مقالات

النظام يريد إسقاط الشعب | محمود حمانه

عودتنا الشعوب التى تمكنت من الإنقلاب على انظمتها على هتافها الشهير:الشعب يريد إسقاط النظام وذلك في خضم عاصفة التغيير التى تهب على الوطن العربي من خلال ما يعرف بالربيع العربي.

إذا كان جيراننا اوفر حظا منا كونهم نالوا نصيبهم من الديمقراطية مهما كانت العوائق والإعتبارات وحتى لو كانت في أدنى مستوياتها فإن الوضع عندنا نحن الجزائرين غير مألوف إذ رغم عوامل الدكتاتورية والإستبداد التى نتقاسمها كشعوب عربية لم نفلح فحسب بمواكبة تيار التغيير للتخلص من جلادينا نتيجة لعوامل فكرية ود ينية وإجتماعية وسياسية وهيكلية لا يتسع المجال للخوض فيها ولكننا اصبحنا نخشى على مستقبلنا اكثر من اي وقت مضى و الذي عبثت به إنتخابات العاشر من ايار الماضي التي جاءت لتؤكد مرة أخرى عدم جدية النظام وإستحالة تغييره السلمي بسبب الصلابة التي يبديها لتقديم التنازلات التى ينادي بها الشعب حيث استطاع النظام ان يسقطنا كشعب-وقد نجح في هذا المسعى الى حد كبير-لأننا نزداد تخلفا وامورنا تعقيدا كلما ضننا اننا على وشك الخلاص من كابوس الإستبداد والتطرف بكافة اشكاله.
الشعب لا يريد التغيير شأنه في هذا شأن التلميذ البليد الذي يرفض أو لا يستطيع أن يعي الدروس رغم قسوتها ووضوحها ورغم ما عناه من ويلات لأن الفرد الجزائري رغم شعارات البطولة والرجولة التي يرفعها يضل يشده الحنين الى الرموز التى جعل منها ثقافة ليحتسي من ورائها كؤوس المهانة التى تأباها النفوس الأبية وذلك بداعي الوطنية الزائفة ولأن رفع الشعارات في حد ذاته لديه بطولة.
فبداعي الوطنية الزائفة تمكن حزب فرنسا من السيطرة على مقاليد الأمور التى ظل يديرها وفق ما تمليه المصالح الفرنسية .وبداعي الوطنية المزيفة ايضا تمكن بومدين من الظهور في نظر المواطن الساذج في صورة البطل الذي كاد يقول في مرحلة ما :انا ربكم الأعلى في حين أن كل شهادات من عاصروه من الذين عاشوا معه الأحداث تقيد بغير على إعتبار أن مساره الوطنى و التاريخي معاكس تماما للثورة التى ما فتئ يذكرها ويسهب في ذكرها في خطاباته والتى يبدو أنه لم يشارك فيها وكان بعيدا عنها كل البعد.شيئ واحد افلح فيه هو تكريس ثقافة الرموز بدل من ان يفسح للمواطن فرصة قراءة متأنية لتاريخ ثورته المجيدة التي عمل جاهدا على الإلتفاف عليها خدمة لفرنسا التى كانت وراء إستلائه على السلطة عن طريق لعبة الإنقلابات العسكرية التى لا يتقن غيرها وتعلقه بالإيديولوجية الشيوعية الى درجة العقيدة والتى فرضها في المناهج التربوية كبديل عن القرآن والسنة على مدى اكثر من خمسة عشرة عاما عرفت خلالها البلاد سلسلة من التحولات السياسية والإقتصادية والفكرية كان لها الأثر السيئ على حاضر البلاد ومستقبلها لانزال نعاني من تبعاتها الى اليوم بفعل إفرازات ثوراته الثلاث التى كانت نكبة على الأمة بكل ما في الكلمة من معنى.

الشعوب التى عاشت الإستبداد معذورة لأنها قد تكون ضحية تضليل الإعلام الموجه لها كما هو الحال عندنا منذ ما يسمى بالإستقلال ولكن الجزائري يدرك جيدا أن من ضل يعتقد فيه صفات الربوبية قال يوما عنه:” بأن الجزائرين مثل الديس-عشب طفيلي شائك-كلما ضغطته تجنبت اشواكه”وذلك بناء على ما اورده وزير دفاعه السابق الطاهر زبيري. ورغم ذلك لايبدون إستعدادا للتخلص من هذا الوهم الذي تربوا عليه لأنهم لا يعرفون للوطنية معنى آخر لعشقهم العيش في جلباب الرموز بدل السير في نور النبوة وإعتناق الفضيلة كشكل من اشكال الحكم وتصريف شؤون الأمة.
وبفعل الوطنية الزائفة تمكن الجنرالات الموالون لفرنسا من مصادرة ارادة الجزائرين وإجهاض اول تجربة ديمقراطية سنة 1992كان سيكون لها إنعكاساتها على الضفة الأخرى من البحر المتوسط وهذا ما يفسر الهلع الذي اصاب حكام اوروبا والعالم المتحرر الذين لم يتورعوا في السكوت عما تلا ذلك من مجازر ارتكبها النظام الذي حضي بكل اشكال الدعم ممن يد عون الحرية. فسكتوا عن مأساتنا الوطنية كما سكتوا عن التزوير الفاضح الذي عرفته الإنتخابات البرلمانية الأحيرة لأن إحتياطي الصرف الجزائري الرابض في البنوك الأمريكية له صدى اقوى من نداء الضمير.وهو تحت تصرفهم ليساهم في تخفيف وطئة الكساد الاذي يعرفه الإقتصاد العالمي المسيطرين عليه.

ومن اجل الوطنية الزائفة جعلوا من شعب يعيش على ارض من اغنى البقاع في العالم زمر تبحث عن قوت يومها في المزابل في حين يتعاطى نساؤنا او الكثير منهن على الأقل الفجور تحت وطأة الفقر وشبابنا موزع بين عبد للمخدرات وعاشق للموت غرقا في البحر هروبا من جزائر العزة والكرامة.
والشعب رغم ذلك سعيدا في شقائه يدافع عن الجلاد لأن مصلحة الوطن تناديه.وهل بقي من وطن حتى نتجرع من اجله كأس الهوان؟
اموالنا موظفة في الخارج لجلب الرفاهية لمن يقولون عنه بأنه المستعمر ويخوفون الناس من تدخلاته-الناتو- وهو معهم في السراء والضراء.
وبإسم الوطنية الزائفة كنا ولا نزال نتهكم عن الأفارقة الذين عصفوا بالأبارتيد لأن نساؤهم لم يكن عقيمات فولدن نيلسون منديللا الذي ضل لأكثر من ثلاثين عاما يناضل من اجل وطنه ولم يعزف ابدا نشيدا وطنيا في حياته لأن الوطنية اسمى وانبل من أن تغن بل مكانها في القلب والبطولة ليست شعارات نعود اليها كلما أحس النظام الحاجة اليها لإدراكه اننا لن نتخلى ابدا عن دورنا ككورس نردد من ورائه ما يقول دون عناء التفكير فيه حتى لو كان ذلك على حساب مستقبلنا ومستقبل أبنائنا من بعدنا.
عندما نقف وقفة فيها الكثير من الحسرة على ما آل اليه مستوى التعليم في البلاد ندرك أن مقولة النظام يريد إسقاط الشعب لم تعد مجرد توجس بل حقيقة يدعمها توافد أجيال من المتمدرسين الأميين الذين يتخرجون سنويا من جامعات لم تعد تحتفظ من الصرح العلمي إلا بالإسم.ومدارس هي اقرب الى المنتد يات والمقاهي منها الى المؤسسات التعليمية كما ارادوه لها دعاة الجزائر فرنسية.
عندما نعلم أنه من بين أئمة المساجد من لم يتورع في إرتكاب الفحشاء في بيوت الله مع الأطفال الأبرياء الذين من المفروض ان يعلموهم القرآن وأصول الدين نفهم لماذا يراهن عليهم ما يسمى بوزير الشؤون الدينية غلام الله كجزء من الطابور الخامس الذي يستند اليه النظام في إنقاضه من الغضب الشعبي وبالتالي من الضياع يساعده مستفيدا في كل مرة من عدم وجود معارضة حقيقية كفيلة بتوجيه الغضب الشعبي وترشيده وذلك بسبب إنعدام ثقافة المعارضة لدى الشعب من دون ألإنتقاص من الجهود الجبارة التي يبذلها المخلصين من هذه الأمة وحسن نواياهم رغم الوسائل المتواضعة المتاحة لديهم لتحسيس الرأي العام الدولي للمآسي والنكبات التي يعيشها الجزائريون نتيجة السياسة الكارثية التي ينتهجها النظام الدموي الجاثم على صدورنا منذ سبعة عقود.وفي ذلك دلالة على مستوى التردي الذي آل اليه المجتمع كما اراد له النظام الذي عمل على ضربه في الصميم.
عندما نعلم أنه من بين نواب الأمة من لا يحسن القراءة والكتابة وأن مقاييس الترشح لا تخضع إلا لسلطان المال والجاه وما يحصل من شراء للذمم بمناسبة كل ألإستحقاقات وما دار من صراعات رهيبة داخل كوليس الأحزاب بغية تصدر قوائمها وما ترتب عن ذلك من مساومات ومن تصرفات البعض الذين لم يتورعوا في طرق باب الشعوذة دون خجل او حياء ندرك أن النظام قد تمكن فعلا من إسقاط القيم في النفوس لنتسآل: كيف نولى امورنا اناسا أسقطوا الفضيلة من حساباتهم لا يعرفون للثقافة سبيلا بل ولا يريدون ان يكونوا البوابة التى يطل من خلالها الشعب على العالم وان يكونوا مرآة الأمة ولسان حالها لأن غريزة الوصولية لديهم فوق كل إعتبار وأن الحصافة تعنى في تصورهم ألا يفوتوا هذه الفرصة ليس لنيل شرف تمثيل الأمة في المحافل الدولية او ألإظطلاع بما تمليه عليهم مناصبهم من مسؤوليات ولكن لبناء مجدهم الشخصي على حساب آمال وتطلعات الشعب التى يتضح في كل مرة أنها مجرد سراب.
وبداعي الوطنية الزائفة من حق جبهة التحرير الوطنية ان تضل تقود البلاد حتى ولو كانت السياسة التى تنتهجها كارثية وحتى ولو باعت البلاد في المزاد العلني ومن اجلها ايضا لا يجوز ان نستنكر إستبداد الجنرالات وان نقبل به كقدر محتوم والا وقعنا في المحظور واتهمنا في ديننا كوننا غير وطنيين ولا نريد الخير لهذا الوطن لأن كلمة الحق لم تعد تزعج فحسب بل اصبحت جناية تؤدي بصاحبها الى ما وراء الشمس.
عندما تطالعنا الصحف كل يوم عن وجه جديد من اوجه الفساد –وما اكثرها-الذي إستفحل لينخر جسد الأمة بصورة لم يعد فيها ا الإستثناء بل القاعدة ندرك أن النظام قد أسقط الشعب فعلا وإلا ماذا يعنى السقوط إذا؟

محمود حمانة, موظف متقاعد-الجزائر

تعليق واحد

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق

  • تحليل صـائب و عميق للحالة التي وصل لها الشعب الجزائري و أنا أستذكر المقولة من التاريخ لاحد قادة الحركة الوطنية الجزائرية ألا وهو فرحـات عباس فيما معناه أنه بحث عن الشعب الجزائري في كل مكان و لم يعثر عليه، لقد أدركت ما كان يعنيه بالرغم من التشويه الذي طال الرجال لتعبيره على هذا المعنى ،هذا التشويه الذي شيطن الرجل في مفاهيمنا نحن شباب الاستقلال ولكن بعد مرور خمسين سنة فقط من زمن الاستقلال أدركت أنا شخصيا مدى صدقية ما ذهب إليه.