مقالات

الإنتخابات بين وعود وقصورالمترشحين وعزوف المواطن| محمود حمانه

– الإنتخابات هي أكثر من مجرد إلقاء ورقة التصويت في صندوق .هي ثقافة وتعبير عن الحس الوطني وعن تصور واضح للمستقبل من خلال توفر مشروع مجتمع كبديل عن الصيغ التى لفظها الجزائريون على مدى الخمسين عاما الماضية وهي في للمجتمعات الحظاريةحدثا وطنيا تسخر له كل الوسائل ويستقطب أنظار الناس وتلقى من اإهتمام ما تلقاه كرة القدم عندنا او اي حدث آخر غير ذي بال.عندما ارى فيهم هذا الحماس وحرسهم على اداء هذا الواجب بنفس الإصرار في الدفاع عن غيره من الحقوق ادرك سر تفوقهم ورقيهم واسباب تقهقرنا وتخلفنا,ذلك أنهم أصحاب سلوك حضاري يضعون حقوقهم وواجباتهم على نفس القدرمن المساواة.المواطن في البلدان الراقية لا يرضي ان يفتك منه هذا الحق ونحن نتنازل عليه دون مقابل ثم نعود لنتسآل كيف وصلنا الى هذا الوضع وكيف سادت الأمم الخرى وفشلنا نحن,لأنهم بكل بساطة مقتنعين بأن طريقهم الى المستقبل يمر حتما عبر صناديق الإقتراع ولا يقرر جزافا في المقاهي او يترك للصدف تعبث به كيف تشاء او يبنى على اسس غير مدروسة ومرتجلة.

– هذه الشروط التى هي في ذات الوقت قيم نفتقر اليها كما نفتقر للكثير من الفظائل الغائبة او المغيبة عن مجتمعنا بسبب الكثير من العوامل والإعتبارات ومسؤوليتنا في هذا بكل تأكيد.

– امر الإنتخابات لا يمكن ان يستتب في الأوضاع المتردية والأزمة المتعددة الجوانب التى تعصف بالمجتمع حتى يمكنه الرقي الى المستوى الذي يتعامل فيه مع الإنتخابات بشكل حضاري بعيدا عن كل الحساسيات والعصبية القبلية والأفكار المسبقة كي لا يبقى تصور العامة لها رهين الفكر العشائري والجهوي.
نحن لا يمكننا الحديث عن الأنتخابات وفق المعاييرالمنطقية و السواد الأعظم من الناس لا يزال يحتكم الى إعتبارات الصداقة والجوار والمحيط ولجملة من المقاييس الأخرى التى لا يتسع المجال لذكرها.

– كيف يمكننا الحديث عن الإنتخابات على وقع المرجعيات المختلفة والمتباينة احيانا التى يعود اليها الناس لحسم إختيارهم بدلا من التبصر والموضوعية والإختيار المتوازن؟
كيف يمكن الحديث عن الإنتخابات ونحن نفتقر الى الصراحة والإخلاص مع انفسنا,إذ تسمع هنا هرجا ولغطا كثيرا لا يعكس رأي اصحابه.ففي النوادي يخيل اليك انك تقف امام معارضة لا تبقي ولا تذر وحينما تطالعنا الصحف عن النتائج غداة الإقتراع,لا نجد لهذه المواقف تفسيرا,فهم يعارضون في الشكل ويتفقون مع من يدعون معارضتهم في الكواليس التى تتحدد فيها المواقف الحقيقية بعيدا عن رقابة الرأي العام وفضول المتطفلين والمشاكسين ثم نتسآل فيما بعد: كيف جاءت النتائج مخالفة لتلك المواقف؟

– كيف نلوم صعود الصعاليك وتوليهم مقاليد الأمورفي البلاد حينئذ وكيف نعيب عليهم هذا وقد إستطاعوا شراء ذممنا بحطام الدنيا وقدم لهم الكثير منا اسباب الدعم والمؤازرة تحت ذرائع مختلفة تتراوح من المصالح الشخصية الى التصدي للأصولية الدينية مرورا بالإنتقام الذي يشكل هو الآخر اهم الدوافع لخوض بعض المترشحين غمار الإنتخابات وكأن تطلعات المواطن وهمومه غير جديرة في تصوره بالإهتمام؟
كيف يمكن لنا العثور على العناصر المناسبة في حين فكرنا في كل شيئ عدا المصلحة الوطنية التى هي آخر إهتماماتنا رغم ما ندعيه من إخلاص للبلاد وخدمة المواطن؟
كيف يمكن هذا والمشهد السياسي لم يتغير منذ الإستقلال والوعي السياسي كذلك.
المواطن لا يعرف من الأحزاب إلا جبهة التحرير الوطني وما عداها لا يقيم لهم المجتمع وزنا بل يذهب الى حد التشكيك في مصداقيتهم كونهم نافسوا الحكومة والحزب الذي في تصورهم كان وراء إستقلال الجزائر عن فرنسا؟

– المواطن لم يتعود على الإنتخابات بل على تزكية من إختارتهم جبهة التحرير الوطني وظل هذا التصور سائدا لديه الى اليوم.

وعليه,فإن مسألة التعددية لا تعنى شيئا بالنسبة للكثير من الناس إلا كونهم وصوليين دفع بهم الطمع الى منافسة الحزب العتيد..بغية نيل نصيبهم من الغنائم.والغريب في الأمر هو أنه لا يعيب على صقور الجبهة هذا التوجه.

– ذكرى جبهة التحرير الوطني صاحبة الماضي المشرف لا تزال عالقة في ذهن المواطن رغم أن التحولات التى عرفتها غداة الإستقلال قد حولتها الى حزب هجين لا يستحقكل هذا الإجلال والتقدير.

– المواطن لا يدري بأنه حينما يختار ممثليه كيفما إتفق يجني على نفسه وعلى مستقبله نتيجة تداعيات هذا القرار المستقبلية على حياته وحياة اولاده.هو لا يعلم بأن من إختارهم اليوم من غير تبصر ولا روية هم صناع السياسة في الغد التى سيتحمل هو تبعاتها في شكل الخدمات والظرائب والمرافق العامة وأنه هم من سرسمون سياسشة التعليم في البلاد ويوجهون دفة الإقتصاد ويتحكمون في كل الأمور التى تهمه.

– هذه هي الثقافة السياسية التى لا يعيرها الكثير من الناس أي إهتمام رغم ما لها من خطورة,إذ لا يزالون متمسكين بذاك التصور الذي يقضي بأن إلإشتغال بالسياسة مضيعة للوقت وسمة الفاشلين,وهذا هو سبب تخلفنا لأن أي تقصير من طرفنا في القيام بواجبنا القومي واداء دورنا السياسي من خلال ممارستنا لحقوقنا كمواطنين يترتب عليه حتما معاناتنا وضنك عيشنا.

– المواطن لا زال لم يدرك بأن ورقة الإنتخاب التى لا يحرس على الحصول عليها ولا يتأثر بفقدانها لا تقل اهمية عن النقود التى يحملها في محفظة جيبه بل هي النقود بعينها.

– المواطن في الدول المتقدمة بلغ هذه الدرجة من الرقي لأنه على وعي بكثير من الأشياء التى نمر عليها نحن مرور الكرام ونعتبرها غير ذات قيمة.نخرب محيطنا بإلقاء النفايات في كل مكان ثم نتسآل فيما بعد كيف نكون عرضة للأمراض ولماذا مددنا على هذا القدر من القذارة وتعجبنا مدن الغرب ونغفل عن التساؤل:كيف وصلنا الى هذا المستوى من التردي ولماذا تعانى مدننا من التشويه لتكون اقرب الى محطات معالجة النفايات اقرب منها الى المدن؟

– الرئيس” جورش بوش” الأب فاز على غريمه” آل غور” في الولايات المتحدة الأمريكية بفارق 58 صوتا فقطومن هنا ندرك قيمة البطاقة وتأثيرها على الصراع المحتدم الذي يخوضه الساسة لإعتلاء سدة الحكم.في حين عندما تسأل شخصا في الجزائر عن سبب فتوره حيال الإنتخابات؟اجابك:باننا إنتخبنا كثيرا,وماذا كانت النتيجة؟إنتخبنا كثيرا صحيحوولكن هل إنتخبنا بطريقة وبوعي يسمح لنا بأن نكون سادة مصيرنا؟لا أظن ذلك.عندما اسمع هذا الكلام يخيل الي كان المر لا يهمه او أنه ينتظر من يقدم له الحلول.كالذي يراهن على حصان خاسر حتى غذا جاءت النتائج مخالفة لتوقعاته ظل يندب حظه ويصب جام عضبه على الظروف في حين ينسى أنه السبب الرئيس فيما تعرض له من فشل.

– مسار الشعوب اثبت أن اكثرها رقيا هي تلك التى يرتفع فيها المواطن بوعيه السياسي ولا يتركها للصدف والإحتمالات لأنه مدرك إذا كان هو من المفرطين في مستقبله,فكيف يلوم من ولاهم على مصيره فيما بعد؟

– المشكلة إذا ليست السلطة ولا قانون الإنتخابات ولا المشرفين عليها ولا حتى الذين يستغلون هذه المناسبات من المترشحين بدافع من الوصولية ولكن ان نبحث بداخلنا عن اسباب إخفاقنا ونعالجها بدل البحث عن الذرائع للتغطية على تقصيرنا وهروبنا من مواجهة مسؤولياتنا والتحديات التى يطرحها المحيط الدولي بما تتطلبه هذه التحديات من مواقف جادة ونظرة ثاقبة وموضوعية وتفان وإخلاص تجاه أنفسنا وإتجاه غيرنا من الأمم كي نحذو حذوها ونستفيد من تجارها خدمة لأهدافنا القومية.

محمود حمانه,موظف متقاعد-الجزائر