مقالات

جدل حول قدرة العزوف الانتخابي على تسريع التغيير في الجزائر

سيناريوهات متعددة عن المشاركة في استحقاق العاشر من ايار
كامل الشيرازي من الجزائر
2012 الإثنين 30 أبريل

العزوف والتغيير يخيمان على اقتراع العاشر مايو في الجزائر
ينقسم خبراء الشأن السياسي في الجزائر بشأن تأثير عزوف مواطنيهم عن المشاركة في انتخابات العاشر من أيار، على تسريع عجلة التغيير في الجزائر، ويذهب فريق إلى أنّ ضحالة أداء النظام وضعف عطاء الطبقة السياسية، سينتج تداعيات هامة في مرحلة ما بعد الانتخابات التشريعية المقبلة.
على النقيض، يذهب فريق آخر إلى أنّ التغيير مرشّح للإرجاء بفعل تفضيل قطاع من الجزائريين منح فرصة أخرى للسلطة كي تستدرك فجوات ظاهرة.

الجزائر: يشير “إسماعيل حريتي” مدير مركز أمل الأمة للبحوث والدراسات، في حديث لـ”إيلاف” إلى أنّ العزوف عن مراودة مراكز الاقتراع بعد 11 يوما، قد يكون وسيلة الشعب الجزائري للضغط على النظام ومشتقاته من الأحزاب السياسية، لإحداث التغيير السلمي الجذري، وحمله على القبول بفترة انتقالية يتم من خلالها استحداث آليات التغيير الجذري، بإشراك جميع الجزائريين المخلصين دون إقصاء أو تهميش لوضع اللبنات الأساسية للجمهورية الجزائرية الثانية، على أسس الحرية والكرامة والعدالة والمساواة التي غيّبها – بحسب حريتي – النظام القائم منذ استقلال البلاد في الخامس تموز(يوليو) 1962.
بدوره، يرجّح د. بشير مصيطفى، بلوغ نسبة المقاطعة مستوى قياسيا، مستدلا بكون الشعب بعدما فقد الثقة في صدقية الحكومة، فقدها أيضا في الأحزاب بما فيها التشكيلات الجديدة التي انتظر منها الكثير، لكن خطابها ظهر هزيلا ولم يقدّم الإضافة المرجوة، بفعل ضعف الرؤية لدى الطبقة السياسية، فيما يتنبأ حريتي بعزوف الشعب الجزائري عن الانتخاب، كرسالة منه تعبّر عن رفضه للإصلاحات السياسية التي فرضت عليه من النظام بتواطؤ الأحزاب السياسية والمجتمع المدني وجزءا كبيرا من النخبة.

الشعب الصامت والاستثناء

يشدّد “اسماعيل حريتي” على أنّه يستحيل أن يتغير كل النظام العربي وتظل الجزائر استثناء، سيما في بلد لم يعتمد قرارات حاسمة بمواجهة لاعب قوي اسمه (الشعب الصامت) الذي يقدّر مصيطفى وعاءه بـ80 بالمائة من الجزائريين، وبحكم أنّ المعطيات الإقليمية والدولية الحالية لن تسمح بتكرار التزوير، فإنّ المجال سيكون مشرّعا أمام تغيير يتم فيه انتقال توافقي يجري خلاله إشراك كل الجزائريين وتعاد السلطة إلى الشعب، على حد تعبير من تحدثوا لإيلاف.

يتفق حريتي ومصيطفى على أنّ مشاركة 30 بالمائة من الناخبين فقط ستعرّي النظام أمام الرأي العام الدولي، خصوصا وأنّها تعني تغريد 70 بالمائة من الجزائريين خارج السرب، واستمرار الحالة على المنوال ذاته سيعني المزيد من الاستنزاف، سيما مع احتباسات اقتصادية اجتماعية ولولا النفط لمات الجزائريون بحسب الخبراء.
ويربط حريتي ارتسامات المرحلة البسيطة المقبلة بإفرازات السياق الإقليمي الذي تميّز في العام الأخير بحدوث ثورات شعبية سلمية أو ما يعرف ( بالربيع العربي)، ما كان سببا في سقوط أنظمة ديكتاتورية شمولية جثمت على صدور شعوبها لما يقارب ثلاثة عقود على منوال تونس، ليبيا، مصر، اليمن، ويقدّر محدثنا أنّ باقي الشعوب العربية التي لازالت ترزح تحت وطأة الأنظمة الاستبدادية والشعب الجزائري تشكل جزءا منها، ولن ترضى بعد اليوم بمن يملي عليها إرادتها ويسيّرها وفق أهوائه.
يُبرز عبد الرحيم رمضاني أنّ ردّات فعل النظام الجزائري أمام الربيع العربي الجارف، توخاها لحماية نفسه من السقوط والرحيل، لذا سارع لإعلان إصلاحات سياسية في نيسان (أبريل) 2011 ، في محاولة منه لامتصاص واحتواء الشارع، غير أنّ تلك الإصلاحات بنظر رمضاني وحريتي لم تحظ بالإجماع كما أنها لم ترق إلى ما وصلت إليه تغييرات جذرية مست أنظمة شقيقة، ما كرّس انطباعا مفاده “النظام لم يعد قابلا للإصلاح”.

أسباب تدفع إلى العزوف

يحصي مؤيدو الفريق الأول، عدة أسباب موضوعية تدفع بالشعب الجزائري إلى العزوف عن المشاركة في الانتخابات، وهي أسباب أسهمت فيها بمنظوره، ثلاثة أطراف لها تأثير مباشر على سلوك المواطن الجزائري، بدرجات متفاوتة من المسؤولية يتحمل النظام الجزء الأكبر منها، ثمّ الأحزاب وكذلك النخبة.
يتصدّر هذه الأسباب بحسب حريتي ومصيطفى ورمضاني، فقدان الثقة بين النظام ومشتقاته من الأحزاب والنخب وبين الشعب الجزائري، ناهيك عن يأس الشباب، مصادرة الحريات، إهانة كرامة المواطنين، عدم المساواة بين فئات المجتمع من حيث الواجبات و الحقوق، إلى جانب تفصيل السلطة إصلاحات سياسية على مقاسها تسمح ببقاء دار لقمان على حالها، ورفض النظام كعادته كل الأفكار والآراء المعارضة.

الأحزاب في قفص الاتهام

يحمّل المتشبعون بفكرة العزوف، قسطا وافرا من المسؤولية للتشكيلات السياسية وسائر التنظيمات الجمعوية، من حيث دفعها الشعب الجزائري إلى العزوف في العاشر من أيار (مايو) المقبل، بحكم تموقعها كنسخة طبق الأصل للنظام من حيث الممارسة، رغم طرحها نفسها كبدائل للنظام، لكنّ النظام عرف كيف يحوّل هذه الأحزاب إلى أجهزة تابعة يمرّر عبرها رؤاه و خططه، مقابل بعض الريوع، ما يجعل المواطنين يرددون: “لماذا ننتخب، وما الذي يدفعنا إلى ذلك”، على خلفية انتفاء حوافز في الانتخاب.

ويلاحظ اسماعيل حريتي أنّ الأحزاب الجديدة التي جرى اعتمادها حديثا، أبرمت صفقات مع النظام، لقاء القيام بمهمتين أساسيتين هما:
– المساهمة في تجنيد ودعوة الجزائريين إلى المشاركة في الانتخابات القادمة عن طريق تخويفهم بالفوضى أو العدو الخارجي أو المصير المجهول في حالة عدم المشاركة.
– إتاحة الفرصة أمام الأحزاب المنشقة عن الأحزاب القائمة، للانتقام منها واغتنام الفرصة لنعتها بكل الأوصاف، فأصبح التراشق وكيل التهم لبعضها البعض عوض طرح برامج ناجعة وكشف عورات النظام السياسي الفاسد.

في المحصّلة، تشكّلت ظاهرة غريبة في الجزائر وهي معارضة المعارضة، وكل هذا صبّ في مصلحة النظام، خصوصا مع تكريس الأحزاب صورة سيئة لدى الرأي العام، حيث أصبحت السياسة بنظر الشارع المحلي مرادفة للكذب وسوء الأخلاق والحيلة والمكر والفساد، وشراء الذمم والتنصل من المبادئ وتكريس مفهوم الغاية تبرر الوسيلة، على حساب خدمة الصالح العام.
المحذور ذاته الذي طال النخب، إذ أخفقت بأعين متابعين في القيام بدور الوساطة بين مجتمعها والنظام على درب تغيير سلمي جذري توافقي، وأخفقت بفعل ترويض دوائر القرار لفئة منها، ارتضاء شريحة ثانية لداعي الانزواء والانكفاء على الذات تحت شعار “ليس بالإمكان أحسن مما كان”، فيما لم تفلح فئة ثالثة في التغيير لعدم انسجامها وتوحدّها.

ينتقد حريتي الأحزاب وما يسمى بـ”المجتمع المدني” وجزءا كبيرا ممن يمثلون النخب، إذ يستهجن أدوارهم المساندة والمساهمة في تمرير فزّاعاته لتشويه الربيع العربي وتصنيفه كـ(مؤامرة خارجية) و(فوضى) أو (مخطط صهيوني)، بقيادة ليفي والقطريين لإعادة الجزائر إلى سنوات الإرهاب وتمكين فرنسا من احتلال الجزائر مجددا، بل وبلغ الحدّ بأحد رموز النظام الساعي إلى كرسي الرئاسة، أن روّج لفزّاعة جديدة هي شبكة التواصل الاجتماعي “الفايسبوك” بدعوى أنّها خطر محدق يهدّد كيان الدولة الجزائرية، مع أنّ الخطر الأكبر بمنظور حريتي، يكمن في استمرار نظام فاشل عاجز يسوّق لنظرية المؤامرة ليس خوفا على كيان الدولة بل خوفا من ضياع مصالحه وامتيازاته، على حد تأكيد حريتي.

مواجهة مرتقبة ؟

سجلت الجزائر خلال الأشهر العشرة المنقضية ما يزيد عن ألف حركة احتجاجية – آخرها القلاقل التي شهدتها منطقة جيجل الشرقية اليوم الأحد، إثر حرق بائع خضار لنفسه، ما يدفع خبراء إلى الجزم بأنّ الصمت الحالي لا ينبغي قراءته كضعف، بل كهدوء يسبق العاصفة، على حد وصف حريتي ومصيطفى.
ويقول “عبد الرحيم رمضاني” إنّ هناك شعورا ممزوجا بالرغبة والخوف لدى غالبية مواطنيه، فهم يتطلعون بشغف إلى التغيير لكنهم يخشون أن ينجم عن ذلك ثمة فوضى، ما يجعله يعتبر الهدوء الحالي في الجزائر “وهميا” لكنه لن يدوم في ظلّ هيمنة ثقافة العجز ومماطلة السلطات ربحا للوقت، ما يعني أنّ الانفجار قادم لا ريب.
ينبّه مصيطفى إلى حساسية المرحلة القادمة التي ستقترن بإنهاء الجزائر مسار انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية، وانتهاء شوط التفكيك الجمركي والمرحلة الأولى من الشراكة الجزائرية الأوروبية بحلول عام 2017، وما سيترتب عن الحدثين من انعكاسات على بلد لا تزال منظومته الاستثمارية في خبر كان، رغم تكدّس مئات المليارات في الخزانة العامة.

اعتبارات تقذف بالتغيير في منعرج بين اتجاهين

على وتر مغاير، يحيل كل من “محمد بغداد” و”رضا باقي” على وجود مجموعة من المؤشرات تجعل إمكانية إحداث التغيير في الجزائر، يقف أمام منعرج خطير ويتقاذفه اتجاهان.
يعدّد بغداد مؤشرات لها وزنها، فهناك طغيان عارم لحالة خوف ورعب من إمكانية عزوف المواطن عن المشاركة في الانتخابات، وهي حالة تسود خطاب السلطة، ومعها النخب السياسية التي وقعت في هذا المأزق، فهي تروج لخطاب مفاده أن العزوف، هو نهاية المجتمع )وليس السلطة(، في محاولة لبث الرعب في الشارع من المصير المجهول والخطير الذي ينتظره، وفي الوقت نفسه تحمله مسؤولية تلك المجازفة، وتذكيره بأنه سيتحمل التكاليف الباهظة التي ستنجم عن ذلك، وفي النهاية سيكون الضحية الوحيدة.
بعدما فشل )الـ 20000 مرشحا( على تحريك المشهد، استعانت السلطة بخدمات أعضاء الحكومة لاستثارة المواطن، ودفعه للتفاعل مع الحملة الدعائية للانتخابات، فكان أن نزل وزراء غير مرشحين إلى الميدان، في مسعى يروم صدّ خطر العزوف الزاحف. وبالتزامن، تصاعدت مظاهر ابتزاز السلطة، من طرف مجموعات اجتماعية تراهن على حالة الرعب الجاثمة على السلطة، فضاعفت من ممارسة ضغوط للحصول على حقوقها، من خلال تحريك إضرابات واحتجاجات، كونها تعتقد أنها تستطيع افتكاك مجموعة حقوق في هذه الظروف، حيث سيكون من السهل أن تستجيب لها السلطة، خوفا من ارتفاع حدة الاحتجاجات التي تؤدي إلى عزوف انتخابي وخيم العواقب.

ويتقاطع رضا باقي مع بغداد في مراهنة أطراف لم يذكروها، على الابتزاز السياسي للسلطة، واستخدامهم وسائل ثقيلة لأجل ذلك، ومن هذه الوسائل إثارة الشائعات بندرة المواد الواسعة الاستهلاك، ما أحرج السلطة ودفعها لشن حملة شرسة وقوية، من أجل إقناع مواطنيها بالعكس، الأمر الذي جعل الأطراف إياها ترفع سقف ابتزازها للسلطة، من خلال ندرة الاسمنت وارتفاع ثمنه بأسعار جنونية، الأمر الذي يكشف حجم الابتزاز السياسي الذي تتعرض له السلطة، التي وضعت نفسها في هذا الموقع.
رعب السلطة والطبقة السياسية، انكشف للجميع – بتقدير بغداد – فسارعت الأطراف الدولية إلى الاستفادة منه، حيث دخلت فرنسا على الخط من خلال رفضها إقامة مصنع لشركة “رونو”، بعدما راهنت السلطة عليه كثيرا، إضافة الى ضغوط الحدود الجنوبية التي تساهم فيها المجموعات المسلحة، المستقوية باستمرار احتجازها لدبلوماسيين جزائريين كرهائن لديها، مما يجعل الجميع في سباق محموم من أجل الظفر بأكبر قدر من الغنيمة، كسلاح ابتزازي للسلطة.
عليه، يستبعد الرجلان إمكانية إحداث التغيير في حالة المشاركة في الانتخابات، كون الأمر لا يتعلق في اتجاه أول سوى ببرلمان فاقد الشرعية ومنزوع الصلاحيات، وهو الأمر الذي بدأ بعض السياسيين يعلنون عنه في تصريحاتهم، زيادة على ذلك فإنّ الأمر سيكون متبوعا بمراجعة الدستور والانتخابات المحلية، وهكذا فإن الأجندة موجهة للاستحقاقات الانتخابية وليس إلى التغيير.

ثاني الاتجاهات، يسير نحو إحداث قطيعة كلية عبر مقاطعة شعبية واسعة للانتخابات، ينتج عنها الذهاب إلى تغيير جذري ليس في شكل مؤسساتي، ولكن بنية منح شرعية للسلطة، والانطلاق من البداية، وذلك من خلال الانخراط في السياق العام للشرق الأوسط.
بيد أنّه اعتمادا على المنهج الاجتماعي للشعب الجزائري، فإنّ الأخير سيكتفي هذه المرة بتمرير رسالة أخيرة، ويمكّن السلطة وساستها من فرصة أخرى للتدارك في الوقت بدل الضائع، عبر مشاركته بنسبة معقولة، لكن الخوف من الصدمة سيكون قائما.

http://www.elaph.com/Web/news/2012/4/732658.html#.T531HJD-pKE.facebook