مقالات

لماذا لا نستورد حكومة؟! | سعد بوعقبة

كتبت منذ ربع قرن تقريبا مقالا في جريدة ”النصر” تحت عنوان ”عندما نصدر الوطن ونستورد الوطنية”، واقترحت في هذا المقال أن ننشر مناقصة دولية لتوظيف رئيس حكومة من نوع ”تاناكا” الياباني أو من نوع مهاتير محمد الماليزي.. أو نقوم بكراء الجزائر لليابان أو هونغ كونغ لمدة 99 سنة.!
ماذا عساني أكتب اليوم ونحن نعيش وضعا أسوأ مما كنا عليه قبل ربع قرن، على مستوى نوعية الرجال الذين يسيّرون البلاد وعلى مستوى الفساد والرداءة والعمالة بالخارج، وعلى مستوى تدهور القيم الأخلاقية في المجتمع.. وعلى مستوى تفكك المؤسسات الدستورية للدولة وتفسخها.
هل حقيقة أصبحنا غير قادرين على تعيين حكومة.. ونفكر في استيرادها من الخارج، كما استوردنا أعضاء الفريق الوطني لكرة القدم، عندما عجزنا عن تشكيله من شباب الجزائر في الداخل.؟! في التسعينيات، عجزت السلطة عن إيجاد رئيس للجزائر من صفوتها بعد إقالة الشادلي، فاستوردنا رئيسا للبلاد من المحيط الأطلسي.! وفي 1999 انتهينا إلى الانسداد نفسه، عندما أقيل زروال بصيغة الانسحاب الإرادي، فاستوردنا أيضا رئيسا من الخليج.! وها نحن أصبحنا، بعون الله، نستورد أيضا النواب في البرلمان من الخارج..! لأن شعب الداخل أصبح كله لا يصلح للمسؤولية.. لأن كل الكفاءات هاجرت أو هُجرت.! أو همشت من طرف الرداءة والفساد والقهر والاستبداد.!
إذا لم نجد من الاحتياطي المركون من يصلح لقيادة البلاد، فلماذا لا نلجأ إلى الاحتياطي الهارب إلى الخارج تحت هذا السبب أو ذاك؟! مثلما فعلنا مع الرؤساء في السابق؟! فإذا كنا نتوجس خيفة من أمثال بن بيتور وبن فليس وحمروش ورشيد عطار ومقران أيت العربي وبوهادف، فلماذا لا نستورد من الخارج أمثال سعد جبار وزيطوط وكبير وهدام وغيرهم ممن يملأون الدنيا حديثا عن الصلاح والفلاح لو أسندت المسؤوليات لأمثالهم؟! ألم يعد الغنوشي والمرزوفي بحكم تونس، فكان حالها أحسن من حال مصر التي بقيت رهينة بين المرشد والمشير؟! نحن نفتخر بأننا أنجزنا انتخابات ببلخادم، رضي عنها الأمريكان والإنجليز والألمان.. فلماذا لا نستورد مسؤولا ترضى عنه أمريكا من أمريكا نفسها مثل هدام.؟!
أتذكر أنني حضرت سنة 1993 مهرجانا خطابيا في ملعب الخرطوم بالسودان، أقامه الترابي عندما كان هو السلطة في الخرطوم، وكان أنور هدام أحد الخطباء في الجماهير، وقال في أمريكا ما لم يقله مالك في الخمر، وصفقت له الجماهير.! وكنت جالسا إلى جانب الشيخ عبد الله جاب الله وقلت له: كيف يقول في أمريكا هذا الكلام الثقيل وقد قرأت في الصحافة أنه جاء من واشنطن إلى روما مع وزير العدل الأمريكي في طائرته الخاصة.! فقال لي الشيخ جاب الله: لعله كلف بأن يقول هذا الكلام في أمريكا؟!
وأتذكر أن زيطوط كان مناضلا صنديدا قاد الإضراب والاعتصام أمام وزارة الخارجية، ونام فوق العشب الأخضر أيام الاعتصام، مطالبا بأن يأخذ حظه من الخروج للخارج.. وهاهو أصبح معارضا فذا في الخارج يتميز بالكفاءة.! أنشأ حزبا.. وقناة تلفزية، وقبلها محلات حلويات في قلب لندن، ولا تسألوا من أين له ذلك، مثلما لا يجوز مساءلة مدني مزراف وغيره عما عنده بعد توبته.!
حتى سعد جبار المحامي المغوار له كفاءة ومشهود له بها من الإنجليز وقطر، ولا مشاكل له مع السلطة في الجزائر، فقد كان عندما يحل بالدوحة يسكن في ”سويت”، بابه مقابل لباب الجنرال الهالك والشيخ عباسي مدني.. وهو ما يوحي بأن ما حدث في الجزائر ليس سوى ”هوشة” بسكرية بين الفريق والشيخ جرت على الطريقة التونسية، وأن صيد طائر الحبار يلغي المسافات بين أبناء الدوار؟! ومن قال إن رابح كبير الذي نجح عند الألمان لا ينجح في الجزائر؟! ولماذا نسمح للذين كانوا في الجبال، مثل العيايدة ومدني مزراف ولا نسمح لأمثال زيطوط وكبير وهدام وغيرهم؟! ومن يدري، لعل الجميع كانوا في مهمة وطنية تشبه مهمة كاب سيفلي..! لقد ارتفع ضغطي، وأحتاج إلى ابتلاع رأس ثوم لتعديل الضغط.!

http://www.elkhabar.com/ar/noukta/293724.html