مقالات

فرنسا التي تبيع لكم الريح | مسعودة بوطلعة

أما بعد..
132 سنة.. لو أرادوا بنا خيرا

تذكر المصادر التاريخية، أن أول عملية إشهارية تمت في تاريخ الإنسانية، قام بها شاب كان أخوه يبيع الفحم، بينما يقوم هو بالإشهار للسلعة، فيمر على البيوت والمداشر، ويتقاسم معه الفائدة، وعندما سألته أمه عن مصدر الأموال، وماذا يبيع مع أخيه؟ قال ”أبيع الريح”. ولم يكن هذا الشاب إلا فرنسيا.. والظاهر أن تجارة ”بيع الريح” مهنة متوارثة عند الفرنسيين مثل الجينات، لا يمكن أن ينسلخوا منها وهذا طبعهم وسيكون دائما، خاصة إذا تعلّق الأمر بالجزائر. فسبق للفرنسيين أن باعوا الريح للجزائريين، حتى قبل الاحتلال، حين رفضوا تسديد ديون الدولة العثمانية، بينما يطالبون اليوم بأملاك المعمّرين، واستمرّوا في بيع الجزائريين الريح، من الأمير عبد القادر والاتفاقيات التي قضت على مقاومته.. إلى الأحزاب السياسية مع عشرينيات القرن الماضي، أين عادت سلطات الاحتلال وضيّقت على مناضليها بمجرد رفعهم مطلب الاستقلال.. إلى اعتقالهم بعد ذلك.. إلى مجازر 8 ماي ,1945 بعد أن وعدوا الجزائريين بمنحهم الاستقلال على إثر مشاركتهم في الدفاع عن فرنسا ضد النازية، ثم مشروع قسنطينة لاستمالة الجزائريين وتحريضهم ضد جبهة التحرير الوطني آنذاك، إلى اقتراح سلم الشجعان .. كلّها محطات باعت فيها فرنسا الريح للجزائريين، بغية الوصول إلى تحقيق مصالحها لا غير.. وحتى بعد الاستقلال في المجال الاقتصادي أو الثقافي أو التاريخي، لم تبع فرنسا إلا الريح للجزائريين، سواء في إقامة شراكة اقتصادية حقيقية تقوم على تبادل المصالح، أو في الشراكة الثقافية، باحترام هوية كل شعب، لغة وتاريخا ودينا، أو المسألة التاريخية أين صفعت فرنسا الجزائر مرات متتالية، كانت أقواها صفعة قانون 23 فيفري ,2005 الذي يمجّد الاستعمار.. ومع ذلك بقي النظام الجزائري -ولا أقول الجزائر- يمدّ يده متسوّلا رضا فرنسا الحبيبة، وما التهويل الذي تشهده زيارة الرئيس فرانسوا هولاند والاستعدادات الصاخبة لها، إلا صورة لهذا التسول على أبواب الإليزيه، ومن قال أن فرنسا تتسوّل الجزائر فهو خاطئ، بل هذا النظام من يتسول رضا فرنسا، واضعا تحت أقدامها مصلحة الشعب الجزائري، فقط ليضمن بقاءه ويتجنّب ما حدث لغيره من الأنظمة القريبة والبعيدة والمجاورة..
وكيف لا؟ وفرنسا التي تعوّدت بيع الريح – ولن تبيعنا إلا الريح أيضا- أصبح الجميع يدرك نواياها في المنطقة حتى الجزائريين. وقد تطور مفهومها للمتاجرة بالرياح، فأصبحت صانعة للرياح، بل العواصف البحرية والزوابع الرملية، من أجل أن تنقذ نفسها من أزمة اقتصادية خانقة، وما شهدته ليبيا وما تتعرض له حاليا، إلا من صنع العواصف الفرنسية، وما تريد أن تصنعه بمالي أيضا، هي إحدى الزوابع الفرنسية التي تريد أن تصنعها في ظهر الجزائر، كخلفية تساوم عن طريقها هذا النظام ولا أقول الجزائريين، لأن دماء الشهداء لم تجف بعد من أرض الجزائر.. وكان على الجزائر التي تحتفل بخمسينية استقلالها، أن تزيّن فالمة وخراطة وسطيف وسكيكدة لاستقبال هولاند، لكي يزور المداشر التي أبيدت والأفران التي أحرق فيها الجزائريون، وملعب 20 أوت أين دفن الجزائريون أحياء وجرحى، حتى يقتنع أن صفحات التاريخ التي تريد فرنسا أن تقلبها ثقيلة جدا، والعودة إلى الحديث عن استعادة أملاك الحركى والأقدام السوداء، كمن ينفث في الرماد لإثارة النار، ولا يمكن أن يُفتح هذا الملف إلا إذا كانت فرنسا قد باعت لنا الريح أيضا في اتفاقيات إيفيان، التي يجب إعادة النظر فيها بعد 50 سنة من الاستقلال .. وكما كانت تقول عجوز مجاهدة لي دائما ”يا ابنتي لو أرادوا بنا الخير لكانوا فعلوه طيلة 132 سنة ليس الآن”.

http://www.elkhabar.com/ar/autres/makal/315055.html

تعليق واحد

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق

  • اولا شيئ ا جميلا أن تهتم إمراة بالشأن السياسي وهذا نادرا ما يحدث.
    بالعودة لموضوع تعاطي فرنسا مع الجزائر,اعود وأكرر بأن الخطأ ليس خطؤها وإنما تقصيرا من الشعب في الذود عن كرامته والكف عن تعليق فشله على شماعة الآخرين.
    الشعوب العربية التى إستطاعت لحدالآن الإنقلاب على أنظمتها كانت تعانى مثلما نعانى نحن اليوم وأكثر ولكن حينما قررت التغيير لم تأخذ بعين الإعتبار ايا من المعطيات عدا توكلها على الله والأخذبأسباب التغيير دون مراعاة للعوامل الخارجية.
    وإذ لم نحذ حذوهم سيظل هذا هو حالنا الى يوم يبعثون..
    الزعم بأن ما يحدث في الوطن العربي من تحولات هو بعل الأجندة الأمريكية واهم ويبحث عن الأسباب لفشله وعدم رغبته في الإنتفاضة وتقديم التضحيات التى تتطلبها اما الشعوب العظيمة كما قلت سابقا لا تعير اي إهتمام لمثل هذه الإدعاءات.
    لو فكرت مجموعة ال22 بمثل هذا المنطق ما حصلت الثورة ولكنهم كانوا رجالا بأتم معنى الكلمة عقدوا العزم على الله وآمنوا بقدراتهم وبذلك تمكنوا من كتابة اروع صفحات المجد.
    والى ان يتم التحول المطلوب في تفكيرنا وتصرفاتنا,ستظل فرنسا وغيرها يبيعون لنا الريح ونحن نتكالب عليه على اساس أنه الحرية والديمقراطية والحظارة الى غير هذا من المسميات الرنانة التى لا تسمن ولا تغني من جوع.