وزير الدفاع الفرنسي والرد المناسب على طلب في غير محله | محمود حمانه

الحركة التى قام بها يوم امس وزير الدفاع الفرنسي السابق “جيرار لوكيه”في آخر حكومة لساركوزي والذي كان ضيفا على قناة البرلمان الفرنسي “ال سي بي”قبل ان يغادر البلاتو,وإن كانت مخلة بالحياء, هي الرد المناسب على الطلب الذي ما فتئ يقدمه نظام الإنقلابات والدسائس في الجزائرالى سيده الفرنسي وذلك لأسباب تاريخية وإجتماعية .وهي ذات الأسباب التي يدركها من لم يتورع في جرح كبرياء فراعنة الجزائر والتى لولاها ما تجرأ على الدوس على كرامة من يدينون لدولته بالولاء ضنا منهم بأن اواصر الصداقة تعمر طويلا وأنه يمكن إتخاذ حماة الأمس دروعا يتسترون وراءها هربا من المساءلة القانونية على ما بدر منهم من جرائم ضد الإنسانية في خضم حرب لامبرر لها ولا ناقة فيها للشعب ولا جمل شنت عليه عادت بالبلاد الى اسوأ ما تكون عليها المستعمرات والتى لم يفقد الشعب فيها سيادته فحسب ولكن هويته ايضا.

اللقطة المشار اليها اعلاه والتى جاءت ردا عفويا على البرقية الصادرة من طرف ما يسمى بوزير المجاهدين الجزائرية والتى وصلت الأستوديو تزامنا مع إنقضاء الحصة ,لا تعتبر إهانة لمن تجرأ وظن نفسه بأنه بإمكانه الوقوف في وجهه الند للند كوزير في حكومة نسي في لحظة غرورانها مجردة من السيادة والذي اساء التقدير حينما توهم أنه يمكن معاملته على هذا الأساس,تكشف عن التصور الفرنسي حيال مستعمرتها القديمة التى وإن كانت بالأمس تكن اليها شيئا من الإحترام نظرا لإيباء اهلها في ذلك الوقت, فهي اليوم قد سقطت في نظرها الى ما يشابه الإسطبل يشرف عليه سائسة تجمعهم علاقة العبد بسيده ليس له من إعتبار إلا كونه طيعا لا يناقش ولا يمانع ولا يتضمر.
طلبا يأتي في غيره محله لأنه:

أ)- صادر عن مجموعة من المرتزقة امعنوا في البلاد خرابا وتعسفا وتقتيلا وفسادا وإستباحة للأعراض بمباركة هذا الذي يستجديه اليوم الإعتراف بما ارتكبته بلاده من جرائم في حق شعب على إمتداد قرن ونصف القرن بدافع من الغباء فظنوا أنه يمكن التأثير على ولي نعمتهم ولو بتذكيره بما ما قدم له من خدمات ليقدم لهم بعض من التنازلات تمكنهم من حفظ ماء الوجه للظهور في نظر مواطنيهم بأنهم ما زالوا اصحاب سيادة,وهي الخدمة التى إمتنع عنها إمعانا في إذلالهم,وهم الذين توهموا أن تستر الغرب عن هذه الجرائم من اجل سواد عيونهم متناسين ما قاله رئيس الوزراء البريطاني “ونستون تشرتشيل” بأنه لا صداقة دائمة ولا عداوة في العلاقات الدولية وإنما مصالح دائمة.وهي الحكمة التى حملت “جيرار لوكيه”على إرسال هذه .الرسالة الضمنية لؤلائك الذين لا يزالون لم يدركوا بأن التاريخ لا يرحم وأن التحولات التى تشهدها المنطقة العربية في خضم الربيع العربي تجعل مصالح الدول الكبرى مرتبطة برغبات الشعوب كصاحبة الشرعية والتى تمثل لأجل هذا القوة الحقيقية التى يتوجس منها الغرب.
كان عليهم الإتعاض بما حصل لنظرائهم من الزعماء الذين قضوا نتيجة عدم إدراكهم لهذه الحقائق والإستجابة لها بسب جنون العظمة الذي يعانون منه وإعتقادهم بأنه يمكن الإستمرار في خد اع الشعوب وتوظيف القيم لخد مة مشاريعهم ومصالح الدول الراعية لهم.متناسين بان صمت الغرب على الفضاعات التى ارتكبوها على مد ى عشرية كاملة ليس اكثر من تأجيل محاسبتهم وفق ما تقتضيه مصالحهم وأن هذا الصمت كان فرصة للدول العظمى بجمع البراهين والأدلة لإستعمالها كورقة ضغط عند اللزوم.
هذا الإستعداد الفطري للتعاون د ون شروط مسبقة او مقابل جنب القوى العظمى الدخول في صراعها التقليدي من اجل تحقيق اكبر قدر ممكن من المكاسب لأن الغنيمة هذه المرة تلبي جميع الأطماع دون ان يكون اي طرف في حاجة الى مناورة او تهديد لرعايتها.وهذا جلي من خلال الحماسة الغير معهودة التى ابدتها فرنسا في التعاون مع العم سام الذي يبدو انه سيتنازل تدريجيا عن منطقة الخليج العربي نتيجة بروز اقطاب أخرى منافسة متمثلة في الصين وروسيا وإيران على الخصوص وهو تنازل لن يكون مضرا بمصالحه طالما عثر على البديل.

ب)-أن هذا الطلب الذي فقد صبغته الإلزامية بعد ان حصلت فرنسا على كل ما تريده واصبحت بالتالي في حل من التزاماتها بهذا الشأن وإن على الصعيد الأخلاقي ,لا يعبر عن رغبة شعبية كجزء من الإقتصاص من عدو الأمس ولكنه شكلا من اشكال التمويه لإيهام المواطن بأن جلاد يه يسعون للدفاع عن الذاكرة الوطنية وأنهم بالتالي جديرين بألإحترام وقد فاتهم بأن وسائل الإتصال الحديثة لم تعد تسمح لهم بالضحك على الذقون وأنه إكشتف امرهم ولم تعد حيلهم وخدعهم تنطلي على احد,وأن الخطاب الرسمي فقد معناه فلم يعد يعني المواطن قي شيئ لأن لغة الأزمة وحدتها اكثر بلاغة من اي خطيب.وهو بالتالي لا يعدو كونه محاولة يائسة لكسب ود الشعب الذي فقدوه منذ أن شنت عليه حرب لا يزال يتسآل الى اليوم عن اسبابها ولمصلحة من كان هذا؟
ج)-إن النظام الذي لا يتوانى في تقديم التنازلات بمناسبة وبغير مناسبة ,تحسبا لأية متابعة في المستقبل يمكن ان تنجم عن اي تناقض في المواقف بينه وبين من جعل منهم حماته لايمكنه اليوم ان يفرض عليهم اي شيئ. وقد كان اكرم له تحمل تبعات تصرفاته بدل الإسترسال في مزيد من الحماقات التى من شأنها ان تزيد في تعقيد الوضع ,ولكن الذي لا يعرف للكرامة معنى يقبل على اي تصرف ارعن حتى ولو كان الخاسر هو نفسه لأن ما دأبوا عليه من تواطؤ مع اعداء الله والأمة جعل منهم مجرد قائمين بالأعمال في بلد لا يتحكمون فيه إلا إذا تعلق الأمر بإظطهاد الشعب وترويع الناس والتضييق عليهم في الرزق والبعد عن الله والتصالح مع الشيطان والدفاع عن الرذيلة والتنكر للفظيلة.

د)-الزج بالنظام الجزائري في حرب لم يعد يحبذها نظرا لتداعياتها على مستقبله السياسي كونه سيكون مضطرا عن التخلي عن الجبهة الداخلية لصالح المعارضين في مجتمع بلغ من الإحتقان درجة تجعله قابلا للإنفجار في اية لحظة في إنتظار الأسباب والظروف الملائمة والتى قد تكون آخر مسمار يدق في عرش النظام-رغم التظاهر بعكس ذلك في صورة تصريحات وزير الخارجية مدلسي التي ابدى من خلاها تحمس الجزائر لها- ولكنه مكره على خوضها والمساهمة في أعبائها من حيث العدد والعدة أجهزت على ما تبقى من مصداقية للدولة ككيان دستوري وساهمت بشكل كبير في الجرأة التى سمحت لوزير الدفاع بمخالفة العرف الديبلوماسي والكياسة في التعاطي مع الطرف الآخر في رد فعل اقل ما يمكن ان يقال عنه بأنه فظ ومتعجرف لا يوحي بأن صاحبه تقلد يوما ما وظائف رسمية تعد المجاملة اهم سماتها.هذه الحرب الذي كلفه الإستعداد اليها:
-إنشاء ناحيتين عسكريتين فرعيتين بجنوب البلاد,1

2-إرسال 35 الف جندي الى هاتين الناحيتين ليكونوا في الخطوط الأمامية ليقاتلوا بالوكالة عن الناتو .وبذلك تكون الولايات المتحدة مستفيدة من كل شيئ (وضع اليد على مناجم الذهب واليرانيوم والماء وغير ذلك من المعادن الثمينة التى تزخر بها هذه المنطقة من القارة السمراء من ناحية والحيلولة دون وصول المد الإسلامي الى القارة العجوز,وذلك من خلال محاولة التأثير على المشهد السياسي في الدول المحاذية لمنطقة النزاع لمنع تكرار السيناريو التونسي والمصري مع ضمان ديمقراطية تضمن ادنى الحقوق لمواطنيها ولا تهدد في ذات الوقت مصالح الغرب بها التى يجب ان تظل مهيمنة بلإضافة الى هدف إستراتيجي لا يقل اهمية على الأهداف المذكورة والمتمثل في إنشاء فضاء يسهل فيه تطبيع العلاقات مع إسرائيل وضمان امنها بالتالي)في حين لم تخسر اي شيئ:المال المسخر لمجهود الحرب جزائري وكذلك العنصر البشري الذي ارسل الى هناك ليكون كبش فداء تحت مسمى مكافحة القاعدة في المغرب الإسلامي.

هذا المشروع المستقبلي الذي تعد له الولايات المتحدة منذ زمان بعيد سيترتب عليه تقسيم الجزائر الى خمسة دويلات تقتطع بموجبه جزءا من الجزائر من الناحية الشرقية الجنوبية تضم لتونس او تعطى لها ميزة الدولة المستقلة فيما بعد وكذلك الحال بالنسبة للجزء الذي سيقتطع من وسط الجنوب والذي سيشكل اهم الكيانات الدستورية مستقبلا والذي سيضم منطقة شاسعة من الجنوب الكبير تمتد ال كل من النيجر ومالي والتي ستركز عليها الولايات المتحدة للإعتبارات التى ذكرتها سابقا فيما سيتنتزع قطعة من الجنوب الغربي ستضم الى المغرب لحل مشكل رسم الحدود بين البلدين كما هو الحال مع تونس.في حين يشكل الشمال الحالي للبلاد الجمهورية الخامسة-بعد جمهورية وسط البلاد – والتى سيسيطر عليها القبائل بدعم من فرنسا لإنهاء للنزاع المتعلق بالهوية الأمازيغية,وهذا لضمان الإستقرار الذى ظلت تفتقده الولايات المتحد ة لخدمة اجندتها واجندة حلفائها من الغرب.

لهذه الإعتبارات ولإجلها,تقف القوة العظمى من النظام الجزائري موقف المستهترمع ما له من إنعكاسات على الشعب حتى لو كان غير معنى بهذا التصرف الخارج عن حدود اللياقة كونه الخاسر في النهاية لأن البلد الذي يعيش فيه فقد كل مواصفات الدولة واصبح مضرب الأمثال في التخلف والرداءة ونموذجا سيئا لما يمكن ان تكون عليه الأمة التى تسلم امرها الى الرعاع الذين لا عهد لهم ولا ذمة في بلد يتجه تدريجيا لكي يكون باكستان إفريقيا.
محمود حمانه – موظف متقاعد – الجزائر