مقالات

كاتب ياسين: عملاق …أم وهم كبير؟ | عبد العزيز كحيل

اطّلعت على مقابلة أجرتها جريدة “الخبر” الجزائرية مع شقيقة كاتب ياسين بهذا العنوان العريض: ” كان شيوعيا حتّى النخاع لكن القرآن رافقه حتى آخر لحظة من حياته ”
وقد صدقت في الشقّ الأوّل وجانبت الصواب في الشقّ الثاني، وكلّ ما سأذكره يؤكّد هذا، ثمّ من البديهي أن الشيوعية نقيض الدين وحرب على الكتب السماوية لكن كثيراً ما يلجأ بعض الناس إلى مثل كلام هذه المرأة لدفع وصمة الكفر التي تلاحق الماركسيين الّذين يحملون أسماء إسلامية.
كلّما اقترب شهر أكتوبر تحرّكت الأقلّيّة العلمانية التغريبية لإحياء ذكرى وفاة كاتب ياسين باعتباره “عملاقاً عاش حياته كلّها من أجل الجزائر وصنع مجد الثقافة الوطنية وسجّل اسمه بأحرف من ذهب في سجلّ المثقّفين العالميين”.
وكاتب ياسين مؤلّف روايات ومسرحيّات باللغة الفرنسية ثم باللهجة الجزائرية العامية عاش في الفترة بين2 اوت 1929 و 28 اكتوبر 1991، كان يقول _ ومازال أنصاره يؤكّدون ذلك _ إنّه حارب الاستعمار الفرنسي بلغته _ أي الفرنسية _ لكن المفارقة أنّه كان “يبغض” فرنسا إلى درجة الهيام بها، فقد كان يتكلّم بالفرنسيّة حتى في حياته اليوميّة _كما صوّره محبّه كمال دحّان في فيلم وثائقي عنه_ وطبع كل كتبه بباريس وقضى آخر حياته بها ، ووافته المنيّة بها وهو يؤلّف كتاباً احتفاء بالذكرى المئوية الثانية للثورة الفرنسية.
والّذي يعنيني في هذا المقال موقفه المعادي لكلّ ما هو عربي ومسلم، والّذي تبيّنه هذه النقول الموثقة والّتي لا ينكرها أنصاره (ومصادرها موجودة عندي ومعلومة لدى جميع المهتمّين بالشأن الثقافي)، فقد كتب وصرّح في مناسبات مختلفة بما يلي:
– لقد تعاقب علينا الغزاة الرومان والعرب المسلمون والأتراك والفرنسيون ، وأرادوا جميعا فرض لغتهم علينا بدل الأمازيغية …اليوم قضينا بالسلاح على وهم الجزائر الفرنسية ولكن لنسقط في وهم أكبر فتكاً، وهو الجزائر العربية الإسلاميّة (وأنبّه قبل الاستمرار في نقل كلامه إلى أن هذا عين موقف الحزب الشيوعي الجزائري منذ نشأته أثناء فترة الاحتلال الفرنسي)، لقد دامت الجزائر الفرنسية104 سنوات بينما تدوم الهيمنة العربية الإسلامية منذ 13 قرنا.
– لازمتُ الكتّاب لكن اشمأززت منه لأني أكره الدين (وهذا ينسف ادّعاءات شقيقته حول مرافقة القرآن له)
– “لست عربيّاً ولا مسلماً إنّما أنا جزائري” !!! (وهذا يدلّ على انقطاعه التامّ عن الهويّة الوطنية وجهله بها، ذلك أن الشعب الجزائري برمّته _ باستثناء الأقلّيّة التغريبية _ يعتبر انتماءه للإسلام والعربيّة مرادفاً للانتماء الوطني ملازماً له لعدم وجود أي أقلّيّة دينية غير مسلمة بالجزائر)
– كان له حضور إعلامي بعد الاستقلال من خلال أسبوعية “الجزائر الأحداث” اليسارية، فقد كان يحرّر ملحقاً سمّاه “البعير البروليتاري” كان مليئاً بالتهكّم بكل ما له صلة بالإسلام، من ذلك:
 وصفه للمؤذّنين بكلاب الدوار (أي البادية).
 تعريضه بالمساجد ووصفه للمآذن بالصواريخ الّتي لا تنطلق (مع رسم كاريكاتوري توضيحي).
كما عمل صحفيا بجريدة الحزب الشيوعي ” الجزائر الجمهورية ” ولم تكن تخلو مقالاته ممّا يخدش الدين والمتديّنين

– تناقلت الأوساط الإعلامية بعد وفاته أنّه أوصى بأن لا يغسّل ولا يكفّن ولا يصلّى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، وحتّى وإن لم أقف على نصّ الوصيّة إلاّ أن العقل يصدّقها، والشيء من معدنه لا يستغرب… لكنّهم دفنوه مع المسلمين، ولا علم لي بشأن التغسيل والتكفين.
– تبنّى بقوّة النزعة البربريّة رغم أنّه لا يفهم كلمةً واحدةً من هذه اللهجة كما صرّح بنفسه، وسمّى ابنه “مازيغ” نسبة لهذه النزعة( أذكر بالمناسبة أنه سمّى ابنه الآخر ” هنس” Hans وهو اسم ألماني لأن الرجل أقام زمانا في ألمانيا الشرقية الشيوعية آنذاك ، وهو يؤمن بطبيعة الحال بالأممية الاشتراكية نسبا وانتماء )وإنّما فعل ذلك رفضاً للانتماء العربي الإسلامي وانتصاراً للتغريب الفرنكوفوني الّذي تصبّ فيه هذه النزعة غير البريئة.
ويجب أن أشير إلى حقيقة شوّهها أنصاره وخدعوا بها الناس تتعلّق بأشهر رواياته “نجمة”، فقد أشاعوا أن نجمة ترمز إلى الجزائر الّتي هام بها الكاتب وتفانى في حبّها وضحّى بحياته من أجلها، وهذا ادّعاء ليس له أساس من الصحة لأن الأمر يتعلّق بامرأة من مدينة عنابة أحبّها في شبابه، وقد كانت متزوّجة ورغم ذلك عاشرها مدّة ثمانية أشهر، وهذا ما صرّح به غير واحد من أقاربه وأصدقائه ومنهم شقيقته في المقابلة الصحفية المشار إليها… وهذا تحريف تبنّاه كثير من النقاد من غير تمحيص وربّما مع سبق الإصرار لصنع مجد زائف لرجل له عن بلده تصوّر خاص لا تشاطره فيه الأغلبية الساحقة من مواطنيه.
لقد قرأت أهمّ كتب ومقالات كاتب ياسين وباللغة الفرنسية _ الّتي أجيدها بفضل الله _ فوجدتها غامضة المعنى معقّدة المبنى ملتويّة الدروب، وللنقاد أن يقولوا ما أرادوا لكن يبدو لي بعد أن درست حياة الرجل وشخصيّته بدقّة أن لإدمانه على الخمر دخلاً كبيراً في ذلك، فقد ثبت أنه لا يكاد يصحو من السّكر.
ولنا أن نسأل الآن من يرفعونه إلى مصافّ العمالقة الأبطال باسم الجزائر عن صلته بها وبشعبها وقيمها وثوابتها وثقافتها، وهو يجاهر برفضه لدينها ولغتها وكل ما يرمز إليها… وأريد أن يكون واضحاً أنّه لا يعنيني التهجّم على الرجل _ لا حيّاً ولا ميّتاً _ بل أرجو أن يكون قد ألقي إليه بسبب يجلب له المغفرة، لكن يعنيني فكره التغريبي وشبكة الأوهام الّتي نسجت لمغالطة الجزائريين الّذين يلاحظون باستغراب إهالة التراب على علم من أعلامهم المعاصرين “محمد العيد آل خليفة” الشاعر الفحل الّذي نذر قوافيه لخدمة دينه ولغته وبلده، فواجه بها الاحتلال الفرنسي دون هوادة وواصل مشوار التغني بالجزائر حتّى وفاته سنة 1979، لكن المراجع الثقافية تتجاهله تماما لأنه ببساطة ليس علمانيا ولا فرنكوفونيا…ومع محمد العيد لفيف من الأصلاء الذين لقوا نفس مصيره لنفس السبب.
ولعلّ أفضل ما أختم به الموضوع هذه الشهادة عن مكانة كاتب ياسين عند فرنسا، فقد كتب مدير صحيفة “نوفل أوبسرفتور” الفرنسية اليسارية يقول: “إنّه بفضل أشخاص أمثال كاتب ياسين امتنع البعض دائما عن اليأس من الجزائر”.
يستطيع الفرنسيون أن يكرّموه لأنه خدم لغتهم وثقافتهم وفلسفتهم للحياة، فبأيّ مبرّر نكرّمه نحن؟إن شعبا أثبت رفضه للأطروحات الشيوعية لا يمكن استغباؤه بالتحريف والطلاسم.
وبعد، أهو عملاق حقّاً… أم هو مجرّد وهم؟

=========

المقابلة التي أجرتها الخبر قبل سنوات:

شقيقة الأديب العالمي كاتب ياسين لـ”الخبر”
كان شيوعيا حتى النخاع لكن القرآن رافقه لآخر لحظة من حياته
قالت السيدة أنيسة كاتب، شقيقة الأديب العالمي كاتب ياسين، إن ”نجمة” هي المرأة التي أحبها وتشاجر بسببها مع الكثير من الرجال، وهي قبل ذلك بلده ”الجزائر”، وهما من أحبهما حتى النخاع، وأجبر على فراقهما عنوة، بسبب أفكاره التي تعارضت وأعراف قبيلة ”بني كبلوت” والسلطة الحاكمة، فظل رغم عودته المقتضبة لأهله، كالغريب. جحدوه في حياته وبعد موته.. بخلوا عليه حتى بلافتة تخلّد اسمه، الذي مكّن بلده من دخول المحافل العالمية.
استقبلتنا السيدة كاتب بمنزلها في قرية بئر بوحوش، التابعة لبلدية سدراته ولاية سوق أهراس، وقد جاوزت عقدها السابع بعامين، معلّمة لغة فرنسية متقاعدة، هاوية للمسرح، حيث كانت تشرف على فرقة ببلدية سدراته، فهي أصغر من شقيقها بسبع سنوات. تتذكر ياسين فتقول بأنه: ”طوال سنواته لم يظهر على شاشة التلفزيون.. نعتوه بأبشع الصفات. حقيقة كانت السياسة في دمه، وكان شيوعيا حتى النخاع. تأثر بالأفكار الجديدة التي طرحت على المشهد العالمي حينها، لكنه لم يكن بمفرده، بل كثيرون تغنوا بالحرية وبالمساواة، حتى إن والدته عند موتها غطوا تابوتها بالعلم الأحمر. ولأنه كان ثوريا، ودائما يقول كلمة ”حق” فكان هذا جزاءه. ونتيجة لآرائه المعارضة، فهو لا يعترف إلا بأداة النفي ”لا”، وهي ميزة ابنه البكر أيضا ”أمازيغ”، حتى إنهم تجرؤوا وقالوا بأنه ”كافر”، إلا أنه في كتاباته يفند ذلك، قال لهم صراحة بأن ”القرآن يرافقني حتى آخر لحظة من حياتي”.
على السلطات أن ترد الاعتبار للأديب وعرشه ”بني كبلوت”
واستطردت قائلة: نحن لا نريد أي شيء من الجهات المسؤولة، سوى أن تعترف بكيان الأديب العالمي، وأن يكون حاضرا دائما، وألا يتم حصر مولده وذكرى وفاته في منطقة معزولة تماما. حتى تسميته لم تخلّد، لم نرها مكتوبة على أية منشأة، ولم يرد الاعتبار لمسقط رأس أجداده ”عرش بني كبلوت”، وخاصة من يسكنون عند سفح كاف ”السايح” نسبة إلى جدهم الأكبر.. فهم ”المعذبون في الأرض”؛ حيث يتجرعون كل أنواع الشقاء في صمت خلف بلدية حمام النبائل بفالمة.
وتساءلت في السياق نفسه: عن أحد أحب بلده، ووهبها عصارة جهده وتعبه بلا تردد، أيكون هذا جزاءه؟ فهو على بساطته البالغة كان يكره الظلم، وطريقة تسيير الحكومة حينها لم ترقه، حتى إن الرئيس الراحل ”هواري بومدين” استدعاه في إحدى المرات ووبخه، قائلا: ”اكتب وأنت ساكت، ففمك سمج”. باعتبار أن ياسين كانت كل انتقاداته عبارة عن سب وشتم، ومع ذلك، تقول، ما كان ليحفل بآرائهم، حتى إنه استدعي أيضا من طرف الرئيس الفرنسي ”متيران” لكنه رفض دعوته.
تحدثت عن أشياء كثيرة، عن جو العائلة الذي كانت تصنعه الزوجة الثانية.. تقول بأن عائلتنا كانت فسيفساء من الهوايات، في الغناء، الفن، الموسيقى، الكتابة، والظرف والفكاهة، حيث كانت كل لقاءات العائلة عبارة عن أعراس. كما أن أمي كانت تجيد الغناء، فضلا على ذكائها الحاد، حتى إنها حرصت على تعلّم الفرنسية زيادة على العربية.. ومع ذلك، فالأجواء الهادئة والهانئة لم تستمر طويلا بعد أن اعتقل ياسين في مجازر الثامن ماي 1945، في مظاهرات سطيف، وأصدرت السلطات الاستعمارية أمرا بإعدامه، فأصيبت أمي، تقول، بالجنون، واضطر ياسين للاعتناء بها ونقلها للإقامة معه ببن عكنون، ووضع تحت تصرفها ممرضة خاصة.

أرفض أن يتاجر باسمه أناس يكرهونه
قالت بأنها رفضت المقترح الرامي إلى تأسيس جمعية باسم ”كاتب ياسين”، بسبب أنها لا ترغب في وضع أي كان على رأسها، تقول بأنها تبحث عن مثقفين حقيقيين على غرار صاحبه مالك حداد وإيسياخم اللذين قضا معهما أغلب أوقاته، وترفض أية متاجرة باسم العائلة، حيث قالت: كنت أنوي رفع رسالة إلى وزارة الثقافة بخصوص الانتهاكات المتكررة لتاريخه وسمعته، وللاستثناءات التي عرفتها عائلته من بعده. وأضافت بأنه سيأتي الوقت الذي سنصرّح بالتجاوزات التي حدثت، سواء بحق عمي مصطفى كاتب أو ياسين. واستطردت مستغربة عن شخص جاهره الجميع بالكره في حياته وبعد موته خاصة داخل الوطن، لدرجة أن البعض شكك في وجوده، وحاولوا بشتى الطرق إبعاده عن الساحة. ولكني أقول لهم: اتجهوا إلى الحالة المدنية بزيغوت يوسف التي كانت تعرف سابقا بـ”السمندو” التابعة لولاية قسنطنية، وستعثرون على الدليل القاطع، واليوم تسعى عدة أطراف لجعله مطية لبلوغ مآرب معينة.
وخصت السيدة أنيسة بالذكر الولايات الشرقية التي جحدته حقه. واعترفت مقابل ذلك بالفضل الكبير لسكان منطقة القبائل، وقالت إنهم من دافعوا عن شقيقها في السابق وحتى الوقت الحالي، حتى إنهم يملكون من الوثائق عن حياته ومؤلفاته أكثر من التي بحوزة عائلته.. ووصل نكرانه إلى درجة أن لا أحد علّق حتى ”لافتة” بمدرسة، أو مركز ثقافي يحمل اسمه لحد الساعة اعترافا به، رغم أنه أديب بلغ درجة العالمية، وحتى الملتقيات التي تقام باسمه حاليا تستثنى عائلته منها.
وأضافت بأنه لولا مساعي بعض الأشخاص لبقي مطمورا إلى الأبد، هم من لهم الفضل في تحرك الجهات المسؤولة، لتنظيم ملتقى عالمي حوله تزامنا وذكرى وفاته شهر أكتوبر المقبل، أين سيدشن نصب تذكاري بعرش أجداده، مع أن ”ياسين” ليس ابن منطقة بعينها بالجزائر، فقد تنقل بعدة مناطق بدءا من عرش بني كبلوت، قسنطينة، ومنطقة بوقاعة بالقبائل.. وهو ما جعل صلته قوية بالناس بهذه المنطقة، خاصة وأنه درس بالمدرسة الابتدائية ”لافاييت”، ثم تابع دراسته الثانوية في ثانوية ”البرتيني” المعروفة حاليا باسم القيرواني بولاية سطيف، قبل أن يسجن لمدة 4 أشهر.

ياسين أحب الحياة في عيون ”زليخة”
تعود السيدة أنيسة بذاكرتها لبدايات علاقة ياسين بمحبوبته الأسطورية ”زليخة” ملهمة رائعته ”نجمة”، تقول بأن الظروف المحيطة به كانت كلها سيئة بدءا بالمظاهرات إلى سجنه لنحو أربعة أشهر، ثم إصدار أمر بإعدامه.. في خضم هذه الظروف العصيبة، قفزت ”زليخة” ابنة عم والدي، إلى مشهد الأحداث، كأنما أرادت ببروزها ذلك أن تطمس كل تلك المآسي.. ومن عنابة التي قصدها ياسين، بدأت حياة الكاتب الملهم، ياسين الذي وهبته ”زليخة” الحب، فكانت نقطة تحوّل في حياته، بعد أن ذاق كل ألوان العذاب، حيث ”ضرب وأحضر مقيدا بالسلاسل لمنطقة بوقاعة”، بعد مساع كثيرة أجراها والدي الذي كان يشتغل كاتب عدل.
كان هو في السادسة عشرة من عمره، و”زليخة” ملهمته كانت مطلقة، وتكبره بكثير، هذا الكثير ليس عشر سنوات كما قيل من قبل.. ومع ذلك، فما كان ليستمع إلا لنداء قلبه فأقام معها نحو عامين بعنابة، فهي من فتح عيني ”سيدي ياسين”، كما تحب أن تناديه، على العالم.. أحب الحياة من خلالها، رفض طوال حياته أن يعترف بشيء اسمه الحزن، وأداة النفي ”لا” التي طالما سمعها، من قبل، عن أن هذا الحب الذي يحمله بين جناحيه، ما هو إلا وهْم، فجعلوا منه المستحيل الذي لا يتحقق، فما كانت نصائح والدي الرافض لهذه العلاقة غير المشروعة وغير المتكافئة من حيث العمر، تجدي نفعا، كما أن عرف قبيلة بني كبلوت، التي قامت طوال قرون متتالية على مقولة جدهم الأكبر ”السايح” الذي سمي جبل في عرشهم الأول باسمه، التي مفادها أن ”الكبلوتي للكبلوتية”، استثنت ”زليخة” التي رفضتها عائلة ياسين بحكم ظروفها.
كما أنه كثيرا ما كان يتشاجر مع والده بسببها، وبسبب اتباع طريق السياسة، في وقت أراده والده أن يكون طبيبا أو محاميا، كحال باقي أفراد عائلته، الذين يمتازون بثقافتهم العالية، تقول في هذا الشأن، إن جدهم قال ”أنا لا أورّثكم مالا ولا أراضي بل قلمًا هو ذخيرتكم وذريتكم على مدى الزمن”.
حاولوا تقييد حريته.. فغادر الجزائر في 18 من عمره
قال كاتب بشأن الفرنسيين: ”عشت معهم وشتمتهم بلغتهم التي لقنوني إياها” وما كنت لأخشاهم.. وقالت شقيقته بأنه غادر تراب بلده في الثامنة عشرة من عمره: ”لأنهم حاولوا جاهدين تكميم فمه وحرمانه من التعبير بصراحة، بدليل أنه لم يطبع ولا واحدا من كتبه بالجزائر، بل صدرت عن دار نشر ”إساي” ثم ”سندباد”، نتيجة الحظر الذي كان مفروضا عليه. وزيادة على الحصار الذي فرضته السلطة الحاكمة، كانت خشيته من ضغط الإخوان المسلمين، ومع ذلك فقد عبّر بكل حرية عن آرائه وفي كل الأشخاص، حتى طالب الإبراهيمي لم يسلم منه وشتمه”.
منزله البسيط ببن عكنون محجّة لأدباء عرب وأجانب مغمورين
وهذا لا يعكس حقيقته، فحبه للسياسة والإبداع ملَكا عليه قلبه، لم يكن يحب المظاهر الخداعة، حياته أكثر من بسيطة.. لم يرتد يوما بذلة ولا ربطة عنق. كانت ملابسه بسيطة للغاية، وتميزه مظلته ودراجته اللتان ترافقانه على الدوام. ويقاسمه زائروه الكثر الحصيرة التي ينام عليها وفناجينه المكسورة الحواف، دون أن يكترث للوفود الكثيرة التي كانت تحل ببيته من مختلف أنحاء الأرض، صحفيين وكتاب مشهورين.. فكان منزله محجة لعشرات الأدباء المغمورين، فكان يلازمه دوما: عمروش، مالك حداد، محمد ديب، ألبير كامو، غابرييل أدودريو. كما أنه كان كثير التردد على بيت إيسياخم. وحياة التقشف تلك مردها المعاناة التي عاشها خاصة في فرنسا. عمل في نشاطات مختلفة، في حلب الأبقار رفقة مالك حداد، في جني العنب، وغيرها من المهن، حتى إنه في إحدى المرات عندما انقطع الغاز عن بن عكنون، عمد إلى جمع الحطب.
ياسين المبدع يحب ”المرأة العربية البربرية المحافظة”
ومع تفتحه كثيرا على المجتمعات الغربية بسبب تنقلاته الكثيرة ما بين فرنسا، نيويورك، ألمانيا، بلجيكا وغيرها من المدن العالمية، وحتى العربية، كلبنان، فلسطين وسوريا، إلا أن أصله ”الشاوي” كما نعتته، كان يتحكم في تصرفاته. كان يرفض أن يشكل أفراد عائلته جزءا من حلقاته، وهذا الحياء هو الذي أقام جدارا منيعا بيننا وبينه وحرمنا من معرفة ياسين المبدع، حتى أحاديثه لنا كانت مقتضبة.. لم يكن ليطلع أحدا منا عما يفعله، كل ما ينجزه نسمع عنه من الآخرين، حتى إنه كان يردد لزوجته أنه يحب ”المرأة العربية البربرية المحافظة”، مثل والدتي التي كانت تحبه أكثر من أي شخص آخر، حتى إنها فقدت عقلها إثر تلقيها نبأ اعتقاله في مظاهرات 8 ماي ,45 وإصدار أمر بإعدامه، وإقصائه من التعليم بصفة نهائية.. كان أسوأ خبر تلقته أمي بعد أن فقدت توأمها ”حسان وحسينة، وكان هذا وحده كافيا بأن أفقدها عقلها لسنوات طويلة، وهو ما جعله يحمل وزر خطيئة لم يقترفها.. فظلت صورة أمي التي لم تعد تشعر به، تؤرّق أيامه ولياليه، فعكف على خدمتها بنفسه، كما وضع تحت تصرفها ممرضة خاصة.

6 تعليقاً

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق

  • نعم ان كاتب ياسين يعد عند بعض الجزائريين من المثقفين الكبار..لكن كما هومالوف عند كل الامم فان الكثير من المارقين والمنحرفين قد ابدعوا مذاهبا فكرية ومدارسا فلسفية ناتجة عن هوس في النفس واهواء شاذة وجدت من يعتنقها و يؤيدها بل من ينظر لها ,فلم يشتهر مسيلمة الكذاب لو لم يجد من يؤيده من ضعاف النفوس و اصحاب المصالح والمعتوهين بل هذا الكذاب الافاق استطاع ان يجيش الجيوش ويقتل خيرة الصحابة والصالحين كما لم يبرز احد المجانين في البنجاب الاسلامي من ادعااء المهدية ثم االنبوة ووجد الكثير من يحمل فكره الباطل ويؤسسوا له دينا ينتشر في افريقي واسيا وامريكا….كما ان فرعون ما كان ليتفرعن و يجعل من نفسه الاها لو لم يجد من يشجعه على ذلك.. و مع ذلك كان الفراعة علماء والتاريخ يشهد على انجازاتهم… فماذا ترك لنا من يسمون انفسهم ببالمتنوريين الطلائعيين..سوى ادب المواخير اكرمكم الله و العهر والحانات والمخدرات وتفكك العائلات.. .