مقالات

سيناريوهات‭ ‬انتخابات ‭ ‬ 2012| عبد الرزاق مقري 1

2012.01.18
عبد‭ ‬الرزاق‭ ‬مقري

رشح عمر بن الخطاب قبل وفاته ستة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لخلافته على أن يختار المسلمون واحدا منهم. انسحب بعد وفاته أربعة وبقي علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان فقام واحد من المنسحبين وهو عبد الرحمن بن عوف بتنظيم عملية الانتخاب في المدينة المنورة ويقول بن كثير في ذلك في كتابه البداية والنهاية: ((ثم نَهَضَ عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يستشير الناس فيهما ويجمع رأيَ المسلمين برأي رؤوس الناس وأقيادهم جميعًا وأشتاتًا مثْنَى وفُرَادَى ومجتمعين، سرًا وجهرًا، حتى خَلُصَ إلى النساء المُخَدَّرَات في حجابهن،‭ ‬وحتى‭ ‬سأل‭ ‬الوِلْدَان‭ ‬في‭ ‬المكاتب،‭ ‬وحتى‭ ‬سأل‭ ‬من‭ ‬يَرِدُ‭ ‬من‭ ‬الرُّكْبَان‮ ‬والأَعْرَاب‭ ‬إلى‭ ‬المدينة،‭ ‬في‭ ‬مدة‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام‭ ‬بلياليها‭ ‬فلم‭ ‬يجد‭ ‬اثنين‭ ‬يختلفان‭ ‬في‭ ‬تقدُّم‭ ‬عثمان‭ ‬ابن‭ ‬عفان‮)).‬‭ ‬

يقول بعض المؤرخين بأن الناس اختاروا عثمان لأنهم رأوا في علي شبها لعمر بن الخطاب وهم قد ملوا نهج عمر كما قال بعض المؤرخين ومنه ما ورد في كتاب الطبري عن الشعبي الذي قال: لم يمت عمر حتى ملته قريش. قد يستغرب القارئ هذه المقولة كيف يمل الناس عمر وهو أصلح وأعدل حاكم ذاع صيته في البشرية عند المسلمين وغيرهم. يشرح بعض العلماء ذلك بقولهم أن حكم عمر طال كثيرا (عشر سنوات وستة أشهر وبضعة أيام!) وأنهم إن اختاروا عليا فسيكون حكمه استمرارا لنمط حكم عمر في الزهد والصرامة فأرادوا التغيير بأن يحكمهم رجل صالح آخر مبشر بالجنة ولكن‭ ‬له‭ ‬منهج‭ ‬سياسي‭ ‬مغاير‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬اللين‭ ‬والفسحة‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭.‬
أوردتُ هذه الحادثة التاريخية لأستشرف بها مستقبل الانتخابات في الجزائر لأؤكد بأن ميل الناس للتغيير في شأن السياسة فطرة فيهم وأن صلاح الحاكم وعدله لا يُؤمّْن له الحكم عليهم مدى الحياة. ومن هذا المنطلق نسأل أنفسنا ما الذي جعل نظام الحكم في الجزائر يستمر نصف قرن من الزمن لم يتغير ولم يتبدل. تتغير الوجوه ونظام الحكم نفسه، نفس الذهنية ونفس الآليات ونفس المنهج. هل يُعقل مثلا أن حزبا واحدا يبقى في الحكم خمسين سنة وحينما يترهل ويضعف يُستنسَخ منه حزبٌ آخر يُوضع بجنبه، وهؤلاء الذين كانوا في هذا الحزب هم أولئك الذين كانوا في ذاك الحزب، وإذا أراد حزبٌ أن يكون معهم عليه أن يُصبح مثلهم وأن يعمل ببرنامجهم، ومن أراد أن يعارضهم عليه أن يعارضهم وفق مذهبهم وأن يستعمل مصطلحاتهم. وحتى الخيارات الكبرى حينما تتغير يُغيرها نفس الحكم ويترأس إدارتها نفس النظام، فالذي كان اشتراكيا بالأمس‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يسير‭ ‬البلاد‭ ‬بالنمط‮ ‬الليبيرالي‭ ‬وربما‭ ‬سيسرها‭ ‬غدا‭ ‬باللون‭ ‬الإسلامي‭!‬‮ ‬
حتى وإن اعتبرنا النظام الجزائري بكل وجوهه وآلياته نظاما راشدا ناجحا ساس البلد على نهج عمر بن الخطاب لغَيّره الجزائريون في أول فرصة يُسمح لهم فيها بذلك فعلا، ولكان موقفهم بعد طول بقاء هذا النظام هو موقف المسلمين من علي على الأقل. مهما كان فضل علي وسبقه لم يختره الناس لأنه كان يمثل استمرارا لوضع قائم مله الناس، على قول من قال ذلك من العلماء. فكيف بنا نحن ونظامنا لم يقدر على تحقيق التقدم والتطور، ولم يحقق النجاح لا في التعليم ولا في الصحة ولا غيرهما ولم يقو على نشر العدالة ولا الحرية بعد خمسين سنة من السيطرة على دواليب الحكم رغم الموارد البشرية والمادية والجيوستراتيجية التي بين يديه. كيف للناس أن يستمروا في اختيار أحزابه في كل انتخابات؟ هل الجزائريون أعقل وأهدأ وأصلح من الجيل الأول من المسلمين ليصبروا كل هذا الصبر على أحزاب نظام الحكم ولا يملونهم، أم أنهم أغبياء وسذج وقُصر لا يفهمون ولا يدركون فسلّموا أنفسهم لقوة واحدة تختار مكانهم وتفعل في أمرهم ما تشاء. لا والله الأمر ليس هكذا، ليس الجزائريون كالذي نقول، هم كغيرهم من البشر يحبون التغيير والتطوير ولكنهم جربوا ذلك مرات فلم يفلحوا فتركوا اللعبة كلها. ليس الجزائريون‭ ‬في‭ ‬مجملهم‭ ‬من‭ ‬يُصمم‭ ‬المجالس‭ ‬ويختار‭ ‬الحكام،‭ ‬كل‭ ‬الناس‭ ‬يعلمون‭ ‬هذا‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬حياة‭ ‬لمن‭ ‬تنادي‭.‬
إن السيناريو المرجح في انتخابات 2012، تبعا لما قلنا، لو تكون الانتخابات حقيقية مائة بالمائة أن تخسر الأحزاب التي يعلم الناخبون بأنها ترمز لنظام الحكم، دون أن نحتاج للحديث عن الضمانات القانونية والإدارية التي تطالب بها الأحزاب. فالدليل الوحيد لنزاهة الانتخابات أن يقع التغيير في موازين القوة في البرلمان المقبل والحكومة المقبلة والمجالس المحلية المقبلة والرئاسة المقبلة. فإن لم يقع ذلك فذاك هو الدليل الأكبر بأن الانتخابات لم تكن شفافة ولا نزيهة مهما برهنت عليها الوثائق ومهما شهدت عليها اللجان المحلية والدولية. الدليل القطعي على حقيقة الأشياء هو تطابقها مع السنن الكونية، والسنن الكونية تقتضي التغيير المستمر للأشياء، وديمومة الحياة تقتضي دوما تطور الأحياء وتبدلهم. لا يمكن لنظام حكم أن يستمر في الحكم عقودا من الزمن إلا بالقهر أو بالتزوير أو الاحتيال. وأي نظام يفرض نفسه بهذه الطريقة على الناس يكون معزولا مهما أظهر من بهرج ومهما جمع الناس للتصفيق له باستعمال أدوات الدولة، وطبيعة هذه الأنظمة العجز على تشغيل قدرات المواطنين وإشراكهم في خدمة أوطانهم وبالتالي الفشل الذريع في تحقيق التنمية والترقية والتنوير، تماما مثل ما حدث في التجربة الاشتراكية وغيرها من الدول الشمولية في تجارب أخرى. وكل نظام من هذا النوع ينتهي نهاية دراماتيكية كما انتهى الاتحاد السوفياتي وكما يحدث هذه الأيام مع الأنظمة العربية. وأي محاولة لإدامة هذه الأنظمة بالحيل والترتيبات المخبرية والتحالفات الصورية وتغيير‭ ‬الأشكال‭ ‬والمظاهر‭ ‬قد‭ ‬يؤجل‭ ‬السقوط‭ ‬ولكنه‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬يعمق‭ ‬أسبابه‭ ‬ويجعل‭ ‬أوانه‭ ‬مدويا‭ ‬مدميا‭ ‬مؤلما‭ ‬والعياذ‭ ‬بالله‭.‬‮ ‬‭ ‬
ولأننا لا نشعر بأن ثمة شيئا جديدا يطمئن على نزاهة الانتخابات المقبلة، فإن السيناريو الاعتيادي بخصوصها هو إنتاج نفس المظاهر وتكرار نفس التجارب وتقديم نفس الصور والأشكال. سيكون النجاح للحزبين الحاكمين، جبهة التجرير الوطني والتجمع الوطني الديموقراطي، لا يهم من يكون أولهما وثانيهما في مجمل اللعبة ونعود بعده لتفصيل الحديث بخصوصهما، ثم بعدهما بمسافة كبيرة تتنافس حركة مجتمع السلم والجبهة الوطنية الجزائرية وحزب العمال على المراتب الثالثة والرابعة والخامسة، ثم تأتي باقي الأحزاب الإسلامية ثم تأتي بعدها الأحزاب المتبقية‭ ‬وتظل‭ ‬أحزاب‭ ‬منطقة‭ ‬القبائل‭ ‬في‭ ‬وعائها‭ ‬لا‭ ‬تخرج‭ ‬منه‭ ‬تتنافس‭ ‬بينها‭ ‬يزيد‭ ‬هذا‭ ‬الحزب‭ ‬أو‭ ‬ينقص‭ ‬ذاك‭ ‬فلا‭ ‬يؤثر‭ ‬الأمر‭ ‬شيئا‭ ‬في‭ ‬التوازنات‭ ‬السياسية‭ ‬الكبرى‭.‬
لا يُتوقع في الانتخابات المقبلة أن يحدث السيناريو الأول، إذ أن شروطه لم تنضج بعد في بلادنا ولا يُعقل أن يقع السيناريو الثاني، لأن المدخلات الجديدة المرتبطة بالثورات العربية وصعود الإسلاميين عند جيراننا والأزمات الجزائرية المعلومة والمخفية لا تسمح بذلك. فما‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقع‭ ‬غير‭ ‬هذا؟‭ ‬هذا‮ ‬الذي‭ ‬نراه‭ ‬في‭ ‬مقالنا‭ ‬المقبل‭ ‬بحول‭ ‬الله‭. ‬

http://www.echoroukonline.com/ara/aklam/analyses/90649.html

سيناريوهات‭ ‬انتخابات ‭ ‬ 2012| عبد الرزاق مقري 2

سيناريوهات‭ ‬انتخابات ‭ ‬ 2012| عبد الرزاق مقري 2

تعليق واحد

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق

  • والله العظيم إنّني أجد غرابة لا نهاية لها في هذا الطرح الذي يكتبه صاحب المقال. فما معنى عقد المقارنة بين نظام الخلافة ورجالها وشعبها من الصحابة والتابعين خيار الأمة وساداتها وبين أهل الهراوات والعصي و حملة السيوف الذي قتلوا الشعب وأخذوا الناخبين والمتعاطفين وأنصار الحل الإسلامي إلى مخيمات وادي الناموس وعين امقل.
    هل هذه المقارنة تسويد لنظام الخلافة في الأعصار الإسلامية الأولى أم هـــي تبييض لصفحة جنرالات فرنسا ؟
    ثمّ ما معنى أن تكره قريش حكم عمر رضي الله تعالى عنه فيكون معناه كراهية الشعب الجزائري من حكم الشاذلي أو بوتفليقة أو سواهما ممن حكموا البلاد ؟
    وما معنى هذه المقارنة كذلك فهل سياسة الخليفة عمر المبنية على الحق والجهاد والعدل مشابهة لسياسة حكام الجزائر منذ استقلالها على الأقل ؟
    وهل عقد المقارنة بين نظام الخلافة في بداياته معناه أن الحكم الراشد في الجزائر هو كحكم الخلافة أو شبيه به من وجهة نظر سياسية ؟
    يبدو أن كاتب المقال واحد من اثنين : فإما هو يكتب عن شيء لا يعلم من أن يبدأ الكتابة فيه شأن كل مبتدئ يكتب كل ما يراه ولا يدرك خطورة ما يخرج من رأسه ، وإما هو فعـــــــلا يقارن ويكتب لغاية مساندة نظام فاسد مفلس عفن لا يصلح للعادات ولا للعبادات.
    وكـــــــــــلا الأمرين لا يصلحان لمن يجب أن يفهم ما يكتب من وجهة نظر سياسية ، ولكن العجب سيزول إذا عرفنا أنّ الكاتب واحد من جماعة حمــــــــس ، فهم يبيعون أي شيء من أجل السلطة حتى ولو كان الثمن مقدسات الأمة ودينها الذي أهانوه بتلفيقهم ومساندتهم المفسدين والمرتشين في جزائر بوتفليقة.
    لك الله تعالى يا جزائر الشهداء ولله درك يا شعبي العزيز الأبي الذي تتاجر بدمائه وثرواته الخونة وعملاؤهم وأعوانهم …