مقالات

رد الفعل العربي بين نداء المقاطـــعة والتنديد السلبــــــــــــــي | محمود حمانه

– تتجه النداءآت في الوقت الراهن الى مقاطعة محرك البحث” غوغل “الشهير وذلك كرد فعل عن الفيلم المسيئ للرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.
– وإذا كان الموقف المدعو اليه مقبولا من حيث الشكل إلا انه من الناحية العملية يطرح إشكالية التطبيق كونه موقفا إرتجاليا بعيدا عن الموضوعية لعدم مراعاته لجملة من الإعتبارات الشخصية المتعلقة بإيجاد البدائل للمستهلك العربي لمده بالحافز المعنوي الذي يجعله قادرا على تلبية مثل هذا النداء دون ان يتأثر بتبعاته ويكون بالتالي في مستوي التطلعات المنتظرة منه لرفع التحدي لأن القضية لاتتوقف على مدى استعداده للتعاطى مع النداء خاصة إذ يتعلق بأسمى شيئ لديه وهي المقدسات-وهذا امر مفروغ منه- ولكن بمدى الوسائل المتاحة لديه لتأدية الدور المناط به دون إنفعال او تهور او تعصب يحسب ضده لا له.
– ذلك أنه إذا قاطعنا”غوغل”من دون ان ننشئ له بديلا خاصا بنا كمسلمين فسنحرم طلابنا من التحصيل العلمي نظرا للفائدة التى يجنيها هؤلاء من وراء المحرك المتهم فنكون بالتالي قد اسأنا الى طلابنا وجنينا على تلاميذنا وحتى على غيرهم من مستعملي الشبكة العنكبوتية الذين يجدون ضالتهم فيها بدل اللجوء للمقاهي التي اصبحت اقرب الى وكر للرذيلة اكثر من كونها مكانا للتسلية والترفيه.-
– وإذا كان على المستوى الشخصي رد فعل المواطن تحكمه متطلبات المحيط الذي ينتمي اليه فأن الأمر يختلف بالنسبة للحكومات التى ضل موقفها من هذه الأزمة المفتعلة يشوبه الغموض والتي جاءت ردود فعلها موزعة بين ملتزمة للصمت المريب والمكتفية بالتنديد السلبي والمطالبة من رعاياها مقاطعة الشبكة العنكبوتية وكانها ترى في هذا الموقف المتخاذل الرد المناسب عن الإهانة التى يتعرض لها نبيها وسط إستياء جماهيري عارم نظرا لعدم إبدائها الصرامة المنتظرة منها في مثل هذا الظرف العصيب في حين نجد ان القليل من الدول من كان لها موقفا حاسما تجاه هذه القضية واعنى بالذات مصر ورئيسها محمد مرسي الذي كان الوحيد في مستوى طموح شعبه والشعوب الإسلامية الأخرى.
– من المؤكد ان الغرض من وراء إنجاز الفيلم المجرم ونشر الصور المسيئة للرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم هو الإساءة الى النبي ولكن للموضوع ابعادا اخرى سياسية وإقتصادية بالدرجة الأولى يجب الإنتباه اليها ووضعها في سياقها كي نفهم لماذا جاء تفجير هذه الأزمة هذه الأيام.بالذات:
– لا داع للتذكير بالكراهية التى يكنها اليهود للإسلام والمسلمين منذ فجر الدعوة والتى تجسدت في عهد النبوة من خلال حديث الإفك وتلك المسلمة التى عقد ثوبها من الخلف الى اعلى حتى إذا نهضت إنكشفت عورتها والتى ادت كما يعلم الجميع الى القرار الحاسم والتاريخي الذي إتخذه الرسول صلى الله عليه وسلم آنذاك بطرد اليهود من المدينة قائلا:”والله لن يساكنوننا فيها بعد اليوم”.ومن يومها ضل الحقد اليهودي يتجسد كل يوم اكثر فأكثر في صور وأشكال متباينة حتى جاءت ثورت الربيع العربي لتبعث هذه الأمة من جديد بعد أن ضن اليهود خطأ انها امة ماتت وغسلت وكفنت وصلي عليها لتقضي على السفهاء الذين نصبهم الحقد الصليبي كولاة امور المسلمين لعقود عديدة وهي الثورات التى إستشعر اليهود منها خطر زوال كيانهم والذين تساقطوا الواحد تلو الآخر كاوراق الخريف وما تلاه من رعب في نفوسهم.
– كان لابد إذا من التفكير في دسيسة اخرى لشغل المسلمين عن قضيتهم المركزية من جهة وهي تحرير فلسطين والمقدسات وغض الطرف عما يتعرض له الشعب السوري من مجازر بشعة على يد سفاح دمشق سليل الطائفة العلوية المقيتة وآخر حلفاء اليهود في الشرق الأوسط تقريبا الذي يتهاوى نظامه تحت الضربات الموجعة للجيش السوري الحر الذي جاء ليعيد الأمة الإسلامية لسابق عهدها من خلال الملحمة التاريخية التى يسطرها جنوده البواسل على ارض سيف الله المسلول خالد بن الوليد و اسماء كتائبه التى يستمدها من التاريخ الإسلامي المجيد وعاصفة التطهير العرقي التى يتعرض لها شعب مسلم في “بورما” ذنبه الوحيد انه موحد بالله في وطن يسيطر عليه البوذيون الملحدون ومن جهة اخرى دفع المسلمين الى إرتكاب الحماقات الكفيلة بإظهارهم كمتهورين ومتطرفين –على غرار الحدث المأساوى الذي تعرض له السفير الأمريكي وثلاثة من مساعديه في ليبيا بالإضافة الى الإعتداءت على السفارات الأمريكية في مجمل الدول الإسلامية-لا يستحقون الحرية وذلك حتى يسهل التأثير على الجهات المتعاطفة معهم والتى تسعى لمساعدتهم في قضاياهم ومنها باراك اوباما الذي يعيب عنه اليهود موقفه المتخاذل لنصرة حلفا ئهم في المنطقة من خلال إقراره بحق الشعوب العربية في نيل قسطها من الديمقراطية وهذا بعد ان فشلت في الإحتفاظ بعملائها من الحكام العرب كما فشلت من فبل في تكريس حلم إسرائيل ارض من النيل الى الفرات.
– وحتى يكون لردنا التأثير المرغوب فيه,لابد من التروي لا ان يحركنا الوازع العاطفي و الهيجان الظرفي الذي لا يزيدنا إلا إحتقارا في نظر من نريد ان نرد عليهم :كأن ننشئ محركا خاصا بنا كمسلمين يمكن لنا ان نتحكم فيه فننشر من خلاله ما يخدم الدين الحنيف ونحجب برغبتنا كل ما يسيئ اليه طالما المال العربي متوفر والقدرات العلمية كذلك.وما ينقصنا إذا سواء القرار السياسي.
– وعليه,إذا كانت حكوماتنا جادة في الرد على هذه الأساءات-وهو ما اشك فيه لذات الأعتبارات التى جعلتهم يسكتون من قبل عن المذابح التى تعرض لها قطاع غزة في فلسطين ومخيم جنين بها- فعليها التحرك بصفة رسمية من خلال هذا الطرح.وإذا كانت غير راغبة في هذا ,اولى بها ان تغض الطرف عن الموضوع لأن التعاطى معه في صيغته الحالية هو ضحك علينا نحن كشعوب وليس على الغرب الصليبي او اليهود بل يجب ان يكون موقف الحكومات العربية واضحا اولا ومن خلال اجراءآت عملية ثانيا..وإذا كانت السعودية لم تتردد في سحب سفيرها من مصر لمجرد إهانة لشخص الملك عبدالله فما بالها نكست على عقبيها حينما تعلق الأمر بشخص الرسول الكريم وبالولايات المتحدة لأن خدمة الحرمين الشريفين تبدأ من باب اولى بالذود عمن جاء بالمقدسات ام ترى لها تصور آخر للموضوع يفيد بأنه لا يستحق كل هذا التهويل؟
– إسرائيل تهدف من وراء هذا الفعل الشنيع الى خلق بؤر توتر جديدة بديلة عن الأماكن التى تعرف منذ زمن قريب شيئا من الإستقرار بعد صراع مرير مع الدكتاتوريات انتهى بإزاحة هذه النظم العميلة لصالح اليمقراطيات الناشئة في مجمل الوطن العربي بعد ان تأكدت بأن هذه الأقطار تتجه نحو القطيعة مع الماضي الذى كان فيه ساستها يدينون بالولاء للدولة العبرية.
– هذا التصور يتطابق بكل تأكيد مع طموحات العم”سام”الرامية الى ألإبقاء على حالة التوتر سائدة في البلدان التى تشغل حيزا في اجندته كي تفسح الإدارة الأمريكية المجال للصراعات المسلحة فيها لتغزوها وتبسط هيمنتها عليها بدافع مقاومة الإرهاب والتطرف الديني وملاحقة العدو الوهمي التقليدي المعروف إصطلاحا تحت اسم”القاعدة”التي هي صنيعة امريكية بإمتياز وذلك عملا بالمثل الفرنسي القائل:”من يريد قتل كلبه يقول عنه انه مسعور”.
– ولما كانت كل السيناريوهات لا تخدم هذا الطرح لأنها اصبحت مكشوفة ولم تعد تنطلي على احد,كان من اللازم تجييش عواطف المسلمين من خلال التطاول على مرجعياتهم الدينية كشكل جديد من اشكال المؤامرة لدفعهم الى إرتكاب المزيد من الحماقات الكفيلة بإقناع الرأئ العام لدى الغرب للحصول على الشرعية اللازمة لتنفيذ مشاريع مخطط لها منذ زمان بعيد يؤزها في سعيها الإنفصام الحاصل بين الحكام والمحكومين والوعي القومي الغير متكامل لهؤلاء المحكومين ضحايا الإستيلاب الذي طال الفكر بعد ان اجهز على مقدرات الأمة والذي يشكل المناخ الخصب لحياكة المؤامرات.
– الولايات المتحدة عندما قتل سفيرها في طرابلس بليبيا لم تندد ولم تستنكر وإنما ارسلت قوات المارينز لملاحقة الجناة هناك. وهو التحرك الذي جعل الكثير يتخوفون من تداعياته على مستقبل الديمقراطية الناشئة في هذا البلد العائد من اربعة عقود من التيه إلا أن حنكة القائمين على شؤون الأمة فيه مكنتهم من تطويق الأزمة وحصرها في نطاق الفعل المنعزل ليتم التعامل معه على هذا الأساس.
– إن اللجوء للعنف كرد على الإستفزازليس الحل الأمثل بل علينا التفكير في رد يتناسب مع ما يمليه الظرف الراهن بعيدا عن التعصب والإندفاع كي نبدو حضاريين فنعكس صورة الإسلام الحقيقي لدى الرأي العام العالمي حيث لابد ان نخاطب فيه النخب والطبقات الفكرية لتبليغ الرسالة دون الحاجة الى صدام دموي يشوه في نظر الآخرين الصورة المثالية التى بناها له انبياء الله كي نسحب ابساط من تحت اقدام المتربصين بنا وبديننا من المتطاولين عن العقيدة الإسلامية والمضللين لشعوبهم تحت مسمى مكافحة التطرف الديني والذين ينبغي علينا ان نساعدهم في التخلص من عقدهم المكتسبة حيال الدين الأسلامي بسبب التشويه المتعمد له من طرف الإعلام الغربي المتحتكر من لدن اليهود.
– فموقف الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي هو موقف ايجابي ومتحضر بجميع المقاييس إذ انه لم يكتف بالتنديد بل كلف سفيره في واشنطن بإتخاذ التدابير القانونية لملاحقة المسيئيين الى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قضائيا.وهذا هو الرد العملي على الإساءة والذي من المفروض ان يكون قدوة لغيره من الزعماء العرب إذا كانوا فعلا كذلك.
إن الغرب يتعمد إستفزازنا لأستنزاف طاقاتنا بشتى الطرق بعد ان عجز عن مواجهتنا في ميادين المعارك فأهتدى الى هذه الحيلة التي لا تكلفه اي شيئ وفي نفس الوقت يجني من ورائها الكثر.فمجلة “شارلي ايبدو” الفرنسية مثلا حققت نسبة مبيعات خيالية بعد تعمدها نشر الصور والمقالات في سياق النيل من الإسلام والمسلمين ونحن بغبائنا اعطيناها الفرصة لتحقيق هذا الغرض الذي كان الى غاية اليوم حلما بعيد المنال بالنسبة لها ولغيرها من وسائل الإعلام التى تعاني من الكساد التجاري والتى تعودت ان تستمد الحلول من سقطاتنا وتتحين بالتالي مثل هذه المناسبات بل و تختلقها.
فالى متى نهب دون وعي منا لنجدة اعدائنا تحت ذريعة نصرة الدين والمقدسات؟؟؟
– وعليه,فإن مصير هذا النداء سوف يكون كذلك الذي تمت من خلاله دعوة الناس لمقاطعة البضائع الأمريكية قبل سنوات قليلة بسبب مساندة هذه الدولة لليهود والذي لم يطبق ولن يطبق لأن المثل يقول:إذا اردت ان تطاع فأمر بما يستطاع,إذ كيف نطلب من شاب منبهر بكل ما هو غربي وامريكي على وجه الخصوص تنتهي حدود العالم الجغرافية بالنسبة له عند نوادي ريال مدريد وبرشلونة الإسباني وغيرهم ان يمتنع عن شراء بضائع العم” سام”وهو يعيش لليوم الذي يرتدي فيه سروال “جينز” اصيل مستورد وتطلب من الناس الإمتناع عن شرب “الكوكاكولا” وهم عاجزون على تغطية السوق بالبضائع المحلية البديلة وكذلك الحال بالنسبة للطالب الجامعي الذي امامه مقررا سنويا طويلا وعريضا عليه إستيعابه في غياب تام للمراجع او غلائها في حالة وجودها.؟هل يعقل ان نطلب منه مقاطعة” النت” –الذي يتميز بالبطء المتعمد في الجزائروهذا في حد ذاته وجها مقنعا من اوجه المقاطعة المفروضة على الشعب منذ سنين وما يترتب عنه من معاناة للمستهلك-في مثل هذه الظروف وهل المقاطعة هي السلوك الناجع الذي يعفيهم من المسؤولية التاريخية لصون كرامة المسلمين ودينهم ومقدساتهم إذا بعد ان كرسوا الجهل والفقر والتخلف في اوساط الشعوب؟

محمود حمانه-موظف متقاعد-الجزائر