب أحمد بن زمرلي.
وقد أكد لي بأنه رغم اقتناعه بعزم القيادة العسكرية على استئصال الاسلاميين واستعداد كثير ممن التحقوا بالجبال من مناضلي الجبهة بعد حملة الاعتقالات الأولى في شهر جوان وجويلية 1991 لحمل السلاح، فإنه لن يبادر باستعمال العنف ما دام لبعض الاسلاميين أمل في العمل السياسي السلمي. ولكنه في المقابل سيطالب الاسلاميين بالاستعداد ماديا ومعنويا للدفاع عن أنفسهم ولو بالقوة إذا تعرضوا للقمع من طرف أجهزة الأمن والجيش ظلما وعدوانا. وأنا أشهد للتاريخ أنه كان وفيا لتعهده رغم كثرة المكائد والمؤامرات التي عرفتها الأحداث.
ـــــــ
الحلقة الثالثة ستنشر بحول الله يوم الأربعاء 09 يناير 2008

———-

ـ 3 ـ
الأزمة الجزائرية
شاهد من قلب الأحداث
بقلم : النقيب أحمد شوشان | صوت الجزائر | الاربعاء 09 يناير 2008
الفصل الأول
الجزء الثالث
المخاض (أحداث قمار: مقدماتها، حقيقتها، آثارها)
المقدمات
يئس النظام من صرف قاعدة الجبهة عن المخلصين لمشروعها من القيادات بتوظيف مساعديه المباشرين أمثال: الفقيه ومراني ومن لف لفهم من الوجوه المشهورة في أوساط العامة، وانتقل إلى خطتة البديلة من أجل اغتصاب الشرعية من حشاني ورفاقه ونقلها إلى طرف ثالث اختاره للمرحلة اللاحقة من المواجهة مع الجبهة. وقد سبق أن صدرت تعليمات أمنية بعدم التعرض للجزائريين الأفغان المعادين للتوجهات السياسية لجبهة الإنقاذ.
وكان أول من اجتمع من الجزائريين الأفغان بضعة عشر ة شخصا أغلبهم من الغرب الجزائري وفيهم البشير من الجلفة والمختار من قصر البخاري وعبد الرحمان دهان من وادي سوف وعبد الناصر من تلمسان ومراد من العاصمة وحليس من الأغواط. و كان هدفهم من الإجتماع أخذ المبادرة من قيادة الجبهة الجديدة وفرض الأمر الواقع عليها بإعلان الجهاد باسم الحركة الإسلامية المسلحة. وتوهموا ضرب عصفورين بحجر واحد، الأول: إعطاء المبرر الموضوعي للنظام لإلغاء الانتخابات وتفويت الفرصة على الجبهة للفوز بها على خلفية أنها وسيلة غير شرعية للوصول إلى إقامة الدولة الإسلامية في نظرهم؛ وهو ما ادخرهم النظام لتحقيقه وكثير منهم لا يعلمون. و الثاني: أخذ المبادرة في إعلان الجهاد من السعيد مخلوفي وعبد القادر شبوطي الذين رهنا الدعوة إلى العمل المسلح بيأس الجبهة من العمل السياسي السلمي وقطع العذر على السلطة العسكرية الحاكمة بمبادرتها إلى العنف أولا.
وقد اتفق المجتمعون على تعيين أحمد الود أميرا عليهم ووضعوا خطة عمل لتفجير الأحداث تمثلت في تجنيد مناضلين أحداث من قاعدة الجبهة بالاستفادة من سمعة الحركة الإسلامية المسلحة وتحضيرهم للقيام بعمليات تخريب واغتيالات عشوائية في مناطق متفرقة من الجزائر ليلة الثامن والعشرين من شهر نوفمبر1991 وإعلان الجهاد باسم الحركة الإسلامية المسلحة ووضع السعيد مخلوفي وعبد القادر شبوطي أمام الأمرالواقع.
لقد وقع هذا الاجتماع في ضواحي سعيدة تحت أعين الدوائر الأمنية المعنية بمتابعة هذه الفئة ولا يستبعد أن يكون تحديد تاريخ التنفيذ من وحي بعض عملائها لأنه كان الوقت الأمثل بالنسبة لخطتها العامة حيث كان المفترض أن تعلن الجبهة عن قرارها بشأن المشاركة في الانتخابات قبل هذا التاريخ مما يتيح لرجال المباحث اعتقال المعنيين بهذه العمليات العشوائية وتمكين الشعب من أداء واجبه الانتخابي في ظروف عادية إذا امتنعت الجبهة عن المشاركة؛ وهو ما كانت تتمناه القيادة العسكرية وتعتبره انتصارا تاريخيا. أما إذا أعلنت الجبهة عن مشاركتها فإن قيام الود و جماعته بعملياتهم يعيد المبادرة إلى جهاز المخابرات في الوقت المناسب لتوجيه الأحداث وفق الترتيبات المعدة لإلغاء العملية الانتخابية وتحميل الجبهة الاسلامية مسؤولية ما ترتب عن تلك العمليات من خسائر وإخلال بالأمن.
إلا أن قيادة الجبهة بتدبير من الله أوقعت الجميع في مأزق عندما أخرت الإعلان عن مشاركتها إلى ما بعد 28 نوفمبر1991، مما اضطر النظام للتدخل من أجل تأجيل عمليات الود وجماعته فتحرك عملاء النظام من بقايا الهجرة والتكفير في العاصمة واتفقوا مع نظرائهم الأفغان في الغرب على تأجيل العمليات ريثما يتم الاتفاق على مبايعة أمير وطني يقود الجميع تحت شعار جديد هو الجماعة الإسلامية المسلحة بدلا من الحركة الإسلامية المسلحة.
لكن أمير مجموعة وادي سوف عبد الرحمان دهان اعتقد أن عملية التأجيل مراوغة من أنصار العمل السياسي فأصر على تنفيذ ما كان مقررا في موعده المحدد ولم يكن الوقت كافيا لإقناعه أو منعه فاختلطت الأوراق على الجميع.
حقيقة الأحداث:
عبد الرحمان دهان العنصر الأساسي في هذه الأحداث رتيب سابق في صفوف المظليين و واحد من الشباب الجزائري الذين ساهموا في جهاد الأفغان ضد الشيوعيين الروس و أحد الحاضرين في اجتماع سعيدة.
خرج دهان ـ أبو سلاح ـ من اجتماع سعيدة و كله عزم على الوفاء بالتزاماته تجاه مشروع إعلان الجهاد المتفق عليه. فاستغل غياب الشيخ عمرالأزعر ـ الذي اعتقل في إطار الحملة الأولى التي استهدفت إطارات الجبهة ـ وأوهم مجموعة من الشباب الأحداث بأنه مأمور من طرف قيادة الحركة الإسلامية بالتحضير للجهاد الذي سيعلن عنه قريبا على المستوى الوطني. وبالرغم من أنه لم يكن من مناضلي الجبهة فإن نشاطه على مستوى النقابة الإسلامية وحماسه المعروف لنصرة المشروع الإسلامي كانا كافيين لتصديقه من طرف حوالي 40 شابا منهم رئيس مكتب الجبهة السابق على بلدية الوادي الذي لم يكن ملاحقا من طرف أجهزة الأمن إلى ذلك الحين.
لم تكن لدهان أية عدة قتالية ولا حتى بندقية صيد. ولكنه مع ذلك تمكن بالتعبئة المعنوية المكـثفة من التأثير على المجندين و تهيئتهم للقيام بعمليات استشهادية. كما استطاع بعد إلحاح إقناع مسعودي الملقب بالطيب الأفغاني ـ أحد كهول الجزائريين الأفغان ـ بالالتحاق بالمجموعة وكان هو العنصر المسلح الوحيد فيها ببندقية قناصة. و هكذا فإنه باستثناء الطيب الأفغاني ودهان فإن المجموعة لم تكن مسلحة ولا حتى مدربة على استعمال الأسلحة.
وقبل موعد تنفيذ العملية بيومين سمع الشيخ عمر الأزعر بالموضوع فشك في جديته وأصدر أوامره بالتوقف عن كل شيء، وحاول الاتصال بالقيادة العليا في العاصمة للاستفسار ولكن وجوده رهن الاعتقال لم يتح له الفرصة لفعل شيء. وفي نفس الوقت جاءت التعليمات لدهان من طرف زملائه على لسان (ع.إ و أ) بتأجيل العملية في إطار التحالف الجديد بين الأفغان ونظرائهم من بقايا الهجرة والتكفير. فاختلط الأمر على دهان وظن أن زملاءه تراجعوا عن مشروعهم الجهادي أمام مراوغات السياسيين وأصر على تنفيذ العملية في موعدها المحدد لوضع الجميع أمام الأمر الواقع.
و في يوم 28 نوفمبر1991 تقدم اثنان من أتباع دهان إلى الحارس المعزول الوحيد لمركز حراسة الحدود ببلدية “قمار” واستدرجوه في الكلام قبل أن يتمكنا من وضع القيد في يديه ورجليه و تكميم فمه ويتركاه في مكانه. تقدمت بعد ذلك بقية المجموعة إلى مركز الحراسة وباغتوا بقية الجنود واستطاعوا حبسهم بدون مقاومة ما عدا رئيس المركز فإنه استخف بهيئة المهاجمين وحاول تخويفهم مستعملا حربة بندقية بدون ذخيرة وخاض معركة بيضاء غير متكافئة سقط على إثرها بعد أن أثخنته الجراح ثم لفظ أنفاسه الأخيرة لاحقا قبل أن تدركه الإسعافات.
بعد تحييد الرقيب رئيس الحراسة اقتحمت المجموعة مخزن الأسلحة و الذخيرة و استولوا على الشاحنة اليتيمة في المركز واستقلوها بعد أن تقاسموا قطع الأسلحة الخفيفة التي استولوا عليها واتجهوا شمالا لإخفاء الأسلحة في المنطقة الجبلية المحاذية لبئر العاثر. ولكن الشاحنة توقفت بهم على مرمى حجر من المركز فاضطروا إلى تركها هناك وتفرقوا في منطقة الوادي لإخفاء الأسلحة في الأغوار القريبة وانتظار مرور العاصفة.
لم يسبق لأحد من المجموعة استعمال السلاح باستثناء دهان ومسعودي ولذلك فإنهم لم يقدّروا خطورة ما أقدموا عليه، إلى درجة أن أغلبهم عادوا إلى منازلهم كأن شيئا لم يحدث.
أما النظام فقد فاجأته هذه العملية فوضع الجيش في حالة استنفار قصوى. فبعد أن علم اللواء نزار خالد بالعملية نزل بنفسه إلى الميدان وأصدر تعليماته بإنشاء خلية أركان برئاسة قائد الناحية العسكرية الرابعة اللواء عبد الحميد جوادي تشرف على عملية تمشيط المنطقة ومطاردة الجناة كما عين المدير العام لأمن الجيش العميد كمال عبد الرحمان على رأس خلية التحقيق في القضية. وحشد لهذه العملية ثلاث أفواج من القوات الخاصة و فوجين من قوات الدرك وفوجين من سلاح المدرعات زيادة على الاحتياطي الهائل من وحدات التدخل التابعة لمديريتي الشرطة والمخابرات كما تم تجنيد كل خريت ومن له خبرة في اقتفاء الأثر في المنطقة.
وقبل الإعلان عن بدء العملية كانت المباحث و خلايا التحقيق تستنطق المعتقلين المشتبه فيهم وكان من بينهم من شارك فعلا في عملية قمار وكانت حصيلة الاستنطاق الأولية كالآتي:
* جميع المشاركين في العملية موجودون في مدينة الوادي و ضواحيها و أنهم لم يتدربوا على استعمال السلاح باستثناء الطيب الأفغاني وعبد الرحمان دهان .
* أسماء أغلب المشاركين في العملية وعناوينهم.
* أن عمليتهم تدخل في إطار خطة وطنية وضعتها الحركة الإسلامية المسلحة بقيادة السعيد مخلوفي و عبد القادر شبوطي و منصوري الملياني.
وبناء على هذه المعلومات اتخذت القيادة العسكرية الإجراءات التالية:
* تطويق منطقة الوادي و ضواحيها وتنظيم المراقبة من الأرض و الجو بالحوامات والدوريات العسكرية.
اعتقال أقارب المتهمين وأهلهم ليكونوا رهائن لدى السلطات الأمنية
* تمشيط المنطقة شبرا شبرا وبيتا بيتا وتنقيب الأرض للعثور على دهان وجماعته.
وبعد تأمين العملية وضمان نجاحها وفي لحظة البدء في تنفيذها ظهر على شاشة التلفزيون اللواء نزار خالد وزير الدفاع ليشن حملة إعلامية مسعورة لإلصاق التهمة بقيادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ في محاولة لإرغامها على عدم المشاركة في الانتخابات فيما تحركت قواته المسلحة لتنفذ عملية جبانة راح ضحيتها خمسة و ستون (65) جزائريا في ريعان الشباب من المتورطين قتلوا وأحرقت جثث أغلبهم وألقيت على قارعة الطريق مكومة في أكياس القمامة في تحد سافر لمشاعر المواطنين العزل. كما استباح ضباط وجنود نزار خالد أموال وحرمات الجزائريين الكرام من سكان المنطقة لبضعة أيام. وقد تمكنوا من استرجاع الأسلحة والعتاد المسروق. ولم ينج من المجزرة سوى أربعة(4) أفراد هم:
زكرياء وقد تمكن من التسرب قبل تطويق المنطقة ودخل في مؤامرة جديدة على قيادة الحركة الإسلامية المسلحة لاحقا ولكنه وقع في قبضة الأجهزة الأمنية في شهر فبراير 1992 في مطار غرداية وأفادهم بعد استنطاقه بمكان تواجد الطيب الأفغاني الذي اعتقل بعد اشتباك قتل فيه حارسه البشير في يوم21 فبراير1992.
عبد الغني وعبد الحميد وهما مراهقان تورطا في هذه العملية واستطاعا الاتصال بالحركة الإسلامية المسلحة التي أسكنتهما في أحد مآويها في منطقة الشريعة الجبلية إلى أن قررا العودة إلى منطقة تبسة للإلتحاق بجماعة مزعومة في بئر العاثر و لكنهما بقيا وحيدين فترة إلى أن قتلا في تبسة قبل تحقيق بغيتهما.
مسعودي المعروف بالطيب الأفغاني وقد اختفى إلى أن هدأت الأوضاع ليجدد الاتصال بقيادة الحركة الإسلامية المسلحة وفي الوقت التي كانت الأخيرة ترتب إجراءات نقله إلى مقر القيادة بأولاد إيعيش كان رفيقه زكرياء يتآمر مع جماعة محيي الدين وريث في ضواحي بن زرقة. وقد داهمت أجهزة الأمن أحد المقرات و اعتقلت بعض العناصر الذين أفادوا المخابرات بالمعلومات اللازمة لاعتقال زكرياء الذي دلهم بدوره على مكان الطيب ففاجأته قوات الأمن في مخبئه و قتلت حارسه البشير واعتقلته حيا ليعدم بعد محاكمة عسكرية لاحقا. أما بقية المتهمين فقد أعدم بعضهم رسميا مع الطيب الأفغاني وقتل اثنان منهم في سجن البرواقية في نوفمبر 1994 كما قتل آخرون في ظروف مشبوهة خلال محاولة الفرار من سجن تازوت في باتنة في نفس العام.
وقد تم تصوير وتوثيق هذه العملية من طرف جهاز الاعلام والاتصال للجيش بكل تفاصيلها بدءا من مرحلة التحضير إلى مراسيم دفن شهداء الواجب الزائفة.
الآثار المترتبة على الأحداث
بالرغم من الدخول المتأخر للجيش فقد تمكن بدون عناء من قتل خمسة وستين (65) مراهقا جزائريا وأحراق جثثهم بعد قتلهم واعتقال عشرات المواطنين المخلصين من مناضلي الجبهة الإسلامية للإنقاذ والمتعاطفين معها وعلى رأسهم الشيخ المجاهد عمر الأزعر والتشهير بهم زورا، كما استبيحت المنطقة لمدة أسبوع كامل اعتدى خلاله الجنود على الحرمات كلها وداسوا كرامة الشرفاء من أبناء منطقة الوادي. و قد استفاد رجال المباحث من محاضر الاستنطاق أن الحركة الإسلامية الجزائرية المسلحة تعد للمواجهة خارج الإطار المرسوم لها فأطلقت حملة مطاردة لقيادتها ممثلة في عبد القادر شبوطي و أصحابه الذين كانوا إلى هذا التاريخ معفيين من الملاحقة.
أما أخطر آثار هذه العملية على المشروع الإسلامي في نظري فهو ما طرأ من تحول على موقف رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ عبد القادر حشاني من السعيد مخلوفي حيث ظن الأول أن الثاني هو المسؤول عن أحداث قمار وأقنعه بعض المحيطين به أن السعيد عميل للمخابرات ومتعاون مع جبهة التحرير الوطني فاتخذ منه موقفا معاديا وأصدر تعليمات بقطع الاتصال معه فاضطربت مواقف الملتفين حول السعيد من مناضلي الجبهة الإسلامية في الولاء له و أصبحوا ضحية لإرجاف المتربصين بالجبهة والحركة معا وخاصة دعاة الهجرة والتكفير ونظرائهم الجزائريين الأفغان الذين اغتنموا الفرصة لعزل السعيد مخلوفي وأخذ المبادرة في توجيه الأحداث وفق ما يخدم معتقداتهم البدعية و طموحاتهم الواهمة.
أما بالنسبة للسلطة فقد بالغ وزير الدفاع اللواء نزار خالد الضابط السابق في الجيش الفرنسي بدافع من الحقد الدفين على رجال الثورة في التشهير بالمجاهد البطل وضابط جيش التحرير الشيخ عمر الأزعر واتهمه بالمسؤولية على ما حدث رغم اعتقاله من طرف الشرطة قبل العملية مما دفع الرأي العام إلى الاعتقاد بأن عملية قمار ذريعة افتعلها النظام المحسوب على فرنسا لتصفية حسابات سياسية مع الجبهة الإسلامية والبقية الباقية من أبناء الجزائر الأوفياء لمبادئ ثورة التحرير على غرار ما حصل في شهر جوان 1991 بالمجاهد الدكتور عباسي مدني رئيس الجبهة ونائبه علي بن حاج. كما كانت الهمجية التي تعامل بها الجيش مع الأحياء والأموات من سكان الوادي عاملا أساسيا في نسبة العملية إلى جهاز المخابرات. بل إن شعورا عارما بالاستياء انتاب عناصر القوات الخاصة عندما أعلنت القيادة العسكرية عن مقتل ستة ضباط صف على أيدي جماعة قمار تم تشييع جنازاتهم بمراسيم حضرها رئيس الحكومة والقيادات العليا للجيش وبثتها قناة التلفزيون. في حين أن المعروف لدى رفقائهم أنهم قتلوا بنيران زملائهم نتيجة تهور قيادتهم الميدانية.
حتمية الصدام
سبقت أحداث قمار موعد إعلان الجبهة عن مشاركتها في الانتخابات وانقلب السحر فيها على السحرة بعد أن غلب الظن عند الرأي العام على تورط السلطة الحاكمة في تدبيرها. فلجأت القيادة العسكرية إلى آخر بديل عندها والمتمثل في تنصيب المجلس الأعلى للدولة بالقوة ولكن في هدوء تام. وقد كان هذا البديل يتطلب اتخاذ إجراءات عديدة تفرغ لها جهاز المخابرات بكل مصالحه في الوقت الذي فتح فيه المجال للرئيس الشاذلي واسعا لتنشيط الحملة الانتخابية مع المتنافسين السياسيين وإجرائها في أحسن الظروف التي تستنفذ كل تفكيرهم وطاقاتهم المادية وتعزز ثقتهم في جدية النظام و نزاهته وحياد مؤسساته.
أما القيادة العسكرية وجهاز مخابراتها فقد عكفت منذ إعلان الجبهة عن مشاركتها في الانتخابات على اتخاذ الإجراءات التالية:
1 ـ التمهيد لعملية تنصيب المجلس الأعلى للدولة سياسيا بتوظيف التيارات المعارضة لمشروع الجبهة و برمجة الحملة الإعلامية لذلك.
2 ـ تحضير السيناريو الكامل لاستقالة الرئيس الشاذلي بن جديد المفترضة سلميا ابتداء من مشهد التهديد إلى اللقطات التلفزيونية الأخيرة.
3 ـ ترتيب سيناريو بديل عن الاستقالة يتمثل في تفجير إقامة الرئيس من طرف عنصرين إسلاميين مشبوهين تابعين للحرس الجمهوري سابقا بمشاركة طالب جامعي من الونزة اسمه مشري ابراهيم.
4 ـ ترتيب الإنتقال من حالة الطوارئ إلى الحالة الإستثنائية وما يقتضيه من توزيع السلطات
5 ـ تحضير سيناريو استقدام الرئيس الجديد محمد بوضياف وما يتطلبه الحدث من تعبئة داخلية و خارجية.
6 ـ وضع خطة دقيقة لحملة اعتقالات تستهدف العناصر النشطة من إطارات الجبهة و مناضليها وخطة محكمة لمراقبة أنصار المشروع الإسلامي داخل مؤسسات الدولة خاصة الأمنية منها بما فيها الجيش واعتقالهم عند الاقتضاء.
جرت الانتخابات في جو من الشفافية لم يسبق له مثيل واعترفت أجهزة الدولة كلها بنتائجها وأظهرت السلطات انطباع الرضى والرغبة في استكمال العملية الانتخابية في نفس الظروف… كل ذلك النفاق لم يكن سوى توفير مزيد من الوقت للعاملين خلف الستار لإنضاج طبختهم المبيتة على نار هادئة. وهكذا في الوقت الذي انتهت فيه الحملة الانتخابية الخاصة بالدور الثاني وتهيأ الناس للإدلاء بأصواتهم للحسم في إرادة الأمة السياسية وإنهاء الأزمة الرئيسية التي تسببت في الانهيار العام للبلاد طلع على الشعب الجزائري رئيسه الذي آثر السلامة وذل الخضوع للإرادة الشريرة لنزار خالد ومن تواطأ معه، على الموت شهيدا في سبيل الوفاء لتعهداته أمام أمة مجاهدة أحسنت الظن فيه ليعلن صاغرا عن استقالته وتنصله من مسؤولياته الخطيرة مبررا ذلك بما لا قيمة له أمام ما يترتب عن الاستقالة في ذلك الظرف الحساس من المفاسد العظيمة.
إن الشاذلي بن جديد محسوب على التيار الوطني المحافظ الذي وإن كان يبغض رموز الصحوة الإسلامية الحديثة كأشخاص فأنه لا يحمل عداوة تقليدية للإسلام والمسلمين عامة بل إنه من التيار الذي يمثل عمقا اجتماعيا طبيعيا لأي مشروع سياسي إسلامي. ولكن الشاذلي شأنه مع التيار الوطني كشأن الفقيه ومراني مع الجبهة الإسلامية؛ فهما ردا المبادرة للاستئصاليين في السلطة على حساب الجبهة بخرجتهما المتلفزة والشاذلي رد المبادرة للتيار الفرنكوشيوعي في السلطة على حساب التيار الوطني بإعلانه الاستقالة لا سيما و أنه كان يملك السلطة القانونية التي تخول له عزل نزار خالد و المتآمرين معه وتعيين غيرهم من الجنرالات الوطنيين العاملين أو المتقاعدين. وكم كنت أود أن الشاذلي لم يخضع للمتآمرين واضطرهم إلى اغتياله وعندئذ فإن نزار خالد وبطانته لن يتمكنوا من التحكم في القوات المسلحة ويسخروها لقهر الشعب تحت غطاء دستوري زائف ويحاكموا المعترضين على تهورهم بتهمة المساس بأمن الدولة.
وبعد خلع الرئيس واستباحة حرمة الدولة الجزائرية من طرف شرذمة من الضباط السامين السفهاء، أصبحت مقتنعا بأن من واجب كل جزائري عاقل حر ومخلص أن يتصدى لهذا الاستعمار المقنع بكل ما يستطيع من قوة وحكمة. وأنا لا أتحفظ في القول بأن الرئيس الشاذلي بن جديد لم يستقل وإنما أرغم على الاستقالة تحت التهديد وبعد تعرضه للإهانة، لأنني استقبلت في مكتبي عنصرين من حرسه الشخصي كانا مدربين سابقين لدى مديرية التكوين البدني العسكري والرياضي التابعة للكلية العسكرية لمختلف الأسلحة بشرشال أذكر اسم واحد منهما هو محمد الاخنش الذي كان الحارس الشخصي لبوضياف أيضا أثناء عودته من المغرب. وكان الاخنش يلبس بدلة رياضية فاخرة لفتت انتباه نائبي الملازم الأول بن بوزيد الذي كان مدربا سابقا معه فسأله: من أين لك هذا اللباس الرياضي يا صاحبي؟ فأجابه الاخنش: إنه نصيبي من تركة ذلك الرخيص الذي طالما امتهن كرامتنا، ودارت الأيام عليه فشفينا غليلنا فيه. لقد أخرجناه من غرفته بلباس النوم كالكلب و تقاسمنا ملابسه الداخلية. كان هذا يومين قبل إعلان الاستقالة و لذلك كنت أرجو أن يتخذ الأخ عبد القادر حشاني موقفا حازما ضد إقالة الشاذلي وحاولت أن أشجعه على أخذ المبادرة قبل فوات الأوان لحماية الدولة الجزائرية وليس حزب الجبهة الاسلامية فأرسلت إليه الأخ (م.ب) ليخبره بأن بعض العسكريين مستعدون للقضاء على العناصر الانقلابية في القيادة العسكرية إذا كان مستعدا لتحمل المسؤولية في تسيير الأزمة وإعادة الوضع إلى طبيعته. و لكنه أحجم عن ذلك وبقي مترددا إلى أن اعتقل.
التنازع و الفشل
كانت مجموعات من الضباط وضباط الصف والرتباء الملتزمين موزعة داخل المؤسسة العسكرية على المراكز العصبية حيث كانت عناصر القوات الخاصة منها مبثوثة في أطقم الحراسة القريبة والشخصية للقيادات العسكرية العليا ومؤسسات الدولة وهيئاتها الإستراتيجية وكان بإمكان هذه المجموعات تحقيق الشلل الإستراتيجي الكامل للنظام والإطاحة بسلطته خلال بضع ساعات وذلك بالقضاء على القيادة العليا للجيش. فقد كان طقم الحراسة الشخصية لوزير الدفاع وطقم التشريفات لقائد الأركان وطقم التشريفات لقيادة القوات البرية وطقم الحراسة لدى رئاسة الحكومة والكتيبة المكلفة بأمن الإذاعة والتلفزيون وأطقم الحراسة على مستوى القيادات الجهوية وكثير من قادة الوحدات الفرعية مستعدين لتنفيذ أي عمل أطلبه منهم لتجنب الدخول في مواجهة مع الشعب. ولكن حجم هذه القوات لم يكن في تقديري يضمن التحكم في الوضع بعد العملية. ولذلك فقد كانت المبادرة من طرفي إلى هذه الخطوة الخطيرة متوقفة على استعداد طرف سياسي قوي من أنصار المشروع الإسلامي أو الوطني قادر على تحمل المسؤولية في تسيير الأزمة وتأمين استقرار الوضع بعد الإطاحة بالسلطة العسكرية القائمة من جهة، وتجنيد عدد محدد من المواطنين الأصليين في بعض المناطق الحساسة من العاصمة وضواحيها للمساعدة على التحكم في الموقف الأمني بسرعة وبأقل خسائر ممكنة. وقد كنت مستعدا للتعاون الإيجابي مع أي قيادة سياسية لإنقاذ الجزائر من الهاوية التي كانت تتجه إليها وتمنيت أن يكون السعيد مخلوفي وعبد القادر شبوطي قادرين بالتعاون مع قيادات سياسية أخرى على تأمين الحد الأدنى من متطلبات النجاح في هذه العملية ولكنهما فشلا في تحقيق ذلك. فبعد عزل الرئيس وإلغاء المسار الانتخابي وحل البرلمان واعتقال الشيخ عبد القادر حشاني كان من المفترض أن يكون يوم 09 فيفري 1992 آخر مناسبة للاحتجاج يدعو إليه عبد الرزاق رجام الناطق الرسمي باسم الجبهة ويتم التعاون فيه مع السعيد مخلوفي ومن انضم إليهم من القوى السياسية للضغط على الانقلابيين. ولكن تم تأجيل الموعد مرة بعد مرة إلى أن اقتحمت قوات الأمن المنزل الذي كان السعيد مخلوفي يجري فيه لقاءاته في منطقة أولاد إيعيش يوم 28 فيفري1992 وألقت القبض على النائب الأول للملياني المدعو حسان كعوان الذي وجد فيه بالصدفة واعتقلت صاحبة البيت. وقبل أن أتمكن من التحقق مما حدث كانت فرق من جهاز الأمن الرئاسي تحاصر الأكاديمية العسكرية لمختلف الأسلحة بشرشال و ضواحيها لتعتقلني وتنقلني إلى المكان المجهول المسمى مركز استنطاق الإسلاميين ببن عكنون.
بعد اعتقالي وعلى مدى سنوات، نصبت محكمة لنفسي وتتبعت القضية ومشطتها تمشيطا دقيقا لتحديد المسؤوليات في هذه التجربة المريرة وهيأ الله لي أن ألتقي بكثير من العناصر الفاعلة في الأحداث قبل الاعتقال و بعده.
ولم أكن في حاجة لمراجعة ملف النظام الجزائري وموقفي منه لأنه استنفذ مني ما يقرب من خمسة عشرة عاما لم يدخر فيها العسكريون ( ممن عرفتهم أو سمعت عنهم ) جهدا للإصلاح والنصح والإخلاص حسب ما تيسر لكل منهم حتى استيقنت من أن شفاء الجزائر الوحيد والأوحد هو التخلص من هذا النظام بأي طريقة، لأنه لم يكن يعيقها عن الحياة الطبيعية فحسب بل كان يقتات على حساب وجودها المادي والمعنوي و الأدبي؛ والشعب الجزائري في ظل هذا النظام سائر إلى التخلف والزوال بخطى حثيثة. ولذلك فإن موقفي لم يكن تمردا عارضا على القيادة العسكرية أو خيانة لها كما يتهيأ لبعض الناس، بل إنه امتداد طبيعي لموقف مؤسس ومخلص تعرفه القيادة العسكرية المتغطرسة نفسها كما يعرفه معظم ضباط وجنود الجيش الوطني الشعبي. فقد كنت أعلن على الملأ ومنذ إرهاصات الأزمة الأولى أن أي محاولة للانحياز إلى هذا الطرف السياسي أو ذاك خارج إطار الشرعية الدستورية سيفقد القيادة العسكرية شرعيتها بموجب القانون ويعطي الحق لكل عسكري شريف أن يجتهد في الوفاء لتعهداته التي أقسم عليها يوم توليه مسؤولياته والمتمثلة في خدمة الوطن وتخليد أمجاد الشهداء واحترام القوانين و النظم. ولم يكن هذا الموقف بدافع من الانتصار لحزب بعينه بل كان حرصا على تمكين الشعب الجزائري من تحقيق التحول الجاري في نظام الحكم بالطرق السياسية السلمية التي تبناها الرئيس الشاذلي بن جديد بعد ماساة اكتوبر 1988. وقد كان على العدالة العسكرية أن تحاكم الضباط السامين الذين اعتدوا على القائد الأعلى للقوات المسلحة وعلى رئيس الجمهورية الجزائرية الذي يمثل رمز السيادة الوطنية و صمام الأمن والاستقرار بدلا من مقاضاة الضباط المرؤوسين الرافضين للغدروالاستبداد والظلم والفساد. وقد سألني قائد أركان الجيش اللواء قنايزية عبد المالك عن سبب تدخلي في الأمور التي يعتبرها هو من اختصاص القيادة العليا وحدها فأجبته بكل وضوح: لقد أمرتم الجيش بقمع الشعب في أكتوبر1988 كما كررتم ذلك في جوان 1991 وكنا نعلم أنكم مخطئين و لكن دستورية الإجراءات وقانونية التعليمات العسكرية ألزمانا بالاجتهاد في تنفيذ الأوامر بأقل الأضرار، أما اليوم فقد دستم على الدستور والقانون معا فبأي شرعية تطالبون المرؤوسين من الضباط و الجنود بالتورط معكم في هذه المغامرة؟…. ومع ذلك أكدت له بكل جدية بأننا سنبقى مستعدين للخدمة العسكرية تحت قيادتكم بكل صدق و إخلاص في هذا الظرف الصعب الذي تمر به بلادنا إذا تداركتم الموقف وقدمتم المصلحة الوطنية العليا على الطموحات الشخصية. وسوف أعود إلى اللقاءات التي جمعتني بالقيادة العليا سنة 1992 في حينها إن شاء الله ليتأكد لكل ذي عقل أن الإرادة الشريرة للدوائر النافذة في تلك القيادة لم تكن تستهدف الحزب السياسي للجبهة الإسلامية كتنظيم بل كانت تستهدف القضاء على الهوية الوطنية الجزائرية التي استعصت على جحافل الغزو الفكري والثقافي والعسكري للدولة الفرنسية النازية.
لقد وصلت بعد مراجعة متأنية وتحقيق في الملابسات التي صاحبت ظهور الحركة الاسلامية المسلحة في الجزائر إلى حقائق أجملها فيما يلي:
لقد اعتمد السعيد مخلوفي ونائبه عبد القادر شبوطي على مجموعات من مناضلي الجبهة ومجموعات أخرى جندها منصوري الملياني وبعة عز الدين وغيرهم كانت لها طموحات مختلفة عن أهداف السعيد، و كان من المفترض أن تقوم هذه المجموعات بالمساعدة في ضبط النظام أثناء المظاهرات والتدخل بِشعارات خاصة لتفادي الصدام بين المحتجين والعسكريين عند اللزوم. كان هذا بمناسبة إضراب الجبهة في ماي 1991. و لكن الموقف في تلك المناسبة لم يتطلب تدخل هذه المجموعات. وقد فر كثير من مناضلي الجبهة تجنبا للاعتقال بعد الاضراب والتحقوا بالسعيد مخلوفي الذي شكل منهم مجموعات غير مسلحة ولكنهم عادوا إلى العمل السياسي بعد الإفراج عن المعتقلين والسماح للجبهة بخوض الانتخابات.

أما عناصر الهجرة و التكفيرالمندسة في تلك المجموعات فقد استفزهم فوز الجبهة في الدور الأول من الانتخابات فشكلوا تحالفا مع نظرائهم من الجزائريين الأفغان و اتفقوا على التآمر على الجبهة على صعيدين:
الأول تمثل في المبادرة إلى القيام بعمليات عشوائية لفرض الأمر الواقع و اختلاق حالة الحرب قبل أوانها ومن هذه العمليات كمين نصبته مجموعة القصبة لدورية الشرطة في شارع بوزرينة ثم الإغارة التي قام بها حسين متاجر وجماعته على مخزن الأسلحة التابع لفرقة الدرك في بني مراد و أخيرا ذبح تسعة (9) جنود في إغارة على الأمرالية البحرية بالعاصمة بالتواطئ مع ثلاثة من ضباط الصف العاملين. وقد استطاعت أجهزة الأمن رغم تدخلها المتأخر استرجاع أغلب الأسلحة المسروقة (على غرار عملية قمار) وقتل عدد من المشاركين في هذه العمليات واعتقال أغلبهم مما ساعدها على كشف شبكة المجموعات المجندة من طرف السعيد مخلوفي ـ والتي لا علاقة لها بما جرى في تلك الفترة ـ وتفكيكها؛ وسأعود إلى تفصيل ذلك في ملحق خاص إن شاء الله.
أما الصعيد الثاني الذي تحرك عليه التحالف المذكور فقد تمثل في التآمر المباشر على السعيد مخلوفي لضرب مصداقيته لدى الشباب المجندين معه. فقد قام منصوري الملياني بإيعاز من المحيطين به من عناصر التكفير والهجرة والأفغان بالإشراف على اجتماعات سرية للطعن في عدالة السعيد مخلوفي والتشكيك في علاقته بضباط الجيش و ضعف التزامه بالمنهج السلفي و تحفظه في التكفير واتفقوا على مبايعة الملياني كأمير لجماعتهم وطلبوا من السعيد وشبوطي وبعة عز الدين الانضمام إليهم فرفضوا. وقد اعتمدوا في ترويج أباطيلهم على شباب أغرار من التيار السلفي وطلبة العلم الشرعي الطموحين أمثال عبد الناصر علمي وأخيه عمر واستغلوا موقف عبد القادر حشاني من السعيد بعد أحداث قمار، فاضطربت مواقف الشباب الذين سبق للسعيد تجنيدهم وتراجع أغلبهم عن التعاون معه. وقد حاول السعيد أن يستعيض عنهم بتوثيق التعاون مع قاسم تاجوري وعبد الرزاق رجام وحسين عبد الرحيم ولكنهم خذلوه أيضا فبقي يراوح مكانه في الوقت الذي كانت أجهزة الأمن جادة في اعتقال الشباب الذين سبق له تجنيدهم.
وفي الوقت الذي كانت إحدى خلايا تحالف الملياني مجتمعة في بلدية بن زرقة (حراقة) بتاريخ 6 فيفري 1992 داهمتها فرق من قوات الأمن وألقت القبض على بعض الحاضرين وكان من بينهم نور الدين (أمين سر الأمير محي الدين وريث) الذي أفاد مستنطقيه بكل واردة و شاردة عن جماعته وعلاقاتها وخاصة ما تعلق بالاجتماع الأخير.
لقد التقى في هذا الاجتماع رؤساء خلايا الهجرة والتكفير العاملة في شرق العاصمة تحت إمارة محيي الدين وريث (واسمه الحقيقي محمد وارث) وكان معهم من العسكريين ضابطا صف هما مولاي علي ومحمد قنوني كما حضر الاجتماع حسن حطاب ونائب الطيب الأفغاني المدعو زكريا. وقد تناول جدول الأعمال التخطيط لأخذ المبادرة من السعيد مخلوفي حيث سيتم تنفيذ عمليات بالتعاون مع ضباط الصف الذين سبق لحسن حطاب الاتصال بهم سنة 1989 و بدون علم السعيد ولا غيره من الضباط باعتبارهم طواغيت سابقين غير مؤتمنين على إدارة شؤون الدولة الاسلامية المزعومة. وقد قال محيي الدين وريث للرقيب الأول مولاي علي: ما الفائدة من جهادكم إذا كنتم ستبقون مرؤوسين في ظل الدولة الإسلامية لنفس القيادة التي تحكمكم في دولة الطاغوت؟ فقال له مولاي: لقد استشرت النقيب شوشان في المبادرة إلى استعمال السلاح فقال لي: إذا بادر أي واحد منكم إلى استعمال السلاح خارج إطار التعليمات العسكرية فسأطارده بنفسي ومن كان ضامنا لمكانه في الجنة اختصرت له الطريق إليها بطلقة في الرأس. (هذا ما صرح به المرشح خليل عبد القادر في محضر استنطاقه واعتبره سفهاء المخابرات حجة لإثبات إمارتي لجيش إسلامي داخل الجيش الوطني الشعبي).
ومن المعلومات التي أفاد بها نور الدين أجهزة المخابرات إسم الشاب طاجين ناصر الطالب الضابط في المدرسة العليا للمهندسين ببرج البحري والذي كان أول من اعتقل من العسكريين. وقد احتاط الأمن العسكري جيدا إذ نظم أمرا بمهمة لهذا الطالب خارج المدرسة ثم اختطفه واستنطقه دون أن يشعر به أصحابه. ثم قاموا بتتبع هادئ وذكي لجميع عناصر الخلية التي كانت تنشط في مدرسة المهندسين بالتعاون مع محمد وارث ـ ولم أكن أعلم أنا شخصيا عن هذه الخلية شيئا قبل اعتقالي ـ. لكن طاجين ناصر وعبد القادر خليل كانا على علاقة مع الرقباء الأوائل مولاي علي ومحمد قنوني وسوالمية محمد الأمين مما سهل على المخابرات وضع خطة محكمة ألقي القبض فيها على أكثر من سبعين ضابط و ضابط صف دفعة واحدة أغلبهم من القوات الخاصة تم الإفراج عن بعضهم فيما بقي أكثر من ستين رهن الاستنطاق لمدة أسابيع.
أما على المستوى المدني فبعد إلقاء القبض على نور الدين تمكنت أجهزة الأمن من تحديد الهوية التي تنكر فيها المدعو زكريا من جماعة قمار وجدّت في مطاردته إلى أن اعتقلته في مطار غارداية واستفادت من استنطاقه المأوى الذي يختبئ فيه الطيب الأفغاني في بلدية قمار بمنطقة الوادي ونظام حراسته مما سهل عليها الإغارة عليه واعتقاله بعد اغتيال حارسه المدعو بشير. كما استفادت من استنطاق نور الدين معلومات هامة مكنتها من تفكيك المجموعات الموالية للسعيد بالغرب الجزائري واعتقال المسؤول عنها المدعو النيل محمد ومعرفة االمكان الذي تتم فيه اللقاءات فاقتحمته يوم 28 فبراير1992 بأولاد يعيش واعتقلت فيه النائب الأول للملياني المدعو حسن كعوان الذي كشف تحت التعذيب عن مشاريع الملياني و طموحاته و علاقته بالسعيد ومن معه.
وعندما التقيت بالسعيد مخلوفي يوم 29 فيفري1992 كان محبطا جدا واقترح علي الفرار من الجيش تفاديا للاعتقال الجزافي الذي يستهدف الإسلاميين من طرف المخابرات وتشكيل معارضة مسلحة بالتعاون مع من أثق فيهم من ضباط الجيش على أن يهيأ لأهلي خروجا آمنا من الجزائر. لقد كانت تلك الكلمات آخر ما سمعته من الأخوين السعيد وعبد القادر وكانت ليلة الفاتح من مارس1992 في بيت على سفوح جبال الشريعة المطلة على العاشور أحسست من خلالها بخيبة أملهما أمام تطورات الأحداث رغم وفائهما وإخلاصهما فكان جوابي لهما صريحا وواضحا وما زلت أذكره. لقد قلت: لقد التقينا من أجل تجنيب شريحة واسعة من شعبنا إبادة جماعية وقد تمكنا إلى حد الآن من تعطيلها وأنا لن أفقد الأمل في تحقيق ذلك. أما إذا فرضت علي هذه الحرب القذرة فإنني أفضل أن أكون فيها عبد الله المقتول لا عبد الله القاتل.
و في يوم 2 مارس 1992 أرسلت الرقيب الأول علي شارف في إجازة لتفقد باقي العسكريين في مختلف الوحدات القتالية لإطلاعهم على تطورات الأحداث تجنبا لوقوعهم في المحظور. وأثناء خروجه من الأكاديمية العسكرية لمختلف الأسلحة بشرشال تم اختطافه من طرف الأمن العسكري في إطار الخطة المعتمدة بناء على استنطاق سوالمية وطاجين ناصر. وباستنطاق الرقيب الأول شارف علي وصلت تحريات المخابرات إلى النقيب أحمد شوشان يوم الثلاتاء 3 مارس 1992 ووضعت النقيب بن زمرلي احمد والملازم الأول زلة نعمان والنقيب حلفاوي محمد وضباطا آخرين من المحافظين تحت المراقبة وبعد استنطاقهم تأكدت القيادة العسكرية أن غالبية الضباط المرؤوسين يتقاسمون نفس القناعات وأن الاعتقال على هذا الأساس سيحدث أزمة داخل المؤسسة العسكرية فقررت توقيف الاعتقالات وحصر التحقيق والاستنطاق في أنصار المشروع الإسلامي المعروفين وإطلاق سراح الباقين فاستقر الأمر على تسعين عسكري أغلبهم ضباط صف و منهم 24 ضابطا بين ملازم ونقيب.
وبعد اعتقال أنصار المشروع الإسلامي داخل الجيش وجد السعيد نفسه أمام الأمر الواقع، وكان الملياني أوفر عناصر الحركة الاسلامية المسلحة حظا، لأن أعوانه نجحوا في تضليل الشباب المتطوع لحمل السلاح و أوهموهم بأن الملياني يمثل الجناح السلفي في قيادة الحركة وأنه الرجل الميداني المناسب لقيادة الجهاد فاجتمع حوله خليط من عناصر الهجرة والتكفير والمنتسبين للأفغان ولفيف من الراتعين في مراعي الانحراف الخلقي والمغرورين من أبناء التيار الاسلامي. لكنه لم يلبث أن وقع في شباك الأمن واعتقل هو و حوالي 400 من أتباعه ليقوم عناصر الهجرة والتكفير بعده بتشكيل جماعاتهم الاسلامية المسلحة والتي كانت أهمها جماعة محمد علال المدعو “ليفيي” التي انتهت إمارتها إلى عبد الحق لعيايدة وأعلنت رسميا عن شعار الجماعة الإسلامية المسلحة سنة 1993 ثم استقطبت باقي الجماعات لاحقا.
أما السعيد فقد تنازل عن إمارة الحركة الاسلامية المسلحة لعبد القادر شبوطي واكتفى هو بقيادة مجموعاته المسلحة المنتشرة في منطقة مفتاح وخميس الخشنة وبومرداس و تيزي وزو والتي تنشط تحت شعار حركة الدولة الإسلامية ثم انتقل بعدها إلى منطقة بشار. أما عبد القادر شبوطي فقد بقي وفيا لمبادئه ورفض الانضمام لإمارة الملياني لعلمه أنه غير مؤهل لمثل تلك المسؤولية من جهة ولأن بطانته المحيطة به حديثة عهد بالالتزام ولا حظ لها من التربية والعلم والشرعي زيادة على ما هي عليه من شبهة التكفير والهجرة. وقد بقي مرابطا إلى أن توفاه الله بين مجموعة من الجزائريين الشرفاء صيف سنة 1994. أما عز الدين بعة فقد قتلته الجماعة الإسلامية المسلحة التي اغتالت بعد ذلك السعيد مخلوفي ونخبة من خيرة أبناء الحركة الاسلامية بتواطئ مفضوح مع دوائر أمنية مما جعل قواعد المقاتلين تتمرد على قياداتها المشبوهة ويقوم بعضها بقتل جمال زيتوني لتنقسم هذه الجماعة إلى كيانات مستقلة يقاتل بعضها بعضا. ومن المجموعات الجديدة التي ظهرت في هذه المرحلة من تاريخ الازمة:
1 ـ جماعة الموحدين التي تحولت الى الجماعة السلفية للدعوة و القتال بقيادة حسن حطاب
2 ـ رابطة الدعوة والجهاد ـ بقيادة سيد علي بلحجر
3 ـ كتيبة الأهوال ـ بقيادة عبد الرحيم
4 ـ الجماعة الاسلامية المسلحة في الشرق بقيادة عبد الرشيد
5 ـ حركة الباقين على العهد ـ بقيادة عبد الرحمان ابي جميل
6 ـ الجماعة الاسلامية ـ بقيادة عنتر زوابري
7 ـ جماعة حماة الدعوة السلفية ـ بقيادة رابح قطاف
8 ـ جماعات أخرى نسبت إلى قيادتها الميدانية المحلية في الجنوب و الغرب خاصة.
ـــــــ
الحلقة الرابعة ستنشر بحول الله يوم السبت 12 يناير 2008

———-

الأزمة الجزائرية
شاهد من قلب الأحداث
بقلم : النقيب أحمد شوشان | صوت الجزائر | السبت 12 يناير 2008
الفصل الأول
الجزء الرابع
الإعتقال
كانت الساعة تشير الى الخامسة بعد الظهر من يوم 3 مارس 1992، خرجت من مسجد الأكاديمية العسكرية لمختلف الأسلحة بشرشال بعد أن صليت العصر و توجهت إلى مكتب الرائد عبد الحميد مسؤول أمن الجيش الملحق بالأكاديمية والذي كان بيني وبينه موعد سابق في إطار المتابعة العادية لملفات المرؤوسين.
دخلت المكتب فوجدت معه مجموعة من الضباط بالزي المدني والذين كان بعضهم يراقب تحركاتي منذ أن كنت خارج المبنى. بادرني الرائد عبد الحميد قائلا على غير عادته: حضرة النقيب القيادة العليا في العاصمة تطلبك وقد بعثوا فرقة من ضباط الأمن الرئاسي ليرافقوك. قلت : خيرا إن شاء الله. فقال لا أحد يعرف، حتى قائد الأكاديمية العميد غدايدية لم يتمكن من معرفة السبب. قلت إذن أذهب إلى البيت لأغير ثيابي (كان ذلك خارج وقت العمل الرسمي)… وهنا تدخل رئيس فريق الأمن الرئاسي العقيد عبد الله قائلا: لا حاجة إلى ذلك فالوقت داهمنا وقد تم إخلاء ساحات الأكاديمية تماما ويجب أن تصحبنا بهدوء لا نريد لفت انتباه أحد. في نفس الوقت تقدم نحوي ضابطين في يد كل منهما مسدس في وضعية قتال فيما اقترب الثالث ليضع القيد في يدي اليمنى ويشده إلى يده اليسرى. خرجت معهم من المكتب لنجد ثلاث سيارات مدنية من نوع (جيتا) توقفت الوسطى أمام عتبة المكتب لنندفع فيها ووجدت نفسي بين الضابطين مشدود اليدين إليهما فيما وجه الثالث سلاحه صوبي من المقعد الأمامي. إنطلقت بنا السيارات الثلاث بسرعة جنونية عبر الطريق الساحلي الرابط بين شرشال والعاصمة. وكانت مجموعات الإسناد وتأمين المسير منتشرة عبر الطريق، كلما مررنا بإحداها بلغت عن سير المهمة. وقد كنت معصوب العينين ولكنني كنت اسمع جميع التقارير الشفوية لأن شبكة الاتصال كانت على نظام الدارة المفتوحة. فبعد أن قطعنا مسافة قصيرة على الطريق السريع انعطفنا إلى بلدية مفتاح حيث تم تغيير الفريق المرافق ونقلت إلى عربة شحن مدرعة (صندوق فولاذي) لتنتهي بي الرحلة بعد أقل من ساعة إلى مركز استنطاق الإسلاميين ببن عكنون حيث اكتشفت حقيقة السلطة الفعلية في الجزائر وتعرفت على طبيعة عناصرها وحاورتهم وجها لوجه بدون وساطات ولا أقنعة واتخذت منهم موقفا مبدئيا. إنهم ليسوا تنظيما إرهابيا بالمعنى السياسي فقط وإنما هم عصابة من نوع المافيا بالمعنى التام للكلمة، وهذا ما قلته لهم بالحرف الواحد عندما كنت بين مخالبهم.
مركز استنطاق الإسلاميين
لن أتعرض إلى تفاصيل هذا المركز وإنما أكتفي بما لا بد منه لتوثيق الانزلاق الذي تهاوت فيه الجزائر بعد تفكيك مؤسسات الدولة الشرعية.
إن هذا المركز مؤسسة رسمية أنشئت بعد إعلان الجبهة عن مشاركتها في الانتخابات التشريعية في ديسمبر 1991على أنقاض ما كان يسمى المركز العسكري للمباحث والتحقيق وهو إحدى ملحقات المديرية العامة للوقاية والأمن. و قد تم تعيين العقيد ناصر على رأس هذه المؤسسة منذ نشأتها. وهو ضابط لا قيمة للشرف ولا للدين ولا للوطنية عنده إلى درجة جعلتني أعلن في جلسة محاكمتي العسكرية وبدون تحفظ بأنه يستحق الإعدام لأنه يشكل خطرا على أبسط معاني الإنسانية. وقد أراح الله الأرض منه مبكرا في شهر أفريل 1992 ليحل محله مؤخرا العقيد عثمان أو أيوب و هو الاسم الحركي للعقيد بشير طرطاق. أما العاملون في هذا المركز فيصنفون كالآتي:
1 ـ كتائب التدخل السريع التي تسمى سرايا الموت
وهي عبارة عن مفرزات خاصة تلحق بمجموعات التدخل السريع للقيام بعمليات الاقتحام والاختطاف وعمليات تطعيم الحرب. ويعتمد أساسا في تشكيل هذه القوات على مجندين من عناصر القوات الخاصة بدأ تحويلهم إلى صفوف الأمن منذ سنة 1990 وكانت أول عملية نفذوها هي اختطاف الشيخ عباسي مدني بعد اقتحام المقر الرئيسي لحزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ في جوان1991. وهم المسؤولون على اشتباكات عديدة مع مصالح أمنية أخرى منسوبة إلى الجماعات المسلحة كما أن حضورهم في بعض مجازر السجون في باتنة وسركاجي والبرواقية غير مستبعد ولا أعتقد أن أحدا غيرهم قادر على تنفيذ المذابح المبرمجة بالكفاءة العالية التي حصلت في ضواحي العاصمة. واستعمالهم اللثام أثناء تنفيذهم للمهام القذرة لن يمنع من تحديد هوياتهم ما دام بعض ضباطهم معروفين بحكم انتمائهم للقوات الخاصة سابقا.
2 ـ فرق المباحث والاستنطاق
و هي عبارة عن مجموعات من الضباط الأحداث المؤطرين بالقدامى من إطارات أمن الدولة المنحل متخصصة في التعذيب والاستنطاق. ويتم تكوين هؤلاء الضباط في أكاديميات ذات تاريخ عريق في الأمن على مدى خمس سنوات بعد الثانوية العامة ليتخرجوا مهندسين تطبيقيين في فنون التعذيب والاستنطاق وتحرير المحاضر المدينة لضحاياهم بتهم يحار فيها القضاة (هكذا قدم لي الرائد بن جرو الذيب جاب الله نقيبا مهندسا في التعذيب منهم).
3 ـ خلية الأركان
أما خلية أركان المركز فمكونة من ضباط من مختلف الأسلحة تابعين لمديرية أمن الجيش مؤهلين في التخطيط والمتابعة لعمليات القمع وتفريق الجماهير والمطاردة و قد تلقى أغلبهم دورات تدريبية خاصة في إيطاليا ويوغسلافيا والولايات المتحدة الأمريكية. ويزود مقر الخلية بمنظومة معتبرة للإعلام الآلي تتابع عليها ملفات الهيئات والأشخاص من رئيس الجمهورية إلى أحقر معني بالأمن في الجزائر. وعلى جدران المقر مخطط بياني دقيق لانتشار نقاط ومراكز المراقبة التابعة للمديرية العامة للوقاية والأمن بمنطقة الجزائر العاصمة و ضواحيها إلى البليدة .
ويعتبر هذا المركز أعلى هيئة أمنية في الجزائر وأقدر سلطة على محاسبة الآخرين ومعاقبتهم بدون استثناء من رئيس الدولة إلى أبسط أفراد الشعب. وهي المؤسسة الوحيدة التي تستمد شرعيتها من نفسها ولا تحتاج لتبرير ما تفعل. بل إنها الفاعل المجهول الذي لا يترك أثرا ولا يمكن إثبات وجوده إلا من طرف من يعرف العاملين فيه بأعيانهم. ومع ذلك فإن المسؤول المشرف على هذا المركز يعترف بأن هناك دوائر أمنية تابعة للدرك والشرطة والجيش تملك هامشا للمبادرة فيما لا يتعارض مع إرادة هذه المؤسسة السيدة.
إن هذه السيادة هي التي شجعت المدير العام للمخابرات المتحالف مع نزار في ذلك الوقت على المجازفة باختطاف قيادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ وإرغام الشاذلي بن جديد على الاستقالة واعتقال اللواء بلوصيف واستقدام بوضياف وإقالة الفريق المختلط من العمداء الذي نفذوا الإنقلاب وتجريد اللواء العماري محمد من مهامه مداراة لبوضياف والسماح بتعيينه قائدا أعلى بعد مقتل بوضياف وتنصيب زروال والإذن له بمفاوضة عباسى مدني ثم إلغاء المفاوضات على لسان أويحي وإقالة زروال ثم أخيرا تنصيب بوتفليقة رئيسا وتكليفه بتنفيذ مشروع الوئام المدني والذي سيلغى إذا لم يساهم في تكريس سيادة المؤسسة التي لا تسأل عما تفعل.
إن هذا المركز ليس له عنوان رسمي ولا يتعرف على وجوه الزبانية العاملين فيه غير ضحاياهم الذين من المفترض أن لا يعرف مصيرهم أحد بعد دخول المركز. ولكن من طرائف تجربتي المريرة أنني أعرف بعض الضباط العاملين في هذا المركز معرفة جيدة قبل اعتقالي وأشرفت على تدريب بعضهم ومع ذلك فقد احتوى محضر استنطاقي على ثلاثة عشرة مادة للحكم بالاعدام من القانون الجنائي.
إن أخطر ما يتميز به العاملون في هذا المركز هو اقتناعهم الراسخ بأن ما يقومون به عمل غير شريف ومخالف للقانون ومضاد للمصلحة العليا للجزائر فضلا عن مخالفته للقيم الإنسانية. فهم لا يعذبون ضحاياهم من أجل استنطاقهم لجمع المعلومات وتحرير المحاضر فقط بل إنهم يجدون لذة في تعذيب ضحاياهم جسديا ومعنويا ونفسيا فيمكنك أن تتصور أي مشهد خسيس فيه إهانة للنفس البشرية وإهدار لكرامة الإنسان لتجد أبشع وأخس منه في هذا المركز. كما أن الضباط المشرفين على التسيير يفصحون عن حقيقتهم التي لا يجرأون على إظهارها خارج حصنهم. فالجزائر عندهم ليست سوى مصدر استرزاق. أما الولاء فهو لمن يدفع أكثر ولا يهمهم أن يكون من ولا ماذا يريد. فقد قال لي أحدهم بكل جدية على مسمع من الحاضرين أن مصير الجزائر لا يعنيهم والمهم عندهم أن يحافظوا على الامتيازات التي اكتسبوها وأنهم مستعدون من أجل ذلك أن ينفذوا أوامر فرنسا أو إسرائيل. كما أنهم لا يخفون حقدهم على أمجاد الجزائر وتاريخها فهم يسبون كل ما يمت لثورة التحرير بصلة سبا شنيعا لا يستثنون قيما ولا شهداء ولا مجاهدين بل يشتمون الشهداء الأبطال بالاسم إمعانا منهم في الحقد وإيمانا منهم بأنني أمثل الخلف الشرعي لأولئك الشهداء الأمجاد المتشبثون بالقيم. لقد كان ضحاياهم يستغيثون بالله وينطقون بالشهادة تحت التعذيب المميت فتبلغ بهم النشوة مداها وهم يصرخون “أعل هبل”. لقد كانت بيني وبينهم جولات حاولوا فيها استنطاقي فاستنطقتهم باستخفافي بالموت وسبرت غورهم بالتحدي وأنا أشهد جازما أن أولئك الزبانية في حالهم التي كانوا عليها كفار بالله وبالوطن وبالشعب وبالإنسانية وأن النظام الذي يقوم على مثل هؤلاء لا يمكن أن يكون سوى نظاما إرهابيا لا أمن فيه ولا أمان وأن أي محاولة لإصلاح الدولة في ظل وجود هؤلاء الشواذ خارج طائلة المساءلة والقانون تضييع للوقت وإهدار للجهد بدون طائل، وقد قلت لهم ذلك وأنا تحت رحمتهم وبصوت مرتفع جعل أحدهم (الرائد عبد القادر) يضربني بحقد شديد على عاتقي بهراوة ضخمة ضربة مازلت أشعر بألمها بعد ستة عشر عاما. إن هذا التشخيص مبني على ما سمعته بأذني ورأيته بعيني وعشته بنفسي في تلك الفترة الكالحة من الزمن وأنا أعرف المعنيين بأشخاصهم ولا أحمل لهم حقدا بل إنني أتمنى أن يكون لهم فيما آلت إليه الجزائر من الخراب عبرة وأن يتداركوا أنفسهم بالإصلاح والتوبة قبل أن تجري عليهم سنة الله التي لا تعطلها مراسيم البشر.
ـــــــ
عن قريب تطالعون بحول الله الفصل الثاني من هذه الشهادة.

———-

ـ 5 ـ
الأزمة الجزائرية
شاهد من قلب الأحداث
بقلم : النقيب أحمد شوشان | صوت الجزائر | الجمعة 25 يناير 2008
الفصل الثاني
الجزء الأول
في مركز استنطاق الإسلاميين ببن عكنون
كنت معصوب العينين عندما توقفت بنا السيارة المصفحة وعلى بعد خطوات منها فك الضابط المرافق القيد من يدي وانصرف. في نفس الوقت بدأ الصياح و الكلام البذيء من حولي، فنزعت العصابة لأجد نفسي في مكان شديد الظلام لم أتمكن من تحديد وجهتي فيه. فتساءلت مستغربا: ما هذا؟ أأنا حقا في مؤسسة رسمية؟ وهنا صاح أحد الزبانية المرتزقين (يدعى العنابي): إغلق فمك وإنزع السروال وإلا نزعته لك بنفسي (بلع فمك ونحي السروال والا انجي انهبطهولك)!
لا بد أن أتوقف عند هذه اللحظة من المأساة لأنها ذات أهمية قصوى في فهم ما يجري في الجزائر. فما سمعته من الجندي المرتزق لم يكن معبرا عن رأيه الشخصي وإنما كان ترجمة واضحة لسلوك مؤسسة وطنية يفترض أن تكون أشد المؤسسات تحريا وحرصا على كرامة الشخصية الوطنية. وعندما يعطى الأمر لمستخدم حقير من جهاز المخابرات بإهانة نقيب محترم من نخبة الجيش الوطني الشعبي اعتقل بناء على شبهة في وضع اشتثنائي، فإن المقصود بالإهانة والاحتقار ليس الشخص نفسه وإنما هيبة المؤسسة التي ينتمي إليها. فجهاز المخابرات في الجزائر رغم خضوعه تنظيميا ورسميا لسلطة وزير الدفاع الوطني إلا أنه عمليا وواقعيا صارجهازا مستقلا تماما ولا يعترف بالسيادة لأي مؤسسة دستورية خارج إطار التوافق أو التحالف أو القوة، ولذلك فإنه لم يعر أي اعتبارا لكرامة رئيس دولة يمثل سيادة الشعب كالشاذلي بن جديد ولا لوزير دفاع وطني ومجاهد كمصطفى بلوصيف عندما تحالفت قيادته مع اللواء نزار خالد وجماعته، فكيف ينتظرعاقل أن يكون لكرمة المواطن البسيط أو المعارض السياسي اعتبار عند عناصر هذا الجهاز.
إن مأساة الجزائر بدأت من هنا ولن تنتهي إلا بمعالجة الداء في موضعه. فأنا كنت ضابطا مرؤوسا ولكنني كنت صاحب مبادرة في ترقية القدرات القتالية للجيش الوطني الشعبي ولم أكن أتحفظ في الصدع بما أراه حقا دون خوف من بشر ولا تردد لأنني كنت أؤمن بأن لكل مؤسسة وظيفتها التي تساهم بها في صنع النجاح الوطني، وأن الوقوع في الخطإ ليس عيبا والاعتراض عليه أو التصدي للتمادي فيه من صميم المواطنة الحقة. ولكن أن يقيم جهاز سلطته المطلقة على أنقاض كرامة شعب بأكمله ويوهم عناصره بتفردهم بالوطنية فهذا وضع شاذ لن ينعم فيه بالطمأنينة لا رئيس ولا مرؤوس، ومن ثم فإن التبرير له لن يخرج من دائرة التواطئ على الخيانة والفساد.
إن إدراكي لهذه الحقيقة هو الذي جعلني أجيب العنابي الذي لم أكن أراه في الظلام بل كان في وعيي يمثل جهاز المخابرات: الآن تأكد لي أنني مختطف من طرف عصابة من المافيا وسأتعامل معكم على هذا الأساس. وإذا لم تعرفوا النقيب شوشان من قبل، فهذه فرصتكم لفعل ذلك.
وفي هذه اللحظة انبعث الضوء من كاشف قوي خطف بصري، وقبل أن أتحول عنه سمعت صوت الرائد عبد القادر من داخل غرقة صغيرة في طرف القاعة الفسيحة وهو يقول باستهتار: أنت نقيب في الجيش، وهنا لا قيمة للجيش ولا لضباطه. وفي نفس الوقت هجم علي من أطراف القاعة مجموعة من الجنود وكان أشرسهم العنابي فكان أول من دخلت معه في معركة دامية ليتدخل العقيد ناصر قائد مركز التعذيب وهو يصيح: (حابين تقتلوه قبل ما يهدروا معاه)؟ أتريدون قتله قبل أن تتحدث معه القيادة؟ عندها تفرقوا عني، وألقى الرائد عبد القادر أمامي مشمعا أزرقا قذرا وهو يقول: هذا هو لباسك الرسمي والوحيد. فتأملت وجهه جيدا بعد أن سمعت صوته وتذكرت أنني أعرفه منذ سنة 1987 عندما كان ملازما أولا مكلفا بالتفتيش لدى المديرية العامة للتموين (Control Resident). فسألته: هل كان لهذا المهرجان لزوم يا عبد القادر؟ فانتفض العقيد ناصر قائلا: (يا الرب حتى اسماواتكم يعرفها) يا إلهي! إنه يعرف اسماءكم أيضا!… أدخل إلى الغرفة والبس المشمع فلا حاجة لك بهذه الثياب النظيفة بعد اليوم. ثم سمعته يقول (كتفوا) قيدوا يديه إنه خطير.
وضعت في زنزانة انفرادية من الإسمنت الأملس طولها أقل من مترين وعرضها متر واحد وارتفاعها حوالي خمسة أمتار، بابها من الفولاذ به ثقبة قطرها 5 سنتمتر وفي طرف الجدار الأعلى كوة لمصباح لا ينبعث منه الضوء إلا نادرا. كنت أفترش الإسمنت وألتحفه لمدة أسبوع ثم سرب لي أحد الجنود بطانية بعد ذلك. ولم يسمح لي بالخروج لقضاء الحاجة إلا مرة كل يوم ولمدة دقيقة في مكان لا سترة فيه ولا باب وتحت مراقبة السجان. ولذلك اضطررت من البداية إلى الامتناع عن الاكل والشرب و قضاء الحاجة إلا لضرورة قصوى.

وعندما دخلت رواق الزنزانات أول مرة كانت الآهات تتعالى مرعبة والأنين ينبعث من كل مكان. ومن زنزانتي كنت أسمع المساجين يضربون ويهانون حتى أثناء قضاء حاجتهم، وكنت أراهم يساقون للتعذيب من ثقب الباب ويعودون نصف عراة وهم ملطخون بالدماء وغير الدماء يشكون إلى الله هوان الإنسانية على هذه الوحوش البشرية.
عندما وجدت نفسي وحيدا مقيد اليدين في الزنزانة توجهت إلى الله وصليت المغرب والعشاء جمعا ثم اضطجعت وبدأت أقرأ القرآن لأدفع الهواجس التي غزتني… إلى أن انتبهت على صوت الاقفال تفتح والسجان يصيح في وجهي: (أخرج هبط راسك)…!! ثم ألقى على رأسي كيسا أسود وأخرجني من الزنزانة ثم دفعني في سيارة مصفحة انطلقت بنا في رحلة وهمية دامت 5 دقائق تقريبا. والحقيقة أن السيارة كانت تدور حول المكان المقصود والذي لا يبعد عن الزنزانة سوى أمتارا معدودة. سلكنا أروقة وصعدنا درجا واخترقنا مكاتب… لنصل في النهاية إلى غرفة الاستنطاق فأجلسوني على كرسي وثبتوني عليه بقيود ونزع أحدهم الكيس عن رأسي فوجدتني محاطا بمجموعة من الضباط عرفت بعضهم. وكان أول المتدخلين العقيد ناصر حيث بادرني: ليس عندنا وقت. لقد عرفنا كل شيء وجماعتك اعترفوا بكل شيء. والأحسن لك أن تعترف وتخبرنا عن اسم قائدكم الأعلى. لقد اعترف السعيد مخلوفي بكل شيء.
إن ما رأيته وسمعته كان كافيا لتأكدي من عبثية هذه المؤسسة وخروجها عن القانون وخطرها على مستقبل الجزائر ولذلك قررت التعامل معها بحذر ومسؤولية ووضعت نصب عيني المصلحة العليا للوطن دون غيرها.
لقد كان أول ما قلته: أريدكم أن تعرفوا شيئا يظهر أنكم لم تفهموه بعد. أنا لست السعيد مخلوفي ولا واحدا من العسكريين الذين اعتقلتموهم. بل أنا نقيب في الجيش الوطني الشعبي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ولن تكونوا أبدا أحرص مني على المصلحة الوطنية. وإذا كنتم تريدون الخير لهذا البلد حقا فعليكم التوقف عن هذا العبث فورا وتدارك الأمر قبل أن يخرج عن السيطرة. وعندها سنتكلم كضباط وبكل مسؤولية. أما إذا أصريتم على التعامل معي بنفس الطريقة فاعلموا أن الجثة التي بين أيديكم ليست سوى جزة من الصوف لن تأخذوا من نفضها سوى الغبار.
اشتاط بعضهم غضبا وردوا علي بكلام قبيح وضربني بعضهم في مواضع مختلفة من جسدي ودفعني أحدهم فتدحرجت على الأرض وأنا مثبت على الكرسي ثم أقامني أمام موضع هندسي ناتئ في جدار الغرفة وهو يقول: أتدري ما هذا؟ إنه ورشة الصدمة القاتلة… ضربة واحدة تكفي لتفجير جمجمتك… أتدري ما هذا؟ (مشيرا إلى بقايا دم ونجاع يلطخ الموضع) إنه مخ الرائد عبد المجيد الخائن. لا شك أنك تعرفه وسوف نلحقك به… لقد كان هنا قبلك… وهكذا تداولت علي الأيدي واختلطت علي الأصوات وتلقيت الضربات من كل اتجاه وأنا مقيد الرجلين واليدين، إلى أن وجدت نفسي في ورشة التعذيب الرئيسية التي يعذب فيها ضباط وضباط صف وجنود من القوات الخاصة عراة ونصف عراة منهم المعلق من رجله ومنهم المثبت على مجسم… يعذبون بأساليب سادية تدل على الشذوذ والانحراف الذين تتميز بهما هذه المؤسسة. ومن لطف الله بي أن تعذيبي اقتصر على الضرب والكهرباء والإرهاق النفسي ولم يكن في تلك الورشة.
وقد هالني أن أرى ضباطا ملتحين ويلبسون اللباس الأفغاني يدخلون ويخرجون إلى هذا المركز ويتبادلون الحديث عما يفعلونه خارج الأسوار من تحريض وكتابة على الجدران ويخبرون ضحاياهم بما يقومون به من تضليل للمواطنين ويذكرونهم بالمساجد التي كانوا يرتادونها متنكرين في شكل إسلامي…
كانت الساعة الثالثة صباحا تقريبا عندما جاءت التعليمات بتحويلي إلى قاعة محاذية لغرفة العمليات ووجدت في زاوية منها المقدم بشير طرطاق جالسا خلف مكتب عادي وكان صامتا لا يتكلم. في حين استمر باقي الضباط في محاولة استنطاقي أمامه بما فيهم العقيد ناصر الذي كان أجبنهم وأشدهم بذاءة وإباحية ولكن دون أن أجيبهم بشيء… حتى التأوه لم يسمعوه مني رغم الألم الذي كان يقطع جسدي. وفي لحظة ما، دخل الرائد قطوشي المكلف بالأمن لدى الأمانة العامة لوزارة الدفاع وتقدم نحوي وهو يقول: يا بن… أهذا أنت… أما زلتم تتحدثون معه؟ وسحب مسدسه الخاص ووضع فوهة الماسورة على ناظري الأيمن قائلا: لو كان الأمر بيدي لأطلقت عليك رصاصة في الرأس أيها… فأجبته باحتقار: لو كان فيك ذرة من الشرف لما قلت هذا الكلام… ولو كان مسدسك بيدي الآن لما استأذنت أحد في قتلك أيها الجرثومة. فصاح العقيد ناصر: إحذر! إنه يريدنا أن نقتله قبل أن يتكلم… وأبعده عني بقوة وهو يقول: والله لن يخرج من هنا حيا… سنقطعه تقطيعا. وهنا تلاحق باقي الضباط إلى الغرفة من جديد واستانفوا دورة التعذيب إلى أن قام المقدم بشير طرطاق من مكانه فتأخر الجميع. وقد بدا من تصرفه أنه صاحب التدبير الفعلي داخل المركز. وكان أول ما قاله بصوت الواثق من نفسه: إسمع يا شوشان. أنا متأكد من أنك ابن فلاق. وأن هذه الأساليب لن تنفع معك. ولكنني أنا أيضا فلاق وأعرف كيف أجعلك في النهاية تتكلم. فوفر على نفسك لأن ذلك أريح لك… لقد أتيت بالمرأة التي كنتم تجتمعون في بيتها (وكان يقصد المجاهدة الحاجة غنية التي كان السعيد مخلوفي يجري لقاءاته في بيت تملكه ولا تسكن فيه على سفوح جبال الشريعة) وقد تعرفت عليك (وهو كاذب في ذلك لأنني لم أعرف حقيقتها إلا في سجن البرواقية) وسوف تقابلها الآن وإذا أنكرت معرفتها أنت فإننا سنفعل فيها… حتى تتفقا على الحقيقة . أما إذا أصريت على الإنكار فسآتي بزوجتك الآن ونفعل بها ما يجعلك تعترف رغم أنفك… وهنا تكلمت لأول مرة منذ أن بدأ التعذيب وقلت: أولا زوجتي ليست صحفية في جريدة الصباح حتي تستطيع أنت الوصول إليها حية وثانيا أنا لم أنكر شيئا حتى تحتاج إلى تهديدي بالاعتداء على عرض جزائرية. فوالله لو مكنني الله منكم ما تركت أحدا منكم يعيش لحظة واحدة. أما بالنسبة للسعيد مخلوفي الذي تدعي أنه اعترف بكل شيء، فو الله لو فعل ما يسيء إلى الجزائر لقتلته بنفسي دون الحاجة إلى استشارة أحد. و لكنني أشهد بأنه أشرف منكم وأعلم بحقيقتكم مني لأنني لم أكن أتصور أن مسؤولا عسكريا جزائريا يتعامل مع عسكري مثله بأساليب الاستعمار ويهدده بهتك عرضه وامتهان كرامته بدون سبب… فقاطعني قائلا: وما زلت تقول بدون سبب؟
قلت: نعم بدون سبب.
قال: ألا تعتبر التدبير لانقلاب سببا كافيا لإعدامك؟
قلت: إذا كنت تقصد الانقلاب على الرئيس الشاذلي بن جديد فالقيادة العسكرية هي التي دبرت الانقلاب ونفذته وبالتالي فهي أولى بالإعدام مني. أما إذا كنت تقصد تمرد العرفاء على هذا الانقلاب فإن واجب القيادة أن تتعامل بحكمة مع الوضع الذي ورطت فيه الجيش وإلا فإنها ستفقد السيطرة على الأوضاع وأنا لا أصدق أن يكون اللواء نزار خالد وضباط الجيش الفرنسي أشد حرصا وإخلاصا للجزائر من الرئيس الشاذلي بن جديد وضباط جيش التحرير.
قال: وهل بوضياف من ضباط فرنسا.
قلت: لقد حكمت القيادة على بوضياف بالخيانة منذ ثلاثين سنة بالحق أو بالباطل، وأنتم حرصتم على تكريس ذلك في وعي الشعب كله. وإقناع الناس بأنه رجل وطني شريف لن يتحقق خلال ثلاثين يوما؟
كان الضباط الآخرون يشتمونني ويتحفزون لضربي وأنا أتكلم، وكان طرطاق يمنعهم وكأنه يريد أن ينفذ إلى الخلفية التي بنيت عليها موقفي وقد كنت صادقا معه رغم وعيي التام بخبث قصده. وعندما بلغ الحوار هذا الحد تقدم نحوي الرائد عبد القادر وهو يزمجر قائلا: أنتم ربكم الله و رسولكم محمد ونحن ربنا نزار و نبينا بوضياف!! أفهمت؟
قلت: أنا لا أتحدث عن ربك ولا عن نبيك أنت حر ولا يهمني أمرك. أنا أتكلم عن الجزائر المستقلة التي حررها الشهداء أمثال مطصفى بن بولعيد والعربي بن مهيدي والمجاهدون أمثال الشاذلي بن جديد و أبي وأمي… وهنا لم يتمالك الرائد نفسه وهجم علي وهو يقول: أنا أبي ليس مجاهدا! ينعل (يقصد يلعن) دين الشاذلي ومصطفى بن بولعيد ودين المجاهدين والشهداء انتاعكم ودين الجزائر التي تعرفها. الجزائر انتاعنا (يقصد جزائرنا) هي اللي نتفرشكو فيها ونديروا فيها راينا (التي نتمتع ونعبث فيها) ولا يهمنا أن تكون فرنسية أو شيوعية أو يهودية؟!. المهم البترول والغاز والدراهم… فقاطعته غاضبا: أنتم إذن مرتزقة ولستم جزائريين؟ وإذا كنتم رجالا حقيقيين فقولوا هذا الكلام للشعب وسترون ما سيكون مصير الخونة أمثالكم… وقبل أن أسترسل رفع هراوة ضخمة كانت بيده وأنهال بها على عاتقي بحقد شديد فأحسست بالدوار وفقدت الوعي.
لست أدري إن كان التعذيب قد تواصل بعد ذلك، ولا أعتقد أنني كنت قادرا على الكلام لأنني كنت أشعر بالغثيان وبأن جسدي كله تفكك. وقد أخبرت بأنني أخذت وجبة متكاملة من التعذيب التقني اعترفت خلالها بأن قائدي هو العقيد بن زمرلي المدير العام السابق لسلاح الهندسة العسكرية، رغم أنني لم أعرف هذا الضابط من قبل. كما علمت لاحقا بأن الفترة التي قضيتها تحت تاثير التعذيب المستمر كانت أكثر من 24 ساعة. نقلت بعدها إلى زنزانتي.
أخذوني بعد أن أفقت إلى نفس الغرفة بعد أن أعيد تنظيمها وسمعت صوت طرطاق وهو يقول: لو لم أردهم عنك البارحة لقتلوك يا شوشان، أنت لا تعرفهم. إنهم يستمتعون بالقتل. وعلى كل حال لقد قررت أن نبقى وحدنا حتى نتكلم كضباط، أليس هذا ما تريده؟ استرح قليلا وسنتكلم بعد أن تقابل بعض قيادات الجيش الذين يريدون رؤيتك. ثم واصل بنبرة استخفاف فيها تهديد: الجميع يعرفونك واشتاقوا إلى رؤيتك. لم يتوقعوا أن تكون قائد الانقلاب عليهم.
بعد قليل دخل ضابط بلباس مدني وهو يقول: لقد جاؤوا. ثم دخل مجموعة من الضباط السامين على رأسهم المدير العام لأمن الجيش العميد كمال عبد الرحمان. كنت أعرفه منذ أن كان ضابطا في الهندسة العسكرية بشرشال والتقيته مرارا عندما كان رئيسا للمكتب الجهوي للاستطلاع بورقلة ثم عرفته عندما كان قائد اركان للواء العاشر للمشاة ولذلك عرفته من أول نظرة.
قال: وقعت في أيدينا يا شوشان. لقد كنت تريد أن تقتلنا. أليس كذلك؟
قلت: لا أحد يريد قتلك أنت.
قال: إذن فأنت تعرفني.
قلت: نعم أنا أعرفك جيدا ومتأكد بأنك عبد مأمور لا تملك من أمر نفسك شيئا.
قال: فمن الذين حكمت عليهم إذن؟
قلت: أنا لم أكن أريد قتل أحد، ولكن القيادة العليا هي التي تريد توريطنا في قتل المدنيين وهذا أمر يرفضه الكثير من العسكريين. وعندما يصل الأمر إلى درجة يفكر فيها العرفاء والجنود في أخذ المبادرة للتمرد ورفض الأوامر يمكنك أن تتصور حجم الخطأ الذي ترتكبونه. ولذلك فأنا أنصح القيادة أن تتراجع عن موقفها وتعالج الأمور بحكمة قبل أن ينفرط عقد الجيش كله.
قال: أنت واثق من نفسك أكثر من اللزوم يا سي شوشان. وأنا لم أتوقع منك هذا الكلام. على كل حال جماعتك قبضنا عليهم والأحسن لك أن تفيد الجماعة بكل ما تعرف.
قلت: إذا لم توقفوا الاعتقالات وتطلقوا سراحنا خلال أسبوع فإنكم لن تتحكموا في الوضع أبدا. وتذكر يا سيادة العميد أنني نصحتكم في الوقت المناسب وبرأت ذمتي ولكم أن تفعلوا ما بدا لكم.
قال: النقيب احمد بن زمرلي وبوحادب والآخرون الذين تعول عليهم كلهم في الطريق إلى هنا وأنا أريدك أن تخبر الجماعة بقائدكم الأعلى قبل طلوع الشمس. فإذا لم تفعل، تكون قد جنيت على نفسك… وهنا جاء ضابط مسرعا وهو يقول: الشاف جاء!! (لقد جاء الرئيس). فخرج العميد كمال وتوجه إلي العقيد ناصر بالخطاب قائلا: أعرف كيف تتكلم مع القيادة وإلا…(تكلم مع القيادة بأدب وإلا..). وفي نفس الوقت تقدم الرائد عبد القادر وأمسك بالكرسي الذي أجلس عليه (مثبتا بالقيود) من الخلف وانبعث ضوء قوي من كواشف عديدة منعتني من رؤية القادمين و لكنني تمكنت من رؤية الجانب السفلي من هندامهم وكان بعضهم يرتدي الزي المدني وبعضهم الزي العسكري وعاد العميد كمال عبد الرحمان معهم وهو يحدثهم عني و أدى لهم العقيد ناصر التحية العسكرية.
وقف الوفد قريبا مني وتوجه إلي سيدهم قائلا: أهذا هو النقيب شوشان الذي يريد الانقلاب علينا؟ حاب يرد الشاذلي بن جديد؟ حابين اديروا دولة اسلامية… راكم تحلمو!! (أتريدون إقامة دولة اسلامية؟ إنكم تحلمون) روحوا ديروها في السعودية والا في الإمارات ميش في الدزاير (إذهبوا وأقيموها في السعودية أو في الإمارات و ليس في الجزائر) واش حاسبين ارواحكم؟ اشحال تكونوا ثلاثة ملاين، ست ملاين؟ (ماذا تظنون أنفسكم؟ كم يكون عددكم؟ ثلاثة ملايين ستة ملايين؟) أنا مستعد لأمحيكم من الأرض ويعيش أولاد الجزائر الحقيقيين مثلما يعيش أبناء عمومتكم في الخليج… لم أتمالك نفسي وأجبته قائلا: أنا لا أتسول وطنيتي منك ولا من غيرك لأنني جزائري حر ومولود في مركز من مراكز الثورة، أما القتل فالظاهر أنك لا تعرف عنه شيئا!! فلو قتلت ثلاثة ملايين جزائري فإن رائحة جثثهم كافية لقتلك وقتل من بقي معك.
قال: فكر في مصيرك. هذه قضية أكبر منك. وركلني بقوة… ثم التفت إلى من معه وهو يقول بنبرة غاضبة وبكلمات عامية وفرنسية: (يستحيل أن يكون العقيد بن زمرلي رئيسه. أنطقوه بالقوة حتى يبوح باسم قائده الحقيقي. لا يمكن لنقيب أن يتزعم ضباطا سامين من مختلف الأسلحة في الجيش) ثم انصرف غاضبا ومعه العميد كمال عبد الرحمان والوفد المرافق.
مباشرة بعد خروج الوفد انهال علي الرائد عبد القادر ضربا بهراوته وهو يقول: أتعرف من كان يتكلم معك؟ إنه بوضياف (يا واحد الرخيس). الم اقل لك إنه رسولنا؟ الآن أجهز عليك سواء تكلمت أم لم تتكلم… لست واثقا من صدق الرائد عبد القادر، كما أن حالة الإرهاق التي كنت أعاني منها لم تسمح لي بتبين صوت المسؤول الذي كلمني ولكن إذا لم يكن المتكلم محمد بوضياف كما زعم عبد القادر، فإنه اللواء محمد مدين (توفيق) المدير العام للوقاية والأمن بكل تأكيد. لأن العميد كمال عبد الرحمان وضباطه لا يمكن أن يتأدبوا بذلك الشكل أمام أحد غيره باستثناء اللواء خالد نزار الذي لو كان هو المتكلم لعرفته فورا… ثم انضم إليه النقيب بن جرو الذيب جاب الله وضابط آخر متخصص في التعذيب الكهربائي. وبعد أن يئسوا من إرغامي على الكشف عن قائد الانقلاب المزعوم اقترحوا علي أن أتهم أي ضابط سام برتبة جنرال واقترحوا علي بالإسم العميد حشيشي زين العابدين والعميد لمين زروال والعميد عبد المجيد شريف واللواء عبد المالك قنايزية… فرفضت رفضا قاطعا رغم شدة التعذيب الذي استمر حتى فقدت الشعور بالألم وأصبحت أحملق فيهم وكأنهم يعذبون شخصا آخر. ولم استعد وعيي تماما إلا في الزنزانة.
لست أدري كم مر علي من الوقت قبل أن يعيدوني بنفس الطريقة إلى قاعة الاستنطاق. وكان في هذه المرة النقيب بن جرو الذيب ومعه الرائد وحيد (وأصله من بريان/ ولاية غرداية) هما المكلفان باستنطاقي. وأول ما بادرني به النقيب بن جرو الذيب كان تقديمه للجنة التي كلفت باستنطاقي وكان منهم ملازم أول اسمه علي مهندس دولة في التعذيب الكيماوي، متخصص في التطهير وتصفية المعلومات ومهندس آخر متخصص في التعذيب الإلكتروني برتبة نقيب قضى خمس سنوات في موسكو وسنتين في يوغسلافيا مع 8 سنوات خبرة وهو المعروف ب: الروجي (الأحمر) وهو الوحيد الذي لم ينطق بكلمة واحدة و كل ملامحه تشير إلى أنه ليس جزائريا.
لم يخفني التعذيب ولا الموت، لأنني كنت أشعر بأنني في أعلى مقامات الصدق مع الله والوفاء للوطن (وإني أسأل الله صادقا اليوم وأنا في سعة من أمري أن يقبضني وأنا على مثل تلك الحال من الصدق والإخلاص). ولكن عز علي أن تستمر يد الغدر والخيانة في اغتيال الأحرار والعبث بمصير شعب أبي كالشعب الجزائري. فقررت أن أتعامل مع تلاميذ أوساريس وماسو بأسلوب رجال ثورة التحرير؛ وذلك بتعويم المعلومة بدلا من كتمانها.
لقد كنت أعرف النقيب بن جرو الذيب جيدا لأنه قضى معي أكثر من سنتين كطالب متخصص في الدفاع الجوي في الأكاديمية العسكرية لمختف الأسلحة بشرشال وتخرجت قبله برتبة ملازم في القيادة العسكرية مع تخصصي في سلاح المدرعات قبل أن ألتحق بالقوات الخاصة. ولذلك فإنني لم أجد كلفة في الكلام معه وقلت له متهكما: ما شاء الله عليكم، بدلا من أن تبعثوهم يتهندسون في الذرة والسلاح النووي صرفتم عليهم بالعملة الصعبة ليعذبوا الشعب الجزائري… وماذا لو قلت أنكم لستم في حاجة إلى استنطاقي؟ فإذا كان غرضكم إدانتي فأنا مستعد لأعترف بكل ما نسب إلي من طرفكم لتحكموا علي بالإعدام وتهنأوا بجزائركم اليهودية. أما إذا كان غرضكم معرفة الحقيقة فأنا مستعد أن أكتبها لكم كما هي دون الحاجة إلى كل هذا.
أجابني وهو ينظر إلى المهندس: الآن أصبح كلامك واضحا ويمكننا أن نتكلم بلغة واحدة، ثم انصرف إلى الغرفة المجاور وعاد و في يده رزمة من الأوراق التي وضعها أمامي وقال أريدك أن تقرأ هذه المحاضر أولا وتبدي لي رأيك فيها. وعلى ضوء ذلك سنحدد وجهة التعامل معك. والأحسن لك أن تفيدني بكل ما تعرفه عن محتوى هذه المحاضر. فقلت: إطمئن، سأفعل وإن كنت لا أعتقد أن الحقيقة ستغير من الأمر شيئا.
كانت المحاضر تحتوي على كل كبيرة وصغيرة تتعلق بحياة الضباط وضباط الصف المعتقلين وفيها اعترافات مضحكة لعرفاء وجنود خططوا لقلب نظام الحكم و تآمروا مع الجبهة الإسلامية لنشر التقتيل في أوساط المواطنين والقوات المسلحة منذ سنة 1988 (قبل ظهور الجبهة) وغير ذلك من الكلام الذي لا يصدقه عاقل وكأن الوقائع تتعلق بالطوقو أو جزر القمر. كما كانت فيها تفاصيل عن اللقاءات التي جمعتني بالسعيد مخلوفي وعبد القادر شبوطي وفيها ذكر لضباط غافلين لا علاقة لهم بهذه الأمور بتاتا. ولكن صياغة تلك التفاصيل المتناثرة في أبعاد الزمان والمكان والحال، صيغت بطريقة تظهرها في شكل مؤامرة لقلب نظام الحكم. ولكن محرري المحاضر نسوا أن يغيروا التواريخ ويوزعوا الأدوار على المتهمين بطريقة تنسجم مع ما طبخوه، فبقيت على أصلها. فكان القائد المفترض للكتيبة المكلفة بالاستيلاء على مقر الاذاعة والتلفزيون خلال إضراب الجبهة مثلا، متربصا في موسكو في ذلك الوقت. وكان أغلب الضباط المعتقلين أقدم مني رتبة و خدمة في الجيش ولم أكن أعرف عن علاقتهم بالسعيد مخلوفي شيئا، فضلا عن التآمر معهم على انقلاب عسكري. أما ضباط الصف فرغم كونهم ممن سبق لي تدريبهم وقيادتهم إلا أن اثنين منهم فقط سبق لهم إثارة الموضوع معي في مقابلة شخصية وتصريحاتهم تدل على أنني حذرتهم من التواصل مع المدنيين أو أخذ المبادرة في التمرد… إلى غير ذلك.
ومنذ أن قرأت المحاضر استقر في ذهني أن جهاز المخابرات قرر تدراك فشله في ضبط مسار الأحداث، من خلال تقديمي قربانا للقيادة العسكرية بتصفيتي جسديا، وأن الغرض من حملة الاعتقالات السرية ليس إفشال انقلاب محتمل من طرف العسكريين المعتقلين وإنما هو السعي لتعزيز شرعية الانقلاب المجنون الذي تورط فيه وزير الدفاع وبطانته ضد الرئيس الشاذلي بن جديد، والتمترس خلف اتهام قيادة الجبهة الاسلامية بالتآمر مع العسكريين المعتقلين للاستيلاء على الحكم بالقوة. وبناء على هذه القناعة عزمت على الثبات على ثلاثة مبادئ في مواجهة التحقيق:
1 ـ أن لا يتضرر من هذه القضية من لا علاقة له بها خاصة قيادات الجبهة الاسلامية باعتبارهم المستهدفين من طرف جهاز المخابرات.
2 ـ أن أضع القيادة العسكرية في الصورة الحقيقية للموقف ما دامت الأزمة في بدايتها و أقيم عليها الحجة بتقديم الدليل على خطورة المغامرة.
3 ـ استدراج المخابرات إلى فك الحصار عن القضية والكشف عنها بأعترافي الكامل بكل الاتهامات الموجهة إلي دون التنبيه إلى ما فيها من تناقضات وإغرائها بتقديمي إلى المحاكمة بملف ثقيل.
وهكذا استرسل بعض الضباط في ذكر أسماء الضباط من مختلف الأسلحة عشوائيا لتفادي الهلاك تحت التعذيب مما أوقع القيادة العسكرية في حرج شديد ونبهها إلى الانزلاق الذي دفعها إليه جهاز المخابرات، خاصة بعد تمرد مجموعة من ضباط الصف التابعين لفوج الصاعقة الرابع المتمركز في ثكنة بني مسوس المحاذية للمديرية العامة للمخابرات ليلة 12 مارس 1992 وتمكنهم من التحصن بجبال الزبربر على مشارف العاصمة وإصدارهم لبيان يتوعدون فيه القيادة بالانتقام ويحرضون فيه الجيش على التمرد. فاتخذ وزير الدفاع قرارا بوقف الاعتقال فورا وأصدر منشورا وزاريا يوهم فيه العسكريين بأن النقيب أحمد شوشان والضباط المعتقلين معه موقوفون على ذمة التحقيق أمام مجلس تأديب وسيعودون قريبا إلى وظائفهم.
فكان أول ما فعلته في اليوم السابع من الاستنطاق هو إقراري بالمسؤولية على كل تضمنته تلك المحاضر من تفاصيل. وكان لهذه الخطوة أثر كبير في وجهة التحقيق حيث تم تحويلي بعد ذلك من غرفة الاستنطاق إلى غرفة العمليات وطلب مني العقيد ناصر تحرير اعترافاتي بخط يدي ففعلت ذلك خلال خمسة أيام. وكان الرائد بن جرو الذيب جاب الله يراجع ما أكتبه و يطلب مني تعديله وفق ما ينسجم مع تصوره لمجريات التحقيق ويحاول إقناعي بأن مراجعاته قائمة على ما لديه من معلومات عن الاسلاميين والتي يستقيها من منظومة الإعلام الآلي في قاعة العمليات. وهي شبكة كمبيوترات مزودة بطابعة وأجهزة تلكس تستقبل الرسائل على مدار الساعة. وكان من بين ما علمته بهذه المناسبة أن عناصر الهجرة والتكفير متابعين بدقة من طرف المخابرات. وأن المعلومات الشائعة عنهم لدى المواطنين غير صحيحة. حيث ما زال الهاشمي سحنوني على رأس قائمتهم وأن التوبة المعلنة من طرف هذه العناصر ليست حقيقية. كما أن جماعة الأفغان الجزائريين تخضع لنفس النظام وأن عددهم حوالي 760 عنصرا. وقد قرأت بنفسي ملف أحدهم جاء فيه في القسم المخصص للعلاقات وأماكن التواجد في الجزائر:( وهو يقضي أغلب وقته في بيت عمته الكائن في العنوان…والتي تربطه علاقة عاطفية بابنتها وهي محل ثقته الأول). ومن أهم ما استفدته في هذه المرحلة هو اكتشافي للاستثمار البشري الذي قامت به المخابرات الجزائرية في حرب افغانستان حيث كانت تلك الحرب حماما حقيقيا من حمامات التزكية للجواسيس المكلفين باختراق الحركة الاسلامية والتحكم في توجيهها.
وبعد أن اطمأن المحققون إلى الوجهة التي أخذها التحقيق وركزوا على إثبات إدانتي كقائد للانقلاب، اقترحت على بن جرو الذيب جاب الله كتابة رسالة أوجهها إلى وزير الدفاع اللواء نزار خالد أوضح له فيها أمورا مهمة لا تعنيني كشخص ولكنها تعني مستقبل الجيش الوطني الشعبي وتداعيات الأزمة. فزودني بعد الانتهاء من صياغة المحضر بأوراق وقلم وأمر السجان بإضاءة زنزانتي. فسودت رسالة مطولة إلى وزير الدفاع وبيضتها قبل يوم من مغادرتي مركز الاستنطاق يوم 18 مارس 1992. وقد ضمنتها نقاطا عديدة منها:
1- أنني لا أكتب الرسالة استجداء للعفو ولا تراجعا عن موقفي المعارض لقرار القيادة وإنما استكمالا لواجب النصح وإبراء للذمة.

2- أن قرار القيادة تجاه الأزمة السياسية خاطئ يجب عليها التراجع عنه بالطريقة التي تراها مناسبة وإلا فإنها ستتحمل مسؤولية ما تؤول إليه الأوضاع كاملة. كما أن إصرارها على التمادي في هذا المسلك الدموي خيانة لعهد الله والشهداء وعناصر الجيش الوطني الشعبي ليس لها فيه عذر. كما أن هذا القرار لا يعكس الكفاءة المهنية والحنكة السياسية لضباط الجيش الوطني الشعبي.
3- أن ما قمت به من اتصالات مع السعيد مخلوفي وعبد القادر شبوطي اجتهاد ما زلت مقتنعا بجدواه، اقتضته المصلحة العليا للجزائر والحرص على شعبية الجيش ووطنيته. وأن الغرض منه هو حقن دماء الجزائريين مدنيين وعسكريين. مع التأكيد على استعدادي إلى الآن للقضاء على القيادة العسكرية لو تيقنت من أن ذلك يضمن لباقي الشعب الجزائري السلم والاستقرار و ينهي الأزمة.
4- أنني مستعد للموت متطوعا وبكل رضا إذا كان ذلك يمكن القيادة العسكرية من تداركها للموقف وإعادة الأمور إلى نصابها.
5- إن تقديري الميداني للموقف انتهى إلى استحالة انتصار الجيش الوطني الشعبي في هذه الحرب المعلنة على شريحة واسعة من الشعب حتى لو ساعده فيها الحلف الأطلسي وحلف وارسو مجتمعين وحتى لو استعمل فيها السلاح النووي. وأن أقصر طريق للانتصار فيها هو إطفاء نارها قبل أن تشتعل. وهذا ما زال ممكنا ويسيرا إذا توفرت الإرادة المخلصة. والذي دفعني إلى هذا الاستنتاج هو معرفتي كمحافظ سياسي بمعدن الجمهور الجزائري البسيط الذي الذي عشت في نفوس الآلاف من شبابه ومعرفتي كضابط ميداني بطبيعة أرض الجزائر المنحازة للمظلوم. وسردت مشاهد من الواقع ذكرت منها:
أ- كنت في جلسة عمل مع الرائد رشيد كواشي قائد القطاع العسكري ببسكرة بمناسبة صياغة مقترح الناحية العسكرية الرابعة المتعلق بإصلاح الدستور سنة 1984. وكانت كتيبتي تنفذ مسيرا ميدانيا عبر جبال القنطرة. وبعد انتهاء الجلسة أردت الالتحاق بجنودي. فحددت مكان تواجدهم تقريبيا ورافقني الملازم الأول بن جانة بسيارة لندروفير إلى سفوح السلسلة الجبلية. ورغم أن عدد أفراد الفوج المتحرك كان يفوق 500 فردا بكامل عدتهم وكان الجو صحوا فإنني لم أستطع رؤيتهم إلا بعد استعمال نظارة الميدان وبعد جهد، وكأنهم بعوضة حطت على ظهر فيل. فتساءلت يومها: ماذا لو كان عددهم عشرة من جنود العدو؟ وماذا لو كانوا يتحركون في عمق الاوراس؟ عندها تيقنت أن الجزائر بتضاريسها بلد مشجع على التمرد والثورة وأن على المعنيين بأمن الجزائر واستقرارها أن يحرصوا على تجنب أسباب التمرد ابتداء واحتوائه إذا تعذر ذلك في أضيق دائرة ممكنة قبل استئصال نواته بطرق قتالية مبتكرة فعالة. لأن احتياطي العالم كله من المتفجرات لا يكفي لمطاردة مجموعة صغيرة في منطقة كهذه بالطرق القتالية المعهودة. (و قد قمت منذ ذلك الحين بناء على هذا التصور بتقديم مقترحات من أجل ترقية مستوى الأداء القتالي للقوات الخاصة، ابتداء من جزأرة برامج التدريب وتعريبها بعد أن كانت روسية محضة حتى في الجانب المعنوي والسياسي من التكوين). وأرشيف مدرسة القوات الخاصة كفيل بإثبات ذلك.
ب- كان اليوم جمعة وكانت الساعة تشير إلى الواحدة بعد الزوال تقريبا وكنت أهم باجتياز الطريق المؤدي إلى ساحة الشهداء بالعاصمة…. أوقف شرطي المرور السيارات وأذن لنا بالعبور وكان من بيننا غلام في الثالثة عشر من العمر تقريبا، يحمل سجادة كأنه متوجه إلى المسجد. وبعد اجتيازنا الطريق، نهره شرطي من عناصر التدخل السريع المنتشرين على طول الرصيف قائلا: إسمع! ممنوع الصلاة خارج المسجد هل فهمت؟ إذا صليت في الطريق سأقتلك… توقف الغلام فجأة والشرر يتطاير من عينيه غضبا وهو يردد: تقتلني؟ أنت تقتلني؟ هيا!! أقتلني إذا كنت رجلا!.. ثم نشر سجادته على الرصيف وبدأ يصلي. وتوقف المارة وكادت الأمور أن تتأزم لولا تدخل بعض المواطنين الذين أحاطوا بالطفل حتى أكمل صلاته وانصرف. علمت بعد ذلك أن الحكومة أصدرت قانونا يمنع الصلاة خارج حدود المساجد. وهذا إجراء يمكن تفهمه، على عكس الاستفزاز الصادر عن الشرطي المتحفز للشر… ولكن سلوك ذلك الطفل كان نذيرا غير مقصود منه لكل من يعنيه الأمر مثلي بأن التمادي في التهديد والاضطهاد من طرف أجهزة الأمن سيفقد الناس طعم الحياة. وعندها ستجد الدولة نفسها في مواجهة مواطنين لا يهمهم أن يقعوا على الموت أو يقع الموت عليهم. فهل يتمنى عسكري شريف أن تؤول الأمور في وطنه إلى هذه النهاية؟ وما جدوى وطنية الجيش وشعبيته إذا أعلن الحرب على شعبه ومؤسسات وطنه؟ إن كل المؤشرات تدل على أن هذا ما قامت به القيادة العسكرية إلى حد الآن، وأن الاستمرار في هذا التوجه سيكون على حساب الفعالية القتالية للجيش وتنامي روح الانتحار لدى الشعب.
6- أن أغلبية الضباط المرؤوسين غير متحمسين لتنفيذ مشروع القيادة العسكرية وسوف يقتصر عملهم على التنفيذ الحرفي تجنبا للعقوبة دون تبني المهمة أو المبادرة لإنجاحها. وهو ما يجعل الوضع الأمني معرضا للانتكاس في أي لحظة مهما كان حجم الإنجازات ويفرض على قيادة الجيش تبني رد الفعل بدلا من العمل العسكري المخطط والتورط في حرب أهلية تهلك الحرث و النسل.
7- أنني أتعهد شخصيا بالتكفل بالقضاء على أي تمرد مسلح على الدولة الجزائرية مهما كان توجهه إذا ما توصلت القيادة العسكرية إلى حل توافقي للأزمة يشترك فيه الرئيس الشاذلي بن جديد وقيادة الجبهة الاسلامية للإنقاذ (ويمكن لوزير الدفاع أن يتأكد من جدية ما أقول بالعودة إلى القيادة الميدانية التي سبقت لي الخدمة معها).
8- بعد أن اقترحت على القيادة إجراءات لتصحيح الوضع حملتها المسؤولية الكاملة على كل ما يترتب عن التمادي في حربها ضد الشعب.
وقد جاءت الرسالة في أكثر من عشرين صفحة تضمنت استطرادات كثيرة توضح وجهة نظري وتبرهن على أن تقديري للموقف قائم على دراسة ميدانية عسكرية احترافية ودقيقة ولم أعتمد في موقفي من الأزمة كما ادعاه اللواء خالد نزار في أكثر من تصريح على قناعتي الإسلامية الراسخة. وقد اثبتت الأيام أن موقفي كان انتصارا لكرامة الشعب الجزائري وحقن دم أبنائه دون تمييز من أي نوع.
قبل يوم من مصادقتي على محاضر الاستنطاق ألحق بزنزانتي أحد أنصار الجبهة الاسلامية. وهو طالب جامعي من مدينة الونزة اسمه مشري ابراهيم . وقد بدا مندهشا من حالتي النفسية و معنوياتي المرتفعة رغم ما كان يسمعه عني من بقية المعتقلين. ولما استأنس بي قص علي قضيته. لقد عرّفه قريبه وهو مساعد عامل في الحرس الجمهوري بمساعد متقاعد آخر، أياما قبل موعد الانتخابات المقررة في ديسمبر 1992. وقد سلمه المساعد المتقاعد مخططا هندسيا لمباني معزولة وطلب منه الاجتهاد في وضع خطة لنسفها بطريقة علمية. ورغم أنه لم يفهم شيئا عن الموضوع ولم يبدأ البث فيه إلا أنه وجد نفسه في اليوم التالي معتقلا ومتهما بالمشاركة في تفجير إقامة الرئيس بعنابة ومتلبسا بما اعتبر المخطط العمراني لإقامة الرئيس بحوزته. وقد طلب منه الضابط الذي استنطقه تسجيل اعترافه بأن قريبه العسكري قدم له المساعد المتقاعد وأن الأخير سلمه مخطط الإقامة الرئاسية الذي ضبط بحوزته وطلب منه وضع مخطط لتفجيرها ففعل.
ومنذ أن سجل المحضر وصادق عليه مكتوبا منذ أكثر من شهرين لم يتعرض لأي تحقيق آخر ولكنه بقي محتجزا في المركز إلى اليوم. في حين أن المساعد المتقاعد اعتبر مختلا عقليا وأطلق سراحه. أما المساعد العامل قريب مشري فقد تعرض لتعذيب تنوء به الجبال حسب قوله والظاهر أنه فقد إحدى عينيه دون أن يعترف بالتهم الملفقة ضده وبقي تحت التعذيب إلى أن أعلن الشاذلي عن استقالته يوم 11 يناير 1992 فكفوا عن تعذيبه و نقلوه إلى العلاج. وقد وعدوهما بالإفراج عنهما بعد الشفاء التام من آثار التعذيب. ومن خلال ما وضحه لي هذا الطالب من تفاصيل لا أذكرها الآن كلها، تبين لي أن عملية التفجير كانت مبرمجة من طرف دوائر في السلطة لاغتيال الرئيس إذا رفض الانصياع لإرادة القيادة العسكرية وقد كان مشري ابراهيم وقريبه الضحيتين المفترض اعترافهما بالجريمة أمام الرأي العام للتغطية على المجرم الحقيقي. ولكن هذا السيناريو البديل أصبح لاغيا ولا حاجة إليه ما دام الرئيس قد رضخ للتهديد واستقال سلميا. فرجّحت أن يطلق سراح مشري وقريبه بعد حين. ولذلك فقد سلمت له مسودة الرسالة وقرأتها عليه راجيا منه إن كتبت له النجاة أن يكون شاهدا على الحقيقة في يوم من الأيام.
وفي اليوم الذي صادقت فيه على محضر الاستنطاق أحضر بن جرو الذيب معه ضابطين برتبة ملازم سبق لي أن دربتهما وبقيا معنا يستمعان إلى آخر مراجعة للمحضر. وبعد ان انتهينا قدمني إليهما قائلا: هل تعرفان حضرة النقيب؟ قالا: نعم لقد كان المدير العام للتكوين البدني العسكري والرياضي في الأكاديمية العسكرية لمختلف الاسلحة. قال: هل توقعتما أن تجداه هنا؟ قالا: أبدا… مستحيل أن يكون النقيب شوشان وراء ما يحدث. قال: كيف يظهر لكما وهو بين أيدينا. هل يستطيع أحدكما أن يستنطقه إذا كلفته بذلك؟ فقال أحدهما: علي أن أعيد التدريب يا حضرات لأنني لم أعد أفهم شيئا. هل كنت تخدعنا يا حضرة النقيب؟ الحمد لله أن القيادة قبضت عليك. فأجبته قائلا: أنت ما زلت صغيرا على فهم هذه الأمور أيها الملازم، إحرص دائما على الاستفادة ممن هو أقدم منك. أما ما تعلمته مني فيكفيك أن تعلم بأن القيادة تتمنى أن يتعلمه كل ضابط في الجيش. وعندما أخرج أنا من هذا المكان سيؤكد لك قائدك ما قلت ولن يملك أن يقول لك غير ذلك.
ومن سوء حظ ذلك الملازم أنه وجد نفسه معي وجها لوجه بعد ثلاث سنوات في يوم 31 مارس 1995 داخل المصفحة الذي اختطفت فيها من سجن الحراش علي أيدي المخابرات. وكانت بيننا دردشة سأعود إليها في حينها.
ـــــــ
الحلقة السادسة ستنشر بحول الله يوم الأثنين 28 يناير 2008.

———-

ـ 6 ـ
الأزمة الجزائرية
شاهد من قلب الأحداث
بقلم : النقيب أحمد شوشان | صوت الجزائر | الاثنين 28 يناير 2008
الفصل الثاني
الجزء الثاني
في ضيافة المدرسة التطبيقية لتدريب ضباط الاحتياط بالبليدة
كانت الأمور على الأرض تتطور بسرعة مذهلة. فبعد مرور أسبوع على اعتقالنا، وفي ليلة 12 مارس 1992 تمردت أول مجموعة من القوات الخاصة. فقد تمكن الرقيب الأول مولاي علي ومعه ثلاثة عشر من ضباط الصف بالتعاون مع حسن حطاب من الانسحاب من فيلق الصاعقة الرابع المتمركز في ثكنة بني مسوس التي يقع في محيطها مقر القيادة العام للمخابرات. وقد استطاع أحد عشر منهم اختراق الأطواق الأمنية المختلفة والتحصن بجبال الزبربر فيما وقع اثنان منهم في قبضة المخابرات ومعهم سائق مدني اسمه زنيتر محمد وكانت بحوزتهم عدة قتالية أذكر منها قاذفين للصواريخ المضادة للدبابات (رب ج – 7) و معها ستة قذائف ورشاشين متوسطين مع ستة آلاف طلقة وأحد عشر مسدسا رشاشا من نوع كلاشينكوف ومعه ستة عشر ألف طلقة متنوعة وعشرات القنابل اليدوية ونظارات ميدان ومسدسات شخصية. وسأعود لتفاصيل هذه العملية في وقتها إن شاء الله. كما تزامن هذا التمرد مع تمرد ضباط صف من مدرسة الصحة بسيدي بلعباس وتشعبت بجهاز المخابرات عمليات التحقيقق واتسعت رقعة الاعتقالات وتسارعت دون أن يظهر في الأفق ما يدل على احتوائها. فقررت القيادة العسكرية الوقف الفوري للاعتقالات والتعامل مع القضية بطريقة مختلفة. فكان أول ما قامت به هو تحويل أربعة وعشرين منا إلى سجن المدرسة التطبيقية لضباط الاحتياط بالبليدة وتهيئة الظروف المناسبة لزيارتنا من طرف وزير الدفاع اللواء نزار خالد الذي أصدر منشورا يوضح فيه أن التحقيق معنا جار في ظروف حسنة وأنه سيطلق سراحنا قريبا. ولكن تدهور صحته المفاجئ وحاجته إلى السفر حالا دون ذلك. وجاءتنا التعليمات للاستعداد لمقابلة قائد الأركان اللواء قنايزية عبد المالك وكان في انتظاره معنا المقدم بشيشي مدير المدرسة والرائد عبد القادر المدير الجهوي لأمن الجيش بالبليدة وقد تأثرا كثيرا لمعرفتهم الجيدة بنوعية الضباط المعتقلين. وحضنا المقدم بشيشي على الصراحة مع قائد الأركان وحاول جهده أن يكون شريفا في أداء مهمته كعسكري مسؤول. ورغم أنه لم يقدم لنا شيئا خارج الإطار المسموح له به من طرف القيادة، إلا أنه كان ضابطا محترما لنفسه وجديرا بالاحترام. وبعد انتظار طويل جاء الخبر في آخر المساء بإلغاء الزيارة إلى أجل غير مسمى ووضعت المدرسة في حالة استنفار قصوى رغم أن معاملتنا بقيت على حالها خاصة وأن ضابط الأمن الملحق بالمدرسة كان من طلابي السابقين وصهرا لأحد زملائي وكان ضابطا متعقلا، فقضينا أياما أقل ابتلاء قياسا بمعاناتنا في مركز الاستنطاق.
وفي مساء اليوم الأخير من شهر مارس 1992 اقتحم علينا السجن مجموعة من ضباط مركز الاستنطاق وكان من بينهم الرائد عبد القادر وحاولوا ترويعنا بالتهديد وضرب بعض الضباط رغم مناشدتهم من طرف الضابط المكلف بوقف استفزازاتهم، فدخلنا معهم في معركة انتهت بانسحابهم لأنهم كانوا قلة. وطلبني الرائد عبد القادر فخرجت إليه إلى مدخل السجن. فقال لي بنبرة مليئة باللؤم والتشفي: تمنيت أن يكون عندك في الدنيا ما تكافئني به على البشارة التي أنقلها إليك. ولكن لا بأس حتى إذا كافأتني في الآخرة سأقبل ذلك منك… المهم أن الضربة الصحيحة نزلت على رأس أكبر منك. لقد عزلنا العميد العماري (الشيكور انتاعكم) وهو الآن في الإقامة الجبرية وعينا العميد خليفة رحيم مكانه. ألم أقل لك أننا نحن الذين نحكم وأن بوضياف هو ربنا؟ والله ما رضي بوضياف برأس أقل من جنرال….. الرؤوس الصغيرة لا تملأ عينه….. والله ما تهنا(ما هنأ له بال) حتى تقربنا له برأس العماري…. لا بد أنك مرابط ودعوات والديك هي التي نجتك.
أذهلني الخبر فبقيت أنظر إليه وهو يتحدث و أحسست كأن بوصلة إدراكي قد تعطلت… ثم تداركت نفسي وحاولت التعامل مع الخبر على أنه من قبيل الحرب النفسية لهذا الفضولي الخبيث. وقلت له ببرود: لا تفرح كثيرا فقد يكون الدور عليك في المستقبل لأن في جزائركم كل شيء ممكن. وانصرفت إلى داخل السجن. وقد تأكد لي لاحقا أن ما قاله الرائد عبد القادر كان صحيحا عندما علمت أن العميد خليفة رحيم عين قائدا للقوات البرية خلفا للعماري ووضع الأخير تحت تصرف وزير الدفاع.
في السجن العسكري ببشار
صدرت التعليمات بتحويلنا إلى السجن العسكري ببشار. وتم ذلك جوا من مطار بوفاريك العسكري في ظروف أمنية متوترة وكان الرائد عبد القادر مكلفا بملف النقيب شوشان وجماعته. ولذلك فقد لازمني طوال الرحلة وأكد لي بأنه لولا البلبلة التي أحدثها اعتقالي في صفوف الجيش لما خرجت من مركز التعذيب حيا. وهددني بقتلي داخل السجن العسكري إذا حاولت إثبات براءتي من التهم المنسوبة إلي. وبقي على هذه الحال حتى انتهينا من محاضر الاستماع الأولى أمام قاضي التحقيق.
وصلنا إلى مطار بشار العسكري ونقلنا مباشرة إلى المحكمة العسكرية فوجدنا وكيل الجمهورية العسكري في استقبالنا ومعه ضابطين احتياطيين برتبة مرشح. وقد أخبرني أحدهما أنه أكمل خدمته، ولولا خوفه من عرقلة إجراءات خروجه لرفض القيام بمهمة قاضي التحقيق في تلك الظروف. وقد كان ضباط الأمن وعلى رأسهم الرائد عبد القادر يهددون المتهمين بالانتقام وإعادتهم إلى مركز التعذيب ويضربونهم حتى يصادقوا على المحاضر بالصيغة التي حررها الجلادون في مركز الاستنطاق، وقد كان موقف وكيل الجمهورية السلبي تجاه التجاوزات حتى تجاه الضابطين المكلفين بالتحقيق الأولي يعزز سطوة ضباط الأمن على المحكمة، مما جعلني أرفض حتى المثول أمام قاضي التحقيق في البداية لإجبار وكيل الجمهورية على التدخل. فقابلته في جلسة مغلقة أقنعني خلالها بأننا ما زلنا تحت تصرف المخابرات وأن بإمكانهم نقلنا إلى مركزهم على مستوى الناحية العسكرية الثالثة خارج مدينة بشار حيث لا قانون ولا شهود وأنهم قادرون على نقله معنا إذا لمسوا منه أي اعتراض على سلوكهم. واقترح علي بالمقابل المصادقة على محاضر التحقيق كما هي حتى نصبح تحت مسؤولية المحكمة ووعدني بأنه سيبذل كل ما في وسعه لتمكيننا من حق الدفاع عن أنفسنا و الاتصال بالقيادة العليا إذا طلبنا ذلك. وهكذا بقينا محشورين يومين في قاعة المحكمة نقلنا بعدهما إلى السجن العسكري حيث وجدنا صندوقا حديديا كبيرا ينتظرنا في ساحة جانبية من السجن تكدسنا فيه أكثر من شهرين لا نرى النور إلا نادرا إلى درجة أن لا أحد من نزلاء نفس السجن شعر بنا. فاخضرت لحومنا وشحبت أجسامنا. وكنا في البداية 63 ضابطا وضابط صف ثم تلاحق المساجين بعد ذلك مدنيين وعسكريين حتى تجاوز عددهم المئتين وضاق بهم الصندوق ولم يجدوا مكانا ينامون فيه.
لقد تمكنا من تسخير كل صغيرة و كبيرة من أجل تخفيف وطأة السجن على أنفسنا. فاتفقنا على تعيين أكبر الضباط سنا ليكون أميرا علينا ونظمنا كل شؤوننا داخل الصندوق ولذلك فإن الأثر الكبير كان على أجسادنا نظرا لسوء التغذية وحاجتنا إلى الماء والشمس والحركة أما معنويا فقد كان الجميع على مستوى عال من التوكل على الله والثقة بالنفس.
كانت تلك الظروف فرصة ثمينة بالنسبة لي، تعرفت فيها على وجوه جديدة واطلعت فيها على كثير من التفاصيل التي بصرتني بحقائق الأمور وساعدتني على التعامل مع الأزمة بكل مسؤولية وثقة على المستوى الشخصي أساسا ومع الاخرين كذلك. ومن أهم ما يجدر بي التعرض إليه في هذه المرحلة:
ـ اختلاق الأزمة الأمنية (قضية تفجير مطار هواري بومدين)
ـ مقابلتان مع القيادة العسكرية العليا
1 اختلاق الأزمة الأمنية:
إلى هذا التاريخ بقيت الأزمة سياسية محضة رغم حملات الاعتقال التعسفية العشوائية ورغم حدوث تمردات داخل الجيش وأعمال عنف محدودة لم يتعد ضحاياها 85 قتيلا بما فيهم 65 مدنيا قتلوا على أيدي الجيش في مجزرة قمار خلال شهر ديسمبر 1991. ولذلك فقد اعتمدت القيادة العسكرية أسلوب الفوضى الخلاقة من أجل التحكم في الوضع. فبدلا من احتواء الأزمة السياسية بالتعامل على قاعدة (ولا تزر وازرة وزر أخرى) وحصر المسؤولية في إطارها السياسي الضيق، أصرت بدافع من الغرور والطغيان إلى توسيع دائرة التوريط لتشمل شرائح عريضة من المواطنين الأبرياء وبث الرعب في أوساط الشعب. وقد تسبب هذا في تأسيس الأرضية الخصبة للأزمة الأمنية المزمنة التي كسرت ظهر الجزائر والتي بنيت في الحقيقة على ركيزتين رئيسيتين. الأولى هي انتقال عدد كبير من المواطنين إلى السرية خوفا من الاعتقال التعسفي في البداية ليجدوا أنفسهم بعد تعقد الأزمة أمام خيار وحيد هو حمل السلاح ويشقوا بذلك مسلك العنف لمن بعدهم من ضحايا الفزع من إرهاب الدولة بكل أشكاله. أما الثاني فهو أن اعتقال الأبرياء العشوائي تطلب مبررا قانونيا لإضفاء الشرعية عليه ولوشكليا مما دفع أجهزة الأمن إلى تلفيق التهم الباطلة للمعتقلين وافتعال قضايا لا وجود لها في الواقع فاستدرجوا إلى دوامة التعذيب لانتزاع الاعترافات فلم يستفيقوا من سكرتهم إلا على آلاف المفقودين. وفي نفس السياق توسعت تلك الأجهزة في الربط التعسفي بين الانتماء إلى حزب سياسي أو تيار فكري أو علاقة شخصية وبين الانتماء إلى جماعة مسلحة لتجد نفسها بمآت الآلاف من الاجئين والمعتقلين والمساجين تتراوح أعمارهم بين سن 14 و 100سنة ذكورا وإناثا (لا غرابة في ذلك فقد اعتقل شيخ من واد سوف عمره أكثر من 100 سنة لا يسمع ولا يبصر ولا يتكلم ولا يمشي ولا يدرك شيئا، بتهمة التهريب وتزويد جماعة إرهابية بالسلاح وقد مات في سجن البرواقية بين أيدينا بعد اعتقاله بأسبوع وقبل أن يقدم للمحاكمة ليكون شاهدا على العبثية التي تم بها تسيير الأزمة). إن هذا الجنون يظهر جليا في حادثة تفجير مطار هواري بومدين التي سأكتفي بسرد ما بلغني عنها من المعنيين بالموضوع أنفسهم وأترك النظر فيها للتاريخ.
في يوم 20 ماي 1992 التحق بنا في السجن مجموعة من المدنيين المتهمين بمساعدة المتمردين من القوات الخاصة التابعين لثكنة بني مسوس بالعاصمة. وكان من بينهم أمير الجماعة المسمى الحاج عراب الذي سأعود إلى الكلام عن شخصيته بتفصيل عند الكلام عن عملية التمرد.
ففي يوم 26 مارس 1992 ألقي القبض على الحاج عراب فأخبر أجهزة الأمن عن تفاصيل خطة مفترضة لتفجير المطار وعن كل أعضاء الجماعة التي تخطط لهذه العملية بما فيها حسين عبد الرحيم وسوسان ويوسف بوصبيع. ولكنه أخبرهم أيضا بأن الجماعة تنوي فعل ذلك دون التسبب في خسائر بشرية وتريد أن تشتغل على طريقة المافيا الإيطالية باستعمال الهواتف النقالة والمثبتة على السيارات في اتصالاتها وتقوم بعمليات ضد أهداف استراتيجية. واستطاعت أجهزة الأمن بناء على اعترافات الحاج عراب أن تلقي القبض على أكثر من خمسين شابا أغلبهم لا علاقة لهم بالموضوع ولكنها لم تلق القبض على المعنيين الحقيقيين رغم علمها بهم وتركتهم يتجولون بكل حرية بسياراتهم وجوالاتهم دون أن يعترضهم أحد (ولكن دون أن يخبرهم الحاج عراب بأنه كشف مخططهم لأجهزة الأمن). وقد بقيت هذه الجماعة بجميع عناصرها ومن انضم إليهم لاحقا مراقبة من طرف أجهزة الأمن.
إلى هنا يبقى السؤال المطروح هو: كيف سمح لهذه الجماعة بتنفيذ تلك العملية البشعة رغم وجود عناصرها تحت الرقابة المباشرة لأجهزة الأمن؟
التقيت بيوسف بوصبيع الذي يفترض أنه هو واضع القنبلة في المطار حسب الرواية الرسمية. كان من المفترض أن ينفذ فيه حكم الإعدام مع رفاقه السبعة حوالي أفريل 1993 ولكن تأجل تنفيذ الحكم فيه هو بالذات لأسباب إجرائية فكان لقاؤنا بطلب منه في عيادة السجن أثناء خضوعه لفحص المراقبة الذي يجرى قبل تنفيذ حكم الاعدام. وقد بلغه أنني أدنت عملية التفجير ووصفت المسؤولين على تنفيذها بالمجرمين الأغبياء فساءه كلامي.
قال لي هذا الرجل: رغم أنني سمعت عن مروءتك ممن أثق فيهم إلا أنني لست متأكدا من عدم انتسابك للمخابرات. ولكنني مع ذلك واثق من أمانتك وحبك للخير وأريدك أن تعلم وتخبر من تتوسم فيه الخير من أصدقائك الضباط بأن القنبلة التي انفجرت ليست هي القنبلة التي كنت أحملها وأن المكان الذي انفجرت فيه ليس هو المكان الذي كنت أريد وضعها فيه. القنبلة التي كنت أحملها كانت حشوة بارودية تقليدية الصنع خالية حتى من الشظايا لا يمكن أن تحدث الدمار الذي خلفه التفجير والمكان المقرر لوضعها كان تحت برج المراقبة وليس في قسم الركاب. قلت: وكيف ألقي القبض عليك؟ قال: القي القبض علي في المطار وأنا أحاول وضع القنبلة. قلت: إذن فقد كنت متابعا. قال: أظن ذلك لأنني منذ أن اقتربت من دورة المياه المحاذية للبرج تم الهجوم علي وأصبت بطلقات نارية ولم أعد أذكر شيئا. ولم أسترجع الذاكرة إلا أمام هيئة الاستنطاق مع حسين عبد الرحيم و سوسان. قلت: وكيف سمحت لنفسك بتفجير مبنى فيه أناس أبرياء؛ أتعتبر هذا جهادا؟ قال: لقد قلبنا الأمر في هذا طويلا وكان غرضنا لفت انتباه العالم إلى القضية ولذلك فإن الحشوة كانت ستحدث هلعا كبيرا ودخانا كثيفا في المطار ولكنها لم تكن لتتسبب في تدمير المبنى أو سقوط قتلى. قلت: وكيف فكرتم في تنفيذ عملية كشفها النظام منذ شهر مارس؟ وهنا اندهش الرجل وقال: ومن قال لك هذا؟ قلت: هل تعرف الحاج عراب؟ قال: نعم. قلت: ألم يخبركم بأنه كشف مخططكم وبلغ عن أسمائكم؟ قال: لا أبدا. وهل ذكر أسماءنا؟ قلت: نعم. بل ذكر حتى وضعيات جلوسكم وأنتم تتكلمون عن الموضوع متسترين بالاجتماع من أجل عقيقة المولودة الجديدة لبعض إخوانكم. قال: الآن تيقنت من صدقك. لقد خدعنا من داخل صفنا قبل أن يخدعنا النظام. قلت: وكيف لم تحاولوا التأكد من الأمر طوال هذه المدة بعد أن تم القبض على العشرات من تنظيمكم؟ قال: إنهم لم يكونوا من تنظيمنا ولا يعرفني أحد منهم. ولكن الحاج عراب وفر لنا مكان للاجتماع في بيته الذي اشتراه بأموال المتبرعين من أنصار المشروع الإسلامي ولم نتوقع أنه كان مهتما بالموضوع لأنه لم يكن يعنيه في شيء. وقد تحفظنا فترة من الوقت ولكننا لم نلمس أية ردة فعل من النظام ضد الافراد المعنيين بالخطة فانخدعنا. كما أن الجماعة التي خططت للعملية ليست هي التي أخذت المبادرة لتنفيذها. قلت: أتعني أن حسين عبد الرحيم لم يأمركم بذلك؟ قال: حسين عبد الرحيم لم يكن أميرا علي في هذه المرحلة. القرار اتخذ من طرف إمارة الجماعة الاسلامية في الوقت الذي كان على رأسها محمد علال. قلت: وكيف استطعت الوصول إلى المطار؟ قال: لقد رافقني إلى المطار سيد أحمد مراد العريف السابق في الحرس الجمهوري وقد استغل علاقته الشخصية مع عناصر الحواجز الأمنية لتسهيل الوصول إلى المطار. قلت: وهل ألقي عليه القبض؟ قال: لا. قيل لي أنه تمكن من الفرار بعد أن ألقي علي القبض ثم سافر إلى إيران ومنها إلى أفغانستان بعد ذلك. قلت: وهل اكتشف أمره؟ قال: نعم. هو متهم معنا في القضية. قلت: وكيف خرج إذن؟ قال: والله يا سي أحمد لقد بلغني أنه سافر من نفس المطار بعد أيام من العملية وعاد بعد ستة أشهر وتم تنصيبه أميرا على الجماعة الإسلامية بعد ذلك (وهو المدعو جعفر الأفغاني) ولكنني لن أحمل نفسي وزر اتهامه بشيء لأنني مقبل على الله في أية لحظة ويكفيني ما تحملته إلى حد الآن. قلت: أتخاف الله في اتهام شخص مشتبه في أمره ولا تخافه في اتهام شعب كامل بالكفر دون بينة يا يوسف؟ قال: أشهد علي أنني لا أكفر أحدا بعينه ولكنني أكفر النظام الذي يمنع المسلمين من الاحتكام لشريعة الإسلام. قلت: وإذا قلت لك بأن داخل هذا النظام من هو أحرص منك على مرضاة الله والتضحية في سبيل دينه وأقدر على مواجهة الفساد فيه وهم جنود وضباط من مختلف الرتب؟ قال: والله لو تأكد الإخوة من وجود أمثالكم في الجيش لما تعجلوا في المغامرة بمواجهة هؤلاء الطغاة. ولكن قدر الله وما شاء فعل. قلت: وهل هناك إخوة من جماعتك معنا في سجن البرواقية. قال: نعم ولكن أترك لي فرصة الحديث إليهم قبل أن تكلمهم أنت لأن بعضهم يظنون أنك من ضباط المخابرات وقد يسيؤون الظن بك. ولكن يمكنك الكلام مع جمال العسكري لأنه ابن جنرال في الجيش ولن يتحرج في الكلام معك لأنه شجاع ويعرف كل شيء عن عمل الجماعة.
ورغم أنني التقيت بيوسف في مناسبات أخرى وحدثني بكل ما يعتلج في صدره إلا أنه لم يتمكن من الاتصال ببقية المجموعة إلى أن قتل في أحداث البرواقية في نوفمبر 1994 كما أنني لم أقم طويلا بعد ذلك في سجن البرواقية حيث تم تحويلي إلى سجن الحراش. ولكن مع ذلك فقد التقيت بجمال العسكري وتحدثت معه طويلا وأكد لي كل ما قاله يوسف رحمه الله وبتفصيل أكبر.
من خلال هذه المعلومات الموثقة في محاضر الاستنطاق لدى أجهزة الأمن والتي لا يزال بعض الشهود عليها أحياء ومنهم الحاج عراب وجماعته يتضح جليا أن أجهزة الأمن كانت تتابع حركات المنفذين المفترضين بدقة وقد تمكنت من إلقاء القبض عليهم خلال أقل من أسبوع بعد الحادث رغم تواجدهم في أماكن متفرقة من الوطن. وبقي على التاريخ أن يكشف لنا سر إمهال حامل الحشوة البارودية حتى يصل إلى المطار ثم سر تحولها إلى قنبلة من المتفجرات البلاستيكية الكاسرة شديدة المفعول التي لم تستعملها الجماعات الإرهابية لا قبل هذه العملية ولا بعدها ثم سر إعدام متهمين مقبوض عليهم قبل تنفيذ العملية بشهور مثل الملياني.
2 المقابلة الأولى مع العميد أحمد قايد صالح قائد الناحية العسكرية الثالثة ببشار وقائد أركان الجيش الوطني الشعبي منذ سنة 2004.
بعد اعتقالنا في شهر مارس تمردت مجموعات من الجبش الوطني الشعبي كما سبقت الإشارة إليه وكان من بينها تمرد مجموعة من الفوج الرابع للمدفعية التابع لفرقة المدرعات 40 التي يقودها العميد بوغابة رابح والمتمركزة في قطاع العمليات الشمالي للناحية العسكرية الثالثة كما تمردت مجموعات أخرى من الناحية العسكرية الثالثة. مما جعل العميد أحمد قايد صالح يجمع ضباط الناحية ويتوعدهم بالعقاب الشديد إذا فكروا في التمرد وقال لهم: لو تمرد الجيش كله فإن القيادة لن تتردد في استئجار جيش من الخارج لفرض سلطتها على الجميع. هذا ما نقله لنا قائد أركان فوج المدفعية 40 الذي حضر التجمع قبل أن يعتقل من طرف المخابرات ويلحق بنا في السجن مع المتمردين من الناحية وقد سمعه أكثر من ثمانين عسكريا غيري. في هذا الوقت بالذات زارني المبعوث الخاص لوزير الدفاع النقيب الأزهر داخل السجن العسكري وحضر اللقاء الرائدان وكيل الجمهورية العسكري والمدير الجهوي للأمن العسكري وقدم لي النقيب الأزهر عرض وزير الدفاع اللواء نزار خالد. كان العرض متمثلا في صفقة أقوم بموجبها بمساعدة القيادة في اعتقال السعيد مخلوفي أو قتله مقابل أن يطلق سراحي مع كل من معي وتؤمن لي إقامة مكفولة في الخارج مع أولادي على حساب الدولة إن خشيت الانتقام من طرف الاسلاميين. وقال لي: إذا وافقت على العرض فإنك لا تحتاج إلى العودة إلى الصندوق وسنطير فورا إلى العاصمة. وكان ردي صريحا وواضحا حيث قلت: لم يكن أحد من آبائي عميلا لأحد، ولا يمكن أن أكون أنا كذلك. أما الغدر فلو كنت أقبله لنفسي لأظهرت الموافقة على عرضكم وغدرت بكم بعد ذلك انتقاما لما لحقني منكم من الظلم. فأنا معترض على سياسة القيادة في معالجة القضية مبدئيا ولست مستعدا للمساومة على موقفي بأي ثمن.
وقد حاول مدير الأمن العسكري أن يعرض الصفقة على النقيب مخلوفي عامر ابن عم السعيد مخلوفي الذي كان مسجونا معي وهدده بالاعتداء على شرف أهله إذا لم يقبل العرض؛ تفاديا للعودة إلى نزار بخفي حنين. وقد بلغني أن النقيب مخلوفي عامر تم اغتياله مباشرة بعد خروجه من السجن العسكري ببشار ولكن لم يتسن لي التأكد من الخبر بنفسي.
بعد هذا اللقاء وفي الاسبوع الأول من شهر ماي 1992 استدعاني قائد الناحية العسكرية الثالثة اللواء أحمد قائد صالح وسألني عن حقيقة الدعوى المرفوعة ضدي وعن أسباب ظاهرة التمرد التي تفشت في قواعد الجيش وأمور أخرى. وقد كان وكيل الجمهورية حاضرا معنا. فبينت له أولا بأن الدعوى المرفوعة ضدي هي حق يراد به باطل. فالوقائع التي تأسست عليها القضية هي ثمرة التسيب التي يعاني منه الجيش الوطني الشعبي منذ سنوات وأنا لست مسؤولا عنها لا من قريب ولا من بعيد. وعلاقتي بالموضوع هي علاقة الضابط المسؤول الحريص على معالجة المشاكل الداخلية للجيش في الإطار الذي يحفظ على الجيش تماسكه وشعبيته ووطنيته وهويته التي ضحى من أجلها ملايين الشهداء. أما الذين اتهموني فهم أؤلئك الذين يريدون أن يحولوا الجيش إلى آلة قمع لا هوية لها ولا عنوان، لذلك يريدون أن يفصلوه عن عمقه الشعبي والوطني فيصبح كالسمكة خارج الماء يتصرفون فيه كما يشاؤون. وقد تم البدء بتصفية الضباط المرؤوسين الموثوقين لدى القيادة ومن ذوي التوجه الوطني كما استهدفت القوات الخاصة التي تعتمد عليها القيادة في حمايتها القريبة ببث البلبلة في صفوفها لتبرير تعويضها بعناصر المخابرات والدرك ليسهل على القيادة السياسية الجديدة تطهير الجيش من كل ما يمت للوطنية ومبادئ ثورة التحرير بصلة. وأنا متأكد من أنك مستهدف شخصيا مع ضباط آخرين.
أما بالنسبة للتمردات فاعلم يا سيادة اللواء بأن العرفاء وضباط الصف بعد الإهمال الذي تعرضوا له والعجز الذي لمسوه في القيادة أصبحوا يبحثون عن البدائل بأنفسهم ولذلك وقعوا ضحية للوضع المتأزم الذي لم يتسببوا فيه فجرفهم تيار التذمر العام في البلاد والذي إذا لم يتم التعامل معه بحكمة فإنه سيأتي على الأخضر واليابس. وهل يجدر بي بعد أن رجعوا إلي للمشورة قبل أن يتورطوا، أن أسلمهم لمن سيؤكد لهم شرعية التمرد بسلوكه الإجرامي. لقد جاءني هؤلاء العسكريون وهم على وشك التورط مع مدنيين في تمرد مسلح وجدوا كل ما يبرره في سلوك القيادة وتعاملها الخاطئ مع الأحداث. فماذا كنت تريد مني أن أفعل؟ أن أسلمهم لمخابرات لا تحسن شيئا غير هتك أعراض الجزائريين وامتهان كرامتهم؟ سيتمرد آخرون غيرهم بعد ذلك ولن يثقوا في أحد…على كل حال، لقد اجتهدت في معالجة هذه القضية بكل تبصر، وما زلت مقتنعا بأنها الطريقة المثلى في معالجة هذه القضية. أما إخلاصي ووطنيتي فأنا لست بحاجة إلى ضباط المخابرات لاثباتهما وأنت سيادة اللواء أولى بمعرفة ذلك. وإن كنت نسيت فما زالت عندي رسالة التهنئة التي تلقيتها منك سنة 1982 عندما كنت رأس السهم في قطاع العمليات الأوسط وطلبت منكم المرابطة في الثغر الأمامي إلى أن ينتهي مشكل الحدود الغربية للجزائر، في الوقت الذي كان فيه الضباط المتحمسون لقتل المدنيين اليوم يزورون شهادات الإعفاء من الخدمة لتجنب البقاء في منطقة العمليات وهم اليوم ضباط سامون يتزلفون للقيادة كأنهم أبطال.
كان اللواء يستمع إلي بصبر جميل ولكن بحذر كبير، وكنت أعرف شخصيته جيدا. وبعد أن بلغت هذا القدر من الحديث تدخل قائلا: عجبت لأمرك، ألم تكن تثق في قيادتك؟ ألم تقل أنك تثق بي أنا؟ قلت: ومازلت أثق بك وبكل المخلصين. قال: فلماذا لم تتصل بي عندما علمت بهذه الأمور الخطيرة وتعفي نفسك من هذه المسؤولية؟ قلت: لقد عرفتك وأنت برتبة رائد وكنت مستعدا لتنفيذ أوامرك دون نقاش وأخبرك بكل شيء دون تحفظ لأنني كنت مقتنعا بقدرتك على حمايتي وتحمل المسؤولية على الأوامر التي تصدرها. أما اليوم فأنا متأكد بأنك لا تستطيع أن تشفع حتى لنفسك وأنت برتبة لواء لأن اسمك مكتوب بقلم الرصاص كما أكد لي ذلك ضباط الأمن في مركز الاستنطاق. وهذا الأمر لم يكن خافيا على أحد على كل حال. فكيف تريدني أن أقامر بحياة شباب أبرياء وضعوا ثقتهم في؟
صمت اللواء قليلا ثم قال وهو يتأهب للنهوض: مع أنني أتفهم الظروف المحيطة بقضيتك فإن ما وقعت فيه أنت بالذات يا شوشان خيانة للثقة التي وضعتها القيادة فيك. لقد كنت أتمنى أن تتاح لي فرصة زيارتك وأنت قائد ناحية عسكرية بعد تقاعدي من الخدمة واستمتع بالحديث معك عن ذكريات 1982، ولكن للأسف خاب ظني فيك والظاهر أنك ستقضي باقي حياتك في السجن، هذا إذا لم يعدموك. قلت: أنا أيضا كنت أتمنى أن يتحقق ذلك ولكن ليس على حساب الشرف العسكري. قال وهو ينصرف: لم أتوقع أن يأخذ مني اللقاء كل هذا الوقت وسأعود للحديث معك في وقت لاحق.
دامت المقابلة ساعة كاملة تقريبا تأكدت خلالها من أن الطرف الحريص على تقديمنا قربانا للقيادة هو جهاز المخابرات تحديدا للتغطية على فشله في تقدير الموقف وتوريط القيادة في هذه الأزمة. واستقر رأيي على التعامل مع الوضع بكل إيجابية. فنصحت كل العسكرين بتجنب لغة التحدي والاستفزاز التي غذاها فيهم اليأس من إمكانية التصالح مع من امتهنوا كرامتهم بمركز الاستنطاق وبدأت أفكر مع بعض الضباط في الطريقة المثلى لفك الحصار المضروب علينا. وقد كان لتلك الزيارة أثر حسن على المساجين، حيث صدرت تعليمات بتغيير ملابسنا وتزويدنا بالماء الكافي للاغتسال كما شعر ضابط المناوبة المكلف بحراستنا بنوع من الارتياح واعتذر لي عن القسوة التي كان يتعامل بها مع المساجين خوفا على نفسه. ومن الطريف أنه كان من الضباط الذين أشرفت على تدريبهم سنتي 1989/90.
وخلال الأسبوع الأخير من شهر ماي 1992 استدعاني مدير السجن ليخبرني بأن قائد أركان الجيش سيزورنا في السجن وعلي أن استعد لمقابلته وطلب مني أن أوصي المعتقلين معي بعدم إثارة الشغب أثناء الزيارة والإلتزام بالانضباط العسكري حتى يجنبوه المشاكل. فطلبت من جميع العسكريين أن يبرهنوا على انضباطهم ويدافعوا عن أنفسهم بكل شرف إذا أتيحت لهم الفرصة. وفعلا حصل ما توقعته. فقد طلب اللواء قنايزية قائد أركان الجيش مقابلة بعض الضباط وضباط الصف لمدة دقائق وبخهم فيها على التمرد على القيادة قبل أن يستدعيني إلى جلسة دامت ساعة تقريبا وحضرها كل من اللواء أحمد قائد صالح والعميد بوغابة رابح والعميد معزوزي والمقدم ممثل جهاز المخابرات ووكيل الجمهورية العسكري الرائد قندوز وتكفل مدير السجن النقيب لعرابي جمال بخدمة الحاضرين فكان يدخل ويخرج وقد سمع مقتطفات من الحوار.
ـــــــ
الحلقة السابعة ستنشر بحول الله يوم الخميس 31 يناير 2008.

———-

ـ 7 ـ
الأزمة الجزائرية
شاهد من قلب الأحداث
بقلم : النقيب أحمد شوشان | صوت الجزائر | الخميس 31 يناير 2008
الفصل الثاني
الجزء الثالث
مقابلة قائد أركان الجيش الوطني الشعبي اللواء قنايزية عبد المالك (وزير الدفاع المنتدب حاليا)
كانت هذه المقابلة حاسمة في مسار قضيتنا لعدة اعتبارات منها:
ـ أن اسم اللواء قنايزية عبد المالك من الاسماء التي اقترحت علي من طرف الجلادين في مركز التعذيب ببن عكنون لاتهامه بتدبير الانقلاب المنسوب إلي. وهو ما يدل على أنه ليس من النواة الصلبة لمشروع اللواء نزار خالد. ولكنه بحكم انتمائه ومنصبه في هذا الظرف الحساس يمكنه التأثير بفعاليه في القرارات المتعلقة بالجيش.
ـ أن اللواء قنايزية رغم انتمائه لضباط الجيش الفرنسي من أصل جزائري فإنه لم يكن شخصية دموية شرسة الطبع ولا عدوانيا مثل خالد نزار وعباس غزيل ومحمد العماري. بل إن استخفاف نزار خالد به وتمرد العماري عليه لم يكن خافيا على عامة العسكريين بسبب ليبراليته التي عرف بها حتى في حياته الخاصة والعائلية. وهذا ما يجعله أكثر تعقلا وروية عندما يتعلق الأمر بالعنف والقتل.
ـ أن الفترة التي زارنا فيها اللواء قنايزية كان وزير الدفاع نزار خالد في حالة صحية سيئة كما كان خلالها العميد العماري معاقبا من طرف رئيس السلطة الجديد بوضياف وموضوعا تحت تصرف وزير الدفاع بدون مهمة. ولذلك فأن اللواء قنايزية كان في موقع قوة تسمح له بأخذ المبادرة بحرية أكبر في القضايا الخاصة بالجيش.
كانت لي معرفة سابقة بجميع الحاضرين، ولذلك قمت بتفحص الحضور في القاعة ثم توجهت بالتحية العسكرية مباشرة إلى اللواء قنايزية الذي لم يكن يتوسط المجلس وقدمت نفسي وفق نظام الخدمة في الجيش.
كان قائد الأركان يبدو هادئا ومركزا وكان أول ما قاله: إذن فأنت فعلا النقيب شوشان! ثم استدرك: أقصد كنت نقيبا قبل أن تتمرد. ثم أردف متسائلا: ما الذي دفعك إلى التمرد علينا؟ ألم نوفر لك فرصة للتكوين والسكن والحياة المريحة؟ ما الذي حصل لعقلك؟ ماذا تريد؟ أتريد أن تفرض علينا الإسلام بالقوة؟ نحن مسلمون خير من جميع العرب. وقد عشت مع الجيش المصري ورأيت الجيوش العربية كلها؛ إننا أكبر الجيوش محافظة على تعاليم الإسلام. فلماذا تريد أن تستورد لنا إسلاما جديدا وتتآمر مع الحرﹶكة على القيادة التي وضعت فيك ثقة عمياء؟….. إن الجرثومة المصرية التي أنشاها البنا في مصر لن نسمح لها أن تعيش في الجزائر…. سنستأصلها مهما كلفنا الثمن… فإما نحن وإما هم. إنني أعذر كل العسكريين المغرر بهم والمتورطين معك في هذا الأمر نظرا لضعف تكوينهم المعنوي والسياسي، ولكنني لا أجد عذرا لضابط مثلك يشهد له كل من عرفه بالكفاءة العسكرية العالية، وهذه ستكون حجة عليك. لقد أحرجت جميع قياداتك وأثرت البلبلة في صفوف زملائك من الضباط. ألا ترى أين أوصلت نفسك؟ ومع ذلك فإنك لم تستطع أن تفعل شيء؟ هل ظننت أنك في بوركينا فاسو؟ أليس هذا مبررا كافيا لشعورك بالخجل والندم على ما بدر منك؟… لقد أخبرني قائد الناحية أن لديك ما تقول. تكلم أسمعني ما عندك! وإن كنت لا أعتقد أن منه جدوى. تفضل!
كنت أستمع إليه وأنا واقف، وكنت حريصا على أن يحافظ على هدوئه حتى يعطيني فرصة لإيصال وجهة نظري إليه. وقد بدا الحاضرون وكأن على رؤوسهم الطير. ولو أنني حاولت الرد عليه أثناء سرده للأسئلة لانحرفت المقابلة على ما كنت أريده منها.
وبعد أن أفرغ اللواء ما في جعبته وطلب مني الكلام ظللت صامتا حتى أذن لي بالجلوس، فقلت: سيادة اللواء، أرجو أن تصبر علي حتى أكمل كلامي لأن عندي على كل ما أقوله أدلة دامغة. ولكن الأمر ليس كما وصفته. فتدخل اللواء قايد صالح وقال بنبرة مشجعة: تكلم يا شوشان، سيادة اللواء يريد أن يسمع منك كل شيء. وكن صريحا كما فعلت معي. قلت:
أولا أريد أن أؤكد لسيادة اللواء أنني أتكلم معه بصفتي كنقيب في الجيش وأنني لن أتنازل عن هذا الشرف أبدا لأنني اكتسبته عن جدارة واستحقاق ما زلت أتمتع بهما. كما أن التواطئ مع الحركة واستيراد الإسلام من الخارج لا ينطبقان علي أنا بالذات. فأنا ولدت في المركز 24 للثورة من والدين مجاهدين وتربيت في أحضان المدرسة الوطنية من طور الحضانة إلى أن أصبحت نقيبا. كما أنني لم أكحل عينيي بمنظر خارج الجزائر منذ ولدت، ورفضت الابتعاث إلى الخارج حتى لا يشهر في وجهي هذا السيف في موقف كهذا. أما خيانة الثقة التي وضعتها القيادة في، فإنها افتراء باطل لا دليل عليه، والاعتراض على القيادة فيما يضر بالمصلحة الوطنية ليس خيانة للثقة بل هو من صميم الوفاء والإخلاص للقيادة وللوطن على حد سواء. وقد اعترضت على أمور كثيرة قبل هذه المناسبة وحررت تقارير عديدة وساهمت بفعالية في تقويم برامج التدريب وقدمت استقالتي من الجيش 3 مرات احتجاجا على ما اعتبرته خطأ لا يسكت عليه. وقادتي كلهم يعرفون هذا عني، وإذا أنكروا ذلك فبيني وبينهم الوثائق والمستندات. إن الذين خانوا الثقة هم أولئك الذين يصرون على تعديل كل المشاريع والتقارير المرفوعة إلى القيادة وتحريف الأوامر والتعليمات الصادرة عنها لتصب في خدمة مصالحهم الشخصية وتحقق أهداف الانتهازيين على حساب المصلحة العليا للوطن… من الذي غرر بالقيادة وأوهمها بأن الجيش مؤهل لمواجهة عصيان مدني يا سيادة العميد؟ إنه ليس أنا بالتأكيد. بل إنني رفعت إلى القيادة تقريرا مفصلا في الوقت المناسب بينت فيه أن الجزائر مقبلة على تحول سياسي جذري يضع الجيش أمام تحد كبير يتطلب من ضباطه قدرة عالية على التحكم في النفس ومغالبة التردد بحكمة وأرفقته ببرنامج متكامل لتأهيل الضباط في هذا المجال. وقد سلمت الملف إلى العميد عبد المجيد شريف قائد الأكاديمية العسكرية لمختلف الأسلحة بشرشال ووافق عليه مبدئيا وعرض الفكرة على قائد القوات البرية العميد محمد لعماري الذي أقر الفكرة وطلب منا تقريرا مفصلا عن الموضوع وأعطاني الضوء الأخضر شخصيا في إنجاز المرافق المطلوبة حتى قبل إقرار المشروع رسميا. ولكن المشروع الذي اقترحته تم تعديله على مستوى مديرية التدريب للاكاديمية ليصبح مشروعا لتكوين موظفين مرتزقة اقتصر على التكوين البدني والمهني بدون تأهيل نفسي ولا معنوي. إن اللجنة التي عدلت المشروع كانت تريد أن يتخرج من الأكاديمية العسكرية سادة عسكريون فرنسيون وليس ضباط جيش وطني شعبي. وعلى رأس هذه اللجنة الرائد بوزيد والنقيب بوزيدي الذين يحقدان على كل ما هو عربي أو إسلامي أو وطني في الجزائر. وقد اتصلت بمدير التدريب المقدم كليب ونبهته لخطورة الأمر فقال لي: لقد حذفنا الجانب السياسي من المشروع بأمر من القيادة. فراسلت مدير الأكاديمية العميد غدايدية فقال لي: موافقة القيادة على المشروع خطوة جيدة. ويمكننا مراجعة القيادة في الموضوع أثناء تنفيذه وبعث لي برسالة تهنئة نيابة عن قيادة الجيش. فسررت بذلك واعتبرته نجاحا لمؤسسة الجيش. أأكون أنا خائن ثقة والذين يضللون القيادة ويحاربون القيم الوطنية أوفياء؟
أنت نفسك يا سيادة اللواء كنت تأتي إلى المركب الرياضي للأكاديمية دون أن يشعر بك أحد، وكنت أبعث من يصحبك إلى مخزن الألبسة والعتاد الرياضي. أليس كذالك؟ ما الذي منعني من اختطافك غير صيانة الثقة؟ يمكنك التحقق من ذلك باستدعاء صف الضباط الذين كانوا يصحبونك إلى المخزن، إنهم معي في السجن. يمكنك استدعاء الضباط وضباط الصف الموجودين في السجن. إن منهم من كان في طقم الحراسة الخاصة بك أنت شخصيا وبقائد القوات البرية ومنهم من كان مرافقا شخصيا لوزير الدفاع وقادة آخرين. يمكنك أن تسألهم لتتأكد أن الذي دفعهم للتفكير في اغتيالكم والثورة عليكم هو فشل القيادة في إقناعهم بصواب قراراتها وليس التغرير بهم من طرف شوشان ولا علان وستتأكد أيضا من أن الذي منعهم من اغتيالكم وأجل انفجار الوضع في الجزائر هو أنا وليس جهاز المخابرات. فكيف تصفني بخيانة الثقة يا سيادة اللواء وأنا الذي لو شئت لكنت أنت مكاني في هذا السجن؟….. كان اللواء مسترخ فانتصب واشرأبت أعناق الحضور…. فأكملت حديثي قائلا: إعلم يا سيادة اللواء أن الذين عذبوني في مركز الاستنطاق عرضوا علي أن أتهمك بأنك القائد الأعلى للتمرد مقابل تخفيف العقوبة عني ولكنني رفضت…. وهنا ارتفع صوت المقدم ممثل المخابرات قائلا: لماذا هذا الكذب على القيادة! خاف ربي….؟ فأجبته بصرامة: أنت لست في مركز الاستنطاق يا حضرة المقدم وأولى لك أن تطلب الإذن من اللواء قبل أن تتدخل. ودعني أزيدك أنهم اقترحوا علي اسم العميد حشيشي زين العابدين والعميد لمين زروال والعميد عبد المجيد شريف والعقيد بن زمرلي ولكنني رفضت. هذا هو ميزان الثقة الذي اتهمت على أساسه. و دعني أعطيك يا سيادة اللواء ما يطمئنك إلى أنني لست بحاجة إلى الافتراء على أحد وحتى يطمئن حضرة المقدم.
أولا: هل أخبرت أنت كقائد للأركان بقرار اعتقالنا أو سببه أثناء استنطاقنا؟ أنا متأكد أنك لم تعلم بحقيقة الأمر إلا بعد أن تيقنت القيادة الفعلية من براءتك. هذا ما قالوه لي وأنت أدرى بالحقيقة. فمن هو الموثوق في هذا الجيش إذا كان قائد الأركان نفسه محل شبهة؟ ومن أين لي أن أعرف أنهم لم يخبروك لا أنت ولا اللواء قائد صالح؟ ثم وجهت الكلام إلى اللواء قائد صالح قائلا: لو أخبروك بأن الضباط الذين استدعوهم إلى العاصمة متهمون بالتمرد على القيادة لما تفاجأت بثلاث تمردات بعد ذلك. أليس كذلك يا سيادة اللواء؟ أنا لم ينزل علي الوحي بهذه المعلومات وإنما اكتشفت ذلك من خلال محاولة المخابرات إقناعي باتهامكم.
ثانيا: هل يعرف أحد من أفراد الجيش وربما حتى العمداء الجالسون معك الآن مصير العميد محمد العماري؟ سأخبرك أنا المسجون في صندوق حديدي منذ ثلاثة شهور ما حصل له. لقد حمله بوضياف شخصيا المسؤولية على تمردنا وأمر وزير الدفاع بعزله من منصبه ومعاقبته واختار هو شخصيا العميد خليفة رحيم خلفا له. وهو الآن في الإقامة الجبرية تحت تصرف وزير الدفاع ولا يستبعد أن يقدم للمحاكمة معنا. هذه هي الحقبقة التي لا يعرفها حتى بعض العمداء في القيادة. والطريف في الأمر أنه لم يعف من مهامه بطريقة مشرفة كما يفعل بالضباط المحترمين وإنما تمت محاصرته وفرض عليه الأمر الواقع بالقوة. ولولا الخوف من البلبلة لتم اعتقاله مثل ما فعل بنا ووضع معنا في الصندوق الحديدي. أنا لم أكن معه ولكن الذين اتهموني بخيانة الثقة هم أنفسهم من نفذوا قرار الإقامة الجبرية في حق العميد العماري وشمتوا به أمامي مثل ما شمتوا بي أمامكم وهم يتوقعون أن ينزلوا به حكما قاسيا بدلا مني.
أمر ثالث يا سيادة اللواء: لقد كنت حاضرا في الاجتماع الذي عقدته مع قادة الوحدات الفرعية بمدرسة العتاد بالحراش والذي أكدت لهم فيه بأن الشعب الجزائري إخوانكم وأن الجيش مكلف بحفظ الأمن ولا دخل له في الخلافات السياسية وأن إطلاق النار على المدنيين ممنوع ممنوع ممنوع ولا تعترفوا إلا بالأوامر المكتوبة والمصادق عليها من طرفي شخصيا أو من طرف قائد القوات البرية العميد محمد العماري. ولا تطلقوا النار إلا عند الضرورة القصوى فوق الحزام وأن كل من يخالف هذا الأمر مسؤول أمام القانون وأمام ربه. وأصدرت بهذه التوصيات تعليمة رسمية.
فلماذا لا يعتبر الذي أخذ المبادرة في إطلاق النار على المدنيين في ساحة الشهداء وساحة أول ماي وفجر الوضع خائنا للثقة بينما يعتبر الذي ذهب ضحية لتذبذب مواقف القيادة خائنا لثقتها؟ هل تعرف يا سيادة اللواء أن عناصر الفوج الرابع المحمول جوا تجاوزوا الحدود في النهب والسلب بمناسبة أحداث قمار إلى درجة أن الملازم الأول غوار وحده نقل أسلابه على متن الطائرة العسكرية هيركل- 130 من واد سوف إلى الأغواط ثم نقلها على متن شاحنتين عسكريتين من الأغواط إلى المسيلة. أنا أعلم أنه يمنع استعمال العتاد العسكري لأي غرض شخصي فكيف يستعمل هذا الصعلوك طائرة عسكرية لشحن ما سرقه من بيوت المواطنين بقوة السلاح. هل تصدق أن الرائد محمد أوبشير يستبيح المساجد ويخرب جدرانها بالرصاص ويستولي هو وجنوده على كل تجهيزات المسجد من سجاد ومكبرات صوت وغيرها؟ أتدري أن جنود الجيش الوطني الشعبي يعتدون على الجزائريات الحرائر في الحواجز؟ إنهم لا يفتشون الرجال وإنما يتعرضون للنساء؟ إلى أين نحن ذاهبون يا سيادة اللواء؟ وعن أي ثقة نتحدث؟ الذين خانوا ثقتكم هم الذين يتصرفون تصرفات المجرمين والصعاليك وتوجههم الجرائد الفرنكوفونية ويضللونكم بالتقارير الكاذبة والكلام المعسول.
إن كل هذا وغيره هو الذي دفع من فيه ذرة من رجولة إلى التفكير في فعل شيء تبرأ به ذمته وتقاطعت بعض أفكارهم مع السعيد مخلوفي ومن معه وفكروا فعلا في القيام بعمليات عسكرية ردا على ما يرونه من حقرة وفساد. وقد بلغني هذا الأمر ودرسته بكل تعقل واجتهدت فيه برأيي بكل إخلاص ومسؤولية. وما زلت أعتقد أنني على صواب لأن السياسة المعتمدة من طرف القيادة إلى حد الآن ستجر البلاد إلى الهاوية.
أما اتهامي بتشكيل جيش إسلامي وإقامة دولة إسلامية أكون فيها وزيرا للدفاع والتآمر على قلب النظام بالقوة، فكلها تهم باطلة لا أساس لها من الصحة. وعلى كل حال يمكنكم التأكد مما قلته لكم بطريقتكم الخاصة. فإذا تأكد لكم صدق ما قلته وعزمتم على تدارك الأمر وتصحيح الوضع فإنني أعدكم وعد رجال بأن المتمردين على القيادة على أساس مبدئي بما فيهم السعيد مخلوفي سيكونون أول المساعدين لكم وسنقف صفا واحدا ضد كل من يريد الشر بوطننا. ومن باب النصيحة أحذر القيادة العسكرية من سطوة جهاز المخابرات لأنه سيأخذها رهينة ويحول الجيش إلى جهاز شرطة يتحكم فيه سيد أحمد غزالي وبوضياف.
بدا لي كأن قائد الأركان لم يكن ينتظر مني ما سمع. وقد كان وكيل الجمهورية يكتب ما أقول. أما باقي الحضور فقد وجموا وكانوا يتبادلون النظرات كأنهم يتبادلون الرأي فيما يسمعون.
عندما توقفت تكلم قائد الاركان وقد ظهر عليه التعب: أتعتقد أن الذين تمردوا سيضعون السلاح؟ قلت: إذا تداركت القيادة الموقف فأنا أعدك وعد شرف بأنني سأقيم الحجة على المتمردين وأقطع عليهم العذر وأنا متأكد من القدرة على إقناع الشرفاء منهم. أما من أصر على الفتنة من المجرمين فأنا سأتكفل بهم مع نخبة من عناصر القوات الخاصة أختارهم بنفسي.
قال: لقد كنت أقود بنفسي الهجوم على المجموعة التي تمردت من ثكنة بني مسوس. لقد شارك في العمليات أكثر من 5000 جندي من مختلف الأسلحة مدعمين بالدبابات والطيران. وقد كنت من طائرة الهلكبتر أراقب الرقيب مولاي علي وهو يقاتل ببندقية رشاشة، لقد كان يفلت من الرمي المباشر عليه من مختلف الأسلحة كأنه ساحر. لقد أحسست بالفخر أن يكون جنودنا مدربين بهذا الشكل. ولكنني تأسفت أن توجه هذه الكفاءة في القتال ضدنا. إننا خسرنا 84 قتيلا وجرحى كثيرين قبل أن نتمكن من القضاء عليه هو واثنين من زملائه. وقد استطاعوا تأمين الانسحاب لتسعة منهم. فإذا كان القضاء على كل واحد منهم يكلفنا فصيلة من الجيش فهذه ستكون مصيبة. أفهمت لماذا أحملك المسؤولية يا شوشان؟
على كل حال لقد سمعت منك ما يكفي، وأنا لن أعدك بشيء ولكنني سأنقل كلامك للسيد وزير الدفاع وننظر ما ستؤول إليه الأمور في قضيتكم.
ثم قام ووجه الخطاب لمدير السجن قائلا: من الآن فصاعدا يتم التعامل مع النقيب شوشان ومن معه وفق القانون العسكري وهم تحت التصرف المباشر لقيادة الجيش ولا يحق لأحد التدخل في شأنهم من غير موافقة قائد الناحية العسكرية. مفهوم؟ ثم وجه الخطاب إلى قائد الناحية قائلا: يعاد التحقيق معهم وفق القوانين المعمول بها، فمن كان بريئا يعاد إلى منصبه ومن ثبت عليه شيء يحاسب وفق القانون. وسآمر بتعيين وكيل جمهورية جديد يتكفل بالموضوع فور وصولي إلى العاصمة. لا علاقة للمخابرات ولا للدرك بهم نهائيا بعد اليوم هل هذا واضح؟ ثم وجه الخطاب لي وهو ينصرف قائلا: ستعاملون كمتهمين حتى يصدر الحكم في حقكم وستتمتعون بكل حقوقكم كمساجين عسكريين. وسنرى من هو في وضع الخضرة على الطعام. ثم خرج الجميع واصطحبني الحرس إلى الصندوق.
ـــــــ
عن قريب تطالعون بحول الله الفصل الثالث من هذه الشهادة.

———-

ـ 8 ـ
الأزمة الجزائرية
شاهد من قلب الأحداث
بقلم : النقيب أحمد شوشان | صوت الجزائر | الاحد 03 أوت 2008
الفصل الثالث
الجزء الأول
أعراض الفشل في العمل الاسلامي المسلح
التمرد الأول في صفوف الجيش
سبق لي الحديث عن الاجتماع السري الذي عقده محيي الدين وريث و من تواطأ معه في 6 فيفري 1992 بضواحي بلدية بن زرقة و الذي كان سببا في فشل مشروع السعيد مخلوفي و اعتقال انصار المشروع الاسلامي من العسكريين. وكان من بين المجتمعين الرقيب الأول مولاي علي والرقيب قنوني محمد الذان تمكنا من الافلات من قبضة المخابرات.
وبعد اعتقالنا في بداية شهر مارس 1992 قام بعض ضباط الصف و الرتباء من فوج الصاعقة المحمول جوا بالاتصال بحسن حطاب عن طريق مولاي علي وطلبوا منه مساعدتهم على التمرد. وهنا أفتح قوسا عن مغزى التمرد في وعي العسكريين.( لقد كان بإمكان هؤلاء العسكريين النجاة بجلودهم و التواري عن الانظار دون الحاجة إلى تعريض أنفسهم للخطر كما كان بإمكانهم القيام بعملية استشهادية داخل الثكنة يقتلون خلالها أكبر عدد ممكن من الجنود والضباط أو غير ذلك مما يعتبر بطولة عند بعض الناس. ولكنهم فضلوا الاتصال بحسن حطاب وجماعته ظنا منهم أنهم أصحاب مشروع إسلامي بديل عن السلطة المجرمة مما يجعلهم أعلم بما تقتضيه المصلحة وتنص عليه أحكام الشريعة الاسلامية. فكانوا يريدون الإنضمام إليهم وتزويدهم بأكبر قدر من السلاح والذخيرة). وعلى هذا الأساس اتفقوا معهم على توفير ثلاث سيارات مدنية وضربوا معهم موعدا على الساعة التاسعة والنصف من ليلة النصف من رمضان.
لم يتمكن لا محيي الدين وجماعته ولا المتواطئون معهم على سحب البساط من تحت السعيد مخلوفي وعبد القادر شبوطي من توفير السيارات الثلاث إلا باللجوء إلى رئيس مكتب الجبهة الاسلامية للانقاذ بدائرة حسين داي في العاصمة المدعو (ح ع).
هذا الإنسان الذي ناهز الأربعين من عمره حكم عليه مرتين من طرف محكمة الجنايات وكان المفترض أن يقضي بقية حياته في السجن كأخف عقوبة له على جرائمه لو لا أن الله تداركه بلطفه وأطلق سراحه بمناسبة العفو الشامل سنة 1990… كيف أصبح هذا الطليق رئيس مكتب في دائرة سكنية في العاصمة تعج بالاطهار من أبناء الصحوة الإسلامية؟ كيف اكتسب الجرأة على قذف الشيخ عباسي مدني بالكفر والشيخ علي بلحاج بالنفاق والأخ عبد القادر حشاني رحمه الله بالفسق على الملأ و هم صامتون؟ كيف كان محسوبا على حزب الجبهة الإسلامية؟ الله أعلم… وقد يجيب هو يوما ما على ذلك لأنه حي يرزق.
المهم هو أن هذا الرجل جمع ما يربو على المليار سنتيم باسم المعتقلين من مناضلي الجبهة. اشترى منها بيتا أنيقا في أرقى حي سكني في العاصمة بحوالي 400 مليون وسيارة عائلية فاخرة من نوع باترول بأكثر من تسعين مليون سنتيم وسيارة شخصية أخرى من نوع رونو 18 توربو بحوالي 40 مليون سنتيم وكان يعيش هو وزوجته كسلطان مملوكي ويعتبره الفقراء أميرا للجهاد على العاصمة وضواحيها. هذه هي حقيقته كما أثبتتها الوقائع وواجهه بها زملاؤه وتحداه بها وكيل الجمهورية العسكري أمام المحكمة ببشار بالأدلة المادية والتي منها ما تبقى من تبرعات المحسنين المقدرة ب 900 مليون سنتيم نقدا ضبطت في بيته وأشياء أخرى.
وأنا لا أذيع بذلك سرا أؤتمنت عليه وإنما أوثق للتاريخ ما شهده آخرون غيري وسمعوه. كما أنني لا أريد بذكر التفاصيل التشهير بهذا الشخص في هذه الشهادة ولا استهدافه بالمحاسبة لأن هذا ليس من شأني؛ وأنا أعتذر مسبقا لمن يعنيه أمره من ولد أو عائلة مذكرا بأن قاعدة الحق الخالدة تقرر أن ( لا تزر وازرة وزر أخرى ). ولكن الضرورة ملحة لمعرفة العوامل الحقيقية التي ساهمت في تفاقم الأزمة التي عصفت ببلادنا و حيرت مآلاتها أهل العقول.
فهذا الرجل اتصلت به جماعة محيي الدين و طلبوا منه تأمين نقل المتمردين على متن السيارات التي اشتراها بأموال أنصار المشروع الاسلامي… وحان الموعد المحدد … وطال انتظارالمتمردين حتى اضطر بعضهم للعودة من حيث أتوا بأسلحتهم والعتاد الذي هربوه معهم فيما بقي آخرون معرضين للخطر لمدة ساعات.
لقد اتفق (ح ع) مع صديقه الميكانكي (عميروش) على أن يعيره سيارة أحد الزبائن (ر9) لنقل المتمردين على متنها كما اتفق الأخير مع صديق آخر (م ز) على سياقة السيارة. ثم اتصل بشاب شريف صاحب نخوة ليس له علاقة بالجبهة بتاتا ولكنه ساهم في نقل الجرحى بسيارته الخاصة من نوع (ج9 ) في مجزرة جوان 1991 بساحات الاعتصام، وطلب منه مساعدته في نقل مجموعة من الإخوة. وبما أن الرجل كان عريسا تلك الليلة اعتذر ولكنه وضع السيارة تحت تصرف (ح ع). فتوفرت للمتمردين في آخر لحظة، سيارة (ر9) سائقها (م ز) الذي لم يكن يعلم شيئا عن العملية وسيارة (ج9) تطوع لقيادتها عبد الكريم بن زرقة. وانطلقت السيارتان آخر الليل محملتين بثلاثة عشر مظليا فيما ترك 6 من المتمردين في حيرة من أمرهم مع ما تبقى من سلاح وذخيرة حتى اعتقلوا. اما أمير الجهاد في العاصمة فقد بقي محتفظا بالسيارات التي اشتراها بأموال المساكين لقضاء حوائجه الخاصة وبات نائما في سبات عميق.
تمكن عبد الكريم بن زرقة الذي هو عنصر في جماعة محيي الدين من نقل 11 مظليا مدججين بالسلاح والذخيرة إلى منزل على مشارف الاخضرية. ولكن (م ز) الذي لم يكن يعرف شيئا عن وجهة المتمردين بقي يجوب شوارع العاصمة على غير هدى حتى طلعت الشمس. ولما أحس باكتشاف أمرهم من طرف أحد الحواجز الأمنية أوقف السيارة في مكان مستور وحاول الاختباء هو ومن معه (العريف هلامي لخضر) و ( الجندي محمد شردود) في أحد المنازل.
وباكتشاف السيارة تتبعت أجهزة الأمن خيط صاحبها واعتقلته (ن ع) فأخبرهم بأن سيارته كانت لدى الميكانيكي (عميروش) لتصليحها. ولما كان (ح ع) قد علم بما جرى فإنه طلب من صديقه (عمروش) الالتحاق بالمتمردين حتى لا يتعرض للاعتقال و ذلك ما حصل فعلا.
لم تستطع أجهزة الأمن أن تصل إلى شيء وراء (عميروش) و (م ز) غير تورط الاول في توفير وسيلة النقل وتورط الثاني في سياقتها. وبقي الأمر على هذه الحال لمدة أسابيع، كان المتمردون خلالها يخططون للقيام بكمائن ضد دوريات الدرك والجيش فيما كان (عمروش) يفكر في الخروج من الورطة التي لم يحسب حسابها. وفعلا تمكن من زيارة أهله وتآمر مع صهره (محافظ شرطة في مطار الدار البيضاء) على الغدر بالمتمردين وأفاده بتفاصيل ما حدث مقابل العفو عنه. وهكذا وجد المظليون المتمردون الثلاثة عشر أنفسهم محاصرين من الجو والبر بأكثر من 5000 مقاتل من مختلف الأسلحة وخاضوا معركة مستميتة لكسر الطوق المضروب عليهم دون وجود مدني واحد من المجاهدين المزعومين. فنجا منهم تسعة وقتل منهم في المعركة ثلاثة (منهم مولاي علي) وتوفي الرابع (محمد قنوني) متأثرا بجراحه.
لقد عانى هؤلاء المتمردون زيادة على الغدر من كل أصناف الحرمان والحصار، فلم يتوفر لهم حتى الحد الأدنى من ضروريات المعيشة لا قبل العملية و لا بعدها و كان ذلك من الاسباب التي تذرع بها عمروش لتبرير خيانته. ولكنهم بعد عناء، التقوا بإمام مسجد بلدية الزبربر الشيخ عامر الذي ساعدهم في التعرف على المنطقة في بداية الأمر وانتهى بهم المطاف أخيرا إلى معاودة الاتصال بحسن حطاب من جديد عن طريق مسعودي المدعو الشيخ مبروك وشكلوا النواة الصلبة لجماعته لاحقا.
أما المتمردان الذان اعتقلا فقد حكم عليهما بالإعدام. ورغم أن السلطة تدعي أنها أوقفت تنفيذ أحكام الإعدام منذ ابريل 1993 فإنني أميل إلى أنهما أعدما بعد ذلك بطريقة ما و أنا مستعد للاعتذار على هذا الاتهام وسحبه إذا تأكد عكس ما ذهبت إليه.
إن هذه التجربة المريرة التي عشناها في الشهور الأولى من تفجرالأوضاع دليل واضح على أن الاستعداد للمواجهة المسلحة مع النظام لم يكن جديا حتى من طرف ما يعرف بالتيار الجهادي في الحركة الاسلامية في الجزائر. ولذلك فإن العمل المسلح من طرف الاسلاميين لم يكن ثوريا بالمفهوم الصحيح للكلمة وإنما كان عملا ارتجاليا غلب عليه طابع رد الفعل الذي سهل كثيرا مهمة الأجهزة الأمنية في التحكم في مسار الأحداث وتوجيهها وفق أجندة السلطة الإنقلابية. وقد جاءت تصريحات القيادات العسكرية العليا مؤكدة لهذه الحقيقة حيث أن وزيري الدفاع والداخلية في حينها قدرا عدد المتمردين بأقل من أصابع اليد في البداية مما يدل على أن السبب المباشر في تفاقم الأزمة الأمنية لا يعود لتآمر مسبق من طرف الإسلاميين على أمن الدولة كما يزعم المتورطون في ذبح الجزائر ولكنه يعود لسياسة الاستئصال المبيتة من طرف الدوائر الشريرة في النظام مما حول الأزمة من طبيعتها السياسية إلى حرب من أجل الوجود لدى شريحة واسعة من الجزائريين. وشتان بين عمل يتم التخطيط له مسبقا وعمل يقوم على رد الفعل.
وقد تكررت هذه المأساة في صور مختلفة مع جميع العسكريين الذين تمردوا خلال الشهور الأولى من انفجار الوضع مما رسخ القناعة لدى العسكريين من أنصار المشروع الإسلامي والمتعاطفين معه بعدم جدوى العمل المسلح بالتعاون مع المدنيين.
بل إن التحاق المدنيين بنا في السجن العسكري سمم العلاقة الأخوية التي جمعتنا على نصرة الحق فاختلفت القلوب وتنافرت النفوس. ومع ذلك فقد بقي على الصعيد الشخصي رجال لم تفتنهم المحنة عن قضيتهم الحقيقية فجعلوا مرضاة الله غايتهم ولولا أن قدر الله سابق في ما يجري بالجزائر لجزمت أن أولئك الرجال على قلتهم أهل لتحقيق النصر المبين على الباطل مهما كانت صولته. ومن هؤلاء الرجال الأخ عيسى أوكديف الذي أحسبه رجل صدق والله حسيبه. وهو مواطن جزائري من العاصمة أب لبنتين وممن شاركوا في حرب الأفغان ضد الروس الشيوعيين. لم يعترف بتهمة الانتماء إلى جماعة (ح ع) الذي ورطه فيها على خلفية مساعدته في التعرف على صاحب سيارة (ج9) رغم ما تعرض له من التعذيب على أيدي المخابرات والشرطة…وبعد تغير مسار التحقيق في قضيتنا على خلفية زيارة قائد الأركان لنا في السجن، جاءني هذا الأخ وطلب مني إقناع (ح ع) بالتراجع عن تصريحه في محضر استنطاقه بعلاقته معه، لأنه فعلا لم يكن جزءا من القضية. فقام (ح ع) على الملأ وقال: أتريدونني أن أدفع الثمن وحدي؟ وحلف بأن يجعل الجميع يدفعون الثمن. وهذا ما حصل بالفعل بالنسبة لأكثر من خمسين متهما. وقد اقترحت على عيسى أوكديف أن يطلب من قاضي التحقيق وبالتعاون مع المحامي طرح أسئلة على (ح ع) أوقعته بتوفيق الله في تناقض كبير وأبطلت علاقة عيسى بالقضية وكان ذلك سببا في استفادته من الإفراج المؤقت. وقد حملته رسالة شفوية إلى الشيخ أحمد سحنون رحمه الله وقيادة الجبهة الإسلامية أخبرتهم فيها بأنني صاحب الكلمة الأخيرة في هذه القضية وأنني مستعد مع أغلب العسكريين لاتخاذ الموقف الذي يرونه مناسبا لنصرة الحق ولسنا نبالي بعاقبة ذلك حتى ولو طلب منا القيام بعمل فدائي. وقد امتنع إلى ذلك التاريخ كل المحامين عن اعتماد الدفاع عني شخصيا أمام القضاء العسكري… وجاءني الرد من عيسى أوكديف يخبرني فيه أولا: بأن الشيخ أحمد سحنون ينصحنا بالتعقل وعدم الإقدام على أي عمل غير مسؤول ويعدني بالاتصال بي في أقرب وقت وثانيا: يبلغني بأن كل المؤشرات تنذر بالشر المستطير خارج السجن وأنه ( أي الأخ عيسى) لن يسمح لأي مجرم بإهانته بعد اليوم. وفعلا بلغني بعد أشهر أن أعوان الأمن حاولوا اعتقاله عدوانا وظلما رغم أن قاضي التحقيق أفرج عنه، فأفلت منهم وقام بتلغيم بيت منعزل اعتصم فيه ثم أخبر عن نفسه بأنه موجود في المنزل فحاولت فرقة من التدخل السريع نسف المنزل قبل اقتحامه فاستدرجهم إليه ثم فجره مما أوقع في صفوفهم خسائر كبيرة وقتل هو معهم. وهكذا أنهى معركته بشرف مع من استهدفوه عدوا بغير حق. أما الشيخ أحمد سحنون رحمه الله فقد طلب من الأستاذ مشري بشير اعتماد الدفاع عني على حسابه الخاص. ولكن الثاني رفض الأجر إكراما للشيخ وبعد الإلحاح قبل منه مبلغا رمزيا قدره خمسة آلاف دينار جزائري كمصاريف رحلة جوية واحدة من الجزائر إلى بشار. ورغم أن أخي تمكن من توكيل المحامي بختي محمد جزاه الله خيرا على حسابه الخاص، إلا أن الأستاذ مشري كان هوالمشرف على عملية الدفاع في قضيتي. وأنا أذكر هذا الموقف المسؤول للشيخ أحمد سحنون رحمه الله ليس عرفانا لجميل قدمه لي في ظرف صعب فقط وإنما لأنه البقية الباقية من نبض الحياة في وعي الحركة الاسلامية المعاصرة. فالأمير (ح ع) تجندت من أجله اللجنة القانونية للجبهة الاسلامية بقضها وقضيضها ورصدت له ميزانية لا تقل عن مليون سنتيم لكل زيارة وكفالة عائلية لزوجته تتجاوز المليون سنتيم شهريا هذا ما كان ظاهرا للعيان. في حين اضطر أغلب العسكريين الغلابى للاستدانة من أجل تسديد مستحقات المحامين. أما الذين بقوا بدون محام فقد تطوعت اللجنة القانونية للجبهة لاحقا للدفاع عنهم. ورفعا للالتباس أقول لقد بقيت في السجن ثلاث سنوات وضربت في أرض الله الواسعة عبر دول إفريقيا ثلاث سنوات أخرى تقريبا وزرت المملكة العربية السعودية وانتهيت لاجئا في بريطانيا حتى سنة 1997 دون أن أتلقى مساعدة مادية في وقت الأزمة، كبيرة كانت أو صغيرة من محسوب على الحركة الإسلامية أو من غيرها فردا كان أو تنظيما سياسيا أو جمعية خيرية ولله الحمد والمنة. إن العبرة من هذا ليست بحالتي كشخص، لأنني خضت هذه التجربة بكل مسؤولية ووعي والحمد لله، وإنما العبرة بآلاف الرجال المخلصين الذين طوحت بهم الأقدار في هذا الوضع الصعب بدون تجربة، فقط لأنهم اختاروا بإخلاص الانتصار لحق التبس على طلابه فضربوا فيه خبط عشواء فكان جزاؤهم الإهمال إلى أن امتهنت كرامتهم وانتهكت أعراضهم حتى فتنوا ووقعوا في المحظور. فهل يستقيم على هذا الأمر من ينتظر منه إقامة الخلافة الراشدة؟ إن قراءة الأحداث بشجاعة ومسؤولية هي التي تجلي لنا الحقائق وتورثنا الاعتبار من الخطإ وتبعث فينا إرادة النهوض بقوة وثبات. وبدون ذلك سوف يبقى حال الاسلاميين كحال التي نقضت غزلها من بعد قوة.
الوجه الآخر للجيش الوطني الشعبي
يعتقد كثير من الناس أن الجيش الجزائري جيش علماني ومعادي للاسلام. والمحزن أن الوقائع والأحداث اليومية توهم بهذا الانطباع. كيف لا وضحايا الأزمة فاقوا ربع مليون قتيل خلال عشر سنين. وأنا لا أريد أن أدخل في جدل فقهي عن العلمانية لأن هذا ليس مقامه ولكنني أريد أن أثبت هنا ما كان قائما على أرض الواقع للتاريخ لأن ما سمعته عن الجيش بعد انفصالي عنه لا يعكس حقيقة ما كنت أعيشه و أنا في الخدمة. أما البث في الحكم على ذلك فسأتركه لأهل الاختصاص.
وأول ما أشهد به هو أن قانون الخدمة في الجيش المعتمد والذي اطلعت على نصوصه ليس فيه ما يتعارض مع أحكام الشريعة أو يدعو إلى مخالفتها. بل إنني لم أجد فيه ما يتناقض مع مكارم الأخلاق. أما فيما يتعلق ببروتوكولات الانضباط العسكري وتحية العلم وغيرها فإن حملها على طقوس الجاهلية من شرك وعبودية لغير الله وغيره من التأويل لا يقوم على أساس معتبر لا شرعا ولا وضعا. ومع ذلك يبقى الجيش جزءا من الشعب الجزائري، فيه الطيب والخبيث والانتهازي والمخلص، مما يوجب على المصلح الصادق في نظري أن يقدر الأمور بميزان المصلحة والمفسدة لا بميزان الكفر والإيمان.
و لا بأس أن أستعيد مشهدا واحدا من من تجربتي في هذه المؤسسة.
عندما التحقت بالاكاديمية العسكرية لمختلف الأسلحة بشرشال سنة 1978 كانت منارة مسجد خالد بن الوليد التابع للأكاديمية هي الوحيدة في المنطقة لأن مسجد مدينة شرشال كان بدون مئذنة في حين كان مسجد الكاديمية تحفة فنية رائعة. ورغم أنه كان مزودا بمكتبة إسلامية نفيسة أهداها الملك فيصل رحمه الله للمسجد إلا أن رواده من الطلبة كانوا قليلين جدا، ولا يتجاوز عددهم أصابع اليد في بعض أوقات الصلاة. ولكن منذ أن تولى قيادة الأكاديمية المقدم حشيشي زين العابدين سنة 1977 انطلق في جزأرة شاملة لهذه القلعة الوطنية الخطيرة التي بقيت تحت هيمنة اللغة الفرنسية ومناهج التدريب الروسية منذ الاستقلال وأطلق مشروع تعريب المناهج وجزأرة التأطير ورد الاعتبار لمقومات الهوية الوطنية في محيط الاكاديمية المترامي الأطراف فتزينت الأكاديمية بصور أبطال ثورة التحرير المجيدة وأقيم متحف الجهاد في قلب الأكاديمية وانتشرت الآيات والأحاديث والأمثال الداعية إلى مكارم الأخلاق وشريف الأفعال، فتحررت الإرادات واصطبغت علاقة العسكريين ببعضهم بصبغة الهوية الوطنية بكل أبعادها فازدحمت مديرية التدريب بالكفاءات الوطنية الشابة من كل التخصصات، عشرات الأساتذة والمهندسين والخبراء في جميع التخصصات التقنية جاءوا من المؤسسات الوطنية المدنية والعسكرية ومن فرنسا وأمريكا وبريطانيا وألمانيا والرسامين والخطاطين وغيرهم جاءوا لأداء الخدمة الوطنية وتوظيف خبراتهم في جزأرة هذه المؤسسة وتحويلها إلى نموذج مصغر للجزائر التي كان يحلم بها الشهداء. وقد انخرطنا ونحن طلبة في هذه العملية على حساب وقتنا الخاص تثمينا منا لهذا المسعى الوطني النبيل. لقد كان من ثمار هذه القيادة الرشيدة ذلك الانضباط الذاتي لدى الضباط والطلبة داخل الكاديمية وخارجها ولم يصبح الذهاب إلى المسجد للصلاة عند سماع الأذان عائقا عن الاجتهاد والعمل كما كرسته القيادات الاديولوجية السابقة. فإذا رفع الأذان للصلاة تهافت الجميع إلى المسجد فإذا انقضت انصرف كل إلى عمله دون الحاجة إلى تذكير. فلم يكن المقدم حشيشي زين العابدين في حاجة إلى إعفاء لحيته وتطبيق الحدود على مرؤوسيه لحملهم على الالتزام بأركان دينهم ولا كان في حاجة إلى دفعهم إلى الإلحاد تيمنا بالروس وترغيبا في علومهم. وقد حذا حذوه العقيد الهاشمي هجريس ولكن من جاءوا بعدهم كانوا أقل منهم وعيا وأضعف شخصية. والشاهد من هذا العرض هو أن الحكم المطلق على الجيش الوطني الشعبي كمؤسسة خطأ فادح لا يساعد على التشخيص الدقيق لأبعاد الأزمة الوطنية ولا على تصور الحلول الناجعة لتجاوزها بل على العكس يضمن لكل المجرمين التمترس خلف هذه الحصن الوطني العتيد.
موقع الجزائر في وعي المعنيين بالأزمة
منذ الإرهاصات الأولى للأزمة راودني الشك في المبررات المزعومة من طرف المعنيين بتفجيرها ولذلك بقيت شديد الحذر في التعامل مع تطوراتها رغم ما تشبثت به من الصدق والإخلاص في علاقتي بالأطراف المتنازعة. مبعث الشك الرئيسي كان إهمال العامل الوطني في تقدير الأمور لدى الأطراف المتنازعة رغم أن الأزمة القائمة جزائرية بحتة. ولا يعني هذا أن هذا الطرف أو ذاك كان كله غافلا عن الطبيعة الجزائرية للأزمة، وإنما العبرة بمن ينتهي إليهم القرار وتعود إليهم الكلمة. فالدوائر الشريرة في السلطة تنكرت للجزائر تماما وفرضت نفسها كسلطة احتلال. أولا على مستوى الدولة: باستباحتها لكل رموز السيادة في الدولة الجزائرية ابتداء من حل السلطة السياسية ممثلة في الرئيس مرورا بحل السلطة التشريعية ممثلة في المجلس الوطني الشعبي وانتهاء بالسلطة التنفيذية بإعلان الأحكام العرفية و تعيين ولاة عسكريين وإنشاء المحاكم الخاصة. وثانيا على مستوى الشعب: ابتداء من احتقاره والحكم عليه بعدم النضج، مرورا بضرب نتائج الانتخابات التشريعية المعبرة عن رأيه عرض الحائط وانتهاء بضرب وحدته بتوريط شريحة منه في نزاع لا ناقة لها فيه ولا جمل لتشن الحرب نيابة عن المتعطشين للدم. وثالثا على مستوى الهوية: حيث أعلنت هذه الشرذمة الحرب على الإسلام كحضارة وليس كدين فقط، فحظرت شعارالإسلام حتى على مؤسسات التعليم المتخصصة كالمعاهد الإسلامية في الجامعات وضيقت على المصلين في المساجد ومنعت ارتداء الحجاب على الموظفات في المؤسسات العمومية وغير ذلك مما هو مشتهر. كما أن هذه السلطة جمدت قانون تعميم اللغة العربية وشنت آلتها الإعلامية المرتزقة حربا شعواء عن كل ما هو عربي تدعيما لمشروع الجزائر الفرنسية الملفوف برداء المتوسطية والأوروبية وغيرها من الأوهام.
إن هذه السلوكات الماثلة أمام أعين الناس وما خلفته من آثار وخيمة كافية للتأكيد على أن خالد نزار ومستشاريه ومن ظاهره على خياره الآثم لم يفكروا لحظة واحدة في أن هذه الأزمة جزائرية ويجب أن يتم التعامل معها في هذا الإطار. وأن الخصومة مهما بلغت خطورتها فإنها لا تبرر استئثار فئة من الشعب بالجزائر على حساب الفئة الأخرى لأن الجزائر وطن الجميع و سيبقى كذلك إلى الأبد. إن هذه الروح الشريرة والعقلية البدائية هي التي استحوذت على رموز السلطة فاغتروا بما يمتلكونه من قوة عسكرية وثروة اقتصادية ودعم أجنبي خبيث وتوقعوا أنهم سيحسمون الحرب لصالحهم باستعمال سياسة الاستئصال وكأن الجزائرمشاع للصوص أو غنيمة حرب للغالب. وقد بلغ بهم الغرور في البداية إلى حد استهداف مؤسسة الجيش نفسها فانخرطت أجهزة المخابرات والدرك في عملية اعتقال لكل من يشتمون فيه رائحة الالتزام وبلغ الأمر ببعض القيادات إلى التصريح العلني أمام تجمع كبير للضباط بأن القيادة مستعدة لاستئجار جيش من الخارج لفرض الأمر الواقع على الجميع إذا تطلب الأمر. والغريب أنهم ضموا إلى مجموعتنا في السجن ضباط قيادة الفوج40 للمدفعية كلها لأن مجموعة من ضباط الصف تمردت وفرت من الفوج آخذين معهم أسلحة وذخيرة. كما اعتقلت مجموعة من صف الضباط التابعين للفرقة40 لا يفرقون بين عقبة بن نافع والعربي بن المهيدي بتهمة الانتماء إلى الاسلاميين.
ولو أن النافذين في القيادة العسكرية كانوا يعتقدون بأن خصومتهم مع جزائريين مثلهم وأن محاولة استئصالهم ستأسس للحرب من أجل الوجود وتفتح دورة الاستئصال بين الجزائريين إلى أجل غير مسمى، لكان ذلك كفيلا بدفعهم إلى التروي والتصرف بحكمة تقوي فيهم هذا القاسم الوطني المشترك الذي كان من شأنه أن يكفل لكل جزائري كرامته و أمنه في وطنه وبين أهله بغض النظر عن الاختلاف القائم بينهم.
أما الإسلاميون فإن ضعف المعنى الجزائري للقضية في وعي الغالبين على أمرهم كان نتيجة لعدة عوامل أذكر منها:
ـ ضبابية المعنى الوطني في خطاب وأدبيات أغلب القيادات الإسلامية. ربما للتميز عن التيارا ت الوطنية التي لا ترفع شعار الاسلام. أو ربما لأن منابر الخطاب ارتبطت بالمساجد التي تعتبر أماكن للعبادة يحكمها ضابط العقيدة لا ضابط الوطن. ومهما يكن السبب، فإن التوعية الوطنية ضرورة تقتضيها حاجة المجتمع للاستقرار وتجاهلها في الخطاب التعبوي قصور كانت له عواقب وخيمة على المجتمعات الاسلامية بصفة عامة وعلى الجزائر بصفة خاصة.
ـ الخلفيات العالمية والأممية والإقليمية في التوعية السياسية لأنصار التيار الاسلامي، حيث تتخطى الدولة الجزائرية حدودها الوطنية في وعي البعض إلى المغرب العربي و شمال إفريقيا (عند جماعة النهضة مثلا) أو الأمة الاسلامية لدى السلفية العلمية بل والعالم بأسره عند الحالمين بالخلافة الراشدة (مثل الجزائريين الأفغان وجماعة الهجرة) ويبقى التصور ضبابيا لدى الإخوان (جماعة حمص) رغم انغماسهم في ضحضاح النظام القائم. ولذلك فإن التعامل مع الازمة الجزائرية المحلية قام على مراعاة مصلحة الدائرة الأوسع إقليميا او أمميا او عالميا وعلى حساب ما تقتضيه المصلحة الوطنية الجزائرية.
ولعل من الثمار المرة لهذا الغرس انضمام بقايا المسلحين في الجزائر إلى القاعدة و ربط مصير الأمن في الجزائر بعوامل لا قدرة للجزائريين على التحكم فيها بعد اليوم. و يجدر بي هنا أن أذكر بأن الشيخ مصطفى بويعلي الذي كان مجاهدا في ثورة التحرير وأسس أول حركة إسلامية مسلحة معارضة للنظام القائم في الجزائر سنة 1979 أصر على إضافة الضابط الوطني لشعارحركته فسماها: الحركة الاسلامية الجزائرية المسلحة حتى لا تخلط المور عبى أتباعه ولا تتجاوز الحركة مجالها السياسي الوطني إلى بعدها الإسلامي الذي لا تحده حدود.
ـ تعدد المرجعيات الدينية واختلاف المرجعيات الاسلامية في حكم الوطنية ومفهومها بين من يعتقد أنها من بقايا الجاهلية أو مخلفات الصليبيين كعلماء الجزيرة العربية والمشرق وبين من يجعلها من مقتضيات النهوض من ذوي الميول القومية. وهذه من البلاوي العظيمة التي حلت بالجزائر منذ أن تمكن أعداء الدين والفضيلة من السيطرة على مراكز النفوذ في الدولة وأصبح الشعب الجزائري المسلم يلهث في كل اتجاه خلف العلماء و الفقهاء في البلدان الأخرى والذين لا يعرفون عن وضع الجزائر شيئا يذكرفيفتون على السماع بما ليس له بالواقع أي علاقة فحدثت بذلك فتن عظيمة جعلت الشباب الجزائري يكفر بتاريخه العريق و يشك في أمجاده الخالدة و ينخرط في تخريب وطنه بيديه متطلعا إلى سراب لا فائدة ترجى منه.
ـ ضعف التربية الوطنية لدى الشباب الجزائري بصفة عامة والذي يمثل الاغلبية الساحقة للتيار الاسلامي. ولذلك فإن شعور الشباب بالظلم و التهميش من طرف أعوان الدولة مبرر كاف في نظرهم لحرق المؤسسات الوطنية دون التفكير فيما يترتب على ذلك من الخسائر المادية أو ما تقدمه هذه المؤسسة بالنسبة لهم ولباقي المواطنين من خدمات ضرورية لحياتهم اليومية. لأن غرضه هو الانتقام من الدولة التي هي في نظره إدارة لتسيير شؤونه لا تربطها به علاقة غير ذلك ولا يفرق بين أن تكون هذه الإدارة وطنية أو إدارة احتلال. فإذا أضيف إلى هذا الفهم حكم شرعي ببدعية الوطنية أو تحريمها يمكننا تصور قيمة الوطنية في نفوس الشباب الجزائري المسلم.
ـ الدعاية المغرضة للاعلام الجزائري الذي جعل الوطنية حكرا على النظام الفاسد وأعوانه مما أفرغ الوطنية من معناها الحقيقي وزهد باقي المواطنين فيها.
ونتيجة لهذا القصور في الشعور بالمسؤولية لدى الطرفين تحول الصراع بين أبناء الشعب الجزائري المسلم من التنافس السياسي السلمي للتداول على تسيير مؤسسات الدولة الجزائرية المستقلة القائمة على الوطن الواحد الذي حرره شهداء ثورة التحرير المجيدة إلى حرب قذرة محلية استبيحت فيها الدماء والأموال وانتهكت فيها القيم والأعراض و تنازل الطرفان فيها عن كل المكارم من أجل النفوذ و البقاء و كانت الضحية الحقيقية هي الجزائر التي أصبحت فئات بعد أن كانت شعبا واحدا وأصبحت مناطق نفوذ بعد أن كانت وطنا واحدا و أصبحت سلطنات طائفية بعد أن كانت جمهورية ديمقراطية شعبية.

المحاكمة
أسميها المحاكمة مجازا لأنها كانت مهزلة حقيقية انسحبت منها هيئة الدفاع وكانت كلمتي فيها قصيرة لم أتطرق فيها للتهم المنسوبة لي بتاتا.
كان لزيارة قائد الأركان أثر واضح على مجريات الأمور في قضيتنا حيث تم تعيين النقيب عبد الكريم للتحقيق معنا من جديد فقام بواجبه بمسؤولية عالية رغم أنه لم يستطع تجاوز محاضر التحقيق الأولى التي أقحمت في قضيتنا ملفات مدنية جنائية لا علاقة لنا بها لا من قريب ولا من بعيد. وانتهى بعد جهد وعناء إلى تصنيف القضية في آخر سلم الجنح وقدمها إلى القيادة العسكرية التي بدأت تشعر بالورطة التي وقعت فيها فقررت تقديمنا للمثول أمام مجلس تأديب. وقد أكد ذلك وزير الدفاع اللواء نزار خالد بنفسه بمناسبة شهادتي ضده بمحكمة الجنح بباريس.
هذه التطورات أثارت حفيظة الدوائر الاجرامية في جهاز المخابرات فاستهدفت قاضي التحقيق النقيب عبد الكريم وعاقبوه بالسجن أقصى عقوبة عسكرية ممكنة في حق الضباط وهي 45 يوما سجنا لست أدري ما كان مصيره بعدها. أما نحن فقد قرروا الانتقام منا بطريقتهم وهددونا بذلك أكثر من مرة.
وقد حاولوا استدراج بعض ضباط الصف للفرار من السجن لتبرير تدخلهم في قضيتنا من جديد كما استغلوا فرصة نقلنا إلى المحكمة العسكرية لتنفيذ وعيدهم فاكتشفنا مخططهم قبل مغادرة السجن فرفضنا الخروج وتبين لنا بعد ذلك أن وكيل الجمهورية اكتشف عبوة ناسفة داخل المحكمة كانت ستنسفها من الأساس. و قد تم توجيه التهمة لاحقا في هذه القضية لشقيق قاري السعيد أحد منظري جماعة الجزائريين الأفغان. كما حاولوا استفزازنا يوم المحاكمة للدخول معنا في اشتباك يبرر لهم قتل من يريدون منا ولكن وكيل الجمهورية العسكري تفطن لمخططهم ولم يسمح لأحد منهم بالدخول إلى حرم المحكمة باستثناء المدير الجهوي لأمن الجيش الذي كان يتهارش مع صف الضباط داخل قاعة الجلسة.
وقد سبقت المحاكمة حملة إعلامية تولت كبرها جريدة الوطن والصباح الفرنكفونيتين نشرت خلالها جريدة الوطن مقاطع كاملة من محضر استنطاقي في بن عكنون مما جعلني أحتج رسميا لدى الجريدتين عن طريق موكلي المحامي الاستاذ بختي و طالبت الجريدة بحق الرد ولكنها رفضت. ولست أضيف بهذا شيئا جديدا ولكنني أؤكد ما قيل عن تلك الجرائد المستقلة التي حصلت على شهادات التقدير من فرنسا وأمريكا بأنها وسائل دعاية هدامة والعاملون فيها كذابون مرتزقة لا شرف لهم.
رئيس الجلسة كان قاض مدنيا على وشك التقاعد قيل لي بأنه فقد عقله بعد تلك المحاكمة وكان القضاة المساعدون ضباطا عسكريين اطلعوا مسبقا على محاضر الاستنطاق قبل موعد المحاكمة كما أن وكيل الجمهورية رافع بناء على محضر الاستنطاق الذي حرره جهاز المخابرات و ليس قاضي التحقيق. وكان الإعلان عن غلق الجلسات بعد جلسة الافتتاح دليلا واضحا على المهزلة كما عبر عن ذلك الاستاذ بشير مشري بقوله آنذاك: إذا كان الرشام حميدة واللعاب احميدة فما الداعي لحضورنا. وطلب من هيئة الدفاع الانسحاب فانقسمت على نفسها. وقد تشكلت هيئة الدفاع من أكثر من عشرين محاميا أغلبهم اساتذة و على رأسهم الأستاذ مشري بشير أقدم المرافعين في القضايا الاسلامية والأستاذ رايس محام معتمد لدى هيئات القضاء الفرنسية والاستاذ مسلي رشيد والاستاذ زويتة على رأس لجنة الدفاع عن قيادة الجبهة الاسلامية والاستاذ بوريو والأستاذ بختي محمد وغيرهم.
حصلت خلال الجلسات خزعبلات من طرف بعض المدنيين وضباط الصف الذين بقوا تحت وطأة التجربة المرة التي عاشوها. فمنهم من حاول التشويش على المحكمة بتلاوة القرآن أو التكبير ومنهم من حاول التعبير عن آرائه ومشاعره بالهتاف بشعارات يتبناها، ولكن الجلسات التي استمرت من يوم 3 إلى 13 يناير 1993 أثبتت أن الضباط المتهمين كانوا فعلا من صف النخبة في الجيش الوطني الشعبي ولم يستطع وكيل الجمهورية العسكري أن يثبت دعوى واحدة معتبرة قانونا ضدهم. ورغم الأحكام القصوى التي طلبها إلا أن القرار جاء بعد أسبوعين من انتهاء الجلسات بالإفراج عن أغلب الضباط وضباط الصف مع الحكم عليهم بالمدة التي قضوها في السجن حفظا لماء الوجه، والحكم على مجموعة قليلة كنت أنا من بينهم بثلاث سنوات وكانت أقصى عقوبة بالسجن 5 و8 سنوات في حق النقيب بن زمرلي والملازم الأول زلة نعمان رحمهما الله.
عندما عدد وكيل الجمهورية التهم المنسوبة لي وأنهى مرافعته بطلب أقصى العقوبة في حقي رد عليه الأستاذ مشري بشير ثم الاستاذ بختي كما تدخل الاستاذ رايس رغم أنه لم يكن مؤسسا للدفاع عني. وعندما أحيلت إلي الكلمة قلت للقاضي: ما ينبغي أن أقوله بخصوص هذه القضية يعني قيادة الجيش وحدها وقد سمعته مني بدون واسطة ولا أرى فائدة من نشر غسيل العسكر في هذا المجلس لأن الحاضرين فيه لا يعنيهم هذا الأمر في شيء. وحتى القاضي أتحداه أن يدعي الحكم علي بما يمليه عليه ضميره المهني.
أما ما أود تأكيده من هذا المنبر فهو أن الذين استغلوا هذه القضية لإهانة الشرفاء من أبناء الجزائر والاعتداء على أعراضهم لا يمكن أن يكونوا جزائريين أحرارا. واذكر أمامكم الرائد قطوشي والعقيد ناصر الذين زاراني في مركز التعذيب وشتم قطوشي أمي وأنا مقيد اليدين. وقد نذرت لله إن طال عمري لأقتلنه وفاء لجهادها من أجل تحرير الجزائر. ولكن الله انتقم لها منه وخلص الأرض من شره. فتدخل وكيل الجمهورية قائلا: لقد استشهد الرائد وهو يؤدي واجبه الوطني فلا تشتمه. قلت: الواجب الوطني لا يؤدى بقمع المواطنين العزل وقتلهم وإهانة الشرفاء في الأقبية ومراكز التعذيب يا حضرة الرائد بل يؤدى بالتضحية من أجل الوطن وسلامة المواطنين وسعادتهم ولا أعتقد أن الجيش الوطني الشعبي يراد له أن يقوم بهذا الواجب منذ يناير 1992.
لقد كانت المحاكمة شكلية تم تسجيلها وتحرير وقائعها للضبطية الإدارية فقط أما الأحكام فصدرت بناء على تقدير جزافي من طرف قيادة الجيش. ولذلك أصرت الدوائر الأمنية التي تستهدفنا على تصفيتنا جسديا خارج إطار القانون. وقد بلغني اغتيال 5 نقباء من بين 11 المتهمين معي في القضية في ظروف غامضة لم يتم التحقيق فيها بعد زيادة على محاولات اغتيالي في السجن واختطافي شخصيا من سجن الحراش بعد انتهاء مدة العقوبة وتهديدي بالقتل صراحة من طرف المقدم عبد القادر في مركز التعذيب ببن عكنون والتواطئ على اغتيالي مع جمال زيتوني وصعاليكه بعد مغادرتي الجزائر.
بعد النطق بالأحكام قلت لوكيل الجمهورية على مسمع من الجميع: أخبر من أصدروا الحكم بسجننا بأنهم وفروا علينا مؤونة التورط في قتل شعبنا وهذا أمر نحمد الله عليه. أما إذا تعرضت الجزائر لعدوان عسكري أجنبي فلا يستحوا من العودة إلينا فنحن أولى بالدفاع عن بلدنا من أي عدوان أجنبي.
بعد النطق بالحكم مباشرة تم نقل المحكوم عليهم بالسجن إلى سجن بشار الشهير الذي قضينا فيه حوالي شهرين ثم نقلت إلى سجن البرواقية مع خمسة العسكريين. ونقل الباقون إلى سجن الشلف. (يتبع…)

———-

9 ـ
الأزمة الجزائرية
شاهد من قلب الأحداث
بقلم : النقيب أحمد شوشان | صوت الجزائر | الاحد 03 أوت 2008
الفصل الثالث
الجزء الثاني

في سجن البرواقية

1. الاستقبال

عندما توقفت بنا الشاحنة في برزخ الاستقبال بين بوابة السجن الخارجية وباب السجن الرئيسي انتابني شعور باللامبالاة لأنني أحسست بأنني في نفس البيئة التي عشت فيها الأيام الأولى من اعتقالي. فأنت تشعر أنك في منطقة موحشة لا يضبطها قانون ولا ترى فيها للشعور بالمسؤولية أثر لأنها منزلة بين المنزلتين. فأنت بالنسبة للجهة التي ترافقك قد دخلت السجن المضيف أما بالنسبة لإدارة السجن فأنت لم تدخله بعد. ومن ثم يمكن أن يحصل لك أي شيء من طرف ملثمين مجهولين خارجين على القانون تحميهم السلطة ليتفرق دمك بين حراس السجن المرسل والسجن المستقبل. وهده الصورة تتكرر في مخافر الشرطة ومراكز المخابرات ومقرات الدرك. فكل ما يحصل في منطقة الفراغ هده تتظاهر الهيئات الرسمية بإنكاره ونفيه لأنه غير مقرر قانونيا ضمن الإجراءات ولا مسجلا في سجل الأحداث في حين أن هده المناطق البرزخية الموجودة في مداخل السجون كلها ومراكز الأمن الرئيسية محمية جيدا من طرف الإدارات المعنية بحيث لا يتسرب شيء مما يقع فيها ولا يبقى أثر لما يتعرض له المساجين و المعتقلون فيها مما يدل على أن هده الممارسات الإجرامية المخالفة للقانون والفطرة البشرية جزء لا يتجزأ من تقاليد النظام المعمول به في السجون والمخافر وأن كل الدين يحاولون نفي دلك أو التشكيك فيه أو تبريره من السياسيين والإداريين والاعلاميين والحقوقيين شهداء زور وشركاء في المسؤولية على استمرار تلك الممارسات المهينة لكرامة الانسان سواء أدركوا دلك أم لم يدركوه. في حين أن المفترض أن يطالب الجميع بالتحقيق الجاد مع المشجعين على هدا الشدود وتجريم مرتكبي هده الممارسات قانونيا ومعاقبتهم بالصرامة التي تردع فيهم شهوة البغي على الآخرين. وسأكتفي بسرد ما حصل معي شخصيا بدون مبالغة في الوصف باعتباري ضابطا محترما ومعروفا بالتزامي وحسن سلوكي ولا يمكن لجزائري واحد أو جزائرية عسكريا كان أو مدنيا أن يدعي بأن له معي حسابا يصفيه من أي نوع كان؛ ولكم أن تتصوروا بعد دلك حال المغمورين من المواطنين المدنبين. وآمل أن تتضح بدلك الصورة لكل دي عقل عن حقيقة المأساة التي انزلقت إليها الجزائر فتواجه هده الظاهرة بما ينبغي من الجدية و الحزم.

لقد تعرضنا للضرب والإهانات من طرف حراس سجن البرواقية مند أن وطئت أقدامنا أرضه؛ فبعد أن قيدوا أيدينا بالحديد ضربونا ضربا مبرحا بالقضبان الحديدية من عيار 14 مم لمدة ساعتين حتى لم يبق واحد منا واقفا ثم ساقونا إلى زنزانات نصف مدفونة تحت الأرض تنتهي إليها شبكة مجاري الصرف الصحي للسجن؛ فالأرضية مبللة والرطوبة عالية جدا والمكان قدر والظلام دامس والرائحة الكريهة خانقة، وكدسونا فيها. كنا في الليلة الأولى حوالي 20 سجينا في زنزانة لا يتجاوز طولها أربعة أمتار وعرضها ثلاثة أمتار. وفي منتصف الليلة الثانية هجم علينا الحراس وأوجعونا ضربا ثم أخرجوني ووضعوني في زنزانة منفردة مثل الأولى ولكن أرضيتها بالإسمنت المسلح المشبع بالرطوبة وكأنها صفيحة من الثلج و قد شدوا يدي إلى رجلي في حلقة حديدية واحدة ثم ثبتوا الحلقة على وتد مغروس في الأرض فلم أكن أستطيع أن أتحرك وبقيت على تلك الحال ثلاثة أيام حتى اعتقدت بأن ظهري لن يستقيم بعدها أبدا. لقد كانوا يحررون يدي اليمنى مرة في اليوم لأتمكن من أكل أشياء لم أكن أعرف ما هي ولا ما طعمها. وبعد ثلاثة أيام ربطوني إلى نفس الوتد بسلسلة طولها حوالي مترين حتى أتمكن من الوصول إلى محل الخلاء المتواجد في طرف الزنزانة وبقيت على هده الحال أسابيع إلى أن قررت الإضراب عن الطعام. فسمع بذلك باقي المساجين بعد أن التحق بهم بعض من كان معنا في القبو، فتضامنوا معي بإعلان إضراب عام عن الطعام وبدأوا يقرعون الأبواب والأواني بدون توقف ولم يتوقفوا عن ذلك إلى أن تعهدت إدارة السجن بفك العزلة عني. فانتقلت من ذلك الجحيم إلى زنزانة انفرادية في الطابق الأول من المبنى المخصص للمساجين الاسلاميين بقيت فيها أكثر من ستة أشهر ثم انتقلت من زنزانة إلى أخرى مع باقي المساجين إلى أن استقر بي الحال في القاعة “أ” فبقيت فيها إلى أن وقعت الأحداث المأساوية في نوفمبر 1994 و بعدها تم تحويلي إلى سجن الحراش.

لقد كنت سجينا محكوما عليه حكما نهائيا، فلماذا استهدفني حراس السجن بهدا التعذيب القاسي بدون سبب ولا وجه حق؟ من أين استمدوا القدرة على فعل ذلك؟ وماذا ينتظرون أن أفعل بهم إذا نجاني الله من قبضتهم في يوم من الأيام؟ وكيف أجد لهم عذرا على أعمال لم يعذر فيها حتى البشر الذين عاشوا في العصور الحجرية. إن الجواب الوحيد على هذه التساؤلات هو أن هؤلاء المجرمين يظنون أنهم محميون من طرف النظام الذي يعتقدون أنه قائم على القهر والظلم والطغيان. وهم في هذا مخطئون من وجهين. الأول أن النظام خاضع لسنة المداولة حيث أن الدولة كما تدول للنظام تزول عنه وقد يتغير النظام الذي يعتمدون عليه يوما ما فيكونوا كبش الفداء الذي يتقرب به رؤساؤهم للحكام الجدد. والثاني هو أن الانتقام منهم سهل علي وعلى باقي المظلومين سواء بالقصاص العادل عند الشرفاء أو بالانتقام الجائر عند ضعاف النفوس. ولا شك أن كثيرا من المحسوبين على ما اصطلح عليه “فئة ضحايا الإرهاب وشهداء الواجب” استهدفوا انتقاما لما مارسوه على المعتقلين و أهاليهم من تعذيب وظلم . والغريب في الأمر أن تلك الوحوش البشرية التي لم ترع في إلا ولا ذمة عندما كنت في القبو أصبحت خرافا أليفة تتقرب مني وتظهر تعاطفها و احترامها لي بعد أن نجاني الله من نفق الضياع و خرجت إلى عالم الأحياء.

ورغم أنني قضيت في هذا السجن عامين حافلين بالأحداث و الذكريات إلا أنني سأكتفي بالتوقف عند ما لا يسعني إغفاله.

2. الوضع العام في السجن خلال السداسي الأول من سنة 1993

لم يكن عدد المساجين الاسلاميين يتجاوز 300 سجين أغلبهم على ذمة التحقيق في انتظار المحاكمة، ولذلك كانت حالة الترقب لدى الجميع هي السائدة وكان الأمل يحدو الجميع أن تنتهي الأمور إلى تسوية سياسية للأزمة وإن تباينت الرؤى في الصورة التي تؤول إليها تلك التسوية. وكان أغلب المعتقلين من العاصمة و ضواحيها إلى المدية. ورغم أن الكلمة الأخيرة في هده المجموعة كانت ترجع إلى أميرها الاعتباري الشيخ عبد الرحمان إمام بلدية الأخذرية إلا أنها كانت مصنفة واقعيا إلى ثلاث فئات.

أ) فئة المعتقلين في مواجهات مسلحة مع أجهزة الأمن و الجيش

و هي الفئة الفاعلة في هذا التجمع رغم قلة عدد عناصرها، و تتكون من:

_ مجموعة المحكوم عليهم بالإعدام بزعامة حسين متاجر أول أمير لجماعة الأخذرية ونائبه مسعودي مبروك.

_ مجموعة الجزائريين الأفغان ومن معهم بزعامة أحمد الود و أول أمير سري للجماعة الإسلامية المسلحة.

_ مجموعة بوفاريك التابعة لمحمد علال – موح ليفيي- بزعامة فتح النور.

_ عناصر الكتيبة الخضراء التابعة للشيخ عطية السائح بزعامة نور الدين من قصر البخاري.

ب) فئة المعتقلين من كوادر و مناضلي الجبهة الإسلامية للإنقاد و المتعاطفين معها.

ورغم أن هده الفئة تمثل القوة الغالبة من حيث العدد إلا أنها وقعت بين مطرقة حراس السجن وسندان المجموعة الأولى و تتكون من:

_ مناضلي الجبهة الدين ليس لهم علاقة بالعمل المسلح بتاتا و أغلبهم من العاصمة.

_ مناضلي الجبهة المجندين في صفوف الحركة الاسلامية المسلحة بقيادة عبد القادر شبوطي و السعيد مخلوفي و أبرز زعمائهم عبد القادر سلام من القبة و الشيخ جلول من البرواقية.

ج ) معتقلين من غير الاسلاميين.

وهي مجموعة قليلة جدا من المعتقلين من طرف أجهزة الأمن تعسفا رغم انتمائهم التنظيمي الرسمي لأحزاب أخرى كحال أحمد من حركة حماس ببلدية الأغواط والكبش من مناضلي جبهة التحرير في قصر البخاري وغيرهما.

وقد كان لهذا التصنيف أثر سلبي جدا، حيث صرف همة هؤلاء المساجين عن قضيتهم الجوهرية المتمثلة في مواجهة الاستبداد الذي يمثله حكم البشر وإقامة العدل الذي لا يبلغ غايته إلا بتطبيق شرع الله على الجميع، كما أنساهم خصمهم الحقيقي المتمثل في السلطة الطاغية التي ترفض التغيير. لقد كاد هدا التصنيف الخبيث أن يؤدي إلى تكريس طبقية حقيقية في هدا المجتمع الصغير فأصبح عناصر الفئة الأولى بمثابة النبلاء في مجتمع الإقطاع فجهلهم علم و قولهم فصل وظلمهم قدر لا مرد له، فقط لأنهم يزعمون أنهم من أهل الثغور وأن غيرهم اعتقلوا في منازلهم. بل إن أحد سكان بوفاريك ممن لا يفرق بين البعثة النبوية و ثورة التحرير قال للأستاد المجاهد السعيد بسايح رائد المطالبة بتحكيم شرع الله في منطقة الأغواط: أنت أقل ولاء للإسلام من آخر صعلوك من بوفاريك.

لقد عجبت لما ينخر في قلب هده الجماعة من سرطان رغم مظاهر التقوى المتجلية في الإصرار على إعفاء اللحية والهتاف بشعارات الاسلام بغير مناسبة والمبالغة في الجهر بالدعاء والتضرع إلى الله و قراءة القرآن وتداول الرسائل الشرعية و غيرها مما فيه الخير الكثير. ولذلك حكمت على نفسي بعزلة اختيارية دامت أشهرا حاولت خلالها استعادة حفظ كتاب الله والتأمل فيه ودراسة ما تيسر لي الحصول عليه من مؤلفات علماء الإسلام الأوائل والمعاصرين الذين تفرغوا لخدمة أمتهم و تشخيص دائها. وقد تركزت دراستي على السيرة النبوية وفقه العقيدة ووفقني الله إلى تدريسهما لآلاف المساجين بعد ذلك.

3. تطورات الأحداث بعد السداسي الأول من سنة 1993

كانت آثار الدعاية الهدامة المنسوبة إلى عبد الحق لعيايدة أمير الجماعة الاسلامية المسلحة بعد محمد علال و أتباعه عاملا أساسيا في إثارة البلبلة داخل السجن. فقد انتشرت فتاوى ضباطه الشرعيين في أوساط المساجين كالنار في الهشيم، خاصة المتعلقة باتهام قيادة الجبهة وإطاراتها بالفسوق وفساد العقيدة والاختلاس والتعريض بقيادة الحركة الاسلامية المسلحة واتهامها بالانحراف العقدي والجبن. فاشتدت وطأة التكفيريين والمتشددين على عامة المساجين الغافلين عن حقيقة ما يجري حولهم.

وبعد خروجي من العزلة فوجئت بشائعات عن عبد القادر شبوطي وعن السعيد مخلوفي وعني شخصيا بالعمالة للمخابرات والانتماء إلى تيار الجزأرة فتحريت الأمر وعلمت أن مصدره سجين يدعى مسعودي مولود المتهم بالخيانة في عمليات الزبربر والدي حاول أن يدفع الشبهة عن نفسه فاستبق خروجي من العزلة بتلك الإشاعات خوفا من الفضيحة . وكان هذا عاملا كافيا لإقحامي في السجال الدائر بين أنصار الحركة والجبهة من جهة وأنصار الجماعة الاسلامية من جهة أخرى وحسم القضية لصالح الحقيقة الملتبسة على الطرفين بعد نقاش مفتوح وصريح مع أقطاب تلك الفئات. وقد اعترف الجميع بنصيبهم من المسؤولية فيما آل إليه وضع الحركة الاسلامية وقرروا التعاون على تحقيق المصلحة داخل السجن وترك الباقي لمن هم خارجه من القيادات. وقد تحقق دلك في أرض الواقع حيث عادت الألفة بين المساجين وتم تنظيمهم على أساس جغرافي حيث ترأس أهل الفضل على من يساكنونهم فاختار سكان العاصمة وضواحيها الشيخ عبد الرحمن إمام الأخدرية واختار أهل الوسط الاستاد عبد المالك رئيس مكتب الجبهة على ولاية المدية واختار أهل الشرق الاستاد بوقصة نائب الجبهة في البرلمان الملغى على ولاية تبسة واختار أهل الغرب الشيخ عابد نائب الجبهة على ولاية غليزان واختار أهل الجنوب الأستاد السعيد بسايح الدي انتخب كذلك أميرا عاما للمساجين. ومند أن تشكلت هذه الإمارة صيف سنة 1993 أصبح السجن مدرسة حقيقية حيث برمجت حلقات عامة يومية لتدريس العقيدة و السيرة النبوية والفقه وحفظ القرآن كما كلف أهل التخصصات بتعليم المساجين الكتابة والقراءة وأحكام التلاوة والأدب والحساب واللغات الأجنبية كما أقيمت مناظرات وندوات علمية شرعية وأدبية مفتوحة. وقد حاولت إدارة السجن التضييق علينا ولكن الموقف الموحد للمساجين جعلها تترك المبادرة لأمير السجن شريطة الالتزام بالإجراءات الأمنية. واستقر الحال على ذلك شهورا استفاد فيها الجميع علميا وتربويا ونفسيا وتجلى ذلك في مظاهر عديدة، منها أن السجناء الذين تجاوزت أعمارهم الستة والخمسين سنة جمعوا في القاعات الكبيرة بدلا من الزنزانات الصغيرة وتم تعيين شباب لخدمتهم ومساعدتهم على قضاء حوائجهم فخفف ذلك من معاناتهم وأشعرهم بالأبوة التي حرموا منها. كما أن الأميين من المساجين تعلموا القراءة والكتابة وأصبحوا قادرين على قراءة القرآن من المصحف وقراءة رسائلهم بأنفسهم هذا زيادة عن روح التكافل والإيثار التي شاعت بين المساجين مما أثر إيجابيا على حراس السجن وإدارته وخفف من حدة التوتر داخل السجن. ورغم ذلك كله فقد كانت القضية حاضرة بكل تفاصيلها في قلب الحياة اليومية للسجناء من خلال الصحف والنشريات و البيانات المتسربة إلينا والتي كنا نناقش محتوياتها بموضوعية وشفافية عالية على ضوء السياسة الشرعية وفقه القتال القائمين على العلم مما يضع كل واحد منا على بينة من أمره بعيدا عن الغفلة والغرور. وبقيت الأمورعلى نفس الحال إلى أن وقعت حركة التحويل المفاجئة من وإلى سجن البرواقية. حيث وفدت على سجن البرواقية مجموعة من سجن تازولت بباتنة وسجن سركاجي بالعاصمة تلاها تغيير إدارة السجن بداية السداسي الثاني من سنة 1994.

4. أخطر الأحداث في تاريخ سجن البرواقية

لعل من أخطر الأحداث التي وقعت في سجن البرواقية، تلك المزجرة المروعة التي ارتكبها فوج التدخل السريع للدرك المدعوم بمئات من أعوان إدارة السجون ومختلف الأسلحة المحيطة بالسجن والتي أسفرت عن 51 قتيل 50 منهم قتلوا رميا بالرصاص وأكثر من ألف جريح دون أن يصاب دركيا واحدا بخدش واحد يستحق الذكر. ويكفي أن أنقل هنا ما ذكرته في حواري مع موقع “صوت الجزائر”* عن هذه الحادثة.

ـ تطرقتم في احدى المداخلات التلفزيونية الى مجزرة البرواقية التي وقعت في نوفمبر من عام 1994, هل لكم أن تكشفوا لنا وللقاريء الكريم ما حدث في هذه المجزرة ـ التي جرت بعد تدبير عملية فرار من السجن ـ حتى نستخلص نظرة وافية عن طبيعة المجازر وكيف تتم؟
النقيب شوشان: مجزرة البرواقية هي باختصار جريمة موصوفة ضد الانسانية بالمقاييس المتعارف عليها في مواثيق حقوق الانسان الشرعية والوضعية لأنها إبادة جماعية لا تبررها الأسباب المفتعلة التي تذرع بها القتلة. وهي عمل جبان غادر بمقاييس أنظمة القتال وقواعد السياسة القديمة والحديثة لأنها استهدفت بالنيران الكثيفة مساجين عزل محاصرين في قلعة عسكرية حصينة ومحاطين بطوق ثابت من الوحدات القتالية من مختلف الأسلحة. وهي خيانة عظمى لأن الذين نفذوها هم المفوضون دستوريا بالسهر على أمن وحماية المواطنين الجزائريين من العدوان. أما الطامة الكبرى فهي أن يساهم التلفزيون الرسمي في تشويه الحقائق للتغطية على الجريمة الموصوفة التي تعرف حقيقتها هيئات الدولة المعنية من الرئيس إلى أعوان وزارة العدل.
بدأت إرهاصات الأحداث قبل عملية الفرار من سجن تازولت بباتنة ربيع سنة 1994 حيث تم تحويل دفعات من المساجين المشبوهين من باتنة والحراش وسركاجي وتيزي وزو. وقد تمكن بعض المثقفين والأساتذة من تحويل سجن البرواقية بين 1992 و1994 إلى مدرسة حقيقية رغم ما يعانيه المساجين من تعسف وظلم فاهتم أغلب المساجين بترقية مستواهم الثقافي والمعرفي إلى درجة جعلت عمي مختار (57 سنة) يقول لزوجته لقد كتب الله علي السجن لأتعلم الكتابة والقراءة فقالت له إذن إبق في السجن أحسن لك وأصبحت نكتة نتفكه بها. وقد تجاوز عدد المساجين السياسيين 1200 سجين سنة 1994 مما اضطر إدارة السجن لتعزيز الوضع المستقر الذي حققه السلوك الإيجابي لأولئك الإطارات خاصة خلال موسم الاعلان عن الحوار الوطني. ولم يرق هذا الأمر للخفافيش التي كانت ترصد الوضع فقامت فجأة بعملية التحويل المذكورة وغيرت إدارة السجن وبدأ مخاض الأحداث. واستهدفت أول خطوة التشهير بالدعاة والأساتذة المؤطرين ثم شكلت إدارة السجن عصابة من المساجين القادمين من سجن سركاجي والحراش تربطهم على ما يبدو علاقة سابقة بالمدير شخصيا وأصبحوا الوسيط المعتمد بين الإدارة والمساجين وتجاوزت صلاحياتهم بعض حراس السجن بتوصيات من المدير. وكان من بين أفراد هذه العصابة عملاء لدوائر أمنية تم تحويلهم للقيام بعملية تصفية جسدية لإطارات الجبهة الاسلامية للانقاذ . وكانت الخطة كالآتي:
1- يتم التغرير ببعض المساجين المراهقين الذين تعرضوا للاحباط جراء ما تعرضوا إليه من تعذيب وإهانة في مراكز الاستنطاق أو ما وقعوا فيه من أخطاء في حق الأبرياء وإقناعهم بإمكانية الفرار من السجن بالتعاون مع حراس مفترضين دون التعرض إلى موضوع التصفية المبيت من طرف المدبرين للمؤامرة وقد تم فعلا تجنيد حوالي ثلاثين سجينا منهم الإبن البكر لمنصوري الملياني.

2- لضمان الامتثال التام للأوامر يتم الإعلان عن إمارة شرعية للمعنيين بالفرار يبايعون فيها الأمير على السمع والطاعة. وقد تم فعلا تعيين عبد الكريم صفصافي أميرا للمجموعة ثم رقي إلى خليفة بعد مقتل أمير الجماعة الاسلامية المسلحة قواسمي الشريف الملقب بأبي عبد الله كما عين بريش عبد الفتاح الملقب بأبي سليمان إماما وعين مراد من بلكور الملقب بالطيب الأفغاني أميرا للحرب وكان الرأس المدبر هو عبد القادر بوخشم. وقد اعترف لنا بهذه المعلومات بعض الضحايا المتورطين بعد أن وقع الفأس في الرأس واكتشفوا أنهم كانوا ضحية عملية مخابراتية محبوكة.
ـ (مقاطعا: تقصدون هنا ترقية المدعو صفصافي من أمير إلى خليفة لقواسمي الشريف على مستوى السجن أم على مستوى الجماعة المسلحة بأكملها؟
النقيب شوشان: على مستوى الجماعة طبعا لأنهم اعتبروا إمارة الشيخ محمد السعيد رحمه الله المعلن عنها آنذاك غير شرعية).
3- إختيار أشد المجندين تطرفا وتوزيعهم بالتعاون مع الإدارة على الزنزانات التي يسكنها الإطارات المستهدفون بالتصفية وقد تم تأجيل هذا الإجراء إلى يوم العملية.
4- بعد تنفيذ عملية التصفية يتم القضاء على المتورطين فيها ويعلن التلفزيون الجزائري أن عناصر من الجماعة المسلحة قتلوا عناصر من الجبهة في إطار الاقتتال الحاصل بينهما ولولا تدخل رجال الأمن الأشاوس لكانت المجزرة أفضع وهو بالفعل ما صرحت به مذيعة التلفزيون الرسمي التي أصبحت فيما بعد وزيرة وسيناتورة في مجلس الأمة رغم أن رجال الدرك والأمن قتلوا خمسين سجينا أعزلا فيما قتل عملاؤهم سجينا واحدا من المتورطين في العملية. أما باقي المساجين بدون استثناء فقد كانوا بين جريح وصريع ولم يتمكن واحد منهم من الدفاع عن نفسه. ورغم العدد الكبير من الضحايا إلا أن الخطة فشلت لأن المستهدفين بالتصفية فيها نجوا من المذبحة بتدبير من الله. وقد ظهرت بوادر الفشل ليلة العملية عندما رفض أغلب الشباب المغرر بهم فكرة التصفية وتردد البعض منهم ووقعوا في حرج كبير فعدلوا عن تسريبهم إلى زنزانات المستهدفين بالتصفية الجسدية من إطارات الجبهة والدعاة خوفا من افتضاح أمرهم. ولكنهم في منتصف ليلة العملية خرجوا من زنزاناتهم الثلاثة المفتوحة وأمروا مجموعة من ضحاياهم بالإقتراب من سور الحصن في حين بقيت مجموعة أخرى داخل العمارة. وفي هذه اللحظة بالذات خرج أحد حراس السجن وصرخ بأعلى صوته لقد أوقعوكم في كمين وسيقتلونكم جميعا أناشدكم الله يا إخوتي أن ترجعوا إلى زنزاناتكم. وكان هذا هو الصوت الذي أيقظ المساجين الآخرين وأصبح الجميع شهودا على ما وقع منذ تلك اللحظة إلى نهاية الاحداث. ولكن المتواجدين في القاعة (أ) وأنا من بينهم كانوا أقدر على معاينة الأحداث لأن نطاق العملية كان مفتوحا أمامنا.
رجع جميع المساجين إلى العمارة وأصر اثنان على الإقتراب من السور وهما الشاهدان الوحيدان الباقيان ممن تورطوا في مأساة (قمار ـ واد سوف) تورطا مباشرا ولم يكن أمامهما سوى الإنتحار للتخلص من الضغط النفسي الذي يعانونه منذ أعتقالهما. وكان بالإمكان صرعهما أو قطع الحبل الذي حاولا تسلقه، ولو افترضنا جدلا أنهما تمكنا من الوصول إلى أعلى السور فقد كان من المستحيل عليهما أن يقفزا من ارتفاع أكثر من عشرة أمتار فوق الصخور الصماء ومع ذلك فقد كان بإمكان حراس السور والدوريات العسكرية للثكنات المحيطة بالسجن اصطيادهما حتى بعد تجاوز سور الحصن لأنهما أعزلان. ولكن حارسا مجهولا من أعلى السور اختار إطلاق النار عليهما بكل برود فأرداهما قتيلين وهما داخل السجن. أما الباقون فقد طلبوا من المساجين فتح زنزاناتهم فلما رفضوا فتحوها عنوة ليصبح اكثر من ألف سجين يتجولون في أروقة العمارة. وقد حاول أحد المتورطين تحذير المساجين مما يراد بإطارات الجبهة ولكن رفاقه عالجوه بقضيب فولاذي حتى الموت.
لم تطلع شمس اليوم التالي إلا والموقف واضح وضوح الشمس للجميع. حوالي عشرين سجينا على علاقة مشبوهة بالإدارة يحاولون الفرار، قتل منهم ثلاثة وبقي الاخرون محاصرين بإحكام مع أكثر من ألف سجين أبرياء في عمارة بدون ماء ولا طعام ولا كهرباء. ولم يسفر قصف العمارة بمئات الحشوات من الغاز والقنابل الدخانية عن خروج المساجين ثم فتح باب التفاوض على إخلاء العمارة بين الإدارة وقيادة فوج التدخل السريع للدرك من جهة ومنفذي العملية وبعض المساجين من جهة أخرى ( منهم الدكتور محمد خليفي و الشيخ محمد بن قطاف و عبود أمير السجن المنصب من طرف هده المجموعة خلفا للشيخ السعيد بسايح) وكان ممثلوالمساجين يريدون حضور طرف مدني من ممثلي حقوق الانسان يضمن لهم التمتع بحقوقهم في حين أصر الطرف الآخر على الاستسلام غير المشروط أو الإبادة الجماعية. وانتهت المفاوضات إلى الفشل وجاء الأمر الفصل على لسان قائد فوج التدخل السريع للدرك الوطني الذي أعلن بمكبر الصوت بعد منتصف الليل قائلا: ابتداء من الساعة الثامنة صباحا سأخلي العمارة بقتلكم إذا لم تخرجوا. وفعلا تم اقتحام الطابق السفلي للعمارة بعد منتصف الليل وتم إخراج الأسرة التي استعملت لسد المدخل من طرف حراس السجن تحت غطاء من القصف الكثيف بالغازات والقنابل الدخانية وحشر المساجين في الطابقين العلويين. وبعد الساعة الثامنة صباحا بقليل وجه أكثر من خمسمائة مسلح رشاشاتهم الخفيفة والمتوسطة نحو نوافذ العمارة وأبوابها وبدأ إطلاق النار لتعيش العمارة بمن فيها جحيما حقيقيا أثناء اقتحام الطابق الأول وتساقط المساجين بين قتيل وجريح وأصبح الجنود يرمون المساجين العزل المحصورين رميا مباشرا من مسافة أقل من عشرين مترا داخل العمارة ورغم صراخ وكيل الجمهورية الذي لم يحتمل بشاعة الموقف بإيقاف الرمي إلا أن حضرة الرائد قائد الفوج الهمام لم يصدر الأمر بإيقاف الرمي إلا بعد أن دخل وكيل الجمهورية شخصيا في قطاع الرمي وهدده بالعقوبة. فرد عليه قائد الدرك بكلام بذيء و أوقف الرمي عند ذلك.
عندما توقف الرمي كان الجنود المتقدمون من مدخل العمارة قد وصلوا بمحاذاة الزنزانة رقم 28 التي انتقلت إليها مع سجينين آخرين قبل بداية الاقتحام بناء على تقدير قتالي للموقف ولم يكن الجنود يتصورون أن نكون في ذلك المكان المتقدم لأن مئات المساجين اندفعوا إلى القاعة (أ) باعتبارها أبعد نقطة عن مدخل العمارة هربا من جحيم الرصاص فاكتظت بهم القاعة وما حولها من الزنزانات وبقي الكثير منهم خارجها يتزاحمون وظهورهم دريئات طرية للنحاس الملتهب. وبعد أن توقف الرمي نادى وكيل الجمهورية المساجين وأذن لهم بإخراج القتلى أولا ثم بدا إخلاء العمارة.
كنت ومن معي نسمع ونرى دون أن يتفطن لوجودنا أحد. وبعد أن بدأ المساجين في الخروج اشرت إلى أحدهم أن يخبر وكيل الجمهورية بوجودنا حتى لا يضطرب الجنود ويطلقوا النار عشوائيا فاقترب أحد الجنود من مدخل الزنزانة وأذن لنا بالخروج.
توقعنا أن الكابوس انتهى فخرجنا لنلتحق بطابور المساجين الخارجين من العمارة تحت النظرات الحاقدة لأعوان الدرك. وما أن وضعنا أرجلنا على عتبة الباب الخارجي للعمارة حتى تلقفت القضبان الحديدية من كان أمامنا من المساجين ليمروا بصراط جديد بين العمارة والساحة المعدة للمحشر الجديد وطوله حوالي 300 متر يمر خلالها السجين بين صفين من حراس السجون حوالي 250 حارسا يضربونه بجنون فلا يصل إلى الساحة إلا صريعا مضرجا بدمائه ومجردا من جميع ثيابه فيتكدس بعضهم فوق بعض في منظر مريع يدل على الاحتقار البشع للذات البشرية عند القوم. ومن لطف الله بي أن أحد الحراس المتعاطفين معي كان مكلفا بالتعرف على المحكوم عليهم بالاعدام حتى يتم عزل من بقي منهم حيا عن باقي المساجين لايهام الرأي العام بأن عملية التصفية لم تكن مقصودة فأخرجني من الصف مع واحد ممن كانوا معي وألحقنا بجناح المحكوم عليهم بالإعدام ونصحني بأن لا أجيب إذا ناداني أحد باسمي حتى تنجلي الأمور. وفي آخر عملية الإخلاء تم إخراج السجين عبد العالي وهو أحد العناصر النشطة المتورطين في العملية منذ إرهاصاتها الأولى وتم إطلاق النار عليه بكل برود أمام المساجين حسب ما أخبرنا به شهود العيان في أوانه مما جعل رفيقه يبادر إلى ضرب حارس متورط معهم في القضية فاطلقوا النار عليه وأخرجوه إلى خارج العمارة وقتلوه بالسلاح الأبيض شر قتلة فاعتصم من بقي من المساجين داخل القاعة رقم (أ) وأغلقوا بابها على أنفسهم وكان بينهم عناصر ممن لهم علاقة بالعملية خشية أن يلاقوا نفس المصير، فما كان من قوات الدرك إلا أن سربت إليهم سوائل ملتهبة من منافذ القاعة ثم قصفتها فتفحم أغلب المساجين فيما أصيب بعضهم إصابات بالغة وقد أخبرنا بعض الناجين أن قوات التدخل أجهزت على بعض الأحياء من بينهم المحكوم عليه بالإعدام يوسف بوصبيع. وقد جمعت بعد ذلك جثث واحد وخمسين سجينا أغلبها متفحمة في ساحة العمارة وبقيت ليلة كاملة في العراء تعبث القطط السائبة بما بقي منها من أشلاء لتنقل على متن شاحنتين صباح اليوم التالي وتدفن في حفرتين مختلفتين إحداهما في منطقة البرواقية والأخرى في مقبرة “تاخابيت” ضواحي المدية.
أما باقي المساجين فقد كدسوهم عراة حفاة في قاعات ضيقة لا تتسع لهم واقفين ملتصقين ببعضهم وعاشوا صورة من يوم الحشر العسير وبقوا على تلك الحال يومين أشرف بعضهم فيها على الموت. وكان الحراس يخرجونهم بالضرب بالقضبان الحديدية ويدخلونهم به لضبط قوائم المناداة وكان المساجين يفضلون الضرب بالقضبان خارج القاعة هروبا من وضعية الوقوف عراة كما ولدتهم أمهاتهم لا يمكن لأحدهم تغيير وضعية رجله دون إيذاء أخيه. علما بأن بين السجناء من تجاوز عمره 75 سنة ومعه أبناؤه وإخوته. وكان من بينهم مجاهدون وآباء شهداء ثورة التحرير الوطني بكوا بكاء مرا وهم يقلبون الذاكرة بين جلادي الجزائر المحتلة قبل سنة 1962 وجلادي الجزائر المستعمرة بعد 1992. وفي اليوم الثالث وزع الحراس على المساجين سراويل خشنة مؤذية للجلد وخففوا من الاكتظاظ بحيث أصبح بإمكان كل سجين أن يجلس دون أن يمد رجليه أو يستلقي لينام والقاعة التي التحقت بها في اليوم الثالث كان طولها اقل من عشرين متر وعرضها لا يتجاوز 6 متر وفيها ثقبة واحدة للخلاء غير مستورة وبدون ماء وكان عددنا في البداية 400 سجين ثم اصبح حوالي 360 وكنا نفترش الإسمنت المشبع بالرطوبة والماء في البداية ونتغطى بسقف القاعة الذي يتسرب الماء من كل زواياه إذا ذاب الثلج الكثيف المتجمد عليه ومع ذلك فقد كانت هي أحسن القاعات حالا. لقد بقينا في هذه الوضعية أكثر من شهرين كانت وجبات العقوبة فيها أكثر من وجبات الأكل ولم نغتسل فيها مرة واحدة وكنا نوفر ماء الشرب للاستنجاء حتى نبتت من جلودنا الديدان الحية وتفشى الجرب في المساجين إلى درجة جعلت الحراس يخافون على انفسهم من العدوى. وعند ذلك فقط سمح لنا بالاغتسال بالسوائل المطهرة واتخذت بعض الإجراءات لعلاج الحالات المرضية المتقدمة وتم تزويدنا ببعض البطانيات والملابس وفتحت الزيارة بعد ذلك. وقد زارني في الاسبوع الثاني أو الثالث من الأحداث الأستاذان المحاميان مشري بشير ومحمد بغدادي بترخيص استثنائي من ديوان رئيس الجمهورية للتساؤل عن حقيقة ما حدث ولم يكن مسموحا لأي هيئة أو شخص أن يدخل السجن أو يخرج منه في تلك الفترة إلا بترخيص من وزير الدفاع باعتبار السجن منطقة عمليات عسكرية. وقد استنكر الأستاذ مشري بشدة الوضعية المزرية التي رآني فيها ورفض مقابلتي فيها وهدد مدير السجن بالمتابعة ولم اتكلم معه إلا بعد أن ألبسوني حذاء ولباسا عاديا وقد أخبرتهما بما رأيت في ذلك الوقت وأكدت لهما أن قوات التدخل السريع هي التي قتلت خمسين سجينا بدم بارد أما السجين الواحد والخمسين فقد تعاون على قتله اثنان من المتورطين المشبوهين في العملية وقد تم قتلهما بطريقة ملفتة للانتباه أثناء خروج المساجين من العمارة من طرف رجال الدرك والفرقة الخاصة الملحقة بهم من الملثمين المجهزين بالسلاح الأبيض وأن المساجين يعانون من معاملة لا أتخيل لها مثيلا من الحقارة في تاريخ البشرية. وقد أخبرني الأستاذين بأنهما مكلفين باستقصاء الحقيقة لصالح قيادة الجبهة الاسلامية ومصالح الرئاسة حتى يكونوا على بينة مما حصل وسينقلانها لهم كما وصفتها وقد كنت أمينا في شهادتي وما زلت والحمد لله.
وقد تبين لنا بعد مراجعة التفاصيل مع بعض المتورطين والحراس ومن خلال محاضر التحقيق أن 8 جواسيس كانوا مندسين في صفوف المساجين اختفى منهم سبعة وأصيب واحد منهم بالخطأ مما جعله يعاتب إدارة السجن على إطلاق الرصاص عليه رغم إعطائه إشارة التعارف بينه وبينهم وكان ذلك على مرأى ومسمع من سجينين كانا يعذبان داخل مكتب رئيس الحرس وقد تم نقل العميل خارج السجن فورا وأجريت معه مقابلة صحفية في ذلك الوقت قال فيها ما أملي عليه من شهادة الزور البينة باعتباره أحد السجناء. كما أخبرني طبيب سجين استدعي للمساعدة في عيادة السجن أن بعض الأشخاص المشبوهين من المتورطين في العملية كانوا تحت تأثير المخدرات مما يدل على أنهم لا يمتون بعلاقة للمساجين السياسيين المستهدفين كما أن هذه المعلومة لم تشر إليها الدعاية الرسمية التي من عادتها اختلاق القرائن لتشويه سمعة الإسلاميين.
هذه بعض الصور من مأساة البرواقية ولو استعرضنا شريط الأحداث كاملا لصعب على الناس تصديقها ولكن الشهود الأحياء على الأحداث يعدون بالمئات ولن تمحو الأيام مهما طالت ذلك الكابوس المرعب من ذاكرتهم.

ـ وأنتم تقدمون هذه الشهادة الحية عن هذه المجزرة في حق السجناء العزل, أشرتم إلى كون الهدف من تخطيطها كان النية المبيته في تصفية اطارات الجبهة الإسلامية والدعاة, بتوريط سجناء سذج وحمقى ومغرر بهم لهم علاقة بالجماعة المسلحة.. هل نفهم من هذا أنه حتى داخل السجن العلاقة بين اطارات الجبهة ومقاتلي الجماعة كانت متوترة ومكهربة؟

النقيب شوشان: لم يكن هناك تصنيف للمساجين داخل السجن فالجميع يعتبرون من مناضلي الجبهة والمتعاطفين معها رغم اختلاف وجهات النظر والقناعات الذي لم يكن له تأثير على العلاقة بين المساجين إلى أن تم غزو البرواقية من طرف العناصر المشبوهة كما أشرت إليه. فالتوتر كان طارئا على السجن ولم تظهر علاقة المتورطين بالجماعة إلا بعد الأحداث. أما ما نراه اليوم من التوتر فهو الحصاد المر لموسم الأزمة الطويل الذي عاشته الجزائر في نظري.

وقفات في هذه المرحلة
· من الذكريات المحزنة في مأساة البرواقية وغيرها أن السفهاء المتسببين فيها والطامعين في الاستفادة من غنائمها هم أول من يسارع إلى التنصل من المسؤولية على ما يترتب عنها من المغارم والنجاة بأنفسهم على حساب الآخرين بل و الاستئساد عليهم باسم الدين والوشاية بهم بدون مروءة و لا حياء. فعندما تأكدت الشرذمة المتسببة في المأساة من وقوعها في المكيدة التي دبرت لتصفية الرجال داخل السجن و استحالة خروجهم من السجن لم يدخلوا في معركة استشهادية كما يتشدقون و لا استسلموا كما يفعل الطير الحر إذا وقع في الشرك. و إنما استاسدوا على إخوانهم المقهورين فكسروا أبواب الزنزانات الأخرى و اختلطوا بباقي المساجين و هددوا من عارض سلوكهم بالقتل و هم يصرخون : نحن الذين بايعنا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا. و لما وقعت الواقعة و بدأت قوات الدرك إطلاق النار و حان وقت الجهاد الحقيقي انسحبوا جميعا إلى الركن الخلفي من القاعة “أ” متترسين بباقي المساجين الذين تساقط منهم العشرات ظلما و عدوانا. و لذلك لم يقتل من المتورطين أحد في هذه المرحلة. أما لما حان وقت الخروج فإنهم خاضوا معركة حقيقية ليكونوا في أول الصفوف للنجاة بأنفسهم. و لولا قتل صاحبهم عبد العالي من طرف الدرك بدم بارد و ما ترتب عليه من فوضى وقتل عشوائي لعادوا جميعا إلى قواعدهم سالمين. و الأدهى و الأمر أنهم في محاضر التحقيق شهدوا بأنني أنا المتسبب في التحريض على ما حصل لأنني كنت أعقد حلقات في فقه القتال لبعض المساجين. و لولا أنني استبقت هذا النوع من المكائد بطلبات تحويل من السجن و اتخذت بتوفيق من الله إجراءات عملية في الوقت المناسب لإبطالها لوجدت نفسي متابعا بقضية أخرى كما حصل لبعض الإخوة الطيبين.
و قد أطلعني قائد فوج الدرك على المحاضر أثناء استجوابي بحضور وزير العدل نفسه و أكد لي ذلك بعض الشباب المتورطين في القضية و اعتذروا لي عنه. و من المؤسف أيضا أن يجد بعض الأفاضل أنفسهم رهينة في يد هؤلاء المغرورين يوردونهم المهالك و هم ينظرون. و قد زارني الأخ الفاضل (م ب ق) في وقت سابق عن الحدث فنصحته بالحذر من مباركة سلوك هذه الشرذمة و لكنه غلب على أمره رغم رجاحة عقله و كبر سنه و تجربته كمجاهد في ثورة التحرير و مناضل مسؤول في جبهة الإنقاذ – و لعله كان طامعا في التأثير على أولئك الشباب – . و قد ترأس الوفد المفاوض باسم المساجين مع قيادة الدرك فجاءني مستنصحا في آخر جولة من المفاوضات فقلت له: لا أعتقد أن من المفاوضات جدوى الآن و لكن أقيموا الحجة على وكيل الجمهورية و فاوضوه على ضمان سلامة الإخوة و لا تشترطوا غير ذلك. فإن لم يقبل منكم ذلك فإنهم يريدون إبادتنا و لا خيار لنا غير الدفاع عن أنفسنا قدر المستطاع. و فعلا ذهب الوفد للتفاوض و لكنه لم يعد و لم التق بالأخ المذكور إلا بعد الواقعة بأسابيع دون أن أجد جوابا مقنعا يبرر قابلية خضوع العقلاء للسفهاء في القضايا الخطيرة. إن نصيب هؤلاء السفهاء من المسؤولية لا يسقط شيئا من مسؤولية النظام عن المجزرة التي ارتكبتها قوات الدرك في حق المساجين الأبرياء بجبن و خساسة خاصة إذا علمنا أن الخليفة الذي بايعه المتورطون ينعم بجميع حقوقه المدنية اليوم و إمامها يتجول بجواز سفر جزائري في بلاد الحرمين بينما أرامل المقتولين و أيتامهم يعانون.
· من الذكريات التي علقت بمخيلتي أن أمير الجماعة الاسلامية المسلحة سيد أحمد مراد الملقب بجعفر الأفغاني بعث لي رسالة مع أم أحد المساجين يعرض علي فيها الترتيب لتهريبي من سجن البرواقية لأن الجماعة في حاجة إلي على حد قول الرسول. و لم أكن أشك في صدق حامل الرسالة لأنني أعرف الشاب المعني جيدا. كما أنني لم أكن أشك في مصدر الرسالة لأن التي حملتها تعرف سيد احمد مراد كما تعرف ابنها تماما. و لكن الذي أردت التأكد منه هو الغرض من الاتصال بي. و لذلك طلبت من أمير الجماعة الاسلامية أن يتصل بالسعيد مخلوفي و يطلب منه اسم الرجل الذي كان معه في مكان محدد و وقت محدد، حتى أستوثق من جدية العرض. و لكنني لم أعرف الجواب إلا بعد اختطافي من سجن الحراش من طرف جهاز أمن الجيش حيث أبلغوني بأنهم قاموا بمحاولة استدراجي 5 مرات عن طريق المساجين كانت آخرها في سجن الحراش باسم السعيد مخلوفي نفسه و لكنهم فشلوا فيها جميعا. و أنا لا أريد اتهام الإخوة الذين استخدموا في هذه المحاولات أو سوء الظن بهم و لكنني أنبه إلى أبعاد الانزلاق الذي وقعت فيه الجزائر خلال هذه الفتنة العظيمة.
· كان تضامن الإخوة معي عندما كنت في قبو المحكوم عليهم بالإعدام و احتجاجهم على تعذيبي ثم تعاوني مع باقي الدعاة على مساعدة الإخوة المساجين في تجاوز محنتهم سببا في لفت انتباه إدارة السجن إلى حظوتي بين الإخوة، فاستدعاني مدير السجن آنذاك و أبدا لي أسفه على وجود ضابط مثلي في السجن وسألني عن سر انقطاع الزيارة عني منذ اعتقالي. فأخبرته بأنني أرفض أن أخاطب أولادي الأبرياء من وراء القضبان. فقال لي إن هذا قانون يسري على الجميع. فقلت لو كان القانون هو الساري لما كنت أنا في هذا المكان أصلا. فقال ماذا لو رتبت زيارة لأهلك في وقت خاص و سمحنا لك بالجلوس معهم. قلت إذا كان بإمكانك فعل هذا فلماذا تحرم مئات الآباء من احتضان أولادهم؟ قال: أنا لا أريد أن أفتح على نفسي بابا للمشاكل. قلت: أنا أشكرك على تعاطفك و أقدر لك هذا الشعور النبيل و لكن ضميري لا يسمح لي بالاستئثار بهذه الميزة عن باقي الإخوة…. و عندما اقترب موعد العيد استدعاني مرة أخرى فقلت لماذا لا تخفف على هؤلاء المظلومين في مناسبة العيد و تزيل الحواجز بينهم و بين أهاليهم و سوف لن تخسر شيئا ما دام القانون يسمح لك بذلك. فقال: القانون يسمح لي و لكن يحملني المسؤولية على المشاكل إذا وقعت، فمن يضمن لي عدم وقوعها؟ قلت إذا كنت موافقا مبدئيا فدعني أتدبر قضية الضمانات. و فعلا التقيت بالأخ السعيد بسايح الذي كان أميرا على السجن آنذاك و أخبرته بما دار بيني و بين مدير السجن فاستشار باقي الإخوة فأكدوا على تعهد جميع الإخوة بالانضباط إذا أتيحت لهم هذه الفرصة فقابلنا مدير السجن و تكفل بعد ذلك الأخ السعيد و أمراء الولايات بالتنسيق مع مسؤول الحرس على وضع جدول زمني يمكن جميع المساجين من قضاء 20 دقيقة مع زائريهم في الساحة الأمامية للسجن خلال أيام العيد الثلاثة. و كان المدير وفيا لتعهده و الإخوة المشرفين كذلك فكان عيدا مميزا حقا و انتصارا للخير على الشر في النفوس و هي المناسبة الوحيدة التي زارني فيها أولادي خلال اكثر من ثلاث سنوات من السجن. و لكن هذا الانجاز كان سببا في إحالة مدير السجن على التقاعد قبل أوانه و تعيين المدير الذي وقعت في ظله المجزرة.
· آخر وقفة أجعلها مع الفساد الذي ارتبط ذكره عموما بالأنظمة و رموزها و لكنه في الحقيقة صفة لا هوية لها. فمن مظاهر الفساد التي كانت تنذر بفشل الاسلاميين في مواجهة النظام الفاسد هو استئثار ذوي النفوذ بالنعمة على حساب المغلوبين على أمرهم. و قد وقفت على هذه الظاهرة و أنا في السجن العسكري ببشار و غاظني تهكم مدير السجن بي عندما دعاني لرؤية بعض الزوار الذين ظننتهم أعضاء منظمة دولية لحقوق الإنسان فإذا بها زيارة عائلية لأمير الجماعة المسجونين معنا في السجن و عرفنا بعد ذلك أن المصروف الأسبوعي المخصص من طرف الجماعة و الذي لم ترض به زوجة الأمير يفوق مرتب ضابط في الجيش. و في سجن البرواقية كان الشقيق الأعزب للأمير جعفر الافغاني المسجون معنا في سجن البرواقية مثلا يتمتع بما يتمتع به إبن أي جنرال من حيث اللباس و الأكل الذي يتزود به في كل زيارة و كذلك الشأن مع أصهار بعض الأمراء و معارفهم. أما إمام مسجد المدنية المفصول عن عمله و القابع في نفس السجن فإن زوجته كادت تموت جوعا مع ابنتها لولا أن احتالت جارتها على زوجها الأفلاني و اتخذتها غسالة عندها مقابل مرتب متواضع تمكنت به من زيارة زوجها بعد شهور من اعتقاله مما تسبب له في صدمة نفسية كادت تتلف عقله. و المشكلة أن هذه الآفة متفشية حتي في أوساط المتصدرين للعمل الاسلامي السياسي حاشى الرجال المخلصين لقضيتهم أمثال الشيخ على بن حاج أو صاحبه الوفي عبد القادر شبوطي رحمه الله الذي لم يكن أولاده اليتامى يجدون طعاما في بيتهم فينزلون ضيوفا على بقية صالحة من الرجال يطعمونهم خفية مما يطعمون أولادهم….. فعلى أي شيء نراهن في معركتنا الضارية من الفساد و الاستبداد؟
إن هذه الشهادة مؤلمة بكل تأكيد و يخشى البعض أن يستغلها أعداء المشروع الإسلامي في التشهير برجاله، و هو تخوف مشروع و لكنه أقل خطرا من قوله تعالى: “أتامرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم و أنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون”. (يتبع…)

———-

ـ 10 ـ
الأزمة الجزائرية
شاهد من قلب الأحداث
بقلم : النقيب أحمد شوشان | صوت الجزائر | الاحد 03 أوت 2008
الفصل الثالث
الجزء الثالث
لقاءاتي مع معنيين بالعمل المسلح في سجن البرواقية
السجن أعظم المحن التي يمكن أن يتعرض لها الإنسان الشريف لأنها مجمع الأضرار و بوتقة الآلام. فالسجن يصيب الكريم بالبأساء بحرمانه من أهله و ماله و جاهه و وطنه و يصيبه بالضراء بما يتعرض له من التعذيب والأمراض المزمنة وسوء التغذية و يصيبه بالزلزلة في عقيدته و فكره و مشاعره تحت وطأة القهر وشماتة الأعداء وعجز الأصدقاء….. و المحظوظ من وفقه الله إلى اغتنام الفرصة للتعلم من هذه التجربة المرة والاستفادة من حلوها ومرها. وكان مما خفف علي وطأة السجن لقائي بكثير من العناصر التي ساهمت في تفجيرالعمل المسلح، فاستطعت الحصول على تفاصيل كثيرة زادتني اطلاعا على ما كان يجري في كواليس الجماعات المسلحة مما ساعدني على تشخيص دقيق للأزمة الدموية التي أهلكت الحرث و النسل في الجزائر وعلمتني أن القضايا العامة لا يمكن فهم تفاصيلها بعقل واحد و لا الشعور بحقيقتها بقلب واحد. و كان من بركات هذه التجربة علي، موقفي الثابت من النزاع المسلح الذي تجنبت التورط فيه عن اقتناع تام بمآلاته رغم قربي الدائم من بوتقته . و المقام لا يتسع ولا يسمح بذكر جميع من التقيت بهم لأنهم مئات. و لكنني سأكتفي بمن في شهادتي عليه عبرة لغيره.
أحمد الود: طالب متخصص في الطب على باب التخرج ترك الجامعة و لبى نداء الجهاد إلى جانب المسلمين المستضعفين في أفغانستان ضد الشيوعيين. و شهد له من عرفوه بالشجاعة و الصدق. و كان أول من بويع سنة 1991 كأمير للجماعة الاسلامية المسلحة المكلفة من طرف الحالمين بالخلافة الراشدة ممن عرفوا بعد ذلك بالأفغان العرب ثم القاعدة في القرن 21.
التقيته في سجن البرواقية وكان بيني و بينه نقاش جاد وكلام ذو شجون عن مسائل متعددة استفدت منها ما يلي:
1) أن هذا الشاب التحق بالجهاد الأفغاني مقتنعا بحق الشعب الأفغاني المسلم في الدفاع عن حريته و استقلاله و عاد من أفغانستان بعد سقوط النظام الشيوعي ليلتحق بأنصار المشروع السياسي في الجزائر دون تعصب لحزب بعينه. و لكنه بعد اعتقال أنصار الجبهة في شهر جوان 1991 بويع بالإمارة على الجزائريين الأفغان بتوصية من رؤوسهم المتواجدين إلى ذلك الحين في أفغانستان، و الذين أقنعوه فيما بعد بأن صناعة الجهاد حكر عليه و على رفاقه و لا ينبغي ترك رايته للمغرورين بالسياسة أمثال عبد القادر شبوطي و السعيد مخلوفي. و لذلك انخرط مع زملائه في عملية تعبئة داخل صفوف الجبهة الاسلامية لسحب البساط من تحت أرجلهما (السعيد و شبوطي) ثم انتقل للتخطيط لعمليات عشوائية يأخذ بها المبادرة و يفرض الأمر الواقع على جميع الإسلاميين. و لكن الأمر اختلط عليه منذ أحداث قمار و شعر بأن تحركاته مرصودة عن قرب و أن جماعته اخترقت خاصة بعد أن قتل أعز اصحابه أحمد القبايلي في اشتباك مع أجهزة الأمن ببلدبة المنيعة في الجنوب الجزائري فاجتهد في الاحتياط لنفسه و ترك الإمارة عمليا بعد أن نازعه فيها الملياني و لكنه وجد نفسه وجها لوجه مع قوات الأمن التي حاصرته مع مجموعة من أقرب مساعديه منهم قريبه البشير فأصر على الاشتباك معهم طمعا في الشهادة و لكنه أصيب إصابات بليغة هو و زوجته و أدخلا السجن بعد أن تعرضا إلى عملية تعذيب مروعة و حكم عليه بالإعدام و على زوجته بالسجن.
2) لم يكن يبدو لي منه تأسف على أي شيء كأنه كان مقتنعا بأنه أدى ما عليه. و لكنه بكى بكاء مرا عندما أخبرته بأن مبادرته إلى تشكيل إمارة الجماعة الاسلامية المسلحة و التآمر مع الملياني و أنصاره لضرب السعيد مخلوفي تسبب في إفشال المساعي التي كان يبذلها رجال لا يقلون عنه حمية للاسلام و لكنهم أعرف منه بواقع الأزمة و تعقيداتها و أقدر منه و من رفاقه على النجاح في إيجاد الحل لها. و قد أدرك في النهاية أن جماعته كانت ضحية مؤامرة لدوائر أمنية و قال لي بالحرف الواحد: يا ابن أختي، أنا مقتنع بأن ذمتي لن تبرأ حتى يسيل دمي في إصلاح هذا الأمر. و و الله لو علمت أن الحركة الاسلامية المسلحة كانت على هذا المستوى من الوعي لكنت أول أنصارها و لكنني خدعت بالإسلام و حسبي الله و نعم الوكيل.
3) رغم تحول نظرته تجاه الحركة الاسلامية المسلحة و اعترافه بالخطأ الذي ارتكبه بخضوعه لرفاقه في أفغانستان بقبوله إمارة الجماعة، إلا أن موقفه من السلطة ازداد حدة بعد اقتناعه من الاستغلال البشع لطموحات الجزائريين الأفغان من طرف النظام. و لعل ما تعرض له هو و زوجته من تنكيل على يد أجهزة الأمن كان له أثر سيء على موقفه. و لذلك تورط في عملية فرار يائسة داخل سجن البرواقية و قتل في مزجرة سركاجي مع عشرات المساجين فيما زعم أنه محاولة فرار أيضا.
4) رغم أنه أول أمير للجزائريين الأفغان و أحد أبطالهم إلا أنه كان ضحية لابتزاز العناصر المتطرفة في الجماعة الاسلامية المسلحة أمثال فتح النور و مسعودي المبروك و غيرهم من الذين يمتحنون ولاء الناس للإسلام بحظهم من الدموية و التهور. و قد استغل المذكوران سطوتهما على المساجين في بداية الأمر و حاولا إثارة الشبهات حولي بالتعاون مع الخائن عمروش الذي يعرفان قضيته جيدا و لكن الحق أولى منهما بالاتباع.
حسين متاجر: أميرجماعة الأخدرية، محكوم عليه بالإعدام في قضية اختطاف محافظ الشرطة بالأخدرية و قتله سنة 1992. و كان له نفود في أوساط المساجين. قابلته في سجن البرواقية مرتين بترتيب منه مع حراس السجن. كانت المقابلتان في غرفة الانتظار للحمامات. و كان موضوع اللقاء متعلق بدفاعي عن السعيد مخلوفي و عبد القادر حشاني الدين يعتبرهما حسين متاجر مرتدين عن الاسلام. و كان يريد مني الكف عن الوقوف في وجه أدعياء السلفية الجهادية حتى لا يضطر إلى اتخاد موقف متشدد تجاهي قد يكلفني حياتي. فطلبت منه أن يتعظ بما هو فيه من المحنة و يسوق لي دليلا معتبرا على ردة عبد القادر حشاني أو السعيد مخلوفي فكان مما قاله: بعدما نفذنا عملية بني مراد و استولينا على الاسلحة و الذخيرة من مركز الدرك، اتصلنا بعبد القادر حشاني و قلنا له: أنت ولي أمرنا الشرعي و نحن رهن إشارتك فأمرنا بما تريد. أتدري ماذا كان جوابه؟ لقد أمرنا أن نرجع الأسلحة إلى الدرك. إنه أمرنا أن نستسلم للطاغوت بعد أن نصرنا الله عليهم. ألا ترى أنه أصبح من أولياء الطاغوت؟ ألا تعلم أن الولاء و البراء أساس الإسلام؟
قلت: أنت ادعيت بأن حشاني ولي أمرك، أليس كذلك؟ أولا: هل استشرته في تنفيذ عملية بني مراد؟ هل كنت تراه ولي أمرك قبل تنفيذها؟ ثانيا: إذا كنت تريد بولائك لعبد القادرحشاني وجه الله و تعتقد أنه أميرك، فلماذا لم تطعه في رد السلاح إلى الدرك، أو تبدي استعدادك المبدئي للطاعة على الأقل؟ هل فعلت أيا من ذلك؟…..قال: لا، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق…قلت: لا أظنك عصيته طاعة لله لأنك لم تفكر في ذلك عندما قررت القيام بالعملية. قد تكون عصيته لأنه خالفك فيما تريد لأنك تعتبر نفسك أولى بالإمارة منه….أريدك أن تفكر في هذين السؤالين مليا قبل أن تجيب نفسك. لأنك رجل محكوم عليه بالإعدام و يمكن أن تساق إلى القتل في أي لحظة و لا ينفعك عندئذ غير الصدق مع نفسك أولا ثم مع الله أخيرا. أما بالنسبة لعبد القادر حشاني فالذي أعلمه بيقين هو أنه كان عارفا بالوضع أحسن منك و ممن معك و قد أرسل إليكم من يحذركم من البقاء في البيت الذي تحصن فيه بعضكم بالقصبة في الوقت المناسب و لكنكم أصريتم على البقاء فيه حتى تم تطويقه ثم نسفه مع البيوت المجاورة من طرف قوات الأمن. هل تذكر ذلك؟…(قال: نعم).قلت: فأعد النظر في موقفك من الرجل و اتق الله في هؤلاء الشباب المغرورين و لا تثقل كاهلك بأوزارهم.
كان اللقاء الثاني وديا اعترف فيه حسين متاجر بالتسرع في الحكم على قيادات العمل الاسلامي المخلصين و قال إنه استشار من يثق فيهم خارج السجن فذكروني له بخير و أن موقفه من السعيد كان قائما على معلومات قديمة و أن الجماعة الآن على تواصل معه و متفهمة لمواقفه السابقة. و لمست خلال اللقاء معه تراجعا عن الموقف المتشدد الأول و استعدادا لمناقشة القضايا بكل شجاعة و قد تجسد ذلك على أرض الواقع في تحسن ملحوظ طرأ على سلوك المتطرفين تجاه باقي المساجين بصفة عامة و اطمئنانهم إلى رؤيتي للأحداث بصفة خاصة.
لقد كان موضوع النقاش محددا من طرف حسين متاجر و موقفه هو و اتباعه من قيادات العمل الاسلامي داخل السجن و خارجه فقط. أما موقفه من السلطة و أتباعها فلم يكن محل نقاش أصلا.
يوسف بوصبيع: من قدامى الحركة الاسلامية الجزائرية المسلحة التي أسسها الشيخ مصطفى بويعلي رحمه، شديد التحفظ فيما يقول و يفعل كأنه مقبل على الله من فوره. قوي النفس و لكنه لطيف العبارة. حكم عليه بالإعدام مع سبعة من المتهمين في قضية تفجير المطار الشهيرة، و لكن تأجل تنفيذ الحكم فيه بسبب الإصابة البليغة في رجله. التقيته في جناح المحكوم عليهم بالإعدام عدة مرات و تحدثت معه في قضايا كثيرة متعلقة بعلاقته بالشيخ مصطفى بويعلي و جماعته ثم بعلاقته مع التكفير و الهجرة و الجماعة الإسلامية. و لكن أهم ما استفدته منه هو تفاصيل عن علاقة الجماعات المسلحة ببعضها في العاصمة و قضية تفجيرالمطار التي سردت تفاصيلها في الجزء الثاني من الفصل الثاني من هذه الشهادة. و قد تم تنفيذ حكم الإعدام فيه بطريقة غير شرعية حيث تم الإجهاز عليه داخل القاعة “أ” في سجن البرواقية رغم أنه بقي حيا بعد نسفها من طرف الدرك.
نور الدين خمارة: مهندس متخصص في الطبوغرافيا من قصر البخاري و نائب أمير الكتيبة الخضراء بمنطقة التيطري الشيخ عطية السايح. محكوم عليه بالمؤبد في قضية كمين لدورية تابعة لشرطة قصر البخاري. أخبرني عن نشأة الكتيبة الخضراء و نشاطها المسلح و الدعوي السلمي و علاقتها بالجماعات الأخرى و رفض قيادتها الانضواء تحت إمارة الجماعة الاسلامية المسلحة و الحركة الاسلامية أيضا. علمت منه تفاصيل دقيقة عن عملية الهجوم على ثكنة بوقزول ابتداء من التخطيط و انتهاء بالمصير المأساوي للعسكريين الذين تواطآ مع الكتيبة لاقتحام الثكنة. كما علمت منه المشاداة التي وقعت بين الشيخ عطية السايح و أمير الجماعة الاسلامية المسلحة محمد علال المدعو (موح لفيي) على خلفية تكفيره للشعب الجزائري و كادت تؤدي إلى قتل موح لفيي لولا تدخل نور الدين و آخرين, و أخبرني أيضا عن قصة العسكريين المتواطئين مع الجماعة الاسلامية المسلحة في الاستيلاء على ثكنة الرغاية. كما علمت منه أن عطية لم ينضم إلى إمارة الأفغان رغم أنه منهم و لذلك حاول المختار الذي حضر بيعة أحمد الود تشكيل جماعة ضرار للكتيبة الخضراء في المنطقة تابعة للجماعة و لكنه فشل.
و قد التقيت بمسؤول الحركة الاسلامية المسلحة في الغرب الجزائري محمد النيل الذي حدثني عن مشاريع الحركة في الغرب الجزائري و إجهاضها من طرف أنصار الملياني و تفكيكها من طرف جهاز المخابرات، كما حدثني الحاج محمد عن نشاط الحركة في منطقة بشار و عين الصفراء.
أما جماعة الجزائريين الأفغان فقد التقيت بقيادات من جماعة البيض و تيارت و تلمسان و الجلفة و العاصمة و ضواحيها و الأغواط و الشلف و غيرها. حدثوني جميعا عن تجاربهم في هذه المحنة العظيمة.
كما التقيت بأساتذة من مختلف أرجاء الجزائر ممثلين للشعب على مستوى البرلمان المنتخب و المجالس الولائية و البلدية و مسؤولين في الإدارة و التعليم و أطباء و رؤساء مكاتب و اعضاء في المجلس الشوري الوطني للجبهة لكل منهم تجربته الخاصة مع العمل الاسلامي السياسي و المسلح و لكن المقام لا يتسع لذكر أسمائهم و كانوا كلهم مجمعين على أن العمل المسلح أمر واقع فرض على الجميع بشكل أو بآخر.
ديدي روجي أبو أمين: هذا الرجل الكهل مواطن مسيحي فرنسي أصلي عاش طفولته و شبابه نشالا إلى درجة الإدمان. حيث أصبح لا يتحكم في حركة يده عندما يرى شيئا ثمينا حتى بعد أن تاب من آفة النشل و صلح حاله . قضى في السجون الفرنسية أكثر من 14 سنة. إعتنق اليهودية في السجن بعد أن أقنعته حملة تبشيرية بقضية اليهود المضطهدين من طرف المسلمين الفلسطينيين ثم تصهين و سافر إلى تل أبيب و تجند في الجيش الاسرائيلي و قضي أكثر من سنة في الخدمة العسكرية تأكد خلالها أن المضطهدين الحقيقيين هم المسلمون الفلسطينيون فتعاطف معهم و ترك الخدمة في الجيش الاسرائيلي و عاد إلى فرنسا و احتك بالجالية الفلسطينية والجزائرية و أعلن إسلامه و تزوج من فتاة جزائرية الأصل من مستغانم و أنجب معها أمين و جهاد و حاول أن يعيش كمواطن فرنسي مسلم صالح .
تزامنت زيارته للجزائر مع إضراب الجبهة و هاله مظهر القمع الذي يتعرض له الاسلاميون فعرض على بعض الاسلاميين في العاصمة تزويدهم بالسلاح للدفاع عن أنفسهم فقبلوا. ذهب من فوره إلى فرنسا و شحن مجموعة من المسدسات والبنادق القناصة على متن سيارة 505 كبيرة الحجم و دخل بها الى الجزائر. و لما أراد تسليم الأسلحة تنكر له الجميع و لم يستقبله أحد في العاصمة, حاول الاتصال ببعض المهاجرين الذين يعرفهم في فرنسا فوجد محمد و أخاه من بسكرة فسافر إليهما. و لما أخبرهما بما جرى نصحاه بالتخلص من هذه الأسلحة في أقرب وقت. و أثناء خروجه من بسكرة لاحظ تسربا للوقود من خزان السيارة فاضطر إلى تركها لدى ورشة لتلحيم السيارات لإصلاحها و كان ذلك سببا في اكتشاف أمره و إلقاء القبض عليه من طرف فرقة الدرك و الحكم عليه بالإعدام و على المهاجرين الآخرين بالمؤبد من طرف المحكمة الخاصة.
مأساة هذا الفرنسي لم تتوقف عند هذا الحد. فقد استغلتها الدوائر الحاكمة آنذاك في تشويه سمعة قيادة الجبهة و ادعت أن قيادتها كلفته بهذه المهمة و أن بعض الأسلحة فعلا استعملت من طرف قناصة مجهولين كما طفت لغة الخشب إلى السطح من جديد على لسان حمالات الحطب لبعث أساطير السبعينات بأن الاسلاميين رجعيون و متواطئون مع فرنسا و إسرائيل. و كان الرد على هذا الاتهام الباطل بالمثل من طرف مسؤولي الجبهة في بلدية سعيدة، حيث زوروا وثيقة صادرة من الولاية (أمرا بمهمة) يحمل اسم ديدي روجي و معه اسم الفقيه أو المراني و نشروها في وسائل الإعلام لإيهام الرأي العام بأنه من الجماعة التي توظفها السلطة ضد الجبهة. كما دخل الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران على الخط بدعوى الدفاع عن مواطنه الفرنسي و حذر السلطة الجزائرية من تنفيذ حكم الإعدام فيه و بعث قساوسة خصيصا لزيارته و الاطمئنان عليه. و قد ألغي حكم الإعدام في حقه فعلا رغم إصراره على إسلامه و رفضه العودة إلى المسيحية. و قد كلفه رفض الارتداد عن الاسلام عذابا أليما يفوق الوصف صبه عليه شرذمة من الحراس الأخساء بعد أحداث البرواقية. فزيادة على ما كان يناله كل المساجين من التعذيب و الإهانة كانت هذه الشرذمة تنفرد به في ساحة السجن و تنهال عليه ضربا بقضبان الحديد حتى لا يقوى على الحراك. ليس لأنه فرنسي أو لأنه مجرم بل لأنه مسلم. إن هذا ما استقر في وعي بعض الحراس من خلال التعبئة المسمومة التي كانوا يتعرضون لها باستمرار فأصبح الاسلام عندهم رمزا للعداوة. و هذا من أخطر الإنزلاقات التي وقع فيها كثير من أعوان الدولة و أدت إلى التعسف في حق كثير من الأبرياء.
إن ذكري لبعض اللقاءات التي جمعتني بمختلف العناصر الفاعلة في الأزمة قبل و بعد تفجرها ليس من باب الترجمة لهم فهذا ليس مقام ذلك و لكنني أحاول أن أساعد المهتمين بهذه القضية على إعادة النظر في تصورهم لحيثياتها. فالعنصر الأساسي في تفجر الوضع في الجزائر كان و ما يزال في نظري هوعدم التواصل بين الجزائريين مما جعلهم غرضا سهلا في متناول أعدائهم في الداخل و الخارج. فالأغلبية الساحقة من الإسلاميين الذين التقيت بهم سياسيين و مسلحين يمكنهم بالتواصل المستمر بناء أرضية صلبة لإطلاق مشروع إسلامي وطني قابل للتطبيق و الاستمرار و تحقيق المقاصد الشرعية للاسلام. كما أن التواصل المستمر مع قيادات وطنية ذات نفوذ في دوائر النظام سيكون كفيلا بالحد من نفوذ الدخلاء المعادين لمقومات الشخصية الوطنية و يفتح آفاقا واسعة للتعاون في إطار القواسم المشتركة بين الجزائريين. و قد توصل كثير من المعنيين بالأمر من الطرفين إلى هذه الحقيقة و لكن بعد أن أصبحت معوقات التواصل بين الطرفين أكثر تعقيدا.
قضية الحاج علي بن رقية
إن هذا الرجل ليس من الإسلاميين و لا من المسلحين و لكنه مثال للضحيا الحقيقيين في هذه الأزمة الوطنية.
من مواليد سنة 1935 في بلدية المدية. مجاهد في ثورة التحرير. و بعد الاستقلال اشتغل بجد و جهد في التمريض و تصليح الأحذية و الخياطة و السياقة و البناء و انتهى به الأمر تاجرا في السبعينات و أنشأ بالاشتراك مع تاجر آخر أكبرسوق لبيع التجهيزات الكهرمنزلية و الإلكترونية في منطقة التيطري في الثمانينات و أصبح من أعيان المنطقة و تعرف عليه المسؤولون من خلال متجره الكبير رغم أنه لا يحسن الكتابة و لا القراءة (باستثناء قراءة رسم المصحف). بنى مسجدا في الحي الذي يسكنه و كفل إمامه الحاج لحسن رحمه الله قبل أن تظهر الجبهة الإسلامية للوجود. و في سنة 1993 بعد أن شاعت الفوضى و عم الرعب منطقة الوسط طالبه مسلحون بدفع 100 مليون سنتيم نقدا فقال لهم أنه لا يملك هذا المبلغ، فأخذوا منه 50 مليونا عنوة و طالبوه بدفع الباقي خلال أسبوع و إلا قتلوه. فرأى من الأحوط له أن يخبر مصالح الأمن لأن المسلحين قالوا له إذا اعتقلت فقل الحقيقة. فاتصل بصديقه محافظ الشرطة و أخبره بما حصل له و أنه سيضطر لدفع المبلغ الباقي حفاظا على حياته ما دامت الدولة عاجزة عن حمايته. و قبل أن تنقضي المهلة استدعاه محافظ الشرطة و أخبره بأن الأولى له أن يدخل السجن حفاظا على حياته حتى يتم التحكم في الوضع؛ فسلم أمره إلى الله.
و بدأت رحلة الحاج على بن رقية من مخافر الشرطة و الدرك و المخابرات في المدية و لم يشفع له التبليغ عن القضية و لا علاقاته الخاصة و لا كبر سنه و لا جهاده فتعرض للضرب و الإهانة و التعذيب من كل صنف بتهمة تموين و دعم الإرهاب الباطلة. و كانت ثاني محطاته سجن البرواقية الذي سيق إليه مع الحاج بن رقية العشرات من أعيان المنطقة بنفس التهمة أغلبهم لم يكونوا من المصلين و لا من الذين يطعمون المسكين بل و من الذين شهروا السلاح على مناضلي الجبهة قبل أن تشهره عليهم السلطة نفسها مما جعل بعضهم يتعرض للانتقام من طرف بعض المساجين السفهاء بذريعة أنه تبول واقفا. و أثناء وجوده في سجن البرواقية تقدمت عشرات الشاحنات العسكرية ليلا و استفرغت التجهيزات الإلكترونية من المحل التجاري الكبير و المقدر قيمتها على الفواتير الرسمية بثمانية مليارات سنتيم (8 مليارات)؛ فيما قدرت الخسائر الاجمالية ب 13 مليار دينار و نصف. و تمت العملية خلال ساعات الليل الطويلة و حالة حضر التجول الصارمة و حالة الطوارئ السارية المفعول و شعار (يجب أن يغير الخوف موقعه) و عيون المواطنين المتفرجة من خلف الستائر. و بعد الانتهاء من عملية إخلاء المحل انسحبت الشاحنات و تم إضرام النار فيه قبيل الفجر. و قالت المصادر الرسمية أن الارهابيين هم الذين فعلوا ذلك في ظروف يعرف العام و الخاص أن مصالح الأمن تحصي على المصلين خطواتهم و تقتحم على الأطفال و النساء مخادعهم في جوف الليل بحثا عن الاسلاميين المختبئين في الدواليب و ليس المتجولين ليلا بالشاحنات الثقيلة في قلب مدينة المدية.
محطة الحاج علي الثالثة كانت في سجن سركاجي و ما أدراك ما سركاجي و زبانية سركاجي.
و لكنه عندما وقف بعد تسعة أشهر من المعاناة أمام المحكمة الخاصة و ما أدراك ما المحكمة الخاصة لم تجد بدا من تبرئة ساحته و إطلاق سراحه مع جميع المتهمين فيما عرف بقضية أغنياء التيطري…… فماذا عن رزقه المحروق و كرامته المهدورة و سمعته الملوثة و…..؟…إن هذا ما لا ينبغي أن يفكر فيه الحاج علي عند المتحكمين في آلة التدمير الذاتي للجزائر. و لذلك كان لا بد من إخماد صوته. فجاءه الخبر من بعض معارفه بأنه مستهدف بالاعتقال من أجل تصفيته و عليه مغادرة المدية فورا في انتظار الحصول له على جواز سفر لمغادرة الجزائر. فهرب إلى العاصمة و بقي مستخفيا فيها إلى أن تم ترتيب تسفيره إلى السعودية بتأشيرة عمرة و منها إلى اليمن التي بقي فيها عدة سنوات هو و زوجته حتى طالته أيدي منقذي الجمهورية في الجزائر و خيروه سنة 1997 بين العمل لصالحهم أو التصفية فساعدته أجهزة الأمن اليمنية على مغادرة اليمن مع جزائريين آخرين تفاديا لوقوع مشاكل على التراب اليمني لينتهي المطاف بالحاج علي – الذي سهر الليالي الشاتية في جبال التيطري و وديانها من اجل استقلال الجزائر و بزوجته الحاجة التي طالما اشتغلت حمالة لمجاهدي ثورة التحرير – في جزيرة بريطانيا التي يفصلها عن الجزائر بحر و محيط و عدة أقطار حيث طلب اللجوء و حصل عليه سنة 2001 بعد مرافعات أمام مصالح الهجرة و اللجوء. و تكفلت بإطعامه و كسوته و إسكانه و بكل ما يلزمه للعيش الكريم حكومة المملكة البريطانية العظمى مراعاة لسنه و إشفاقا على حاله .
فهل اكتفى الأوصياء على أمن النظام الجزائري الراشد بتشريد هذا العجوز الذي تجاوز سنه السبعين و نفيه؟……..كيف و هم يعتبرون ذلك إهانة لكبريائهم الزائفة و غرورهم المفرط. إنهم قادرون على شراء الذمم و إثارة البلبلة و تهديد أمن الشعوب في عقر دارها. فكيف يجار طريدهم و يرد له اعتباره و لو في حدود الانسانية…..لقد كانت أحداث سبتمبر 2001 الملعونة صك غفران لهم على كل ما ارتكبوه في حق الجزائر و شعبها و حقنة إضافية من الجنون على جنونهم. و لذلك أداروا آلتهم الاجرامية من جديد عن طريق الصحف الفرنكفونية و أصدروا أمرا عالميا بالبحث عن الحاج علي بن رقية بتهمة قيادة الجماعة الاسلامية المسلحة التي اختطفت و اغتالت رهبان دير تبحيرين ثم بتشكيل جماعة إرهابية في الخارج بالتعاون مع زوجته….و لم يكتفوا بهذا بل تواطأوا مع صحيفة بريطانية ساقطة لشن حملة تشهير على الشيخ المسكين أصيب على إثرها بالسكري هو وزوجته ظنا منه أن السلطات البريطانية ستعتقله بناء على ذلك الكلام الفارغ.
و جاء ميثاق السلم و المصالحة و كان الحاج علي أول المسارعين إلى مباركته و قام بالاتصال بلجنة المصالحة و وعده القائمون على لمشروع السلم بتسوية وضعيته و تعويضه على ما أصابه من التعسف. و استصدروا له جواز سفر جزائري و سلموه وثيقة الكف عن البحث عنه من طرف السلطات الجزائرية بعد أن أمضى محضر تحقيق لدى مباحث المخابرات و برمجوا دخوله إلى الجزائر بحيث تصادف مع نزول رئيس الجمهورية إلى مطار هواري بومدين فكان من مستقبليه و ألبسوه في المطار بدلة رياضية تحمل شعار المصالحة الوطنية و قبل الرئبس بوتفليقة رأسه و زاره مسؤولون من الأمن في داره حتى ظن أنه في حلم. و لما عاد إلي بريطانيا لعب الدورالذي فشل فيه السفير الجزائري في بريطانيا و قام بحملة حقيقية لدعم المصالحة ثم استصدر جواز سفر لزوجته و عاد معها إلى الجزائر و قضى شهورا سعيدة بين أهله ثم بدأ إجراءات المطالبة بتعويضه عن الخسائر التي لحقته خاصة و أن المحضر الخاص بحرق محله يحمل المسؤولية مجهولين. لكنه عندما أراد مغادرة الجزائر للمرة الثانية منع من الخروج على مستوى المطار و أخبر بأنه مطالب بالمثول أمام العدالة في قضية ذات طابع اقتصادي و اتضح بعد التحري أن القضية متعلقة بشيكات بدون رصيد و دعاوى رفعت في غيابه لا تقوم على أساس. و لكن الاشكال في أن هذه القضايا لا يمكن البث فيها إلا بحلول موعد الدورة القضائية و بعد برمجتها في جدول الدورة و هذا بدوره لا يمكن القيام به إلا بتسليمه نفسه لوكيل الجمهورية و دخوله السجن.
و هكذا عاد عمي الحاج علي المسكين برجليه إلى السجن و هو يحلم بتصفية ملفه بعد اسبوع إن شاء الله. و فعلا مثل أمام المحكمة و صدر في حقه حكم بالبراءة من جميع التهم المنسوبة إليه. و مع ذلك لم يفرج عنه بذريعة وجود تهمة أخرى اكتشفتها العدالة الموقرة مؤخرا تقتضي بقاءه في السجن هذه المرة بأمر من وكيل الجمهورية. التهمة تقول أن الحاج علي بن رقية كان موظفا في شركة عمومية أفلست في عشرية الدم و تم حلها و تصفيتها من طرف العدالة و تبرئة أغلب الموظفين فيها و جميع المتهمين من التجار المتعاملين معها و أقفل ملفها في الوقت الذي كان فيه عمي علي مشردا – أي في وقت الخالوطة. و هذا كلام لا أساس له من الصحة لأن عمي علي كان تاجرا و لم يكن موظفا في مؤسسة عمومية أبدا. و بعد شهور من السجن جاء موعد الجلسة و وقف الحاج علي بن رقية المعتبر موظفا في الشركة العمومية حسب عريضة الاتهام أمام القاضي و حضر معه محاموه و شهود من المتهمين في القضية نفسها. و بدلا من البث في قضيته لم يجد رئيس الجلسة ما يبرر به هذه المهزلة غير قوله: أنت لم تمثل أمام قاضي التحقيق و لا يمكن البث في قضيتك قبل الدورة القادمة، يعني بعد سنة إن شاء الله. فالتمس له محاموه الافراج المؤقت لأنه رجل مسن و مريض يعاني من السكري زيادة على أن تهمته غير مؤسسة، و لكن المحكمة رفضت الالتماس ليبقى عمي علي في السجن إلى أجل غير مسمى ليس لأنه متهم بصفة رسمية كما يظهر و لكن فقط لأنه في غمرة الحلم بدأ النبش في قضية وقعت في اليقضة و نسي أن قرار دفنه في السجن صدر في الليلة التي أحرق فيها محله من طرف مجهولين لن يتعرف أحد على هويتهم إلا بعد تطهير مؤسسات الدولة الجزائرية من جميع الفاسدين شريطة أن يتم ذلك في اليقظة و ليس في المنام.
و من أجل إزالة اللبس في هذه القضية اقترحت على ابن عمي علي توكيل الاستاذ فاروق قسنطيني للدفاع عنه باعتباره أحد ممثلي الرئيس في مشروع المصالحة حتى يكونوا على بينة مما تحت البساط الذي يقفون عليه و يعلموا ان تعهدات الشرف التي صرحوا بها للمواطنين تتطلب منهم الاختيار بين الوقوف في وجه الشرذمة المجرمة بحزم و صرامة أو الاعتراف العلني بالعجز و الانسحاب من دائرة الضوء. و قد قبل الاستاذ اعتماد الدفاع عن الحاج علي منذ أسبوعين و أملي أن يبعث الإفراج عن هذا المواطن المظلوم الأمل في إمكانية التحول الإيجابي في مسار هذه الأزمة المقيتة و إلا فعلى عرابي الحكم الراشد و دولة القانون أن يخرصوا غير مشكورين.
إن حالة عمي علي عينة من مأساة شعب بأكمله. و رغم أنها قضية شخصية للحاج علي إلا انني لم استشره في نشرها لأنني أعتبرها جزء من مأساة أعيش في صميمها و أنا شاهد عليها رغما عني و عنه. و لذلك فأنا لا أسوقها للتسلية و لا للتعزية و لكن لأمكن المعنيين بهذه القضية من النظر إليها من زوايا مختلفة حتى تتضح الصورة الحقيقية للأزمة و تظهر ملامحها بجلاء. فلا يمني البعض انفسهم بأنها قضية سياسية أو أمنية فحسب، بل هي منذ البداية مؤامرة خسيسة ضد شعب استعصى على المستعمر الأجنبي و أريد له أن يدمر نفسه بنفسه. و لينتبه الغيورون على الجزائرإلى ان تشخيص الأزمات لا ينبغي أن يقوم على الفرضيات و الاستنتاجات النظرية و تخيل القضايا خلف المكاتب من طرف الموظفين أو المتقاعدين الذين يملؤون فراغهم بالنظر في القضايا من مواقعهم المريحة و مناقشتها مع سماسرة السياسة و الإعلام و دوائر المخابرات و إنما يكون بناء على الاقتراب من الواقع الذي يعيشه الناس و تقليبه من كل الوجوه دون إهمال جزء من الصورة مهما كان تافها لأن القضية متعلقة بالدماء و الأعراض و الأموال و ما يترتب على المساس بها من آثار وخيمة على الكرامة و الشعور و الفكر.
ـــــــ
عن قريب تطالعون بحول الله الفصل الرابع من هذه الشهادة.

———-

ـ 11 ـ
الأزمة الجزائرية
شاهد من قلب الأحداث
بقلم : النقيب أحمد شوشان | صوت الجزائر | الاحد 17 أوت 2008
الفصل الرابع
الجزء الأول
في سجن الحراش
لم يكن مقامي طويلا في سجن الحراش لأن مدة العقوبة المحكوم علي بها كانت على وشك الانقضاء و مع ذلك فقد كان محطة هامة في مسار تجربتي في هذه الأزمة. تعرفت فيه على أساتذة محامين مطلعين على عشرات الآلاف من الملفات المتعلقة بالاسلاميين و كان على رأس هؤلاء الأساتذة الاستاذ بشير مشري الذي التقيت به مجددا هناك و كان في ذلك الوقت المحامي المفضل للمتهمين بالانتماء للجيش الإسلامي للإنقاذ و الأستاذ رشيد مسلي الذي كان مرافعا مشهورا في أوساط المساجين في سجن الحراش. و علاقتي بهما ما زالت مستمرة إلى هذه اللحظة. و من مخازي النظام في الجزائر أن يتعرض هؤلاء الاساتذة المحامون و أمثالهم إلى السجن و التهميش و التشهير و هم من أعرف الناس بحقائق هذه الأزمة و الأجدر بتقديم المشورة المخلصة و الصائبة لحلها بينما يعتمد في ذلك على المرتزقة و السماسرة الذين لا هم لهم سوى التطبيل و التزمير و التناحر على خطف الفتات من موائد الفاسدين؛ باستثناء من خلصت نيته في السعي للاصلاح أمثال الاستاذ فاروق قسنطيني.
و مما علمته في سجن الحراش و أرى أن من المفيد توثيقه في هذه الشهادة حادثتين اختصرهما فيما يلي:
1 ـ حاميها حراميها
أخبرني الأستاذ المحامي (م.ر) بأن موكله و هو مهاجر في فرنسا ممن عادوا إلى الجزائر للاستثمار فرضت عليه جماعة حسن حطاب ضريبة مقابل عهد أمان لمتجره الكبير في الضاحية الشرقية للعاصمة فقبل العرض. و بعد أشهر تعرض المتجر إلى هجوم ليلي من طرف مسلحين في زي إسلامي، فاتصل صاحب المتجر فورا بالجماعة التي أرسلت إلى عين المكان مجموعة من المسلحين الذين دخلوا في مناوشة مع المهاجمين و حاصروهم في محيط المتجر إلى أن تدخلت دورية من خفارة الحرس الجمهوري و ألقت القبض على من بقي حيا من المهاجمين. و في الغد بدأ المحامي إجراءات رفع الدعوى ضد المهاجمين علما بأن حراس المتجر المسلحين كانوا قد استدعوا من طرف مخفر الشرطة صباح ذلك اليوم و جردوا من سلاحهم بحجة فحصه و تجديد الترخيص لحامليه. و قد تم خطف أحد الحراس أثناء الهجوم و لم يفرج عنه إلا بعد التوافق على حل المشكلة. و لذلك فإن صاحب المتجر طلب من المحامي عدم رفع الدعوى و نسيان الموضوع لأن السلطات المعنية اتصلت به و وعدته بتعويض خسائره كلها فورا و نقدا و لكنهم حذروه في نفس الوقت من أن رفع الدعوى سيفقده كل شيء و أنه سيطالب أمام العدالة بتهمة تموين الإرهاب زيادة على ذلك. و هذه الحادثة في الحقيقة هي النتيجة الحتمية للخيار الذي تبنته السلطة في يناير 1992 كما كان يراه العقلاء الذين بحت اصواتهم في تحذير القيادة العسكرية. و لكن الغالبين على الأمر لم يكن يعنيهم سوى الانتقام التعسفي من الاسلاميين الذين هزموهم في المنافسة السياسية و المحافظة على الامتيازات التي يوفرها لهم النظام القائم. أما ما يترتب على ذلك من تسيب و انحراف و فساد في الدولة و المجتمع فهذا لم تكن عقولهم تستوعبه في غمرة الغرور.
2 ـ تهريب الاسلحة من الخارج
سمعت عن محاولات و مخططات تهريب الأسلحة من الخارج كثيرا و كنت مقتنعا شخصيا بأن ما سمعته مبالغ فيه إلى درجة مقرفة خاصة ما نسب إلى الجالية الجزائرية في أوروبا. و لكنني بعد خروجي من الجزائر تأكدت تماما من ذلك الاقتناع و علمت علم اليقين بأن المصدر الرئيسي لتسليح الجماعات الاسلامية كان من الجزائر نفسها. بينما تشكل قوات الأمن في الدول الإفريقية المجاورة (مثل مالي و النيجر و موريتانيا و تشاد و بدرجة أقل المغرب و نيجيريا ) المصدر الخارجي الوحيد للتسلح بالأسلحة المتوسطة و الثقيلة. أما محاولات التهريب من أوروبا فإنها كانت مرصودة بدقة حيث يمكن للمهربين أن يتجاوزوا كل حدود الدول بأمان ليجدوا أجهزة الأمن الجزائرية في استقبالهم لمصادرة تلك الأسلحة. أما ما أمكن تهريبه فهو استثناء لا يقاس عليه من جهة و كان في بداية الأمر قبل أن تستكمل المخابرات اختراقها لخلايا الجماعات في الداخل و الخارج. و لا بأس من ذكر حالة واحدة ذات مغزى.
التقيت السيد ( إ ق) أحد المناضلين القدامى المحكوم عليهم غيابيا في قضية تهريب باخرة الأسلحة على شاطئ (سيقلي) المنسوبة لحزب السيد احمد بلة في الثمانينات و قضايا اخرى متعلقة بانتمائه إلى تمرد حزب القوى الاشتراكية في الستينات. و قد اعتقل بتهمة التورط في تهريب أسلحة لصالح جماعة إسلامية في الجزائر. و لكن المثير في قضيته هو أنه لم يتعرض للتعذيب أو الاستنطاق كما كان يحصل مع المتهمين في قضايا تافهة في ذلك الوقت (سنة 1994) كما لم يتم التركيز معه على التهمة الاصلية و إنما طلب منه أن يشهد بالزورعلى قضايا أخرى لها علاقة بالرئيس الشاذلي و احمد بن بلة و آيت حمد حسين. و لست أدري إلى أين انتهت المساومة معه لأنني لم أسمع عنه منذ خروجي من السجن. و لكن قضيته تدل على أن قوة الشرذمة المتسلطة على مؤسسات الدولة في الجزائر تكمن في الأوهام التي تعيشها المعارضة التي في كل مرة ينوب طرف منها عن النظام في إضعاف طرف آخر لتخرج المعارضة كلها في المحصلة بخفي حنين و يبقى النظام الفاسد المترهل جاثما على صدر الشعب.
3 ـ إختطافي من سجن الحراش
لو لم أتلق تدريبا عسكريا في حياتي لكانت تجربتي في مركز التعذيب ببن عكنون و محنتي في السجن ببشار و البرواقية كافية لتأهيلي أمنيا. فكيف و قد نشأت في حضن الجهاد و قضيت زهرة شبابي (14 سنة) ضابطا عاملا في صفوف نخبة الجيش الوطني الشعبي.
لقد جازفت و أنا على بينة من أمري بنصرة الحق والتمرد على القرار الظالم التي اتخذته القيادة العسكرية و لم أتراجع لحظة واحدة عن موقفي حتى و أنا تحت التعذيب و لن أتاسف بعون الله أبدا على ذلك الموقف الشريف. و قد كنت متأكدا من أن المجرمين الخونة في السلطة سيستهدفونني بالتصفية بطريقة أو بأخرى رغم علم القيادات العسكرية و الضباط و الجنود الذين عملت معهم بأن موقفي مع خطورته كان بناء على ما يقتضيه الوفاء لشهدائنا و قيمنا الوطنية التي هي أقدس من القوانين و النظم التي من المفروض أن تكون في خدمة الشعب لا في استعباده.
و قد أفشلت جميع المحاولات الخبيثة لاستدراجي و التي استخدم فيها مساجين من الاسلاميين المفترضين و استغلت فيها علاقتي بالسعيد مخلوفي و عبد القادر شبوطي و غيرهما. و لذلك كان لا بد لي أن أستبق الخيار الأخير و الذي لا يخرج عن حالتين. الأولى هي اغتيالي بعد خروجي من السجن مباشرة في حاجز مزيف. و الثانية هي اختطافي بعد الخروج من السجن و الاعلان عن التحاقي بالجبل ثم الإعلان عن اغتيالي في عملية اشتباك مع مغاوير السلطة الأبطال. و قد حضرت البدائل اللازمة للتعامل مع كل حالة. و هكذا اتفقت مع الأستاذ مشري على تحضير رسالة للإعلان عن اختطافي من طرف جهاز المخابرات مباشرة بعد خروجي من السجن و اتخاذ الإجراءات اللازمة لأرسالها فورا بالفاكس إلى أكبر عدد من وكالات الأنباء و جمعيات حقوق الانسان. كما اتفقنا على أن يكون كلاهما حاضرا داخل قاعة المحامين في الصباح الباكر لرصد عملية إخراجي من الزنزانة نظرا لاحتمال وجود عملاء في إدارة السجن يمكنهم إخراجي بطرق ملتوية. و هذا ما حدث بالضبط. فقد اتضح أن مسؤول الأفراد في سجن الحراش لم يكن سوى عونا من أعوان المخابرات ملحقا بالسجن.
و الحقيقة أنني لم أكن أحاول أن أتحدى قدري لأنني موقن بأن الأعمار بيد الله و لكن الذي كان يهمني هو أن أفضح المجرمين و أضعهم تحت طائلة المساءلة بقية حياتهم.
و قد غادر الأستاذ مسلي رشيد السجن بعد تأكده من خروجي من الزنزانة و ركب سيارته في انتظار خروجي مع الاستاذ مشري من باب الموظفين في الوقت الذي بقي الاستاذ مشري يتابع تنقلي بين مصالح السجن إلى أن استكملت جميع الاجراءات و تقدمت إلى سجل الخروج لإمضائه. و كان المفروض أن أمضي محضر الخروج في السجل و أغادر مع الاستاذ مشري الذي كان ينتظرني في ممر خروج الموظفين. و لكن مسؤول الأفراد الذي رافقني خطف من يدي استمارة الخروج بحركة بهلوانية و هو يقول و كأنه حقق نصرا عظيما: الآن أنت خارج السجن، و لكن الجماعة يريدونك. و هنا ظهر العقيد بوعبد الله و معه الرائد بن جرو الذيب و هما من مركز التعذيب ببن عكنون و طلبا مني اصطحابهما دون أي حركة….في هذه اللحظة صرخ الاستاذ مشري مخاطبا المدير في مكتبه و الجميع يسمعون: لقد رأيت كل شيء و سوف أحملك المسؤولية على سلامة موكلي. و حاول المدير الاعتراض على العملية لأن الأمر انكشف، فوجه له العقيد كلاما بذيئا و هدده بالبقاء في مكتبه ثم أرادوا القبض على الاستاذ مشري فلم يجدوا له أثرا لأنه خرج من الباب الخلفي و انطلق مع الاستاذ مسلي على متن سيارته إلى مكان آمن من حيث أرسلوا الاعلان الذي بثته وكالات الأنباء من لندن و باريس فورا و طالبت منظمة العفو الدولية الرئيس لمين زروال بالتدخل فورا لوقف المهزلة.
أول ما بادرني به العقيد بن عبد الله و هو يفتح فرجة في باب السجن هو قوله و هو يشرح لي الموقف: إسمع يا شوشان، لا تحاول أن تقوم بأي حركة لأن هذا يعني أننا سنرمي عليك تلقائيا. السجن محاصر كما ترى و رجالنا فوق سطح السجن و على شرفات المنازل و لن يستطيع أحد أن يقترب منك قبل أن نقتلك فلا داعي للمجازفة. فقلت: و من قال أنني أريد المجازفة، إذا كنتم لا تريدون خروجي من السجن فدعوني فيه. قال: هذه أوامر القيادة و هي غير قابلة للمناقشة. ثم فتح الباب و دفعني بمساعدة بن جرو الذيب داخل سيارة من نوع 505 كبيرة كانت ملتصقة بالباب تماما. بعدها انطلقت السيارة مخفورة بسيارات أخرى في اتجاه الطريق السريع.
في هذا الوقت كان أخي الدكتور محمد الطاهر مع باقي الزوار الذين جاءوا من كل أرجاء الجزائر لزيارة ذويهم محشورين في مستودع محاذ لجدارالسجن سيقوا إليه من طرف الحراس منذ الصباح و بقوا فيه بضع ساعات حتى تمت عملية الاختطاف. و عندما اتصل اخي بإدارة السجن و طلب مقابلتي، قيل له إن أخاك أمضى محضر الخروج وغادر السجن هذا الصباح. فحاول الاتصال بالاستاذ مشري و لكنه لم يتمكن من رؤيته إلا بعد أيام قضاها في وضع لا يحسد عليه.
بعد 5 دقائق تقريبا من السير على الطريق السريع توقفت السيارة فجأة خلف عربة مصفحة فظننت أنها نهايتي و لكنهم حولوني إلى المصفحة و واصلوا السير. ووجدت نفسي في قفص حديدي داخل صندوق العربة و في مواجهتي خلف القضبان أحد الضباط الذين دربتهم سابقا (ملازم أول) شاهرا سلاحه في اتجاهي. و بادرني بالحديث قائلا: إبق مكانك و لا تنظر إلي و لا تتحرك. قلت: و ما لك مرعوب هكذا، ألا ترى أنني مقيد في قفص و بيني و بينك سياج حديدي؟ قال: من حقك أن تقول ذلك، لأنك لا تعرف ما حصل في البلد بسببك. ألست أنت الذي بدأ التمرد على القيادة و شجع الإرهاب؟ إن البلاد قد احترقت و لم يعد أحد آمن فيها وأنت المسؤول على كل ذلك….. فلم أتمالك نفسي عن الضحك من سذاجته و قلت متهكما: إذا كان الأمر كذلك فلماذا لم تأخذ أنت بنصيحة مدربك و تتمرد أيضا؛ ألا تذكرني؟…فانتفض كالملسوع و هو يصرخ: لا تتكلم معي إنك تريد أن تقنعني بأفكارك…أنا عسكري و لا دخل لي في السياسة. قلت: إذن قم بدور الحارس و لا تبد رأيك فيما لا يعنيك. و هنا فتحت فرجة من كابينة السائق ليتدخل ضابط لا أعرف اسمه و الظاهر أنه كان يسمع ما يجري فقال: دعه يتكلم فلن يسمعه بعد اليوم أحد………. و فعلا خيم الصمت على الصندوق إلى ان فتح بابه في مركز التعذيب ببن عكنون.
كان في استقبالي مجموعة من الضباط العاملين في المركز و على رأسهم الرائد عبد القادر الذي كدت أنكره لأن ملامحه تغيرت إلى درجة كبيرة فأصبح منظره مرعبا. كان كالح الوجه حاد الملامح، شعره كثيف غلب عليه الشيب و على وجهه ظلمة الشر. تقدم نحوي و قال و الحقد يطفح من أنفاسه: أصدقت أن عقوبتك انتهت بالسجن ثلاث سنوات يا سي شوشان؟ لقد بقيت تحلم ثلاث سنوات في السجن؛ لقد تحسنت صحتك و ظهرت عليك النعمة في السجن أكثر مما كنت نقيبا في الجيش. أليس كذلك؟…على العكس مني كما ترى؛ لقد أكل الشيب رأسي و ضاعت صحتي…و قاطعته قائلا: أنا أديت واجبي كضابط على أحسن وجه عندما كان الجيش جيشا و اخترت السجن على عذاب الضمير فنمت قرير العين و الحمد لله. أما أنت فقد اخترت طريق الذئاب و الضباع و حكمت على نفسك بالشقاء إلى الأبد…و كان أثناء كلامي معه يفتشني بعنف فأخذ كل نقودي و أقلاما ثمينة أهديت لي. و بعد أخذ صور لي أمر مرؤوسيه بتجريدي من ملابسي و أخذي إلى الزنزانة رقم (5) و هو يقول: لم تعد لك حاجة بهذه الثياب لأن الشباب أولى بها منك. سوف لن تحتاج إلى الثياب أصلا لأننا سننفذ فيك حكمنا و نريحك من هذه الحياة… و لكن ليس قبل أن نقوم معك بواجب الضيافة. قلت: لو كان الأمر بيدك لكنت رميما منذ ثلاث سنوات و لكن الأمر كله لله لو كنت تفهم. و تقدم مني ملازمان و أمرني أحدهما بنزع ثيابي فطلبت منه السماح لي بفعل ذلك في مكان مستور فصحبني بعد تردد إلى الزنزانة و رمى مشمعا أزرقا قذرا داخلها و قال: سلمني ثيابك بسرعة قبل أن يأتي العنابي. و ما أن انتهيت من لبس المشمع حتى جاء العنابي يزمجر بكلامه البذيء و طلب من الملازم مغادرة المكان فورا و أغلق باب الزنزانة بعنف.
لقد فعلت ما كان ينبغي علي أن أفعله و لم يبق لي حول و لا قوة أبذلها لإنقاذ نفسي غير الثقة التامة في الله سبحانه. و لذلك انطلقت في تلاوة القرآن الذي استعدت حفظه كاملا في السجن بفضل الله و لم أتوقف عن ذلك إلا للصلاة في أوقات قدرتها تقديرا لأن الظلام دامس في الزنزانة. و على غير العادة كان المكان نظيفا رغم أن هندسته بقيت على حالها و كان هادئا و كأنه خال من النزلاء.و كان آخر ما أذكره من التلاوة أواخر سورة الأعراف أخذتني بعدها غفوة.
استيقظت على صوت الأقفال فوجدت الزنزانة مضاءة، و لما فتح الباب كان العقيد طرطاق منتصبا في الرواق و إلى جانبه الضابط الذي ساقني إلى الزنزانة. فنظر إلي نظرة استغراب فيها تكلف و تظاهر بالغضب لما رآني في تلك الحال المزرية و انهال على الضابط شتما و تعنيفا و هو يقول: أهكذا تعاملون النقيب شوشان؟ من أمركم بإلباسه هذه القذارة…….؟ ثم التفت إلي و هو يظهر الأسف و يلقي باللوم على مرؤوسيه و حاول أن يمرر لي رسالة سريعة مفادها أن عملية الاختطاف كانت من أجل الحفاظ على حياتي و وعدني بالعودة للحديث معي بعد أن أصلح من شأني ثم أمر العنابي أن يحولني إلى زنزانة فسيحة في انتظار ذلك.
بعد أقل من ساعة عاد إلي العقيد طرطاق و اصطحبني إلى الزنزانة المحاذية حيث وجدت المدير العام لأمن الجيش العميد كمال عبد الرحمان في انتظارنا.
حاول العميد أن يتجاهل عملية الاختطاف و دخل مباشرة في محاضرة لإقناعي بخطورة الوضع في الجزائر و ضرورة التعاون مع القيادة العسكرية على إنقاذ البلد. و تعمدت اختصار الطريق عليه مقاطعا: يا سيادة العميد: لقد التقينا منذ ثلاث سنوات و قبل أن تسيل دماء الجزائريين و حذرت القيادة مما تتكلم عنه اليوم بلساني و كتبت لهم ذلك بخط يدي و العقيد طرطاق شاهد على ذلك. فماذا كان جزائي؟ تعذيب و سجن و محاولة اغتيال و في الأخير اختطاف من داخل السجن. و أنا لا أريد أن تخدع نفسك يا سيادة اللواء بمحاولة إقناعي بأن اختطافي كان للحفاظ على حياتي لأن المعاملة التي تلقيتها تدل على عكس ذلك تماما. فإن كنتم ترغبون في التخلي عن اللف و الدوران و التعامل مع الأمور بجد و إخلاص من أجل المصلحة العليا للجزائر فأنا مستعد لجعل الماضي خلف ظهري و التعاون معكم على ذلك بدون مقابل. أما إذا بقيتم على دينكم الأول فإما أن تعيدوني إلى السجن و إما أن تغتالوني. و أنتم تعرفون أنني أعيش منذ ثلاث سنوات في الفائدة……….. و افترقنا على أن نلتقي في صباح يوم الغد.
كان هذا أول مؤشر لنجاح الخطة التي وضعتها مع الاستاذ مشري لإفشال عملية الاختطاف و كان علي أن أدفع بالأمور إلى نهايتها لاختراق الحصار الذي سيضرب علي من طرف المختطفين فقررت أن آخذ المبادرة في توجيه تطورات القضية.
عندما غادر العميد اصطحبني طرطاق إلى زنزانة فسيحة و نظيفة كأنها غرفة بدون نوافذ و وجدت فيها سريرا جديدا و فراشا مريحا و سجادة و مصحفا و اخبرني بأن هذا ما تسمح به الظروف في الوقت الحاضر و إذا رغبت في أي شيء فعلي طلبه من الحارس بدون تردد. و أمر الحارس بأن يوقظني عندما يسمع الأذان ثم انصرف.
في صباح اليوم التالي استأذن علي الحارس بالدخول و قدم لي طقمين فاخرين من اللباس الداخلي و لباس رياضي من النوع الرفيع و توابع النظافة و غيرها و سألني إذا كنت أحتاج إلى الاغتسال فاستغربت منه ذلك لأن المكان لا يتوفر على مثل تلك المرافق و لكنني صحبته إلى الباب الخارجي للزنزانات ثم توقفت عنده خشية أن يعتبروا ذلك محاولة فرار….. إلى أن حضر العقيد بن عبدالله الذي أخبرني بأن القيادة سمحت لي باستعمال المرافق الخاصة بالضباط. و كانت تلك أول مرة أغادر فيها الزنزانة دون عصابة و دون قيد و دون خفارة. و بعد أن عدت إلى الزنزانة وجدت على الطاولة فطورا لم أتناوله طوال خدمتي في الجيش و زودني الحارس بجميع الصحف الجزائرية الصادرة في ذلك اليوم و اليوم الذي قبله و لم تشر واحدة منها إلى عملية اختطافي رغم أن وكالات الأنباء و الصحف الأجنبية تكلمت عن الموضوع. و لكن تللك الجرائد كانت عبارة عن بيانات و محاضر أمنية تعكس الواقع الدموي التي كانت تعيشه الجزائر.
قبل وقت الغداء زارني المدير العام لأمن الجيش و أخبرني بأنه قادم هذه المرة بصفته رسولا من القيادة العليا ليخبرني بأنها تحتاجني للمساهمة في مشروع التفاهم مع الاسلاميين و أن المصلحة تقتضي أن أسكن في إقامة محروسة من إقامات الدولة في ضواحي العاصمة أتمتع فيها مع عائلتي بكل حرية و تتكفل الدولة بكل ما يلزمني و لا تمنعني من استقبال أو زيارة أحد. و كان جوابي على العرض مختصرا؛ بالنسبة للمساهمة في أي مشروع مصالحة جاد فأنا مستعد لأكون طرفا فيه بدون تحفظ و بدون مقابل. أما بالنسبة للإقامة المحروسة فأنا ليس عندي كلام غير الذي قلته: إطلاق سراحي بدون قيد و لاشرط. و بقي الوضع على حاله من الأخذ و الرد أسبوعا كاملا حاولوا خلاله إلزامي بالتبليغ عن المتصلين بي من المسلحين و غير ذلك من الأمور و انتهينا أخيرا إلى إطلاق سراحي دون التزام بشيء شريطة أن أستجيب للدعوة إذا طلب مني الحضور لمناقشة مشروع الوفاق الوطني و مساهمتي فيه. بعد ذلك سمح لي بالاتصال بأهلي لطمأنتهم و اتخاذ إجراءات سفري من العاصمة إلى غرداية جوا و منها إلى القرارة عن طريق البر.
أثناء تنقلي إلى مطار هواري بومدين تألمت كثيرا لذهول الناس عما يجري حولهم من الفظائع؛ و كأن لسان حالهم يقول: أنج سعد فقد هلك سعيد. و شعرت و أنا أنظر إلى الناس في العاصمة و في المطار بأن الأزمة لم تعد أزمة صراع على السلطة كما كانت سنة 1992 بل تطورت لتصبح أزمة متعددة الأبعاد اعتاد فيها الضحية على الجلاد و أصبح المواطن مستعدا للابتسام للجلاد بوجهه و البكاء على الضحية بقفاه طلبا للسلامة و هو أمر لم أعهده في الشعب الجزائري قبل اعتقالي و لا حتى داخل السجن. و هو في الحقيقة ما كنت أخشى وقوعه نتيجة الإنحياز العلني و التدخل المباشر للجيش في الصراع الحاصل بين السياسيين على السلطة. و خطورة ذلك لم تكن تكمن في حرمان الجبهة الاسلامية من ثمرة نضالها السياسي بقدر ما كانت تكمن في مسخ قيمة المواطنة في وجدان الجميع ظالمين و مظلومين و ما يترتب عن ذلك من فساد على جميع المستويات.
كان أول ما فعلته بعد وصولي إلى القرارة هو الاطمئنان على مصير الاستاذين مشري بشير و مسلي رشيد فاتصلت بهما و أخبرتهما بما جرى و علمت أنهما بخير و تواعدت على اللقاء بهما. و لكنني طلبت من الاستاذ مشري أن يكون رفيقي في المسيرة المقبلة و الشاهد على كل ما يحصل بيني و بين السلطة. و كان أول لقاء جمعني به في مدينة غرداية بعد حوالي شهر من إطلاق سراحي. و بعد أن أخبرته بما جرى منذ اختطافي سألته عن تفاصيل الوضع الميداني المتعلقة بالاسلاميين خاصة فيما يخص العلاقة بين الجيش الاسلامي للانقاذ و الجماعة الاسلامية المسلحة فأكد لي ما كنت عرفته داخل السجن بشكل عام و ما استفدته من الاستاذ مسلي عن وضع الجماعة فاتفقنا على التواصل بالهاتف و طلبت منه تبليغ رسالة إلى قيادة الجيش الاسلامي مفادها أنني مستعد للتعاون معها إذا كانت ترغب في توحيد العمل المسلح و ترشيده لخدمة المصلحة العليا للجزائر. أما الاستاذ مسلي فقد بقي التواصل بيني و بينه عن طريق الهاتف و لم ينقطع إلا بعد دخوله السجن. ( يتبع…)

———-

ـ 12 ـ
الأزمة الجزائرية
شاهد من قلب الأحداث
بقلم : النقيب أحمد شوشان | صوت الجزائر | الاحد 17 أوت 2008
الفصل الرابع
الجزء الثاني
اللقاء الأول مع المدير العام لأمن الجيش
بعد شهر و نصف تقريبا استدعيت من طرف قيادة أمن الجيش فأخبرت الاستاذ مشري بذلك و سافرت إلى العاصمة حيث التقيت بالعميد كمال عبد الرحمان و العقيد طرطاق و تحدثنا عن الوضع الأمني و تطورات مشروع الوفاق الوطني الذي اطلقه الرئيس لمين زروال و اتفقنا على ضرورة وقف النزيف الدموي كما وافقت على الوساطة بين قيادة الجيش و أمراء العمل المسلح شريطة اعتراف القيادة العسكرية بنصيبها في المسؤولية على تفجر الأوضاع و استعدادها للتفاوض على حل الأزمة دون شروط مسبقة. و تواعدنا على اللقاء بعد ترتيب الظروف المناسبة و موافقة القيادة العليا على ما تم البث فيه بيننا.
بعد مغادرة بن عكنون توجهت إلى الاستاذ مشري الذي اشترطت قبل قدومي أن أقيم عنده فترة وجودي في العاصمة، و أخبرته بما جرى فاستحسن الأمر و أخبرني بتطورات الوضع في عملية التفاوض مع القيادة السياسية للجبهة و مشروع الهدنة المعروض عليها و المتعلق بالجيش الاسلامي للانقاذ. و قد كان الأستاذ مشري يتألم كثيرا للوضع المزري الذي وصلت إليه العلاقة بين عناصر قيادة الجبهة و الخلاف الحاد في وجهات النظر بينها. كما أخبرني بالموقف المتردد لقيادة الجيش الاسلامي تجاه المبادرة التي عرضتها عليه قيادة المخابرات، و المتمثلة في مساعدته على مواجهة عدوان الجماعة الاسلامية المسلحة مقابل وضع السلاح بعد ذلك و ضمان حق الجبهة في النضال السلمي من أجل مشروعها السياسي. فطلبت منه تبليغ رسالة إلى مدني مزراق مفادها: الأصل أن لا يورط نفسه في التفاوض مع السلطة منفردا، و لكن أذا كان مكرها على قبول العرض كما بدا لي، فعليه أن يشترط على أصحاب العرض الموافقة على تعييني مراقبا أو مشرفا على العملية للنظر في طبيعة المساعدة المقدمة من طرف السلطة و ضمان التزامها بتعهداتها. و قد جاءني الرد سريعا بعد لقائي الثاني بالاستاذ مشري و الذي خلاصته أن مدني مزراق ارتاح إلى الخيار الأول و رفض العرض من أساسه. فطويت من جهتي هذا الموضوع فيما استمر فيه الآخرون بما يناسبهم.
قبل خروجي من بيت الاستاذ متوجها إلى المطار جاءه رسول و سلمه ظرفا سميكا و بعد انصرافه قدمه لي الاستاذ و هو يقول: هذا مبلغ من المال أرسلته لك قيادة الأمن لتستعين به على مصاريف السفر و العيد الأضحى على الأبواب و هم يقدرون ظروفك. قلت: صحيح أنا لم أكسب سنتيما واحدا منذ دخولي السجن و لكنني لا أريد مالا مقابل ما أقوم به في هذه القضية بالذات. و بعد إلحاح من طرف الاستاذ لإقناعي بأن هذا المبلغ من حقي طلبت منه فتح الظرف و تعويضي عن ثمن التذاكر لأنني أخذته سلفة من أحد الأقارب. ثم انصرفنا إلى المطار.
الهدنة بين السلطة و الجيش الاسلامي للانقاذ
يكتنف الغموض مشروع الهدنة التي حصلت بين الجيش الاسلامي للإنقاذ و السلطة و التي تطورت فيما بعد إلى أن أصبحت ميثاقا للسلم و المصالحة. و تحاول الأطراف الرئيسية المعنية بهذه الهدنة تقديمها للرأي العام في صور شتى حسب ما تقتضيه مصلحتها الخاصة متذرعة في ذلك بسرية حيثيات الموضوع و التزامها بشروط الاتفاق. في حين أن الشعب الجزائري أولى بمعرفة تفاصيل هذه القضية كاملة غير منقوصة لأنه المعني الأول بتداعياتها. و أكبر دليل على حقه في ذلك ما تعرض له من إبادة على أيدي المعارضين لتلك الهدنة داخل السلطة و خارجها.
فالهدنة في أصلها كانت عرضا مدروسا من طرف ذكي في السلطة رغم أن كل التصريحات توحي بأنها مبادرة اتخذها الجيش الإسلامي للإنقاذ من طرف واحد و تبنتها السلطة بعد سنتين.
و الذي أعلمه عن هذه القضية بعد النظر فيما اجتمع لدي من معطيات هو أن عمليات الاختراق التي نجحت فيها أجهزة الأمن ابتداء من نهاية سنة 1991، بقدر ما كانت مفيدة لها في جمع المعلومات و توجيه الأحداث ميدانيا بقدر ما زادت من زخم العمل المسلح و تنوعه و اتساع دائرته لأن آلاف العملاء و الجواسيس و العيون لم يكونوا في الحقيقة سوى جيشا من المحرضين الحريصين على توريط أكبر عدد ممكن من المواطنين في الأزمة حفاظا على رواتبهم و تماشيا مع نغمة الطابور السياسي للدفاع عن الجمهورية الفرنسية في الجزائر. و هكذا وجدت القيادة العسكرية العليا نفسها عاجزة عن التحكم في الدوامة التي أدارت عجلتها فقرر طرف قوي فيها إعادة النظر في معالجة الأزمة بطريقة أكثر نجاعة و أقل دموية بينما أصر طرف آخر على مواصلة سياسة الاستئصال. و إذا كان الناس متفقون على أن الفريق محمد العماري كان هو رأس الحربة في الطرف الاستئصالي منذ أن عاد إلى القيادة بعد مقتل محمد بوضياف فإنه لا أحد يصدق بأن المدير العام للمخابرات اللواء محمد مدين كان رأس الحربة في الطرف الثاني و أنا لا أريد أن أن يقرأ كلامي خارج إطاره فالقضية تعني إعادة نظر في استراتيجية التعامل مع الأزمة و لا شيء آخر. و قد بدأت الحرب الباردة بين الطرفين منذ ذلك الحين و كسر الفخار بعضه بعضا في صمت و تسبب ذلك في ضحايا داخل السلطة و خارجها و كان البقاء فيها للأقوى.
و لتوضيح الصورة انبه القارئ إلى أن في الحرب الباردة قد يكون خصمك فيها بين جنبيك. فالمرؤوسين للفريق محمد العماري في صفوف الجيش ليسوا بالضرورة في صفه و العكس صحيح كذلك بالنسبة للمخابرات.
و قد استبقت الدوائر الاستئصالية في السلطة التحول الجديد و حاولت فرض منطقها الدموي بتصعيد العمليات القتالية في كل الإتجاهات فتكثفت عمليات التمشيط العشوائية و نسف مناطق بأكملها من الوجود و تسريب أسلحة و ذخائر للمتطرفين في الجماعة الاسلامية المسلحة و استهداف أنصار الجبهة الاسلامية للإنقاذ حصريا من السياسيين و المسلحين لعرقلة أي مسعى سياسي لحل الأزمة. و بالفعل فإن كل المساعي التي بذلت في هذا الاتجاه آنذاك و مهما كانت مخلصة فإنها كانت تظهر كذر للرماد في العيون إذا ما عرضت على الواقع الدموي التي كانت تعيشه البلاد. و قد كان الرئيس لمين زروال آنذاك يحاول التوفيق بين الفريقين و يجمع بين النقيضين و تقلب في موقفه بين الطرفين فلما أعجزه ذلك حاول أن يستحدث منزلة بين المنزلتين فلم يجد لها متسعا إلا في بيته فاستقال ناجيا بنفسه و أغلق بابه و فمه أيضا حتى لا تتسرب منهما أسرار الدولة الخانقة.
و قد بدأت الهدنة مبكرا بما عرف بعرض الرئيس زروال على شيوخ الجبهة سنة 1994 و الذي كان بإيحاء من المدير العام للوقاية و الأمن و تبناه زروال رغم معارضة الطرف الاستئصالي في الجيش و لكنه تخلى عنه تحت الضغط سنة 1996.
أما المدير العام للمخابرات فقد رمى شباكه في جميع الاتجاهات لتدارك الوضع بالطريقة التي يتصورها. فكان صيده الوحيد في البداية مدني مزراق أمير الجيش الاسلامي للإنقاذ في الشرق الجزائري. و قد كان الجيش الاسلامي في ذلك الوقت يعاني من مشكلتين؛ الأولى توافد أعداد هائلة من المتطوعين بلغت بضعة آلاف تمكن الجيش الاسلامي من تأطيرها و هيكلتها و لكنه لم يستطع تسليحها و لا تموينها فضلا عن توظيفها في عمليات قتالية. وأصبح آلاف المجندين عبئا ثقيلا على حوالي 400 مسلح يمثلون الجيش الحقيقي العامل تحت إمرة مدني مزراق. و الثانية هو استهداف الجيش الاسلامي من طرف الجماعة الاسلامية المسلحة بتحريض و دعم مباشرمن الدوائر الاستئصالية في قوات الأمن و الجيش.
و مما تضمنه مشروع ما سمي بالهدنة لاحقا:
1 ـ إعلان الجيش الإسلامي عن وضع السلاح يقابله العفو عن عناصره.
2 ـ تشكيل و تسليح مفرزات قتالية من عناصر الجيش الاسلامي تحت إشراف إطارات ميدانية عسكرية للقضاء على الجماعات الدموية المتطرفة التي كانت تستهدف عناصر الجيش الإسلامي بصفة خاصة.
3 ـ بعد التحكم في العمل المسلح تتم مناقشة حق الجبهة الاسلامية في النضال السياسي من أجل دولة جزائرية في إطار المبادئ الاسلامية. و يخير عناصر الجيش الاسلامي للانقاذ المشاركين في استتباب الأمن بين الالتحاق بالجيش الجزائري أو الانتقال إلى الحياة المدنية.
4 ـ و ربما غير ذلك من الشروط التي لم أطلع عليها.
كانت هذه المبادرة مؤشرا واضحا على التوجه الجديد لقيادة المخابرات في التعامل مع الأزمة و لكن رفضها من طرف الدوائر الاستئصالية في القيادة العسكرية كان ينذر بحرب طاحنة بين خصمين تقليديين داخل المؤسسة العسكرية يمثل فيه الفريق العماري ضباط الجيش الفرنسي السابقين خلفا لنزار خالد من موقعه كقائد أركان للجيش و بصفته الضابط الأعلى رتبة بينما يمثل فيه اللواء محمد مدين بقايا ضباط جيش التحرير من موقعه كمدير عام للوقاية و الأمن و المستأثر في خزانته بالصندوق الأسود للدولة الجزائرية الطائرة. و قد دامت هذه الحرب الصامتة منذ استقالة الرئيس لمين زروال و لم تضع أوزارها إلا بعد المعركة الأخيرة التي اجتثت جميع ضباط الجيش الفرنسي السابقين من الجيش الوطني الشعبي و ملحقاته بما في ذلك مديرية الدرك و لم يبق منهم في المواقع الرسمية للجيش سوى اللواء قنايزية الذي كان مهمشا من طرف نزار خالد و محمد العماري و الذي عين لاحقا كوزير منتدب للدفاع.
و أعتقد أن مدني مزراق كان ضحية لحداثة سنه و جهله بشخصية شركائه في الصفقة و طبيعة العلاقة بين قيادات الجيش و وظائفهم في سلم المسؤولية على غرار باقي الغطاسين من قيادات التيار الاسلامي. فقد بلغني أن مفاوضاته لم تقتصر على صاحب العرض الأول بل تعدته إلى خصمه الذي مثله العميد شريف فضيل الذراع الأيمن للفريق العماري و العميد اسماعين لعماري الذي انحاز إلى قيادة الأركان رغم أنه الرجل الثاني في جهازالمخابرات طمعا في الإدارة العامة للجهاز في ظل تغول الفريق محمد العماري على الجميع. فأعفى مدني مزراق بسلوكه هذا صاحب العرض الأول من التزاماته و تنكر الفريق محمد العماري علنا للتفاوض الذي جرى بينه و بين ممثليه و قال عبر شاشة التلفزيون الرسمي لا خيار للجيش الاسلامي غير الاستسلام أو القتل.
و لم أجد تفسيرا غير هذا لإعلان مدني مزراق الهدنة من طرف واحد و بدون قيد و لا شرط و التمسك بها رغم استهداف مواقعه من طرف العماري بالأسلحة المحرمة دوليا، مما جعل مدير المخابرات يقرر توظيف هذه الهدنة بكل حرية و ارتياح و بدون التزامات من أي نوع في مشاريع تزكية الرئيس عبد العزيز بوتفليقة منذ ترشحه الأول للرئاسة. أما مدني مزراق فقد خرج من الصفقة بخفي حنين رغم الشقشقة التي أحدثها في حملات الاستحقاقات الرئاسية لاحقا و قد تجاذبه في نظري شعوران؛ الأول هو الاعتراف بأنه أعفى مدير المخابرات من أي التزام بتفاوضه الفاشل مع ممثلي العماري الذي خسر المعركة و أن الموافقة على إعفاء عناصر الجيش الاسلامي من المتابعة رسميا على لسان رئيس الجمهورية بعد إعلانهم الهدنة من طرف واحد يعتبر صدقة من طرف اللواء مدين محمد. و الثاني هو أمله في أن يثمن مدير المخابرات شجاعته في إعلان الهدنة دون شروط و التزامه بها رغم قدرته على الاستمرار في العمل المسلح و يتفضل عليه مقابل ذلك بالسماح لأتباعه بالنضال السياسي في إطار القانون المعمول به في الجزائر بناء على الأصل الأول للعرض. و هو أمر غير مستبعد بعد استتباب الأمر لأنصار تيار المصالحة و يأس حزب فرنسا من التلاعب بمؤسسات الدولة و على رأسها الجيش مرة أخرى.
و لست أذيع سرا إن قلت هنا بأن الشيخ عبد القادر حشاني رحمه الله كان أشد المعارضين لجميع المشاريع التي طرحت لأنه كان على دراية بالصراع الدائر بين معسكرات النفوذ داخل السلطة و كان يطمح إلى التفاوض مع الغالب في آخر جولة. كما كان الشيخ علي بن حاج و اثنان من القادة المسجونين كانوا من المعترضين عليها أيضا ربما لأسباب أخرى بينما كان موقف الشيخ عباسي مدني رئيس الجبهة و باقي أعضاء القيادة بما فيها الجيش الاسلامي للانقاذ يتأرجح بين التردد و الموافقة لالتباس الأمر عليهم.
فمشروع الهدنة التي انتهت طبعته الأخيرة إلى مشروع السلم و المصالحة كما أشرت إليه منذ سنة 1999 لم يكن مبادرة من الرئيس و لا من الجيش الاسلامي للانقاذ بل كان مبادرة من المدير العام للمخابرات الفريق محمد مدين و بقي كذلك إلى حد كتابة هذه السطور رغم المبادرات الجانبية التي تخللته و لا أعتقد أن أحدا في السلطة بعد الفريق محمد العماري يمكنه الثأثير على المسار الذي اتخذه هذا المشروع.
لقاء القطيعة
مما يشعرني براحة الضمير التامة أنني لم أتعامل بخبث مع أي طرف ساقتني الأقدار إلى التعاطي معه في هذه المحنة و الحمد لله، لا من موقع العدو و لا من موقع الصديق. فكانت علاقتي بالحركة الاسلامية المسلحة قائمة في نفس الوقت على التعاون الإيجابي فيما يحقق المصلحة للجزائر و على التحذير الصارم من أي سلوك يدفع نحو المفسدة. و الأحياء ممن عرفوني في هذه المرحلة يشهدون بأنني صارحتهم بأنني سأكون معهم ما داموا طلاب حق يريدون المصحة و سأكون ضدهم إذا اختاروا الاعتداء على حق الآخرين. و قد هددت السعيد مخلوفي نفسه بالقتل إذا استعمل القوة في حسم النزاع بينه و بين عبد القادر حشاني كما هددت حسن حطاب و جماعته بالمطاردة إذا أخذوا المبادرة في استعمال العنف ضد النظام الحاكم و كان ذلك بالخطاب الصريح الفصيح الذي لا لبس فيه. و كذلك كان موقفي مع قيادة الجيش قبل اعتقالي و بعده. و أبناء نزار و العماري و جنيوحات و غيرهم من قيادات الجيش الذين كانوا من بين طلبتي يشهدون أنني كنت أخاطبهم علنا بأنهم عسكريون في خدمة الجزائر و ليسوا في خدمة آبائهم و لا قياداتهم. و أن طاعة القيادة تسقطها المصلحة العليا للجزائر و أن من يريد أن ينتصر لحزب سياسي فعليه خلع البدلة العسكرية و الانخراط فيه.
و من ثم لم تكن لدي مواقف مسبقة من أي جزائري، عسكريا كان أو مدنيا و تعاملت مع الجميع بناء على ما ظهر لي منهم و قامت به الحجة عليهم. فسلوك قيادة أمن الجيش معي أقنعني بأن هذه المؤسسة التي هي جزء لا يتجزأ من جهاز المخابرات بؤرة من بؤر الفساد في منظومة السلطة و لكنها القناة الوحيدة للتواصل بيني و بين القيادة العسكرية التي فيها عناصر غير شريرة يمكن التعاون معها على الحد الأدنى من المصلحة إذا أتيحت الفرصة لذلك.
و قد كنت على وعي تام بخطورة المسلك الذي أمشي فيه و لكنه كان الخيار الوحيد من أجل نفض الغبار على حقيقة الصراع و تمايز أطرافه ليهلك من هلك عن بينة و يحيا من حيي عن بينة. و على نفس الأساس كتبت بخط يدي بيانا مفصلا ضمنته تفاصيل ما جرى إلى ذلك الحين و ختمته بتوجيه نداء للشعب الجزائري و آخر لضباط و جنود الجيش الوطني الشعبي و آخر لعلماء المسلمين و دعاتهم و آخر للجماعات المسلحة. و سلمت البيان لشخصين أمينين طلبت منهما إرساله إلى عنوان واحد محدد في حالة تعرضي للاغتيال أو انقطاع أخباري عنهما أكثر من عشرة أيام. و كنت أستبق بذلك أي نية مبيتة لاغتيالي من طرف الدوائر المجرمة و توثيق الحقيقة التي يسعى المتورطون في الأزمة إلى طمسها و تزويرها و تحميل أطراف الأزمة المسؤولية على الملأ. أما إذا كتب الله لي السلامة فإنني سأتصرف بما تقتضيه المصلحة و يتطلبه واقع الحال و لا حاجة لنشر البيانين.
خلال هذه الفترة اتصل بي أمير الجماعة الاسلامية المسلحة في الجنوب محمود أبو طالب و حذرني من التعرض إلى الاعتقال أو الاغتيال على أيدي قوات الأمن لأنهم لن يترددوا في فعل ذلك على حد قوله إذا تم تنفيذ أي عملية من طرف الجماعة في المنطقة. و في مقابل ذلك عرض علي الالتحاق به و مساعدته في إمارة مسلحي الجنوب. فأخبرته بأن قيادة الجماعة ستعاقبه على الاتصال بي لأنها تفكر بطريقة مختلفة عنه تماما. كما أنني ما زلت بصدد دراسة الوضع و تقدير الموقف و إذا عزمت على القيام بشيء يعنيه فسأكون أنا من يتصل به. و قد التقيت به مجددا في منطقة الزويرات بموريتانيا بعد أشهر و سأعود إلى ذلك في حينه.
كما بلغتني معلومات عن تواجد السعيد مخلوفي في منطقة بشار في ذلك الوقت و استقلاله بإمارته هناك بعد وفاة عبد القادر شبوطي و إرغام بعة عز الدين على الالتحاق بالجماعة الاسلامية المسلحة.
و في نفس الفترة جاءني رسول من حسن حطاب يطلب مني الالتحاق بالجماعة فاشترطت عليه أن نلتقي أولا لمناقشة الوضع و عرض تصوري الخاص للقضية ثم يكون بعدها لكل حادث حديث. فقبل حسن حطاب الاقتراح و لكنه في الوقت الذي كنت متوجها فيه إلى المطار لمقابلته اتصل بي و طلب مني عدم الحضور لأن في ذلك خطر علي على حد قول الرسول. و لم أجد تفسيرا لهذا السلوك من حسن حطاب غير اكتشافه لتورط زيتوني في علاقة مشبوهة مع دوائر أمنية، لأن توتر العلاقة بين حطاب و زيتوني تصاعد منذ ذلك التاريخ و لم يتوقف إلا بمقتل الأخير و استقلال حسن حطاب بجماعته التي سماها لاحقا الجماعة السلفية للدعوة و القتال.
في نفس الاسبوع الذي ألغي فيه اللقاء مع حطاب استدعيت من طرف المديرية العامة لأمن الجيش. و كانت أول الجلسات مثيرة للغاية لأنها انعقدت في المكتب الذي يفترض أن يصبح مكتبي و دخل العميد كمال عبد الرحمان في الموضوع بدون مقدمات……هذا المكتب الذي أجلس خلفه سيكون مكتبك و ستكون مرؤوسا لي مباشرة و ستكون أول عقيد في دفعتك……إفتح باب الخزانة؛ هذه ليست أوراق للكتابة إنها أوراق نقدية يمكنك التصرف فيها بما يساعدك على القيام بمهمتك (خزانة مملوءة بالأوراق النقدية الجديدة)….قاطعته: و لكن ما هي هذه المهمة يا سيادة العميد؟….كان العميد متكئا فاعتدل ثم قال: المهمة تقوم على قاعدة: (انهيار السقف يتطلب نسف الأعمدة). و الأعمدة في العمل الاسلامي المسلح هم السعيد مخلوفي و محمد السعيد و عبد الرزاق رجام و بعة عز الدين و أمثالهم……هؤلاء يثقون بك و يمكنك استدراجهم للاجتماع معك و هذا هو المطلوب منك، و سيقوم بباقي المهمة غيرك….
لقد أذهلني العرض إلى درجة أنني استغرب اليوم كيف سمعت هذا الكلام كله بهدوء. فأردت أن استوثق من جدية ما أسمع فقلت: يا سيادة العميد ألم نتفق على أن أكون طرفا في الوفاق بينكم و بين الجماعة؟ قال: هؤلاء لا ينفع معهم الوفاق. قلت: و لكنك تعرف أن الذين ذكرتهم بالاسم إطارات سياسيون مثقفون و كلهم جامعيون يمكن الوصول معهم إلى توافق بالحوار و التفاوض و أنا اضمن لكن ذلك إذا اعطيتموني الفرصة. و لو أنكم طلبتم مني وضع حد للمجرمين الذين يتبجحون بقتل النساء و الأطفال و يخربون المدارس كجمال زيتوني و أمثاله لتفهمت طلبكم….و هنا قاطعني طرطاق منفعلا: دع زيتوني و شأنه، هو رجلنا و سنتكفل به نحن. أما أنت فمهمتك أن تلتقي بالسعيد و الجماعة الذين سنحددهم لك…و هنا نهض العميد و هو يقول: المهم أنك موافق على الموضوع و ستدرس التفاصيل مع بشير (يقصد طرطاق) و سأراكم لا حقا لأن لدي ما يشغلني الآن… ثم انصرف. و هنا اقتنعت بأن هذه المؤسسة ليست فاسدة فحسب بل بدائية في أسلوب عملها و لم يبق لي خيار غير العمل على كسر الطوق المحيط بي بهدوء تام.
سألني طرطاق إن كنت جاهزا لبدء العمل فأظهرت له الموافقة و قلت: أعطوني فرصة للاتصال بهؤلاء الجماعة و التفاهم معهم. فقال طرطاق: نحن سنعد كل شيء و المطلوب منك هو تنفيذ التعليمات ليس إلا. سنحدد لك غدا موعدا مع عنصر اتصال يصحبك للقاء زيتوني و البقاء معه حتى تأتيك تعليماتنا. و فعلا تحدد الموعد على الساعة 11 صباحا و المكان غرفة في الطابق الثالث أو الرابع من نزل على شارع ديدوش مراد. و فعلا كنت في الموعد و لكن في الرواق و ليس في الغرفة و جاء عنصر الاتصال و كان شابا رياضيا ملتحيا و دخل الغرفة و حاول البحث عني في الرواق قريبا من الغرفة فلم يجدني وعاد من حيث أتى.
مباشرة بعد خروج عنصر الاتصال اتصلت بالاستاذ مشري و طلبت منه الاتصال بالمدير العام للأمن و إخباره بأن الفريق المكلف بقضيتي في جهاز أمن الجيش بدائي جدا و لا يمكنني الاستمرار في التعاون معهم و طلبت منه ترك المبادرة لي في الاتصال بالسعيد و غيره. و كان الرد فوريا من طرف المدير العام للأمن فعدت إلى المنيعة حيث تركت عائلتي.
حدث في الطريق
بعد الرحلة الجوية من العاصمة إلى غرداية أكملت رحلتي إلى المنيعة بالحافلة و كنت جالسا في المقعد الأمامي. و في أول مفترق طرق توقفنا عند حاجز للجيش. اقترب الملازم من الحافلة و ما ان رآني حتى تراجع إلى الخلف و هو يصيح كالمجنون موجها الخطاب لجنوده: انبطحوا إنه النقيب شوشان….. لقد عرفته…إنه هو… فانتشر الجنود حول الحافلة منبطحين و اسلحتهم جاهزة لإطلاق النار في اتجاه الحافلة. فدب الذعر في أوساط الركاب و تسمر السائق المسكين على مقوده و هو ينظر إلي. فقلت: لا تخف و اخرج لهذا الحمار و قل له بأنني سأنزل بهدوء فلا داعي لترويع الركاب. و قد امتنعت عن الوقوف خشية ان يتصور اني أريد أن أقاتله فيرمي عشوائيا على الركاب المساكين. فنزل السائق و كلمه، فصاح الملازم السفيه : انزل و يديك على رأسك. فنزلت و انا اسأل: اين المسؤول على هذا الحاجز؟ فرد علي: انا المسؤول، تقدم نحو المركز بدون كلام. و لما دخلت إلى المركز وجدت دركيا برتبة مساعد اول و عسكري برتبة مساعد أعرفه فسألتهما: كيف تبقيان داخل المركز و تتركا هذا الولد الطائش يروع الناس؟ فضحك المساعد و قال: إنه ضابط يا حضرة النقيب و يتصرف بدون مشورتنا. قلت: لماذا أوقفني؟ أعندكم أمر باعتقالي؟ قال الدركي بعد مراجعة القوئم: لا. قلت: و ما المطلوب مني إذن؟ فاجابني الملازم الذي كان خلال هذه الفترة يستنفر القيادة بأنه ألقى القبض على عدو الجزائر رقم 1. المطلوب ان لا تتحرك حتى تصل القيادة. قلت: و هؤلاء المسافرين ما ذنبهم؟ قال: هذا أمر لا يعنيني. فطلبت من المساعد ان يذهب إلى الحافلة و يأتي بحقيبتي و ياذن للسائق بالذهاب ففعل.
و بعد نصف ساعة تقريبا وصلت قوة من الدرك و الجيش أرسلها قائد القطاع العسكري لولاية غرداية. فسألتهم بأي حق تعتقلونني؟ فقالوا: ستعرف عندما نصل إلى مقر القيادة. و وضعوا القيد في يدي و عصبوا عيني و نقلت مخفورا بقوة عسكرية مختلطة كبيرة إلى مدينة غرداية حيث بقينا ندور أكثر من نصف ساعة في طرقات المدينة لتمويه الوجهة الحقيقية للقافلة إلى ان انتهينا إلى مقر قيادة مجموعة الدرك الذي اعرفه قبل أن ينخرط العاملون فيه في الخدمة.
وجدت في استقبالي الرائد الأخضر قائد مجموعة الدرك فعرفته و لكنه لم يذكرني. فسألني: الملازم يقول انك نقيب فار من الخدمة. قلت: هذا الضابط من ضحايا صحفيات الوطن و الصباح و تعيينه في حاجز أمني خطر على أمن المواطنين يا حضرة الرائد. قال: إذا لم تكن فارا فناولني إجازتك.. قلت: انا ليس عندي ما اقوله لك غير ان تطلق سراحي إذا لم يكن لديك امر بالقبض علي او تتحمل المسؤولية كاملة على ما يحصل. قال: و من هذا الذي يحملني المسؤولية؟ سأضعك في السجن و لن يسمع بك أحد. قلت: عجيب يا سي لخضر! لقد كنت ضابطا مثاليا عندما كنت أمينا في مكتب المقدم حشيشي ذات يوم و لكن الظاهر أن هذه الأزمة جننت الجميع. ثم قلت: ناولني الهاتف و ساوصلك بمن يحملك المسؤولية يا حضرة الرائد. و يمكنك ان تقول له بانك ستضعني في السجن. و انصحك ان تبعد السماعة عن اذنك لأنك ستسمع ما لا يسرك. فطلب مني الرقم وهو يقول: رقم من هذا؟ قلت: اطلبه و اساله. و هنا تناول الرائد سماعة التلفون و اتصل بقائد القطاع و استفسر عن التلفون ليأتيه الخبر اليقين بعد خمس دقائق….لست ادري ما قيل له و لكن الرجل انقلب مرة واحدة و اتجه إلى قائلا: يا أخي لماذا لم تخبرني من البداية؟ لقد أحرجتني يا سي شوشان و أنا اعتذر لك على ما حصل و و الله إن جميع المسؤولين على مستوى الولاية يعرفون بانكم عائلة وطنية مجاهدة و لكن الأمور اختلطت علينا و لم نعد نفهم شيئا….أنا آسف جدا على سوء التفاهم الذي وقع و الملازم الذي تسبب لنا في هذه المشكلة سيدفع ثمن غلطته….فقاطعته قائلا: الذي يهمني هو أن تجدوا وسيلة توصلني إلى المنيعة لأن اولادي في انتظاري. قال: فورا سأطلب لك سيارة اجرة. قلت: لن اركب مع احد حتى تدفعوا له ثمن التذكرة نقدا كما دفعتها انا نقدا لشركة نقل المسافرين. و فعلا حصل. و سبقتني التعليمات تحذر مصالح الدرك على مستوى ولاية غرداية من التعرض لي. و منذ ذلك الحين أصبح عناصر الأمن يعاملونني باحترام دون أن يفهموا شيئا.
الشاهد في هذه الحادثة هو أن طغيان القيادة العسكرية لم يأت من فراغ. و إنما هو نتيجة لتفشي القابلية للذل من طرف المواطنين و وضاعة النفوس عند الطبقة الوسطى من سلم القيادة و المسؤولية. فهذا الملازم الحقير لم يأمره أحد باعتراض الناس. و لكن نفسه الوضيعة التي تطير فزعا عندما يتكلم الرصاص هي التي تزين له الاستئساد على المواطنين العزل. أما قائد مجموعة الدرك فهو لا يستشعر المسؤولية امام الله و لا أمام القانون و لا يخضع لتأنيب الضمير كأنه سكران أو أبله بل إن كل ما يهمه هو أن يفعل شيئا يشبع شهوات سيده حتى و لو كان بالتعسف في اعتقال الأبرياء و سجنهم بل حتى قتلهم.
ما الذي تغير بالنسبة لي؟ لا شيء بتاتا. فأنا هو انا امام القانون قبل الحادثة و بعدها. و لكن الذي تغير هو الطبيعة المزاجية التي يتميز بها كثير من مستخدمي الدولة عسكريين و مدنيين.
و من هنا يجب علينا ان نفهم بأن التمني لا ينفع في تغيير الأوضاع شيئا و إنما الذي ينفع هو اسنهاض الهمم و الصبر على الحق و احتقار الباطل و استنكاره مهما كانت صولته. فالمسؤول المتغطرس إذا لم يلتزم بالقانون كما هو معلن عنه في المواثيق الرسمية يجب على جميع المواطنين مقاطعته كخطوة أولى لتنبيهه ثم محاصرته لتخويفه فإن لم ينفع معه لا هذا و لا ذاك فيجب توقيفه عند حده بكل الطرق الممكنة حتى لا تقوم له بعد ذلك قائمة. و بدون ذلك فإن الفساد سيجدد بعضه بعضا إلى أجل غير مسمى. ( يتبع…)

———-

ـ 13 ـ
الأزمة الجزائرية
شاهد من قلب الأحداث
بقلم : النقيب أحمد شوشان | صوت الجزائر | الاحد 17 أوت 2008
الفصل الرابع
الجزء الثالث
الهجرة من الجزائر
سميتها الهجرة لأنني لم أقرر التنازل عن حقي في المواطنة بعد، و إنما هي انسحاب مؤقت بنية العودة إن شاء الله. فقد تأكد لي بما لا يدع مجالا للشك بأن بقائي في الجزائر لا يعني سوى أحد أمرين. فإما أن أقبل التعاون مع سلطة تصر على التعامل مع شعبها كسلطة احتلال عسكرية حقيقية و تعتمد في سياستها للأزمة كل الوسائل القذرة و بالتالي أساهم في قتل المواطنين استجابة لنزوات ذكور و إناث لا خلاق لهم و لا دين و لا ضمير. و إما أن ألتحق بجماعات مسلحة لا عهد لها و لا شعار غير القتل و التخريب تحت شعار الاسلام. علما بأن في الطرفين عناصر مخلصة و أخرى مضلله أو مكرهة و لكنها لا تسمن و لا تغني من جوع في المفازة التي توغلت فيها الازمة.
و كان أول ما قمت به هو الاتصال بعمي المجاهد الفاضل أبي عثمان رحمه الله و الذي غادر الجزائر سنة 1993 إلى إفريقيا، و ذلك من أجل استطلاع الموقف في الخارج قبل تحديد وجهتي في المستقبل. و من المفيد أن أقف مع هذا الجزائري الوفي لوطنه الذي ظلمته الدولة الجزائرية مثل ما ظلمت غيره من المخلصين ظلما يستوجب نقمة الله من القائمين عليها منذ الاستقلال.
الاستاذ محمد الأخضر شوشان رحمه الله
أصغر أبناء العلامة الشيخ محمد الطاهر شوشان من مواليد سنة 1937 زاول تعليمه بمدرسة الحياة و حصل على الثانوية العامة بمعهد الحياة بالقرارة. تطوع لتدريس ابناء البلدة بدلا من الابتعاث إلى جامعة الزيتونة و هو في السادسة عشر من عمره قبيل اندلاع الثورة التحريرية. و منعه شقيقه الأكبر المجاهد الحاج ابراهيم من الالتحاق بجيش التحرير رغم إلحاحه إشفاقا على أمه المجاهدة الحاجة أم الخير رحمها الله التي لم يكن للثورة جحر ترأز إليه غير بيتها المتواضع قصر القرارة. فتحدى هذا الشاب كل العوائق و التحق بجيش التحرير بمبادرته الشخصية عن طريق الحاج سلامة الذي جنده لدى قيادة الولاية السادسة فكان أحد كتابها و شارك في معارك مع قائدها العقيد محمد شعباني رحمه الله في جبل بوكحيل و جبال الكرمة. و بعد الاستقلال عين مسؤولا عسكريا و سياسيا في كل من غرداية و المنيعة و ورقلة حيث تم اعتقاله لمدة أسابيع في الحملة التي طالت العقيد محمد شعباني و مساعديه سنة 1964 بتهمة العمل على فصل الصحراء الباطلة التي أعدم شعباني ظلما و عدوانا بسببها و بقي مساعدوه الذين يشكلون اليوم الأمانة الوطنية لمنظمة المجاهدين 18 سنة في السجن قبل أن يطلق الشاذلي بن جديد سراحهم و يرد إليهم الاعتبار.
في هذه الحملة لم يسجن المجاهد محمد الأخضر شوشان و لم يعدم لأنه لم يكن من سكان بسكرة و لكنه رفض الخدمة في المؤسسات السياسية للسلطة الحاكمة بعد ما تعرض له هو من إهانة و تعذيب و وفاء لقيادته التي يعرف إخلاصها للجزائر قولا و عملا في الحرب و السلم. فاعتزل السياسة و انخرط في سلك التعليم مربيا ابتداء من سنة 1965 و بقي فيه إلى سنة 1992و استكمل دراسته الجامعية خلال هذه الفترة.
و في سنة 1990 و اغترارا بما قام به الشاذلي بن جديد من مبادرات لرد الاعتبار للمواطن الجزائري و التي كان آخرها فتح المجال للتعددية السياسية و نزولا عند رغبة كثير من المواطنين عاد رحمه الله إلى العمل السياسي كرئيس لمكتب الجبهة الاسلامية للانقاذ بالمنيعة ثم انتخب رئيسا لمكتبها الولائي بغرداية ثم عضوا لمجلس الشورى المنبثق عن مؤتمر الوفاء بباتنة سنة 1991.
تعرض للاعتقال التعسفي بعد إضراب الجبهة في جوان 1991 ثم أطلق سراحه لتحضير الانتخابات البرلمانية. و بعد انقلاب يناير 1992 داهمت قوات الدرك و الجيش منزله في المنيعة عدة مرات دون أن تتمكن من اعتقاله فاستهدفت اجهزة الأمن ابنيه محمد الطاهر و عبد الحليم الذين قضيا بين معتقلات الصحراء ثلاث سنوات بدون وجه حق.
و هنا أفتح قوسا لأسجل أن هذا الرجل المجاهد كان عضوا في مجلس الشورى الوطني للجبهة و كان عمي و صهري و استاذي و مع ذلك لم يحاول استغلال علاقته بي لتوظيفها في خدمة حزبه كما يفعل الخونة و الخائنات الذين استباحوا كل شيء من أجل إشباع نزواتهم الجامحة في إقامة جمهورية الرذيلة و الفساد و المخدرات و الرشوة. و لذلك فإنه لم يعلم رحمه الله بعلاقتي بالحركة الاسلامية المسلحة إلا بعد أن اعتقل عبد القادر حشاني؛ حيث أخبرته بأنني مع بعض المخلصين من ضباط الجيش قادرين على القضاء على الشرذمة التي تريد أن تخلط الأمور في البلاد و مستعدون لفعل ذلك بالتعاون مع الحركة الاسلامية المسلحة إذا كان هناك من يتحمل المسؤولية على تبعات ذلك. فأجابني رحمه الله بكل مسؤولية: لا أحد يتحمل عنك المسؤولية على دماء الناس يا ولدي. فإن كنت قادرا على فعل شيء من أجل بلدك فكن مستعدا لتحمل المسؤولية على تبعاته وحدك و إلا فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
بعد أن تكثفت مداهمات الأمن لبيته و تم ترويع أهله دون ان يظهر في الأفق ما يوحي بالإنفراج في الازمة غادر الجزائر عبر الصحراء الكبرى في مغامرة كادت تودي بحياته و حط الرحال بالنيجر حيث التقى بالحاج حسن رحمه الله أحد انصار المشروع الإسلامي المخلصين و الذي كان يحضر لإنشاء قاعدة لإيواء و تدريب الاسلاميين المهاجرين في المنطقة الحدودية بين الجزائر و النيجر. و قد مكث معه اشهرا قليلة تأكد خلالها من عدم جدوى بقائه هناك فانتقل إلى غانا بمساعدة ابنه الأكبر الدكتور عثمان المقيم في المملكة العربية السعودية آنذاك. و قد اكمل رسالته التربوية و الدعوية في غانا و استقر به المقام بعد ان تزوج غانية من أهل البلد و استطاع بالتعاون مع إدارة المنتدى الإسلامي بناء مدارس و مساجد و حفر آبار و كفالة ايتام و غير ذلك من الأعمال الخيرية التي ما زال المسلمون في غانا يستفيدون منها. و بقي هناك حتى سنة 2000 حيث سافر إلى بريطانيا و حصل على حق اللجوء السياسي فيها و بقي استاذا للغة العربية في أحد معاهدها الجامعية إلى أن اقعده المرض سنة 2007 و توفي في شهر جوان 2008 رحمه الله و غفر له.
هذا الرجل المعطاء الذي امتد نفعه من قلب الصحراء في الجزائر إلى أدغال إفريقيا و أعالي بريطانيا تخرج على يديه عشرات الآلاف من الرجال و لا تسمع أحدا يذكره من الجزائر أو من خارجها إلا أثنى عليه خيرا. إنه رجل لم يؤذ أحدا في حياته و لم يكلف أحدا شيئا بل كان يكلف نفسه في سبيل التخفيف عن الآخرين دون رياء و لا امتنان. و رغم انه كان في موقع المسؤولية الذي يمكنه من الاستيلاء على املاك الناس و اختلاس اموال الدولة بعد الاستقلال و رغم أنه لم يعرف البطالة في حياته الممتدة واحدا و سبعين عاما و رغم انه كان على علم بقنوات جمع المال و الطريق إلى جيوب المحسنين من اغنياء المسلمين في الخليج و غيره فإنه توفي و ليس بحوزته عقد ملكية للبيت الذي يسكنه هو و عائلات اولاده و بناته في المنيعة فضلا عن غيرها. بل رحل و في ذمته ديون لدى اثنين من خاصة معارفه.
هذا الرجل المجاهد النقي اتهمته أجهزة الأمن في الجزائر بالإرهاب و المشاركة في عمليات السطو و القتل و طالبت برأسه مقابل مكافأة مالية و علقت صوره في مخافر الأمن و اقتحمت بيته على النساء و الأطفال في منتصف الليالي بعد أن اعتقلت و شردت جميع الرجال من أهل بيته و حكمت عليه بجميع العقوبات ابتداء من الإعدام و انتهاء بعشرين سنة سجنا مرورا بالمؤبد. فهل بعد هذا يتساءل عاقل لماذا يتعرض عناصر الأمن و من تواطأ معهم للاغتيال من طرف المسلحين؟ ايحلمون أن يتحلى كل الشباب الجزائري بصبر و حلم هذا الجبل الشامخ؟ و هل يجرؤ القضاة الذين أصدروا تلك الأحكام على تبرير فعلتهم الشنيعة امام الناس في الدنيا؟ و من سيشفع لهم امام الله يوم القيامة؟ و أسأل هنا أهل المنيعة كلهم و الذين أقام هذا الرجل الفاضل بينهم منذ الاستقلال: هل عرفتم رجلا أنظف يدا و أعف نفسا و اسلم قلبا من هذا الرجل بينكم أنتم السكان الأصليون في المنيعة أو من غيركم من الوافدين على البلاد من مستخدمي الدولة و على رأسهم عناصر الأمن و بدون استثناء؟ إنه لا يسعكم غير النفي و من قال غير ذلك فهو كذاب و شاهد زور بكل تأكيد.
إن ما تعرض له هذا الرجل و أمثاله في جزائر الاستقلال من موجبات المقت و النقمة من الله. و ما دام الناس يشهدون الزور خدمة للباطل و يبجلون الحقير الفاسق و لا يعرفون لأهل الفضل حقهم فأنى لهم أن يطمعوا في لطف الله و عفوه؟
رحلة الخروج
إستحسن عمي فكرة مغادرتي الجزائر و لكنه طلب مني التريث نظرا لخطورة الرحلة التي عادة ما تكون مع مهربين من المحتمل أن يقعوا في كمائن دوريات الدرك و الجمارك أو حتى قطاع الطرق من الطوارق و الأزواد المنتشرين على الحدود الجنوبية للجزائر. و لكنني لم أكن استطيع التأجيل بعد ما حصل بيني و بين مديرية امن الجيش فقررت أخذ المبادرة بنفسي.
كان واضحا للجميع أن وضعي خاص جدا. فأما الاسلاميون فكانوا واثقين بأنني من أهل الحق و لا يمكن أن أنحاز إلى الباطل مهما كان الثمن. و لذلك فقد بقيت علاقتهم بي على حالها و لم تتغير بل ازدادوا مني قربا لأنهم استانسوا بإطلاق سراحي و رد الاعتبار لي كما بدا لهم. أما أتباع السلطة فقد وقعوا في حيرة عندما رأوني آكل الطعام و أمشي في الاسواق بعد كل ما حدث. و زاد من حيرتهم ما لا حظوه من تهيب أجهزة الأمن من الاقتراب من بيت عمي الذي قضيت فيه مدة غير قصيرة.
في هذه المرحلة لجأت إلى بيتنا عائلة من أم و ثلاث بنات و صبي. هذه الأم اعتقل ابنها الأكبر و هو معيلها الوحيد بتهمة الانتماء إلى جماعة مسلحة سنة 1992 و سجن في السجن العسكري بالمرسى الكبير و فر منه سنة 1993 ليجد نفسه في حضن الجماعة الاسلامية المسلحة بقيادة عبد الرحيم في غرب الجزائر. و منذ ذلك الحين اعتقلت الشرطة أخاه الثاني و فرضت على العائلة المحافظة المسكينة حصارا مشددا لتبقى الأم و بناتها التي بلغن سن الشباب عرضة لفضول حراس الجمهورية الأشاوس الذين لا يحلو لهم ترويع الغلابى إلا بعد منتصف الليل. و لما وصل عبد الحكيم إلى المنيعة و علم بما تتعرض له عائلته من طرف الشرطة التحق بالجماعة المسلحة هناك و طلب منهم مساعدته في تهريب عائلته خارج الجزائر فوعدوه بذلك. و لكن النافذين في الجماعة نقضوا العهد و ساوموه على الزواج من أخواته الثلاث فرفض، و لما حاولوا إرغامه تمرد عن الجماعة و انفصل عنها. و منذ ذلك الحين أصبحت الأم و بناتها بين مطرقة السلطة و سندان الجماعة فلجأت المكسينة و بناتها إلى بيت عمي فرارا بدينها و عرضها.
و قد كانت هذه العائلة المنكوبة عقبة في طريق خروجي لأن بقاءها في البيت بعد ذلك سيعقد الأمور على الجميع و لذلك كان التفكير في مصيرها جزء من مشروع الهجرة.
أول خطوة قمت بها كانت دراسة منطقة العبور على الخريطة ثم استئجار دليل موثوق عارف بطرق دوريات الحراسة و مراقبة الحدود. و قد تمكنت بمساعدة بعض الأقارب بالوصول إلى أقدم خريت في الصحراء الكبرى قضى أكثر من ستين عاما بين شعابها اسمه عبد الرحمان و يسميه سكان المنطقة بالضب. كان في وضع حرج بعد أن صادرت مصلحة الجمارك كل ممتلكاته التي جمعها خلال ستة عقود من التجارة الشرعية و غير الشرعية. فاتفقت معه على تأمين كل شيء متعلق بالرحلة مقابل أربعين مليون سنتيم ادفع له منها عشرة ملايين مقدما لتجهيز نفسه. و كان هذا المال ثاني عائق أمامي لأنني لم أكن أملك سنتيما واحدا فاضطررت إلى استلاف المبلغ كاملا بمساعدة أخي الدكتور محمد الطاهر.
أما بالنسبة لتلك العائلة فقد التقيت بولي أمرها عبد الحكيم و كان مسلحا بمسدس رشاش من نوع كلاشنكوف و بحوزته حوالي 400 طلقة متنوعة و قنبلة يدوية. و روى لي قصته كاملة و طلب مني مساعدته على إخراج أهله من الجزائر فاقترحت عليه أن يصحبني في رحلتي شريطة أن يوفر وسيلة نقل لسفر عائلته فاستشارني في كيفية الحصول عليها فنصحته أن يحصل عليها بالمعروف فإن تعذر عليه ذلك فليتجنب الإعتداء على مال أو عرض أو دم أي مواطن فإن مأساة أهله لا يجوز حلها على حساب الآخرين. و فعلا استطاع بالتعاون مع اثنين من الشباب أن يستولي على سيارة ميدانية من نوع تويوتا ستايشن تابعة للدولة دون إراقة دماء.
و هكذا أصبح المعنيون بهذه الرحلة مجموعتين مسلحتين تتكون الأولى من عبد الحكيم و أمه و أخواته الثلاث و أخوه الأصغر و الشابين الذين ساعداه في الاستيلاء على السيارة و معهم سلاح عبد الحكيم أما الثانية فتكونت زيادة عني أنا من الدليل و سائقه مزودين بسلاح رشاش آخر وفره الدليل لتأمين الرحلة.
و قد فشلت أول محاولة للخروج عندما تأخر الدليل عن الموعد المحدد نتيجة للحصار المضروب على المنطقة. و قد كانت تجربة قاسية لأننا تواعدنا على اللقاء 80 كلمترا في عمق الصحراء في منتصف الليل. و كانت مخارج المنيعة كلها مغلقة و نظام منع التجول ساري المفعول. و رغم أن خروجنا كان سهلا بعض الشيء لأننا رتبنا كل شيء مسبقا إلا أن اقترابنا من المدينة عند العودة مع اقتراب الفجر و دخولنا إليها كان عملا في منتهى الصعوبة و الخطورة خاصة و أن معنا نساء لم يتعودن أبدا على مثل هذه المواقف. و لكن هذه التجربة الميدانية كانت مساعدة لنا جدا في محاولتنا الثانية التي كانت موفقة بعون الله.
اخترقنا المنطقة الصخرية بين طريق عين صالح و طريق أدرار بحذر شديد و نحن في وضعية قتال لأن أي تماس بيننا و بين أي دورية لم يكن يعني سوى شيئا واحدا هو القتال حتى الموت و قد تعاهدنا على ذلك قبل الانطلاق ليكون الجميع على بينة من الأمر. حتى النساء فضلن الموت على البقاء في الجزائر عرضة للابتزاز و المساومة على شرفهن. و رغم ذلك لم تخل رحلتنا من الفكاهة لأن الدليل كان قد جاوز السبعين و كاد يفقد بصره تماما و كنت أصف له وضع النجوم و تضاريس الأرض لتحديد وجهته و لكنه كان أحيانا يختلط . و من ذلك أنه تأمل تجمعا للنجوم مرة و ظنه ” الدب الأكبر ” الذي يسميه الناس عندنا ” الناقة ” فقال لي : هذه هي الناقة و لذلك فإن علينا الاتجاه من هنا. فقلت: يا عمي عبد الرحمان الظاهر أن ناقتك طايرة لإنني لا أرى لها أرجلا و إنما أجنحة…. و قد اصطحبت معي خريطة و بوصلة ساعداني على التحرك بثقة كاملة و الحمد لله.
بعد يومين وصلنا إلى منطقة جبلية مظلمة اسمها ” آهنت” تمتد شرقا إلى عمق التراب الليبي و جنوبا إلى حدود تشاد و لكنها لم تكن وجهتنا، فخيمنا فيها أسبوعا كاملا تم خلاله استطلاع المنطقة الحدودية المحاذية لدولة مالي و استحدثنا نقاط للتزود بالوقود و الماء.
في هذه المنطقة يمكن لجيش كامل أن يتمركز دون أن تتمكن أية قوة في الأرض أن تقضي عليه إلا بالانتشار داخل شعابه و احتلاله بعد دفع خسائر بشرية و مادية لا تقل عن عشرة أضعافه. و لذلك فإن المراهنة على القوة لاستتباب الأمن في الجزائر سواء في الصحراء أو في الشمال وهم يملأ رؤوس الحمقى وحدهم.
بعد ذلك قمنا بعملية اختراق طويل لمفازة ” تانزروفت” الممتدة غربا أكثر من 500 كلمتر بين ” جبال آهنت ” و “عرق الشاش الكبير” ثم اقتحمنا عرق الشاش جنوبا في اتجاه ” الحنك” من تراب مالي الذي هو عبارة عن صفائح قاطعة من الصخور البركانية تمتد عشرات الكيلمترات في اتجاه الصحراء الغربية. ثم انحدرنا من الصحراء الغربية في اتجاه الجنوب نحو منطقة الزويرات الموريتانية. و قد دامت المرحلة الأخيرة من رحلتنا أسبوعا كاملا من المغامرة بلياليه تفادينا أثناءها التماس مع دوريات الحراسة الجزائرية و المالية و نقاط المراقبة الموريتانية كما قدمنا المساعدة لبعض المتخلفين من المشاركين في رالي دكار و السواح العرب المتوغلين للصيد في شمال مالي.
خيمنا على مشارف الزويرات ثلاثة أيام قام خلالها الدليل بترتيب دخولنا بعد أن استأذن المعنيين بالأمر وفق الأصول المعمول بها واستأجر لنا بيتا هناك.
أخبار من موريتانيا
لم أصدق لحظة ما كان الناس المضللون بوسائل الاعلام في ذلك الوقت يتداولونه من أخبار عن العمليات القتالية التي تقوم بها الجماعة الإسلامية المسلحة في الجنوب خاصة ما كان يتعلق منها بالسطو على شركات البترول في الصحراء و سرقة السيارات منها. و لكنني لم أستطع أن أقيم الدليل على عكس ذلك حتى وصلت إلى موريتانيا و رأيت تلك السيارات و سارقيها بأم عيني.
فقصة السطو على الشركات و سرقة السيارات منها و تهريبها إلى موريتانيا و بيعها باسعار زهيدة سابقة عن الأزمة السياسية و لكنها جزء من الأزمة الأم. فالقضية تتعلق بمجموعة من الشباب المهربين الذين كانوا يشتغلون بالتعاون مع أعوان الجمارك و الأمن يتقاسمون معهم أرباحهم بل إن بعضهم كانوا من الأزواد يحملون وثائق جزائرية رسمية. و فجأة استفاقت الدولة سنة 1990 و قررت شن الحرب على المهربين. و بين عشية و ضحاها وجد أولئك الشباب أنفسهم يفترشون الأرض و يلتحفون السماء و مطالبين من طرف شركائهم من مستخدمي الدولة برشوة لإطلاق سراحهم من السجن زيادة على الخسائر. و مما زادهم غيظا و حقدا أن أولئك المستخدمين الذين يعرفون عنهم كل شيء أهانوهم و عذبوهم باسم القانون الذي كانوا هم أول من داسوا عليه. و أنا لا أتكلم عن مبالغ بالملايين و إنما عن رشوة بمئات الملايين للفرد الواحد. و كما هي العادة أطلق سراحهم في النهاية. يقول زعيم هذه المجموعة لقد قررت أن أستعيد المال الذي سلبوه مني بالقوة بنفس الطريقة. و هكذا تشكلت هذه المجموعة من ستة شباب من أعرف الناس بتلك الأرض و أمهرهم في سياقة السيارات الميدانية و أجرئهم على المغامرة و بدأوا بالاستيلاء على سيارة واحدة رتبوا بها أوضاعهم ثم أصبحوا يدخلون من موريتانيا بسيارة واحدة و يخرجون من الجزائر بستة سيارات من نوع كروزر بينما أجهزة الأمن و الجمارك و مراقبة الحدود تعلق فشلها و خيبتها على شماعة الإسلاميين.
أما بيع مسروقاتهم فيتكفل به قريب الرئيس الموريتاني معاوية ولد الطايع الحاكم الفعلي في الزويرات. فلديه حظيرة شاسعة تستقبل السيارات و تضبط لها أوراقها ثم تعيد بيعها للشخصيات الفاسدة التي تعج بها دول إفريقيا. هكذا كانت البداية إلى أن تنبه لها أمير جماعة المنيعة سنة 1995. فأصبحت الجماعة تستولي على السيارات و الناقلات و تقايضها بالسلاح في موريتانيا بعد أن كانت تشتري السلاح بدفع الثمن نقدا لضباط الجيش في النيجر و مالي و مقاتلي التوارق و مقاتلي البوليزاريو.
بعد وصولنا كان لابد لنا من ضبط وضعيتنا الإدارية حتى نتمكن من التحرك. فقابلت الحاكم الفعلي و تحدثت معه عن رغبتنا في الحصول وثائق مدنية فقال لي أنتم في ضيافتي و لن تحتاجوا للوثائق فعلمت أننا طرقنا الباب الخطأ خاصة عندما قال لي بأنه سيشتري السيارة التي معنا بسعر لا يساوي ثمن عجلاتها فطلبت منه إمهالي حتى أستشير رفاقي. و بعد ما خرجت من عنده طلبت من الدليل ان يجد لنا طريقة للخروج من الزويرات و لكنه لم يستطع فعل شيء حتى جاءنا الفرج بعد أيام من حيث لا نحتسب.
عندما وصلنا مباشرة كان الخبر قد وصل إلى زعيم مجموعة المهربين المذكورة (ق.ر) الذي كان موجودا في نواكشوط. فظن أننا من المهربين الذين يريدون أن يفسدوا عليه السوق فجاء فورا و تكلم مع الدليل عمي عبدالرحمان الذي يعرفه جيدا و علم منه كل شيء قبل أن يأتي لمقابلتي. و من تيسير الله لنا أن الرجل كان في مثل سني و كنت أعرف عائلته جيدا و كان يسمع عني. و لما أخبرته عن اللقاء الذي دار بيني و بين قريب الرئيس الموريتاني ثارت فيه حمية الجزائريين و أقسم أن يأخذ منه نفس الثمن المعتاد. و قد تأثر كثيرا لما علم أنني أصطحب معي نساء مهاجرات بدينهن و قدم لنا يد العون في تلك الظروف الصعبة فجزاه الله خيرا و هداه.
و بينما كنا ننتظر صدور الوثائق وفد على الزويرات فوج من الجماعة الاسلامية المسلحة يقوده نائب الأمير المدعو عيسى (ج.ح) و هو من المنيعة فتعرف على أحد الشابين الذين سافرا معي (م.ط) فتتبعه حتى حدد مكان سكننا و علم بوجودي مع المجموعة فظن في البداية أنني جئت لأتجسس على نشاطهم في موريتانيا و لكنه بعد أن التقى ب (م.ط) في السوق استطلع منه الأمر. و لما بلغني الخبر أرسلت في طلبه و تحدثت معه. و كان مما أخبرني به هو أن عبد الحكيم و (م.ط) مطلوبان من طرف إمارة الجماعة و من واجبه أن يعيدهما ليمثلا أمام قاضي الجماعة. فقلت أترى بأنك أنت و إمارة الجماعة أولى بصحبة عبد الحكيم من أمه و أخواته المشردات في هذه الظروف؟ قال: أنا ليس لي رأي و لكنني أطبق تعليمات الأمارة. قلت: إذا أردت الكلام معي بمنطق الشرع فهات ما عندك و سأنوب بنفسي عن إمارتك في تطبيق الشرع. أما التعليمات فإنها غير نافذة على أحد ممن معي. و إني أحذركم من مغبة التعرض لأي واحد منهم بسوء. و قد خرجت من الجزائر تجنبا لإراقة دم الجزائريين فلا ترغموني على فعل ذلك خارج الجزائر. و كان ( ق.ر) حاضرا فقال: أنا مع سي احمد فيما قال و إذا حصل أي شيء فلا تفتربوا من ساحتي أبدا.
و قد عرفت بعد ذلك أن (ق.ر) لم يعد في حاجة إلى الدخول إلى الجزائر بعد أن أدرجت الجماعة السطو في عملياتها و اكتفى بتسويق بضاعتها و مقايضتها مقابل السلاح في موريتانيا و أصبح من أعيان البلد خاصة بعد أن تزوج ببنت سيد الأزواد على إثر عملية بطولية قام بها لإنقاذ نساء و أطفال الأزواد العرب من الموت المحقق على أيدي طوارق مالي. و قد دفعني الفضول للذهاب معه في إحدى المرات و كان من بين السلاح المعروض صاروخ مضاد للطائرات من نوع (ستريلا 2) جلبه أحد الصحراويين من معسكر البوليزاريو فلم أتمالك نفسي من الضحك (و شر البلية ما يضحك). فقلت ل (ق.ر): الجزائريون كلهم مساكين، فالجيش يشتري هذا الصاروخ بعشرات الآلاف من الدولارات من خزانة الدولة و يعطيه لقيادة البوليزاريو مجانا و بعد انتهاء صلاحيته يشتريه الاسلاميون الجزائريون من البوليزاريو بعشرات الآلاف من الدولارات التي غنموها من خزانة الدولة أيضا. و هكذا تدفع الجزائر ثمن الصاروخ مضاعفا دون استعماله و يتمتع الروس و الصحراويون بذلك على حساب شعبنا. أليس هذا من البليات المضحكات. فحاول الصحراوي الاحتجاج فقاطعته: كم طائرة مغربية أسقطتم أنتم بهذه الصواريخ طوال حربكم يا رجل؟ احتفظ بهذه الخردة عندك و لا تستغفلوا عباد الله. إن لهذا الصاروخ ورشة كاملة لضبطه قبل الإطلاق و بدونها لا يساوي هذا الصاروخ شيئا…… و نصحت (ق.ر) بعدم شراء الصاروخ فأخذ بنصيحتي و كان مصيبا في ذلك.
بعد استلامي ثمن السيارة من (ق.ر) السيارة صفيت الحساب مع الدليل و اتفقت مع (ق.ر) على الانتقال من الزويرات إلى نواكشوط. و قبل سفرنا وصل أمير الجماعة الاسلامية المسلحة على منطقة الجنوب محمود أبوطالب و زارني هو و نائبه عيسى و جرى بيننا حوار بخصوص تسليم عبد الحكيم و (م.ط) اقتنع بعده بصواب رأيي في الموضوع و شكرني على نصيحتي لهم بعدم شراء الصاروخ التالف فقلت له أنا مستعد لمساعدة أي جزائري في ما يحقق المصلحة و لو أن إمارة الجماعة المسلحة كانت مخلصة في العمل بما تقتضيه المصلحة لكنت من أنصارها و هذا موقف ثابت من كل الجزائريين لن يتغير إن شاء الله. و ظهر لي أن كلامي أحرجه عندما قال: سأبلغ القيادة ما سمعته منك إن شاء الله. و لكنني تبينت الحقيقة بعد أن طلب من عيسى الانصراف لتحضير جماعتة للانطلاق إلى الجزائر. و لما اختلى بي قال: إسمع يا سي أحمد، أنا متأكد من إخلاصك في نصرة الحق و إني أخشى أن تقع في ما وقعنا فيه. إننا لا نعرف في هذه الجماعة عدونا من صديقنا و والله لو أجد لي مخرجا أعذر فيه عند الله لما بقيت تحت هذه الراية العمياء لحظة واحدة فادع الله أن يحسن لي الخاتمة. و إني أنصحك أن لا تستجيب لدعوة هذه الجماعة إن طلبوك لأنهم سيغدرون بك…….فوجئت بكلامه الذي كان يفيض صدقا و رجاء و تساءلت مستغربا: لماذا انتظرت حتى انصرف عيسى لتقول لي ذلك؟ فقال: عيسى بن بلدي و لكنه جاهل فاحذر منه. و أنا أحضرته في بداية الجلسة لينقل إلى القيادة ما سمع و إني أريدك أن تصحبني إلى خارج الزويرات حتى تطمئن قلوب الجماعة الذين معي لأن الشيطان يجري في عروقهم مجرى الدم. قلت: إذن أذهب مسلحا. فوافق. و انطلقنا إلى حيث يرابط 12 من المسلحين و معهم أربع سيارات ميدانية من نوع تويوتا ستايشن 5 و 6 محملة بأسلحة و ذخيرة متنوعة من بينها رشاشين ثقيلين مضادين للطيران عيار 17 مم و قطعتين من مدفعية الهاون عيار 82مم و قاذفات مضادة للدبابات من نوع رب ج-7.
و قبل الافتراق قلت لمحمود و (ق.ر): هل أنتم فعلا من يقوم بقتال الجيش الجزائري؟ أم أن هناك مقاتلون آخرون يتسببون له في الخسائر التي نسمعها؟ فقال محمود: ماذا تعني يا سي احمد؟ قلت: لو كنت أنقل تمرا لما نقلته بهذه الطريقة. فكيف تكدسون عدة قتالية لتجهيز كتيبة ثقيلة في أربع سيارات و تتنقلون بها كقافلة تجارية ؟ لو وقعتم في كمين ستدافعون عن الرشاشات الثقيلة و المدافع المحزومة بمسدسات رشاشة. فهل هذا معقول عندكم؟ صدق فيكم قول الشاعر: كالعيس في البيداء يقتلها الظما _ و الماء فوق ظهورها محمول. فقال: سأفكر في الأمر عندما نصل إلى منطقة تجمعنا داخل الجزائر. ثم ودعني و انصرف.
بلغني بعد ذلك أن محمود اقترح على قيادته عدم نقل هذه الكمية الضخمة من الأسلحة و الذخيرة إلى الشمال دفعة واحدة و إرسالها على دفعات تفاديا للمفاجآت. و قد كلفه هذا الاقتراح استدعاءه من طرف الإمارة الجهوية بالاغواط و التي قد كان يسيطر عليها جماعة من الأفغان الجزائريين ظنا منهم أنه يخطط للانفصال عنهم. فعينوا صديقهم مختار بلمختار خلفا لمحمود للتكفل بشحنة السلاح و أصبح عيسى الذراع الأيمن لمختار بلمختار المدعو خالد إلى أن انفصل عنه بعد افتضاح أمر زيتوني و تفكك الجماعة سنة 1997 لينتهي به المطاف بالاستفادة من ميثاق السلم و المصالحة سنة 2005.
أما محمود فقد طاردته قوات الأمن و هو في طريقه إلى لقاء القيادة في الأغواط حتى حاصرته بين القرارة و بريان مع مجموعة قليلة من مرافقيه و قتلتهم جميعا. و أما شحنة السلاح فقد حاول المير الجديد نقلها إلى العاصمة و لكن قوات الأمن اكتشفت امرها بعد إلقاء القبض على أحد عناصر الجماعة و استنطاقه فطوقت المنطقة و قصفت السيارات بالطيران فتفرقت حراستها في الصحراء و انسحب بعضهم إلى المنيعة حيث لاحقتهم أجهزة الأمن و الجيش و قتلت بعضهم فيما انسحب خالد بمن بقي من جماعته إلى المنطقة الجبلية شرق عين صالح و بدأ عملية جديدة.
أما العنصر المقبوض عليه فكان من سكان أدرار و من الذين ساهموا في جمع الأسلحة و نقلها و لذلك فقد أخبر عن مكان تواجد (ق.ر) و جماعته فطالبت الجزائر موريتانبا بالقبض عليهم و زودتها بكل المعلومات و المخبرين. و قد قامت أجهزة الأمن الموريتانية فعلا بحملة مداهمة لبيوت المجموعة و لكن بعد أن غادرها أهلها الذين وصلهم الخبر قبل أن تصل التعليمات إلى الشرطة.
حصل هذا أثناء أربعة شهور تقريبا كنت خلالها قد رتبت نقل عبد الحكيم و عائلته و مرافقيه إلى غامبيا عبر نهر السينغال بعد أن حصولهم على وثائق موريتانية رسمية. ثم استأجرت لهم بيتا في العاصمة بانجول بمساعدة إخوة موريتانيين حق لموريتانيا أن تفتخر برجولتهم و نخوتهم. و و الله لولا ما وجدت في أولئك الإخوة من الشهامة و الصلاح و اللطف ما بقي في ذاكرتي عن موريتانيا ما يستحق الذكر. لقد كانوا أعوانا أقوياء على كل خير و آثرونا على أنفسهم بما يملكون من جاه و مال و نفس رغم حاجتهم و خصاصتهم فقط لأنهم علموا من مصدر موثوق أن تلك العائلة الجزائرية المنكوبة مهاجرة بدينها. و قد زارنا شيخهم و هو شاب فاضل يطفح علما وذكاء و رجولة و طلب من كل الإخوة أن يجتمعوا بعائلاتهم في البيت الذي استأجرناه إكراما للأخوات و مواساة لهن بعد رحلتهن المضنية و وعظهن من وراء حجاب قائلا: إن الهجرة في سبيل الله مقام يطمح إليه حتى الانبياء فلا تغرنكن غربة الأخوات الجزائريات و تواضعهن فقد سبقنكن بهذا الفضل فاعرفوا لهن قدرهن. فجزى الله الجميع عني خيرا و أثابهم على معروفهم بما هو أهل إنه غني كريم.
بعد اطمئناني على تلك العائلة جددت الاتصال بأخي و ابن عمي الدكتور عثمان الذي كان له الفضل في الوصول إلى الشيخ المشار إليه سابقا و تلاميذه و تواصلت عن طريقه بعمي الشيخ محمد الأخضر رحمه الله الذي كان في ذلك الوقت مستقرا في ” أكرا ” عاصمة “غانا ” و مسؤولا عن نشاطات الدعوة و الإغاثة التي يشرف عليها المنتدى الاسلامي في غرب إفريقيا.
التفكير في تكوين تنظيم مسلح جديد
عندما وصلت إلى غانا كنت في وضع لا أحسد عليه من التعب و الإرهاق إلى درجة أن عمي لم يعرفني في المطار إلا بعد أن قدمت نفسي له. فأكرم وفادتي و هيأ لي من أسباب الراحة ما ساعدني على استعادة حيويتي، فقضيت أسابيع طويلة في شبه خلوة تامة في جمع شتات أفكاري و مراجعة ما مر بي من الأحداث و إعادة ترتيبها ثم تناولتها بالدراسة من جميع الجوانب و ناقشت ما أشكل علي منها مع عمي رحمه الله و استعنت فيما له علاقة بالشرع بابن عمي و أخي عثمان و تابعت ما استجد من الاحداث من مصادر موثوقة.
و بعد استنفاذ الجهد في النظر و المهلة في الوقت انتهيت إلى أن الحق في هذا الأمر لا يخرج عن خيارين. أولهما و أولاهما هو تشكيل جبهة مسلحة جديدة تحمل مشروعا مستقلا للإصلاح وتتعاون مع كل الخيرين من أبناء الجزائر لرد الأمور إلى نصابها. تنطلق من الجنوب و تقدم السلم على الحرب. و آخرهما هو الاعتزال و الاكتفاء بالنصح إلى أن تتهيأ الظروف المناسبة للمساهمة في أي مسعى جاد لإنهاء الأزمة . و شرعت فعلا في العمل بالخيار الأول و قطعت فيه شوطا تجاوز الجانب النظري. حيث قمت بتحريات و اتصالات نتج عنها اقتناع بعض الجماعات المسلحة النشطة في الداخل بالفكرة و تم التفاهم مع بعض الإخوة على مساعدتي ماديا في إطلاق المشروع و لكنني فوجئت لحظة الوفاء بالوعد أن البقية الباقية من المسلحين الاسلاميين لا صبر لهم على التخلاط و السلوك الملتوي. و أصبح واضحا عندي أن بداية هذا الخيار يجب أن تمر على تأمينه من الداخل مما يعني أن علي أن أخوض معارك طاحنة لتطهير صفوف الجماعات المسلحة من خلايا التدمير الذاتي التي تنخر جسدها. و قد كان هذا الأمر مستحيلا في ذلك الوقت لأن الشعب الجزائري كان ذاهلا عما يجري حوله و خاصة أنصار التيار الاسلامي الذين كانوا يعلقون آمالا عريضة على الصخب الذي كانت تثيره بعض المنابر الإعلامية من الخارج. و لذلك قررت إسقاط هذا الخيار من برنامجي و تفرغت للعمل بالخيار الثاني.
تواطؤ الجماعة الاسلامية على اغتيالي
كان قراري بمغادرة الجزائر قائما على خيار مسؤول تبنيته بقوة. و كان هذا الخيار قائما على تجنب التورط في سفك دماء الأبرياء بغير حق أو قتل الناس بناء على الشبهة سواء كان ذلك باسم القانون أو باسم الإسلام. و لكنني مع ذلك لم أكن لأمتع المجرمين في الطرفين بالتقرب بذبحي إلى طواغيتهم. فخرجت من الجزائر و أنا على أتم الاستعداد لتحديهم في نزال شريف أذيقهم فيه الموت قبل أن أقتل و بقيت على حذر شديد إلى أن بلغني الله مأمني و كفاني شرهم فله الحمد و الشكر.
و من عناية الله بي أنه قيض لي جنودا من داخل صف الجماعة المسلحة لم تكن لي بهم صلة أبدا. فقد جاءت تعليمات جمال زيتوني أمير الجماعة الاسلامية لعامله الجديد على الصحراء مختار بلمختار بتدبير عملية اغتيالي. و صدرت التعليمات لعناصر الجماعة المنتشرين في موريتانيا و مالي و النيجر و بركينافاسو باستدراجي لتنفيذ حكم الإمارة. و بدلا من فعل ذلك تم الاتصال بي لتحذيري من التعليمات الجديدة و أسماء المتحمسين إليها من العناصر المتواجدة في المنطقة. فقد اتصل الأخ (م) في اللحظة التي صدرت فيها التعليمات بكل من يثق فيه من معارفي لتحذيري كما بعث لي الشيخ حسن رحمه الله رسولا (ح.ب.ب) يحذرني من القدوم إليه بعد أن كنا متفقين على اللقاء في النيجر للنظر في تطورات الوضع بصفته أعلم الجزائريين يتاريخ العمل المسلح في المنطقة. كما اعترض الأخ (ط.ب.ع) و كان الضابط الشرعي للجماعة في عهد محمود بوطالب على الانحراف الذي وقع في عمل الجماعة و كاد يتعرض للعقوبة لولا فراره و لجوؤه إلينا في غانا ليؤكد لنا تفاصيل ما حدث و يحذرنا مما تدبره إمارته.
و في إطارالتقصي على حقيقة ما يحدث سافرت إلى بركينافاسو حيث استقر (ق.ر) و جماعته بعد اكتشاف أمرهم في موريتانيا و علمت منه أن أحوال الجماعة تغيرت تماما منذ تعيين مختار بلمختار على رأسها و أنه أصبح حذرا في التعامل معهم. و بينما كنت ضيفا عنده وفد عليه أمين خزينة الجماعة (ب.ل) و أخبره بأن عيسى متجه إليه مع 4 من عناصر الجماعة ليطالبوه بتسليمي لهم و إلا قتلونا جميعا لأنهم يعتبرونه قاطع طريق يجب قتله و لكنهم يريدون الاستفادة من خدماته إلى حين فقط. و بعد الحديث معه علمنا أن عددا كبيرا من عناصر الجماعة متذمرون و ينوون التمرد على الجماعة.
حاول (ق.ر) أن يقنعني بمغادرة بوركينا فاسو تفاديا للاغتيال و وعدني بالاتصال مجددا بعد أن يستوفي حقوقه على الجماعة و التي تقدربمئات الآلاف من الدولارات التي اشترى بها أسلحة و ذخيرة للجماعة. و أمام إصراري على البقاء توافقنا على أخذ جميع الاحتياطات الأمنية قبل وصول عيسى و من معه. و جاء عيسى و جماعته و اندهش عندما وجدني جالسا في الغرفة الفسيحة. و قبل أن يستعيد وعيه بادره (ق.ر) قائلا: إسمع يا سي عيسى، الجماعة هنا ضيوف لدي و كلهم مسلحين و إذا تكلم الرصاص فلن يخرج أحد من هذه الغرفة حيا. فخلي جماعتك يقعدوا ترانكيل و إذا عندكم كلام قولوه بأفواهكم. فاضطرب عيسى و رد عليه قائلا: نحن جئنا لنتكلم معك. قال (ق.ر): جماعة من عندكم موجودين خارج الغرفة و سي أحمد ها هو أمامك و جماعتي يحيطون بالبيت و نحن على علم بكل ما حصل و ما ينفع غير الصح فاتركوا السلحة جانبا و تحدثوا. فوضع كل واحد سلاحه قريبا منه و جلسوا. و قبل ان يبادرني عيسى بالكلام قلت له: إسمع يا عيسى! أنا لن أتحدث عن خالدا و انصياعه لأمرائه لأنه لا يعرفهم و لا يعرف حتى ضحاياه، و لذلك فهو يتصرف كالآلة. أما أنت فما هو عذرك؟ ألا تعرفني؟ ألا تعرف السائق المنيعي المسكين الذي كان يشتغل في سونطراك قبل أن تولد أنت و خالد؟ ألا تعرف أنه كان لا يخطئ صلاة الجماعة في المسجد في الهواجر بينما كنت أنت تسطو على بساتين المشماش و لا تعرف للقبلة وجهة؟ بماذا تلقى الله بعد أن يتمت أولاده؟ كيف تخدع محمود و الطالب وأنت تعرف أنهم أهل دين و جاه في قومك و تثق في خالد و زيتوني الذين لا يعرف عنهما أحد شيئا. ألا تستحي أن تتآمر مع أميرك على اغتيالي أنا يا ولد (ح)؟ قل لخالد الذي عجز الجيش الجزائري أن يلتقط له صورة بإن ولد الشرفاء قادر على قتله دون عناء السفر إليه و مع ذلك لن أشرفه بذلك.
قاطعني عيسى عدة مرات محاولا إقناعي بأن ما وقع سوء تفاهم و أن القضية تتجاوزهم و لكنني تجاهلت تعليقاته المحتشمة و أنهيت كلامي إلى آخره ثم قلت له: أتريد أن أدخل عليك من يشهد عليك في وجهك؟ قال: من؟ قلت: (ب.ل). عندها غضب غضبا شديدا و قال: إذا دخل علي ذلك الخائن سأقتله. و ليكن ما يكون…قلت: ألم تدع أن ذلك سوء تفاهم؟ قال: أقصد أن سوء التفاهم وقع على مستوى القيادة. و أرجو أن تعتبر ما سمعته بشأن التآمر عليك يا سي أحمد غلطة و الدنيا راها مخلطة علينا من كل جهة. قلت: بل أنا أخبرك بأن إمارتكم تنفذ مخططا دقيقا وضعته المخابرات الجزائرية و لم يبق من المحكوم عليهم بالتصفية غيري. قال: هذا غير معقول يا سي احمد و على كل حال نحن لا دخل لنا في كل هذا. و سامحني لأنني أريد الحديث مع (ق.ر) و العودة إلى جماعتي لأنهم ينتظرون خارج “واقادوقو”. و انتهى حديثي معه عند هذا الحد لأنني اغتنمت فرصة حديثه مع (ق.ر) و انطلقت عائدا إلى غانا.
و لم يطل يطل بي المقام في غانا حتى وصلني خبر اغتيال جمال زيتوني بعد افتضاح أمره و انضمام خالد إلى عنتر زوابري و تشرذم جماعته. و كان من بين من تمرد عليه عيسى الذي هرب بسيارة ميدانية من نوع تويوتا كروزر و لكنه اعتقل من طرف الدرك في طريقه إلى واقادوقو و لم يجد من ينقذه غير (ق.ر) الذي تواطأ مع خالد على مصادرة أمواله باعتباره قاطع طريق.
و الأطرف من هذا أن مختار بلمختار اتصل بي بعد أن غادرت إفريقيا ليقول لي: أنا و جماعتي تحت تصرفك أنت تأمر و نحن ننفذ. و كان جوابي: أنا رجل منتصر للحق و متأكد بأن طريقي غير طريقكم. فإن عدتم إلى الحق فسنلتقي حتما عند نقطة الوصول و إن كنتم غير ذلك فلا شأن لكم بي.
و أنا أشرت إلى الأسماء بحروف منها تحفظا. و لكن من حق أصحابها أن يفصحوا عن أنفسهم إن أرادوا لأنهم مازالوا أحياء يرزقون و بالحرية ينعمون و بين أجهزة الأمن يتجولون باستثناء مختار بلمختار الذي مازال أهل الخبر و الشروق معه يتفاوضون.
خيار اللجوء إلى بريطانيا
بعد أن استقر الرأي عندي على اعتزال الصراع الدموي في الجزائر حددت وجهتي بعد دراسة و استشارة معمقتين، و وقع اختياري لدار الهجرة على بريطانيا. كان يمكن أن تكون فرنسا لولا اعتقادي الراسخ بأن فرنسا هي مصدر الداء في كل ما يحصل في الجزائر. و لكنني غير مقتنع بجدوى اللجوء إلى أي دولة أخرى غير هتين الدولتين دون حمل السلاح ؛ و هو ما هاجرت من بلادي لتجنبه أصلا. و لذلك استصدرت جواز سفر أصلي بناء على جنسيتي المالية و طلبت تأشيرة عمرة من السفارة السعودية بغانا و حجزت تذكرة ذهاب إلى جدة عبر اثيوبيا في شهر اكتوبر 1997 و تذكرة عودة إلى باماكو عبر لندن. و بعد أن تمتعت بأول عمرة في حياتي و قضيت أياما لا تنسى في مدينة الرسول صلى الله عليه و سلم مع إخوتي و أبناء عمي و بعض الرجال المحبين الجزائريين و السعوديين أحسن الله إليهم جميعا، سافرت إلى لندن ليلة 27 ديسمبر 1997 و بدلا من إكمال الرحلة خبأت جواز السفر في سقف احد المراحيض و طلبت اللجوء في بريطانيا.
كان طلب اللجوء امتحانا عسيرا علي. و كنت أقوم به و كأنني آكل جيفة يشهد الله. و كنت عصبيا مع ضابط الهجرة الذي استجوبني لأنني ما زلت أستصحب مشاعر المواطن الجزائري المشحون ضد كل ما هو أجنبي خاصة و أنني لم أغادر الجزائر طوال حياتي. فكان أول ما بادرت به المترجم قبل ان يسألني الضابط هو: قل لهذه الضابطة بأنني أطلب اللجوء في إطار قانون الأمم المتحدة تجنبا لإراقة الدماء في بلدي و لا أقبل أي مساومة خارج هذا الإطار. فإذا كانوا يريدون ابتزازي كضابط في الجيش فلا يتعبوا أنفسهم معي و لا اطلب منهم سوى إرجاعي من حيث أتيت. و كان جواب الضابطة كالماء البارد على نفسي عندما قالت: أنت لست مجبرا على الإجابة على أسئلتي و لكن القانون يلزمني أن أطرح عليك الأسئلة و أكتب إجابتك كما هي و سأقرأها عليك قبل أن تصادق عليها فإن أحسست بالحرج من التوقيع على المحضر فلست مرغما على فعل ذلك. و كل ما أنت مطالب به هو المصادقة على أنك فهمت ما شرحته لك الآن قبل بدء الاستجواب.
كانت هذه البداية كافية لاقتناعي بأن الفرق الحقيقي بيننا و بين القوم ليس في الصناعة و التكنولوجيا و إنما في التربية المدنية لمستخدمي الدولة أولا و قبل كل شيء و كنت مقتنعا بأنني سأحصل على اللجوء دون الحاجة إلى اللف و الدوران و كان العائق الوحيد الذي تسبب في تأخر ذلك هو إثبات شخصيتي حيث لم تكن لدي أي وثيقة رسمية تثبت هويتي الحقيقية التي تكلمت عنها لأن كل وثائقي العسكرية صودرت من طرف المخابرات كما أن وثائقي المدنية بما فيها شهاداتي محفوظة في وزارة الدفاع منذ التحاقي بالجيش سنة 1978. و لذلك ما أن تمكنت من إثبات هويتي حتى حصلت على اللجوء السياسي الكامل و استفدت من حقي في جمع شمل العائلة الذي يكفله القانون لي. و هنا حصل ما يستحق الذكر للاعتبار أيضا.
كان لا بد من الاحتيال على منقذي الجمهورية الجزائرية حتى يتمكن أولادي الأبرياء الذين رفع الله عليهم القلم من مغادرة الجزائر. فحصلوا على جوازات سفر من غير دائرة سكنهم بمساعدة مومن من آل فرعون و على تأشيرة عمرة بتوصية من سيد سعودي صاحب نخوة و تم تمريرهم عبر حاجز شرطة المطار بتوصية من طرف طيار من أهل المروءة. كل ذلك حتى لا يعلم حراس دولة العزة و الكرامة بأن هناك 3 أطفال جزائريين لم يتجاوزوا العاشرة مع أمهم الجزائرية متوجهون إلى لندن للقاء أبيهم الجزائري.
و وصلوا إلى السعودية و تقدموا لطلب التأشيرة من السفارة البريطانية فرحبت بهم و لكن اعترضها إشكال قانوني لأن عائلتي غير مقيمة في السعودية و لا يمكن استصدار تأشيرة منها لغير المقيمين. فهل اعتبر القنصل أن واجبه ينتهى عند رفض التأشيرة ما دام طالبوها لم يستوفوا الشروط؟ كان يمكنه فعل ذلك بحجة احترام القانون البريطاني و ما أدراك ما القانون البريطاني. و لكنه لم يفعل ذلك يا سعادة السفراء و القناصلة العرب بل دفعته إنسانيته لما اطلع على وضع العائلة إلى الاتصال بالسفير البريطاني الذي اهتم بالموضوع و تابعه خارج وقت عمله و وظف كل التفاصيل في القانون البريطاني و أجرى اتصالات مع سفراء و قناصل آخرين إلى أن وجدوا الصيغة القانونية المناسبة التي تحافظ على هيبة القانون و قداسته و تحل المشكلة التي يعاني منها أطفال لا ناقة لهم و لا جمل في شؤون الأمن و السياسة. لقد استعان في معالجة الموضوع بسفراء و قناصل و محامين حتى خارج وقت العمل لأن أولادي الجزائريين و ليس البريطانيين محاصرين بتأشيرة العمرة التي لو انتهى أجلها لتم ترحيلهم من بلاد الحرمين دون رحمة و لا مراعاة لمعاناتهم. إنني لم أكن مسؤولا بريطانيا و لا صاحب مال و لا جاه في بريطانيا بل كنت لاجئا لم أحصل بعد على عمل و لكنني مع ذلك لم أكن في حاجة إلى رشوة أحد أو التوسل إليه كما أن أولئك المسؤولين لم يتذرعوا بإنسانية القضية لخرق القانون و لكنهم اجتهدوا كمسؤولين و بذلوا الجهد المطلوب في إطار القانون الذي يجعل من القانون نفسه وسيلة لتحقيق المصالح و دفع المفاسد و ليس عائقا للمصلحة و ذريعة للمفاسد كما هو الحال في جمهورية نزار خالد.

———-

ـ 14 ـ
الأزمة الجزائرية
شاهد من قلب الأحداث
بقلم : النقيب أحمد شوشان | الجمعة 12 فبراير 2010
الفصل الخامس
ملاحظة:
في هذا الفصل بعض الاستطرادات والتعليقات على يومياتي منذ وصلت إلى بريطانيا سقتها من باب التوضيح من موقع المتأمل في الأحداث وليس من موقع الشاهد عليها أرجو الانتباه إليها.
الجزء الأول
أول درس في بريطانيا
عندما وطئت قدماي أرضية مطار هيثرو بلندن لم يكن في وجداني العميق أي مكان للوطن الذي يعيش فيه الشعب البريطاني. فالصورة التي تشكلت عندي من خلال الثقافة الوطنية التي اكتسبتها منذ ولادتي هي للمملكة البريطانية الخرافية التي لم تكن الشمس تغيب على أمبراطوريتها؛ بريطانيا الإقطاعية التي تستعبد الشعوب المستضعفة وتدوس على كرامتها بدون رحمة ولا شعور إنساني؛ بريطانيا الاستعمارية المتسببة في مآسي الشعب الفلسطيني والشرق الاسلامي ودول إفريقيا…..الضمان الوحيد الذي جعلني أختارها كبلد للجوئي هو السيادة التي تتمتع بها كدولة وكشعب وخصومتها التاريخية مع فرنسا؛ كنت متأكدا – أو هكذا بدا لي على الأقل – بأن بريطانيا إذا سمحت لي بالإقامة على أرضها كلاجئ سياسي فإن سلامتي أصبحت مرتبطة بسيادتها الوطنية التي لا تساوم عليها كدولة عظمى لها مؤسسات عريقة في السيادة على قراراتها. وكان هذا بالنسبة لي ثاني انتصار أحققه على الدوائر المجرمة في الجزائر بعد أن تمكنت من تجنب التورط في الحرب القذرة التي دفعت إليها أغلبية الشعب الجزائري وعلى رأسها عشرات الآلاف من زملائي الضباط في مؤسسة الجيش وملحقاته الأمنية (الدرك والمخابرات و الشرطة).
الهاجس الأول الذي كان يسيطر على تفكيري هو احتمال مساومتي من طرف المخابرات البريطانية بصفتي ضابطا في القوات الخاصة متهما بتدبير انقلاب في الجزائر. والهاجس الثاني كان فرضية احتوائي من طرف تنظيم سري محسوب على الإسلاميين تراقبه مخابرات دولية ينتهي بتوريطي في قضايا لا ناقة لي فيها ولا جمل. ولذلك فقد أكدت لضباط الهجرة الذين استجوبوني بأنني أرفض رفضا قاطعا أي مساومة على مهمتي كضابط سابق في الجيش الجزائري كما طلبت منهم تحديد المدينة التي يمكنني العيش فيها بعيدا عن الشبهات مقابل تحملهم كامل المسؤولية على علاقتي بالمحيط الاجتماعي الذي سأعيش فيه لمدة ستة أشهر على أقل تقدير، يمكنني بعدها أن أرتب علاقتي بالناس على بينة من أمري وأتحمل المسؤولية على ما يترتب على ذلك. وقد كان لي ما أردت وتم تحديد إقامتي في مدينة ليفربول التي وصلت إليها ليلة السبت 29 نوفمبر 1997.
عندما وصلت إلى محطة نقل المسافرين في ليفربول بعد منتصف الليل وجدت في انتظاري شابا لاجئا من أكراد العراق نقلني بسيارته إلى شقة مفروشة من ثلاث غرف في الطابق الثالث. وعندما أصبحت وجدت صاحبة العمارة في انتظاري. إنها كردية مطلقة أم لولد من أحد أمراء الخليج العربي لم تتجاوز26 سنة تملك 3 عمارات من 14 طابقا وعقارات بالملايين في مدينة ليفربول وحدها عدا ما تملكه في لندن…. من حق القارئ أن يتساءل عن علاقة هذا الكلام بشهادتي على الأحداث في الجزائر، ولكنني أعتقد أن مشكلتنا في الجزائر وفي العالم العربي كله هي في الحصار المضروب على المواطنين وفي سياسة التجهيل والتضليل التي مورست عليهم إلى درجة لم تتسبب لهم في التخلف فحسب بل جعلت شعوبنا تعيش خارج عصرها تماما. فلا يمكنني أن أرى ما تملكه هذه المطلقة الوافدة على بريطانيا دون أن يمتلئ الأفق أمامي بصور ملايين الكرديات اللاتي يعشن البؤس في أحراش كردستان ولا أتصور أن كردية أو عربية مثلها ستتمتع في دولة كردستان القومية أو في أي دولة أو إمارة عربية بما تتمتع به هذه المطلقة المجهولة في بريطانيا. وإذا علمنا بأن 60% على الأقل من سكان ليفربول البريطانيين الأصليين لا يملكون الشقق التي يسكنونها فإننا سنرى بوضوح معنى أن تكون مقيما في بلد مثل بريطانيا. فما تملكه هذه المطلقة الوافدة لم ولن يجعلها مواطنة من درجة أولى كما أن عدم قدرة البريطانيين الأصليين على شراء مساكنهم لن يحولهم إلى مواطنين من درجة ثانية لأن المقيم في بريطانيا يتمتع بالحقوق الأساسية الغير قابلة للمراجعة من طرف أي حاكم والتي تضمن له العيش بكرامة كإنسان بغض النظر عن جنسه وعنصره أو وضعه الاجتماعي والمدني ثم يبقى مجال التنافس خارج هذه الدائرة المحمية بشرعية المواطنة مفتوحا للجميع حسب ما توفر لديهم من إمكانيات مادية ومعنوية في إطار ما تسمح به القوانين المتجددة باستمرار. والشاهد فيما تقدم هو أن المواطن العربي عموما والجزائري بصفة خاصة تعرض إلى عملية ترويض قسرية سببت له تبلدا في الإحساس إلى درجة أنه فقد الشعور بقيمة المواطنة وما تقتضيه من فرض الوجود في واقع الحياة وواجب الدفاع عن ذلك الوجود بجميع السبل الممكنة. فالمواطن الجزائري اليوم يتصرف في بلده كمهاجر غير شرعي لدى السلطة التي احتلت بلاده؛ فهي التي تحدد نوعية إقامته حسب ما تقتضيه ظروفها؛ فهذه السلطة المجرمة تمنح وسام الأثير في حالة الرضى على بعض المواطنين حتى ولو كانوا أنذل الأنذال في منطق العقلاء فيصدق المساكين أنهم أصبحوا حكماء من أهل الفضل والرأي ويفرحون بذلك في بلاهة تستدعي الشفقة عليهم كما يتظاهرون بالفرح عندما تتيح لهم هذه السلطة فرصة التصفيق والصياح بشعارات الوطنية بمناسبة مباراة في كرة القدم أو تدشين مرفق اجتماعي طال انتظاره. وهي ذاتها السلطة التي تلبس الشرفاء جلباب الخيانة والجريمة والإرهاب وتمنعهم من التعبير عن معاناتهم سلميا إن سخطت عليهم حتى ولو كانوا أوفى من الوفاء للوطن فيبتئسون لذلك ويحزنون ويستكينون للأمر الواقع دون أن يفكروا في الدفاع عن أنفسهم حتى بالأساليب التي تقرها الضباع والذئاب في عالم الحيوان وكأن هذه السلطة أصبحت الرب الذي لا راد لقضائه عن هذا الشعب. فجرى قدرها عليه فتحول في أقل من عشرية من شعب يطمح إلى مزاحمة الكبار في ركب الحضارة إلى لئام تتزاحم على موارد الانتحار.
إن حب الوطن والإخلاص له لا يكتمل إلا إذا أحسسنا إحساسا كاملا بالإرتباط الوثيق بين واجب الإلتزام الطوعي نحو الوطن من جهة وحق التمتع بالمواطنة الكاملة فيه دون الحاجة إلى قانون ولا تزكية من أحد كائنا من كان من جهة أخرى. هذا الإحساس الذي يرسخ في وجداننا قيم الفضيلة ويوقد فينا شعلة الكفر بكل أشكال المساومة على مواطنتنا ويزودنا بالقوة المتدفقة اللازمة للصمود في وجه الخونة والمفسدين في الأرض ومحاربتهم والقصاص منهم حتى ولو تجلببوا بالأعلام الوطنية وتعلقوا بعرصات مقام الشهيد أو دفنوا في مقبرة العالية مع شهداء ثورة التحرير المجيدة.
إن الشعب البريطاني بشر مثلنا يمشون على رجلين وينظرون بعينين ويتكلمون بلسان وشفتين يأملون و يتألمون مثلنا ويأكلون ويشربون ويموتون مثلنا تماما. ولكنهم شعب سيد لا يقبل الاستعباد من أحد كائنا من كان. لقد جعلوا المواطنة محمية محرمة غير قابلة للاختراق يتحصن فيها المواطن البريطاني ومن كان في حكمه من ضيوف المملكة المتحدة وليس من حق أي إنسان أن يستبيح حرمتها تحت أي مبرر لأن ذلك يعتبر اعتداء على سيادة هذا الشعب واستقلاله… إن حكام بريطانيا كلهم وبدون استثناء موظفون لدى شعبهم ومكلفون بخدمته والسهر على أمنه وتوسيع محمية المواطنة بترقية الحقوق الأساسية للإنسان البريطاني؛ فمن كان من هؤلاء المواطنين المستخدمين في مؤسسات الدولة قادرا على الوفاء بما تتطلبه الوظيفة قلده الشعب صفة الحاكم وجازاه على حسن الأداء بالتكريم الذي يليق به. أما من لم يكن جديرا بذلك فإنه سيجرد من تلك الصفة ويحاسب على التقصير باسم الشعب صاحب السيادة والسلطان. أما الحاكم فله أن يكرم من يشاء باسمه الشخصي ومن ماله الخاص حتى ولو كان شاذا ولكن دون أن يضفي الكرامة على السفهاء والأنذال باسم الشعب أو الدولة خارج قيمها الوطنية. لقد تابعت مناسبات تكريم باسم الدولة البريطانية ورأيت كيف يمجد العلماء والباحثون والمسؤولون الذين ساهموا بجهد مفيد في خدمة وطنهم ومجتمعهم. ورغم أن هذه الدولة علمانية ليبرالية تقدس الحرية الشخصية وتشجع الفن بدون قيود إلا أنني لم أسمع بتكريمها لفاسق أو فاسقة في عرف المجتمع البريطاني فضلا عن منحه وساما وطنيا لم يمنح حتى لشهداء ثورة التحرير.
فما الذي يمنعنا من الإقتداء بهدا الشعب في هذه الخصلة الانسانية المحمودة. و أنا هنا أتكلم عن العلاقة بين البريطانيين كشعب تربطه وحدة المصير رغم تعدد أعراقه وثقافاته ولست بصدد الكلام عن السياسة الخارجية البريطانية التي تحكمها اعتبارات أخرى.
فهل يعقل أن يثمن مواطن بريطاني مثلا موقفي كضابط في الجيش من الحرب القذرة التي أعلنتها القيادة العسكرية على الشعب الجزائري في الوقت الذي يتزاحم فيه الآلاف من أبناء وبنات الشعب الجزائري المطحون للخدمة كجنود لدى هذه القيادة الإقطاعية فيساهموا بذلك في توسيع دائرة الخصومة ويعمقوا الشعور بالحقد والكراهية بين أبناء الشعب الواحد؟… إن هذا الخلل في تعاطي شعبنا مع قيمة المواطنة كان له أثر كبير على تداعيات الأزمة السياسية التي عصفت بالجزائر منذ سنة 1992 وانتهت بها إلى التسيب العام سنة 2009 رغم محاولات التقويم الترقيعية التي قامت بها السلطة بعد فقدانها للسيطرة على مجريات الأمور. ولذلك فإنه لا يمكن بحال من الأحوال النهوض بالجزائر إلا إذا تم إصلاح هذا الخلل الخطير… وهو أمر ممكن إذا استثمر كل مواطن منا ما يتمتع به من قوة معنوية قد يكون وهو في غفلة من ضميره يوظفها في الاتجاه الخطإ. ولا بأس في هذا المقام أن أرفع الستارعن مشهد من واقع الحياة التي عشناها للتأمل فيه في هذا الزمن الذي تفشت فيه الرداءة والفساد، لعل الأجيال القادمة تستفيد منه.
لقد كنا ضباطا برتب مختلفة في الجيش ولم يكن الكثير منا يملك سيارات ولا منازل في الوقت الذي كان بعض ضباط الصف الذين كانوا غسالين عند زوجات بعض القيادات الفاسدة يملكون أفخم السيارات ويتاجرون في سوق العقار؛ وكنت أنا شخصيا عندما أسافر في الحافلة أستحي من المواطنين عندما يجلسني السائق في المقعد الأول احتراما للرتبة التي أحملها وغالبا ما كنت أتنازل عن المقعد لغيري وأفضل السفر واقفا لأن ذلك يشعرني بالارتياح رغم طول المسافة بين الجزائر العاصمة والقرارة. لقد كنت أرى أن الحل ليس في تكريس هذه الطبقية بين الجزائريين ولكن في ترقية مستوى الأداء في تسيير مؤسسات الجيش الوطني الشعبي بما يضمن لضباطه وجنوده الحد الأدنى من الكرامة بعيدا عن حقوق باقي المواطنين. لقد كنا نتقاضى مرتبا يكفينا لاقتناء سيارات بالتقسيط على الأقل ولكننا كنا نقتسم مرتباتنا مع المرؤوسين من جنود الاحتياط في الكتائب التي نقودها والذين لم توفر لهم قيادة الجيش في ذلك الوقت ثمن السفر أثناء الخروج في إجازة. كنا نفعل ذلك تطوعا واستجابة لشعور الأخوة الوطنية التي تربطنا بهؤلاء المرؤوسين الذين من حقهم الذهاب في إجازة ومن واجب الجيش كمؤسسة أن توفر لهم ذلك. ولكن إخلال المؤسسة بواجبها لم يكن يبرر في تصورنا للأمور التخلي عن مساعدتهم للإستفادة من إجازتهم حتى ولو كان ذلك على حسابنا وخارج ما يلزمنا به القانون كضباط. ولكننا في المقابل كنا إذا تم تحويلنا من مدينة إلى أخرى في إطار الخدمة العسكرية نستأجر شاحنة ننقل فيها أمتعتنا وكنت إذا وصلت إلى مقر عملي الجديد قصدت الحي العسكري الأقرب إلى الثكنة وبحثت عن أي شقة فارغة ودخلتها مع عائلتي دون انتظار الإذن من أحد ثم التحقت بعملي. وعادة ما يتسبب هذا السلوك مني في زوبعة يقيمها ضابط الشؤون الاجتماعية وبعض القيادت على مستوى القطاع العسكري للمنطقة ولكنها تنتهي بالتسليم للأمر الواقع تفاديا لما هو أعظم… وأنا بهذا السلوك أوفر على نفسي وقتا ثمينا أقضيه في القيام بمهامي الجديدة فور وصولي وأوفر على نفسي عناء البحث عن الضباط المخمليين المسؤولين عن هذه الخدمات والتجول بين مكاتبهم كالمتسول على أبواب البخلاء وفي نفس الوقت أحدد طبيعة العلاقة بيني وبين القائمين على هذه المصالح التي كنت اعتبرها بؤر فساد. فأنا من حقي أن أسكن وما دام السكن موجودا فمن واجبهم أن يقوموا بالإجراءات الإدارية اللازمة التي لا أقبل أن تؤخرني عن الالتحاق بعملي تحت أي مبرر حتى ولو كان قانونيا. وما دمت لا أفعل ما أفعل في إطار البزنسة والاعتداء على حق الغير فأنا واثق من أن هذه الشراذم البيروقراطية الجائعة لن تستطيع فعل شيء يقلقني. وهذا ما ينبغي على العاملين في الإدارة الجزائرية اليوم وفي كل مؤسسات الدولة أن يفهموه فلا يحاولوا أن يتخذوا من وظائفهم ذريعة لابتزاز المواطنين الشرفاء الذين هم في الأصل مسخرون لخدمتهم.
واليوم، رغم قطعي لحبل الرجاء في توبة من كانت بأيديهم مقاليد الأمور لأنهم اختاروا طريق الانتحار لهم ولنسلهم من بعدهم، فإنني أبعث بهذا النداء لأولئك الضباط الذين عرفتهم وخبرت معدنهم الطيب والذين عاشوا معاناة أبناء الجزائر البسطاء في صفوف الجيش الذي هو الصورة المصغرة للمجتمع الجزائري أن يردوا الاعتبار لتلك المشاعر الوطنية الأصيلة التي كانوا يتحلون بها والتي عملت على استئصالها العصابة المارقة بقيادة اللواء نزار خالد منذ سنة 1992 وأحثهم على بذل الجهد في توسيع دائرتها إلى باقي مؤسسات الدولة عسى أن يعود للجزائر توازنها الذي سيمكن أبناءها المخلصين من النهوض بها من الكبوة المميتة التي أصابتها. وبقدر ما تهاوت القيادة العسكرية السابقة في دركات الخيانة والجريمة والفساد بقرارها الآثم سنة 1992 فإن أمام الجيل الجديد من القيادة العسكرية فرصة للإرتقاء في سلم الفضيلة والنزاهة والوفاء للوطن ومن الحماقة تضييعها بالمراهنة على التخندق في بيت العنكبوت الذي يتواجدون فيه منذ إقحامهم في الحرب القذرة التي ستعود الكلمة الأخيرة فيها للمواطنين المخلصين للجزائر عاجلا أو آجلا إن شاء الله رغم أنف المدافع والطائرات والتعاون مع الحلف الأطلسي وروسيا والصين.
قضايا اللجوء في بريطانيا
بعد أن استكملت إجراءات الإقامة في مدينة ليفربول أبلغت بأنني ممنوع من العمل ولكن مصلحة الضمان الاجتماعي ستتكفل بتسليمي منحة أسبوعية لتغطية مصاريفي اليومية وبدفع مستحقات السكن والدواء والمحامي كما أنني معفي من الضريبة البلدية وأن من حقي التسجيل في معهد أختاره بنفسي لدراسة اللغة الانجليزية على حساب الدولة. وفيما عدا الإستجابة لدعوة مصالح الهجرة عند الطلب فإنني أتمتع بكامل الحرية التي يتمتع به أي مواطن بريطاني رغم أن إقامتي مؤقتة…
اتصلت بوكالة محاماة قريبة من مقر سكني وعرضت قضيتي على الأستاذ المشرف عليها وكان ضابطا سابقا في الهجرة وصاحب خبرة طويلة في المحاماة وطلبت منه أن يختار لي مترجما عربيا قادرا على ترجمة ما أقوله بدقة، فعين لي مترجما من أصول يمنية بقي معي إلى نهاية المطاف كما عين محامية للتواصل معي ومتابعة ملفي عن كثب. والغريب أنني عندما عرضت عليه المحاور الأساسية في القضية قال لي: أنا لا أحتاج إلى بذل جهد في قضيتك لأن شروط حصولك على صفة اللاجئ السياسي متوفرة بقوة ولكن المطلوب منك هو توفير الدليل المادي الذي يثبت هويتك كبطاقة هوية أو رخصة سياقة وكذلك شهادة من أي جهة معروفة تثبت علاقتك بأي فصل من فصول المأساة التي عشتها. وقد استغرق مني ذلك وقتا طويلا لأن كل وثائقي المدنية كانت محفوظة لدى وزارة الدفاع بالجزائر منذ انخراطي في الجيش سنة 1978 أما وثائقي العسكرية فقد صادرتها مديرية الأمن العسكري بعد اعتقالي سنة 1992. ومع ذلك فقد تمكنت من الحصول على صور تذكارية من أرشيف الاكاديمية العسكرية لمختلف الأسلحة كنت أقدم فيها عرضا لميدان التكوين الخاص لوفد عسكري أردني عراقي زار الجزائر سنة 1991 ومنها صور مع الوفد الذي ترأسه وزير الحربية الأردني والعميد محمد العماري والعميد غدايدية وصور ثنائية مع العميد قائد القوات الخاصة الأردني. أما الشهادة فقد سلمتني منظمة العفو الدولية وثيقة تثبت أن المحامي بشير مشري أخبرها عن عملية اختطافي من سجن الحراش من طرف المخابرات في الوقت الذي كان وفد من هذا المنظمة على وشك اللقاء بالرئيس ليامين زروال وقد رفعت المنظمة في وقتها مذكرة احتجاج كتابية لدى الرئيس الجزائري تم على إثرها إطلاق سراحي. كما أن وكالات الأنباء كلها تكلمت عن عملية الاختطاف. وبتوفير هذين العنصرين تم منحي حق اللجوء السياسي والإقامة الدائمة في بريطانيا بعد 18 شهرا من الانتظار.
وبعد استكمال كل الإجراءات استأذنني المحامي في التعامل مع قضيتي كدراسة حالة تقدمها المحامية المتابعة لملفي كبحث علمي لنيل شهادة الماجستير فأذنت له. وهنا بدأت مشوارا جديدا في تتبع مضاعفات الأزمة الجزائرية التي تعدت آثارها حدود الجزائر.
ومما علمته هو أن أكثر من 70% من قضايا اللجوء في بريطانيا قدمها جزائريون معارضون للمشروع الإسلامي أصلا. حيث أن أسباب اللجوء المقدمة هي الخوف من الإرهاب الذي يمارسه الإسلاميون وعجز السلطة في الجزائر عن حماية مواطنيها زيادة على نسبة لا بأس بها من التذرع بالقضية البربرية. وفعلا رغم بقائي في ليفربول 18 شهرا فإنني لم ألتق إسلاميا واحدا فيها رغم وجود نادي محسوب على الجزائريين مشهور لدى أجهزة الأمن بليفربول كوكر للجريمة المنظمة وتهريب المخدرات والأسلحة عبر المحيط الأطلسي. و لم أستوعب ما علمته في ليفربول إلا بعد أن انتقلت إلى برمنجهام ولندن لأتأكد من أن أغلب الإسلاميين الموجودين هناك في الحقيقة إما مقيمين غير شرعيين أو مقيمين بوثائق فرنسية. والحقيقة أنه باستثناء جماعة يعدون على الأصابع فإن أغلب المحسوبين على المشروع الاسلامي لم يهتموا بطلب اللجوء إلا بعد أن يئسوا من إمكانية العودة إلى الجزائر كما أن أغلبية الاسلاميين المعروفين اليوم لم تكن لهم علاقة بالمشروع الاسلامي في سنوات التسعينات. ولو عدنا إلى تاريخ استفادة الجزائريين من اللجوء لوجدنا أن أغلب الاسلاميين رغم سابقتهم في الهجرة إلى بريطانيا فإنهم لم يستفيدوا من حق اللجوء إلا بعد سنة 1996 عندما تعرضت المناطق السكنية للاسلاميين في الجزائر إلى مجازر رهيبة لا تقل وحشية وبشاعة عن عمليات الإبادة الجماعية المصنفة كجرائم ضد الإنسانية. ومنذ ذلك التاريخ أصبح تقمص صفة الاسلامي لدى طالبي اللجوء هي الغالبة وتدفقت من الجزائر موجات من الإسلاميين المزيفين كان الغرض من تسهيل تدفقهم خلط الأمور على مصالح الهجرة البريطانية التي اقتنعت في مرحلة ما بجدية الاضطهاد الذي يتعرض له الاسلاميون في الجزائر.
وقد تزامن هذا التدفق المشبوه مع حملة إعلامية مسعورة قادتها الجرائد الجزائرية المفرنسة بالتعاون مع بعض جرائد الإثارة المحلية في بريطانيا من أجل تشويه سمعة الإسلاميين وإثارة الشبهات حولهم. وفي نفس الوقت ظهرت مراكز للبحث والدراسات في فرنسا وكندا تفرغت لتزويد مصالح الهجرة في العالم عموما وفي بريطانيا خصوصا بتقارير عن الوضع في الجزائر تدفع كلها إلى وضع طالبي اللجوء الجزائريين في خانة الاتهام وتوفر كل المبررات القانونية والموضوعية لرفض طلباتهم كما تدفقت التقارير الكاذبة إلى مصالح المخابرات البريطانية في محاولة لمحاصرة اللاجئين الجزائريين تحت عباءة التعاون الأمني والحرب على الإرهاب.
وقد وجد المحامون الانجليز أنفسهم في مأزق كبير أمام الرفض الجماعي لملفات طلب اللجوء التي تقدم بها الجزائريون. وقد اتصل بي بعض منهم بتوصية من موكليهم الجزائريين طالبين مني المساعدة، ففضلت أن يكون تدخلي أمام القضاء وليس أمام مصالح الهجرة. ولعل مثالا واحدا من تلك التدخلات يوضح الخسة التي تعاملت بها السلطة في الجزائر مع مواطنيها حتى بعد تهجيرهم من ديارهم. كما يجيب عن التساؤل حول إدراج المواطنين الجزائريين في خانة المشبوهين لدى مصالح الهجرة الأمريكية والأوروبية.
المعني بالأمر جزائري مجاهد أشرف على السبعين من العمر، أمي لا يعرف الكتابة ولا القراءة، سجن وعذب وصودرت أمواله سنة 1993 وشرد رغم أن المحكمة الخاصة في النهاية أعلنت عن براءته من التهم المنسوبة إليه. ولكن الحملة التي تعرض لها من طرف الصحافة المفرنسة في الجزائر والتي تتهمه بأنه كان مفتي الجماعة الاسلامية المسلحة التي أعدمت الرهبان الفرنسيين في تبحيرين سنة 1994 والتقارير المصاحبة لها من طرف أجهزة الأمن الجزائرية والتي تتهمه بتكوين جماعة إرهابية في الخارج زيادة على تقارير مركز الدراسات في كندا كانت كافية لأقناع مصالح الهجرة البريطانية برفض طلبه اللجوء ليكون مصيره الترحيل والمحاكمة على أساس التهم الموجهة إليه. ونزل هذا القرار على الشيخ المسكين وعجوزه المنهكة كالصاعقة وأصيبا منذ ذلك الحين بداء السكري ووقعت محاميته في حيرة من أمرها فاتصلت بي من أجل المساعدة بعد أن طعنت في القرار للمرة الثانية دون فائدة… و جاء يوم المحاكمة وكنت حاضرا فيها كشاهد.
فتحت الجلسة وتكلم ممثل النيابة ضابط الهجرة وبرر إصرار مصالح الهجرة على قرار الرفض بحزمة من التقارير نشرها أمامه. وعندما أحيلت الكلمة للدفاع قدمتني المحامية كشاهد لصالح الدفاع وكان القاضي قد استلم كل المعلومات اللازمة عن الشهود قبل موعد الجلسة. فقلت باختصار: السيد رئيس الجلسة أنا لا أريد أن أدخل في مناظرة مع السيد وكيل النيابة ولكنني متأكد من أن المعلومات التي سمعتها لا تمت إلى الحقيقة بصلة لأنني لا يمكن أن أكذب نفسي في أمور عشتها وأصدق ما يقوله مركز دراسات في كندا أو ما يدعيه أناس أنا شاهد على تورطهم في المأساة الجزائرية المحزنة. فهذا الرجل اتهم من طرف الصحافة الجزائرية بأنه كان مفتي لجماعة إسلامية مسلحة وأنا اشهد وأتحمل كامل المسؤولية على شهادتي الآن وفي المستقبل بأن هذا الرجل كان معي في السجن في الوقت الذي وقعت فيه الحادثة كما أشهد عن علم يقين أن هذا الرجل لا يجرؤ على الكلام في أمور الدين مهما كانت بسيطة فضلا عن الفتوى في قضايا الدماء وقد اتهمته المخابرات الجزائرية بتشكيل جماعة إرهابية على الأراضي البريطانية واستصدرت في حقه مذكرة توقيف عالمية بموجب ذلك نيابة عن السلطات البريطانية فهل توصلت المخابرات البريطانية التي تابعت هذا اللاجئ منذ وصوله إلى بريطانيا إلى أي شبهة تؤكد هذه الدعوى؟ إذا كان لدى السيد النائب تقرير أمني بريطاني يتهم هذا اللاجئ فأنا لن أسمح لنفسي بالتعليق عليه. أما إذا كان المعول عليه هو ما تقدم به أمام المحكمة فإنني ألفت انتباهكم سيدي القاضي إلى أن الحملة الظالمة التي استهدفت هذا اللاجئ لا تدع مجالا للشك بأن دوائر أمنية مجرمة تريد إلحاق الأذى به بكل السبل، وعندما تكون التهم الباطلة الموجهة إليه من قبيل اعدام 6 رهبان أبرياء وإنشاء جماعة ارهابية في بريطانيا يمكنكم تقدير حجم التهديد الذي ينتظر هذا الرجل إذا تم ترحيله إلى الجزائر… وجه إلي القاضي اسئلة أخرى متفرقة رسخت لديه الاقتناع بصدق شهادتي ثم توجه إلى ممثل مصالح الهجرة قائلا: هل لديكم تقارير أمنية بريطانية عن هذا اللاجئ تؤكد ما تقدمتم به؟ أجاب الضابط بغيظ اجتهد في كظمه: نحن نتعامل مع مراكز دراسات ذات مصداقية ولها سمعة عالمية في تمحيص المعلومات…. وبكلام رزين مشبع بالثقة فاجأنا القاضي بتدخله الحاسم قائلا: السيد شوشان منح حق اللجوء في هذا البلد من طرف مصالح الهجرة بعد التأكد من صدق ما صرح به في محاضر الاستجواب وقد شهد أمام المحكمة بناء على معايشته للأحداث ولن أسمح لنفسي برد شهادته أمام تقارير صادرة عن مراكز دراسات لم تأخذ شهادته بعين الاعتبار. وانتهت جلسة المحاكمة بقبول الطعن في الحكم السابق والذي لم يكن يعني سوى حصول المعني بالأمر على اللجوء السياسي. ومثل هذه القضايا كثيرة.
والمشكلة الحقيقية التي تدل على أن مؤسسات الدولة الجزائرية بدون استثناء ضربت في العمق فأصبحت أدوات لذبح الشعب الجزائري أن كل هذه الأحكام والتهم المزورة في حيثياتها والمشوهة لسمعة الأبرياء والبشعة في قساوتها وخستها… كلها تصدر باسم العدالة الجزائرية. فعندما يتهم طالب جامعي متميز مقيم في الخارج بطريقة شرعية منذ 25 سنة ومسجل بطريقة رسمية لدى القنصلية الجزائرية ويلتقي في كل المناسبات مع المسؤولين الجزائريين الذين منحوه شهادات حسن السلوك طول مدة إقامته ويشهد له العام و الخاص بحسن الخلق والاستقامة…عندما يتهم هذا الطالب بالمشاركة في معركة دموية وقعت في عمق الصحراء الجزائرية أسقطت فيها طائرة هلكبتر وقتل فيها أكثر من عشرة ضباط سنة 1996 ويحكم عليه بالإعدام غيابيا دون علمه ولا علم أحد من أهله ولا حتى السفارة التي هو مسجل فيها وهو لم يدخل الجزائر منذ غادرها سنة 1991 إلى اليوم. فإن هذا لا يعني سوى شيئا واحدا وهو استباق شرعنة إعدام الأبرياء خارج إطار القانون. مما يدل دلالة قاطعة على أن التعقيدات التي تواجهها المصالحة اليوم تم الإعداد لها من طرف مهندسي المأساة الوطنية على جميع المستويات. فالدوائر المجرمة المتورطة في إراقة دماء الجزائريين ليست مقصورة على اجهزة الأمن وحدها بل إن هذه الدوائر تقاسمت الأدوار القذرة على مستوى جميع مؤسسات الدولة الجزائرية خاصة مؤسسة القضاء والإدارة. وبالتالي فإن المراهنة في تحقيق المصالحة على نفس الأشخاص الأشرار الذين خططوا لهذه المأساة المرعبة ضرب من أحلام اليقظة.
علاقتي بالإسلاميين في أوروبا
و أبدأ هذه الفقرة بتكذيب ما جاء على لسان اللواء نزار خالد في جريدة (الفيجارو) الفرنسية سنة 2002 عندما ادعى بأنني إسلامي ومتطرف وأنني كنت على علاقة بالمتطرفين الإسلاميين في لندن. فأنا رغم اهتمامي بكل ما يتعلق بالقضية الجزائرية إلا أنني لم أرتبط بأي علاقة لا عابرة ولا خاصة مع من يعرفون بالتطرف إلى هذه اللحظة والحمد لله. وقد قامت علاقتي مع الجالية المسلمة منذ وصولي إلى بريطانيا على قاعدة الأخوة الإيجابية والإحترام المتبادل مع الجميع دون التقيد بإطار تنظيمي كان أو فكري.
الإسلاميون الجزائريون في بريطانيا
يمكنني القول وبكل ثقة بأن لكل الجاليات الموجودة في بريطانيا كيانات تجمعها وتعكس خصوصياتها الثقافية والدينية والسياسية باستثناء الجالية الجزائرية بمختلف توجهاتها فهي عبارة عن أفراد متشرذمين لا يجمعهم إطار تنظيمي من أي نوع كما أنهم أتباع لغيرهم في كل شيء، ابتداء من العقيدة التي محلها القلب إلى اللباس الذي يتغير بتغير الأحوال. فأنت تسمع بالشخصيات المشهورة التي توجه الرأي العام للجالية وتقوده على جميع المستويات وتترأس المؤسسات الاجتماعية والثقافية والتجارية وغيرها من الهند و باكستان واليمن ومصر وسوريا والسودان والأردن وفلسطين وليبيا وتونس والمغرب واريتيريا والصومال وجمايكا… ولكن الجزائريين لا وجود لهم خارج الطوابير والتبعية. فهم إما عناصر أكاديمية مستغرقة في خدمة المؤسسات الصناعية والعلمية التي توظفها إلى درجة أنستهم أنهم بشر لهم هوية حضارية أو مواطنون ينتمون إلى شعب له تاريخ مجيد ورسالة إنسانية تفرض عليهم إثراء المجتمع الذي يعيشون فيه بما لديهم من أمجاد وقيم ؛ بل إنهم فرطوا حتى في فلذات أكبادهم التي أصبحت خلقا هجينا لا هوية له؛ فلا هم أنجليز ولا هم جزائريون رغم انهم يحملون الجنسيتين. وهذا حال الكفاءات العلمية التي لا أثر لها لا في حياة الجالية ولا في المجتمع البريطاني… فأنا منذ 12 سنة لم أصادف جزائريا واحدا يتمتع باعتبار اجتماعي قدم من خلاله شيئا يذكر للجالية الجزائرية في بريطانيا. وقد تجد شراذم من الجزائريين الكادحين أو المتواجدين في بريطانيا بطريقة غير شرعية يتقاذفهم السماسرة من كل الأجناس. فهؤلاء تبع لأبي قتادة وأولئك تبع لعمر بكري وهذا مملوك للمنتدى الاسلامي والآخر خادم لدى الإغاثة الاسلامية وبعضهم مريدون لهذا النادي أو تلك العصابة وقليل منهم منهمكون في العمل ليلا ونهار لجمع المال بما في ذلك بقايا ما يسمى بالجزائريين الأفغان وأنصار الجبهة الاسلامية للإنقاذ… إلا النادر ممن رحم الله. بل إن الجزائريين من أتباع التنظيمات الاسلامية العالمية مثل جماعة الإخوان المسلمين وغيرها لا تجدهم إلا في قسم المطابخ أو دورات المياه في حين تجد المشارقة من المصريين والشوام يتصدرون المجالس ويتربعون على مواقع الريادة ومنابر التوجيه حتى ولو كانوا أسفه الناس. ولذلك فإن الكلام عن نشاط الاسلاميين الجزائريين في بريطانيا ليس سوى اسطوانة إعلامية من إخراج الدوائر المسيرة للأزمة الدموية في الجزائر. والحقيقة هي أن الجزائريين لم يتمكنوا حتى من إنشاء جمعية أهلية لتعليم أبنائهم أصول ثقافتهم وهويتهم الوطنية فضلا عن النشاط خارج هذه الدائرة. ولذلك فإن الزوبعة المثارة حول الاسلاميين الجزائريين من طرف الإعلام الجزائري والبريطاني خمدت بمجرد معالجة ملفات أبي حمزة المصري وأبي قتادة الفلسطيني وعمر بكري اللبناني مما يدل على أن الجزائريين السذج لم يكونوا سوى حطبا للنار التي يسطلي عليها غيرهم من أذكياء الشعوب الأخرى باسم الإسلام. وقد كانت أجهزة الأمن البريطانية تعرف كل التفاصيل المتعلقة بالموضوع ولذلك وجدت السلطات الجزائرية صعوبة كبيرة في توريطها من أجل التعاون معها لتصفية حساباتها مع الاسلاميين.
المركز الاسلامي للدراسات ببريطانيا
وكان أول من تعرفت عليه من الجزائريين في نفس السنة (1997) الدكتور (أ.ب) الباحث في الاقتصاد الاسلامي خريج جامعة شيفيلد البريطانية ونائب مدير المركز الاسلامي للدراسات وهو شاب فاضل من منطقة الجنوب تربطه علاقة زمالة مع أخي وابن عمي الدكتور عثمان منذ الدراسة الجامعية في الجزائر. وقد تعرفت من خلاله على كثير من الإخوة الجزائريين وغير الجزائريين خاصة بعد أن خلفت الأخ (ن.ح) في تسيير المكتبة التابعة للمركز والمعروفة باسم دار الأرقم.
ورغم أن المركز كان يصدر مجلة شهرية إسلامية ذات طابع سياسي تحت عنوان (السنة) ويقوم بنشاطات ذات طابع خيري واجتماعي إلا أنني حاولت أن تبقى علاقتي بالمركز كمؤسسة علاقة عمل صرفة رغم أن تطورها على الصعيد الشخصي مع بعض العاملين في المركز بلغ مرتبة قصوى من الأخوة والمحبة المتبادلة.
وقد تعرفت على مدير المركز الشيخ محمد سرور زين العابدين وجمعتني به لقاءات عديدة ولكنني حددت إطار العلاقة معه منذ أول مقابلة. فقد تجاذب معي أطراف الحديث في أول لقاء، وكانت لديه معلومات مستفيضة عن الوضع في الجزائر اكتسبها من خلال متابعته لما يكتب ويقال في الصحف والكتب ومن خلال مناقشاته ولقاءاته مع مختلف المهتمين بالشأن الجزائري الذين يرتادون مجلسه… ولكنني لمست منه استنكارا لما حدثته به من خلال تجربتي الشخصية خاصة فيما يتعلق بالاسلاميين فصدمني ذلك، ليس استياء من ردة فعله على حديثي، ولكن لما شعرت به من خيبة الأمل في طبيعة تعاطي الإسلاميين مع قضيتهم حتى الخاصة منهم. فما كانت تتداوله الأوساط الإسلامية عن الوضع خاصة تلك التي كانت تحاول التوعية وترشيد العمل الإسلامي كان بعيدا عن واقع الحال. وأتذكر أنني عندما أخبرت الشيخ محمد سرور بأن حسن حطاب لم يكن سوى ضحية لجماعة الهجرة والتكفير تورط في التآمر على قيادة الحركة الاسلامية المسلحة لم يستطع أن يخفي غضبه وقال لي: معلوماتك غير دقيقة… فضحكت في نفسي وقلت: أنا أحدث الشيخ عن جندي محسوب علي وكان مرؤوسا عندي وتسبب في اعتقالي ومحكوم عليه في قضيتي بالإعدام وكان بيني وبينه تواصل قبل مغادرتي الجزائر، فيرد علي بما يتناقله القصاصون الجدد في شوارع لندن وباريس… فقررت منذ ذلك الحين أن لا أخوض معه في موضوع الجزائر، واقتصرت علاقتي به على صدق الأخوة والاحترام الذي يقتضيه مقامه كشيخ له سابقة في الدعوة إلى الله.
وبعد سنوات اقتنع الشيخ بضرورة المساهمة في تهدئة الأوضاع في الجزائر وفي الوطن العربي كله فقام بمبادرته التي طلب فيها من المسلحين تسليم أنفسهم إذا أعطيت لهم ضمانات الأمان وخص بالنداء المسلحين في الجزائر وكان ممن استجاب لندائه حسان حطاب. ففهمت عندئذ أن الذين كانوا يزودون الشيخ بالمعلومات عن الوضع في العشرية الحمراء كانوا من أنصار الصراع الدموي بين الجزائريين وهم أنفسهم من زوده بالمعلومات التي ساعدته على الاقتناع بضرورة التهدئة عندما انقلبوا على أعقابهم.
ورغم أن عملي مع الإخوة في مركز الدراسات كان مساعدا لي على الاستقرار والاستفادة من أرشيفه السياسي الغني بالمعلومات مما دفعني إلى بذل أقصى الجهد من أجل ترقية أداء المكتبة وتنظيم الأرشيف إلى درجة جعلت المكتبة شريانا حقيقيا لتزويد الجالية الاسلامية بل وغيرها من المهتمين بالبحث العلمي والأكاديمي في مجال الدراسات الإسلامية واللغة العربية في أوروبا بما يحتاجونه من مراجع علمية متخصصة وثقافية متنوعة… إلا أن النهاية المأساوية التي انتهى إليها المركز تركت في نفسي انطباعا سيئا جدا عن العمل مع الإسلاميين لما يتميز به من الارتجالية وغياب روح المسؤولية لدى القائمين عليه.
فبعد أحداث سبتمبر كانت مظاهر التضييق على الإسلاميين واضحة وتنذر بمستقبل صعب وكان لا بد من التفكير في السبل الكفيلة بمواجهة تداعيات ذلك الحدث المشؤوم. ولكن بدلا من العمل على تعزيز الحضور الإيجابي للمركز وتوسيع دائرة عمله إلى نطاق أوسع فضل القائمون على المركز بيعه ليصبح متجرا للأكلات الخفيفة وينتقلوا إلى العيش في دول الشرق الأوسط ويتركوا الجالية المسلمة المسكينة في بريطانيا دون مورد علمي نقي تتزود منه. كما أن بيع المركز جاء في وقت كنا في أمس الحاجة له حيث أنشأ بعض الإخوة النادي الثقافي العربي الذي كنا نطمح من خلاله إلى تأسيس محضن نموذجي لأبناء وبنات المسلمين من جالية شمال إفريقيا والشرق الأوسط يتعلمون فيه اللغة العربية ويتلقون فيه تربية إسلامية نقية تمكنهم من التعايش الإيجابي في المجتمع الغربي الذي قدر لهم أن يعيشوا فيه. ولست بحاجة هنا للتذكير بأنه رغم الدعم المادي الذي تتلقاه المؤسسات الإسلامية في بريطانيا من دولها وشعوبها ومن الحكومة والمؤسسات الخيرية البريطانية ومن طرف المحسنين المسلمين فإن شباب الجالية الإسلامية في بريطانيا يعاني من ضياع فظيع يدفعه نحو المخدرات والشذوذ والانحراف الذي تؤكد فظاعته نسبة الشباب المسلمين في السجون البريطانية في الوقت الذي يزداد القائمون على هذه المؤسسات التي تعتبر وقفا للمسلمين ثراء واسترخاء وتتعاظم ألقابهم وتتكاثر مناصبهم الرسمية ووظائفهم السامية وأوسمتهم الشرفية.
ومن الذكريات الطريفة أنني في يوم من الأيام تلقيت توصية من طرف الأخ (أ.ب) نائب المدير يطلب مني فيها مساعدة شاب جزائري يسمي نفسه قيس من مواليد مدينة سطيف يريد إنشاء مكتبة علمية خاصة به فاستقبلت الأخ واتفقت معه على أن يقتني ما يشاء من الكتب و يسدد ما عليه بالتقسيط المريح وكان المبلغ الاجمالي بعد المراعاة في حدود 2000 جنيه استرليني. وقد التزم الأخ بالاتفاق بضعة أشهر ثم عاد ليطلب منا إرجاع الكتب إلينا بذريعة أنه مضطر للسفر إلى فرنسا ولا يمكنه نقل المكتبة معه فوافقته على إرجاع الكتب ولكنني رفضت تعويضه المبلغ المدفوع نقدا وكان في حدود 500 جنيه. ونظرا لعدم امتلاكه لحساب بنكي فقد طلبت منه أن يتفق مع أي صديق يثق فيه أكتب له شيكا بالمبلغ باسمه. وفعلا سلمته شيكا ب 500 جنيه باسم أحد أصدقائه. وبعد حوالي ثلاثة أشهر دخل إلى المكتبة ضابطان من وكالة المخابرات الأمريكية وضابط من المخابرات البريطانية وسألاني عن علاقتي بالقاعدة. فقلت أنا أسمع عن القاعدة في وسائل الإعلام ولكنني لا أصدق بوجودها في الواقع. فقال الضابط الامريكي: كيف لا تصدق بالقاعدة وأنت تمولها؟ قلت: أنت تضحكني لأنني عندما كنت أنا ضابطا مثلك لم تكن أنت انخرطت بعد في جهاز المخابرات ولا شك أن رفيقك من المخابرات البريطانية قد أخبرك عني… لم يكن ينتظر مني هذا الجواب ولذلك مد يده مباشرة إلى محفظته وأخرج نسخة من الشيك وقال: و هل تعرف صاحب هذا الحساب؟… لم أتذكر اسم صاحب الحساب ولكنني تذكرت أنه الشيك الذي سلمته لقيس. قلت : أنا لا أعرفه و لكنني سأحيلك على مدير المركز. فاتصلت بالدكتور أحمد وأخبرته بما جرى وقلت له: لدي الملف الكامل لمعاملة قيس ولكنني لا أعرف اسمه الحقيقي ولذلك أحيلهم عليك للتعرف على هوية قيس ريثما أحضر الملف وألتحق بكم. وبعد دقائق جئتهم بالملف كاملا ويحتوي على التفاصيل الدقيقة للمعاملة مع قيس فتبين أن صاحب الحساب مصري عضو في تنظيم القاعدة فعلا تربطه علاقة صداقة مع قيس وقد استعمل حسابه. والظاهر أن أجهزة الأمن اعتقلت هذا المصري في إطار قضية من القضايا وتم تتبع حسابه البنكي مما أدى إلى اعتقال قيس ثم الوصول إلينا من خلال الشيك المسلم له. ولما تطابقت تصريحات قيس المسجون سرا في لندن مع التوضيحات التي قدمناها لضباط المخابرات والوثائق التي تضبط المعاملات مع زبائننا خاصة عندما علموا بأننا رفضنا التعامل مع قيس نقدا من أجل توثيق مصاريفنا فقد بدد ذلك كثيرا من الهواجس التي عشعشت في رؤوس أجهزة المخابرات على المركز نتيجة الوشاية والتحريض على هذا المركز بالذات فاعتذروا على الإزعاج وعادوا أدراجهم بتصور غير الذي جاءونا به.
وقد جمعتني لقاءات أخرى كثيرة جدا بإخوة من مختلف الجماعات الاسلامية الجزائرية وغيرها تمحصت من خلالها معلوماتي واتسع أمامي أفق النظر في تطور الأحداث المتعلقة بهذه الجماعات. كما استفدت معلومات كثيرة جديدة ساعدتني بفضل الله وتوفيقه على ضبط علاقتي بالناس بكل مسؤولية واتخاذ مواقفي بكل ثقة وبصيرة بعيدا عن تأثير المعركة الدائرة بين إرهاب الحكومات وإرهاب الجماعات وبعيدا أيضا عن مزالق النفاق والمجاملات التي لا محل لها من الإعراب في لغة القضايا والمبادئ.
الجبهة الاسلامية في سويسرا
كان أول لقاء جمعني بإخوة ممثلين للجبهة الإسلامية للإنقاذ في الخارج في سويسرا سنة 2002 خلال زيارتي الأخوية للمحامي الأستاذ رشيد مسلي الذي كان لاجئا هناك. والتقيت بهذه المناسبة بكل من الأخ الدكتور مراد دهينة والأخ الدكتور عباس عروة وتجدد لقائي بهم في مناسبة أخرى مع مجموعة أخرى من الإخوة أثناء تشاورهم بخصوص مؤتمر الجبهة في الخارج. وقد نصحت الإخوة بعدم بعث أي مشروع سياسي باسم الجبهة الإسلامية في ظل الإختلاف القائم بين قياداتها والتشرذم الذي ابتليت به قواعدها ناهيك عن انحراف كثير من قياداتها وعناصرها على أكثر من صعيد. زيادة على أن الإخوة الذين بادروا إلى إقامة المؤتمر رغم إخلاصهم ومستواهم التعليمي العالي لم يكونوا في نظري يتمتعون بالشخصية الاعتبارية التي تمكنهم من تحمل تبعات الاستحواذ على الجبهة الاسلامية والتحكم في التناقضات التي تتجاذبها رغم التزكيات والدعم الذي حشدوه من طرف بعض قيادات الجبهة و رموزها. ولذلك فقد كان موقفي من مبادرة الإخوة كالاتي:
استعدادي التام للنصح لهم والتعاون معهم فيما أعتقد أنه يحقق المصلحة للجزائر.
استعدادي للعضوية في تنظيم سياسي علني جديد يتم تحديد إطاره وبرنامجه من طرف الإطارات الجزائرية المنخرطة فيه كأفراد تراعى فيه معطيات الواقع الجديد ويستفاد في تأسيسه من التجربة الديمقراطية الفاشلة في الجزائر.
رفضي القاطع للإنتماء إلى أي تنظيم يقوم على مشروع وضعه أو يضعه أوصياء غير الأعضاء المؤسسين للتنظيم مهما كانت هويتهم وانتمائهم أو مكانتهم.
وللأمانة أقول إن علاقتي بالإخوة وتعاملهم معي كانت في شفافية تامة وأخوة صادقة واحترام متبادل. ولذلك لم تكن لي علاقة خارج هذا الإطار لا بمؤتمر الجبهة الذي انعقد في الخارج ولا بتأسيس حركة رشاد ولا بغير ذلك من النشاطات.
ولا يفوتني أن أسجل هنا بأنني تناولت موضوع الجزأرة ودور رجالها في مسيرة الجبهة مع الإخوة في سويسرا والمحسوبين على هذا التيار وخاصة الدكتور مراد دهينة وذلك من خلال نقاش مطول اقتنعت في نهايته بأن مساعي هؤلاء الإخوة لا علاقة لها بالحرب الباردة التي شغلت التيار الإسلامي بنفسه عقودا من الزمن وتسببت في الفشل الذريع لمشروعه الحضاري في الجزائر.
كما استفسرت منهم ومن غيرهم بعد ذلك عن موضوع الهيئة التنفيذية للجبهة في الخارج والتي كان يرأسها الأخ رابح كبير وساءني ما علمته من سوء الأداء الذي تم به تسيير هذه الهيئة إلى درجة تدفع كل عاقل إلى المطالبة بفتح تحقيق بشأنها لأن الذين تمتعوا على حساب معاناة المنكوبين يجب أن يعرفوا قدر أنفسهم سواء قاموا بذلك باسم إنقاذ الجمهورية أو باسم إقامة الدولة الاسلامية. ومن ساءه تعرضي لهذا الموضوع فأنا أستسمحه من ذلك ولكن عليه أن يوضح الأمور للرأي العام ويبرئ ذمته لأن هذه القضايا ليست ذات طابع شخصي و ليس من حق أحد حجبها على الرأي العام.
المقدم محمد سمراوي و ظهوره على قناة الجزيرة
اتصل بي الأخ حسين أوقنون المشرف على موقع الضباط الأحرار وأخبرني بأن قناة الجزيرة تعتزم إجراء حوار مع المقدم سمراوي الذي انتهى من تأليف كتاب “أحداث سنين الجمر” وأن هذا الأخير سيزور لندن بتاريخ 30 جويلية 2001 و طلب مني زيارته في لندن للتعرف على الأخ سمراوي والتشاور في موضوع الحوار الذي سيجريه مع الجزيرة لأن منشط الحصة أحمد منصور طلب حضوري أيضا، فقبلت الدعوة والتقينا قبل موعد الحصة بليلتين تعرفت خلالهما على الأخ محمد سمراوي واطلعت على فصول من مسودة كتابه وناقشته في بعض ما جاء فيه. وقد وضحت للأخ سمراوي بأن كثيرا من معلومات المخابرات لم تكن دقيقة لأنها مبنية على تقارير فيها كثير من الخلط والكذب زيادة على صياغتها بنية مبيتة وخلفية سياسية غير موضوعية. كما وضحت له بعض نقاط الظل والإلتباس في علاقة الحركة الاسلامية المسلحة بالجبهة الاسلامية…. وقد وجدت في الأخ محمد سمراوي رجلا محترفا واثقا في جهاز المخابرات الجزائرية إلى حد بعيد مما جعله يصر على تثبيت رؤيته في الكتاب من منطلق الشهادة بما يعلم مع إشارات خفيفة إلى بعض ما تحدثنا فيه.
وقد التقينا بالأخ الصحفي أحمد منصور قبل بث الحصة صبيحة يوم 1 أوت 2001 و تناقشنا حول محاورها ولكن مشكل التعبير باللغة العربية لدى الأخ محمد سمراوي شكل معضلة تركنا المبادرة لمنشط الحصة في ترتيب من يساعده على تجاوزها.
ولا شك أن ما جاء في كتاب الأخ محمد سمراوي من الأهمية بمكان لأنه تجاوز فيه الحديث عن الجانب الأمني الذي تمكنت القيادة العسكرية من توظيفه لصالحها إلى حد بعيد وفتح نافذة على الجانب الإقتصادي الذي هو السبب الرئيسي لكل الانزلاقات التي وقعت فيها القيادات المتعاقبة على النظام الجزائري الفاسد. ولكنني اطلعت على معلومات كثيرة في مسودة الكتاب تتعلق بتورط جهات فرنسية في الفساد الحاصل في الجزائر على مستويات متعددة لم ترد في النسخة المطبوعة من الكتاب. وقد أكد لي ذلك الأخ حسين أيضا والذي يحتفظ بنسخة من المسودة الأصلية عنده وبرر عدم نشر تلك المعلومات بمقتضيات عقد التفاهم بين الكاتب والناشر الذي تكتسي الاعتبارات التجارية والقضائية أهمية قصوى في حساباته. وأتمنى أن تظهر تلك المعلومات في الطبعة الجديدة أو في نسخة منشورة من المسودة الأصلية إن شاء الله.
ـــــــ
الحلقة الخامسة عشر ستنشر بحول الله يوم الأحد 14 فبراير 2010

———-

ـ 15 ـ
الأزمة الجزائرية
شاهد من قلب الأحداث
بقلم : النقيب أحمد شوشان | الأحد 14 فبراير 2010
الفصل الخامس
الجزء الثاني
في محكمة باريس: قضية نزار سوايدية
أول من اتصل بي في قضية سوايدية هو النقيب حسين أوقنون المشرف على موقع الضباط الأحرار واستشارني في توصيلي بجزائري يطلب مساعدتي للتأكد من هوية عسكري جزائري سابق فوافقت. بعدها اتصل بي طالب لجوء جزائري في فرنسا قدم لي نفسه عبر الهاتف تحت اسم جمال وادعى بأنه صحفي يحاول أن يساعد ضابطا جزائريا سابقا في الجيش برتبة ملازم اسمه حبيب سوايدية يطلب اللجوء في فرنسا ويريد جمال أن يستوثق من أن هذا الضابط ليس من المخابرات خاصة أن سوايدية قال له بأنه كان طالبا من طلبة النقيب شوشان في الأكاديمية العسكرية لمختلف الأسلحة بشرشال. فطلبت من جمال أن ينادي على سوايدية.. وبعد حديثي معه في الهاتف تأكدت من أنه كان فعلا أحد الطلبة الضباط سنة 1992 ونفيت نفيا تاما علاقته بالمخابرات لأنني كنت أعرف الطلبة الضباط المجندين في تخصص المخابرات من دفعته.
وبعد بضعة أشهر عاود الاتصال بي الملازم سوايدية وهو في حالة نفسية صعبة وأخبرني بأن اللواء نزار خالد قد أعلن الحرب عليه ويريد متابعته قضائيا في فرنسا والمطالبة بترحيله إلى الجزائر للانتقام منه بعد نشره لشهادته عن الأحداث في كتاب تحت عنوان” الحرب القذرة “. فطمأنته وأخبرته بأنني سأكون إلى جانبه وما دامت القضية قانونية فعليه أن يتخذ الإجراءات اللازمة بالتعاون مع محاميه لنحدد أنا والأخ حسين ما يمكننا مساعدته به… وفعلا زارنا سوايدية برفقة صحفية فرنسية وشرح لنا قضيته والتي ظاهرها دعوى قضائية بتهمة القذف رفعها ضده اللواء نزار خالد أمام محكمة الجنح بباريس ولكن ما وراء ظاهر الدعوى هو تطوير عملية القمع التي نجح فيها النظام داخل الجزائر وتتجاوزها إلى الدول الأروبية التي ما زالت تسمح للمعارضة الجزائرية بفضح جرائم النظام في ظل الاسلاموفوبيا التي تصاعدت حدتها بعد أحداث 11 سبتمبر.
واتفقنا على أن يزورنا سوايدية مرة أخرى مع محاميه ليطلعنا على حيثيات المحاكمة وخطة الدفاع وضبط الطريقة المثلى التي سيتم بها تدخلنا في مجريات المحاكمة.
والتقينا بالسيد فرانسوا جاز مدير دار النشر الباريسية “لاديكوفرت” والأستاذان المحاميان… و معهم سوايدية في فندق بلندن. وقد دام اللقاء ساعات عرضت علينا فيها حيثيات القضية وعلمنا أن اللواء خالد نزار قادم من الجزائر بقضه وقضيضه مدعوما من طرف النظام وقيادة الجيش ويجر معه أعضاء الحكومات السابقة منذ انقلاب 1992 كما علمنا أن نزار خالد اعتمد للدفاع عنه محامي الرئيس الفرنسي نفسه فترسخ لدينا الاقتناع بأن المقصود من هذه الحملة ليس سوايدية ولا من احتضنوه في فرنسا ولكن المستهدف الرئيسي من هذا الهجوم المضاد هم الضباط الذين ادلوا بشهاداتهم للإعلام وفضحوا الجرائم التي ارتكبها النظام في حق الشعب. ولذلك قررنا الدخول في هذه المعركة القضائية وطلبنا من هيئة الدفاع عن سوايدية اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتمكيننا من الشهادة لصالحه.
وتحسبا للطوارئ واستباقا لثمار التعاون بين الدوائر الفاسدة في النظامين الجزائري والفرنسي طالبنا المحكمة باستصدار تعهد رسمي مكتوب من وزيري الداخلية والخارجية الفرنسيين يضمنان سلامتنا وتحمل المسؤولية الكاملة عن إقامتنا في باريس وعودتنا إلى بريطانيا بعد أداء شهادتنا أمام هيئة المحكمة. وبعد سعي وجهد حصلت هيئة الدفاع عن سوايدية على ضمانات مكتوبة بالنسبة لي بعد أن تعذر سفر الأخ حسين لعدم امتلاكه وثيقة سفر في ذلك الوقت.
وقد اجتهدت في الابتعاد على الأضواء الإعلامية التي صاحبت فصول هذه القضية وركزت اهتمامي على موضوعها الأصلي ولم التق في هذه الرحلة سوى بالرائد هشام عبود مؤلف كتاب مافيا الجنرالات الذي استضافني لشرب قهوة معه مرتين وسأعود إلى ما استفدته منه في غير هذا الموضع كما تحدثت طويلا مع الصحفية سليمة ملاح المشرفة على موقع “ألجريا واتش”.
لقد كانت المحاكمة فضيحة بكل المقاييس أثبتت للغريب والقريب أن اللواء نزار خالد ومن تواطأ معه على قمع الشعب الجزائري وتفكيك دولته ليسوا سوى بقايا للدولة الاستعمارية الفرنسية. وإلا كيف سمحت لنزار نفسه بالمثول أمام المحكمة الفرنسية للمطالبة بإنصافه من جزائري مستضعف فار بجلده وهو الذي داس بأقدامه على الدولة الجزائرية ودستورها وضرب عرض الحائط بإرادة شعبها ودفع بها في أتون حرب أهلية لم تتوقف بعد؟ لقد أفصح نزار أمام أسياده في هذه المحاكمة عن حقيقة دوافعه من الحرب القذرة التي شنها على الشعب الجزائري عندما قال: لقد جنبتكم حربا عالمية ثالثة بوقوفي في وجه الاسلاميين ولو أنكم فعلتم نفس الشيء مع هتلر لما وقعت الحرب العالمية الثانية. هكذا اعتقد هذا المجند السابق في الجيش الفرنسي أنه أذكى من أساتذته الأوروبيين وأحرص منهم على مصلحة بلدانهم وأمنها. ولكن يفعل الجهل بصاحبه ما لا يفعل العدو بعدوه.
عندما توافد وفد اللواء نزار إلى المحكمة تهيأ لي أنني أمام قصر الحكومة الجزائرية فهذا وزير الدفاع نزار خالد محاط بحرسه الخاص وهذا رئيس الحكومة سيد أحمد غزالي يحمل ملفاته وكأنه بصدد عرض برنامجه امام البرلمان وهذا الوزير علي هارون يرمق العالم من برجه الوهمي العالي ومن خلفه الوزيرة عسلاوي تبحث عن المترجين وبجانبها الوزير عبد الرزاق بارة يلتفت يمينا ويسارا كأن الشياطين تتخبطه ناهيك عن الخلطة الهندية للشهود من أدباء وفنانين وصحافيين وملحدين وإسلاميين جاءوا من الجزائر لرد الجميل لسيدهم وولي نعمتهم اللواء خالد نزار… ولم ينته الرتل الطويل للوفد إلا بعد أن امتلأ نصف القاعة الأيمن المخصص لنزار وشهوده ليبقى البعض الآخر واقفا خارج القاعة. وفي المقابل لم يتمكن شهود سوايدية في اليوم الأول من ملء الصفوف الأولى للنصف الأيسر من القاعة. ولذلك فقد تهيأ لنزار أنه كسب القضية في اليوم الأول إلى درجة جعلته يصرح للصحافة أنه كان متيقنا بأن الشهود المعلن عنهم سوف يتراجعون عن سوايدية.
والذي لا يمكن لعقل نزار الصغير أن يستوعبه هو أن نوعية الشهود الذين وقفوا إلى جانب سوايدية لم يأتوا لتبرئته من التهمة الموجهة إليه ـ لأن أغلبهم لا يعرفون عن سوايدية شيئا ـ، وإنما جاءوا ليثبتوا التهمة على نزار وشركائه المجرمين أمام هيئة قضائية محايدة هم اختاروها على مرأى ومسمع من العالم طمعا في غسل سوأتهم وتبييض تاريخهم الأسود.
وقد التقيت في اليوم الثاني من المحاكمة بالأستاذ المؤرخ محمد حربي في قاعة الانتظار وكانت بيني وبينه دردشة قصيرة فهمت من خلالها أنه كان يتمنى أن تكون هذه المحاكمة في الجزائر لأن الشعب الجزائري إذا أتيحت له فرصة التعبير الحر فسيكون كله شاهدا ضد نزار. فعبرت له عن اتفاقي معه على ذلك.
وقد كان اليوم الثاني مخزيا لنزار لأن شهود سوايدية كانوا أقوى حجة من شهوده. فقد ظهر المجاهد المؤرخ محمد حربي ليجرد نزار من عباءة إنقاذ الجمهورية ويوثق شهادة مجاهد أصيل ومؤرخ بصير بأحداث الثورة بأن نزار والمتواطئين معه ليسوا سوى حلقة في الحبل الذي يخنق الجزائر ويعيق مواطنيها من التمتع بالحرية والاستقلال. وقد كانت مداخلتي بعد الاستاذ محمد حربي مباشرة ولعلها كانت أقسى ضربة يتلقاها نزار خالد منذ بداية المحاكمة حيث فضل أن يرد علي بنفسه مخافة أن يتجاوز محاميه الحدود ويتسبب في تعقيد الأمور. وقد نشرت تفاصيل المحاكمة بما فيها الشهادات في كتاب مطبوع بالفرنسية تحت عنوان ” “محضر “جلسات مقاضاة كتاب الحرب القذرة “LES MINUTES DU PROCES DE LA SALE GUERRE”
وأكتفي في هذا المقام بنقل التوضيحات التي نشرتها باللغة الفرنسية مباشرة بعد جلسة المحاكمة نظرا للوقت القصير المحدد للشهود:
**********
Témoignage Par le Capitaine Ahmed Chouchen
L’ancien ministre de la Défense n’aurait jamais dû se risquer en portant plainte contre le sous-lieutenant Habib Souaïdia devant un tribunal français, sachant que des milliers de victimes de la tragédie sont exilés dans le monde. Ces expatriés ont supporté en silence l’injustice et l’oppression du pouvoir avec patience et l’atteinte à leur réputation et leur honneur durant des années est tell qu’au point d’encourager les gouvernements étrangers à leur tour à les chasser et à les emprisonner injustement. L’ex. Ministre de la Défense aurait dû, au moins, faire semblant et assumer les allégations de Souaïdia et les considérer comme sa part du mal et son lot de la catastrophe qui a frappé l’Algérie. Mais ceux qui entourent et conseillent l’ex. Ministre ne sont pas ceux qui souffrent de ce qui se passe en Algérie; aussi, ils ont pensé que ce procès renforcerait leur pouvoir et leur ouvrira le domaine de la pratique de l’assujettissement et de la Hogra en dehors des frontières algériennes. Mais ce que ces irresponsables conseillés ne veulent pas comprendre, c’est que ceux qui ont refusé de s’impliquer dans les massacres et qui ont renoncé à leurs droits légitimes et ont préféré l’exil à la confrontation sanglante avec les fils de leur pays, ces hommes-là, ne sont ni des incapables ni des lâches, mais ils sont plus forts dans la confrontation et plus solides devant la vérité que ceux impliqués dans les bains de sang. Aussi et sur cette seule base, ont intervenu les témoins algériens en faveur de Souaïdia. Durant ce procès les témoins de la défense étaient tous unanimes malgré les différences dans leur appartenance politique, leur profession, leur âge et leur culture. Ils ont dit d’une seule voix : non à la falsification de l’histoire et non à la politique du fait accompli.
Le ministre de la défense est arrivé au tribunal accompagné du Premier Ministre et entouré de quelques ministres et de semblants de ministres ; chacun apportant avec lui, des copies de dossiers de l’Etat algérien. Ce show officiel a transformé l’affaire en un jugement de tout le système algérien. Les témoins de Nezzar ont essayé de démontrer que la décision du commandement d’arrêter le processus électoral et de pousser le Président de la République à la démission avec toutes ses conséquences, comme les arrestations arbitraires et les sanctions collectives, étaient des procédures légales et constitutionnelles. Ce sont là des propos que personne ne peut croire à plus forte raison un tribunal fondé sur la démocratie. Ceci a fait dire à un avocat s’adressant au Premier Ministre : ” Votre constitution permet-elle d’arrêter les citoyens, de les torturer et de les emprisonner durant trois ans puis les libérer sans jugement, ni vérification des raisons de leur arrestation ? Vous n’avez pas honte de reconnaître tout cela sans dire que tu regrettes les victimes et vous prétendez que vous défendez la démocratie ? “
Quant au ministre de la défense et en voulant se défendant, il a terni la réputation de ses collègues et même ex. Chefs (comme le general Mohamed Attailia), les généraux algériens, en disant qu’ils sont des analphabètes et ne comprennent rien du tout, bien que certains soient plus anciens que lui dans l’armée et plus gradés, ce qui a fait dire à l’un des avocats en s’adressant au tribunal : ” regardez le niveau des généraux qui ont décidé de l’avenir de l’Algérie. “
Les insultes de Nezzar ne se sont pas limitées aux généraux, mais elles ont touché toute la classe politique algérienne sans exception quand il les a qualifié de ” cheptel “. Ceux qui ont terni la réputation de l’Algérie dans ce procès sont ceux qui ont accompagné Nezzar en voulant se dérober de leur responsabilité au détriment des institutions de l’Etat – de la Présidence à la classe politique.
Quant aux interventions des témoins de la défense, elles étaient axées sur la gravité des décisions prises par le commandement militaire en janvier 1992 et les dérapages qui ont suivi conduisant le pays à la situation tragique que nous vivons aujourd’hui. Ils ont exigé de Nezzar de ne pas se dérober de sa responsabilité en tant que premier responsable militaire en présentant des exemples réels démontrant que les décisions citées ci-dessus étaient prises en toute connaissance de cause malgré les multiples appels et les avertissements répétées de la part d’Algériens sincères.
Je me limite ici à la reproduction, en toute fidélité, de mon intervention personnelle en tant que l’un des témoins de la défense. J’ai demandé à parler en arabe mais eu raison du faible niveau du traducteur, on m’a demandé de parler en français et c’est ce que j’ai fait :
Je me suis présenté succinctement et j’ai exposé, selon les questions des avocats, les points suivants :
1 – les raisons de mon arrestation le 3 mars 1992 et ma correspondance avec le ministre de la Défense
La vraie raison de mon arrestation est la conviction du commandement que ma présence menaçait leur projet de confrontation armée contre la majorité du peuple, projet contre lequel je me suis opposé publiquement et à haute voix. Mais la cause directe est que beaucoup d’officiers et de sous-officiers étaient très irrités par les décisions du commandement et de leurs conséquences ; à savoir l’oppression de la majorité du peuple au point où ces militaires ont voulu assassiner le commandement militaire pour lever l’injustice. En effet, et en raison de ma bonne réputation dans l’armée et de la confiance dont je jouis parmi les officiers et les sous-officiers notamment au sein des forces spéciales, des dizaines de militaires m’ont dévoilé leurs intentions et ont demandé mon avis sur la question.
Bien que j’étais persuadé de la légitimité de leurs intentions, je ne pensais pas que l’assassinat du commandement réglerait le problème ; Alors, je les leurs ai conseillé de ne pas y penser. Aussi, aucun militaire, parmi ceux que je connaissais, n’a tenté quoi que se soit et personne n’a eu connaissance de ce qui s’est passé qu’après notre arrestation le 3 mars 1992.
Malgré que j’ai signé un procès-verbal d’interrogation m’imputant de grave accusations parmi lesquelles : L’atteinte à la sécurité de l’Etat, la constitution d’une armée secrète au sein de l’Armée Nationale Populaire et la division du territoire national,… etc. j’ai écris de ma prison, au ministre de la Défense Khaled Nezzar lui confirmant mon refus des décisions prises par le commandement et relatives à la destitution du Président, à l’arrêt du processus électoral et à l’implication de l’armée nationale populaire dans la confrontation armée contre le peuple.
J’ai présenté les arguments et les exemples qui montraient que ces décisions conduiraient l’Algérie à une réelle catastrophe et que personne ne pourrait maîtriser les dérapages qui y découleraient et que l’armée n’est pas qualifiée pour réaliser la folle ambition du commandement. J’ai conseillé Khaled Nezzar de revoir ses décisions et de coopérer avec les sages afin de trouver une solution à la crise ; à la fin, je l’ai rendu totalement responsable des conséquences de ses décisions, au présent et au futur s’il ne révise pas ces décisions.
Aujourd’hui, je ne suis pas là pour juger quiconque ou porter atteinte à sa réputation, mais je suis là pour exiger de monsieur le ministre de la défense de prendre ses responsabilités avec le même courage avec lequel il a pris ses graves décisions qui nous ont conduit à la situation tragique que nous vivons. Je luis dis aussi, que votre prétention de sauver l’Algérie de ce qui est pire ne vous dégage pas de votre responsabilité de ce qui s’est passé. J’ai discuté le contenu de ma lettre, un mois après son écriture, avec le général-major, Gaïd Salah, commandant de la troisième région militaire, et avec une délégation sous la présidence du chef d’état-major, le général-major Guénaïzia, à la prison militaire de Bechar tout en étant convaincu que le commandant Ben Djerrou Dhib Djabbalah qui a pris la lettre, l’avait remise à monsieur le ministre de la défense à l’époque parce que ce dernier supervisait personnellement mon affaire et je ne pense pas que monsieur le ministre démente cela (en effet, le ministre n’avait fait aucun commentaire).

2 – Les événements de Bérrouaguia
Je considère ce qui s’est passé dans la prison de Bérrouaguia est un crime caractérisé contre l’humanité, exécuté par un groupe des forces d’intervention spéciale de la gendarmerie. Sous un feu nourri, ce groupe a pris d’assaut le bâtiment dans lequel se sont réunis plus d’un millier de prisonnier et ont tué 50 personnes dont les corps furent, soient brûlés, soient mutilées et ils ont blessé, par balles pas moins de 500 prisonniers. Sans l’intervention du procureur de la République qui s’est mis entre les gendarmes et les prisonniers, la catastrophe aurait été plus grande. Deux avocats m’ont rendu visite, sur autorisation du cabinet de la Présidence et je l’ai informé que ce sont les gendarmes qui ont commis ce massacre et non les prisonniers comme l’a prétendu la télévision algérienne. Les prisonniers furent battus avec des barres de fer durant deux mois. Ceux qui ont exécuté cette opération sont des criminels et personne n’a le droit de justifier ce qu’ils ont fait, sous quelque appellation qu’elle se soit.
C’est là, l’un des aspects des dérapages générés par les décisions du commandement parce qu’elles ont ouvert largement la porte devant les malhonnêtes et les criminels et ont bloqué toutes les issus devant les honnêtes gens parmi le peuple. L’inconscience du commandement en la matière ne le dégage pas de sa responsabilité parce que bien que je n’étais un simple officier j’étais conscient de la gravité de cette affaire.
Il y a un second exemple de dérapages ; il s’agit des événements de Guemmar. Au début, une vingtaine d’adolescents environ ont commis un crime affreux sur un sergent de l’ANP et se sont emparés des armes individuelles du dépôt du poste de garde frontalier à Guemmar. Ces adolescents ont été induits en erreur par un ancien caporal des forces parachutistes. Il est vrai que le crime est affreux et mérite la plus grande sanction et je suis d’accord avec le ministre de la défense sur cette question. Mais que le ministre apparaît personnellement à la télévision et déclare la guerre à toute la région et l’a mis à la merci des groupes des forces spéciales qui humilient des dizaines de milliers de citoyens, volent leurs biens et arrêtent et torturent des centaines de personnes ; des dizaines furent jugés injustement et d’autres innocents condamnés à mort à tort ; En outre et après la récupération des armes volées, 24 adolescents qui ne savent même pas manier les armes, furent assassinés et les corps de certains d’entre eux brûlés et mis dans des sacs de poubelles puis exposés en public. Tout cela ne peut être qualifier que de crime contre l’humanité. J’ai personnellement informé le chef d’état-major de ce qui se passer. Que le ministre de la défense sache que son intervention à la télévision et de cette manière et sa supervision directe des opérations ne peut signifier qu’un feu vert à tous les criminels dans les rangs de l’armée !
3 – l’échec de mon kidnapping de la prison d’El Harrach et les choix du chantage
Ceci est un autre exemple des dérapages auxquels avaient conduit les décisions du commandement. Après avoir purgé ma peine d’emprisonnement décidé par le tribunal militaire et le jour de ma sortie le premier avril 1995, un groupe d’officiers de la sécurité de l’armée (DCSA) m’ont kidnappé de l’intérieur de la prison et ce, après avoir terminé toutes les procédures officielles de sortie ; et si vous consultez le registre de sortie de la prison d’El Harrach, vous trouverez ma signature.
En réalité, je n’avais pas été libéré mais j’étais kidnappé par les mêmes personnes qui ont procédé à mon interrogatoire en 1992 et j’ai subi le même traitement terroriste et m’ont affirmé que je ne sortirai pas vivant (de la caserne du CPMI à Ben Akoun).
Puisque j’étais au courant de la nature criminel de certains services de sécurité, j’ai préparé au préalable un plan de réserve pour faire échec aux actions probables parmi lesquelles mon kidnapping de l’intérieur de la prison. Aussi je me suis mis d’accord avec deux avocats afin qu’ils dévoilent l’opération au moment opportun et c’est ce qui s’est passé exactement ; Ainsi les médias et les organisations des droits de l’homme ont révélé l’affaire du kidnapping et ont demandé l’intervention du Président algérien Liamine Zeroual. Ainsi, Dieu m’a sauvé grâce à ce plan sinon j’aurais été aujourd’hui, au compte des disparus !
Après l’échec du kidnapping, le commandement des services de sécurité a adopté, avec moi, la méthode du chantage. Le général-major, Kamel Abdelrahman lui-même, m’a dit que certains aux seins des services de sécurité ont décidé mon élimination et que je ne peux échapper à cette peine qu’en travaillant sous son autorité personnelle ; et m’a promis une promotion instantanée au grade de colonel et de mettre à ma disposition tout l’argent que je veux. Mais ma réponse était claire : je lui ai dit que j’étais prêt à coopérer avec lui sans aucune contre-partie à condition de revoir leur politique vis-à-vis du peuple sans exception et que l’intérêt de l’Algérie prime sur toute autre chose.
Après la première rencontre, ils m’ont proposé de participer à un projet d’assassinat des chefs du FIS en clandestinité qui ont pris les armes et ils m’ont cité à ce titre: Mohammed Said, Abdelrazak Redjem et Saïd Makhloufi. Je me suis étonné après la citation des cibles en leur disant que ces personnes sont des politiques et ont été forcées de prendre les armes ; et il est possible de trouver, avec eux, des solutions qui préserveront les droits de tous les Algériens et éviteront de faire couler plus de sang. J’ai aussi dis : ” si vous m’avez parlé de l’assassinat de Djamel Zitouni qui a reconnu sa responsabilité dans le massacre des femmes et des enfants, ma mission aurait été plus compréhensible ! “
A ce moment, le colonel Bachir Tartague m’a interrompu avec virulence et m’a dit : ” laisse Zitouni tranquille, il est des nôtres et c’est avec lui désormais que tu travailleras, nous t’organiserons un rendez-vous avec lui. “
Lorsque la discussion a atteint ce niveau ma stupéfaction était complète et je n’avais d’autre choix que de faire semblant d’accepter toutes les proposions. Je voulais gagner un temps précieux qui allait me permettre de me préparer pour quitter l’Algérie le plutôt possible.
Lorsqu’ils m’ont fixé un rendez-vous avec l’un des intermédiaires afin d’organiser ma rencontre avec Zitouni, je ne suis pas parti au rendez-vous grâce à l’aide d’un avocat. J’ai pu quitter l’Algérie le 19 novembre 1995 par les frontières maliennes. Après un long périple en Afrique de l’ouest je suis arrivé en Grande Bretagne le 19 novembre 1997 où j’ai demandé l’asile politique qui m’a été accordé conformément à la convention internationale de 1951 le 21 juin 1999. Depuis cette date je vis en Grande Bretagne.
Lorsque j’ai terminé mon intervention, le ministre de la défense s’est levé pour commenter mon témoignage et a dit :
” Je connais le capitane Chouchane et je le respecte et je respecte ses convictions. Je pense que je l’ai désigné dans une commission militaire de grande importance si je ne me trompe pas, mais je sais aussi qu’il est un islamiste convaincu et adopte le discours des islamistes. En ce qui concerne son affaire, j’ai été informé qu’il a eu des contacts, en avril et en mai 1991, avec Saïd Makhloufi et Abdelkader Chebouti ; ces derniers avaient constitué des organisations islamiques armées et a reconnu devant le juge d’instruction qu’il a reçu des ordres de la direction du FIS pour observer l’attitude de l’armée. Quant à l’affaire de Guemmar, je ne sais d’où Chouchane a ramené ses chiffres, parce qu’on a perdu sept militaires et non un et les personnes sanctionnées étaient des éléments dangereux ; et l’implication du FIS, d’une manière ou d’une autre, était claire. De même, le MAOL, appartenant aux islamistes, diffuse des informations sur l’armée sans même connaître les prérogatives des membres du commandement militaire ; Moi, je les connais, qu’ils se mettent en rang pour les compter, ils ne dépasseront même pas le nombre des doigts de la main. “
C’était là, l’intervention du ministre pour commenter mon témoignage.
On m’a accordé quelques minutes pour lui répondre et j’ai dit : ” Je ne sais pas pourquoi, le ministre a parlé de mes contacts avec Saïd Makhloufi et Abdelkader Chebouti, mais je confirme ma rencontre avec ces deux citoyens algériens à l’instar des autres officiers et sous-officiers ; l’objectif de la rencontre était légitime ; en effet, le déploiement des forces armées sur tout le territoire national, sa mise en état d’alerte maximum et les provocations que subissent les citoyens ont fait craindre à beaucoup d’entre eux, que l’armée commet des massacres comme ceux subis par les islamistes en Syrie, en Egypte et en Irak. Si nous, les militaires, nous étions mécontents du comportement agressif du commandement, les islamistes ont plus de raisons d’avoir peur. Aussi ils nous ont contacté pour s’assurer les intentions non criminelles du commandement militaire, je leur ai confirmé que je ne prendrais pas les armes contre un Algérien civil et qu’ils ne devraient pas devancer les événements et de respecter les ordres de la direction politique. Ces rencontres avaient permis d’éviter de couler le sang en 1991 et je défie le ministre de la défense et tous les services de sécurité de prouver que Saïd Makhloufi et Abdelkader Chebouti ont accompli une action armée avant mon arrestation le 3 mars 1992. C’est la raison pour laquelle j’ai refusé de coopérer avec les services de sécurité pour arrêter ces deux hommes en 1992 comme j’ai refusé de participer dans le complot de leur assassinat en 1995 parce que je crois qu’ils sont des victimes du despotisme du pouvoir. “
Là, j’ai terminé mon temps de parole et la séance fut levée.
Je veux continuer, ici, ma réponse au ministre afin de mettre les points sur les i.
En ce qui concerne l’affaire de Guemmar, j’ai parlé des pertes dues au crime lui-même c’est-à-dire un sergent tué et 20 armes volées. Et il était possible de limiter les pertes en vies si l’affaire était traitée dans son contexte local. Mais c’est l’obstination du commandement à mobiliser des sections des différentes armées pour pourchasser des adolescents encerclés, ne sachant pas manier les armes, qui a augmenté le nombre de morts à 60 dont 24 adolescents tués par les forces spéciales et sans qu’aucun soldat ne soit blessé. Quant aux six militaires dont a parlé le ministre, ils étaient tués par leurs collègues par erreur et l’affaire est connue parmi les soldats des forces spéciales ; le ministre ne devrait pas creuser un peu plus cette affaire parce que son odeur sera nauséabonde.
Quant à ma relation avec le MAOL, le ministre sait que je suis très clair et si j’étais membre dans cette organisation, je l’aurai déclaré fièrement, mais je ne suis pas membre et personne ne m’a proposé d’y adhérer jusqu’à maintenant. De même, la nature confidentielle des informations que publie le MAOL n’a pas de relation avec ma spécialité ; je n’ai pas travaillé, durant tout mon service, dans les secrets du commandement de l’armée, mais j’ai rempli mes missions dans le domaine de l’entraînement et des opérations avec les soldats et les officiers et j’ai eu la confiance des chefs et des subalternes jusqu’à mon arrestation, comme vous le savez monsieur le ministre. Malgré cela, je ne cache pas ma relation fraternelle avec certains membres de ce mouvement que j’ai connus lorsque j’ai quitté l’Algérie et qui mérite la plus grande considération et le plus grand respect.
Quant à l’allégation du ministre que le mouvement est de fabrication islamiste, c’est faut sans aucun doute parce qu’il est confirmé qu’il n’adhère pas au projet islamique et ne désire pas coopérer avec les islamistes et ses éléments connus étaient dans le front anti-FIS jusqu’à 1995 avant qu’ils ne découvrent la nature criminelle des décisions du commandement.
Quant à ma relation personnelle avec les islamistes, je confirme qu’elle n’est qu’une relation normale comme toutes mes relations avec les autres Algériens ; Comme je démens catégoriquement ce qu’a prétendu le ministre concernant le fait que je reçois mes ordres de la direction du FIS ! La vérité est que j’ai refusé l’accusation des cheikhs du FIS injustement lorsque j’étais sous la torture ; et si cela était vrai, pourquoi ils ne l’ont pas cité dans les chefs d’accusation contre la direction du FIS et pourtant j’étais en prison lors de leur jugement ? Mais ce que monsieur l’ex. ministre n’a pas dit, c’est que le papier qu’il avait entre les mains lorsqu’il commentait mon témoignage n’était autre qu’une partie du procès-verbal de mon interrogatoire au centre de torture de Ben Akoun en mars 1992.
Il aurait été plus honnête de ramener tout le PV ainsi que la lettre que je lui ai envoyé. Malgré cela, je confirme que ma relation avec le projet islamique est fondée sur une conviction profonde, qui ne souffre d’aucun doute, que c’est le projet idéal pour le bonheur de l’humanité dans la vie ici-bas et dans l’Au-delà ; et je ne suis pas concerné, dans cette attitude par ce qu’adoptent les partis islamiques eux-mêmes ou ce que prétendent les ennemis des islamistes. Si les gens étaient honnêtes et justes, ils découvriront la Vérité. Mais l’ex. ministre de la défense et ses conseillers parient sur les suites du 11 septembre et croient que l’Islam est devenu une accusation dangereuse, aussi il faut coopérer pour pourchasser ceux qui se cachent derrière et c’est la raison pour laquelle ils tournent autour de cette colonne érodée sans arrêt ; En vérité, ils sont plongés dans un mirage dont ils se réveilleront, un jour, car l’homme juste trouvera sa place sur toute la terre de Dieu et pourra vivre avec tous les hommes quelles que soient leurs races et leurs religions tant qu’ils resteront attachés à leur humanité.
Quant aux prétendus sauveurs de l’Algérie, leur problème est qu’ils ne veulent pas vivre en tant que citoyen en Algérie comme tous les Algériens et ne peuvent supporter de vivre en tant que démocrate en Occident comme tous les citoyens occidentaux ; mais ils se sont habitué à vivre en tant que despotes occidentaux dans l’Algérie oppressée et c’est là une situation étrange qui ne peut ni se stabiliser, ni durer et s’ils reviennent à eux, ils sauront que leurs folles ambitions sont la cause du mal qui a touché tout le monde.
En conclusion, j’espère que les Algériens et les Algériennes qui ont choisi la confrontation avec la majorité du peuple révisent leurs positions et arrêtent leur mensonge et leur injustice et tirent les leçons de ce qui s’est passé, sinon la machine de la destruction qu’ils ont conduit en 1992 les écrasera un jour. En ce qui concerne le peuple algérien et quel que soit le nombre de ses victimes, il se relèvera haut et fort avec ses principes inébranlables et sa glorieuse histoire que les hommes d’honneur ont construit à travers ses siècles.
Le Capitaine Ahmed Chouchen
**********
ورغم أن هذه القضية تندرج في إطار الجنح ولا علاقة لها بالشأن العام بتاتا إلا أن الشهود حولوا المحاكمة إلى نقطة تحول مهمة في مسار النضال من أجل رد الاعتبار للحقيقة فيما يتعلق بالأزمة الدموية التي عصفت بالجزائر منذ صيف 1992، وذلك لاعتبارات عديدة أذكر منها:
1- استطاع الجنرال نزار والمتواطئون معه منذ سنة 1992 أن يوهموا الرأي العام المحلي والدولي بأنهم يخوضون حربا ضد الأصولية الاسلامية التي تهدد العالم وتحصلوا بذلك على دعم غير معلن من المجتمع الدولي وحتى من طرف دول إسلامية أصولية مثل السعودية والسودان خاصة بعد أحداث سبتمبر 2001. ولكن مجريات المحاكمة أزالت الالتباس وفرضت منطق الحقيقة على الرأي العام بعد ما تبين أن الشهود على تورط نزار وجماعته ليسوا من الاسلاميين وحدهم.
2- لقد تعودت السلطة المجرمة في الجزائر أن تنيب عنها أبواقا إعلامية وسياسية جزائرية أو أجنبية مرتزقة أو مأجورة حتى لا تتحمل تبعات المواجهة مع المعارضة. ولكنها في هذه المحاكمة دفعت برأسها الذي لا يمكنها التخلص منه إلا بالانتحار. ولذلك فإن نزار خالد عاد من هذه المحاكمة كمعطوب حرب لا يراهن عليه أحد حتى من مرؤوسيه السابقين. بل لقد تم منعه بتاتا من الكلام فيما لا يعنيه شخصيا وتم تحذير بقية الضباط المعنيين بالأزمة من الظهور للرأي العام.
3- لقد راهن المجرمون في السلطة الجزائرية منذ الاستقلال على تحفظ المخلصين عندما يتعلق الأمر بالغسيل الداخلي بين أبناء الجزائر واستطاعوا بذلك أن يرتكبوا كل الجرائم وهم مطمئنون إلى أن سي فلان رجل وطني ويخاف على سمعة البلاد ولذلك فإنه لن يتكلم حتى ساد الاعتقاد عندهم بأن صفة الوطني لا تعني سوى “شيطانا أخرصا” أو ” تيسا مستعارا”… ونسي هؤلاء أنهم لا يمثلون غير أنفسهم والمتواطئون معهم على الخيانة وأن سمعتهم لا تعني الدولة الجزائرية ولا شعبها ولا أمجادها في شيء. ولذلك فإن نزار خالد رغم التزلف الصريح الذي أبداه للسيد آيت أحمد وهو يعدد له القواسم المشتركة بينهما، فوجئ بذلك الموقف الصاعق الذي لخصه السيد آيت أحمد في قولته المشهورة: ولكن يفصلني عنك نهر من الدماء. كما فوجئ أيضا بعدما اعترف باحترامه لموقف النقيب احمد شوشان…. بقوله: لقد كنت مصرا على المغامرة بإدخال الجيش في مواجهة الشعب بشجاعة سنة 1992 ولا نطالبك اليوم بشيء غير ان تتحمل المسؤولية على ماآلت إليه الأوضاع بنفس الشجاعة.
4- تمكن نزار بطغيانه أن يبث اليأس في نفوس المواطنين بجدوى الوقوف في وجهه ودفعه الغرور إلى مطاردة الملازم المسكين سوايدية حبيب خارج حدود الجزائر، فتزاحمت شرائح واسعة من المواطنين الضعفاء للتمسح على عتباته والانضمام إلى باطله كما تعكسه قافلة الشهود التي ساقها أمامه إلى المحكمة. ولكن فضيحته في هذه المحاكمة أعادت الأمل لكل المستضعفين في جدوى الصبر والإصرار على الوقوف في وجه الطغاة.
5- مكنت هذه المحاكمة الشعب الجزائري عموما والفئات المستهدفة بالدعاية الهدامة الرسمية خصوصا (أجهزة الأمن والجيش) من معرفة الموقف الحقيقي والواضح للمعارضين الذين تصنفهم السلطة الانقلابية كأعداء للوطن.
ـــــــ
الحلقة السادسة عشر ستنشر بحول الله يوم الثلاثاء 16 فبراير 2010

———-

ـ 16 ـ
الأزمة الجزائرية
شاهد من قلب الأحداث
بقلم : النقيب أحمد شوشان | الثلاثاء 16 فبراير 2010
الفصل الخامس
الجزء الثالث
علاقتي بالمخابرات الجزائرية
ذكريات قديمة
المخابرات الجزائرية بالنسبة لي مؤسسة وطنية استراتيجية تعاملت معها دائما في إطار ما يقتضيه الوفاء للجزائر منذ أن كنت طالبا في الأكاديمية العسكرية لمختلف الأسلحة بشرشال. فلم أكن أرتعش فزعا عندما يستدعيني ضابط الأمن العسكري لأي سبب من الأسباب كما يحصل لأغلب الضباط بل كنت في كثير من الأحيان آخذ المبادرة واشتبك مع مسؤول الأمن العسكري من أجل الدفاع عن أحد الجنود أو ضباط الصف أو الضباط عندما أشعر بالتجاوزات في حقهم. ولم يكن خافيا عني أن أؤلئك الضباط كانوا يرسلون تقاريرهم إلى القيادة العليا. ولكنني كنت مطمئنا تماما بأنني أتصرف في الإطار الصحيح الذي يقتضيه الوفاء للوطن والإلتزام بالقانون ولم تكن تهمني كثيرا ردة فعل مصالح الأمن العسكري. وسأكتفي في هذا المقام بتسجيل بعض الوقفات التي أعتبرها ذات دلالة في تأسيس موقفي من هذا الجهاز.
1- البداية
عندما كنت طالبا في الأكاديمية العسكرية لمختلف الأسلحة بشرشال بين 1978 و 1980 أثارت فضولي علاقة ضابط الأمن العسكري بغيره من العسكريين من مختلف الرتب. فالجميع يتجنبه ويتحفظ في الكلام بحضوره وكأنه عنصر أجنبي داخل الوحدة. وحاولت تجاهل ذلك الفضول في البداية لأن أغلبية العسكريين في ذلك الوقت كانوا يخالفون القانون بشربهم الخمر أو بارتيادهم أماكن الفساد او بإقامة علاقات مع نساء أو رجال أجانب أو غير ذلك مما يعاقب عليه القانون العسكري. ولكنني فهمت لاحقا بأن ضابط الأمن لم يكن يقوم بواجبه في المحافظة على الانضباط العسكري ووقاية العسكريين من الوقوع في المحظور وإنما كانت مهمته جمع المعلومات وتحرير التقارير عن العسكريين بمختلف الرتب من أجل استعمالها في عملية الابتزاز التي يتعرضون إليه في الوقت المناسب. ومنذ أن وعيت هذه الحقيقة لم أترك في حياتي المهنية والشخصية مجالا لجهاز المخابرات يستثمر فيه. ولذلك كانت الملاحظة الوحيدة في ملفي يوم تخرجي كضابط برتبة ملازم: وطني متشدد.
2- التآمر مهمة رسمية
عندما التحقت بمدرسة القوات المحمولة جوا ببسكرة في يناير 1981 ومعي 5 ضباط آخرين فوجئنا ذات يوم بضابط الأمن العسكري الملازم الأول (س.ر) يتجسس علينا من خلال تفتيش غرفنا أثناء تواجدنا في ميادين التدريب. وساءنا ذلك كثيرا واحتججنا لدى قائد المدرسة النقيب بوغابة رابح في ذلك الوقت. واتضح لنا بعد ذلك أن محافظتنا على الصلاة وعدم شربنا للخمر أثار الشبهات بانتمائنا لجماعة الإخوان المسلمين وقد كان المستهدفان بالتجسس أنا والملازم الإمام يونس الذي كان حديث عهد بالالتزام أصلا. وقد وقعت بيني وبين ضابط الأمن ملاسنة كانت بداية لحرب باردة بيني وبين جهاز المخابرات.
بعد التحاقي بالفيلق الثاني عشر للصاعقة بتبسة في شهر اوت 1981 كان معي الملازم الإمام يونس الذي كان مستهدفا منذ أن بدت عليه مظاهر الالتزام سنة 1980ـ و قد كان قبل ذلك من أشقى الطلبة الضباط ـ. و رغم أن الإمام كان متحمسا في دعوة العسكريين إلى الالتزام إلا أن المؤامرة التي حاكها له ضابط الأمن العسكري في ذلك الوقت كانت بعيدة كل البعد عن المهنية والشرف العسكري… واستفقنا على استدعاء الملازم الامام من طرف المديرية الجهوية للأمن مع اتخاذ كل إجراءات الإعفاء من الخدمة سريا. اعتبرت هذا الإجراء إهانة لكل ضباط الفيلق 12 للصاعقة واستأذنت على قائد الفيلق النقيب عبد الحميد بلبشير وطلبت منه التدخل باعتبار الملازم المعني بالأمر من أصدقائي وأنا أعرف به من جهاز المخابرات ولا يليق تدمير حياة ضابط بهذا الشكل… ولكنني وجدت قائد الفيلق نفسه جزءا من المؤامرة. فقلت له: إذن فأنا اطلب الاستقالة من الجيش بكرامة قبل أن أطرد منه مهانا بناء على تقرير ضابط بطال في جهاز المخابرات وسأكتبها الآن وأبعثها لكم وأذهب مع الملازم الامام لمقابلة المقدم حشيشي زين العابدين وإطلاعه على ما يتعرض له الضباط المتخرجون من الأكاديمية العسكرية بشرشال قبل أن يذهب إلى مديرية الأمن العسكري بقسنطينة لأنه لم يصبح آمنا على نفسه.
حذرني النقيب عبد الحميد من عواقب سلوكي الذي سيعتبر تمردا على القيادة وأمرني بالانصراف والتفكير في الأمر ولكنني بعد أن خرجت من مكتبه مباشرة كتبت طلب استقالتي على خلفية التعسف الذي تعرض له الملازم الإمام وسلمتها لقائد الكتيبة. وكان أغلب الضباط مستائين فاتخذ الملازم الأول ميلود مقدم نفس الموقف وتبعه ضباط آخرون مما أوقع قائد الفيلق في حرج كبير فاتصل بقائد القوات المحمولة جوا المقدم ليمين زروال آنذاك والذي اتصل بالقيادة العليا وتمكن من وقف المهزلة وفتح تحقيقا في الموضوع انتهى بتثبيت الملازم الإمام في مهامه بعد أن تم استجوابي مع الملازم الأول مقدم ميلود وضابط آخر للشهادة على براءة الإمام من التهم المنسوبة إليه.
3- التفاني في العمل تهمة
لم تمر على قضية الإمام بضعة أسابيع حتى استدعاني قائد الفيلق مرة ثانية من ميدان التدريب وكان معه قائد أركان الناحية العسكرية الخامسة آنذاك الرائد بوركبة. ولما دخلت وجدته غاضبا وبادرني قائلا دون أن يرد علي التحية: لقد أثنى عليك قائد الفيلق والحمد لله أنني تكلمت معه قبل أن أقابلك لأن التقرير الذي بلغني عنك أغضبني… كيف توقظ جنودك قبل السادسة صباحا ولا يستريحون إلا بعد العاشرة ليلا؟ هل تعتقد أننا جلبناهم من الهند… إنهم أبناؤنا. قم بتدريبهم أثناء ساعات العمل. هل فهمت؟ قلت: حضرة الرائد. المفرزة التي أدربها تطبق برنامجا خاصا تمت الموافقة عليه من طرف القيادة العليا قبل أن أبدا في تنفيذه أنا شخصيا وأنا حريص على هؤلاء الجنود أكثر من نفسي وإذا كنت أوقضهم قبل السادسة صباحا فأنا أصحو قبلهم بكثير ولا أنام حتى أطمئن عليهم واحدا واحدا… فقاطعني الرائد بوركبة مستغربا: أتقوم بتدريبهم بنفسك؟ قلت: نعم. قال: أنا لم أفهم هذا من التقرير يا بني… الجماعة غلطوني… قلت: أنا لست أدري على أي أساس وضع التقرير المرسل إليكم ولكنني أؤكد لكم بأن الغرض من هذا التقرير هو عرقلة الجهد الذي أقوم به من أجل ترقية القدرة القتالية للفيلق الثاني عشر ولست أدري لصالح من يفعلون هذا… وأنهى المقابلة بقوله: إذهب يا شوشان قم بعملك وانس ما حدث.
4- بين جزائري حر وعبد مملوك
بينما كان الضباط – الذين أصبحوا عقداء وجنرالات سنة 2004 ـ يزورون الشهادات الطبية لتفادي الخدمة على الحدود الجنويبة المغربية الجزائرية تطوعت أنا لأكون في موقع الحراسة الأمامية الثابت إلى أن يتم تأمين الحدود الجزائرية تماما. في صيف سنة 1982 كنت في منطقة “فرقش” على الضفة الشرقية لوادي درعة الذي كان يفصلنا على المواقع القتالية الحصينة للقوات المغربية. وكان تحت تصرفي عامل على جهاز الاتصال ولم يكن في الحقيقة سوى ـ عبدا مملوكا ـ ملحقا من الأمن العسكري برتبة مساعد يرسل تقارير عني إلى قيادته.
ونظرا لخطورة المهمة فقد اعتمدت على توسيع النشاط الاستطلاعي للمنطقة فكنت أبعث دوريات في الاتجاهات الداخلية ولكنني كنت اذهب بنفسي لاستطلاع الخطوط الأمامية المغربية. فكنت أصحب معي اثنين من ضباط الصف المدربين ونقترب بعد منتصف الليل من الخطوط الأمامية المغربية مستفيدين من الظلام ونتمركز في مكان قريب يمكننا من الرؤية بالعين المجردة وأخذ صور للمواقع ولا نغادر مكاننا إلا بعد الغروب. وقد كنت أنقل نتائج الاستطلاع إلى قيادتي العليا التي بدورها تنقلها إلى قيادة القطاع المركزي للعمليات الذي كان يرأسه الرائد قائد صالح في ذلك الوقت. وتصادف أن قائد الفيلق النقيب عبد الحميد أحيل على التقاعد فجاءني إلى الموقع الأمامي مودعا وقال لي: إسمع يا ولدي أنا استكملت 25 سنة خدمة كنت فيها معتدلا في عطائي لم أزد ولم أنقص ومع ذلك فإنني اشعر بالتعب وأنا أهنئك على كفاءتك وإخلاصك لوطنك ولكن حقك علي أن انبهك إلى أن الآخرين لن يفهموك فكن على حذر ولا ترهق نفسك. هل تعلم أن تقارير وصلت إلى القيادة عنك تتهمك بالاتصال مع المغاربة بطريقة سرية؟ ولولا التقرير المفصل عن دورية الاستطلاع الذي ارسلته لي في الوقت المناسب لوجدت نفسك في وضع لا تحسد عليه. قلت: يا حضرة النقيب: وهل الوضع الذي تتكلم عنه أسوأ من رصاصة تصيبني لو أن المغاربة اكتشفوا مكاني في تلك الدورية؟ لن أنسى لك هذه النصيحة وأطمئنك بأنني واع تماما بما تقول ولكن خياري الوحيد هو أن أقوم بمهامي على الوجه الأمثل ولا يهمني بعد ذلك ما يكون. وقد زارني على إثر ذلك الرائد قائد صالح في نفس الموقع وبعث برسالة يهنئ فيها الفيلق على حسن الأداء وتلقيت بدوري رسالة تهنئة على الانضباط والمثالية في أداء مهامي رغم تقارير جهاز المخابرات.
5- أتمنى أن تمر كلمتك بسلام يا ولدي
رغم أنني ضابط متخصص في قيادة الوحدات القتالية فقد كنت إلى جانب مهامي كقائد وحدة فرعية (فصيلة ثم كتيبة) أقوم بمهمة المحافظ السياسي في جميع الوحدات التي عينت من طرف القيادة للخدمة فيها. وخلال سنة 1987 كنت رئيسا لمكتب التخطيط والبرمجة في مدرسة القوات الخاصة فحضرت المؤتمر الوطني للمحافظة السياسية الذي انعقد في مقر قيادة الناحية العسكرية الرابعة في نفس السنة تحت إشراف العميد العربي سي لحسن رحمه الله. وقد حضرالمؤتمر أغلب المدراء المركزيين للمصالح العسكرية واذكر منهم العميد محمد بتشين الذي كان قائد الناحية العسكرية الرابعة والعميد بوحجة وعمداء آخرون لا أذكرهم وكان ممثل جهاز المخابرات العسكرية في هذا المؤتمر المقدم محمد مدين (الذي أصبح لاحقا مديرا عاما للمخابرات برتبة فريق). وبعدما سمح للمحافظين السياسيين بإبداء آرائهم قلت إن من العبث أن يحرر ضابط صف حديث العهد بالخدمة يحتاج إلى التربية تقريرا عن ضابط في الجيش الوطني الشعبي يمكن أن يصبح قائدا للجيش أو رئيسا للبلاد، فقط لأنه تابع لجهاز المخابرات. واعتبرت ذلك ابتزازا لضباط الجيش وقلت أن الأجدر بالمخابرات أن تحمي الجيش من ظاهرة التسيب التي تفاقمت إلى أن أصبح الجنود وضباط الاحتياط يتسولون على أبواب المساجد ومحطات الحافلات. وقد أعلن العميد العربي سي لحسن مباشرة بعد الشوشرة التي وقعت رفع الجلسة للاستراحة واستدعاني بعد ذلك وسألني عن الوحدة التي أنتمي إليها وعن سير العمل فيها ثم قال: عرفت أنك لست تابعا لمديرية المحافظة السياسية وأتمنى أن تمر كلمتك بسلام يا ولدي… عليك وعلينا… وعلى كل حال سأتحدث مع ممثل المخابرات لتجاوز الموضوع.
6- التعاطف مع الاسلاميين تهمة
بعد الانتخابات البلدية التي فازت فيها الجبهة الاسلامية للانقاذ بالأغلبية سنة 1990 زارني زميلان برتية نقيب في بيتي بشرشال. وبعد أن شربنا الشاي تبسم أحدهما وقال متفكها: أتعلم لماذا نحن هنا يا سي الحاج؟ قلت: أغلب الظن أنها زيارة أخوية. قال: هذا النقيب الذي أمامك هو ضابط الأمن في() و هو مكلف من طرف العميد شلوفي شخصيا لمراقبتك عن قرب وهو سيفعل لأنه يعلم أنه ليس الضابط الوحيد المكلف بهذه المهمة فخذ حذرك. قلت: بما أنكما تعرفانني جيدا لماذا لم تقولا للعميد شلوفي بأن سوء ظنه بي في غير محله؟ قال الضابط الثاني: أتريده أن يسرح من الجيش بتهمة التعاطف مع الاسلاميين؟ فقال ضابط الأمن: أنت متهم بالنشاط لصالح الاسلاميين من خلال الدروس التي تلقيها في مسجد الأكاديمية العسكرية وقد أثبتت نتائج التصويت على مستوى الأكاديمية مدى مساهمتك في فوز الإسلاميين… قلت: يمكنك الحضور إلى المسجد وتسجيل ما أقوله ونقله إلى القيادة بكل أمانة فأنا لا أقول إلا ما تؤكده المواثيق الوطنية العسكرية والمدنية ولا يهمني أن يستفيد من ذلك الاسلاميون أو غيرهم. وعلى كل حال جزاكم الله خيرا على تنبيهي لما يدور حولي وإن كنت لن أغير من سلوكي مهما حصل.
وقد جاءني ضابط آخر من قسم المحافظة السياسية يخبرني بأن التعليمات صدرت لهم بمراقبتي والحذر مني فشكرته دون أن يمثل ذلك أي هاجس يذكر لدي لأنني كنت أعتقد جازما بأن القيادة العسكرية إما أن تكون وطنية مخلصة فتتعامل معي بمقتضى القانون والمصلحة الوطنية وهو ما لا يترتب عليه أي ضرر. وإما أن تكون غير ذلك فتستهدفني بالتعسف وأكون سببا في فضيحتها أمام الجميع، وكنت مستعدا تماما لتحمل عواقب ذلك.
أقتصرت على هذه الوقفات مع المخابرات لأخلص إلى قول ما يلي:
1- أنني لم أفكر أبدا ولو مرة واحدة في مراجعة وفائي لالتزاماتي كضابط في الجيش الوطني الشعبي بل كنت دائما أجد لسلوك جهاز الأمن العسكري ذريعة أو عذرا لا علاقة له بالإخلاص في العمل أو الوفاء للوطن وإنما الدافع لذلك هو تحقيق مكاسب غير مستحقة على حساب الآخرين. ولذلك لم أكن أكترث بما يحرره ضباط الأمن العسكري وعملاؤهم وإنما ركزت اهتمامي على تكذيبهم على أرض الواقع بالعمل الجاد من أجل إثبات جدارتي وإخلاصي وانتصرت عليهم بدليل أنني كنت على رأس قائمة المرشحين للترقية في الرتبة والمنصب طوال خدمتي في الجيش. فكنت أصغر نقيب في الجيش والأعلى رتبة ومنصبا من دفعتي في القوات الخاصة كلها رغم أن استهدافي من طرف المخابرات كان مبكرا جدا ومستمرا.
2- إن القيادة العسكرية العليا تعرف جيدا من هو المخلص المتفاني من الضباط وتعرف من هو الانتهازي الانتفاعي ولذلك فإنها تعترف في قرارة نفسها وفي المجالس المغلقة بفضل المخلصين ولكن عندما تتعارض مصالحها الشخصية مع المصلحة العليا للجزائر فإنها تختار الانتهازيين للتعويل عليهم وتستهدف المخلصين لأنهم يشكلون عبئا عليها. فالقيادة العسكرية كلها كانت تعرف تمسكي بديني في الوقت الذي لم يكن الاسلاميون في الجزائر شيئا مذكورا وكان كل الضباط بمن فيهم قادة الوحدات يلقبونني بالحاج ولذلك فإن علاقتي بالإسلام ليست هي بيت القصيد في الحرب التي أعلنت علي من طرف المخابرات. وإنما السبب الرئيسي هو تأكدهم من رفضي القاطع والمعلن للدخول في الحرب القذرة التي قرروا شنها على المواطنين الجزائريين العزل. وقد بقوا يتمنون استدراجي لها بأي شكل من الأشكال ولكنهم عادوا بالخيبة بعد 15 عاما من الانتظار خاضوها في أنهار من الدماء الجزائرية في الوقت الذي أثبتت الوقائع والسنوات بأنني أبعد ما أكون عن العنف والإرهاب والتطرف كما أن سيرتي الذاتية أنظف من أن تلوثها حملة التشهير التي قادها المفسدون الحاقدون داخل الجيش وخارجه.
3- أن ثباتي على موقفي المعلن منذ البداية ليس عنادا ولا عزة بالإثم وإنما هو التزام بالانحياز إلى الحق قائم على أساس متين من النظر والتروي والصبر والإخلاص. وما طالبت الالتزام به في الوقت الذي كانت الجزائر تنعم فيه بالعافية تحاول القيادة العسكرية اليوم أن تتبنى شيئا منه دون جدوى بعد أن مر الجيش الوطني الشعبي بمحنة لن تنسى من تاريخه إلى الأبد. أما جهاز المخابرات فقد وقع في مأزق حقيقي لن يخرج منه إلا بإصلاح جذري.
المخابرات و المصالحة الوطنية
مرت عشر سنوات على هجرتي من الجزائر حاولت فيها الدوائر المجرمة من المخابرات الانتقام مني ولكنها لم تفلح.
وفي سنة 2005 وبعد إثارة مشروع العفو الشامل كتبت رسالة مفتوحة لرئيس الجمهورية وضحت فيها موقفي من المسعى ردا على نداء الرئيس الذي طلب فيه المشورة من المواطنين الجزائريين.
وبعد إصدار ميثاق السلم والمصالحة تم الاتصال بي من طرف العقيد موفق ممثل المؤسسة العسكرية في لجنة المصالحة الوطنية وحاول إقناعي بجدية المسعى الذي أعلنه الرئيس وحاجة أنصار المصالحة إلى المساعدة في مواجهة الطرف الاستئصالي في السلطة. وكان موقفي صريحا وواضحا أكدت فيه على الاستعداد التام لدعم أي مسعى جاد من أجل المصالحة الحقيقية بين الجزائريين والمساهمة في أي مشروع إصلاح عملي للوضع. ولكنني أكدت أيضا على ضرورة التخلي عن سياسة المراوغة والعمل في الكواليس والاعتراف الصريح بالخطأ الذي وقعت فيه القيادة العسكرية والإعلان عن نيتها الصادقة في الإصلاح وحاجتها إلى كل الجزائريين المخلصين ورد الاعتبار الكامل لهم بلا قيد ولا شرط.
وقد رد علي العقيد موفق بعد التشاور مع قيادته بأن الأمور تسير في نفس الإتجاه الذي أفكر فيه ولكن القضية تتطلب صبرا وتضحية وتعاونا من طرف الجميع لأن مشروع المصالحة يواجه معارضة قوية تحاول إجهاضه وركز على طمأنتي بأن القيادة العسكرية والضباط كلهم يذكرونني بالخير… فتساءلت: وكيف تفسر اتخاذ صورتي دريئة للرمي يتدرب عليها الضباط وتدريس قضيتي من طرف الأمن العسكري كنموذج للعداء للوطن في مقرر تكوين الضباط الأحداث؟ وكيف تفسر التهم الملفقة الموجهة لعمي المجاهد محمد الأخضر وابنه الدكتور عثمان وإصدار أحكام ضدهما وصلت إلى الإعدام….؟ فقال إن هذا جزء من الماضي الأليم والقيادة تذكركم بالخير ويعلمون أنكم أسرة مجاهدة ومخلصة للوطن وأنا مستعد أن أضمن لكم تسوية وضعيتكم… قلت: نحن مستعدون للتعبير عن موقفنا من مشروع المصالحة كتابيا للجنة المصالحة الوطنية لأننا لم نتبرأ بعد من دولتنا ولم نتنازل عن حقنا في المواطنة وما يترتب عليه من الواجبات ولذلك فسنتصل بالقنصلية الجزائرية بلندن من أجل تسوية وضعنا الإداري. أما المصالحة فإننا وإن لم نقتنع بجديتها فإننا لن نتسبب في عرقلتها. ولكننا لن نصطف مع من يرفعون شعارها حتى يتبين للناس إخلاص مسعاهم على أرض الواقع.
وقد كان موظفو القنصلية الجزائرية بلندن بدون استثناء إيجابيين في تعاملهم معنا وتمت تسوية وضعيتنا الإدارية بدون أي مشكل ولا تأخير في ظل الاحترام المتبادل المطلوب. فبعد استكمال إجراءات التسجيل مباشرة تحصلنا على بطاقاتنا القنصلية وجوازات سفرنا الجزائرية وسلمنا للقنصل الأخ ابراهيم رسائل موجهة إلى لجنة المصالحة حددنا فيها موقفنا بكل وضوح من الأزمة منذ بدايتها بصفة عامة ومن المصالحة بصفة خاصة.
ولكن الاتصال بيني وبين العقيد موفق انقطع منذ ذلك الحين.
ورغبة في التأكد من حقيقة ما يجري وجدية كلام العقيد موفق اتصلت برجل موثوق أعرفه جيدا كان شاهدا ووسيطا بيني وبين المدير العام للوقاية والأمن في الفترة التي تلت اختطافي من سجن الحراش وطلبت منه الاتصال بالفريق محمد مدين والتأكد من اطلاعه على ما جرى بيني وبين العقيد موفق وموقفه منه. فجاءني الوسيط بتأكيد ما قاله العقيد موفق وعبر لي عن تأسف الفريق محمد مدين على ما آلت إليه الأوضاع في الجزائر والحرج الذي وجد نفسه فيه سنة 1992 مؤكدا على أن المؤامرة على الجزائر أخطر مما أتصوره أنا وأنني أخطأت في فهم كثير من الأمور لجهلي بحيثياتها بالرغم من ثقته في إخلاصي واعترافه بصواب موقفي من أمور كثيرة كما لم ينس أن يذكرني بأنه أنقذ حياتي من موت محقق كان ينتظرني بعد مراوغتي للمدير العام لأمن الجيش اللواء كمال عبد الرحمان وقال بأنه اعتبر خروجي من الجزائر بدون إشعاره تصرفا لم ينتظره مني. كما عبر لي عن رغبته في عودتي إلى خدمة بلدي بالطريقة التي أراها مناسبة…
كان هذا ملخص الأفكار التي تضمنتها الرسالة الأولى للمدير العام للوقاية والأمن وكان ردي عليها فوريا أثناء الحوار نفسه. فبالنسبة لعودتي للخدمة في إطار مؤسسة الجيش وملحقاته – على افتراض إمكانيتهاـ لم يكن هذا واردا بتاتا لاعتبارات كثيرة أهمها أنني أتمتع بحق المواطنة في بلد ثان منحني الأمن والحماية في وقت المحنة وعلي التزامات أخلاقية وقانونية أنا حريص على الوفاء بها. ولكنني لا أمانع من المساهمة في أي مشروع علني جاد وواضح من أجل إنجاح المصالحة الحقيقية بين أبناء وطني. أما قضية قصوري عن فهم حيثيات الأزمة فقلت أنني أقبل هذه الفرضية تواضعا واعترافا بأن الكمال لله وحده ولكنني أنتظر منه إقناعي بصواب موقفه وسأكون مستعد للاعتذار والمرافعة لصالح أي مشروع إصلاحي يتبناه هو أو غيره إن كان قائما على الحقيقة والمصلحة الوطنية.
وقد تخلل هذا النقاش حديث عن علاقتي بالمعارضة في الخارج والداخل على غرار حركة الضباط الأحرار وحركة رشاد وغيرها أكدت فيه العلاقة الأخوية والإحترام المتبادل الذي بيني وبين الوجوه المعروفة في المعارضة وقدرتي على الوساطة الإيجابية من أجل مصالحة حقيقية بين الجزائريين. وقد تطور النقاش إلى درجة اقتراح زيارة محددة إلى الجزائر من أجل وضع النقاط على الحروف ولم أتردد في الإعلان عن استعدادي للدخول من منطلق المتيقظ لكل الافتراضات ومحذرا من أن محاولة تصفيتي في أي سيناريو كان لا يخيفني ولكنه سيعود بالوبال على الجميع بكل تأكيد. وتمت الموافقة على زيارتي للجزائر بضمانات من المدير العام للوقاية والأمن. واتخذت بناء على ذلك كل الترتيبات بما في ذلك حجز تذكرة السفر – على حسابي طبعا – صيف سنة 2008، ولكنني من باب الاحتياط والتوثيق اتصلت برئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان الاستاذ فاروق قسنطيني وأخبرته بعزمي على الدخول إلى الجزائر وطلبت منه التأكد من أن دخولي لن يتسبب في تعقيد الأمور. وقد أبدى لي السيد قسنطيني ترحيبه وطمأنني من حيث المبدإ قائلا: هذا قرار صائب وأنا سأكون أول المرحبين بك في بلدك في المطار وسيكون العشاء في بيتي. ولكن أمهلني يوما واحدا حتى أقوم بالإتصال بالقيادة وأوافيك بالخبر اليقين.
وبعد 48 ساعة أخبرني الأستاذ قسنطيني بأن القيادة العليا لا ترى مانعا من دخولي إلى الجزائر وطلب مني الاتصال بالملحق العسكري بلندن لموافاتي بالترتيبات اللازمة لدخولي. وبناء على ذلك اتصلت بالعقيد خليلي الذي بدا جاهلا بالموضوع تماما ووعدني بمراجعة القيادة في الجزائر وضرب لي موعدا في السفارة الجزائرية بلندن ولكنه في الموعد المحدد ترك لي رسالة اعتذار مع أحد نوابه وطلب مني تأجيل اللقاء فرددت عليه اعتذاره وأسمعته ما يليق بالضباع أمثاله… لقد أصبح واضحا لدي بأن المدير العام للوقاية والأمن فقد السيطرة على جهاز المخابرات وأن مرؤوسيه يشتغلون عملاء مزدوجين لمصالح أخرى داخل منظومة السلطة… ولذلك اتصلت بالأستاذ قسنطيني وأخبرته بأن القيادة العليا التي توظفه لا تملك من الأمر شيئا وأن ضماناتها غير موثوقة وشكرته هو شخصيا على مسعاه المخلص. أما الفريق محمد مدين فقد بلغه ما جرى ولم يخف استياءه من اتصالي بفاروق قسنطيني دون إشعاره وقال أنا لا أضمن أن يتم اعتقالك من طرف سلطة أخرى بأي تهمة… وقد تتهم بالخروج من الجزائر بطريقة غير شرعية سنة 1995 ولذلك لا أنصحك بالدخول إلى الجزائر في الوقت الحاضر.
في الحقيقة لم أكن أراهن على سلطة المدير العام للوقاية والأمن ولا على الطريقة الودية التي كان يتعامل بها لأنني حددت مساري في هذه الرحلة الجديدة من النضال قبل الانطلاق فيها، ولكنني كنت أريد الوصول بالأمور إلى غاياتها القصوى لأنني مقتنع تماما بأن السلطة الفاسدة في الجزائر تراهن على الرعب الذي ألقته في قلوب المخلصين واضطراب مواقفهم أمام الأساليب الغادرة والماكرة لزبانيتها. فأنتهى الأمر بكثير من المعارضين إلى فريقين أحدهما مرعوب لا يجرؤ على الاقتراب من حصون السلطة، والثاني انتهازي ما أن يفتح له باب الحوار حتى يصطف مع القطيع داخل زريبة السلطة الفاسدة.
وأنا أشعر بإن مجال التواصل الذي اقتحمته مع جهاز المخابرات أفادني كثيرا في فهم بعض التفاصيل المتعلقة بما يجري وتمحيص معلوماتي عن الوضع ولكنه لم يؤثر على موقفي المبدئي من الأزمة الوطنية والمتسببين فيها لأن العبرة من إرادة التغيير والإصلاح في نظري هي بما يتحقق على صعيد الواقع المعاش وليس بما يرفع اللوم عن المتورطين في المأساة الوطنية عند هذا أو ذاك.
ولذلك فإنني لا أرى مانعا إلى حد الآن من التدخل لمساعدة أي مواطن في حل مشكلته من طرف ضباط الأمن ما داموا يريدون التعبير عن حسن نواياهم، كما أثمن أي مسعى كان من طرف أي سلطة أمنية يهدف إلى محاربة الفساد أو التقليل منه أو يدعم مسار التصالح بين الجزائريين. ولكنني أؤكد على أن ذلك لن يسقط علينا كمواطنين مناضلين واجب المطالبة بالتغيير الشامل لهذا النظام الفاسد وإبعاد المجرمين والمفسدين من مواقع السلطة قدر المستطاع بأي طريقة فعالة تقوم على قاعدة التوازن بين درء المفاسد وتحقيق المصالح وتمجيد العدل.
ورغم أن كثيرا من المؤشرات تدل على تحول كبير في موقف الفريق محمد مدين من الأزمة منذ سنة 2003 إلا أن الإصرار على تضليل الرأي العام بشأن ما جرى منذ ماي 1991 والتستر على المسؤولين على تأزيم الوضع – بذريعة التورط معهم ربما ـ و إشاعة الفساد والعنف والدوافع الحقيقية التي تحركهم في هذا الاتجاه؛ كل ذلك سيبقى حاجزا أمام تثمين أي عمل إيجابي قد يقوم به الفريق محمد مدين أو غيره في الاتجاه الصحيح.
والذي استنتجته من هذا التواصل الذي تمحور حول تحقيق المصالحة الوطنية ولم يتجاوزها:
1- أن الفريق محمد مدين خاض حربا من أجل الوجود مع حلفائه السابقين بلغت حد تكسير العظام عندما تأكد بأنهم يزرعون الشوك بيديه ويحصدون العنب بأيديهم. فنائبه على أمن الجيش اللواء كمال عبد الرحمان كان يتصرف وفق ما تقتضيه مصلحته الخاصة وعلاقاته مع قيادة الجيش ممثلة في الفريق محمد العماري الذي كان أعلى رتبة من توفيق وكان استئصاليا صرفا. أما نائبه على الأمن الداخلي والخارجي اللواء سماعين لعماري فكان يتصرف وفق ما تقتضيه مصلحته الخاصة وعلاقاته مع اللواء العربي بلخير واللواء نزار خالد تمهيدا للتخلص من توفيق وخلافته على رأس المديرية العامة للوقاية والأمن التي تعتبر الصندوق الأسود الذي يحتوي على الملفات السوداء لضباط فرنسا والذين يعتبرون توفيق عنصرا غريبا عنهم و غير موثوق رغم تورطه معهم في انقلاب يناير 1992 . وقد انتهت هذه الحرب لصالحه في النهاية وتمكن من تحييد كل خصومه بالقوة ودون قيد ولا شرط.
2- أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بعد سنة 2007 أعطى الإنطباع بأنه صاحب الفضل في التخلص من جنرالات فرنسا والمتورطين معهم في تفجير الوضع في الجزائر سنة 1992 وبدأ يتوهم أنه السلطة العليا والوحيدة في الجزائر فحاول تهميش دور المديرية العامة للوقاية والأمن من خلال المراهنة على وزير الداخلية يزيد زرهوني وجهازه الأمني الذي جعل منه قوة عسكرية حقيقية فاعلة على الأرض، خاصة وأن اللواء سماعين لعماري وطد تعاونه مع وزير الداخلية يزيد زرهوني على حساب علاقته بجهاز توفيق في هذه المرحلة، وبدا كأن منصب توفيق لم يعد له دور في تسيير البلاد. وتجلى ذلك من خلال تعميق علاقات التعاون مع المسؤولين الفرنسيين ومعالجة ملفات المعنيين بالمصالحة الذين تمت تسوية وضعياتهم من طرف جهاز المخابرات فكانت مصالح الشرطة تقوم باعتقالهم وإخضاعهم لتحقيقها الخاص وهذه بدعة لم تحصل في تاريخ الجزائر من قبل. ولكن تجاهل صلاحيات المخابرات في عرف منظومة السلطة كان غباء من طرف معسكر الرئيس، ولذلك ما أن مات اللواء سماعين لعماري الذي كان يراهن عليه كل خصوم توفيق حتى أنهى هذا الأخير هذه الحرب الباردة لصالحه تماما بعد أن عين نوابا موثوقين لديه على رأس المديريات العامة لجهازه واستفاد من المرسوم الرئاسي الذي أنشئ بموجبه جهازا قضائيا تابعا للمخابرات وأصبحت لديه القدرة في الذهاب بإلإجراءات القانونية إلى المراحل النهائية من المتابعات القضائية دون الحاجة إلى الشريك التقليدي الذي تمثله مصالح وزارة العدل.
3- أن عددا كبيرا من الضباط والعسكريين على أعلى مستوى مقتنعون اقتناعا تاما بأن مسلك السلطة سنة 1992 كان خاطئا وأن المصالحة بين الجزائريين هي العلاج الوحيد النافع لما أصاب الجزائر ولكن توسع دائرة التوريط في الأزمة الدموية بمرور السنوات وما ترتب عليه من تنوع شعب الفساد وغياب ضمانات تحمي المتورطين في الجرائم المقترفة في حق الشعب والوطن تقف حاجزا أمام كل مبادرة للحوار بين الضحايا والمذنبين. ولذلك فإن الرهان الرئيسي يبقى في المقام الأول على تحلي بعض القيادات العسكرية بالشجاعة الكافية للاعتراف بنصيب القيادة العسكرية المتورطة في الأزمة من المسؤولية والمرافعة من أجل إنصاف مؤسسة الجيش الوطني الشعبي في محاكمة وطنية تاريخية عادلة يمثل أمامها الجميع بدون استثناء انتصارا للحقيقة والعدالة وجمعا للشمل من أجل ترميم ما دمرته الأزمة ورد الاعتبار لكل مقومات النهوض بالجزائر المستقلة التي كان يحلم بها الشهداء والمجاهدون المخلصون، بعيدا عن تصفية الحسابات.
وقد حرصت على أن يكون هذا التواصل واضحا لا لبس فيه ولم أتحفظ في أي موقف من مواقفي رغم أني كنت موقنا بأن كل ما جرى بيني وبين من تواصلت معهم كان مسجلا وربما مصورا. وذلك لأن هدفي كان إلزام هؤلاء الناس الحجة بأن مطالبنا واضحة وغير قابلة للمساومة وأن الكرة في ملعبهم. فمن أراد الخير للجزائر فعليه أن يثبت ذلك على أرض الواقع طواعية وبدون مساومة من أي نوع، ومن أراد غير ذلك فمن حقنا أن نبذل كل ما في وسعنا لتخليص بلادنا وشعبنا من شره.
وقد نشرت شهادتي على الأحداث في وقت كان المعنيون بها كلهم أحياء رغبة مني في إعطائهم فرصة التعقيب والرد عليها ما داموا قادرين على الدفاع عن أنفسهم بدلا من من تشويه الحقائق بعد غياب الشهود على الأحداث كما يفعل الانتهازيون أمثال اللواء نزار خالد ومن لف لفه من المسؤولين على أعظم مأساة في تاريخ الشعب الجزائري.

http://chouchane.algeriavoice.net/

ملحقات:
توضيحات النقيب أحمد شوشان لملاحظات القراء 1
1) فهم بعض من قرأ الفصل الأول من شهادتي أنني معجب بالسعيد مخلوفي وبكفاءته في القيادة. وأتمنى أن لا يلتبس على الإخوة القراء هذا الأمر. فأنا ما زلت أقدر للسعيد مخلوفي شجاعة موقفه ووفاءه بعهده واستعداده للتضحية في سبيل المصلحة العليا لوطنه وشعبه محتسبا كل ذلك لوجه الله (هذا ظني فيه والله حسيبه). ولكنني لم أنسب إليه الكفاءة في القيادة لأن هذا شأن من بايعوه على الإمارة وليس شأني ولا قلت إني معجب به. بل أنا لم أقل حتى أن السعيد مخلوفي جدير بقيادة الحركة الاسلامية المسلحة ولا غيرها لأن هذا التنظيم لم يتم الإعلان عنه إلا بعد اعتقالي. فعلاقتي بالسعيد لم تكن أبدا في إطار تنظيمي ولكنني تصرفت معه ومع المحيطين به وفق ما أملاه علي ضميري وبناء على تقديري للموقف بكل استقلالية وحرية، ليس كضابط عسكري فقط ولكن كمواطن جزائري مسؤول أمام الله أولا وأمام الشعب الجزائري ثانيا ثم أخيرا أمام الجيش الوطني الشعبي كمؤسسة وطنية شعبية لا كشركة خاصة للواء نزار خالد ومن تواطأ معه على إيقاد الحرب بين أبناء الشعب الجزائري الواحد المتآخي منذ قرون.
ورغم دفاعي عن السعيد فيما أعرفه عنه قياما بواجب الانصاف والشهادة بالحق إرضاء لله فإنني لا أجادل عنه فيما ليس لي به علم و أسأل الله لي وله ولسائر المخلصين الستر.
2) أحالني بعض القراء إلى مقال كتبه الصحفي حميدة العياشي في جريدته اليومية (الجزائر نيوز) يوم الجمعة 11 يناير 2008 زعم فيه أن الشاذلي بن جديد قال له أنه استقال بمحض إرادته ولم يكرهه أحد على الإقالة. وهذا بطبيعة الحال مخالف تماما لما أوردته في الفصل الأول من شهادتي. ولو أن في وسائل الإعلام الجزائرية موضع قدم واحد للحقيقة لما ترددت في إرسال تعليقي إلى نفس الجريدة. ولكن حالي مع الصحافة الجزائرية منذ اعتقالي سنة 1992 وإلى هذه اللحظة كحال القائل: لقد أسمعت لو ناديت حيا… ولكن لا حياة لمن تنادي.
فأنا أشعر بالغيظ عندما يتظاهر بعض الجزائريين بالغباء رغم ما متعهم الله به من العقل، خاصة عندما يتعلق الأمر بالشهادة على الأحداث. إن ذلك لا يدل على احتقار الانسان لنفسه فقط بل يتعداه إلى الاستخفاف بعقول الناس والاغترار بحلم الله ولطفه والكفر بنعمة الفهم والإدراك. وإلا فماذا يعني أن ينقل الصحفي احميدة العياشي عن الرئيس الشاذلي بن جديد أنه هو الذي قرر الاستقالة، بعد أن تأكد من هروب خيوط اللعبة من بين يديه، وأنه رفض أن يظهر الجنرال خالد نزار وراءه عندما تلا رسالة الاستقالة أمام ممثلي المجلس الدستوري. أيريد أن يوهم الناس بأن الشاذلي قرر الاستقالة بمحض إرادته ودفع بالجزائر إلى هاوية الهلاك وأن خالد نزار وجماعته اشفقوا على الشعب الخديم وأنقذوه؟ إذا كان هذا ما يريد إيصاله فعلا فعليه أن يقول بالصريح الفصيح بأنه يتهم الشاذلي بالخيانة العظمى ويحمله المسؤولية الجنائية والأخلاقية على كل المفاسد التي ترتبت على استقالته الاختيارية وأن ملايين الجزائريين من ضحايا خالد نزار وحرسه الجمهوري خارجون على القانون.
ومهما يكن قصد العياشي، فإن في كلام الشاذلي ـ الذي ساقه في شهادته على اللحظات العسيرة ـ فصل الخطاب. ففي قوله ـ بعد أن تأكد من هروب خيوط اللعبة من بين يديه دليل على أنه فقد السيطرة على القيادة العسكرية التي هي الحبل الوحيد الذي به يتم التحكم في الجزائر دولة وشعبا ووطنا ولا يوجد خيط واحد خارج هذا الحبل. ورغم أن الشعب انتفض على الشاذلي سنة 1988 فإنه لم يقل أن خيطا واحدا هرب من يديه، بل أمر القيادة العسكرية باستعمال الرصاص الحي ضد الشباب العزل. أما في سنة 1991 فقد تبنى قتل المئات من مناضلي الفيس المضربين وزج بعشرات الآلاف منهم في مناطق ملوثة بالإشعاعات النووية السامة واعتقل قيادة أكبر حزب سياسي في الجزائر ولم يسمع أحد أن خيطا واحدا هرب من يديه. وأخيرا قرر إجراء الانتخابات بالطريقة التي أرادها وقبيل إجرائها بأيام توعد بالسحق وبعضلة لسانه وعلى المباشر من شاشة التلفزيون كل من يرفض نتائج الانتخابات مؤكدا بذلك أن الحبل الذي يلف كل الخيوط ما زال بيده إلى ذلك التاريخ. فما هي الخيوط التي هربت من يد الرئيس بعد فوز الفيس والجبهتين يا ترى؟ الجواب الواضح الوحيد هو: بما أن قيادات الجبهات الثلاث توافقت على حد أدنى من التعاون وانضم إليها غيرها من الأحزاب السياسية وقد كان الجميع على تواصل مع الرئيس وعبرت الأغلبية الساحقة عن استعدادها المبدئي لاستكمال المسار الديمقراطي، فإن الخيوط الذي كان يعنيها الشاذلي هي حبل القيادة العسكرية الذي كان يحكم به الجزائر؛ وقد حكم به قبله الرئيس بن بله وهربت الخيوط من يديه وحكم به بعده بوضياف وخنقته الخيوط ثم حكم به علي كافي وهربت به الخيوط ثم لمين زروال الذي التهبت يداه من شد الخيوط فأطلقها وجاء الرئيس بوتفليقة الذي أبدى مهارة عاليه في غزل الخيوط وفتل الحبال ولكنه أخيرا تعثر فيها وأتمنى أن لا يكون قد التقى بصحفي مرابط مثل العياشي هذه الأيام وأسر له بأنه قرر الانتحار قبل أن تجره الخيوط الهاربة إلى المجهول.
أما النكتة الثانية فهي قوله: أن الشاذلي رفض أن يظهر الجنرال خالد نزار وراءه عندما تلا رسالة الاستقالة أمام ممثلي المجلس الدستوري. فالدليل على أن الشاذلي استقال تحت التهديد هو رفضه لوجود خالد نزار وراءه وهو يتلو رسالة الاستقالة. ولو لم يكن يشعر بالإهانة التي لا يمكنه احتمالها تحت الضغط لما احتاج للتعبير عن الرفض، لأن بث سيناريو الاستقالة كان مسجلا. وما جدوى وجود نزار خالد وراء الشاذلي في هذا المقام؟ علما بأن رئيس البرلمان كان ما زال موجودا ورئيس الحكومة ورئيس المجلس الدستوري أيضا.
لقد كفانا نزار مؤونة النظر في الموضوع عندما رد على الشاذلي في خرجته الإعلامية الوحيدة منذ عزله قائلا بنبرة التهديد والاحتقار: أولى لك أن تلزم الصمت كما فعلت مختارا إلى حد الآن وإلا أسكتناك… وفعلا عاد الشاذلي إلى صمته ولم يغادر جحره إلا بعد أن تقطعت خيوط اللواء نزارخالد وانكسر ظهره في معركته مع مشروع المصالحة الذي تبنته في البداية قيادة المخابرات إلى جانب الرئيس بوتفليقة. ولذلك فإن على الرئيس الشاذلي إن كان فعلا من جيل ثورة نوفمبر المجيدة أن يخبر الشعب الجزائري بما حدث بالضبط وبدون تحفظات من أي نوع. لأن تزييف الحقائق لم يعد يجدي نفعا في عالم اليوم وأجياله القادمة. وكفى بالمرء خزيا وعارا أن يكذبه صبيان المستقبل في أمر يخصه وتكتب عن حقيقة أمره المصالح الأجنبية.
وهنا أشعر بالغبطة تجاه الرئيس الفنزويلي على شجاعته وذكائه لأنه فضل أن يؤخذ أسيرا من طرف جنرالاته المتآمرين عليه ليحرمهم من شرعنة خيانتهم ويبقي على شرعية الدفاع عن رمز السيادة الفنزويلية وحرمة دولتها المستقلة وكرامة شعبها الحر. إن السيناريو المزيف لاستقالة تشافيز بكل مشاهده الاعلامية المكثفة خلال يومين ذهب أدراج الرياح وبقيت المشاهد الحقيقية التي أظهرت رئيس فنزويلا المعزول وهو مقيد اليدين ومجردا من ملابسه كأنه من سجناء الحق العام. فهل كان بإمكاننا أن نطلع على تلك الحقائق ونشاهدها في التلفزيون لو نجح جنرالات فنزويلا في انقلابهم الأبيض (كما حصل في الجزائر) وخرج علينا تشافيز بعد سنوات من الصمت الرهيب بشهادة مزيفة (على منوال شهادات زملاء جمال عبد الناصر على العصر في برنامج أحمد منصور)؟ مع ذلك كنا سنطلع على الحقيقة بكل تأكيد ولكن بعد ثلاثين سنة عن طريق السفارة الأمريكية التي سجلت كل كبيرة وصغيرة عن مؤامرة الجنرالات. فالقضية إذن لا تحسمها الخربشات القائمة على (قال العياشي عن الشاذلي أنه قال له: …) بل إن القضية تطورت إلى مسؤولية على خراب دولة وتفكيك أوصال شعب لن تبرأ الذمة منها إلا بالانتهاء إلى الحقيقة كاملة وبدون مساحات ظل ولا زوايا مظلمة.
فإذا أصر الشاذلي على أنه استقال بمحض إرادته. فهو مطالب أن يخبرنا كيف وصلت ثيابه الخاصة إلى أيدي حرسه الشخصي قبل ظهوره على شاشة التلفزيون بيوم واحد على الأقل. وما الذي حمله على إيهام الشعب الجزائري والعالم كله علنا من على شاشة التلفزيون بقدرته على إلزام الجميع بنتائج الانتخابات أياما قبل الاستقالة ؟ وما الذي منعه من تبني قرارات القيادة العسكرية وإضفاء الشرعية عليها مثل ما فعل في أحداث أكتوبر 1988 وإضراب الفيس سنة 1991؟ ولماذا صادق على توثيق نتائج الانتخابات في الجريدة الرسمية ساعات قبل الاستقالة دون إشعار القيادة العسكرية التي سلمها مقاليد السلطة بذلك؟ ولماذا صادق قبل استقالته على حل البرلمان ابتداء من تاريخ لاحق ليوقع فراغا دستوريا يضع الجزائر في مهب الريح؟ فإذا لم يجب الرئيس على هذه الأسئلة بما يجلي الحقيقة أمام الناس، فمن حقنا أن نكذبه ونرفض تسفيهه لعقولنا. فيكفينا إنصافا له وإشفاقا عليه أننا نكله إلى ضميره ولا نطالبه بالمثول أمام لجنة تحقيق تناقشه الحساب كاملا.

———-

توضيحات النقيب أحمد شوشان لملاحظات القراء 2
01 مارس 2009
1 ـ وصلتني رسالة من الأخ أبوجمعة يوضح فيها معلومتين وردتا في الجزء الثاني من الفصل الثالث والمتعلق بأحداث سجن البرواقية.
ـ يقول الأخ بوجمعة: إن اللقب الصحيح للأخ يوسف المتهم في قضية المطار هو (بولصباع) وليس (بوصبيع) كما ورد في نص الشهادة وهو متأكد من ذلك لأن لقب الأخ بوجمعة نفسه هو بوصبع و سبق للناس الخلط بين لقبه ولقب الأخ يوسف.
ـ كان الأخ بوجمعة هو آخر من بقي معي في الزنزانة 28 وأول من ظهر لقوات الدرك قبل أن يأذن لنا وكيل الجمهورية بمغادرة الزنزانة. أما الأخوين الآخرين الذين كانا معنا ـ محمد الزهار وعيسى جبريط – فإنهما خرجا قبيل بداية الاقتحام بقليل بغرض الحصول على دواء من القاعة “أ” ولكنهما فوجئا بالرصاص الكثيف الذي أطلقه رجال الدرك من كل الاتجاهات فتمكن الأخ محمد الزهار من الدخول إلى الزنزانة المجاورة لنا أما الأخ عيسى جبريط فقد كان قريبا من القاعة “أ” التي تزاحم على مدخلها عشرات المساجين هربا من الرصاص فلم يتمكن من العودة وحوصر في قطاع الرمي المباشر لأسلحة الدرك فكان من بين القتلى الذين راحوا ضحية لهذه الماسأة.
وذكرني الأخ بوجمعة بتفاصيل أخرى لم أتعرض لها في الحوار منها نصيحتي له بالامتثال لأمر حراس السجن بنزع ثيابه في العراء طواعية مثل سائر المساجين إشفاقا عليه من انتقامهم منه بطريقة قد تكون أخس وأحقر من نزع الثياب ـ وهم أهل لأقبح من ذلك ـ رغم أنني رفضت أنا شخصيا فعل ذلك إرغاما لأنوف حراس السجن أمام المساجين المقهورين. وقد أخزاهم الله وأذلهم وعصمني من شرهم فله الحمد و له الشكر.
2 ـ اشتبه على بعض الإخوة موقفي من القيادة العسكرية نظرا لرفضي التورط في اغتيالها وحاول بعض مجهولي الهوية الاستثمار في الغموض الذي أحاط بالموضوع من خلال التعليقات في المنتديات المفتوحة زاعمين بأنني كنت سببا في نجاة الجنرالات.
والحقيقة انني عبرت عن موقفي قبل سنة 2000 على صفحات جريدة القدس العربي في مقال تحت عنوان : لماذا رفضت اغتيال القيادة العسكرية.
فأنا لم أخف يوما استعدادي للقضاء على القيادة العسكرية التي شكلها وزير الدفاع اللواء خالد نزار بعد أن ورطت الجيش الوطني الشعبي في حرب قذرة لا ناقة له فيها ولا جمل. وقد أكدت هذا للواء خالد نزار نفسه في رسالة بخط يدي في مارس 1992. ومازلت أذكر النص المتعلق بهذه النقطة كما كتبته وهو كما يلي:
إن استعدادي للقضاء على 50 جنرالا من أجل أن يعيش 30 مليون جزائري في أمن وسلام واجب يفرضه علي الوفاء للتعهد الذي أقسمت عليه يوم تخرجي كضابط (أن أكون الخادم الوفي لبلدي في كل الظروف) وأنا مستعد لتحمل المسؤولية الكاملة على اجتهادي بكل اعتزاز
أما بالنسبة لكوني سببا في نجاة الجنرالات، فالذي يعنيني فيه هوأنني كنت مقتنعا بأن اغتيالهم في تلك الظروف لم تكن فيه مصلحة لأحد بل على العكس كانت ستترتب عليه مفاسد كبيرة أعظم حتى مما وقع بعد ذلك كله. والأهم من ذلك هو أنني كنت على اتصال بقيادة الحركة الاسلامية المسلحة ممثلة في السعيد مخلوفي وعبد القادر شبوطي وبقيادة الجبهة ممثلة في الأخ عبد القادر حشاني وآخرين. والقرار الذي اتخذته كان بناء على تشاور ودراسة واستخارة واجتهاد ولم يكن اعتباطيا على كل حال. ولو كان في القيام بتلك العملية اية مصلحة لما ترددت في القيام بها. ويكفي أن أؤكد أن المنفذين المفترضين لهذه العمليات ما زال أغلبهم أحياء يرزقون وأنا متأكد من اقتناعهم بصواب رأيي في هذه القضية. ولا بأس أن أوضح في هذا المقام أمرا قد يزيل الالتباس: أنا في الحقيقة لم أمنع أحدا من القيام بشيء وإنما رفضت أن أتحمل المسؤولية على ما يترتب على عمل أنا مقتنع بعدم صوابه. وللعلم فإن بعض المنفذين المفترضين لعملية الاغتيال غررت بهم جماعة الملياني فخالفوا التعليمات وبادروا إلى التعاون معها دون مشورتي فكانوا سببا في تفكيك شبكات الحركة الاسلامية المسلحة والمتعاطفين معها داخل مؤسسة الجيش وخارجها وساقونا جميعا إلى حبل المشنقة بدون مبرر.
والشيء الوحيد الذي كان سيتغير لو أنني قمت باغتيال القيادة العسكرية في تلك الظروف هو أن تصبح منطقة القبائل بجيشها المستقل وأن تتحول العاصمة الجزائرية وضواحيها إلى بيروت في فترة الحرب الأهلية اللبنانية ويصبح عنتر زوابري ومن على شاكلته قادرين على قصف المدن بالمدفعية الثقيلة وأن تصبح الجزائر في أحسن الأحوال صومالا جديدا ولكن بآلة قتل أشد فتكا ودمارا. ويمكن للعاقل أن يتصور باقي السيناريوهات.
ولذلك فإنني لم اشعر بالندم لحظة واحدة رغم أنني راجعت نفسي في هذا الأمر مرارا وتكرارا بل إنني أحمد الله الذي وفقني إلى حد الآن في التعامل مع الازمة السياسية في الجزائر بكل مسؤولية وإخلاص وأنا واثق تمام الثقة من صواب موقفي ومستعد لمناقشته بكل شفافية وصراحة مع كافة الأطراف ولله الحمد و المنة على الهداية والتوفيق.
3 ـ تساءل بعض الإخوة عن الجهة التي أصدرت في حقي حكما غير معلن بالاعدام وكيف نجوت من القتل.
منظومة السلطة في الجزائر كلها عسكرية وهذا يعني أنها تتكون من قيادات مختلف الأسلحة في الجيش وملحقاته الأمنية كالمخابرات والدرك مما يعني أن دوائر النفوذ في المؤسسة العسكرية تتشكل حسب تخصص أغلبية الضباط الأعلى في الرتبة زيادة على الاغلبية في المدرسة أو الجهة التي ينحدر منها أغلبية القادة . هذه هي القاعدة العامة والتي في ظلها يكون الانسجام التام بين عناصر القيادة العليا للجيش وينعكس ذلك على المستويات الدنيا من المسؤولين، فيصبح المدير الجهوي للمخابرات أو الدرك مرؤوسا مباشرا لقائد الناحية العسكرية التابع لقيادة الأركان. أما في الظروف الاستثنائية مثل التي تعيشها الجزائر منذ 1992 فإن الأمر انقلب رأسا على عقب خاصة عندما اختلفت طموحات أعضاء القيادة العليا فأصبح المديران المذكوران مرؤوسين لمديرييتي الدرك والمخابرات التابعتين لوزير الدفاع ولكنهما لا يتعاملان مع قائد الناحية إلا في إطار الانضباط العام وليس في إطار المهام بل وربما يتجسسان عليه لصالح قيادتيهما. والشاهد من هذه المقدمة هو أن مديرية أمن الجيش (التي تتبع تنظيميا المدير العام للوقاية والأمن وتتبع قيادة الأركان بحكم ميدان عملها) أصابها الجنون عندما اكتشفت بأن ضباطا من الجيش على علاقة بالحركة الاسلامية المسلحة دون أن تتفطن لذلك. وبدلا من التعامل مع الحدث في إطاره الصحيح والالتزام بنظام الخدمة في الجيش غلب على سلوكها طابع الانتقام وحاولت تقديم ملف ثقيل تعوض به فشلها في مهمتها الأصلية، فحرر محققوها محاضر على مقاس المشنقة وركزوا على شخصي أنا بالذات بصفتي ضابطا موثوقا لدى القيادة العليا. ولما أعادت قيادة الأركان النظر في القضية بناء على الزيارة التي قام بها قائد الأركان إلى سجن بشار العسكري اعتبرت مديرية أمن الجيش ذلك طعنا في مصداقيتها فقررت تنفيذ الحكم الذي أصدرته في حقنا بأي طريقة، ضاربة عرض الحائط بقرار قيادة الأركان والمحكمة العسكرية ودون الرجوع في ذلك حتى إلى المدير العام للوقاية والأمن حسب ما بلغني لاحقا. وقد أكد لي هذا القرار شفويا وبصراحة ضابط سام في مركز التعذيب ببن عكنون بعد اختطافي. ولكن المدير العام لأمن الجيش بلسانه وبالحرف الواحد قال لي: هناك دوائر أمنية قررت تصفيتك ولن ينجيك من قبضتها غير العمل تحت قيادتي. وهذا يدل على أن هذه المشاريع القذرة تتم على مستوى دوائر من الدرجة الثانية أو الثالثة في القيادة تشتغل لصالح قيادة غير قيادتها الأصلية أو لحسابها الخاص. ولذلك فإن تحديد المسؤولية على الأحداث المتعلقة بالاغتيال والقتل الجماعي تتطلب تحقيقا متخصصا ودراية بتركيبة السلطة وطبيعة العلاقة بين مؤسساتها وحتى شخصياتها. والكلام الجزافي فيها لا يساهم في خدمة الحقيقة بقدر ما يضفي مزيدا من الغموض على جرائم ارتكبت بطرق خبيثة من الأساس. ولكن يمكنني تحديد نقطة البداية في التحقيق في القضية وهي بكل تأكيد قيادة المديرية العامة لأمن الجيش أو ما يتعارف عليه عند العامة بالمخابرات العسكرية. وبالتحقيق المستقل والنزيه يمكننا الوصول إلى الحقيقة وتحديد المسؤوليات على ضوء ذلك.
4 ـ ما تقييمكم لمشروع السلم و المصالحة وهل تم الاتصال بكم ومن طرف من؟
التمييز بين المتغيرات والثوابت قاعدة ذهبية في التشخيص الصحيح والدقيق للقضايا. والأصل الثابت الذي ينبغي أن يبنى عليه الحل في الجزائر هو الوفاق والوئام بين أكبر قدر ممكن من الجزائريين. وعندها فقط يمكن تضييق الدائرة على من يستبيح الدم الجزائري سواء كان جنرالا أو إرهابيا ثم خنقهم إذا اقتضى الأمر غير مأسوف عليهم. ولذلك فإن موقفي من كل مسعى للوئام والوفاق والصلح بين الجزائريين هو التثمين مبدئيا. ثم تأتي مرحلة تقييم المساعي وعرضها على مقياس الصلاحية، وهنا يفرض واجب النصح والمساهمة نفسه على المخلصين لمواقفهم، وهذا ما فعلته إبراء للذمة أمام الله أولا حيث راسلت رئيس الجمهورية وأبديت رأيي في الموضوع بناء على تجربتي الخاصة لأنني لا أعتقد بأن المرشحين للبث في القضية من طرف الدوائر الأمنية أحق مني بذلك. ولإبراء الذمة أمام الناس نشرت الرسالة في حينها على موقع صوت الجزائر. وقد بينت فيها القصور الواضح في المشروع المعروض وهشاشته و لكنني لم أنتقده بشدة ولم أرفضه لأنني كنت على يقين من أن ذلك سيضعف معسكر الوفاق في السلطة والذي كان يخوض معركة مستميتة مع الطرف الاستئصالي من أجل فرض منطقه. أما بالنسبة للاتصال بي فقد حصل من طرف اللجنة الوطنية للمصالحة وعبرت لممثلها عن موقفي شفويا وللجنة نفسها كتابيا و أكدت فيها على أن مواقفي السابقة المعلنة غير قابلة للمساومة. وبناء على ذلك تم تسجيلي لدى القنصلية الجزائرية بلندن ومنحي جواز السفر الجزائري دون قيد ولا شرط.
5 ـ هل لديك معلومات عن محاكمة الشيخ محمد السعيد واغتياله وعلاقته بالجماعة الاسلامية المسلحة؟
أعود إلى ما تحدثت عنه في شهادتي بتفصيل أكبر:
قبل أن تعلن الجماعة الاسلامية عن بيعة شريف قواسمي الملقب بأحمد أبي عبد الله وفي الأيام الأخيرة من سنة 1993 تقريبا ، وصلني داخل سجن البرواقية بيان مكتوب وشريط مسجل بصوت عبد الرزاق رجام رحمه الله. والبيان يحمل رقم 41 او 42 من بيانات الجبهة الاسلامية للانقاذ. والبيان عبارة عن إعلان لتأسيس الجيش الاسلامي وقيادة مجلسه العسكري الأعلى التي تكلم عناصرها في نفس الشريط وانتخبوا السعيد مخلوفي كأمير مؤقت لمدة نصف عام. ومن الأسماء التي صادقت على البيان شفويا وما زلت أذكرها محمد السعيد وعبد الرزاق رجام والسعيد مخلوفي وعبد القادر شبوطي وصحراوي وأسماء لم أتبينها لأن تسجيل الشريط لم يكن جيدا وانتهى الشريط بمحاضرة في آداب الجهاد في سبيل الله للشيخ صفر الحوالي شفاه الله وقد اطلع على البيان وسمع الشريط إخوة آخرين ما زال بعضهم أحياء يرزقون. وبعدها بشهر تقريبا بلغني من مصدر ثقة بأن سيد احمد مراد المدعو جعفر الأفغاني أمير الجماعة الاسلامية في ذلك الوقت وثمانية من مستشاريه قرروا الالتحاق كأعضاء في المجلس الأعلى لقيادة الجيش الاسلامي وضربوا موعدا للقاء مع السعيد مخلوفي ومحمد السعيد وعبد الرزاق رجام يوم الجمعة بعد صلاة العصر في معسكر السعيد بجبال الشريعة. وكانت هذه في نظري هي الفرصة الوحيدة والأخيرة لتفعيل العمل المسلح الذي تورط فيه الاسلاميون. وقبل اللقاء بيوم إن لم تخني الذاكرة وقبل أن يخرج سيد احمد مراد ومن معه من العاصمة تمت محاصرتهم من طرف قوات الأمن في منزل في العاصمة والقضاء عليهم جميعا باستثناء نائب أمير الجماعة الحاضر التاسع في المنزل والذي اتضح بعد ذلك أنه سالم معافى.
اتفق بعد ذلك من بقي من أعيان الجماعة على تعيين شريف قواسمي أميرا لهم واتهموا السعيد مخلوفي بالوشاية بقيادتهم وحكموا عليه بالاعدام ولكنهم تأكدوا بعد ذلك من أن قيادتهم كانت مخترقة فعاودوا الاتصال بالسعيد مخلوفي وأصدروا بيانا تراجعوا فيه عن قرارهم وطلبوا الوحدة مع الجيش الاسلامي من جديد وقد اطلعت على البيان المكتوب بنفسي. وكان المفروض أن تكون الوحدة بناء على ما تم الاتفاق عليه مع الأمير السابق للجماعة. ولكن أثناء اللقاء الذي حصل هذه المرة في معسكر الجماعة الاسلامية استغل أعضاء الجماعة مصابهم في قيادتهم وفرضوا شروطهم. وقد تساهل السعيد ومحمد السعيد معهم في ذلك توحيدا للكلمة وتفاديا للفتنة بين المسلحين إذا تم اغتيالهم نتيجة رفض عرض الجماعة. وقد تفرقت قيادة الجيش الاسلامي بعد ذلك ورفض الباقي من أعضائها الالتحاق بالجماعة وتأسس الجيش الاسلامي للانقاذ ردا على هذه البيعة الخبيثة. (إلى هنا أنا نقلت ما يمكن إثباته بالوثائق والشهود الذين ما زالوا أحياء).
وأعتقد أن السعيد مخلوفي استأنس بوجود شريف قواسمي أميرا على الجماعة وتعيينه هو ومحمد السعيد نوابا له. علما بأن شريف قواسمي كان جنديا في الحركة الاسلامية المسلحة تحت قيادة السعيد مخلوفي منذ سنة 1991 وهو الذي دربه على استعمال السلاح في مرتفعات الشريعة وكان شابا معروفا بحسن السلوك ولم يكن صعلوكا يخشى جانبه ولو بقي هو أميرا للجماعة لكان القائد العسكري الحقيقي لها هو السعيد مخلوفي ولانتهى أمر التوجيه السياسي لمحمد السعيد بشكل تلقائي.
وقتل أبو عبد الله وكان المفروض أن يخلفه محمد السعيد بصفته نائبا لأمير المؤمنين ولكن هنا تدخل زيتوني ليس بصفته الوريث الشرعي للإمارة بل بصفته أميرا لكتيبة الموت والأهوال التي شكلها في منطقة الشلف بقدرة قادر ونقض العهد واغتصب الإمارة بالاعتماد على الجهلة والدمويين في الجماعة. والحقيقة أن السعيد مخلوفي بحسه الأمني تنبه للأمر وتحفظ على مشروع الوحدة منذ البداية ولذلك فإنه انسحب من حقل الألغام في الوقت المناسب أما محمد السعيد وعبد الرزاق رجام فكانا رجلي دعوة وبقيا كذلك حتى وهما بين المسلحين في الجبال ولذلك لم يتمكنا من الإفلات من القتل غدرا والذي لا مبرر له لا شرعا ولا وضعا.
أما أسطوانة العقيدة والمنهج وغيرها من قيم الإسلام وأصوله فإن تلك الشرذمة غير مؤهلة للنظر فيه جملة فكيف يعول عليها في الحكم على عقائد الناس بأعيانهم؟ فالقضية لا علاقة لها بنقض البيعة ولا بالعقيدة وإنما بشهوة الإجرام في نفوس الجهال الذين ابتليت بهم الحركة الاسلامية المعاصرة وبكيد الدوائر الشريرة في أجهزة الأمن العربية التي لا تحسن شيئا سوى المكر بمواطنيها وبث الشقاق والفرقة بينهم.
5 ـ هل تعاملت مع مؤسسات امنية اجنبية بعد خروجك من الجزائر؟
كثير من الناس يتوقعون أن المخابرات الأجنبية تترصد اللاجئين للإيقاع بهم وتوظيفهم في مخططاتها الاستراتيجية. وهذا تفكير بسيط جدا. لأن أجهزة مخابرات الدول العظمى مثل بريطانيا وأمريكا تختار صيدها الذي تتوفر فيه المواصفات المطلوبة قبل الاقتراب منه. ولذلك فإن المخابرات البريطانية وضعتني تحت المراقبة منذ أن نزلت في لندن وتكثفت مراقبتها بعد التقارير الكاذبة التي كانت تسربها أجهزة الأمن الجزائرية بعد احداث سبتمبر 2001 ولكنها لم تستطع إثبات شيء يجعلني محل شبهة، خاصة وقد كنت أتحرك في وضح النهار ودون اقنعة وبدون تحفظ. فالمخابرات البريطانية لم تحاول الاقتراب مني ولم تطلب مني تعاونا من أي نوع. ولكنني تلقيت عروض عمل في صفوف القوات المسلحة البريطانية في إطار بحثي عن العمل فرفضتها كما رفضت العمل كمفتش في المطار الدولي لبرمنجهام تجنبا للوقوع ضحية للشبهة في أي حدث إرهابي. وقد أثبتت الأيام والأحداث أن كل ما قالته الدوائر الأمنية المشبوهة التابعة للنظام الجزائري كذب وافتراء لا أساس له من الصحة وتم منحي حق المواطنة في بريطانيا بعد 8 سنوات من المتابعة. ولذلك يمكنني القول وبكل ثقة بأن الذي تعامل مع المؤسسات الأمنية الأجنبية هو السلطة الجزائرية التي حولت المؤسسات الأمنية الوطنية منذ سنة 1992 إلى مليشيات إرهابية تستعمل الأقنعة وتشتغل في الظلام كما أن الذي نقل القضية الجزائرية إلى المحاكم الأجنبية هو اللواء نزار خالد الذي حول جهاز العدالة الجزائري إلى محاكم عرفية خاصة تصدر أحكام التصفية الجماعية غيابيا.

———-

تصحيح خطأ في الإسم ونصيحة
أحمد شوشان | 12 يناير 2010
ورد اسم بريش عبد الفتاح في شهادتي على أحداث البرواقية – الفصل الثالث الجزء الثاني- و قد كنت أعرف الشخص المذكور بهذا الإسم إلى أن اكتشفت أن اسمه الكامل الصحيح هو عبد الفتاح زراوي حمداش من خلال الموقع الذي يشرف عليه و الذي استغربت لما ورد فيه من التمجيد لهذا الشخص خاصة من خلال الترجمة التي وضعها لنفسه في صفحة خاصة من الموقع المسمى www.merathdz.com ميراث السنة.
و أنا لا أريد الطعن في حال هذا الشخص ولا التشكيك فيه ولا في غيره ولكن واجب الوفاء لدين الإسلام وضحايا المأساة الجزائرية يلزمني بوضع النقاط على الحروف عندما يتعلق الأمر بالمسؤولين عن سفك الدماء في هذه المأساة سواء كانوا من السلطة الحاكمة أو من خارجها ليعرف كل إنسان قدر نفسه ويعلم الناس ما يجري حولهم فيهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيي عن بينة.
أولا: هذا الشخص كان يزعم في السجن أنه كان الضابط الشرعي لأمير الجماعة الاسلامية محمد علال (موح ليفيي) وكان على رأس المجموعة التي تم تحويلها من سجن سركاجي إلى سجن البرواقية سنة 1994 وكان يعتبر نفسه إمامهم الذي لا يقطع أمر بدون مشورته. وقد كون داخل السجن فرقة من ذوي السوابق العدلية المتأسلمين من أجل إقامة الحدود على المساجين كما بلغ به الغرور إلى درجة إعلان الخلافة داخل السجن وتعيين عبد الكريم صفصافي خليفة وتعيين مراد الأفغاني أميرا للحرب وتعيين آخر أميرا للحسبة … وأبقى لنفسه على لقب الإمام الذي ترجع إليه الكلمة الأخيرة…. ويقع جزء كبير من مسؤولية أحداث البرواقية وماترتب عنها من مفاسد (51 قتيلا) عليه شخصيا خاصة ما تعلق بذبح أحد أتباعه على يد اثنين من شبابه الأساطين كما يسميهم على مرأى ومسمع من المساجين في سجن البرواقية. وفي شهادتي على الأحداث وصفته ومن معه بالسفهاء وقلت أن نصيبهم من المسؤولية عن هذه الاحداث لا ينقص من مسؤولية النظام عن المجزرة الرهيبة شيئا. كما أشرت إلى خروجه من السجن رغم كل هذا واستفادته من جواز سفر وتجوله في منطقة الخليج في الوقت الذي يلاحق فيه الأبرياء من الجزائريين الذين كان يتهمهم بكل البدع الدينية والدنيوية من طرف الانتربول ووزارات الداخلية العربية.
ثانيا: استغربت من إشادته بالشيخ محمد السعيد ومحفوظ نحناح رحمهما الله وغيرهما من الإسلاميين الذين لم يكن يتحرج في تكفيرهم علانية. بل إنه كان يشيع هو ومن معه الشبهات حول كثير من الدعاة المخلصين في السجن فقط لأنهم لم يخضعوا لشهوة الزعامة التي لم تكن خافية على أحد فيه مما اضطرني إلى مطالبته هو ومن معه بمناظرة مخالفيهم وجها لوجه لتخفيف التوتر الذي تسببوا فيه داخل السجن منذ قدومهم من سركاجي. و قد أعلنوا في هذا اللقاء الذي جرى في القاعة (أ) تكفيرهم لجماعة الجزأرة و كل من يخالف منهجهم السلفي المزعوم صراحة ودون خجل وطلبوا التوبة من بعض الحاضرين المنتمين إلى تيار البناء الحضاري رغم انتفاء الشبهة عنه دون أن يقدموا أي دليل شرعي معتبر يستوجب ذلك.
ثالثا: إن هذا الشخص لم يتورع عن وصف الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله – بالديوث ـ أمام المساجين وأقسم لو مكنه الله منه ومن الشيخ بن باز رحمه الله لتقرب بذبحهما إلى الله وذلك لما صدرت عنهما فتوى بحرمة دماء الشعب الجزائري الذي استباحته الجماعة الإسلامية المسلحة سنة 1994. وقد نزلت شخصيا رغم مرضي مع الأخ مصطفى معيز إلى ساحة السجن ووبخناه هو ومن معه وجزرنا المساجين الذين كانوا مجتمعين حولهم وفرقناهم. ومما قلته لهم في تلك المناسبة: ألا يكفيكم ما أنتم فيه من الإبتلاء حتى تستنزلوا مزيدا من سخط الله عليكم باستماعكم لهؤلاء السفهاء… ألم يزعموا أن هؤلاء المشائخ أئمتهم منذ أسابيع ليستمدوا منهم شرعية الانتماء للسلفية؟… فتفرق الجمع بين مستنكر وحيران وهم يعلمون أنني لست ممن يقدس البشر ولا ممن يدعي السلفية او يتمسح بها.
وأنا أعجب لحال المشائخ المنسوبين للسلفية في السعودية كيف لم يتعظوا من تجربتهم الطويلة في الدعوة إلى الله ويوفقوا إلى فعل شيء إيجابي يساعد إخوانهم في الجزائر لتجاوز أزمتهم. فبدعوى الولاء للسلفية في بداية التسعينات استدرجوا إلى دعم جهال الجماعة الاسلامية المسلحة التي أتلفت ثمرة عقود من الإصلاح والجهاد والدعوة إلى الله في الجزائر على حساب المقاومة المسلحة المشروعة التي تبناها أصحاب السابقة في الدعوة إلى الله في الجزائر. وبدعوى الولاء للسلفية أيضا في السنوات الأخيرة يتهافتون على مباركة نظام فاسد يعمل على توطيد أركان الطرقية والشعوذة في بلاد كان شعبها كله إلى وقت قريب لا يعرف غير السنة منهجا وشريعة. في الوقت الذي لم يتلق منهم السلفيون الجزائريون الحقيقيون شيئا يخدم الدين عبر عقود من الزمن غير كتيبات ومناشير لا تستجيب لحاجة الدعوة الضرورية في الزمان والمكان.
ولذلك نرجو من المشائخ الكرام في السعودية أن يتوقفوا عن توزيع التزكيات الجزافية لغير مواطنيهم لأن ذلك لا يخدم منهج السلف في شيء وأنصحهم بأن لا يجيزوا أحدا في العلم إلا أن يكون طالب علم منتظم لديهم قدم بحثا علميا أكاديميا وناقشه أمام لجنة من الدكاترة المحلفين المتخصصين في الشرع. كما أطالب أبناء وبنات الشعب الجزائري أن يأخذوا دينهم من أهل الإختصاص المتخرجين من كليات الشريعة الإسلامية المعتمدة وردها لأصحاب المؤهلات العلمية العليا عند الحاجة ولا يعترفوا بفتاوى المشعوذين والمتطفلين حتى ولو زكاهم كل شيوخ العالم أو تم تعيينهم رسميا من طرف وزارات الأديان في منصب الإفتاء.
أما السيد عبد الفتاح زراوي حمداش ـ و من كان في حكمه ـ إن كان قد اعتبر بما مر به من تجارب فإني أنصحه من موقع الأخوة في الدين وفي الوطن أن يمسك عليه لسانه وليسعه بيته وليبك على خطيئته. وليعلم أن العبرة ليست بتغيير المواقف وتبديل الأتباع والأشياع ولكن بتغيير النفوس فإن الله قال في كتابه الكريم: “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”. فإن لم يصبر على لزوم بيته فلا أقل من أن ينأى بنفسه عن الشأن العام باسم الإسلام فإن ذلك أسلم له وأصلح لغيره.
و الله من وراء القصد و هو الهادي إلى سواء السبيل

27 تعليقاً

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق

  • السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
    أحمد الله تعالى إليكم وأسأله تعالى التوفيق لنا ولكم ، وبوديّ شكركم على ما قدّمتموه من الشهادات وما كتبتموه من الحقائق ، والحمد لله تعالى على نعمة التوفيق والهداية فلم يخب لدينا مسعاكم في أن نرى شهادتكم كاملة موثقة مكتوبة يقرؤها كل من يرتاد الموقع أو يشتغل بمطالعة ما فيه.
    ولي رجاء في أن يوفقكم الله تعالى في أن تصير هذه الشهادات على شكل كتاب مصور ( PDF ) يمكن تنزيله كباقي المحتويات من هذا الموقع.
    والله لا يضيع شهادتكم ولا حسن عملكم يا أخي المكرم حضرة النقيب أحمد شوشان.

  • الى الاخ احمد شوشان والله اني وعلى قدر معرفتي البسيطة اايدك في شهادتك ولمست فيك طهارة النفس واني اقول ان سبب فشل الاسلاميين في رد المظلمة التي سلطت عليهم راجع الى السفهاء الدين تصدروا الواجهة وهم سبب تفرق الناس عنهم وليس لقوة الطغمة العسكرية ادعوا الله عز وجل ان ياتي يوم نراك مع الاحرار في قيادة قاطرة الاصلاح واطال الله في عمرك وجعلك قدوة لباقي الضباط التائهين

    • السلام عليكم أخي العزيز رزقي.هل من توضيح دقيق فيما قلته :
      واني اقول ان سبب فشل الاسلاميين في رد المظلمة التي سلطت عليهم راجع الى السفهاء الدين تصدروا الواجهة وهم سبب تفرق الناس.
      و بارك الله فيكم.

  • اتاسف يحصرة لعدم قتلك ورميك للقطط هذا جزء منجزا ء الخائنين، كما اني متلكد بان كل مذكرته فهو رواية قمت بنسجها رفقة بعض الخونة مثلك، كما اتمنى ان يتم توقيفك من طرف رجال الجزائر ويكون هذه المرة استنطاقك على المباشر في احد مرعب كرة اقدم حتى يعرف الشعب الجزائري ممن هو الخائن شوشان الذي جاول التمرذ والإنقلاب على وطننا الجزائر بلد الشهداء رحمهم الله وبلد الرجال.

    كما تبين لي بانك تعد اكثر من ارهابي دموي، تريدون تقسيم الجزائر ولكن بفضل الله و رجال الخفاء حفضهم الله قد تم اكتشاف نوياكم الجهنمية.

    بصفتي كجزائري حر و غيور عن الدولة الجزائرية، وانشاء الله بعد ان اطلع في يوم من الأيام عن طريق النت بان رجال الخفاء وهم رجال المخبرات قد تمكنوا من توقيفك ساتقدم بطلب لجهاز المخبرات الجزائرية اطلب فيه بان ساتطوع لتعذيبك واستنطاقك لفائد جهاز المخبرات الجزائرية حتى يكون الجهاز نظيف و بريئ من دم كلب مثلك، وساقوم بالتفنن في تعذيبك بكل انواع التعذيب، وهذا لله في وجه الله و اقل مااقدمه للجزائر بلد الشهداء، واقل مااقدمه لضحايا الإرهاب الذين استشهدوا في سبيل الوطن.

    • أنت تعاني أمراض نفسية و عقلية من جراء ماتكون قد إرتكبته في حق الابرياء من صبيان و نساء و شيوخ.فالجزاء من جنس العمل.
      أنت تكرر دائما نفس العبارات في تدخلاتك بأسماء مختلفة (رجال الخفاء,كما أني متأكد,بصفتي كجزائري حر,الخونة,….).و ما إعترافك
      بحبك للتعديب لدليل على أنك مصاب في عقلك.بالطبع لا تجني عنبا من الشوك.إستعملك الاعضاء المجرمين في المخابرات في المهام القدرة
      و غسلوا مخك و أوحوا لك أن الدولة قبل كل شيئ ,فلا يهم من أمامك ,فدبحتم الصبيان و عدبتم الابرياء تحت درائع حماية الدولة (العصابة طبعا)
      و مكافحة الارهاب.لقد تعرض لما تتعرض إليه كل من كريم مولاي و سادق مزيان و الاخرين اللدين إستعملتهم العصابة المجرمة في المخابرات
      في الحرب القدرة.و لكن الفرق هو أن هؤلاء هربوا و تخلصوا من براثين عصابة الخفاء (كما تسميهم) و أنت و من على شاكلتك بقيت حبيس العداب
      النفسي و المرض العقلي. فلا غرابة أن يصيبك نوع من الحسد و الشعور بالدنب و الخدلان من أولئك الشرفاء اللدين رفضوا أن يكونوا اداة في الحرب
      القدرة. فنصيحتي لك من قلبي هو أن تنجوا بنفسك من هؤلاء المجرمين أصحاب الخفاء.
      المخابرات فقدت سمعتها مند أن إختار عصابة الخفاء المجرمين (وليس كل اعضاء المخابرات ,فمنهم الشرفاء اللدين ينتظرون الفرصة السانحة للتغيير)
      الدخول في حرب قدرة أهلكت البلاد و العباد.
      و لك أن تشاهد هدا المقطع لسادق مزيان لتنظر إلى حالك.

      http://www.youtube.com/watch?v=7dHaRWGq0wc&feature=related

  • أخي شوشان السلام عليكم و رحمة الله وبركاته
    انني من المتتبعين للشأن الحركي و الاسلامي في بلدنا الجزائر ولقد آسفنا ما آلت اليه الأوضاع من بعد جهد جبار و تضحيات عظيمة..فأصبحنا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا..وكل ذلك بسبب معاصينا من غرور البعض و رياء البعض الأخر و عدم اخلاصنا و جهلنا وتفرقنا و عدم تمسكنا بحبل الله المتين و عدم أخذنا بأسباب النصر.. كل ذلك كان فينا وتجلى بوضوح في أناس متهورين سفهاء قليلي العلم بل جهلة ليس احتقارا لهم و انما هي الحقيقة فأفسدوا من حيث جاؤا يصلحون وانبروا معاولا للهدم لا للبناء..فأوغلوا في قتل الناسٌ بداية من الصحافيين و المثقفين و العلمانيين ثم المجندين العسكريين ثم تدرجوا الى الفنانين ثم الى الموظفين في الضرائب و التعليم الى الأجانب المسالمين الى الرهبان الى ناس كانوا يطعموهم في بيوتهم لمجرد شكوك..بل حتى الى اخوانهم الحاملين السلاح المحاربين لنفس العدو مختلقين لهم تهما واهية..لا اطنب لأن هذا قد اصبح معروفا لدى العام و الخاص الا من عاند و كابر و رانت على قلبه غشاوة.
    ولي ملاحضة وتعقيب و سؤال.فأما الملاحضة فتتمثل في مقتل أخينا الشهيد عيسى أكتيف والذي التقيته في احد مساجد القبة بعد خروجه من السجن العسكري ببشارمباشرة ذهبت لاطمان عليه بحكم معرفتي به طوال التزامه و نشاطنا ككل الأخوة في الجبهة الاسلامية و قبل الجبهة,,فخرجنا نمشي و نتحدث ثم سلك نهجا لا يؤدي الى حينا فقلت الا تذهب الى البيت فقال لا, عاهدت نفسي الا ارجع ـ أي انخرط في الجهادـ و ودعني و انصرف,,و كنت بين الحين و الاخر اراه متنكرا و”احفظ الميم تحفضك” الى ان انتهى الينا خبر استشهاده تحت التعذيب بعدما قبض عليه مجروحا بعد اشتباك مع المخابرات في الشراربة نواحي العاصمة قتل فيه الأخ رشيد الروجي من واد اوشايح معروف في ناحيتنا والاخ مولود من “البلاتو” بالعاصمة كذلك من الاخوة المعروفين ايام الجبهة و قبلها , اما الاخ عيسي فقد عذب حتى الموت و لم يدلي بأي اعتراف بشهادة أزلام النظام لاخيه برجولته و صموده فيي التعذيب ثم قتله بطلقة في رأسه,,كان ذلك لما سلموا جثته الى أهله وكانوا ذلك الوقت يسلموا جثت الشهداء الى اهلهم و ووري التراب في مقبرة العالية و كنت من المشيعن له رحمه الله. فهو لم يمت في انفجارالمنزل جزاك الله خيرا,
    أما التعفيب فهو بخوص جدية العمل المسلح آنذاك,أتدري الأخ شوشان بأن قصة عملية ثكنة بني مسوس لما وقعت كنت على علم بكل حيثياتها لست الوحيد بل تداولها كثير من الأخوة رغم اننا لم ننخرط في العمل المسلح اللهم الا بعض الدعم اللوجيستى بعد حرارة العمل في الجبهة الذي كان مفعوله مازال فينا,,فالأخ صاحب سيارةج5 وبعد العملية مباشرة أطلعنا على بعض السلاح المأخوذ من الثكنة فهذا ينافي سرية المهمة آنذاك,,و الحمد لله ان لا شىء تسرب من عندنا و معروف ان الكارثة اتت من عميروش الذي سمعنا بما فعل,,سلم نفسه,,,الى آخر القصة و كنا نعلم بكل ذلك في حينه,,هذا بعني انه لم تكن سرية و تتظيم محكم و كل ذلك مقصود ليسهل الاختراق من مخابرات النظام,,وكل ذلك جعلني انا العبد الضعيف اتريث ولم انخرط و زادت شكوكي لما كان يبدر من بعض من رأيناهم من قرب من غرور و افتخاروتهور,,وحادثة جعلتني أأخر خطواتي كثيرا الى الوراء وهى ذبح الأخ عمر لسلوس و قد كنت لاقيته قبل مقتله بأيام وهوشاب من المنظر الجميل جزوا رأسه و رموه أمام سوق الحي بسبب نزوله من الجبل رغم ان صعوده لم يكن جديا و انه كان في سنة1991و لفقوا له تهمة التعاون مع الشرطة,,زيادة الى أعمال غير شرعية كاستعمالهم لسيارت الناس بدون اذنهم و المأخوذة عنهم عنوة,,,كان هذا في البداية أي سنة 1993 وكلما مر الوقت تزداد قناعني بعدم جدوى هذا الجهاد بل بخطره,,
    أما سؤالي فأستسمحك أخ شوشان لأسألك كيف استطعت أوكيف خاطرت باتصالك بالضدين في وقت واحد المخابرات و ما عرضوه عليك من جهة(وقد كنت معذورا لما خطفوك من السجن اما هنا فطواعية منك) و مبعوث حطاب من جهة أخرى وألا يعتبر ذلك ازدواجية في التعامل أو ان شئت تعاملا مع العدو و ربط اتصال مع العدو بمنطق الجماعة في تلك الفترة ؟
    والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

  • من خلال ما فهمته من مذكرات شوشان هو انه كان ظابط في الجيش برتبة نقيب لكنه كان متعاطف مع جبهة الانقاذ الارهابية و كان شوشان من ضمن الظباط المتعاطفين مع الجبهة اي زمرة السعيد مخلوفي الذين كونو خلية في الجيش تابعة للاسلاميين و هذا الامر خطير جدا جدا لانه يعتبر قانونيا اختراق تنظيم سياسي للجيش الوطني و المتورط من قريب او من بعيد في هذه القضية يكون مصيره الاعدام لذا انا ارئ ان هذا المدعو شوشان ورغم انني لا اشك في وطنيته و جزائريته غير انه بتعاطفه مع الاسلاميين و دخوله في التنظيم السري الاسلامي داخل الجيش الوطني فهذا يعتبر جنحة خطيرة يعاقب عليها القانون لان الظابط مهما كانت رتبته العسكرية سواء صف ظابط ملازم او نقيب او عقيد او حتئ لواء عليه الانصياع التام للاوامر العسكرية للقيادة العليا للجيش مهما كانت هذه الاوامر لها خلفيات سياسية فعلئ كل الظباط الانصياع لهذه الاوامر و تطبيقها بالحرف الواحد لكن الظابط شوشان تمرد ضد القيادة العليا لان السيد شوشان اتجاهه السياسي المتمثل في تعاطفه مع الاسلاميين و الجبهة معادي للاتجاه السياسي للقيادات العسكرية و هذا هو سبب تمرده و خروجه عن القانون لان شوشان فضل توجهه السياسي عن الاوامر العسكرية من القيادة العليا و بالتالي ارتكب جنحة و توقيفه و مثوله امام المحكمة العسكرية يعتبر امر قانوني فاي ظابط يرفظ الاوامر من القيادة يعتبر ظابط متمرد لكن الظابط شوشان لم يكتفي بالتمرد لا اكثر من ذالك قام بنشاط سري داخل الجيش يمثل الظباط المتعاطفين مع الجبهة الاسلامية و انا اتعجب من ظباط المخابرات و ارئ انهم كانو جد رحماء معهم لان التعذيب لا يكفي اذا رءينا حقيقة القضية من الناحية الامنية لان القضية تعتبر قضية امن قومي و قضية مصير مؤسسة عسكرية لدولة و اذا نطبق القانون فيجب تصفية هذه الخلية السرية التي كانت تنشط داخل الجيش اي تصفية كل الظباط سواء باحكام قظائية قاسية كالاعدام و اتهامهم بالخيانة العزمئ او التصفية الخارجة عن اطار القانون و اذا كان هذا الامر لانقاذ مصير الجيش فلا باس به لذا الظابط شوشان كل ما تعرضت له من ظباط المخابرات هو امر طبيعي بما انك تمردت عن القيادة العليا للمؤسسة العسكرية و بما انك كنت تنشط في خلية سرية تمثل تيار سياسي و بغض النظر عن توجه هذا التيار السياسي سواء كان اسلامي او يساري او قومي فممنوع لاي ظابط في الجيش ان يقوم بنشاط سياسي داخل الثكنة او يستعمل مهنته الرئيسية و نفوذه لمصالح طرف سياسي نعم يا شوشان هل نسيت دروسك فانت بما انك كنت ظابط يجب ان تنصاع للاوامر العليا و تطبقها بالحرف الواحد دون ان تسال او تعترض لانك مامور من طرف قيادة لذا انا لا اتعجب من كل ما تعرضت له من تعذيب لانه امر طبيعي بل لو قام ظباط المخابرات بالقيام بدورهم القانوني لمصلحة البلاد لقامو بتصفيتك و لاصبحت اليوم ضمن قائمة الاموات لكنهم لم يفعلو و رغم كل هذا لازلت تتهمهم و كانهم هم من اخطؤو و انت صاحب الحق هههه يا شوشان المخطئ هو انت ثانيا هل تعلم ان المؤامرة التي احيكت للجزائر في سنوات التسعينيات اكبر بكثير مما تتصورها انت و ما الجبهة الاسلامية للانقاذ الا وسيلة و اداة صهيونية مدروسة في مخابر الموساد لتحطيم الجزائر التي ياما ساعدت الفلسطينيين و ساعدت القظايا العربية و يكفي ان ترجع لمواقف السياسة الخارجية الجزائرية في الثمانينات التي انتهت بعقد مؤتمر الاعتراف بالدولة الفلسطينية الذي اقيم بقاعة حرشة بالجزائر هذا المؤتمر الذي رفض اغلبية الدول العربية ان يقام علئ اراضيهم خوفا من الانتقام الصهيوني لكن الجزائر قبلت دون تفكير لكن الصهاينة عرفو كيف ينتقمو منا فما الفيس اي اسلاميي الجزائر في الثمانينات الا اداة صهيونية لتحطيم الجزائر و يكفي ان تراجع تاريخ القاعدة و بن لادن و الطالبان من قام بتمويلهم و تدريبهم و تاسيسهم اليست وكالة السي اي اي الامريكية لذا يا شوشان يكفي انك لم تاخذ اعدام لتمردك ضد القيادة و لنشاطك في خلية سرية تابعة للاسلاميين معناه انك خالفت كل القوانين العسكرية التي يتحلئ بها اي ظابط جزائري و رغم كل هذا لازلت تنشط خارج الجزائر ضد وطنك و لازلت تنشط ضمن الادوات الصهيونية الجديدة و البديلة للاسلاميين و التي تستعملهم الوكالات الخارجية الاستخباراتية ضد الجزائر كحركة رشاذ و غيرهم

  • مقالتي للجزائريين و ليس لك يا كليب يا عميل المخزن المخربي انا لا اعطيك اي قيمة لانك تاخذ اوامرك من ظابط العمليات المكلف بك في المخزن القذر اما انا فاني حر لست مثلك عبد و ملك لعائلة ميمي ستة لذا لا تكلمني من فضلك لانني لن ارد عليك بعد اليوم و ساتركك تنبح كحالعادة اما السيد شوشان فمع انني اختلف معه في كثير من الاشياء علئ انني اقر له كما يقر اغلبية الجزائريين و الظباط انه كان من افضل الظباط في المدرسة التطبيقية لشرشال و للاسف الجزائر خسرته بسبب تفاهاته السياسية و لهذا انا احترمه

    • إسمع ياكلب الدياراس أينما تكتب هنا أو في اي منتدى تشارك فيه فإني سأرد عليك و على من على شاكلتك حتى يحذر ولاد بلادي منك
      ياعملاء الدياراس الصهاينة.الحمد لله بلادنا مازال فيها الرجال ياوحد الحركي ياعميل الدياراس الصهيوني.سيردون عليك و على من على شاكلتك
      ياوليد لاسيستونس العميل للدياراس.وكلما إستعملت خطة أجدادك اليهود في التفرقة بين المسلمين فستجد من يرد عليك ياحفيد الصهاينة.
      أوزيد نذكرك بحاجة واحدة,لحكاية تع ايادي خارجية ,الناتو,العشرية السوداء,المخزن,المغرب,الثوار ………بلابلا راهي معروفة بليك خدعة تع الدياراس
      و عملائها من أمثالك الصهاينة.هكذا اللي مازال راه نية في بلادنا يفيق بيكم ياوحد العميل الخبيث تع الدياراس أحفاد فرنسا.
      أوزيد راني نفيقلك كلما تغير إسمك يا عميل الدياراس.(أحمد زورا و جزائر العزة المذلول.

  • mon frere souhaib allah yahafdek tu es vraiment un garde et une barriere humaine contre ce minable ahmed et derrière lui les diables DRS et compagnie j aimerai bien avoir ton niveau de patience pour suivre ce minable ahmed
    en fin le monde entier sache les vrais coupables de la décennie noir et que leurs crimes ne passent pas sans punition que ce soit dans cette vie ou dans l’autre
    et les gens tel ce ahmed et bien d’autre qu allah les modie avec leurs idoles medyen lamari tartag ect ect ceux qui ont succès le sang des algeriens bandes de voleurs je te souhaite une longue vie mon frere souhaib pour lutter contre eux et mener une revolution pacifique

  • اسمع يا كليب لقد سبق و ان حذرتك الا تشتم عائلتي و ابائي و تشتمهم باليهود عائلتي مسلمة و جدي من شهداء الثورة و انت تصفه باليهودي لانه لولا جدي و رفقاءه في السلاح الذين استشهدو من اجل استقلال الوطن لما اصبحت انت اليوم حر تتمتع بحاسوب و تشتم حفيد الشهيد ثانيا دعنا من الوطنية و السياسية و لنرجع الئ الين الاسلامي فانت تشتم ابي و اجدادي المسلمين جدي رحمه الله و اخوته كلهم حفضة للقران الكريم و احد اقاربي عالم ديني و عضو بارز في جمعية العلماء المسلمين و انت تصفهم باليهود و الصهاينة كل هذا لانني اخالفك من حيث الاتجاه السياسي فوالله ستقف امام الله يوم القيامة و هم من سيحاسبوك عن وصفك لهم باليهود لعنة الله عليهم هل تعرف ما معنئ وصف انسان مسلم يؤمن بالله و اليوم الاخر و يوتي الزكاة و يصلي بل حجاج لبيت الله الحرام تصفهم انت باليهود يعني كفرتني انا و ملتي كل هذا لانني اخالفك فطبعا العيب ليس عليك بل العيب عن الاصولية التي نخرت مخك و اكلته و جعلتك اصولي متعصب حقود تكفيري تكفر كل من يخالفك الراي و طبعا الكل يعلم ما هو مذهب الهجرة و التكفير الذي كفر الجزائريين ابناء الوطن الواحد الذي قال فيهم الشيخ ابن باديس رحمه الله شعب الجزائر مسلم و الئ العروبة ينتسب نعم يا كليب مع اني لا اشتم عائلتك او اجدادك لانهم مسلمين و انا لا اكفر مسلما ابدا ولا اصفه باليهودي او اصف اجداده و ملته باليهود و العياذ بالله بمجرد انك تخالفني الراي و اقول حسبي الله و نعم الوكيل في شتمك لابائي و اجدادي و وصفهم بالكفار الصهاينة لانك بعيد مختبئ وراء شاشتك و لا استطيع اخذ حقي منك فاوكل الله عليك و لا اشتمك بالمثل لانني مسلم ملتزم بسنة نبيي محمد صلئ الله عليه وسلم الذي نهانا عن وصف اي مسلم بالكافر او اليهودي

    • إن كنت ملتزما بتعاليم ديننا فلم تدعم المجرمين الكفرة القتلة اللذين حاربوا الاسلام و المسلمين و عطلوا شريعة الله و ذبحوا الصبيان و النساء و الولدان,ولِما تسعى في زرع
      الاحقاد بينا و بين إخواننا الجيران و بالخصوص المغاربة,ألا ترى أن هذا من عمل اليهود مثل يهود المدينة؟؟؟إن كنت مسلما حقا فإنصر الاسلام و أهله فإن لم تستطع
      فلاتكن عدوا لهم ولا تناصر الكفرة المجرمين من امثال مدين و طرطاق و غيرهم.أنا لست من الهجرة و التكفير المنبوذين في كل مكان واللذين لاعقل لهم ولافقه ولاتدبير
      كأمثال ذلك الاحمق التكفيري سحنوني اللذي إنقلب على نفسه وصارامواليا للدياراس.ذاك وامثاله هم الهجرة و التكفير اللذين إخترقتهم الدياراس وفعلوا مافعلوا .
      إن كنت مسلما ولاتعرف أن اللذي يحارب الاسلام و المسلمين و يعطل شريعة الله كافر خارج من الملة فأنت لاتعرف من الاسلام شيئا إلا الاسم.
      لقد حارب الخليفة ابى بكر الصديق رضي الله عنه قوما منعوا الزكاة فقط فمابالك بمن حارب الشريعة و أهلها.؟؟؟ومايذكر إلا أولوا الالباب.

  • من الذي يحارب الشريعة او يحارب الاسلام هل منعك احد من التبعد او التردد علئ المساجد هل الدستور الجزائري لا يعتبر الاسلام دين الدولة و لا يعطي المسلمين اعياد دينية فهل هذه دولة كافرة انا لم اكلمك عن شيئ قلت لك فقط لا تشتم عائلتي و لا تصف مسلمين باليهود فقط الا كلمة يهودي لا اقبلها و الله العزيز الحكيم يعلم ما في القلوب كم ابغضهم و اكرههم ككره هتلر لهم لذا كفانا شتم

    • إسمع ياهذا,تحب الناس تحتارم أرائك هنا أوماتشبكش,توقف عن الشيتة و دعم المجرمين القتلة تع الدياراس و على رأسهم طرطاق و مدين
      و الاخرين و توقف عن سب المعارضين الشرفاء من أمثال سوايدية و سمراوي وزيطوط و الشيخ علي بن حاج و توقف عن إعادة الكاسات
      المملة تع الناتو,الثوار,المغرب,المخزن,تحيا بوتسريقة ,………….إن فعلت هذا فلك كل الاحترام و التقدير.فلاداعي للإصرار على تكرار
      شهادة الزور و الكذب وزرع الحقد و خداع النوايا من شعبنا اللي حقا مازال راهم نوايا تع الصح.
      ولاتحاول تغيير إسمك كل مرة كِالتاتة.يعني ابقى بهاذ الاسم أحمد (وإن كنت لاتستاهل هذا الاسم حقيقة) و لاتستعمل اسماء اخرى كجزائر العزة
      وماشابهه.فالجزائر كلها بلادنا و نريد تحريرها من جماعة الدياراس الحركى و جنرالات حزب فرنسا الخونة.
      إن فعلت كل هذا فالناس ستحترمك و تحترم ارائك.

  • اسمع ارائي و توجهاتي السياسية و الفكرية انا مقتنع بها قناعة تامة و انا لا ادافع عن احد و لا اعرف اي شخص من الدياراس اللي راك تتكلم عليها كل من يخالفكم و يقول الحقيقة تقولون دياراس و كان اغلبية الشعب الجزائري دياراس لذا يا صهيب بركاك من اعادة هذه الاسطوانة فرجال الدياراس عندهم امور اكبر من هذه التفاهات و رجال الدياراس كلهم جزائريين من خيرة هذا الشعب و الاخير فيهم عندو شهادة الليسانس فهم لا يضيعو اوقاتهم في هذه الصفحات بل عندهم قظايا كبرئ تتمثل في الامن القومي للوطن من اي ظربة خارجية و من اي مؤامرة سواء كانت سياسية او اقتصادية ثانيا لقد علمت من خلال تعليقاتك انك متعاطف مع الجبهة الاسلامية المنحلة و متعاطف مع الارهاب الذي دمر الجزائر و متعاطف مع الابواق الخارجية التي تحركها الايادي الصهيونية كمنظمة اتبور الصربية التي تمول حركة رشاد و منظمات بريطانية اخرئ لكن اعلم انني مهما حاولت ان افهمك حقيقة المؤامرة المحاكة ضد الجزائر و الوطن العربي فلن تفهم لان تفكيرك محدود و انا اعذرك فكل انسان له عقل لكن ليس كل انسان يتصف بالذكاء لذا فلا داعي للشتم و الكلام القبيح لانني لا افهم هذه اللغة الحيوانية بل افهم لغة الحوار الجزائر اليوم ليست جزائر التسعينيات و الثمانينات و السبعينيات و الشعب يقر بهذا و نقول الحمد لله علئ السلامة و الامن و الاستقرار

    • آواه نتا عميل تبقى عميل للدياراس.المحاكمة تاع مدين و طرطاق و الجن راهي قريبة.نبداو بالعجوز المجرم الجزار ثم تأتي البقية.
      السنوسي تاع ليبيا راح راح ذاح فاليد والان يُحاكم و المشنقة تنتظر فيه.طبعا صدقت القول,فالدياراس مشغولون بمهام الخداع و
      التعذيب و القتل و الاغتصاب و الابتزاز و سرقة أموال الشعب ,ولكن عندهم الكلاب من أمثالك من يقومون لهم بمهمة الدفاع نيابة.

  • اسمع يا كلب بل حاشئ الكلب الئ ترئ ان النقيب شوشان في هذا الكتاب قام بالافشاء عن اسرار عسكرية تخص الجيش لقد قام السيد شوشان في كتابه هذا برسم الهيكل التنظيمي للجيش دون ان يشعر فمن المستفيد من قراءة هذا الكتاب الذي لم يصدر في الجزائر برافو يا شوشان الموساد الاسرائيلي و كل الوكالات الاستخبراتية الغربية اصبحت تعلم بالبنبية و الهيكل التنظيمي لجيشنا بفضل كتبكم هذه التي تفشون فيها بكل الاسرار العسكرية رغم انك كظابط عسكري سابق اقسمت عند تخرجك بعدم الاباحة باي سر من اسرار المهنة العسكرية هل استاذنت بذكر اسماء الظباط الا تعتبر ذكر المناطق العسكرية و ذكر الوحدات و الفيالق و ارقامها و مناطقها اسرار عسكرية انا متاكد ان الموساد الاسرائيلي يعتبر كتابك يا شوشان كنز كبير لان الوكالات الاستخباراتية معروف عنها انها تشتري بملايين الدولارات اي اخبار عسكرية حتئ و لو تراها انت بسيطة فهي غالية عندهم لذا لقد ارتكبت خطئ كبير يا شوشان بذكر كل هذه الاسرار المهنية العسكرية و انا اعلم انك اليوم في ورطة لان الجزائري يسمح بكل شيئ الا الخيانة و انتم خنتم بطريقة غير مباشرة او بقصد انا لا اعرف المهم بكتبكم هذه اعطيتم للموساد و للمخزن و لكل وكالات العالم المخبراتية اسرار عن جيشنا ذكر المناطق اسماء الفيالق و الكتائب و تمركزها و اسماء الظباط الئ جانب تعريف الاجانب باستراتيجية الجيش برافو يا شوشان اقسم يالله لو كنت قاضي عسكري لطالبت المحكمة العسكرية بالحكم عليك بالاعدام فاذا اخرجت كل هذا في كتابك للعلن فما الاخبار التي يمكن قد بعتموها برافو ام ارئ في حياتي و لقد زرت مدن العالم و انا اعشق المطالعة لكنني لم اطلع في حياتي يوما علئ كتاب في الخارج من تاليف ظابط عسكري يفشي باسرار عسكرية للقراء الاجانب الا انت و طبعا المدعو سمراوي و سعيدية حبيب هذه جنحة كبرئ و خيانة عظمئ و انتم تعلمون هذا جيدا و ساقول لكم شيئ المؤسسة العسكرية بسببكم و بسبب كتبكم التي تعتبر كنز للوكالات الاستخبراتية الخارجية قام الجيش بتغيير كل شيئ و تغيير الهيكل التنظيمي و هذا كلف ملايير الدولارات و لازال يكلف كل هذا بسببكم و بسبب كتبكم هذه و انتم لا تشعرو انكم ارتكبتم جنح كبرئ بهذا يا شوشان انا اعرف انك ظابط جيد و ممتاز لكن ما الفائدة من ذكر في كتابك اسماء المناطق و الظباط و الفيالق و ذكر العمليات و اسرار الجيش الا تعلم ان كتابك هذا اصبح في ادراج كل مخابرات الدول اولها الموساد و السي اي اي لا تقل لي انك لم تكتب هذا عن قصد لان القانون لا يحمي المغفلين و اعلمو انكم الحقتم ضرر كبير بالجيش هذا الضرر لن يزول بسهولة كل هذا بسبب كتبكم هذه اذا كان لكم مشكل مع قائد فيلق او عميد او لواء فلماذا لم تذكر اسمه فقط دون ذكر المناطق و اسم الفيلق الخ و اعطاء تفاصيل دقيقة كان من المفروض المدنيين في الجزائر لا يطلعو عليها فما بالك الاجانب و الله يا شوشان لقد ارتكبتم خطئ كبير

  • ياكلب الدياراس شوشان راجل و فحل لم يرضخ للمجرمين تاع طرطاق و مدين العميلين للصهاينة.الشعب الجزائري راه عارف بعدوه الحقيقي ألا و هم الدياراس و مدين و طرطاق و البقية.أما أنت فلست إلا بوقا و كلبا تنبح صباح مساء لأسيادك الدياراس الخونة الحركى.

  • اسمع يا كليب انا لم اقل شبئا من حق الظابط السابق شوشان ان ينتقد السياسة الحالية و النظام القائم لكن ليس من حقه ان ينشر اشياء خاصة تخص الجيش الجزائري لان الللواء مدين و طرطاق و غيرهم هم مجرد اشخاص زائلون مع الوقت اما الجيش باقي لذا هذه ليست حجة ان يقوم شوشان بذكر اشياء استراتيجية عسكرية كالمناطق العسكرية و ارقام الفيالق و اسماؤها الئ جانب ذكر اسماء الظباط في كتابه الا تعتبر هذا خطر و الموساد الاسرائيلي و الوكالات الغربية تشتري المعلومات العسكرية بملايين الدولارات و الظابط شوشان في كتابه هذا ذكر اشياء استراتيجية تعتبر كنز لاعداء الجزائر لماذا لا يقوم ظباط امريكا او ظباط اسرائيل او ظباط اي بلد في العالم بتاليف كتب يذكرو فيها اسرار عن جيوشهم و اسماء زملائهم الظباط لانهم يحبون اوطانهم و يعلمون ان ذكر التفاصيل العسكرية خطر قد يستفيد منه اعدائهم حتئ ظباط الجيش المغربي الشقيق لم يقوم احد بذكر شيئ يخص جيشهم اما شوشان و زملائه الذين يسمون انفسهم بالظباط الاحرار قامو بتاليف كتب اصبح كل العالم يعرف البنية التحتية للجيش الجزائري فما بالك وكالات الاستخبارات العالمية التي ستاخذ هذه الكتب التي تحمل هذه المعلومات و تدرسها باستراتيجية واسعة لتعرف نقاط ضعف جيشنا الجزائري اما اللواء مدين و اللواء طرطاق لو كان حقا كما تقول لقام بتصفية هؤلاء الخونة في كل ارجاء العالم و قطع السنتهم التي يهددون بها المؤسسة العسكرية لانهم عملاء و خونة خانو الشعب الجزائري الا تعتبر ذكر معلومات عسكرية سرية تخص الجيش خيانة اذن انت ليس جزائري و اتحداك ان تجد في كل مكتبات العالم كتب لظباط اي دولة في العالم يذكرون اسرار تخص جيوشهم او يذكرون اسماء ثكناتهم و مناطقهم العسكرية و اسماء زملائهم الظباط الا هؤلاء الخونة الذين لم يحترمو القسم و اسرار المهنة و هذه هي الخيانة بعينها انا لا يهمني لا جنرال و لا اخر لانهم كلهم خدم للجزائر بالعكس انا اعتبر ظباط المخابرات انهم متواطءون و لا يقومون بعملهم بجدية لتصفية هؤلاء الخونة الذين قدمو اسرار الجيش للعالم

    • أنت هو الخاين البياع الحركي ولد الحركي.راه قريب محاكمة المجرم الحركي ولد فرنسا نزار الجزار و من بعد يأتي دور عملاء الصهاينة مدين المسرطن و طرطاق ربي يطرطق راسوا بدبابة تدحسه.ومن بعد يأتي دور البياعين الشياتين من أمثالك الحركى أولاد الحركي الانذال.

  • والله تستحق الموت ياخائن الجزائر بلد الشهداء والرجال الذين ضحوا من اجل الجزائر، والله تستحق اكثر من الموت تستحق الغذاب بكل اواعه يخائن، الجيش الزطني الشعبي شريف، وجهاز المخبرات شريف ومهمته رصد الخائنين مثلك ياخئن يكلب، وفق الله طرطاق بشير ومصالحه في كشف ورصد الخائنين، سيادة الغقيد بشير طرطاق الله والشعب والجيش الوطني الشعبي معك وفقك الله في عملك الشريف والنزيه من اجل ىالجزئر.

  • السلام عليكم السيد شوشان انا واحد من الحراس الذين عايشو احداث البرواقية فقط اريد انذكرك انك كنت غير موجود بالعمارة التي وقعت فيها الاحداث

    وكنت موجود في العيادة وقد طلبت او تظاهرت بالمرض من اجل بقائك بالعيادة ايام معدودة فقط قبل الاحاث وهنا السوؤال يبقى مطروح هل كانت صدفة ام كنت على علم بما سوف يقع وانا متاكد مما اقول انت لم تكن بالعمارة فقط تذكر جيدا