مقالات

إنتخابات العاشر من ايار 2012: بادرة للتغيير أم مبايعة خمسة سنوات إضافية من الدكتاتورية؟

من محمود حمانة – من المؤكد أن خيبة أولائك الذين علقوا آمالا على التشريعات الأخيرة,وذلك من قبيل إعطاء فرصة أخرى للنظام لمراجعة حساباته وإعادة ترتيب البيت على ضوء التطورات التي تشهدها المنطقة العربية سعيا منهم لإستبعاد فرضية التدخل الأجنبي لإحداث التغيير المستعصي على الشعب,كبيرة كبر ما آل اليه المشهد السياسي غداة الإعلان عن النتائج التى بدت بصمات السلطة فيها جلية كما هو ديدنها دائما رغم تسترها وراء شعارات النزاهة وإستقدام مراقبين دوليين تم إختيارهم بعناية تبين في النهاية عدم جدواهم بسبب إنحيازهم للسلطات نظير الرعاية المفرطة التي حضوا بها بدل الإظطلاع بمسؤولياتهم ألأخلاقية لمناصرة شعب ظل يتطلع لمن ينصفه من عدة عقود من ألإستبداد من طرف نظام ينظر للتحولات السياسية في الدول التى رزحت منذ إستقلالها تحت نير الحكم الشمولي كخطر داهم يهدد مستقبله السياسي.ولذلك كان من الطبيعي أن يساند نظرائه لتأجيل سقوطهم على الأقل إذ وقف الى جانب كل من بن علي ومبارك وعلي عبدالله صالح والقذافي الذي امدوه بكل اسباب القوة حينما كان المرتزقة الذين جاء بهم من كل اصقاع الدنيا يعيثون فسادا في بلاده ويحرقون الأخضر واليابس في صراع لعبت فيه المخابرات الجزائرية دورا كبيرا لمناصرة العقيد على حساب آلام شعب كان تعاطفه مع الثورة الجزائرية مثاليا عانى من ظلم”ملك ملوك إفريقيا” طيلة اربعة عقود.وهو مستعد تلقائيا لمناصرة أي نظام مستبد كونه يتحسس من خلاله مستقبله شاعرا بأن زوال أي من هذه النظم العميلة نذير شؤم له وأن اية هبة شعبية في أي مكان مدعاة للرعب لديه لتوجسه خيفة من أي تحرك جماهيري كالذين قال فيهم المولى تبارك وتعالى في سورة المنافقون:بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم- بسم الله الرحمن الرحيم”……يحسبون كل صيحة عليهم……..”صدق الله العظيم.كما يتكتم اليوم على جرائم سفاح دمشق معتبرا أن ما يحصل للشعب السوري البطل ليس من تدبير “الشبيحة”الذين يقاتلون نيابة عن العائلة الحاكمة في دمشق وإنما هو فعل إرهابي مقيت مرجعه الى الإسلام المتطرف الذي يجدر بكل وطني مخلص التنديد به تماشيا مع الفكر العنصري والمتطرف الذي يتبناه المحافظون الجدد المسيطرين على البيت الأبيض بزعامة جورج بوش.

– لم يتطلب إدراك هؤلاء, لو ارادوا تدبرا ,بأنهم راهنوا على حصان خاسر وقتا طويلا إذ سرعان من نضح الإناء بما فيه إلا أنهم يجدون صعوبة كبيرة في إخفاء إخفاقاتهم وراء كبريائهم الزائفة.ذلك أنه ومنذ إنطلاق الحملة الإنتخابية لما يسمى بالأحزاب كشف زعماؤها عن نواياهم الحقيقية وعن عدم جديتهم وعجزهم عن تجسيد تطلعات الأمة كونهم لا يرغبون في ذلك اساسا وذلك من خلال تصرفاتهم المشينة.فمن مناصر صريح للنظام الى مدعي المعارضة مرورا بمن لم يجد حرجا في طرق ابواب المشعوذين والعرافين لإستطلاع المستقبل وبمن آثروا ألإعتكاف وقيام الليل تضرعا الى الله تعالى عساه ان يهديهم الى طريق البرلمان وهم الذين لم يعرفوا القبلة قط في حياتهم الا إذا تطلب الأمر محاباة السلطان في المناسبات الرسمية وإنتهاء بمن لا يزال تصورهم بأن نيل ثقة المواطن يمر حتما عبر شراء ذمته وأن كل شيئ في هذه البلاد يخضع لسلطان المال والجاه .وهو تصور يكاد يكون صحيحا بالنظر الى التردي الذي آلت اليه الأخلاق ولكنه شاذ بمعيار الفظيلة والأمانة .وهو وضع يتحمل فيه المواطن جانبا كبيرا من المسؤولية من خلال سقوطه في شراك السلطة والإرتماء في أحضانها وقبوله لقواعد اللعبة بسبب عزوفه عن أي شكل من أشكال المقاومة متعللا بفكرة الإنتقال السلس للسلطة لتبرير عدم قيامه بأي خطوة للتخلص من نير إلإستعمار الجديد متضرعا بأن الجزائر قد نالت نصيبها من الربيع العربي من خلال أحداث اكتوبر 1988التي لا تعدو كونها صراع بين نجاحي السلطة اللذان ارادا تصفية حساباتهم بتفجير الجبهة الإجتماعية آنذاك مما أدى الى أحداث كان فيها المواطن هو المتضرر بالدرجة الأولى.

-وللأهمية البالغة التى تكتسيها طبيعة المرحلة التي تمر بها المنطقة العربية وإنعكاساتها على المستقبل السياسي للحكم الشمولي في الجزائر ,فقد اوعز بارونات النظام الى واجهتهم المدنية”بوتفليقة” بإلقاء بكل ثقله من أجل حث المواطنين على التصويت بكثافة بهذه المناسبة التي شبهها بثورة نوفمبر 1954 وفي هذا دغدغة للحس الوطني مخاطبا أولائك الذين لا يزالون متمسكين بالتوجه السياسي المحافظ ومتوسما فيهم العون والمدد و الذي قاد البلاد قبل تجربة الإنفتاح الفاشلة التي عمد النظام الى إجهاضها مستندا الى طبقة الكومبرادورا التى رباها ورعاها والى رعونة السواد الأعظم من الناس الذين التفوا دون تعقل او تبصر حول جبهة التحرير الوطني نتيجة الهلع الذي اصابهم من خطر التطرف الأصولي كما صوره لهم النظام وإعتلاء التيار الإسلامي المتشدد لسدة الحكم بسبب الدعاية المغرضة التي قادها الجناح الإستئصالي في السلطة والذي كرست الإنطباع السيئ تجاه الجبهة الإسلامية للإنقاذ في النفوس .وكانت النتيجة براءة جبهة التحرير الوطني مما هو منسوبا اليها وما اقترفته في حق الوطن والمواطن فعلا براءة الذئب من دم يوسف وتحميل الحزب الوليد تبعات ما سيصيب البلاد او بالأحرى ما يعد له في دهاليز المخابرات من خراب وتقتيل ودمار.وهو الشعور العام الذي ظل سائدا منذ الإطاحة بالرئيس الشاذلي بن جديد والذي يستمد منه النظام شرعيته المفقودة الى اليوم.

-كان للزوايا المعروفة بولائها للنظام كونها تمثل الإمتداد الطبيعي والتقليدي للسلطة الفعلية في البلاد والتى اغدق عليها بوتفليقة الأموال الطائلة وشملها برعايته دورا حاسما في إكتساح ج ت و للنتائج التي تحصلت عليها بالذات في الولايات التى تمارس فيها هذه الزوايا سلطة روحية تطغي في كثير من الأحيان على سلطة الدولة والواقعة في جنوب غرب البلاد على وجه التحديد والتي تم فيها حسم السباق دون عناء لصالح الحزب العتيد.

-لم يكن من العسير إذا وسط هذه الظروف إستشعار النهاية الحتمية التي آلت اليها النتائج لعدة اسباب منها تواطؤ القوى الدولية وتسترها على ما تحيكه السلطة للحيلولة دون تكرار النموذجين التونسي والمصري اللذان فسحا للتيار الإسلامي المجال للبروز من جديد بعد عقود طويلة من الإقصاء والتهميش و ذلك بإيعاز من الغرب الذي إتخذ من الإسلام العدو الأول له بعيد سقوط الشيوعية ودخول الإتحاد السوفياتي بيت الطاعة الأورو-امريكي.وما تباكي الذين ينددون اليوم بالتزوير بعدما حصل ما حصل-وهم الذين كانوا في زمن ليس ببعيد ولا يزالون يحملون لواء الفكر الإستئصالي- إلا تمويها للتغطية عن الدور القذر الذي لعبوه كونهم يعلمون منذ البداية أن مهمتهم تقتصر على لعب دور الأرانب في سباق محسوما مسبقا لصالح الحزب العتيد وبالتالي لصالح النظام(وهو الدور الذي سيوكافؤون من أجله بكل تأكيد) مهما رفع من شعارات وسوق من مبررات تبرئة للذمة كون أن التزوير هذه المرة سبق عملية الإقتراع نظرا للتعديلات التي أدخلت على القوانين واللوائح بشكل يضمن سيادة الجبهة في آخر المطاف.وهو ما جعل بوتفليقة يؤكد في اكثر من مناسبة أن الإنتخابات ستكون نزيهة وهو محق فيما ذهب اليه لأنه مهما كان الفائز في هذه الحالة فإن النتيجة في النهاية تصب في خانة السلطة.إلا أن هذا لم يمنع من إتخاذ بعض الإجرآءت الوقائية تحسبا للمفاجآت الغير السارة في صورة تجنيد وسائل الإعلام الثقيلة وتعبئة الرأي العام وحتى المشاكسات المفتعلة التي كثيرا ما أطلعتنا عليها الصحف قبل وأثناء وحتى بعد الإستفتاء.وليقينها بأن النتائج سوف تكون لصالح السلطة قامت وزارة الداخلية بإضافة 70 مقعدا الى مجمل مقاعد البرلمان دعما للتكتل الرئاسي وقطعا للطريق امام ما قد تفرزه التخالفات من حظوظ لفائدة معارضة فولكلورية بالأساس تحرس السلطة على وجودها رغم هذا لإعطاء الإنطباع بتعددية سياسية لا وجود لها إلا في الخطاب الرسمي الديماغوجي .

-كل هذه العوامل زادت من صلف السلطة وهو ما دفع برموز النظام وعلى رأسهم وزير الداخلية داحو ولد قابلية الى الإنخراط في سلسلة من التصريحات غير المسؤولة تدل بما لا يدع مجالا للشك ليس فقط على عدم مبالاة السلطة التى يمثلها وعدم التزامها بالوعود التى قطعتها على نفسها بشأن الإصلاحات في جانبها المتعلق بتخفيف معاناة المواطن على الأقل والذي صرح دون خجل او حياء:”من لم يعجبه البرلمان فلينسحب منه”في إشارة واضحة الى عدم قابلية النظام للإصلاح الداخلي السلمي وعدم رغبته في فتح ابواب الحوار الجاد للخروج من عنق الزجاجة والتنفيس على جبهة إجتماعية بلغت من الإحتقان درجة يصعب عندها التكهن بتداعياته,بل أن الديمقراطية غير واردة في حساباتها على اساس أنها من الكماليات كما كان يردد فرعون الجزائر :”الشعب غير مؤهل لهذا الشكل من الممارسة السياسية” مبررا بذلك إحتكاره المطلق للسلطة وإستحالة التداول عليها زاعما أن أي إنفراج قد يفسح المجال لأعداء الثورة على حد تعبيره لضرب مكاسبها.ويجدر بي ان اتوقف هنا لأتسآل أي اعداء يعني؟هل هي فرنسا التي ساعدته في الإستيلاء على السلطة على حساب حياة اسود ثورة التحرير والتى تحتجز اليوم الدكتور مراد دهينة دون جريرة عدا أنه يزعج النظام العسكري في الجزائر ورضوخا لمطالبه بسبب نزعته الوطنية الأصيلة.؟ام الولايات المتحدة الأمريكية التي حازت على قاعدتين بمنطقة تمنراست بالجنوب الجزائري واحدة تراقب من خلالها”ألأفريكاكوم”تحركات عدو وهمي اصطلح على تسميته”القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”. والأخرى تديرها وكالة الفضاء الأمريكية”ناسا”للتشابه الكبير في التضاريس بينها وبين ولاية فلوريدا وسط صمت النخب وعزوف المواطنين عن الذود عن مستقبلهم ومستقبل ابنائهم نتيجة ضعف الوعي السياسي لديهم وحيرة المعارضين من شرفاء هذه الأمة الذين كتب عليهم ان يعيشوا موزعين بين جحود من جردهم النظام من اسباب الرجولة والذين ينظرون لمن وضعوا ارواحهم على اكفهم على اساس انهم من الأعداء وفي افظل الحالات كمن يغرد خارج السرب نتيجة الإفلاس الفكري الذي طال العقل الجزائري و بين المضايقات التى يتعرضون لها في الدول المضيفة والتى لا يتورع البعض من قادتها في خرق الأعراف الدولية للنيل من هذه الشخصية او تلك تحت وطئة الأزمات الإقتصادية الحادة لبلدانهم نظير الإغرآءت التى يقدمها لها النظام الحاكم في الجزائر على طبق من فضة و الغير حريص على التغيير طالما ظل التناغم بينه وبين القوى العظمى قائما والذي هو بمثابة صك على بياض مقدم لجلادي الأمس للإستمرار في العبث بالبلاد وشعبها ومقدراتها دون الوقوع تحت طائلة المتابعة القضائية من طرف محكمة الجنايات الدولية الى غاية ان يتحسس الشعب طريقه الى الربيع العربي اسوة بجيرانه وبالشعوب التواقة للحرية.الى أن يحين ذاك الوقت نبقى منقسمين على أنفسنا وتائهين في رحلة طويلة للبحث عن الذات يشدنا الحنين للماضي نجتر معاناتنا وعجزنا بشكل مخزي وليس لنا غد.ليصدق فينا قول الشاعر:
نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا

محمود حمانه,
موظف متقاعد – الجزائر

تعليق واحد

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق

  • ان الذين شاركوا في الانتخابات لم يخسروا شيئا لانهم لايؤمنون بالعدالة ولا با لديموقراطية انهم منحلين اخلاقيا لاشرف لهم همهم البحث عن المكانة المرموقة والمنصب المحترم والجاه والسلطان على حساب القيم والمبادئ وعلى حساب البسطاء من الجماهير الغفيرة، كيف يهمهم ذلك وهم يتنا فسون بشبقية نحو الفوز في ظل نظام متعفن يمتهنهم ، يخرجهم مما كانوا فيه ويدخلهم في حرمه ليصنع منهم واجهة تقيه لفحات الاعصار