مقالات

هل يدفع الدكتور مراد دهينة ثمن إصراره على طريق التغيير الفعلي | د. رشيد زياني شريف

يبدو أن السلطات الفرنسية مقدمة على ارتكاب نفس الأخطاء الاستراتيجية، على شاكلة دعمها اللا مشروط الذي كانت تمد به نظمي بن علي ومبارك الدكتاتوريين. حتى لما كان نظام بن علي يمعن قتلا في مواطنيه، كانت حكومة الاتحاد من أجل الحركة الشعبية، المنتمي إلى اليمين الفرنسي، يعرب عن استعداده، من خلال وزيرة خارجيته، أليو ماري، ليمد نظام بن علي بالوسائل الكفيلة والخبرة المدنية لوقف “أعمال الشغب” الجارية في تونس! إن قيام السلطات الفرنسية باعتقال الدكتور مراد دهينة أحد مؤسسي حركة رشاد في مطار أورلي بباريس، في طريقه إلى جنيف، رغم وصوله إلى باريس قبل بضعة أيام دون أي مضايقات،إن مثل هذا التصرف من قبل السلطات الفرنسية يلفه الكثير من الريب ويطرح أكثر من سؤال. هل جاء اعتقال الدكتور دهينة استجابة من السلطات الفرنسية لطلب تقدمت به الطغمة العسكرية في الجزائر، أم إذعانا لها، لأسباب لم تعد خفية، قصد توسيع نطاق ضغوطها ومضايقاتها على المعارضة الفعلية، خارج التراب الجزائري ليمتد إلى غاية الأراضي الفرنسية؟ ومما يعزز هذا الطرح، درجة

الذعر والضيق الشديدين الذي أصيب به النظام الجزائري، من جراء نشاط حركة رشاد، وخاصة التجمع الذي نظمته الحركة إلى جانب المعارضة المطالبة بالتغيير الفعلي يوم 11 يناير الفارط، أمام سفارة الجزائر بباريس بمناسبة الذكرى العشرون للانقلاب 11 يناير 1992.

ولا يصدّق عاقل أن السلطات الفرنسية تجهل طبيعة الطغمة العسكرية في الجزائر الحاكمة منذ انقلاب يناير 1992، والتي لم تعد تكتفي بقمع كل معارضة سلمية حقيقية داخل الوطن وبذل قصارى جهدها لكتم أنفاسها، حيث امتد تعسفها من خلال معاودة طلبها، إلى الحكومة الفرنسية، لإحياء مذكرة اعتقال دولية، كانت هذه السلطة الانقلابية قد أصدرتها قبل قرابة عقدين بحق الدكتور دهينة، مذكرة لا تعدو كونها قرار ذا دوافع سياسية بحتة، بما ينتهك الاتفاقيات الدولية التي تكفل وتحمي الحقوق المدنية والسياسية والتي تحظر بشكل قاطع تسليم معارضين سياسيين، خاصة إلى الدول المعروفة بانتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان كما هو الشأن بالنسبة لنظام الجنرالات في الجزائر. والأمر الذي يزيد من ريب عملية الاعتقال هذه، أنها جاءت على ما يبدو نتيجة مباشرة لمقايضة لا أخلاقية، عقب الزيارة الخاطفة التي أجراها مؤخرا وزير الداخلية الفرنسي، كلود غيون إلى العاصمة الجزائر، يوم 5 ديسمبر 2011، في إطار مهمة غامضة، وزيارة مماثلة، هذه المرة من وزير الخارجية الجزائري السيد مدلسي إلى باريس، لذات الغرض على الأرجح.

لقد بات واضحا حالة الهستيريا التي أصابت نظام الجنرالات في الجزائر، بفعل المسار السياسي السلمي في طريق التغيير الجذري في مواجهة حكم الانقلاب، الذي تخوضه حركة رشاد، الغير قابل للمساومة وغير المعني بنظام الحصص داخل بوتقة النظام العسكري الفعلي، وهو ما أصبح يشكل هاجسا وكابوسا يقض مضاجع النظام المترهل، خاصة بعد بداية انطلاق في الأشهر الأخيرة، بث قناة رشاد التلفزيونية على باقة العصر الفضائية، مما دفع ساسة هذه الطغمة بفعل الهلع الذي بلغ ذروته في ظل رياح التغيير التي تهب في المنطقة، المؤذنة باقتراب أجلهم، إلى التوجه نحو “حُماتها” في باريس، تستنجد بهم، أملا في أن يمدونها بيد العون والمشورة لعرقلة مسار التاريخ الجارف.

ثم هل هي سخرية الأقدار، أنه في اليوم الذي كان فيه وزير خارجية فرنسا يكرم الشخصية البارزة في مجال حقوق الإنسان ومكافحة الدكتاتورية، آن سان سيو كي، في بيرمانيا، ويقلدها إحدى أعلى أوسمة الجمهورية الفرنسية، في هذا اليوم بالذات، يتعرض شخصية معارضة أخرى للنظام العسكري الانقلابي في الجزائر لعملية اعتقال في تراب هذا البلد، فرنسا، بلد الحريات وحقوق الإنسان!!! هل من الإنصاف الدفاع عن حقوق الإنسان وتكريم العاملين في سبيله من جهة، ثم تجاهل ذات الحقوق، بل ومضايقة ضحايا أحرين لضروب التعسف وانتهاكات تقترفها طغم عسكرية أخرى، والتعاون مع الجلادين، والتواطؤ معهم؟ أليس ذلك نوع من أنواع الكيل بمكيالين، بصرف النظر عن الذرائع والحجج “القانونية” التي يسوقها أصحابها.

وهل تجهل فرنسا طبيعة “السند القانوني” للملفات القضائية التي تدبجها الأطراف ذاتها التي خططت وقامت بانقلاب يناير 1992، ودفعت بذلك البلد نحو حرب قذرة كلفت الجزائر ربع مليون قتيل، واختطاف ما يربو عن عشرين ألف مفقود على أيدي فيالق الموت التابعة لجهاز التوفيق، ونقل عشرات الآلاف من المدنيين إلى معتقلات الصحراء، دون جرم ولا أدنى تهمة، وتعريضهم بشكل مباشر للآثار النووية القاتلة من مخلفات تجارب الحقبة الاستعمارية، ليحكم عليهم بموت بطئ ومؤكد، وقد توفي بالفعل عدد منهم، فيما أصيب آخرون بشتى أصناف أمراض السرطان.

وبعد إيداع الدكتور دهينة رهن الاعتقال التحفظي قالت السلطات القضائية أنها بصدد دراسة الملف الذي تلقته من نظيرتها في الجزائر، المعروفة بخضوعها المطلق للبوليس السياسي، أي مديرية الاستعلامات والأمن. وهل هناك عاقل واحد يصدق فعلا أن العدالة الفرنسية تجهل على أي أسس تمت صياغة هذه الملفات القضائية في عهد المحاكم الاستثناء التي كانت تسمى بالمحاكم الخاصة؟ لنفترض جدلا أنه قُدِر للسلطات القضائية في فرنسا الاستجابة كما هو الحال بالنسبة للدكتور دهينة، لكل الملفات المشابهة التي كانت تتسلمها من النظم الشمولية، كم من مواطن سوري وتونسي ومصري، كانت العدالة الفرنسية مستعدة لتسليمهم إلى بلدانهم على أساس مذكرات اعتقال مماثلة؟

ولنتخل لحطة أن الثورة التونسية لم تكلل بالنجاح، وأن بن علي لا زال يتحكم في رقاب الشعب التونسي، وأنه طالب من نظرائه في فرنسا، تسليمه “الإرهابيين” بناء على “مذكر اعتقال دولية”، مثلما تحسن ديباجتها الأنظمة البوليسية، وأن النظام الفرنسي قد استجاب لطلبات صديقهم، يمكننا الجزم أن جزء كبير من الذين يشكلون اليوم أعضاء المجلس التأسيس المنتخب، وعلى رأسهم رئيسه “الإرهابي” منصف مرزوقي، كانوا سيتصدرون تلك المذكرات الدولية للاعتقال.

هل فرنسا مستعدة مرة أخرى لأن تفاجأ بما يدور من حولها ودون علمها وعلى حسابها من قبل مجموعة تحكم الشعب الفرنسي في ظل تكتم وضبابية شاملتين تحت ذريعة مصلحة الدولة، سوف تنكشف عورتها ولو بعد حين لتظهر في صورتها الحقيقية، مجرد خدعة يستخدمها أصحابها للتستر على جشع ونهم يذري على أصحابها مبالغ خيالية، يتبرع بها عليهم نظام راشي، يغرف من مال الشعب، بالإضافة إلى ما يمتعون به من رحلات استجمام وترفيه فاخرة على حساب المضيف الكريم بأموال الشعب.

في واقع الأمر، لا أحد يجهل الأسباب التي تجعل باريس تتميز دائما على نحو مريب في تعاملها إزاء ما يجري في الجزائر، بحيث تخص جنرالات انقلاب يناير بمعاملة تفضيلية، وتمنحهم حصانة شاملة. وإذا كان الكل يعلم سبب ذلك، فالمواطن الجزائري من باب أولى، كونه قريب من الوضع وإلمامه الواسع بخبايا وتفاصيل العلاقة الوثيقة والمنفعة المتبادلة غير المشروعة بين مسؤلي الضفتين. وسوف يحتفظ المواطن الجزائري في ذاكرته كيف أن باريس ارتكبت المحظور بشكل مستفز عند إقدامها على اعتقال الدكتور دهينة، المعروف وسط الشعب الجزائري الذي يكن له كل الود والاحترام ويقاسمه آلام وآمال الجزائر الجريحة، ويخوض معه نفس الكفاح السلمي من أجل فضح نظام الاستبداد ووضع حد لحكم الطغمة العسكرية، مثلما سيحتفظ في ذاكرته كيف أن السلطات الفرنسية شاركت بشكل فعلي ونشط في فرار الجنرال نزار في شهر أبريل 2001، عندما أخرجته من التراب الفرنسي على متن طائرة خاصة أرسلتها له الطغمة، لتجنيبه المثول أمام العدالة…الفرنسية.

حري بالمواطن الفرنسي بأن يسأل مسؤوليه، هل عملية اعتقال المعارض السياسي، الدكتور دهينة، بهذا الشكل التعسفي خدمة تدخل في نطاق رد الجميل، وقربان، على مذبح التنسيق بين النظامين، تقدمها حكومة فرنسية متهاوية تفتقد يوم بعد يوم الشرعية بسبب ما لحق بها من فضائح متتالية، مما يجعلها، في وضع سحيق، لدرجة استجابتها لأوامر عصابة انقلابية، وخضوعها لنزواتها. هل بلغ سقوط هذه الحكومة ذروته، بحيث يصل بها الأمر إلى تسخير مؤسسات الجمهورية الفرنسية مثل العدالة والأمن، لحساب أصدقائها في النظام الجزائري، المتابَعون أصلا من قبل محاكم أوروبية عدة على ارتكابهم أعمال تعذيب واختفاء قسري وغيرها من الجرائم التي لا تسقط بالتقادم.

كما تجدر الإشارة، إلى أنه عكس المعاملة التفضيلية التي يحظى بها في فرنسا المتواطئة معه، لم يفلت الجنرال نزار من العدالة الدولية حيث تعقبته خارج بيت الآمان الفرنسي الجزائري، لتحتجزه العدالة السويسرية للرد على الاتهامات بارتكابه جرائم ضد الإنسانية رفعها ضده في سويسرا اثنان من ضحاياه، في بلد لا تخضع عدالته لأوامر سياسية مالية. ومن الأمور الملفتة، أنه رغم توقيف نزار في سويسرا، كان من المفروض أن يحدث ذلك أثرا مدويا في وسائل الإعلام الفرنسية، لكن لم تقدم هذه الوسائل، أدنى تعليق وكأنه لا حدث، مما يطرح تساءل حول طبيعة الإعلام الفرنسي بصورة عامة ومدى استقلاليته عن سياسة الإليزي. في المقابل كان لذات الحدث الصدى المهول في أوساط النظام الجزائري الذي أصيب بالذعر والهذيان، فباشر منذ ذلك اليوم في حملة محمومة لإنقاذ الجنرال نزار، خشية من وقوع أقطابه ضحايا عملية الدومنو التي لن توفر عندئذ أحدا، لا من العسكريين المتورطين في الانقلاب وما نجم عنه من أهوال، ولا حاشيتهم من المدنيين، المنضويين ضمن لجنة إنقاذ الجزائر، التي اختطفت صوت الشعب، وتحدثت نيابة عنه ورغما عنه، لاستجداء خالد نزار وعصابته، قبل عشرون سنة، لتنفيذ ذلك الانقلاب، باسم الشعب!!!

هل هي مجرد صدفة أم ثمة “ضمانة مسبقة الدفع” تجعل من الجنرالات الجزائريين يتهافتون على فرنسا البلد والقبلة المفضلة بالسنية لهم، حيث يعقدون على ترابها صفقاتهم النتنة بأموال الشعب، بكل اطمئنان، في الوقت الذي يتجنبون فيه باقي دول أوروبا التي لم تقع في شراك دسائسهم، لتبقى بذلك فرنسا الدولة الوحيدة التي تتورط عن وعي وتصميم في علاقة مريبة مع نظام يفر منه الجميع ولم يعد يجد كثير ممن يستأنس بالاقتراب منه. والملفت في ذات السياق أن الدكتور دهينة، على غرار باقي المعارضين الجزائريين، يتنقلون بكل حرية داخل بلدان أوروبا، دون مضايقات أو توقيف، هل يعود ذلك لأن رغبات جنرالات مديرية الاستعلامات والأمن تبقى محصورة داخل فرنسا دون أثر يذكر على البلدان الأخرى، رغم محاولات شراء المسؤولين فيها بحقائب الدولارات؟ إلى متى يظل النظام في فرنسا رهينة جهاز المخابرات الجزائرية، بين حقائب يورو، وتفجيرات “إسلامية”.

هل خضوع ساسة فرنسا لعصابة الجنرال التوفيق يعود لما تملكه هذه العصابة من سلاح فتاك لا قبل لمن تورط من ساسة فرنسا مقاومته، في صورة وثائق-أدلة على ما قدمته هذه العصابة من حقائب مليئة باليورو لرجال السياسة والصحافة والثقافة الفرنسيين المرتشين؟ ومن الملاحظ أن هذا السلاح يلوّح به فقط للردع، دون الذهب أبعد، لعلم الماسكين به مدى خطورة استخدامه، من مغبة عملية الارتداد التي قد تكلفهم الكثير، وتفضح جرائمهم.

وللتوضيح، لا يعني أن جميع المسؤولين الفرنسيين متورطون في هذه العلاقة الدنيئة، المستمرة منذ انقلاب يناير 1992، وبناء عليه يتوجب على كل الشرفاء سواء المسؤولين أو المواطنين محبي العدالة والحرية، أن يعربوا صراحة عن رفضهم هذه الجرائم والتواطؤ مع المجرمين ورفض هذه الطرق الشائنة التي تلطخ القيم التي يقوم عليها بلدهم، ومن واجبهم رفض الوقوع رهينة عصابتين، على ضفتي البحر الأبيض المتوسط. من جهة التصرفات الإجرامية الصادرة عن كل من مركياني وإيف بوني وباسكوا، وغيرهم من المستفيدين من حقائب تعج باليورو الملطخ بدماء ومآسي الشعب الجزائري، ومن جهة أخرى جرائم الجنرالات الجزائريين بمساعدة وحماية سياسيين أعماهم الطمع والجشع، يتصرفون باسم الشعب الفرنسي. فالأمر واضح لا يخفى إلا على من أدار ظهره للحقيقة الساطعة، إن من يحكمون الجزائر طغمة عسكرية انقلابية دموية قد عمدت طيلة عقدين على توريط مجموعة من السياسيين الفرنسيين، وشريحة واسعة من عالم الصحافة والإعلام، للتستر على جرائمها، وجعلتهم رهائن، ومن ورائهم الشعب الفرنسي قاطبة، وذلك من خلال وسائل خسيسة، سوف تتصاعد فضائحها النتنة عندما تطفو إلى السطح، بحيث لن يتمكن الساسة الادعاء بأنهم كانوا يجهلون وقوعها.

وجلي هو الهدف الذي تصبو إليه السلطة الجزائرية من خلال الاعتقال السياسي والتعسفي للدكتور مراد دهينة، وهو سعيها الحثيث لوضع حد لنشاط حركة رشاد، و”محاولة إبقاء المعارضة الفعلية أطول وقت ممكن في السجون” على حد تعبير المدير القانوني لمنظمة الكرامة، السيد رشيد مصلي. وتحقيق هذا الهدف، ما كان ليتم لولا إبرام اتفاق، بين النظام الجزائري ووزير الداخلية الفرنسي كلود قيون، لكن يتوهم كل من يعتقد أنه من خلال مثل هذه الجرائم التي تنم عن ذعر أصابه في مقتل، أنه يستطيع المساس بإرادة حركة رشاد أو إرهابها، لأنها حركة معارضة سياسية فعلية، وليست معارضة الصالونات والحصص، وهي معروفة بنضالها السلمي من أجل التغيير الفعلي، وليس في برنامجها مجال للتراجع عن تحقيق هذا الهدف النبيل، الرامي إلى استعادة حقوق الشعب الشرعية مهما كلفها ذلك، ومن هذا المنطلق تذكِر رشاد، أنها إن وجدت اليوم في صف المعارضة لهذا النظام الانقلابي دون قبولها أي مساومة، وتتحمل لقاء ذلك هذه المضايقات وضروب التعسف، فلا يستطع أحد التكهن بما يحمله المستقبل القريب، عندما تعود الكلمة إلى الشعب الجزائري، صاحب السيادة، ليقرر مصيره ويحدد مساره، على غرار أشقائه في البلدان العربية المجاورة، دون وصاية من أحد.

هل سيستمر النظام الفرنسي في دعم النظام الجزائري مهما اقترف هذا النظام من جرائم في حق الشعب؟ وهل ستواصل وسائل الإعلام صد نظرها وسد أذانها عن الحقائق المروعة التي تتجاوز بشاعة الأنظمة المتهاوية مجتمعة، معتبرة أن الجنرالات الجزائريين قد “أنقذوا” البلد من مخالب الإرهاب؟ لكن ذلك كان زمن، لأن التخوف من الإسلام السياسي، الذي لطالما تم التذرع به والتلويح به من قبل الطغاة في الدول المستبدة، للي يد العواصم الأوروبية، وتوريطها في محاربتهم المزعومة للإرهاب، قد تكشفت حبائلها وظهر زيفها أمام الجميع، باستثناء أولئك الذين يتعمدون إدارة ظهورهم، للحقيقة الساطعة، التي قدمت الدليل الواضح على هوية الإرهاب الحقيقي، إرهاب الدولة المفروض على الشعب بالحديد والنار، مثلما يلوحون اليوم، بفزاعة القاعدة في بلاد المغرب العربي، وتسويق أنفسهم باعتبارهم الحصن المنيع في وجه هذا الخطر الداهم وعامل استقرار في المنطقة، في حين لم يعد خافيا أن النظام العسكري في الجزائر يبذل قصارى جهده للإبقاء على هذه المنطقة في حالة قنبلة قابلة للتفجير في أي لحظة وإحباطه كافة الجهود الرامية إلى استتباب الأمن والاستقرار، من خلال تحريك خيوط القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، الذراع العسكري الإسلامي لمديرية الاستعلامات والأمن، الحاكم الفعلي في الجزائر.

فإن كان مفهوما أن الشعب الفرنسي هو ضحية هذه الحملة الهوجاء المعادية لكل ما له صلة بالإسلام، نتيجة التضليل الإعلامي، فلا يمكن أن نقول الشيء ذاته بالنسبة إلى السلطة الفرنسية، التي لا تجهل أبدا، حقيقة “الإرهاب” وهوية فاعليه، فهي لا تجهل هوية من أطلقوا النار على رهبان تبحرين، ولا هوية مفجري قطار أنفاق باريس ومن يقف خلفهم، ولا مدبري عملية اختطاف الزوجين ثفنوا وزميلهم ألان فريسيي، الموظفون في قنصلية فرنسا بالجزائر العاصمة، والسيد جوبي الذي كان يوم ذاك وزيرا للخارجية يعلم أن وزير الداخلية باسكوا ومستشاره مركياني ضالعان في هذه الجرائم، مثلما لا تجهل السلطات الفرنسية الأموال المختلسة من قبل هذه العصابة القاتلة.

العقلاء في فرنسا يعلمون، والأقل عقلا يتعين عليهم أن يعلموا، أن الحكومات زائلة ولو طال أمد

تحكمها، وحكم الطغاة من باب أولى، ولنا في الثورات العربية الحديثة خير عبرة، في حين أن الشعوب باقية بقاء الزمن، كما تبقى ذاكرتها حية تحتفظ بتفاصيل المحن والوقائع، ما من شك، سوف يظل التاريخ بالمرصاد، كدأبه، ليذكر كل من يتظاهر بأنه يجهل ماذا يحدث، تحت أثر المبالغ الخيالية التي تفقد أصحابها توازنهم ووعيهم، وعندئذ ستطفو الحقائق المروعة والنتنة إلى السطح، ولن تسعد بالتأكيد، أصحابها ولا جميع من تجاهل ما كان يجري، في ازدراء وإنكار لدعائم الأخلاق والقيم والحقوق، تحت يافطة مزعومة زائفة، اسمها مصلحة الدولة.

http://tv.rachad.org/ar/accueil/articles-ar/1365-2012-02-11-14-42-22

تعليق واحد

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق

  • ستبقى فرنسا وستظل عدوة للشعب الجزائري وسنظل نعتبر فرنسا عدوتنا الاولى احب من احب وكره من كره ولي مايخلفش الثار بباه حمار كما قيل