مقالات

سياسية “التبذير” و”التزوير” | عبد العالي رزاقي

هل يستطيع موظف في حكومة تشارك في الانتخابات أن يكون مراقبا لها؟ وهل تستطيع لجنة “مستقلة” تابعة ماليا وإداريا لوزارة الداخلية أن تتخذ قرارا لصالح استقلالية الانتخابات؟ وكيف يمكن لوزير مرشح أن يكون في خدمة منافسين له؟ أسئلة كثيرة قد تتبادر إلى ذهن المتتبع للشأن الانتخاب الجزائري؟.

خلاف القائمة الواحدة؟

أول انتخابات تجري وفق القائمة الواحدة كانت عام 1962م أثناء الانتخابات التشريعية لتكوين المجلس الوطني التأسيسي، فهل ستوافق الحكومة اليوم على العودة إلى القائمة الواحدة، أم أنها تتمسك بتعدد القوائم، وما الفرق بينهما؟.

الاقتراع بالقائمة الواحدة يكون بوضع أرقام تسلسلية لقوائم الأحزاب والمرشحين الأحرار أو إعطاء رموز لأصحابها بحيث يصوت الناخب بوضع علامة (+) أمام الرقم أو الرمز المؤشر للقائمة، وهي الطريقة الأكثر استخداما في الانتخابات الديمقراطية، باعتبارها تضمن النزاهة وعدم التلاعب بالأوراق.

أما بالنسبة لتعدد الأوراق فهي الطريقة التي تستخدم في الدول التي تريد التلاعب بالنتائج، بحيث يتم توزيع أوراق هذا الحزب أو ذاك على أنصاره ليلا حتى تودع في صناديق الانتخاب في اليوم التالي، وهي الطريقة التي سهلت على الحكومات الجزائرية المتعاقبة عمليات التزوير لصالح لحزب المراد إعطاؤه الشرعية الشعبية.

وتكلفة هذه الطريقة تكون باهظة ماليا مقارنة بالطريقة الأولى، فالقائمة الواحدة تقتضي من الجزائر سحب 21 مليون ورقة بحسب عدد الناخبين، أما الطريقة الثانية فإنها تفرض علينا 21 مليون نسخة لكل قائمة، فإذا كان عددها 60 قائمة فالمطلوب سحب 126 مليون ورقة، وإذا عرفنا أن قيمة الورقة الواحدة لا يقل عن عشرين دينار فإننا سندرك حجم التبذير.

الدينار الرمزي

من المفارقات العجيبة أن الحكومة تبذر أموالا طائلة على أوراق الانتخابات في الوقت الذي تحرم فيه عمال المؤسسات وموظفي الحكومة من الحصول على كشوف حساباتهم الجارية التي كانت تصلهم منذ سنوات عبر البريد عن كل عملية حسابية، فما المقصود من ذلك؟..

إذا أردنا أن نتحدث بصراحة عن التبذير فلنتوقف عند تذكرة وجبات المطاعم الجامعية التي تمثل قيمة طبعها نصف الثمن الرمزي للوجبة الذي يبلغ حاليا دينارا واحدا وعشرين سنتيما، في حين أن خزينة الدولة تدفع مقابلا له أكثر من 250 دينارا جزائريا، فهل تريد السلطة أن تعلم طلبتنا الاحتيال باستخدام القطع المنقرضة من العملة الجزائرية مثلما استعملتها أثناء الحزب الواحد في الاستيلاء على القصور والفيلات؟.

سياسة الضعف والقوة

عندما تشكل المجلس الوطني التأسيسي الأول كان عدد أعضائه 196 عضوا، وبالرغم من أنهم كانوا من إطارات الحزب الواحد فإنهم أثناء التصويت على فرحات عباس رئيسا للمجلس امتنع 41 نائبا عن إعطاء الثقة في مرشح السلطة، في حين أننا لو تتبعنا جميع مراحل الانتخابات بدءا من المجلس الاستشاري ومرورا بالمجلس الانتقالي وانتهاء بالبرلمان بغرفتيه خلال التعددية الحزبية لا نجد من يعارض مشروع مرشح السلطة لرئاسة إحدى الغرفتين.

أما على مستوى زيادة عدد النواب فقد بلغ 462 عضوا في مجلس الشعب مضافا إليه 144 عضوا في مجلس الأمة، أي بزيادة 410 نواب خلال 50 سنة، وإذا قمنا بعملية حسابية بسيطة لرواتبهم المقدرة بـ 30 مليون سنتيم لكل عضو، مضافا إليها آلاف المتقاعدين عن كل عهدة إلى جانب تكاليف إقامتهم في فنادق العاصمة، فإن الميزانية السنوية لهم تصبح أكثر من ميزانية وزارت المنظومة التربوية والتكوينية، في الوقت الذي يشكل فيه حملة الشهادات الجامعية منهم أقل من 20٪ في أحسن الحالات.

ما تريده السلطة من تشجيع لأحزاب دون التنصيص على كفاءات المؤسسين لها، وما تريده الأحزاب من ترشيحها لأشخاص غير مؤهلين علميا لمناقشة القضايا المتعلقة بمستقبل العباد والبلاد يؤكد فرضية وجود سلطة خفية همها الوحيد تسيير الأزمات بقطيع من (النواب) تحقيقا لأغراض البقاء في السلطة والاستفادة من قلة خبرتهم والتطلعات “المشبوهة” للكثير منهم؟ ولكن هل يستطيع هذا القطيع حماية السلطة من رياح الربيع العربي؟.

السلطة في تقديري تأسست في الجزائر على عقلية “ما بعدي الطوفان”، فالرئيس القوي تضعف في عهده مؤسسات المجتمع المدني وتتحول إلى لجان مساندة، والرئيس الضعيف تقوى في عهده مؤسسات المجتمع المدني وتتحول إلى سلطة موازية له، مما يجعلنا نتساءل هل الجزائر في حاجة إلى رئيس قوي أم ضعيف؟،.

إذا أردت أن تقيس نجاح الديمقراطية في أية دولة كانت فما عليك إلا بالإجابة عن السؤال التالي: هل السلطة في حاجة إلى الشعب أم الشعب في حاجة إلى السلطة؟.

السلطة في الوطن العربي لا تحتاج إلى شعوبها إلا في المواعيد الانتخابية، والرئيس القوي لا يحتاج إلى معارضة قوية بقدر ما يحتاج إلى أشباهها، ولهذا عندما فكرت أمريكا والغرب في تسليح المعارضة السورية وأجبرت دولا خليجية على تبني ذلك وقعت مشكلة داخل مخابر الحكم بحيث بدأ السؤال: ماذا لو يتم تسليح المعارضة في بلدي، هل أستطيع أن أنجو مما أصاب سوريا؟.

المؤكد أن القوة لا تكمن في امتلاك السلاح، وإنما في امتلاك القدرة على التغيير السلمي ومسايرة العصر، وأشك في أن يكون البرلمان القادم نافذة على التغيير؟، والتغيير في سوريا يحتاج إلى إقناع جميع السوريين بالتغيير وليس إلى تسليح المعارضة وتخصيص رواتب لها.

http://www.echoroukonline.com/ara/articles/126161.html

شارك بالتعليق

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق